موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أما سقاية العباس «عليه السلام»:

                فقد تكررت منه مراراً منها ليلة العاشر نفذ بأمر أخيه الحسين «عليه السلام» لطلب الماء، ومنها يوم العاشر قبل مقتله سمع صراخ العائلة وضجة الصبية من الظمأ فأستأذن سيده الحسين «عليه السلام» فأذن له، ومنها يوم العاشر أيضاً ولكن ساعة مقتله، وقد قال له الحسين «عليه السلام»: أحمل معك القربة، وفي هذه النوبة وتمكن من الوصول إلى المشرعة وملأ القربة لكنه لم يتمكن من إيصال الماء إلى العائلة لأن حرس الماء قد تداعوا عليه من كل صوب واحاطوا به من كل وجه فقطعوا عليه خط الرجعة وعلموا أن سلامة القربة تحثه على اختراق تلك الصفوف وأن الجموع مهما تراكمت وتكاثفت عليه سيشقها نافذاً إلى الحسين «عليه السلام» وإنه يصل إلى مقصده لا محالة فرأوا من المستحيل صده عن مقصده إلا بإراقة ماء القربة فإن إراقة ماءها يوجب ضعف عزيمته ويوهن عزمه وينهك قوى نهضته فتعمدوا القربة وجعلوها هدفاً ورشقوه رشقاً متواصلاً فأصابها بعض السهام المسددة نحوها فشقها وأريق الماء فكانت هي السبب لأن يقف هدفاً للسهام وغرضاً للأسنة ولاظباة وآثر حينئذٍ المنية على مواجهة العائلة اللهيفة التي ترقب طلوعه عليها بالمنعش والمنقذ من لهفة الصدا ورأى أن موتة الحر الكريم أيسر من إيراد حجج الاعتذار، وهذه القصة الاخيرة نوردها مفصلة في حديث شهادته في الجزء الثالث (من هذا الكتاب)(1)..

السقاية الأولى:

                ذكر عامة أرباب المقاتل أن أهل الكوفة منعوا الحسين «عليه السلام» من الوصول إلى الشريعة ثلاثة أيام لذلك أورد أبو مخنف في المقتل الصغير وسبط ابن الجوزي في التذكرة شهادة العباس يوم السابع من المحرم ولكن المروي عن السيدة سكينة بنت الحسين «عليهما السلام» أنها قالت: عز ماؤنا يوم التاسع وهو الأوفق الاصوب لأن أستعداد الحسين «عليه السلام» بالماء حسبما سمعت يكفي لسد حاجاتهم ثلاثة أيام فتشتد حاجتهم له ليلة العاشر.

                وفي كلام أبي حنيفة الدينوري في الأخبار الطوال: إن بقايا ماء بقيت عندهم ليوم العاشر ذكر ذلك في مقتل الحسين «عليه السلام»(2) ونصه: وبقي ملياً جالساً ولو شاؤوا أن يقتلوه قتلوه غير أن كل قبيلة كانت تتكل على غيرها وتكره الإقدام

(1) مابين قوسين من الناشر.                                            (2) الأخبار الطوال: ص255.

(40)

على قتله، وعطش الحسين «عليه السلام» فدعى بقدح من ماء فلما وضعه  فيه رماه الحسين بن نمير بسهم فأدخله في قمه وحال بينه وبين شرب الماء فوقع القدح من يده، ولما رأى القوم قد أحجموا عنه قام يتمشى على المسناة نحو الفرات فحالوا بينه وبين الماء فأنصرف إلى موضعه الذي كان فيه إلخ.

                وهذا القول في غاية الشذوذ والغرابة لا تفاق المؤرخين أنه «عليه السلام» قدم طفله الرضيع إلى الأعداء طالباً له منهم الماء لشدة ظمأ الطفل وإنه قد أشرف على الموت من العطش فلو كان في خيامه قدح ماء آثر به الطفل وما أحتاج إلى طلب من أجلاف أنذال.

                قال سبط ابن الجوزي في التذكرة(1): لما رحل الحسين «عليه السلام» من القاديسة وقف يختار مكاناً ينزل فيه وإذا سواد الخيل أقبل كالليل كأن راياتهم أجنحة النسور وأسنتهم اليعاسيب فنزلوا مقابلهم ومنعوهم الماء ثلاثة أيام.

                ثم قال بعد أسطر: ولما أشتد العطش بالحسين «عليه السلام» وأصحابه بعث بالعباس بن علي أخيه إلى المشارع في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً فاقتتلوا عليه ولم يمكنوهم من الوصول اليه، انتهى، وفيه شذوذ أيضاً من جهة أتفاق المؤرخين أنه «عليه السلام» وصل إلى الماء وأوصله إلى الحسين «عليه السلام» صرح بذلك الطبري وغيره.

