موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حضير، فقال لهما الحسين «عليه السلام»: أجلسا، فقام عبد الله بن عمير الكلبي فقال أبا عبد الله: رحمك الله أئذن لي لأخرج إليهما، فرآه الحسين «عليه السلام» رجلاً  آدماً طويلاً شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين، فقال الحسين «عليه السلام»: إني أحسبه للأقران قتالاً أخرج إذاً، فخرج إليهما فقالا: من أنت؟ فأنتسب لهما، إلى آخره، وقد ترجمنا للكلبي هذا في كتابنا «إعلام النهضة الحسينية».

                فلضخامة الجسم وطول القامة أثر مهم في إرهاب الأعداء وإخافة الخصم وقد جاء في الأخبار القديمة وأخبرنا به القرآن المجيد إجمالاً وفصله التاريخ لنا تفصيلاً، فالقرآن الكريم يقول حكاية عن قوم موسى لما أمروا بحرب العماليق: (إن فيها قوماً جبارين وإذا ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا دخلون)(1)، (فأذهب أنت وربك فقتلا إنا ههنا قعدون)(2) إلى آخر ما حكاه الله تعالى من قصتهم التي شرحها التاريخ.

                قال أبو جعفر الطبري في التاريخ في جملة أخبار موسى الكليم «عليه السلام»(3): ثم أمرهم – يعني موسى «عليه السلام» - بالمسير إلى أريحاء في أرض بيت المقدس فساروا حتى إذا كانوا قريباً منها بعث موسى «عليه السلام» أثنى عشر نقيباً من جميع أسباط بني إسرائيل فساروا يريدون أن يأتوه بأخبار الجبارين فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عاج(4) فأخذ الإثني عشر فجعلهم في حجزته وعلى رأسه حزمة حطب فأنطلق بهم إلى أمرأته فطرحهم أمامها وقال: أنظري إلى هؤلاء  القوم يزعمون أنهم يريدون قتالنا! وقال: ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت أمرأته: بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا، ففعل ذلك، فلما خرجوا قال بعضهم لبعض: يا قوم! إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل بخبر القوم أرتدوا عن نبي الله ولكن أكتموه وأخبروا نبي الله فيكونان هما يريان رأيهما، فأخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ليكتموه ثم رجعوا فأنطلق عشرة فنكثو العهد فجعل الرجل منهم يخبر أخاه واباه بما رأوا من أمر عاج، وكتم رجلان منهم فأتوا موسى وهارون «عليهما السلام» فأخبروهما الخبر فذاك حيث يقول الله تعالى: (ولقد أخذ الله ميثق بني إسرءيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا)(5)، (وإذ قال موسى لقومه يقوم

(1)  المائدة: 22.                                  (2) المائدة: 24.

(3) تاريخ الطبري 1/ 221.

(4) هو الذي تسميه القصاص والعوام عوج بن عنق وبعض العوام يقول شنق بن عنق.

(5) المائدة: 12.

(95)

أذكروا نعمة الله عليكم  إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا)(1) وساق القصة بطولها..

                وإنما أرهبوا وأرعبوا لضخامة أجسام هؤلاء العماليق وطول قامتهم.

                وقال أحمد بن ألياس الحنفي في بدايع الزهور(2) في شرح هذه القصة:

فأختار موسى «عليه السلام» أثنى عشر رجلاً فقال: أريد أن تتوجهوا إلى اريحاء مدينة الجبارين لتأتوني بخبر أهلها وإذا جئتم فأكتموا خبرها عن بني إسرائيل، فخرجوا ومعهم يوشع بن نون وكالب بن يوقنا وساروا حتى أشرفوا عليها فرآها رجل من الجبارين فساقهم حتى أدخلهم أريحاء فأجتمع عليهم أهلها فوجدوهم عظيمي الجثث طوالاً وكان بنو إسرائيل بالنسبة إليهم صغار الجثث ضعفاء، فهموا بقتلهم فقال بعضهم: لا تقتلوهم واجعلوهم لنا عبيداً، فلما جاء الليل هربوا فلما وصلوا إلى بني إسرائيل أشاعوا ما صدر لهم فوقع الخوف في قلوب بني إسرائيل فقالوا: يا موسى! إن مملكة فرعون كانت أخف علينا مما نحن فيه من دخول مدينة الجبارين، ثم ساق القصة آخرها.

طوال القامة عند العرب

                لم تزل العرب في قديمهما وحديثها تعد الطول مفتخراً لها وتقدم الطوال في الحروب تهويلاً على الأعداء، وأشعارها وأخبارها ناطقة وهي كثيرة لا تضبط في هذه العالجة.

                قال الطبري في التاريخ في أخبار القادسية(3): إن سعد بن أبي وقاص جمع نفراً عليهم نجار وهم آراء ونفراً لهم منظر وعليهم مهابة ولهم آراء؛ فأما الذين عليهم نجار ولهم آراء ولهم أجتهاد فالنعمان بن مقرن وبسر بن أبي رهم وحملة بن حوية الكناني وحنظلة بن الربيع التميمي وفرات بن حيان العجلي وعدي بن سهيل والمغيرة بن زرارة بن النباش بن حبيب، وأما من لهم منظر لأجسامهم وعليهم مهابة ولهم آراء فعطارد بن حاجب والأشعث بن قيس والحارث بن حسان وعاصم بن عمرو وعمرو بن معد يكرب والمغيرة بن شعبة والمثنى بن حارثة فبعثهم دعاة إلى الملك إلخ.

