موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

 

 

«عليه السلام» ولأصحابه عموماً قد قام بطلب الأمان من ابن زياد للعباس «عليه السلام» وإخوته رجلان من أخوالهم وهما عبد الله ابن أبي أنجل الكلابي خاله شقيق أمه أم البنين والشمر بن ذي الجوشن الكلابي الضبابي وكانت له منزلة عند ابن زياد ومكانة مكينة فقاما إليه لما صمم على قتل الحسين «عليه السلام» وطلبا منه الأمان لبني أختهم العباس وإخوته.

                ذكر ابن الأثير في تاريخ الكامل(1) والطبري في تاريخ الأمم والملوك ولفظه(2) أبو مخنف عن الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن شريك العامري قال: قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب – يعني بقتل الحسين «عليه السلام» - قام هو وعبد الله بن أبي المحل وكانت عمته أم البنين أبنة حزام عند علي بن أبي طالب «عليه السلام» فولدت له العباس وعبد الله وجعفر وعثمان وقال عبد الله بن أبي المحل بن حزان بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب: أصلح الله الأمير إن بني أختنا مع الحسين، قال: رأيت أن تكتب لهم أماناً فعلت؟ قال: نعم ونعمة عين، فآمر كاتبه فكتب لهم أماناً فبعث به عبد الله بن أبي المحل مع مولى له يقال له كزمان فلما قدم عليهم دعاهم فقال: هذا أمان بعث به خالكم، فقال الفتية: إقرأ خالنا السلام وقل له: لا حاجة لنا في أمانكم أمان الله خير من أمان ابن سمية.

                قال: فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد فلما قدم عليه فقرأه فقال له عمر: مالك ويلك لا قرب الله دارك وقبح ما أقدمت به علي والله إني أضنك أنت نهيته أن يقبل ما كتبت به إليه فأفسدت علينا أمر كنا رجونا أن يصلح، لا يستسلم والله حسين إن نفس أبيه بين جنبيه، فقال له شمر: وما أنت فاعل؟ أتمض لأمر أميرك وتقتل عدوه وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر، فقال: ولا كرامة لك وأنا أتولى ذلك منهم، قال: فدونك أنت فكن على الرجالة.

                قال: فنهض إليه عشية الخميس لتسع مضين من المحرم، قال: وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين «عليه السلام» وقال: أين بنوا أختنا؟ فخرج إليه العباس وجعفر وعثمان بنو علي فقالوا له: مالك وما تريد؟ فقال: أنتم يابني أختي آمنون، فقال الفتية: لعنك الله ولعن أمانك وإن كنت خالنا أتؤمننا وابن رسول الله (ص) لا أمان له، إنتهى.

(1) الكامل في التاريخ 4/ 33.                                       (2) تاريخ الطبري 6/ 236.

(237)

                وفي العبارة غلط واضح وقوله «عمته عند علي» والظن أن الأصل أخته كما هو صريح آخر العبارة وقد صرح الطبري وغيره أن حزام والد عبد الله وأم البنين يكنى بأبي المحل ذكره في خلافة أمير المؤمنين ولكن سبط ابن الجوزي في التذكرة(1) ذكر عن الطبري أن جرير بن عبد الله بن أبي المحل كانت أم البنين عمته فأخذ لهم أماناً هو وشمر وعليه تسقيم العبارة، وإن في النسخة المطبوعة سقط، وقولهم في آخر العبارة «أبلغ خالنا» إن ذلك يقال لسائر عشيرة الأم.

                أما الشيخ المفيد فذكر أمان الشمر خاصة والسيد ابن طاوس وابن نما كذلك ونص السيد (رحمه الله) في الملهوف(2): ورد كتاب عبيد الله بن زياد على عمر بن سعد يحثه على تعجيل القتال ويحذره من التأخير والإمهال فركبوا نحو الحسين «عليه السلام» وأقبل شمر بن ذي الجوشن ونادى: أين بنو أختي عبد الله وجعفر والعباس وعثمان؟ فقال الحسين «عليه السلام»: أجيبوه ولو كان فاسقاً فإنه بعض أخوالكم، فقالوا له: ما شأنك؟ فقال: يابني أختي! أنتم آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد، فقال له العباس بن علي: تبت يداك وبئس ما جئت به من أمانك يا عدو الله، أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟! فرجع الشمر إلى عسكره مغضباً، إنتهى.

                ومثله ذكر ابن نما في مثير الأحزان(3).