                وهذا السيد الداوودي قد سقط سقطة فاضحة حيث قال في عمدة الطالب(2): يكنى أبا الفضل ويلقب السقا لأنه استسقى الماء لأخيه الحسين «عليه السلام» يوم الطف وقتل دون أن يبلغه إياه الخ، وفي هذا الكلام غلط واشتباه؛ أما الغلط فلأنه زعم أنه سمي سقا لسقايته له مرة واحدة ثم نفاها وكيف يسمى إنسان بما لمن يفعل وإنما عزم على الفعل وهذا غلط لا يسمى الرسول رسولاً حتى ينفذ بالرسالة ولا الضارب ضارباً حتى يقع منه الضرب.

                أما الاشتباه فلظنه أنه «عليه السلام» ما استقى إلا عند قرب مقتله وهذا أشتباه قطعاً لأنه أستقى قبل مقتله أتفاقاً وإن اختلفوا في هذه السقاية هل كانت ليلة العاشر أم نهار العاشر فذهب إلى كل فريق ويلزمنا هنا بيان أمر يدل على فائدة الإمعان في التاريخ ليتبحر الذكي فيستخرج منها المعاني الصحيحة المخبأة في عناوين الآثار فنقول: إن في قول القائلين في سقاية العباس الأكبر «عليه السلام»
(1) تذكرة الخواص: ص141.                                        (2) عمدة الطالب: ص323.

(41)

التي صحبه فيها نافع بن هلال البجلي كانت ليلاً وإن أبا الفرج ومن وافقه فقد وهموا في ذلك فجعلوها نهاراً يدلنا على ذلك أجتماع الأقوال على أن أهل الكوفة قد عاجلوا الحسين «عليه السلام» بالقتال عند أول ظهور نور الفجر حتى أنه «عليه السلام» غلس في الصلاة بأصحابه لأن أهل الغدر ينتظرون بهم أنقضاء الأجل في الموادعة الموقتة وهي سواد الليلة العاشرة فالتحمت الحرب مع تألق ضوء الصبح وأشتبك القتال والأصحاب في مراكزهم، ويدلنا أتفاق المؤرخين أن الحسين «عليه السلام» أفرد خيمة يغتسل فيها هو وأصحابه لأجل أن يحيوا ليلتهم بالعبادة وأزدحم أصحابه على بابها ينتظرون خروجه ليصلوا ويغتسلوا وهم يتسابقون على التبرك بالفاضل منه، وصريح عامة الأقوال وقع الاغتسال تلك الليلة مع الاتفاق أن الماء عز عنده يوم التاسع حتى لم يبق ما يكفي للشرب فلولا الإتيان بالماء ليلاً لما وقع الاغتسال، وأتفق المؤرخون أيضاً أنه لم تسنح فرصة في نهار العاشر لأي عمل كان لاشتغال الأنصار بالحملات والمحاماة والمدافعة عن حشاشة الإمام «عليه السلام» فألهتهم تلك الحالة عن كل شيء لأن حفظه «عليه السلام» أهم الواجبات.

                والعباس «عليه السلام» واقف في مركز القلب لا يتحلحل ولن يزل عن موقفه تجاه الحسين «عليه السلام» بيده اللواء يخفق إذا ما دام العلم ثابتاً في مركزه فقلوب المجاهدين طامنة وادعه فلو زال لاختل النظام العسكري واختلف الترتيب وضعف عزم صاحب العزم، ألست تقرأ في سيرة إبراهيم أحمر العينين بن عبد الله المحض: لما التحمت الحرب بينه وبين قائد جيش المنصور الدوانيقي عيسى بن موسى الهاشمي العباسي فإن جيش العباسي أنهزم وأتبعه جيش العلوي فعرضت له مخاضة في الطريق فأنحرف معها حامل لواء إبراهيم فلما رأى عسكره أنحرافه تنادوا الهزيمة فأنهزموا وعطف الجيش العباسي وقتل إبراهيم جاءه سهم غرب غائر فقتله.

                فالحسين «عليه السلام» محافظ تمام المحافظة على هذا النظام العسكري لأنه «عليه السلام» له المهارة بالفنون العسكرية والخبرة التامة بأساليب الكفاح وأنواع الحرب فكلما قدم العباس «عليه السلام» للتضحية أمامه أن يقتل دونه يقول له: أنت حامل لوائي ورئيس عسكري فمتى سنحت فرصة تمكن فيها من إرسال العباس «عليه السلام» مع خمسين من أصحابه يخلو بمراكزهم الحربية ويدعو خطوط الدفاع شاغرة امام الجيش المحدق بهم حتى يقصدوا الشريعة ما كان في ذاك الوقت بل كان ليلاً وقد صرحوا جميعا عند ذكر مصارع أعيان الشهداء أمثال

(42)

مسلم بن عوسجة وحبيب والحر ومن أشبههم أن الحسين «عليه السلام» يمشي إليهم مع بعض أصحابه أو يأمر البعض بحملهم إلى فسطاط القتلى المضروب في المعركة ولم يأمر العباس «عليه السلام» بمغادرة مركزه حتى عند مصرع أعز فقيد عليه ولده علي الأكبر «عليه السلام» قال لفتيانه: إحملوا أخاكم، والعباس «عليه السلام» واقف باللواء كل ذلك محافظة على بقاء نظام عسكره ما دام اللواء في مقره ثابتاً في مركزه.