                أما الأشعار فكثيرة منها قول عنترة الفوارس العبسي في معلقته:

(1) المائدة: 20.

(2) بدايع الزهور: ص128.                            (3) تاريخ الطبري 4/ 92.

(96)

بطل كأن ثيابه في سرحة      يحذي نعال السبت ليس بتوأم

                السرحة أعظم الشجر، والسبت تسمية العوام السبتة حزام من صوف يجعل حمائل للخنجر، وقال غيره:

طويل نجاد السيف ليس بحبتر         إذا أهتز وأسترخت عليه الحمائل

                وطول حمائل السيف كناية عن طول القامة، وقال أبو هاشم في سعيد بن سلم ابن قتيبة ابن مسلم الباهلي يمدحه:

ألا قل لساري الليل لا تخشى ظله     سعيد بن سلم ضوء كل بلاد

لنا سيد أرى على كل سيد   جواد      حنى في وجه كل جواد

يطول على الرمح الرديني قامة           ويقصر عنه باع كل نجاد

                وقال آخر يرثي رجلاً:

ومحتضر المنافع أريحي           نبيل في معاوزة طوال

عزيز عزة في غير فحش       ذليل للذليل من الموالي

جعلت وسادة إحدى يديه                  وتحت جماءه خشبات ضال

ورثت سلاحه وورثت ذوداً              وحزناً دائماً أخرى الليالي

                وقال توبة بن مضرس السعدي:

ولما التقى الصفان واختلف القنا       نهالاً وأسباب المنايا نهالها

تبين لي أن القمامة ذلة           وأن أشداءالرجال طوالها

                القمامة القصر في القمامة، وقال جرير الخطفي:

تعالوا ففاتونا ففي الحكم مقنع           إلى الغر من أهل البطاح الأكارم

فإني لأرضى عبد شمس وما قضت  وأرض الطوال البيض من آل هاشم

                وقال حسان بن ثابت الأنصاري:

وقد كنا نقول إذا رأينا          لذي جسم يعد وذي بيان

كأنك أيها المعطى بياناً          وجسماً من بني عبد المدان

امتداد القامة في قبيلتين من العرب:

                قد أشتهرت قبيلتان من العرب بنو هاشم بن عبد مناف وبنو عبد المدان بن الديان من بني الحارث بن كعب من مذحج بضخامة الأجسام وطول القامات

(97)

الوسامة وحسن البيان، وبنو هاشم أشهر وأذكر وأفخر وأميز بجميع خصال الحمد.

                قال الحلبي الشافعي في سيرته في حديث مولد النبي (ص)(1): روي عن أمه (ص) أنها قالت: لما أخذني ما يأخذ النساء أي عند الولادة وإني لوحيدة في المنزل رأيت نسوة كالنخل طولاً كأنهن من بنات عبد المطلب ما رأيت أضوء منهن وجوهاً، وكأن واحدة من النساء تقدمت إلي فاستندت إليها وأخذني المخاض وأشتد علي الطلق وكأن واحدة منهن تقدمت إلي وناولتني شربة من الماء أشد بياضاً من اللبن وابرد من الثلج وأحلى من الشهد فقالت لي: أشربي، فشربت، ثم قالت الثالثة: أزدادي ثم مسحت بيدها على بطني وقالت: بسم الله أخرج بإذن الله، فلقن لي: نحن آسية أمرأة فرعون ومريم بنت عمران.

                ثم قال(2): وهذا يفيد أن بنات عبد المطلب كن متميزات على غيرهن من النساء في إفراط الطول وقد رأيت أن علي بن عبد الله بن عباس كان مفرطاً في الطول كان إذا طاف كأن الناس حوله مشاة وهو راكب، وكان مع هذا الطول إلى منكب أبيه عبد الله بن عباس، وعبد الله إلى منكب أبيه العباس، وكان العباس إلى منكب أبيه عبد المطلب.

                وقال المبرد في الكامل(3): يقال: إن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب كان إلى منكب عبد الله، وكان عبد إلى منكب العباس، وكان العباس إلى منكب عبد المطلب.

                وحدثني التوزي قال: طاف علي بن عبد الله بالبيت وأنا عجوز قديمة وعلي قد فرع الناس كأنه راكب والناس مشاة، فقالت: من هذا الذي قد فرع الناس؟ فقيل: علي بن عبد الله بن عباس، فقالت: لا إله إلا الله إن الناس ليرذلون عهدي بالعباس يطوف بهذا البيت كأنه قسطاط أبيض.

                وحدثني علي بن القاسم بن علي بن سليمان بن علي بن عبد الله أن العباس قال: كان يقال صار شبه علي بن عبد الله في عظم الاجساد في العليين يعني علي ابن المهدي المنسوب إلى أمه ريطة وعلي بن سليمان بن علي.

الطوال من بني هاشم وغيرهم:

                قال ابن قتيبة في المعارف(4): العباس بن عبد المطلب كان يمشي في

(1) السيرة الحلبية 1/ 72.                               (2) السيرة الحلبية 1/ 73.