                وهذا أمر مشهور عند ارباب المقاتل فلا يتطرقه شك ولا يطرأ عليه أرتياب وهذا هو الإباء الحر وهذه هي الحمية الخالصة والأنفة العربية المحضة فإن عد ابن المهلب وابن الزبير من الأباة الآنفين من المذلة وقد بذل لهما الأمان مرة واحدة وقد تكرر بذل الأمان للعباس وإخوته فكان أربع مرات مرتان له بالأشتراك مع أخيه الحسين «عليه السلام» في أمان عمرو بن سعيد وأمان عبيد الله بن زياد للحسين وأصحابه وقد رفض أبو عبد الله الحسين الأثنين وأبو الفضل معه، ومرتان كانتا له خاصة كما سمعت فرفضهما أيضاً أبو الفضل وقد أحسن مؤبنه بقوله:

أبا الفضل يامن أسس الفضل والإباء             أبى الفضل إلا أن تكون له أبا

                وقال الشيخ محمد رضا الأزري البغدادي من قصيدته:

وأشم لا يحتل دار هضيمة                                  أو يستقل على النجوم رغامها

(1) تذكرة الخواص: ص142.                        (2) الملهوف: ص77.

(3) مثير الأحزان: ص31.

(238)

                وللمؤلف:

أبو الفضل رد أمان العدى                 وسار إلى الموت مستعجلا

وقال اخسؤوا يا عبيد الورى             فلسنا نطيع شرار الملا

أنخضع للذل لا والحفاظ                  ومجد أبينا علي العلا

وطعم المنية عند الحفاظ                      وإن كان مراً لدينا حلا

ألا حبذا الموت موت الكرام             على العز والذل منا فلا

وللحر نفس تعاف الهوان                   وتهوى على العز أن تقتلا

فهيهات نذعن لابن الدعي                 وحكم الطليق لئيم الملا

وهاذي السيوف بأيماننا                       عطاش الحدود لورد الطلا

فلسنا نغادر أرض الطفوف                ولم نرتحل قط عن كربلا

وقد تبعتنا طيور السما                          تروم قراها ووحش الفلا

سنشبعها من لحوم العدا                     فلا تشتكي الجوع مستقبلا

وقد صدق القول منه الفعال              ونال الفخار وحاز العلا

                وللمؤلف أيضاً:

أليس أبو الفضل الذي أسس الإبا                   وسن لنا شرع الحفاظ جديدا

فكم مرة أعطي الأمان فعافه                              وخير فأختار الممات حميدا

تردى ثياب الفخر بيضاً نقية                              أجدن المعالي نسجهن برودا

فنفسي الفدا للمكتسي الحمد والثنا                   ومستطعم مر الحفاظ برودا

فما حدثته النفس إن حياته                                   ألذ وأحلى أن يموت سعيدا

وما حدثته النفس أن يحيى ساعة                       يرى حاكماً في المسلمين يزيدا

 ومن صفات العباس بن علي «عليه السلام» النفسية المواسات:

                والمواسات ربما أشتبهت بالإيثار كما أختلط ذلك على بعض من لا تحقيق عنده.

الفرق بين المواسات والإيثار

                هي: أن الإيثار معناه تقديم من آثرته على نفسك وإن أضربك، والمواسات هي المساهمة بين نفسك وغيرك ولا يلزم من المواسات تقديم من واسيت على

(239)

نفسك بل يكفي في تحقيقها أن تشاركه في السراء والضراء إذا كانت المواسات في النفس، وفي العسر واليسر إذا كانت المواسات بالمال، والمواسات من الكرم والجود بكلا قسيمها أي المواسات بالنفس وبالمال، والتحقيق في ذلك أن المواسات والإيثار وإن كانا شعبة من شعب الكرم الذي هو نتيجة العفة ومن أكمل أخلاق النفس وأجل فضائلها إلا أنهما يفترقان من حيث المورد والسبب.

                أما المورد فإن الإيثار مورده حيث يمتنع الأشتراك لحصول المانع كتعذر الوصول إليه أو عدم كفايته للجميع وما شابه ذلك، والمواسات حيث يمكن الأشتراك.

                وأما السبب فالإيثار سببه علو الهمة وعظم النفس، والمواسات سببها دماثة الأخلاق ولطافة الشمائل وحسن الثقة بالله تعالى والأعتماد عليه في العسر واليسر.