                فإذن كانت السقاية ليلاً وهي التي شهدها نافع بن هلال وهذه هي السقاية الأولى وبما قررناه تبين لك أن أبا الفرج قد وهم في ذكره لها نهاراً، فلما لم يبق من الأنصار سوى نفرين أو ثلاثة لم تكن حينئذ فائدة كبيرة في اللواء فسمع العباس «عليه السلام» صرخة العائلة وضجة الاطفال فلم يستطع الصبر فأستأذن الحسين «عليه السلام» فإذن له في قصدة المشرعة فقصدها وحده واللواء على كتفه والسيف مصلت بيده حتى أقتحم الفرات وملأ القربة وأقبل بها ركضاً إلى العيال فناولهم إياها فكانت هذه هي السقاية الثانية.

                ثم وقف في مركزه حتى إذا لم يبق غيره وغير الحسين «عليه السلام» تقدم أمامه يحمل اللواء والسقاء في كتفه وأقحم فرسه في الفرات وهذه هي السقاية الثالثة وفيها أغترف غرفة من الماء وأدناها من فمه ثم رماها حين ذكر عطش الحسين «عليه السلام» وعياله – كما يأتي شرحه في فصل الإيثار – وهذه المرة لم يتمكن من إيصال الماء إلى خيم الحسين «عليه السلام» لأن بعض السهام شك القربة ففراها وأراق ماءها.

                وإليك نصوص أهل التاريخ فالقائلون أن سقايته كانت ليلاً كثيرون أوردوها في حوادث الليلة العاشرة منهم العلامة المجلسي في البحار(1)، والفاضل الدربندي في الاسرار(2) وملا عبد الله في مقتل العوالم(3) وعبد الخالق اليزدي في مصائب المعصومين(4) ومشاهير المؤرخين كأبن الأثير وابن كثير والطبري، وهذا نص الطبري(5) بعد أن ذكر أن الحسين «عليه السلام» منع من الماء ثلاثة أيام قال: فلما أشتد العطش بالحسين «عليه السلام» وأصحابه دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً وبعث معهم عشرين قربة فجاؤوا

(1) بحار الانوار 10/ 191.                                          (2) أسرار الشهادة: ص241.

(3) عوالم العلوم:ص76.                                                  (4) مصائب المعصومين: ص234.

(5) تاريخ الطبري 6/ 234.

(43)

حتى دنو من الماء ليلاً وأستقدم امامهم باللواء نافع بن هلال الجملي، فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي: من الرجل؟ - وفي كلام غيره: من القوم؟  - فقال نافع: ابن عمك – أو ابن عم لك – قال: وما جاء بك؟ قال: جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه، قال: فأشرب هنيئاً، قال: لا والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه، فطلعوا عليه فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء فإنما وضعنا بهذا المكان لمنعهم الماء، فلما دنا منه أصحابه قال لرجاله: أملأوا قربكم، فشد الرجالة فملأوا قربهم وثار ليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس بن علي «عليه السلام» ونافع بن هلال فكفوهم ثم انصرفوا إلى رحالهم فقالوا: أمضوا ووقفوا دونهم فعطف عليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه واطردوا قليلاً ثم إن رجلاً من صداء طعن من أصحاب عمرو بن الحجاج طعنه نافع بن هلال فظن أنها ليست بشيء ثم إنها أنتقضت بعد ذلك فمات منها وجاء أصحاب الحسين «عليه السلام» فأدخلوها عليه، انتهى، هكذا رواها أبو الفرج في المقاتل(1) نهار العاشر وهو وهم كما عرفت، وعدو الله عمرو بن الحجاج قتله الله بالعطش أيام المختار، ذكر قصة هلاكه بالعطش صاحب الأخبار الطوال(2) فأطلبها.

السقاية الثانية لأبي الفضل «عليه السلام»:

                ذكر الفاضل الدربندي في الاسرار(3) من قصة مطولة منها أن العباس «عليه السلام» سمع الحسين «عليه السلام» ينادي: أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله؟ خرج إليه وقبل ما بين عينيه وودعه وسار حتى أتى الشريعة وإذا دونها عشرة آلاف فارس مدرعة فلم يهولوه فصاحت به الرجال من كل جانب: من أنت؟ فقال: أنا العباس بن علي ثم نادى: يا بني فلان أنا ابن أختكم الكلابية وأنا عطشان وأهل بيت محمد (ص) يذادون عن الماء وهو مباح للكلاب والخنازير فسار العباس «عليه السلام» ونزل في الفرات حتى ملأ القربة ولما رآهم العباس «عليه السلام» تسارعوا إليهي وهو مكب على الماء حط القرربة على عاقته واستقبل القوم يضربهم بسيفه وهو يقول:

أنا الذي أعرف عند الزمجره يابن علي المسمى حيدره

أن اثبتوا اليوم لنا يا كفره

(1) مقاتل الطالبيين: ص47.                           (2) الأخبار الطوال: ص398.

