موسوعة بطل العلقمي

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي

المؤلف : تأليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

 

 

وفاة عبد الله


كثر الأختلاف في ذلك بين الناقلين والأقوال في ذلك كثيرة نقتصر على ما أورد الحلبي منها فإنه قال في سيرته(1) عن ابن إسحاق: لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب أن توفي وأم رسول الله (ص) حامل به، وعليه أكثر العلماء، قيل: إن موت والده (ص) بعد أن تم لها من حملها شهران وقيل: قبل ولادته بشهرين، وقيل: كان في المهد حين توفي أبوه ابن شهرين وذكر السهيلي أن عليه أكثر العلماء، وقيل: كان ابن سبعة أشهر، وقيل: ابن تسعة أشهر وعليه الأكثرون، وقيل: ابن ثمانية عشر شهراً، وقيل: ابن ثمانية وعشرين شهراً.
وكانت وفاته بالمدينة، خرج إليها ليمتار تمراً أو لزيارة أخواله بها، أي أخوال أبيه عبد المطلب بني عدي بن النجار، وقيل: خرج إلى غزة تاجراً في عير من عيرات قريش خرجوا للتجارة ففرغوا من تجارتهم وانصرفوا فمروا بالمدينة وعبد الله مريض فقال: أنا أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عنه فقالوا: خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض فبعث إليه أخاه الحارث فوجده قد توفي.
وفي أسد الغابة: إن عبد المطلب أرسل إليه ولده الزبير وهو شقيق عبد الله فشهد وفاته ودفن في دار التابعة – بالتاء المثناة من فوق، والباء الموحدة والعين المهملة – وهو رجل من بني عدي بن النجار، الخ.
أما الطبري المؤرخ فردد بين كونها التابعة – بالتاء – أو دار النابغة – بالنون -.
موقع هذا الدار على ما ذكره السمهودي في وفاء الوفاء 1/ 151: قال المطري: وتبعه من بعده أن دار النابغة كانت غربي مسجد رسول الله (ص) وهي دار بني عدي بن النجار، الخ.
(1) السيرة الحلبية 1/ 55.
(271)

تأبين عبد الله


أبنته زوجته آمنة بنت وهب أم رسول الله (ص) فقالت:
عفى جانب البطحاء من آل هاشم وجاور لحداً خارجاً في الغماغم
دعته المنايا دعوة فأجابها وما تركت في الناس مثل ابن هاشم
عشية راحوا يحملون سريره تعاوره أصحابه في التزاحم
فإن تلك غالته المنايا وريبها فقد كان معطاء كثير التراحم
... الخ، إن هذه الأبيات بديعة وهي من التأبين المشجي والرثاء المحزن.

أولاد عبدالله:


لا خلاف بين العلماء إنه لم يعقب سوى سيد الكائنات نبينا محمد (ص) وليس له ولد غيره لا ذكر ولا أنثى.
قال ابن قتيبة في المعارف: وأما عبد الله بن عبد المطلب فلم يكن له ولد غير رسول الله (ص) ذكر ولا أنثى، وكان أخواله في المدينة فأتاهم فهلك بها وهو شاب، إنتهى، وهذا متفق عليه.
أولاد رسول الله (ص)
فاختلف فيهم فقيل خمسة ذكور: أربعة من خديجة بنت خويلد «عليها السلام» وواحد من مارية إبراهيم، وأربعة بنات لا خلاف في ذلك وكلهن من خديجة وهن: زينب ورقية وأم كلثوم وسيدة النساء فاطمة الزهراء «عليها السلام»، ومنها كان نسل رسول الله (ص) لقوله (ص) – ورواه الحفاظ من علماء السنة -: إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب «عليه السلام».
وبعضهم يسقط الطاهر، ويجعله صفة وبعضهم يسقط الطيب، والصحيح أنهم خمسة ذكور وأربعة إناث، وهذه نبذة من كلمات العلماء:
قال ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي: وتزوج خديحة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد له منها قبل مبعثه (ص) القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم وولد له بعد البعثة الطاهر والطيب وفاطمة «عليهم السلام»، الخ.
وقال ابن شهرآشوب في المناقب: ولده من خديجة: القاسم وعبد الله وهما
(272)
الطاهر والطيب وأربع بنات: زينب ورقية وأم كلثوم وهي آمنة وفاطمة «عليه السلام» وهي أم أبيها ولم يكن له ولد من غيرها إلا إبراهيم «عليه السلام» من مارية.
وقال الحافظ بن عبد البر في الأستيعاب: وأما ولده (ص) فكلهم من خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية وولده من خديجة أربع بنات لا خلاف في ذلك، أكبرهن زينب بلا خلاف وبعدها أم كلثوم وقيل رقية وهو الأولى وقد قيل إن رقية أصغرهن والصحيح أن أصغرهن فاطمة «عليها السلام»، وأختلف في الذكور فقيل أربعة: القاسم وعبد الله والطيب والطاهر، وقيل ثلاثة ومن قال هذا قال عبد الله سمي الطيب لأنه ولد في الإسلام ومن قال غلامان قال القاسم وبه كان يكنى وعبد الله وقيل له الطاهر والطيب لأنه ولد في الإسلام، إنتهى.
وقال ابن إسحاق: ولدت لرسول الله (ص) ولده كلهم إلا إبراهيم القاسم وبه كان يكنى والطاهر والطيب وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة «عليها السلام».
وقال ابن هشام: أكبر بنيه القاسم ثم الطيب ثم الطاهر وأكبر بناته رقية ثم زينب ثم أم كلثوم ثم فاطمة «عليها السلام».
قال ابن إسحاق: أما القاسم والطاهر والطيب فهلكوا في الجاهلية وأما البنات فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن.
قال ابن هشام: وأما إبراهيم «عليه السلام» فأمه مارية.
وحكى المحب الطبري في ذخائر العقبى هذه الاقوال المترددة في ضبط كمية الذكور أهم أربعة أم خمسة؟ قال: وقيل كان له (ص) الطيب والمطيب في بطن والطاهر والمطهر في بطن، ذكره صاحب الصفوة فيكون على هذا أحد عشرة ثم قال: قيل: ولد له قبل المبعث ولد يقال له عبد مناف فيكون على هذا اثنى عشر.
ثم قال: فتحصل من مجموع الأقوال ثمانية ذكور: اثنان متفق عليهما القاسم وإبراهيم وستة مختلف فيهم عبد مناف وعبد الله والطيب والمطيب والطاهر والمطهر، الخ.
وقال ابن الجوزي في صفة الصفوة: أما الذكور فالقاسم وبه كان يكنى، وهو أول من مات من أولاده وعاش سنتين وعبد الله وهو الطاهر والطيب ولد له في الإسلام، وقال عروة: ولدت له خديجة القاسم والطاهر وعبد الله والمطيب، وقال سعيد بن عبد العزيز: كان للنبي (ص) أربعة غلمة: إبراهيم والقاسم والطاهر والمطهر ولدا في بطن، الخ.