معنى المواسات لغة:

                قال ابن الأثير في النهاية(1):الآسوة المواسات وهي بكسر الهمزة وفتحها القدوة، والمواسات المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق وأصلها الهمزة فقلبت واواً تخفيفاً.

                وقال الفيروزآبادي في القاموس: والإسوة بالكسر ولا يكون ذلك إلا من كفاف فإن كان من فضل فليس بمواسات.

                وقال الفيومي في المصباح المنير(2): الأسوة بالكسر والضم القدوة، وتآسيت به وتئسيت أقتديت،وآسيته بنفسي بالمد سويته، ويجوز إبدال الهمزة واواً في لغة اليمن فيقال: واسيته.

 معنى المواسات العقلي:

                قال ابن مسكويه الخازن في تهذيب الأخلاق(3): وأما المواسات فهي معاونة الأصدقاء والمستحقين ومشاركتهم في الأموال والأقوات.

                وقال أحمد بن أبي الربيع في سلوك المالك(4): والمواسات هي معاونة الأصدقاء والمستحقين وهي تنقسم إلى أقسام: أحدها بالمال كمواسات أهل الحاجة بماله والبر بهم ومراعاتهم، والثاني بالبدن وذلك كنصرة المرء صاحبه

(1) النهاية 3/ 13.                            (2) المصباح المنير 1/ 12.

(3) تهذيب الأخلاق: ص381.

(4) سلوك المالك في تدبير الممالك: ص29.

(240)

بالمضاربة دونه، والثالث بالعلم وذلك كتأديب الرجل صاحبه ومداواته بعلمه، والرابع في الكلام وذلك مناضلة المرء عن صاحبه بالخصومة عنه، إنتهى.

                وقد أكثر العرب من التمدح بالمواسات، فقال زهير بن أبي سلمى:

على مكثريهم حق من يعتريهموا                        وعند المقلين السماحة والبذل

                وعطاء المقل مواسات إذ لا فضل عنده.

                وقال رجل من بني عبد الله بن غطفان وقد جاور في طي وهو خائف:

جزى الله خيراً طيئاً من عشيرة          ومن صاحب تلقاهموا كل مجمع

وهموا خلطوني بالنفوس ودافعوا     ورائي بركن ذي مناكب مدفع

وقالوا أتعلم أن مالك إن يصب        نفذك وإن تحبس نزرك وننفع

                وقال المفضل بن المهلب بن أبي صفرة يتندم إذ لم يواسي إخوته إذ قتلوا وقد كان مصمماً على الموت فخدعه أحد إخوته وقال له: أنصرف إن الأمير يزيد يعني أخاه قد أنصرف لأنه خاف أن يعلمه بقتله فيستقتل فلما علم بقتل إخوته قال: فضحني عبد الملك أراد أن يقول الناس شيخ أعور مهزوم وكانت عينه ذهبت في الحروب وكان من أبطال العرب فقال يتذكر موقف إخوته المقتولين ويتأسف أن لا يكون قد واساهم:

هل الجود إلا أن نجود بالنفس         على كل ماضي الشفرتين قضيب

وما خير عيش بعد قتل محمد              وبعد يزيد والحرون(1) حبيب

ومن هز أطراف القنا خشية الردا      فليس لمجد صالح بكسوب

وما هي إلا رقدة تورث العلا            لرهطك ما حنت روائم نيب

                ثم استقتل في الوقعة الثانية فقتل هو ومن بقي من إخوته.

                وترقى بعض العرب إلى مواسات الحيوان فكان عدي بن حاتم يفت الخبز للنمل ويقول: إنهن جارات.

                وقال الفرزدق وقد نزل به ذئب فأشركه في طعامه:

وأطلس عسال وما كان صاحباً         رفعت لناري موهناً فأتاني

فلما دنا قلت أدن زورك إنني              وإياك في زادي لمشتركان

فبت أقد الزاد بيني وبينه                     على ضوء نار مرة ودخان

(1) حبيب بن المهلب بن ابن أبي صفرة الأزدي يلقب الحرون لصبره في الحرب.