(3) الكامل للمبرد 1/ 66.                              (4) المعارف لابن قتيبة: ص256.

(98)

الطواف كأنه عمارية على ناقة والناس كلهم دونه، وكان علي بن عبد الله بن العباس طويلاً جميلا وعجب قوم من طوله فقال رجل: يا سبحان الله كيف نقص للناس لقد أدركت العباس وهو يطوف بهذا البيت كأنه فسطاط أبيض فحدث بذلك علي، فقال: كنت إلى منكب أبي، وكان أبي إلى منكب جدي، إنتهى.

                وكان عقيل بن أبي طالب رجل طويل القامة مفرطاً في الطوال، قال أبو الحجاج البلوي الشافعي في كتاب ألف با(1): كان عقيل بن أبي طالب طوالاً وكان أحد العشرة الذين طولهم عشرة أشبار، إنتهى.

                وهؤلاء يقال لكل واحد منهم مقبل الظعن لإفراطه في الطول يعني إنه يستطيع أن يقبل الراكبة على البعير وهو جالس لا يحتاج أن يقوم إلها منهم عبادة بن الصامت الخزرجي الأنصاري من أعيان الصحابة وأحد نقباء النبي (ص) الإثنى عشر كان طويلاً مفرطاً في الطول.

                قال الحافظ العسقلاني الشافعي في الإصابة(2): روى ابن سعد إنه كان طوالاً جسيماً جميلاً، إلخ.

                وبعضهم يقول: طويلاً جسيماً دميماً والله أعلم، ومنهم الزبير بن العوام وذكره الحلبي(3).

                والذين ذكرهم المبرد في الكامل(4): العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله وجرير بن عبد الله البجلي والأشعث بن قيس الكندي وعدي بن حاتم الطائي وابن جذل الطعان الكناني واسمه عبد الله، وأبو زبيد الطائي وزيد الخيل بن مهلهل الطائي وقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي.

                قال المبرد: كان أحد هؤلاء يقبل المرأة على الهودج وكان يقال للرجل منهم مقبل الظعن وكان طلحة بن عبد الله موصوفاً بالتمام.

                قال ابن قتيبة في المعارف(5): كان حبيب بن مسلمة الفهري كالمشرف على دابة لطوله، وكان عمر بن الخطاب كأنه راكب والناس يمشون لطوله.

                ثم ذكر العباس بن عبد المطلب وقال: وكان جرير بن عبد الله البجلي يفتل في ذروة البعير من طوله وكانت نعله ذراعاً، وكان عدي بن حاتم طويلاً إذا ركب الفرس كادت رجله تخط في الأرض، وكان قيس بن سعد طويلاً جسيماً.

(1) ألف با: ص81.                                          (2) الإصابة 2/ 269.

(3) السيرة الحلبية 1/ 73.                                (4) الكامل للمبرد 2/ 91.

(5) المعارف: ص256.

(99)

                وذكر ما تقدم في ترجمة ابن الحنفية وقال: وعبيد الله بن زياد «لعنه الله» كان طويلاً لا يرى ماشياً إلا ظنوه راكباً من طوله.

                ثم ذكر علي بن عبد الله بن عباس وقال: كان جبلة بن الأيهم آخر ملوك غسان طوله أثنى عشر شبراً وإذا ركب مسحت قدمه الأرض، وكان عمارة بن عقبة الحنفي الخارجي طويلاً ولما مات لم يجدوا له سريراً يحملونه عليه فزادوا في السرير ألواحاً وأمنه الحجاج فمات بالبصرة، إنتهى.

                وكان مروان بن الحكم طويلاً يلقب بـ«ظل الشيطان» ويلقب بـ«خيط الباطل» لطوله، كان عبد الله بن أبي سلول أحد بني الحبلى رأس المنافقين طويلاً، لما أسر العباس بن عبد المطلب يوم بدر أرادت الانصار أن تكسوه ثوباً فلم يجدوا ما يلابسه سوى ثوب عبد الله بن أبي فكسوه إياه، وكان حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله بطلاً جسيماً طوالاً، وكان الطرماح بن عدي الطائي الشاعر طويلاً وله قصة مع معاوية وهذا باب واسع، ولنرجع إلى تمدح العرب بالطول وأفتخارهم به.

                قال مادح الرشيد هارون بن المهدي العباسي:

جهير الكلام جهير العطاس               جهير الرواء جهير النعم

ويخطو على الأين خو الظليم              ويعلو الرجال بخلق عمم

                قال المبرد: عمم أي جسيم.

                وذكر الجاحظ في البيان والتبيين(1) بمناسبة هذين البيتين ما لفظه: حدثني إبراهيم بن السندي لما أتى عبد الملك بن صالح وفد الروم وهو في البلاد أقام على رأسه رجالاً في السماطين لهم قصر وهام ومناكب وأجسام وشوارب وشعور فبينما هم قيام يكلمونه ومنهم رجل وجهه في قفا البطريق إذ عطس عطسة ضئيلة فلحظه عبد الملك فلم يدري أي شيء أنكر منه، فلما مضى الوفد قال له: ويلك هلا إذ كنت ضيق المنخر كز الخيشوم أتبعتها بصيحة تخلع بها قلب العلج، إنتهى.