(3) أسرار الشهادة: ص319.

(44)

                ثم حمل عليهم وهو يقتل فيهم حتى قتل من أبطالهم مائة ثم أنشأ يقول:

لله عين رأت ما قد احاط بنا                من اللئام واولاد الدعيات

يا حبذا عصبة جادت بأنفسها            حتى تحل بأرض الغاضريات

الموت تحت ذباب السيف مكرمة      وإن كان من بعد سكن لجنات

                ثم حمل على القوم وجندل الأبطال حتى قرب من أخيه الحسين «عليه السلام»، ثم ساق القصة المطولة وقال: ودخل العباس «عليه السلام» إلى خيمة الحرم بالسقاء الذي معه فتواسوا به الأطفال ولم يرووا ألخ.

                السقاية الثالثة تأتي في الإيثار وفي شهادته فإن ذاك موضعها.

                للمؤلف:

يسقى البسيط دماً في حد صارمه                       إن فاتها الري من هطالة المزن

ويستقي للعطاشى وهو ذو ظمأ                       أضره لا هب الهيجان والجنن

ولفحة من خجير القيظ كافحها                        والشمس تقدح ناراً في الحصا السخن

أم الشريعة يعدوا بالسقاء وقد                            غصت بجمع من الفجار ذي إحن

غداة أعلن داعي الكفر مبتهجاً                          بكثرة الحشد في سر وفي علن

انظر حسين إلى ماء الفرات جرى                     عذب الرواء برود الطعم كاللبن

فلن تذق قطرة منه ولا جرعاً                              حتى تموت لهيف القلب ذا حزن

فهزت البطل العباس شيمته                               إلى القراع كهز الريح للغصن

نادى أخاه سليل الوحي في أدب                      أنت الصبور وصبري بالهموم فني

دعني أجالدهم أشفي غليل حشى                   ذابت حريقاً على ذي الحقد والإحن

فإن لي ثار في قبائلهم                                            دماء قومي وإخواني وذي شجني

يا سيدي كيف صبري والجميع غدوا               مثل الأضاحي بلا غسل ولا كفن

وصرخة النسوة الثكلى تحركني                          على القراع لأهل الغي والفتن

وهد ركن اصطباري الباكيات ظما                     من نسل خير الورى الهادي أبي حسن

وإنما ضجة الباكين من عطش                            تهز أرسخ طود شامخ القنن

وكم رضيع يقاسي الموت من ظمأ                    جفت ثدا أمه عن درة اللبن

دعني أموت ولم اسمع مروعة                           من العقائل تشكو شدة المحن

(45)

قال الحسين له حامي على حرم                          مصونة بحجاب الوحي من زمن

وضحي نفسك يا حر الفعال ومت                  موت الكرام لأجل الدين والوطن

فكل ذي شيمة شماء مبتهج                                بالموت دون هوان العرض والسنن

                أرسل إلي نائب سوق الشيوخ المرحوم الشيخ محمد حسن نجل العلامة الشيخ باقر حيدر من تخميس له لبيتي أبي الحب الخطيب الكربلائي:

يا من فدى النفس من أجلي على عجل             هيجت ما بأخيك اليوم من علل

أخي أبا الفضل يا ذخري ويا أملي                    أبوك كان لجدي مثل كونك لي

بنفسه نفس من أخاه يفديها

جدي بوالدك الرحمن آزره                  على العدى وبه للدين أظهره

فكان ناصر دين الله مفخره                 أبوك ساقي الورى في الحشر كوثره

وأنت أطفالنا بالطف ساقيها

(46)

ألقاب العباس «عليه

السلام»

من ألقاب العباس «عليه السلام» «كبش الكتيبة»

                ومن ألقاب العباس بن أمير المؤمنين «عليه السلام» (كبش الكتيبة أو كبش كتيبة الحسين) «عليه السلام»».

                وتفسير الكتيبة يأتي في أنظمة الجيوش في الجزء الثالث أما الكبش فالعرب تطلقه على مقدم العسكر أميراً كان أو ملكاً وعلى الشجاع الذي لا يقاوم بأساً ونجدة.

                قال الفيروزآبادي في القاموس: الكبش الحمل إذا إنتهى وإذا خرجت رباعيته جمعه أكبش وكباش وأكباش وسيد القوم وقائدهم ألخ.