(241)

                الخ، وشعر العرب في المواسات كثير منه قول عروة بن الورد العبسي المعروف بعروة الصعاليك:

أقسم نفسي في نفوس كثيرة                وأحسو زلال الماء والماء بارد

المواسات عند العرب

وأما أمثال العرب في المواسات:

                فمنها قولهم «إن اخاك من آساك» قال الميداني في مجمع الأمثال(1): يقال: آسيت فلاناً بمالي وغيره إذا جعلته إسوة لك وواسيت لغة فيه ضعيفة بنوها على يواسي ومعنى المثل أن أخاك حقيقة من قدمك وآثرك على نفسه يضرب في الحث على مراعاة الإخوان، وأول من قال ذلك خزيم بن نوفل الهمداني وذلك أن النعمان ابن ثواب العبدي ثم الشني كان له بنون ثلاثة:سعد وسعيد وساعدة وكان أبوهم ذا شرف وحكمة وكان يوصي بنيه ويحملهم على آدابه؛ أما ابنه سعد فكان شجاعاً بطلاً من شياطين العرب لا يقام لسبيله ولم تفته طلبته ولم يفر عن قرن، وأما سعيد فكان يشبه أباغه في شرفه وسؤدده، وأما ساعدة فكان صاحب شراب وندامى وإخوان.

                فلما رأى الشيخ بنيه دعى سعداً وكان صاحب حرب فقال: يابني! إن الصارم ينبو والجواد يكبو والأثر يعفو فإذا شهدت حرباً فرأيت نارها تسعر وبطلها يخطر وبحرها يزخر وضعيفها ينصر وجبانها يجسر فاقلل المكث والأنتظار فإن الفرار غير عار إذا لم تكن طالب ثار فإنما ينصرونهم وإياك أن تكون صدر رماحها ونطيح نطاحها.

                وقال لابنه سعيد وكان جواداً: يابني! لا يبخل الجواد فأبذل الطارف والتلاد وأقلل التلاح تذكر عن السماح، وأبلي إخوانك فإن وفيهم قليل وأصنع المعروف عند محتمله.

                وقال لابنه ساعدة وكان  صاحب شراب: يابني! إن كثرة الشراب تفسد القلب وتقلل الكسب وتجد اللعب فأبصر نديمك وأحمي حريمك وأعن غريمك وأعلم أن الظمأ القامح خير من الري الفاضح، وعليك بالقصد فإن فيه بلاغاً.

                ثم إن أباهم النعمان بن ثواب توفي، فقال ابنه سعيد وكان جواداً سيداً:

(1) مجمع الأمثال 1/47.

(242)

لآخذن بوصية أبي ولأبلون إخواني وثقاتي في نفسي فعمد إلى كبش فذبحه ثم وضعه في ناحية خبائه وغشاه ثم دعى بعض ثقاته فقال: يافلان! إن أباك من وفى لك بعهده وجاد لك برفده ونصرك بوده، قال: صدقت فهل حدث أمر؟ قال: نعم إني قتلت فلاناً وهو الذي تراه في ناحية الخبأ ولا بد من التعاون عليه حتى يوارى فما عندك؟ قال:إنها سؤة وقعت فيها، قال: فإني أريد أن تعينني عليه حتى أغيبه، فقال: لست لك في هذا بصاحب فتركه وخرج، فبعث إلى آخر من ثقاته فأخبره بذلك وسأله معونته فرد عليه مثل ذلك حتى بعث إلى عدة منهم كلهم يرد عليه مثل جواب الأول، ثم بعث إلى رجل من إخوانه يقال له خزيم بن نوفل فلما أتاه قال له: ياخزيم! مالي عندك؟ قال: ما يسرك وماذاك؟ قال: إني قتلت فلاناً وهو الذي تراه مسجا، قال: ايسر خطب فتريد ماذا؟قال: أريد أن تعينني حتى أغيبه، فقال: هان ما فزعت فيه إلى أخيك: وغلام لسعيد قائم معهما، فقال خزيم: هل أطلع على هذا الأمر أحد غير غلامك هذا؟ قال: لا، قال: أنظر ما تقول، قال: ما قلت إلا حقاً، فأهوى خزيم إلى غلامه فضربه بالسيف فقتله وقال: ليس عبد بأخ لك فأرسلها مثلاً، وأرتاع سعيد وفزع لقتل غلامه وقال: ويحك ما صنعت وجعل يلومه، فقال خزيم: إن أخاك من آساك، فأرسلها مثلاً، فقال سعيد: إني أردت تجربتك ثم كشف له عن الكبش وخبره بما لقي من إخوانه وما قد ردوا عليه، فقال خزيم: سبق السيف العذل.