(273)
وروى الصدوق «رحمه الله» في الخصال(1): عن الصادق «عليه السلام» أنهم سبعة ثلاثة ذكور وأربعة بنات وعلى هذا فالرواية مقدمة على أقوال أهل النسب خصوصاً مع تصريح بعضهم أن الطاهر والطيب ألقاب لا أسماء.
ولعبد الله بن عبد المطلب شعر، ففي مسالك الحنفا للسيوطي(2) عن تذكرة الصفدي قوله مفتخراً:
لقد حكم السارون في كل بلدة بأن لنا فضلاً على سادة الأرض
وإن أبي ذو المجد والسؤدد الذي يشار به ما بين نشز إلى خفض
وجدي وآباء له أبلوا العلا قديما لنيل العرف والحسب المحض
(11) أسد الله وأسد رسول حمزة بن عبد المطلب بن هاشم
أبو عمارة وأبو يعلى الذي يقول له القائل:
ابا يعلى بك الاركان هدت وأنت الماجد البر الوصول
إني لا أشك أنك تجزم بأن الحمزة أعظم مثال لحقيقة الشهامة والمجد وأجل مظهر من مظاهر السؤدد العربي، فإن عد نوابغ العرب العظماء فالحمزة من ساداتهم وإن ذكر أبطال الرجال كان من مقدميهم فقد كانت عرب الجاهلية والإسلام مجمعة على أن حمزة بن عبد المطلب من ساداتهم وأشرافهم وفي الطبقة الأولى من شجعانهم، وأعز فتى فيهم والدليل على عزه أن بإسلامه عز الأسلام، والدليل على شجاعته لقبه الذي لقبه به رسول الله (ص) «أسد الله وأسد رسوله»، وشجاعته مغروسة في نفوس البشر حتى العوام ويلقبونه لذلك «بالحمزة الهيجاء».
ليست الشجاعة وحدها من نعوته بل اتسم بسمة كل فضيلة وتخلق بكل خلق جميل فقد كان من أهل الحفاظ والفخر وكبرياء النفس ومن حماة الجار والنزيل والحوزة ومن مطعمي الضيف ومانحي الوفد وفكاكي الأسير، وممن يحملون الحملات وكان من أهل الأنفة والآباء وشموخ الأنف والشمم، وأهل العظمة والاعتلاء وكانت طواغيت قريش وجبابرة العرب تخضع له وترهب سطوته وتحاذر صولته ولسنا نقدر على استيفاء مآثره في هذا الكتاب وله عندنا ترجمة مبسوطة في كتاب «الميزان الراجح» ونورد هنا ما يناسب هذا الكتاب، وقد يظن المتجدد أنا نسهب في هذا الموضوع، ولو علم أنا وضعنا هذا الكتاب لإعانة القاصر عن
(1) الخصال 2/ 37. (2) مسالك الحنفا: ص62.
(274)
التنقيب عن آثار العظماء ومن ليست عنده معلومات تاريخية كافية لعذرنا والله الموفق للصواب.
قال ابن قتيبة في المعارف(1): وأما حمزة بن عبد المطلب كان يكنى أبا عمارة وهو أسد الله وأسد رسوله وقتل يوم بدر شيبة بن ربيعة وطعيمة بن عدي وسباعا الخزاعي، وقتل يوم أحد، زرقه وحشي غلام طعيمة فمات وكان رضيع النبي (ص) وأبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، أرضعتهم أمرأة من أهل مكة يقال لها ثويبة، الخ.
ثويبة هي مولاة أبي لهب، وسباعا الخزاعي هو ابن أم أنمار الختانة قتله الحمزة يوم أحد، وبتشاغله بقتله أمكنت العبد وحشي الفرصة فزرقه بالحربة فقضى نحبه «سلام الله عليه».
ولد حمزة قبل رسول الله (ص) بسنتين نص عليه في الإصابة ومعنى رضيع النبي (ص) يعني أن التي أرضعته أرضعت رسول الله (ص) فيما بعد فهو رضيعه لهذا السبب لأنه أرتضع معه بلبن واحد، وله توجيه آخر.
قال المحب الطبري في ذخائر العقبى(2): كان أسن من النبي (ص) بأربع سنين.
قال أبو عمر: وهذا يرده ما تقدم ذكره انفا من تقييد رضاع ثويبة بلبن ابنها مسروح إذ لا رضاع إلا في حولين ولولا التقييد لامكن حمل الرضاع على زمنين مختلفين، قلت: ويمكن أن يكون أرضعت حمزة في آخر سنتيه في أول رضاع ابنها وأرضعت النبي (ص) في أول سنتيه في آخر رضاع ابنها فيكون أكبر بأربع سنين.
وقيل: كان أسن بسنتين، ولم يزل إسمه في الجاهلية والإسلام حمزة، ويكنى أبا عمارة وأبا يعلى بأبنين له عمارة ويعلى، وكان يدعى أسد الله وأسد رسوله.