                وليس هو حقيقة بل هو مجاز لأن الكبش حقيقة وفي أصل الوضع يرأس القطيع من الأغنام والظباء ويحميها بنطاحه ولما كان قائد الجيش ورئيس القوم والبطل الحربي يرأس الجيش ويحميه بيده وتدبيره قيل له كبش وله جرأة على النطاح وإقدام كما شهد الوجدان بذلك فإن الكبش إذا ناطح كبشاً لم ينصرف عنه حتى يحجز بينهما أو يقتل أحدهما الآخر، وكما أطلق الكبش على الشجاع مجازاً أطلق على المبتدع إذا كان متبوعاً على جهة الاستعارة حيث أن قطيع الأغنام يتبع الكبش في المرعى كذلك بهائم العوام يتبعون الظال المبتدع في ظلاته وبدعته.

                فقد قال رسول الله (ص) في رجل من قريش يلحد بمكة: كبش أسمه عبد الله عليه نصف عذاب أهل الناء متفق عليه عند الشيعة والسنة وقد ذكرنا من رواه من حفاظ أهل السنة في كتابنا (الميزان الراجح) في ترجمته ولا يطلق الكبش في الحرب عند العرب، إلا على من تكاملت فيه سمات البطولة وجمعت فيه صفات الرجولية ولقب بهذا اللقب قبل أبي الفضل العباس بن علي «عليهما السلام» رجلان من أعظم رجال العرب وأشهرها أحدهما بطل المشركين بلا نزاع طلحة بن أبي طلحة القرشي من آل عبد الدار فكان يلقب كبش الكتيبة قتله أمير المؤمنين

(47)

«عليه السلام» يوم أحد فسر بقتله رسول الله (ص) وبقتله فلت شوكة المشركين وكسر حدهم، والثاني بطل المسلمين غير مدافع وهو مالك بن الحارث الأشتر النخعي صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» بطل العرب المشهور كان يلقب كبش العراق.

                ويطلق لفظ الكبش على كل بطل ويقال للابطال كباش وشبهوا أعتراك الأبطال بالنطاح وأما إطلاقه على الملوك الظلمة فقد ورد في كلام مولانا أمير المؤمنين «عليه السلام» بقوله في عبد الملك بن مروان: أبو الأكبش الأربعة.

قتل أمير المؤمنين «عليه السلام» لكبش الكتيبة

                ذكر قصته عامة أهل السير منهم ابن ابي الحديد المعتزلي الحنفي والحلبي الشافعي ومفتى الشافعية زيني دحلان وغيرهم، ولفظ الحلبي في سيرته(1) في غزوة أحد قال: خرج رجل من المشركين بين الصفين وهو طلحة بن أبي طلحة، وأبو طلحة والده أسمه عبد العزى ابن عثمان بن عبد الدار وكان بيده لواء المشركين لأن بني عبد الدار كانوا أصحاب لواء المشركين لأن اللواء كان لجدهم عبد الدار، وطلب طلحة المبارزة مراراً فلم يخرج إليه أحد، فقال: يا أصحاب محمد! زعمتهم إن قتلاكم إلى الجنة وإن قتلانا إلى النار – وفي رواية: زعمتهم يا أصحاب محمد أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة – فهل أحد منكم يعجلني بسيفه إلى النار أو أعجله بسيفي إلى الجنة؟! كذبتم واللات والعزى لو تعلمون ذلك حقاً لخرج إلي بعضكم.

                فخرج إليه علي بن أبي طالب «عليه السلام» فاختلفا ضربتين فقتله علي «عليه السلام»، وفي رواية: التقيا فبدره علي «عليه السلام» فصرعه أي قطع رجله وقع على الأرض فبدت عورته، فقال: يا ابن عميچ أنشدك الله والرحم فرجع عنه ولم يجهز عليه، فقال له بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه، فقال إنه استقبلني بعورته وعطفتني عليه الرحم وعرفت أن الله قد قتله، وفي رواية: إن رسول الله قال له: ما منعك أن تجهز عليه؟ فقال: ناشدني الله والرحم، فقال: أقتله فقتله.

                ووقع لسيدنا علي «عليه السلام» مثل ذلك يوم صفين مرتين: الأولى حمل على بسر بن أرطأة فلما رأى أنه مقتول كشف عورته فانصرف عنه، والثانية حمل على عمرو بن العاص فلما رأى إنه مقتول كشف عورته فأنصرف عنه علي «عليه السلام».

(1) السيرة الحلبية 2/ 339.

(48)

                ثم قال آخر الصفحة: ولما صرع صاحب لواء المشركين الذي هو طلحة بن أبي طلحة أستبشر النبي (ص) وأصحابه أي لأنه كبش الكتيبة أي الجيش أي حاميهم الذي رأى النبي (ص) فيم رؤياه المتقدمة أنه مردفاً كبشاً وقال: أولت ذلك أني أقتل كبش الكتيبة، انتهى.