                وقالوا: «حميم الرجل وآصله» قال الميداني أيضاً(1): أول من قال ذلك الخنابس بن المقنع وكان سيداً في زمانه وإن رجلاً من قومه يقال له كلاب ابن فارع وكان في غنم له يحميها فوقع فيها ليث ضاري وجعل يحطمها فأنبرى له كلاب يذب عنها فحمل عليه الأسد فخبطه بمخالبه خبطة فأنكب كلاب وجثم عليه الأسد فوافق ذلك من حاله رجلان الخنابر بن مرة وآخر يقال له حوشب وكان الخنابر حميم كلاب فأستغاث بهما كلاب فحاد عنه حميمه وخذله وأعانه حوشب فحمل على الأسد وهو يقول:

أعنته إذ خذل الخنابر                           وقد علاه مكفهر خادر

هرامس جهم له زماجر                     ونابه حرد عليه كاسر

أبرز فإني ذو حسام حاسر                  إني بهذا إن قتلت ثائر

(1) مجمع الأمثال 1/ 134.

(243)

                فعارضه الأسد وأمكن سيفه من حضينه فمر بين الأضلاع والكتفين فخر صريعاً وقام كلاب إلى حوشب وقال: أنت حميمي دون الخنابر وانطلق كلاب بحوشب حتى أتى قومه وهو أخذ بيد حوشب يقول: هذا حميمي دون الخنابر ثم هلك كلاب بعد ذلك فأختصم الخنابر وحوشب في تركته فقال حوشب: أنا حميمه وقريبه فقد خذلته ونصرته وقطعته ووصلته وصممت عنه وأجبته فأحتكما إلى الخنابس، فقال: وما كان من نضرتك إياه؟ فقال:

أجبت كلاباً حين عرد أنفه                 علاه عبوس مكفهر غضنفر

فلما دعاني مستغيثا أجبته                     وخلاه مكبوباً على الأرض خنبر

مشيت إليه مشي ذي العز إذ غدا                       وأقبل مختال الخطا يتبختر

فلما دنى من غرب سيفي حبوته                        بأبيض مصقول الطرائق يزهر

فقطع ما بين الضلوع وحضنه           إلى حضنه الثاني صفيح مذكر

فخر صريعاً في التراب معفراً             وقد زار منه الأرض أنف ومشفر

                فشهد القوم أن الرجل قال هذا حميمي دون الخنابر، فقال الخنابس عند ذلك: حميم الرجل وآصله وقضى لحوشب بتركته وسارت كلمته مثلاً.

                وقالوا: «إن أخا العزاء من كان معك» قال الميداني أيضاً(1): العزاء السنة الشديدة أي إن أخاك من لا يخذلك في الحالة الشديدة، إنتهى، وفي معناه قول الشاعر:

إن أخاك الصدق من كان معك         ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريب الزمان صدعك           شتت فيه شمله ليجمعك

                ولهذه الأبيات حكاية ظريفة وقعت للمأمون العباسي فأطلبها، ولآخر في معناه:

وإن وابن عم المرء من شد أزره         ومن كان يحمي عنه من حيث لا يدري

                فالمواسات عند العرب من أل مآثرهم التي يمتدحون بها ويفتخرون فيها جاهلية وإسلاماً.

                وقد أكدها الشارع المقدس وحث عليها والأحاديث في الحث عليها كثيرة منها ما رواه الحر العاملي في كتاب وسائل الشيعة(2) عن الإمام أبي عبد الله جعفر

(1) مجمع الأمثال 1/ 36.                                (2) وسائل الشيعة 2/527.

(244)

بن محمد الصادق «عليهما السلام»: لم يدع أحد معونة أخيه المسلم حتى يسمع فيها ويواسيه إلا أبلي بمعونة من يأثم به ولا يؤجر.

                وعن معلى بن خنيس قال: خرج أبو عبد الله الصادق «عليه السلام» في ليلة وقد رشت السماء وهو يريد ظلة بني ساعدة فأتبعته فإذا هو قد سقط منه شيء فقال: بسم الله اللهم رد علينا، فأتيته فسلمت عليه فقال: أنت معلى؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال: ألمس بيدك فما وجدت من شيء فأدفعه إلي، فإذا بخبز منتشر فجعلت أدفع إليه ما وجدت فإذا أنا بجراب من خبز فقلت: جعلت فداك! أحمله عنك، فقال: لا أنا أولى به منك ولكن أمض معي فأتينا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدس الرغيف والرغيفين تحت ثوب كل واحد منهم حتى أتى على آخره ثم أنصرفنا فقلت: جعلت فداك! يعرف هؤلاء الحق؟ فقال: لو عرفوا لواسيناهم بالدقة والدقة هي الملح، إلى آخر ما رواه في الوسائل.