                قوله «قصر وهام» يعني اعناق ضخمة ورؤوس عظيمة من قولهم فلان عظيم القصرة يعني الرقبة، ومن الشعر في مدح الطول قول مادح قثم بن العباس بن عبد المطلب:

في باعه طول وفي وجهه      نور وفي العرنين منه شمم

(1) البيان والتبين 1/ 118.

(100)

                وقول الخنساء في رثاء أخيها صخر:

أعيني جودا ولا تجمدا                        إلا تبكيان لصخر الندى

ألا تبكيان الجريء الجميل                  ألا تبكيان الفتى السيدا

طويل النجاد رفيع العماد                   وساد عشيرته أمردا

                قال المبرد في الكامل(1): تريد بطول نجاده طول قامته وهذا مما يمدح به الشريف، وقول مروان بن أبي حفصة للمهدي محمد بن المنصور العباسي:

قصرت حمائله عليه فقلصت               ولقد تأنق قينها فأطالها

                وقال رجل طائي:

جدير أن يقل السيف حتى                 ينوس إذا تمطى في النجاد

وقال الحكمي أبو نؤاس:

سبط البنان إذا احتبى بنجاده             غمر الجماجم والسماط قيام

                والعرب تكني عن طويل القامة برفيع العماد وطول النجاد.

                قال المبرد في الكامل(2): كان لبيد بن ربيعة العامري شريفاً في الجاهلية والإسلام وقد كان نذر أن لا تهب الصبا إلى نحر وأطعم حتى تنقضي فهبت في الإسلام وهو بالكوفة مقتر مقل فعلم بذلك الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان واليها لعثمان بن عفان وكان أخا عثمان لأمه فخطب الناس وقال: إنكم قد عرفتم نذر أبي عقيل وما وكد على نفسه فأعينوا أخاكم على مروته ثم نزل فبعث إليه بمائة ناقة وأبيات يقول فيها:

أرى الجزار تشحذ مديتاه                    إذا هبت رياح أبي عقيل

طويل الباع أبيض جعفري                 كريم المجد كالسيف الصقيل

وفي ابن الجعفري بما لديه                    على العلات والمال القليل

                فلما أتته قال: جزى الله الأمير خيراً قد عرف إني لا أقول الشعر ولكن أخرجي يا بنية، فخرجت بنت خماسية فقال لها: أجيبي الأمير فأقبلت وأدبرت وبعث إلى الناس فقضى نذره ففي ذلك تقول ابنة لبيد:

إذا هبت رياح أبي عقيل                      دعونا عند هبتها الوليدا

طويل الباع أبيض عبشمياً                  أعان على مروته لبيدا

(1) الكامل 3/ 261.                       (2) الكامل 3/22.

(101)

بأمثال الهضاب كأن ركباً    عليها من بني حام قعودا

أبا وهب جزاك الله خيراً     نحرناها وأطعمنا الثريدا

فعد أن الكريم له معاد         وظني بابن أروى أن يعودا

                فقال لها لبيد: أحسنت يا بنية لولا أنك سألت، فقال: إن الملوك لا يستحيي من مسألتهم، فقال لها: يا بنية! وأنت في هذا أشعر، أنتهى.

ذم القصر والاعتذار منه:

                فكما أن العرب مدحت بطول القامة في الأبطال كرهت القصر وذموا من أتصف به من الرجال وعابوه فمن ذلك قول موسى بن عبد الله بن خازم السلمي والي خراسان وقد قتل أخوه محمد، وفي رواية ابنه بخراسان:

ذكرت أخي والخلو مما أصابني         يغطي ولا يدري بما في الجوانح

فلو ناله المقدار في يوم غارة                 صبرت ولم أجزع لنوح النوائح

ولكن أسباب المنايا صرعنه                كريماً محياه عريض الممادح

بكف أمرء كز قصير نجاده                 خبيث ثناه عرضة للفضائح

                وقول بشر بن الهذيل الفزاري يعتذر من قصر قامته:

فإن لا يكن عظمي طويلاً فإنني        له بالخصال الصالحات وصول

إذا كنت في القوم الطوال فطلهمو     بعارضة حتى يقال طويل

ولا خير في حسن الجسوم وطولها     إذا لم يزن حسن الجسوم عقول

وكم قد رأينا من فروع طويلة             تموت إذا لم تحصهن أصول

                وقال آخر يذم قوما من العرب:

إذا دخلو بيوتهموا أكبوا      على الركبات من قصر العماد

                وهذا أيضاً كثير في شعر العرب ومر ما يشير إليه.

نقد المؤلف للمبرد في وصف النبي (ص)

                قد أورد المبرد في الكامل وغيره من العلماء كلاماً يجب الوقوف عليه ولفظ الكامل(1): قال: وروي أن النبي (ص) وهو الأسوة والقدوة كان فوق الربعة ولم يكن بالطويل المشذب وكان إذا مشى مع الطوال طالهم ولم يختلف أهل الحكمة

(1) الكامل للمبرد 1/ 67.

(102)

والنظر من العرب والعجم أن الكمال في الاعتدال ولا يقال غير هذا عن حكيم، إنتهى.