                وفي رواية ابن إسحاق: إن الذي قتله أمير المؤمنين «عليه السلام» هو أبو سعد بن أبي طلحة وهو صاحب لواء المشركين وخرج إليه أمير المؤمنين «عليه السلام» وهو يقول: أنا أبو القصيم، ويقال أبو القصيم(1) ولعل أبو سعد كنية لكبش الكتيبة.

                قال ابن أبي الحديد في الشرح(2): فلما قتل طلحة سر رسول الله (ص) وكبر تكبيراً عالياً وكبر المسلمون إلخ.

                والطبري أجمل القصة ولكنه ذكر بعد قتله لعبدهم صواب آخر أصحاب اللواء وقد قطعت يداه على اللواء فأحتضنه وبرك عليه بصدره وعنقه حتى قتل عليه.

                قال(3): لما قتل علي بن أبي طالب «عليه السلام»: أصحاب الأولية أبصر رسول الله (ص) جماعة من مشركين قريش فقال لعلي «عليه السلام»: إحمل عليهم فحمل عليهم ففرق جمعهم وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي، قال: ثم أبصر رسول الله (ص) جماعة أخرى من مشركين قريش فقال لعلي «عليه السلام»: إحمل عليهم فحمل عليهم ففرق جمعهم وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي، فقال جبرئيل «عليه السلام»: يا رسول الله! إن هذه لهي المواسات، فقال رسول الله: إنه مني وأنا منه، فقال جبرئيل «عليه السلام»: وأنا منكما، قال: فسمعوا صوتاً:

لا سيف إلا ذو الفقار                          ولا فتى إلا علي

                إلخ. وقوله: (أنا أبو القصم) في رواية ابن إسحاق، وفي رواية غيره إن كبش الكتيبة قال: قد علمت إنه لا يتجرأ علي غيرك يا أبا القصم وتفسيره على ما ذكروا أن قريشاً لما أمتنع عليهم رسول الله (ص) بعمه أبي طالب فلم يصلوا إليه بالأذى أغروا به صبيانهم فإذا خرج آذوه وعبثوا به فشكى ذلك إلى عمه أبي طالب «رضوان الله عليه» فقال: يا ابن أخي! إذا خرجت فخذ معك أخاك علياً، فخرج رسول الله (ص) وعلي معه وهو غلام فلما عبث الصبيان برسول الله (ص) شد عليهم

(1) أنظر: سيرة ابن هشام 2/359.                                (2) شرح نهج البلاغة 2/ 366.

(3) تاريخ الطبري3/ 17.

(49)

علي «عليه السلام» فكان إذا قبض على أذن أحدهم قصمها أي قطعها أو على أنفه قصمه فذهبوا يتصارخون إلى أهلهم هذا يقول: قصم أذني علي وهذا يقول قصم أنفي علي، وفي نسخة: صلمها فلقب لذلك بالقصيم وبالصيلم، وقيل له أبو القصم.

كشف عمرو بن العاص وبسر بن أرطأة لعورتيهما

                قد أجمل الحلبي الشافعي قصتهما وقد استدفع رمح أمير المؤمنين «عليه السلام» الذي يرشح بالمنون ويقطر بالمنية ثلاثة من أبطال قريش: أحدهما العبدري كبش الكتيبة يوم أحد كما عرفته، والثاني عمرو بن العاص السهمي، والثالث بسر بن أرطأة العامري كلاهما يوم صفين وقد اروثتهما تلك الطعنة المباركة خزياً وجللتهما عاراً إلى الابد فضربت بذلك الامثال، فقال أبو فراس الحمداني:

فلا خير في دفع الردى بمذلة                              كما ردها يوماً بسوءته عمرو

                وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقد حثهم معاوية على لقاء أمير المؤمنين «عليه السلام»:

يقول لنا معاوية بن هند                                       أما فيكم لواتركم طلوب

يشد على أبي حسن علي                                        بأسمر لا تهجنه الكعوب

فيهتك مجمع اللباة منه                                          ونقع الخيل مطرد يثوب

فقلت له أتلعب يا بن هند                                    كأنك بيننا رجل غريب

أتأمرنا بحية بطن واد                                           إذا نهشت فليس لها طبيب

وما ضبع يدب ببطن واد                                    أتيح له به أسد مهيب

بأضعف حيلة منا إذا ما                                      لقيناه وذا منا عجيب

دعا للقاء في الهيجاء لاق                                     فأخطأ نفسه الأدل القريب

سوى عمرو وقته خصيتاه                                   نجى ولقلبه منها وجيب

كأن القوم لما عاينوه                                              خلال النقع ليس لهم قلوب

لعمر أبي معاوية بن حرب                                  وما ظن تلحقه الغيوب

لقد ناداه في الهيجا علي                                         فأسمعه ولكن لا يجيب

(50)

                وقال مالك الأشتر:

أكل يوم رجل شيخ شاغره                                وعورته وسط العجاج ظاهره

تبرزها طعنة كف واتره                                        عمرو وبسر رميا بالفاقره