                ومن طريق أهل السنة ما في حلية الأولياء(1) للحافظ أبي نعيم الأصبهاني الشافعي عن الحسين بن علي عن أبيه علي «عليهما السلام» قال: أشد الأعمال ثلاثة: إعطاء الحق من نفسك، وذكر الله على كل حال، ومواسات الأخ في المال، إنتهى، والأحاديث كثيرة.

                وإذا عرفت معنى المواسات وحقيقتها وأنواعها الأربعة بقي معرفة ثمرتها وفائدتها.

فائدة الموسات وثمرتها:

                ولها فائدتان مهمتان دنيوية وأخروية:

                أما الفائدة الدنيوية فأكتساب الحمد والثناء وهو أول مطلوب للأشراف يشترونه بأغلى الأثمان فالمواسي يجمع أنواع الأربعة وخاصة المواسات بالنفس والمواسات بالمال فإنهما يكسبان المتصف بهما مجداً وسؤدداً ويورثانه فخراً وعزاً ويوجبان له الثناء المؤبد والمدح الخالد ما دام النوع البشري يدب على وجه الكرة الحدباء.

                وأما الفائدة الأخروية إن كان الداعي للمواسات هيا لتقوى وسببه الصلاح لا كما يفعله أهل الجاهلية من إرادة المدح والتقريظ فالأجر المضاعف والحباء الجزيل في جنات عدن التي أعدت للمتقين.

(1) حلية الأولياء 1/ 85.

(245)

مواسات العباس بن أمير المؤمنين «عليهما السلام»

                وكانت مواسات العباس لأخيه الحسين «عليهما السلام» بثلاثة أنواع من المواسات بالنفس والمال والكلام فإن أحتجاجه على أهل الكوفة معروف شعراً ونثراً وقد نقلته المقاتل التواريخ، وكانت مواساته له ديانة وتقوى لم يرد بذلك إلا وجه الله وصلة رسوله محمد  (ص) وصلة الرحم لم يرد ذكراً ولا فخراً ولكن الله تعالى إذا علم من شخص حسن نية وإخلاص نشر فضائله وسير ذكره في الخافقين وقد مدح العباس بن علي «عليهما السلام» بهذه المواسات أئمة أهل البيت «عليهم السلام»:

                فقد قال الإمام جعفر بن محمد الصادق «عليهما السلام» للعباس «عليه السلام» في زيارته المروية في كامل الزيارة لابن قولويه «رحمه الله تعالى»: «أشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك فنعم الأخ المواسي لأخيه».

                وقال مولانا الإمام صاحب الزمان المهدي المنتظر «عجل الله فرجه» في الزيارة المعروفة بزياة الناحية:«السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي الساعي إليه بمائه، المقطوعة يده، لعن الله قاتله يزيد بن الرقاد الجنبي وحكيم بن الطفيل الطائي».

                أما الشعراء فأكثروا مدحه بالمواسات، قال بعضهم:

أحق الناس أن يبكى عليه                   فتى أبكى الحسين بكربلاء

أخوه وابن والده علي                         أبو الفضل المضرج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شيء                     وجاد له على ظمأ بماء

                وقال الشيخ جعفر بن نما الحلي (رحمه الله):

وحقيق بالبكاء عليه حزناً                    أبو الفضل الذي واسا أخاه

وجاهد كل كفار ظلوم                        وقابل من ضلالهموا هداه

فداه بنفسه لله حتى                               تفرق من شجاته عداه

وجاد له على ظمأ بماء                          وكان رضا أخيه مبتغاه

                وللمؤلف من ابيات:

نعم المواسي للحسين بنفسه               وبسيفه للدين نعم الآسي

(246)

                وللسيد محسن العاملي:

لا تنسى للعباس حسن بلائه              بالطف عند الغارة الشعواء

واسى أخاه بها وجاد بنفسه                في سقي أطفال له ونساء

رد الألوف على الألوف معارضاً      حد السيوف بجبهة غراء

                وله أيضاً:

واذكر أبا الفضل هل تنسى فضائله                  في كربلاء حين جد الأمر فالتبسا

واسى أخاه وفاداه بمهجته                                 وخاض في غمرات الموت منغمسا

                وللمؤلف أيضاً:

إن المواسات من أخلاق أسرته         في العسر واليسر والبأساء والبأس

فالمستجير بهم يأوي إلى حرم             سامي الذرى لاذ فيه سائر الناس

وكلما كان فيهم من مكارمهم             تجمعت لمواسي السبط عباس

من صفات العباس بن أمير المؤمنين «عليهما السلام» المناصحة للحسين «عليه السلام»

                وإمامه، فإنه «عليه السلام» بذل تمام الجهد في نصيحة أخيه الحسين «عليه السلام» وظهرت مناصحته له في الجهاد بين يديه والقيام بواجب الإخلاص والطاعة له.