                وفيه: أولاً: إن الاعتدال نسبي فكم مفرط في الطول في زمن إذا قيس إلى معتدل الزمان الآخر كان قصيراً وهكذا بالنسبة إلى الزمان الواحد، فكم نعد مفرطاُ في الطول عندنا فإذا جاءنا من شرق الأرض وغربها من إذا قسنا مفرط الطول عندنا إليه وجدناه قصيراً وعليه فلا تتحقق نسبة الاعتدال الحقيقي إلا في الزمن الخاص في البلد الخاص لا غير.

                ثانياً: إن العبارة التي أوردها هذا المتبحر وقعت شاهداً لنا لا علينا من حيث أنه أثبت أن النبي (ص) كان فوق المربوع يعني إنه كان طويلاً غاية الأمر إنه لم يكن مفرطاً في الطول كما هو نص قوله «ليس بالطويل المشذب وكان فوق المربوع» فقد خرج عن الاعتدال الذي ادعى عليه الإجتماع فناقض من حيث لا يدري وأخرج النبي (ص) عن الاعتدال وهو لا يعقل سامحه الله.

                ثالثاً: أنه حكم لنا نفسه وهو غافل حيث أثبت أن النبي (ص) إذا ماشى الطوال طالهم فقضى أن اطول صفة كمال فلا يكون أكمل من رسول الله (ص) أحد فوجب بحسب أصل الحكمة من باب المعجزة أن يطول عليهم ليكون هو الاكمل ولهذا لما كان القصر نقصاً وعيباً وجب بحكم الحكمة أن لا يساوي القصار لأن في صفتهم نقص في الخلقة وهو (ص) منزه عن كل نقص ومتصف بكل كمال لهذا وجب أن يطول الطوال لأن الطول كمال ولا يساوي القصار أو يقصر عنهم لأن القصر عيب ونقص.

                وأما ما ادعاه من أتفاق أهل النظر على مدح الاعتدال فمقبول إن صح الأعتدال الحقيقي من حيث أن معرفة الاعتدال الحقيقي مشكلة لأن كل واحد إذا قسته إلى من هو أطول منه كان قصيراً وإلى من هو أقصر منه كان طويلاً وقد يكون المفرط في الطول في بلد مفرطاً بالقصر في بلد آخر، نعم لو حصل لنا هذا الفرد وعرفناه تحقيقاً كان هو الاكمل وإلا فمعرفة الطويل الغير النسبي والقصير كذلك لا تتجاوز الفرد الواحد لو عرفناه يقيناً كما أخبرونا أن في القرن الأول الإسلامي كان جبلة بن الأيهم الغساني كان طوله أثنى عشر شبراً، وأن عبد الله بن مسعود الهذلي كان طوله شبران ولا يجب أن يطول رسول الله (ص) على جبلة لأنه خرج بطوله عن الكمال وتجاوز مقدار الفضل فكان نقصاً وهو المعني بالمشذب، فرسول الله (ص) أكمل الخلق والاعتدال المحمود هو الوقوف بين حدي الإفراط والتفريط كالتهور

(103)

في الإقدام الخارج عن حد الشجاعة وأمثال ذلك من الصفات المعتدلة وكذلك الطول الذي يعود سخرية وأستهزاء كما يقال في طول جبلة، أما ما عداه فهو من الكمال والعرب أهل حروب والطوال أقرب إلى التهويل وأولى بالإرهاب، وأما الأمم الغير العربية فكذلك، وقد مر في ترجمة ابن الحنفية ما راسل به ملك الروم معاوية ابن أبي سفيان.

                وذكر الجاحظ في البيان والتبيين أن الروم تشترط في قسسها شروطاً منها طول القامة(1) وهذا نصه: وقع بين فتى من النصارى وبين أبي قهريز كلام، فقال له الفتى: ما ينبغي أن يكون في الأرض رجل واحد أجل منك، وكان ابن قهريز في نفسه أكثر الناس علماً وأدباً وكان حريصاً على الجثلقة، فقال للفتى: كيف حللت عندك هذا المحل؟ فقال: إنك تعلم أنا لا نتخذ الجاثليق إلا مديد القامة وأنت قصير القامة، ولا نتخذه إلا جهير الصوت جيد الحلق وأنت دقيق الصوت رديء الحلق، ولا نتخذ إلا وافر اللحية عظيمها وأنت خفيف اللحية صغيرها، وإنا لا نتخذ في الجثلقة إلا رجلاً زاهداً في الرياسة وأنت أشد الناس عليها كلباً وأظهرهم لها طلباً فكيف لا تكون أجل الناس وخصالك كلها تمنع من الجثلقة، وأنت قد شغلت في طلبها بالك وأسهرت فيها ليلك، إنتهى.

                أما الفرس فتبالغ في رجال منهم أسفنديار، فأين الاتفاق الذي ادعاه المبرد؟ نعم الاتفاق في الاعتدال في سائر الاشياء دون القامة فإن الممدوح فيها الامتداد والحاكم على العقول هو القرآن وقد سمعت الآيات المادحة لعظم الأجسام، نعم المعتدل أحسن النظر وأقر إلى ذوق البشر والأطول أقرب إلى التهويل والإرهاب فإنه يكتسب هيئة ولا أحسب أن هناك من يستريب أن طول القامة مع ضخامة الجسم فضيلة في الإنسان والقضايا التاريخية قاضية بهذا وحسبك في قصة اليرموك وحديث الرومي الذي علا على الصخرة وهاب المسلمون من الدنو إليه حتى رقى إليه الأشتر، فراجع الطبري وغيره.