                وقال النضر بن الحارث الجشمي:

أفي كل يوم فارس تندبونه                                   له عورة وسط العجاجة باديه

يكف بها عنه علي سنانه                                        ويضحك منها في الخلاء معاوية

بدت امس من عمرو فقنع رأسه                       وعورة بسر نحوها حذو حاذيه

فقولا لعمرو وأبن أرطأة أبصرا                         سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه

ولا تحمدا إلا الحيا وخصاكما                             هما كانتا والله للنفس واقيه

ولولاهما لم تنجوا من سنانه                                وتلك بما فيها عن العود ناهيه

متى تلقيا الخيل المشيحة صبحة                         وفيها علي فاتركا الخيل ناحيه

وكونا بعيداً حيث لا يبلغ القنا                           بخمس الوغى إن التجارب كافيه

وإن كان منه بعد في النفس حاجة                      فعودا إلى ما شئتما هي ماهيه

                واطلب القصتين تفصيلاً من كتاب صفين لنصر بن مزاحم(1).

تلقيب الأشتر بكبش العراق

                ذاك أمر مشهور أكثر شعراء صفين من ذكره، فقال شاعر أهل الشام مستغيثاً حين عضتهم سيوف أهل العراق لائذاً بأحكام الموادعة بين علي «عليه السلام» ومعاوية:

رؤوس العراق أجيبو النداء                               فقد بلغت غاية الشدة

وقد أودت الحرب بالعالمين                                وأهل الحفائظ والنجدة

فلسنا ولستم من المشركين                                  ولا المجمعين على الردة

ولكن أناس لقوا مثلهم                                       لنا عدة ولهم عدة

فقاتل كل على وجهه                                            يقحمه الجد والنجدة

فإن تقبلوها ففيها البقاء                                        وأمن الفريقين والبلدة

(1) وقعة صفين: ص245 و223.

(51)

وإن تدفعوها ففيها الفناء                                     وكل بلاء إلى مدة

وحتى متى مخض هذا السقاء                             ولابد أن تخرج الزبدة

ثلاثة رهط هم أهلها                            وإن يسكتوا تخمد الوقدة

سعيد بن قيس وكبش العراق                            وذاك المسود من كندة

                قال نصر بن مزاحم(1): فحمد هؤلاء النفر المسمون في الصلح؛ فأما المسود من كندة فهو الأشعث فإنه لم يرض بالسكوت بل كان من أعظم الناس قولاً في إطفاء الحرب، وأما كبش العراق وهو الأشتر فلم يكن يرى إلا الحرب ولكنه سكت على مضض، وأما سعيد بن قيس فتارة هكذا، وتارة هكذا، وقال: وذكر نصر قصة الأشتر مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأطلبها، وفي هذه القصة وهزيمة عبد الرحمن يقول النجاشي من أبيات:

دعونا لها الكبش كبش العراق                           وقد خالط العسكر العسكر

(1) وقعة صفين: ص260.

(52)

وصف البطل بالكبش على

جهة العموم

                شاع ذاك عند العرب ونظموه في اشعارهم واستيفاء الشواهد تطويل فخذ بعض الاشعار فمنه ماعن الدميري في حياة الحيوان وهو من شعر صفين:

الليل داج والكباش تنتطح                                 نطاح أسد ما أراها تصطلح

فمن يقاتل في وغاها ما نجى                              ومن نجى بنفسه فقد ربح

                ومنه قول عمرو العكي بصفين يدعو النجاشي الحارثي شاعر أهل العراق إلى المبارزة:

أبرز إلى ذا الكبش يا نجاشي                               أسمي عمرو وأبو خراش

                فأجابه النجاشي بشعر منه:

                                                إرود قليلاً فأنا النجاشي

                إلى إن قال فيه:

أنصر خير راكب وماشي                                     أعني علياً بين الرياشي

من خير خلق الله في نشناش                               مبرء من نزق الطياشي

بيت قريش لا من الحواشي                                ليث عرين للكباش غاشي

                                      يقتل كبش القوم بالهراش

                ومنه قول عمرو بن العاص وكان أشار على معاوية أن لا منع علياً وأهل العراق الماء بصفين وقال له: إن علياً لا يعطش وهو من قد عرفت ومعه فرسان العرب وبيده أعنة الخيل، فخالفه معاوية وأخذ برأي ابن أبي سرح وأبن أبي معيط وغيرهما من الحمقاء، فلما ضربهم أهل العراق تلك الضربة القاسية وصدموهم تلك الصدمة الموجعة فأكتسحوهم من الشريعة وأقصوهم عنها أميالاً وملكوها عنوة وقسراً شمت عمرو بن العاص بمعاوية ومشيريه فقال مخاطباً لهم:

أمرتك أمراً فسخفته                                            وخالفني ابن ابي سرحة