                والنصيحة والمناصحة معناهما واحد ولكن اختلفا بالإضافة إلى ما نسبا إليه من المضافات إليهما فإن كان المورد مورد مشورة وإبداء رأي أو مدافعة قولية فقط فتلك النصيحة، وإن كان مورد مجالدة لا مجادلة بمقال بل بأجتذاب مشرفية وأعتقال يزنية فتلك المناصحة والمعنى واحد وهو الإخلاص قولاً وفعلاً.

                والنصيحة أفضل صفة في النوع البشري كما أن نقيضها وهو الغش أقبح خصلة في الإنسان، والنصيحة تجب لعامة المسلمين إعانة وإرشاداً بحق وإلى حق كما يحرم نقيضها وهو الغش لقوله (ص): من غشنا فليس منا يعني المسلمين.

                فإن كانت النصحية للمعصوم كالنبي والإمام كانت أعظم في الوجوب درجة وأبلغ تأكيداً وتطرف بعضهم فقال: هي واجبة لكل من أعتمد عليك ووثق بك وقد كان في طبع جماعة من الأشراف النصحية حتى للأعداء والأدلة العقلية والنقلية على لزوم النصيحة والألتزام بالمناصحة كثيرة.

(247)

معنى النصيحة والمناصحة لغة:

                قال الفيروزآبادي في القاموس: نصحه وله نصحاً بالضم نصاحة ونصاحية وهو ناصح ونصيح من نصح ونصاح والأسم النصيحة ونصح خلص.

                وقال ابن الأثير في النهاية(1): في الحديث: «إن الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» والنصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير المنصوح له وليس يمكن أن هذا المعنى بكلمة واحدة جمع معناه غيرها، وأصل النصيحة في اللغة الخلوص يقال نصحته ونصحت له ومعنى نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانية الله وإخلاص النية في عبادته، والنصيحة لكتاب الله هو التصديق به والعمل بما فيه، ونصيحة رسوله التصديق بنبوته ورسالته والأنقياد لما أمر به ونهى عنه، ونصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحق ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا، ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم، إنتهى.

                هذا مذهب أهل السنة ومعتقدهم في صحة إمامة الجائر وبئس الاعتقاد لا كرامة لفاجر ولا لجائر إذ الباري سبحانه أوجب مقاومة الجائر وردع الفاجر وكبح جماحة ورده عن الجور إلى العدل فإذ لم يتمكن فلا يركن إليه ولا يخالطه وليس هذا الكتاب موضع بيان ما ورد في الجائرين فلا تظن أن النبي (ص) أمر بمناصحة هؤلاء الفجرة الذين عناهم ابن الأثير وأهل مذهبه وإنما الذين تجب لهم المناصحة من الأئمة هم أئمة أهل البيت النبوي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والنصيحة لهم معناها التصديق بإمامتهم وأنها فريضة من الله ونص من رسوله (ص) والأنقياد لأوامرهم ونواهيهم، نعم يناصح من لا يجور من الخلفاء معونة للعدل ومساعدة للمساوات.

                وقال الميداني الحنفي في مجمع الأمثال(2) في تفسير هذا الحديث: الأصل في النصيحة التلفيق بين الناس من النصح وهو الخياطة وذلك أن تلفق بين التفاريق وهذا من حديث يروى عن رسول الله وتمامة: قالوا: لمن يارسول الله؟ فقال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

                قالت العلماء: النصيحة لله أن يخلص العبد العمل لله، والنصيحة لرسوله (ص) أن يصفو قلبه في قبول دعوة النبوة ولا يظهر خلافها، والنصيحة للمسلمين أن لا يتميزوا عنه في حال من الأحوال، وقيل: النصيحة لأئمة المسلمين أن لا يشق

(1) النهاية 3/ 48.                            (2) مجمع الأمثال 1/ 182.

(248)

عصاهم ولا يعق فتواهم.

                وقال الشريف الجرجاني في التعريفات(1): النصح إخلاص العمل عن شوائب الفساد والنصيحة هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح والنهي عما فيه الفساد، إنتهى.