حلم حمزة وشرفه


قال الآلوسي في بلوغ الإرب(3): هجا عبد الله بن الزبعري السهمي بني قصي فدفعوه برمته إلى عتبة بن ربيعة خوفا من هجاء الزبير بن عبد المطلب وكان
(1) المعارف: ص54. (2) ذخائر العقبى: ص72.
(3) بلوغ الإرب 3/ 84.
(275)
شاعراً مفلقاً شديد العارضة، قذع الهجاء فلما وصل عبد الله بن الزبعري إليهم، أطلقه حمزة بن عبد المطلب وكساه فقال عبدالله بن الزبعري:
لعمري ما جائت بنكر عشيرتي وإن صالحت إخوانها لا ألومها
فود جناة الشر إن سيوفنا بأيماننا مسلولة لا نشيمها
فيقطع ذو العمر القريب ويتركو غماغم منها ما أجد بريمها
فإن قصياً أهل مجد وثروة وأهل فعال لا يرام قديمها
هموا منعوا يومي عكاظ نساءنا كما منع الشول الهجان قرومها
إلى هنا عن الآلوسي، وزاد ابن أبي الحديد فيها والقصة مضت في ترجمة الزبير بن عبد المطلب:
وإن كان هيج قدموا فتقدموا وهل يمنع المخزاة إلا جميعها
محاشيد للمقري سراع إلى الندى مرازبة غلب رزان حلومها
وهذه شهامة عربية وشيمة هاشمية منوطة بهمة عالية لا يتسنى لأكثر العرب الأرتقاء إليها ولا السلوك عليها فإنهم ظفروا بمن هجاهم وأقذعهم بلا سبب يوجب الهجاء ونذروا دمه إن ظفروا به، فلما ظفروا به عفوا عنه عفة وتكرما وحبوه وأكرموه كما صنع حمزة بن عبد المطلب فعدت هذه في محاسن بني هاشم واحتسبت من بعض مفاخره، ولسنا نعرف في العرب من فعل مثل هذا سوى رجلين: اوس بن حارثة بن لام الطائي هجاه بشر بن أبي خازم الأسدي فنذر دمه، فلما ظفر به أكرمه وحباه، وعلقمة بن علاثة العامري هجاه الأعشى الأكبر ظلماً فنذر دمه فلما ظفر به حباه وأكرمه فتحول هجاهما لهذين الكريمين مدحا وثناء.

إباء حمزة وأنفته من الهوان:


كان حمزة ذا أنف وإباء وفيه حمية وشمم وحفاظ يأبى له الرضوخ على المذلة تعرفه له قريش والعرب ذلك، وقد جره ذلك الآباء وقاده ذلك الأنف إلى اعتناق الإسلام الذي هو أشرف الأديان.
قال الفاضل المجلسي «رحمه الله»(1): كانت قريش تجد في أذى النبي (ص) وكان أشد الناس عليه عمه أبو لهب فكان (ص) ذات يوم جالسا في الحجر فبعثوا إلى سلا شاة فألقوه على رسول الله (ص) فاغتم (ص) من ذلك فجاء لأبي طالب
(1) بحار الأنوار 6/ 446.
(276)
فقال: يا عم كيف حسبي فيكم؟ فقال: وما ذاك يا ابن أخي؟ قال (ص): إن قريشا ألقوا علي السلا، فقال لحمزة: خذ السيف – وكانت قريش جالسة في المسجد – فجاء أبو طالب ومعه السيف وحمزة ومعه السيف، فقال له: مر السلا على سبالهم، ومن أبى فاضرب عنقه، فما تحرك أحد حتى أمر السلا على سبالهم ثم التفت إلى رسول الله (ص) وقال: يا ابن أخي هذا حسبك فينا، الخ.
وفي تاريخ الطبري وتاريخ الخميس والسير الثلاثة الحلبية والدحلانية والهشامية – ولفظ الأخير(1)-: قال ابن إسحاق: حدثني رجل من أسلم كان واعية أن أبا جهل مر برسول الله (ص) عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه التضعيف لأمره، فلم يكلمه رسول الله (ص) ومولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى الى ناد من قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب «رضي الله عنه» أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من قنص له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلى وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة.
فلما مر بالمولاة وقد رجع رسول الله (ص) إلى بيته فقالت: يا أبا عمارة! لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد أنفا من أبي الحكم بن هشام وجده ها هنا فأذاه وسبه بلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد.
فأحتمل حمزة الغضب لما أراد الله من كرامته فخرج يسعى لم يقف على أحد معداً لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به فلما دخل المسجد نظر اليه جالساً في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه فشجه شجة منكرة ثم قال: أتشتمه؟ فأنا على دينه، أقول ما يقول، فرد ذلك علي إن استطعت؟
فقام رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني والله قد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً.
وتم حمزة «رضي الله عنه» على إسلامه وعلى ما تابع عليه رسول الله (ص) من قوله فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله (ص) قد عز وأمتنع، وأن حمزة سيمنعه، وكفوا عن بعض ما كانوا ينالونه منه، إنتهى.
(1) سيرة ابن هشام 1/ 264.
(277)
وهذه الأنفة متوارثة في بني هاشم فقد جاء في الخبر المأثور: إن مسلم بن عقيل قد حطم أنف معاوية بن أبي سفيان بالسيف لما أغضبه في قضية الضيعة التي باعها من معاوية وأمتنع من ردها لما نهاه الحسين «عليه السلام» أن يبيعها فيقال: إن معاوية ضحك وقال: بهذا أوعدني أبوك.
وقد قال الحسين بن علي «عليهما السلام» لعمر بن الخطاب – وهو خليفة -: إنزل عن منبر أبي، فضحك عمرونزل إليه واحتضنه وقال: صدقت، منبر أبيك لا منبر أبي، رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد والمحب الطبري في ذخائر العقبى والهيثمي في الصواعق وغيرهم.
وقال حمزة في شعره يذكر قصة أبي جهل ولفظ محمد بن علي بن شهر آشوب (رحمه الله) في كتاب المناقب(1): كان «عليه السلام» جالساً على الصفا فشتمه أبو جهل ثم شجه حمزة بن عبد المطلب، وقال حمزة:
لقد عجبت لأقوام ذوي سفه من القبيلين من سهم ومخزوم
القائلين لما جاء النبي به هذا حديث أتانا غير ملزوم
فقد أتاهم بحق غير ذي عوج ومنزل من كتاب الله معلوم
من العزيز الذي لا شيء يعدله فيه مصاديق من حق وتعظيم
فإن تكونوا له ضدا يكن لكموا ضدا بغلاء مثل الليل عكوم
فأمنوا بنبي لا أباً لكموا ذي خاتم صاغه الرحمن مختوم