                والعرب يستحسنون في الإنسان ثلاثة أشياء إذا طالت القامة والعنق والساعد، ولا يفرقون في الأوليين بين الرجل والمرأة بل والثالث وقد قال بعضهم:

عبلة الساعد فيه                     لم تكد تسعد جارا

(1) البيان والتبيين 1/ 117.

(104)

                فمدحها بعبالة الساعد وهي ضخامته وإذا كان ضخماً قصيراً كان قبيحاً من غير شكل فلا بد أن يطول مع ضخامته حتى يحسن وقد ذم شاعر العرب قصيرة القامة.

أحب من النسوان كل قصيرة            إلى وما تدري بذاك القصائر

أردت قصيرات الحجال ولم أرد        قصار الخطا شر النساء البحاتر

                ولهم في وصف الغيداء الجيداء ما ليس هذا موضعه.

طول العنق في الرجال وطول السواعد:

                فطول العنق في الرجل ممدوح عند العرب وكذلك طول الساعد لانه إذا طال وصل إلى الأعداء وقد ذكر بعض العرب أنهم إذا قصرت سواعدهم في الضرب وصلوها بخطاهم إلى الأعداء، قال القتال الكلابي:

يا ليتني والمنى ليس بشافعة لمالك ولحصن أو لسيار

طوال أنضية الأعناق لم يجدوا            ريح الإماء ولو باتت بأطهار

                وقال المبرد في الكامل(1): طوال أنضية الأعناق، النضو مركب النصل في السنخ وضربه مثلاً وإنما أراد طوال الاعناق، وقال الشمردل بن شريك اليربوعي:

يشبهون ملوكاً في نجالتهم                  وطول أنضية الأعناق واللمم

إذا بدى المسك يندى في مفارقهم      راحوا كأنهم مرضى من الكرم

                وقال معوذ بن بشر المازني في طول الأذرع والسواعد:

لهم أوجه بيض حسان وأذرع            طيال ومن سيما الملوك نجائر

                وقال أدهم بن أبي الزعراء الطائي:

إذا قيل من للمعضلات أجابه           عظام اللها منا طوال السواعد

                قال قيس بن ثعلبة البكري:

دعوت بني قيس إلي فشمرت            خناذيذ من سعد طوال السواعد

إذا ما قلوب القوم طارت مخافة         من الموت أرسو بالنفوس المواجد

إذا جمحت حرب بهم جمحوا لها        ولم يقصروا دون المدى المتباعد

                وفي وصل السواعد بالخطا يقول نابغة بني ذبيان الحارثي:

إن تسألي عني سمي فإننا                     يسمو إلى قحم العلا أدنانا

(1) الكامل للمبرد 1/ 44.

(105)

وتبيت جارتنا حصانا عفة                   نثى ويأخذ حقه مولانا

ونحن نحق شريكنا في ماءنا               حتى يكون كأنه أسقانا

ونقول إن طرق المثوب أصبحوا       لوصاة والدنا الذي أوصانا

أن لا نصد إذا الكماة تقدمت              حتى تدور رحاهم ورحانا

ونبيح كل حمى قبيل عنوة                   قسراً ونابى أن يبح حمانا

ويعيش في أحلامنا أشياعنا                 مرداً وما وصل الوجوه لحانا

ويظل مقترناً بحسن عفافه                  حتى يرى وكأنه إغنانا

ويسود سيدنا بغير مدافع                    ويسود فوق السيدين ثنانا

وإذا السيوف قصرن بلغها لنا             حتى تناول ما نريد خطانا

وإذا الجياد رأيننا في مجمع                    أعظمننا ورحلن عن مجرانا

                ذكرتها كلها لحسن أسلوبها وبديع آدابها، وقال كعب بن مالك الأنصاري:

نصل السيوف إذا قصرنا بخطونا      قدماً ونلحقها إذا لم تلحق

                وقال آخر:

إذا الكماة تنحوا أن ينالهموا                 حد الظباة وصلناها بأيدنا

                وقال آخر:

وصلنا الرقاق المرهفات بخطونا       لدى الهول حتى أمكنتنا المضارب

                وقال حميد بن ثور الهلالي:

ووصل الخطا بالسيف والسيف بالخطا            إذا  ظن أن السيف ذو السيف قاصر

                ويكفي هذا المقدار من الشواهد الشعرية.

(106)

البطولة عند العرب

واجتماع خصالها في

العباس الأكبر

                اجتمعت الصفات الاربعة وهي طول القامة وطول العنق وطول الساعد والجسامة في العباس الأكبر بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» وهذه هي البطولة العربية فليس البطل عند العرب إلا الشجاع الجريء الطويل القامة الضخم الجسم الشديد العضد الطويل الساعد.