مظاهر النصيحة وأسبابها وثمراتها

                للنصيحة مظاهر وأسباب وثمرات:

أما مظاهرها:

                فالمشهورة فإن المستشار يظهر نصح  المستشير وإذا لم يستشره وعلم مصلحة له وكان مسلماً أظهرها كما سنذكره في بعض الحكايات، والمحامات بجد وأجتهاد وبذل الجهد في ما تلزم فيه المحامات والإرشاد للمتعلم والسائل ببذل الجهد في تعليمهما ما ينفعهما وإرشادهما إلى ما فيه مصلحتهما والمحافظة على الطاعات والمواظبة عليها وبث الدعاية إلى دين الإسلام والإرشاد إلى إمامة من فرض الله إمامتهم من أئمة أهل البيت الإثنى عشر.

أسباب المناصحة:

                وهي كثيرة منها: العفة فإن العفيف يأنف من الغش حتى لعدوه.

                ومنها الديانة فإن المتدين يرى من واجبه الديني المبالغة في مصالح المسلمين وفي أي عمل كان وقام به من أعمال وأقوال ترض الله ورسوله (ص).

                ومنها: الحياء فإن الحيي لا يغش وإنما ينصح أستحياء من نسبة الغش إليه.

                ومنها: الصدق فإن الصادق لا يكذب فيقول له قد نصحتك وهو له غاش.

                ومنها: سلامة الذات والفطرة فإن سليم الذات لا يغش ولا يرى النصح إلا لازماً وما ذاك إلا لسلامة نفسه وفطرته على هذا الخلق الحسن.

ثمرات المناصحة:

                وأهمها أنها تفيد الاجتماع ويكون داعياً إلى الأنفة وموجباً للثقة والأطمئنان ومن ثمراتها عند المتدين الفوز بما وعد الله من كرامة أرباب العمل الصالح من المخلصين لدينهم.

                ومن ثمراتها اكتساب الحمد فإن الناصح ممدوح وله القبول حتى عند الأعداء فإن الناصح له وقع في القلوب وأثر في النفوس كبير.

(1) التعريفات: ص166.

(249)

الأدلة على فضيلة المناصحة:

                ففي الكتاب المجيد آيات كثيرة كقوله تعالى: ( إذا نصحوا لله ورسوله)(1)، وقد حكى النصح عن كثير من أنبيائه كقوله: ( وأنا كلم ناصح أمين)(2)، وقوله حكاية عن نوح «عليه السلام»: (ولا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم)(3)، وقوله حكاية عن صالح: ( ونصحت لكم ولكن لا تحبون النصحين)(4).

                وأما الأحاديث فهي أيضاً كثيرة منها ما روته الشيعة: روى ثقة الإسلام محمد ابن يعقوب الكليني (رحمه الله) في أصول الكافي(5) عن الإمام الباقر محمد بن علي «عليهما السلام» قال: قال رسول الله (ص): لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه.

                وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: قال رسول الله (ص): إن أعظم الناس عند الله منزلة يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه.

                ومما روته أهل السنة روى النووي الشافعي في رياض الصالحين(6) عن جرير ابن عبد الله قال: بايعت رسول الله (ص) على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، متفق عليه.

                وروى غير هذا الحديث أحاديثاً ولكن راوي هذا الحديث وهو جرير بن عبد الله البجلي لم يناصح أمير المؤمنين وإمام المسلمين على بن أبي طالب «عليه السلام» أرسله إلى معاوية وأهل الشام فأقام عندهم مدة متغافلاً عما أرسل إليه حتى أحكم معاوية أمره ثم ترك أمير المؤمنين علياً «عليه السلام» ولحق بمعاوية رغبة في الحطام الفاني فهدم علي «عليه السلام» داره بالكوفة فلم يفي لرسول الله (ص) بما بايع عليه.

الحث على قبول النصيحة

                نحن قد أستوفينا الأحاديث في كتابنا «السياسة العلوية» ونذكر هاهنا بعضها: روى الكليني في الكافي(7) عن أبي العديس قال: قال أبو جعفر «عليه السلام»: ياصالح! اتبع من يبكيك وهو لك ناصح ولا تتبع من يضحكك وهو لك غاش،

(1) التوبة: 91.                                   (2) الأعراف: 68.

(3) هود: 34.                                      (4) الأعراف: 79.

(5) أصول الكافي: ص313.           (6) رياض الصالحين: ص58.

(7) الكافي: ص53.

(250)