فأغمضت في الرأي إغماضة                               ولم ترى في الحرب كالفسحة

فكيف رأيت كباش العراق                                 ألم ينطحوا جمعنا نطحة

(53)

أظن لها اليوم ما بعدها                                         وميعاد ما بيننا صبحة

فإن ينطحونا غداً مثلها                                        نكن كالزبيري أو طلحة

وإن أخروها لما بعدها                                          فقد قدموا الخبط والنفحة

وقد شرب القوم ماء الفرات                              وقلدك الأشتر الفضحه

                وقال عمرو بن العاص أيضاً لمعاوية وقد أشار عليه أن يبارز أمير المؤمنين «عليه السلام» فاستغشه معاوية وقال: إنما أردت قتلى بمبارزة ابن أبي طالب لتتملك الشام، وقال شعراً يوبخ فيه عمراً فأجابه بقوله:

معاوية وإن نكلت عن البراز              لك الويلاة فأنظر في المخازي

فما ذنبي إذا نادى علي                          وكبش القوم يدعى للبراز

                الخ، ومنه قول عمرو يوم أحد وذكره ابن إسحاق في سيرته:

ففداء لهم أمي غداة                              الروع إذ يمشون قطوا

سيراً إلى كبش الكتيبة                          إذ جلته الشمس جلوا

                الخ، وهذا كثير من أشعار العرب وإن شئت الزيادة فراجع المعاجم التاريخية العربية.

لقب العباس بكبش كتيبة الحسين «عليهما  السلام»

اختصاص أبي الفضل بكبش كتيبة الحسين «عليهما السلام»:

                هذا لقب يختص به أبو الفضل العباس الأكبر بن أمير المؤمنين «عليهما السلام» دون سائر شهداء كربلاء وقد أختصه بهذا اللقب أخوه الحسين «عليه السلام» وجعله من ألقابه المميزة له وذلك حين اتاه يطلب منه الرخصة للهجوم على جيوش أهل الكوفة المحيطة به وقد أكثر الشعراء في تأبينه من ذكر هذا اللقب، فقال بعضهم بلسان حال سيد الشهداء الحسين «عليه السلام»:

عباس كبش كتيبتي وكنانتي                               وسري قومي بل أعز حصوني

                وقال الأزري (رحمه الله):

اليوم بان عن الكتائب كبشها                              اليوم فل عن البنود نظامها

                قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة)(1) وعنه الكربلائي في معالي السبطين(2) في شهادة العباس «عليه السلام» إن الحسين «عليه السلام» أنحنى عليه

(1) أسرار الشهادة: ص321.                                          (2) معالي السبطين 1/ 274.

(54)

ليحمله ففتح العباس عينيه فرأى أخاه الحسين «عليه السلام» يريد أن يحمله فقال: أين تريد يا أخي؟ فقال: إلى الخيمة، فقال: ياأخي بحق جدك رسول الله (ص) عليك أن لا تحملني دعني في مكاني هذا، فقال: لماذا؟ فقال: إني مستح من ابنتك سكنية وقد وعدتها بالماء ولم آتها به، والثاني إني كبش كتيبتك وإذا رآني أصحابك مقتولاً فربما يقل عزمهم، فقال له الحسين «عليه السلام»: جزيت عن أخيك خيراً حيث نصرته حياً وميتاً، إنتهى.

                ويعلق الكربلائي على إشكال عرض له ويجعله دليلاً على شهادة العباس أولاً وإنه أول قتيل ثم أيد نظريته هذه بكلام المقتل المنسوب لأبي مخنف وأوقفتنا هذه النظرية على عامية الكربلائي وأرتنا بساطته:

                أولا: إلغاء ما حققه العلماء وورد في الزيارة أن أول الشهداء من العلويين علي ابن الحسين «عليهما السلام» فلا يصح إلغاء هذا المحقق لحكاية واهية في مقتل لم يثبت أنه لأبي مخنف.

                وثانياً: لا يلزم من قوله قل عزم أصحابك أن يكون أول قتيل وأن أصحابه لم يقتلوا قبله، هذا جهل فاضح بل المراد لو صح ما في المقتل أن أصحابه الحسين «عليه السلام» بعد شهادة العباس جماعة وبعضهم جرحى فالإمام زين العابدين وعقبة بن سمعان مولى الرباب وبعض الموالي كانوا أحياء، والضحاك المشرقي الذي نجى بعد شهادة العباس «عليه السلام» وعنه وعن عقبة بن سمعان تروى أخبار الطف ونجى زياد الأقطع والد الفراء بعد أن قطعت يده يالطف، والموقع الأسدي أسر ونفاه ابن زياد إلى الزارة، والحسن المثنى عالج أخواله جراحاته فبرأ منها، وسويد بن أبي المطاع قتل بعد شهادة الحسين «عليه السلام» سمعهم وهو جريح يقولون: قتل الحسين، فأخرج سكيناً فقاتل بها فقتل، وسوار بن المنعم النه