البطولة في راي الأمم الحرة

                هي عند الشعوب الحرة والأمم المتمدنة صفة جمع لعامة الكمالات فهم لا يصفون بها إلا من تمت محاسنة وكملت مزاياه وصفاته النفسية والبدنية فلا يطلقون لفظ البطل إلا على من لا نظير له في قطره ولا مثيل له في شعبه ولذلك ينعتون الملوك والدعاة الكبار والمصلحين والمبشرين من الأنبياء وغيرهم ورجال الأمة المبرزين الممتازين على غيرهم بالبطولة ولذا سمى أحد المستشرقين كتابه بالأبطال ولم يذكر فيه إلا أعيان الرجال الذين قاموا بدعوة قلبوا بها الوضع القديم رأساً لعقب وجاؤوا بشريعة جديدة أو أنتهجوا مسلكاً جديداً فحازوا لذلك شهرة وذكراً وكذلك سمى بعض العصريين كتابه الأبطال الثلاثة ويعني بهم عاهل العروبة ملك العراق المرحوم فيصل الأول الشريف الحسني وملك إيران رضا خان ورئيس جمهورية تركيا مصطفى كمال.

                فإذا كانت البطولة عنوان المحاسن ومجمع الكمالات فلا شك ولا أرتياب أن أبا الفضل العباس الأكبر ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليهما السلام» قد تكاملت فيه صفات المكارم وأجتمعت له مزايا الكمال وحاز جل الفضائل الموجبة للتنويه والإطراء له مدحاً وتقريضاً لأنه كما ستعرف كان شجاعاً شديد البأس ذا نجدة عظيمة وثبات مدهش وكان عالماً فقيهاً حكمياً وخطيباً بليغاً وشاعراً فصيحاً ووفياً أبياً وكريماً جواداً صاحب مواست وإيثار وكان ورعاً زاهداً عابداً، وقد وصفه أبو الفرج الأصبهاني في كتاب مقاتل الطالبيين بقوله: كان العباس بن

(107)

علي رجلاً وسيماً جسيماً يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض وكان يسمى قمر بني هاشم ويلقب السقا ويسميه أهل النسب أبا قربة الخ.

                وقد جمعت هذه الفقرات من صفات أبي الفضل «عليه السلام» الوسافة وهي عبارة عن بداعة الشكل والمنظر ويعبر عنها بالملاحة وحسن الملامح ولطافة الشكل، وقمر بني هاشم نعت له بالجمال الذي هو أصل الوسامة لأن الوسامة رونق الجمال تبرزه الملامح وتظهره الشمائل وأثبت له نوراً من حيث أنه قمر هذه القبيلة الممتازة بحسنها وجمالها، وطول القامة بقوله: رجلاه تخطان الأرض، والجسامة وهو عبارة عن كونه ممتلئ الاعضاء والبدن والبطولة وهو كذلك فإنه بطل العلقمي، وقد قال الأسديون الذين دفنوا الشهداء للإمام زين العابدين «عليه السلام»: بقي بطل على المسناة، وقد قال الأزري (رحمه الله) في تأبينه:

بطل أطل على العراق مجلياً                 فأعصوصبت فرقاً تمور شامها

                والحلي (رحمه الله) في تأبينه:

بطل تورث من أبيه شجاعة               فيها أنوف بني الضلالة ترغم

قمر بني هاشم حسنه وجماله

                ومن صفات العباس بن أمير المؤمنين «عليه السلام»: الحسن والجمال؛ لأنه قمر بني هاشم وقد كساه الله تعالى ثوب الجمال ورداه برداء الحسن البديع وذاك مما يزيده فضلاً ويكسبه مجداً حيث أن المال رداء الله الذي ألبسه لأنبياءه وأمتن به على أهل الخير والصلاح وكما كساه الله الأتقياء البررة فقد سربل به الملوك العظاء والأشراف الكبراء.

                إن العرب لتمدح بالحسن وصباحة الوجه ساداتها وزعماءها ومن المحقق لدى كل أحد أن تشويه الخلقة المقت الرباني غالباً وأن الدمامة من العيوب عند ذوي العقل، وهنا قصة يجدر إيرادها وإن طالت.

                قال الميداني في مجمع الأمثال(1): قال المفضل:  إن كبيش بن جابر أخا ضمرة ابن جابر من بني نهشل كان عرض لأمة لزرارة بن عدس يقال لها رشية كانت سبية أصابها زرارة من الرفيدات وهم حي من العب فولدت له عمراً وذؤبياً وبرغوثاً فمات كبيش وترعرع قال أذهبي بهؤلاء الغلمة فعبسي بهم وجه ضمرة وخبرية من هم وكان لقيط عدواً لضمرة فأنطلقت بهم إلى ضمرة فقال: ما هؤلاء؟

(1) مجمع الامثال 1/ 86.

(108)

قالت: بنوا أخيك فأنتزع منا الغلمة وقال: الحقي بأهلك فرجعت فأخبرت أهلها بالخبر فركب زرارة وكان رجلاً وكان رجلاً حليماً حتى أتى بني نهشل فقال: ردوا علي غلمتي فسبه بنو نهشل أهجروا له فلما رأى ذلك أنصرف فقال له قومه: ما صنعت؟ فقال: خيراً ما أحسن ما لقيني به قومي فمكث حولاً ثم أتاهم فأعادوا عليه أسوأ ما كانوا قالوا له فأنصرف فقال له قومه: ما صنعت؟ فقال: خيراً قد أحسن بنو عمي وأجملوا، فمكث بذلك سبع سنين يأتيهم في كل سنة فيردونه بأسوأ الرد فبينما بنو نهشل يسيرون ضحى إذ لحق بهم لاحق فأخبرهم أن زرارة قد مات، فقال لهم ضمرة: يابني نهشل قد مات حليم إخوتكم فاتوقهم بحقهم، ثم قال ضمرة لنسائه: قفن أقسم بينكن الثكل وكانت عنده هند بنت كرب بن صفوان وأمرأة يقال لها خليدة من بني عجل وسبية من عبد القيس وسبية من الازد من بني طمثان وكان لهن أولاد غير خليدة فقالت لهند وكانت لها مصافية: ولي الثكل بنت غيرك على سبيل الدعاء فأرسلتها مثلاً، فأخذ ضمرة شقة بن ضمرة وأمه هند، وشهاب ابن ضمرة وأمه العبدية، وعنوة بن ضمرة وأمه الطمثانية فأرسل بهم إلى لقيط بن زرارة وقال: هؤلاء رهن بغلمانك حتى أرضيك منهم، فلما وقع بنو ضمرة في يد لقيط أساء ولايتهم وجفاهم وأهانهم، فقال في ذلك ضمرة بن جابر:

صرمت إخاء شقة يوم غول               وإخوته فلا حلت حلالي

كأني إذ رهنت بني قومي                    دفعتهم إلى صهب السبال

ولم أرهنهم بدم ولكن                          رهنتهم بصلح أو بمال

صرمت إخاء شقة يوم غول               وحق إخاء شقة بالوصال

                فأجابه لقيط:

أبا قطن إني أراك حزيناً                        وإن العجول لا يبال حنينا

أفي أن صبرتم نصف عام لحقنا          ونحن صبرنا قبل سبع سنينا

                فقال ضمرة:

لعمرك إنني وطلاب حبي                 وترك بني في الشرط الأعادي

لمن نوكى الشيوخ وكان مثلي              إذا ما ضل لم ينعش بهاد

                ثم إن بني نهشل طلبوا إلى المنذر بن ماء السماء أن يطلبهم من لقيط فقال المنذر: نحوا عني وجوهكم، ثم أمر بخمر وطعام ودعا بلقيط فأكلا وشربا حتى إذا أخذت الخمر منها قال المنذر للقيط: يا خير الفتيان ما تقول في رجل أختارك

(109)

الليلة على ندامى مضر؟ قال: أقول: إنه لا يسألني شيئاً إلا أعطيته أياه غير الغلمة فقال المنذر: أما إذا أستثنيت فلست قابلاً منك شيئاً حتى تعطيني كل شيء سألتك، قال فذاك لك، قال: فإني أسألك الغمة أن تهبهم لي، قال: سلني غيرهم، قال: ما أسألك غيرهم فارسل لقيط إليهم فدفهم إلى المنذر فلما أصبح لقيط لأمه قومه فندم، فقال في المنذر:

فإنك لو غطيت أرجاء هوة                 مغمقمة لا يستشار ترابها

بثوبك في الظلماء ثم دعوتني              لجئت إليها سادراً لا أهابها

فأصبحت موجوداً علي ملوماً           كأن نضيت عن حائض لي ثيابها

                قال: فارسل المنذر إلى الغلمة وقد مات ضمرة وكان صديقاً للمنذر، فلما دخل عليه الغلمة وكان يسمع بشقة ويعجبه ما يبغله عنه فلما رآه قال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فأرسلها مثلا، قال شقة: أبيت اللعن وأسعدك إلهك إن القوم ليسوا بجزر فإنما يعيش الرجل بأصغريه لسانه وقلبه، فأعجب المنذر كلامه وسره كلما رأى منه فسماه ضمرة بأسم أبيه فهو ضمرة بن ضمرة إلخ.

                وإنما ازدراه المنذر لأنه كان دميماً تقتحمه العين لدمامته كما صرح بذلك غير الميداني من رواة هذه القصة كالسيوطي في المزهر ومثلها قصة عمرو بن شاس الأسدي وشهرتها أعظم من شهرة قصة ضمرة وهي مطولة.

                ومختصرها عن الميداني في مجمع الأمثال(1) بعد القصة السابقة قال: وقريب من هذا ما يحكى أن الحجاج أرسل إلى عبد الملك بن مروان بكتاب مع رجل فجعل عبد الملك يقرأ الكتاب ثم يسأل الرجل فيشفيه بجواب ما يسأل فيرفع عبد الملك رأسه إليه فيراه أسوداً فلما أعجبه ظرفه وبيانه قال متمثلاً:

فإن عراراً إن يكن غير واضح            فإني أحب الجون ذا المنكب العمم

                فقال له عرار: هل تدري من عرار؟ أنا والله عرار بن عمرو بن شاس الأسدي الشاعر، إنتهى، وقبل هذا البيت:

أرادت عرارا بالهوان ومن يرد           عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم

                قال عمرو بن شاش لزوجته ضرة أم عرار وقد عنفته على حبه وعيرته بسواده.

                وقال الحافظ السيوطي جلال الدين الشافعي في المزهر(2): قال ابن

(1) مجمع الامثال 1/ 87.                                                (2) المزهر 1/ 293.

(110)