شجاعة حمزة وثباته في الحروب


أجمع الناقلون على أختلاف نزعاتهم في سائر الفنون أنه أشجع عربي بعد رسول الله (ص) وأمير المؤمنين «عليه السلام» ولا شاهد أقوى ولا برهان أعظم من قول النبي (ص): «حمزة أسد الله وأسد رسوله».
قال الأبشيهي في المستطرف(2): طبقات الشجعان: الطبقة الأولى الذين أدركوا الجاهلية والإسلام: حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله (ص) أسد الله وأسد رسوله قتل في غزوة أحد، رماه وحشي مولى جبير بن مطعم بحرة فقتله وكان فارس قريش غير مدافع وبطلها غير ممانع وعظم قتله على النبي (ص) ونذر أن يقتل به سبعين من قريش وكبر عليه سبعين تكبيرة، إنتهى.
(1) مناقب ابن شهر آشوب 1/ 33. (2) المستطرف 1/ 221.
(278)
ولا يثبت مجد الإنسان إلا أعماله الصالحة وفعاله الحميدة ولم يلتحم المسلمون مع المشركين في ملحمة هي أعظم عليهم من يوم بدر وأحد وذلك لقلة عدد المسلمين وكثرة العدو.
أما بدر فكان جيش العدو ضعفي جيش المسلمين ويزيد عليه فقد كان جيش مشركي قريش يترواح بين الثمانمائة والتسعامئة، وجيش المسلمين مع النبي (ص) ثلثمائة أو يزيد قليلا، ويفوقهم جيش الكفرة بالعدد الكاملة من السيوف والرماح وأنواع الأسلحة والجواشن والادراع المحكمة والخيول الجياد يركبون فرساً ويقودون أخرى ويضاهرون بين الأدرع وهكذا، على حين كان الصحابة يتعاقبون على النواضح ويترواح الأربعة والثلاثة على البعير الواحد وقد كان من جملة أسلحتهم على ماقيل جريد النخيل وأكثرهم حسر بلا دروع فكان جيش قريش شعلة نار من الأسلحة اللامعة البراقة ويظاهر الرجل بين درعين يحمل على قطاة فرسه درعاً لا حاجة له فيها وإنما قصدوا بذلك المباهات والأفتخار، فقد حكى الله ذلك بقوله: (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديرهم بطرا ورثاء الناس)(1) فكانوا في استكمال الأهبة للغزو والاستعداد للحرب على ماهو خارج عن طور العادة في ذلك العصر.
وأما يوم أحد فقد كان جيش المشركين ثلاثة أضعاف جيش الإسلام وزيادة لأنهم كانوا ثلاثة آلاف والمسلمون ثمانمائة أو يزيدون قليلاً، وأنخزل عنهم عدو الله ابن أبي رأس المنافقين ففت في أعضاد المسلمين وقد همت مجنبتاهم أن تفشلا ولكن الله سلم وثبت وحيث كان في هذين الجيشين الصغيرين رجلان كل واحد منهما خير من جحفل جرار وهما حمزة بن عبد المطلب وأمير المؤمنين علي بن طالب بن عبد المطلب، هذا أسد الله وأسد رسوله وهذا الذي تهتف فيه ملائكة السماء «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي»، فثبت الله بهما أركان المسلمين وقتلا في المعركتين أشد رجال قريش بطشا وأعظم طواغيتهم عتواً وتجبراً.
وما ضنك برجال من عتوهم ونخوتهم أنفوا من مبارزة الأنصار لهم والأنصار فرسان اليمن وأبطال العرب، فقالوا: إرجعوا إنما نريد أكفاءنا من قريش، ومن كان بهذه الأنفة والشموخ لا يرى له مكافئاً إلا حمزة فعلي فعبيدة، فالتحموا في ذلك المعترك الضنك متصاولين تصاول الفحول الهائجة.
أتدري ما عتبة المبارز لعبيدة؟ بطل لم يجدوا له مغفراً يسع رأسه لكبره فأتي
(1) الأنفال: 47.
(279)
بعمامتين فعصب بهما رأسه، ولست تدري ما شيبة المبارز لحمزة؟ كان جبار قريش وماردها وطاغوتها، أقبل يهدر نحو حمزة يقول: أنا أسد الله وأسد رسوله.
وهل الوليد بن عتبة المبارز لعلي «عليه السلام» إلا جبل صلد لا تستر وجهه الدرقة فيسترها بكفه لغلظها وعبالتها فطحنهم ولد عبد المطلب طحناً ولولا التطويل لما تركنا ذكر من قتل حمزة وعلي يوم بدر من طواغيت قريش.
وقول أكثر المؤرخين أن المبارز لحمزة هو عتبة لا يستقيم لأن عتبة أسن بني أمية وعبيدة أسن من حمزة فكان المبارز له عتبة لأن مبارزتهم كانت على الاسنان أتفاقاً ولهذا كان قرن علي «عليه السلام» الوليد بن عتبة لأن علياً أصغر بني هاشم والوليد أصغر بني أمية.
وإن أردت أن تعرف من قتلا وجرحا وأسرا يوم بدر وأحد فراجع سيرة ابن هشام وابن أبي الحديد من أهل السنة، وإرشاد المفيد ومناقب ابن شهر آشوب وبحار المجلسي من الشيعة.
محل حمزة عند الأئمة «عليهم السلام»
كان له عند أمير المؤمنين والحسن والحسين «عليهم السلام» محل سامي ومنصب رفيع وقد عدوه مفخراً كما سمعت في ترجمة جعفر الطيار ونوهوا بأسمه في الشدائد والأهوال التي مرت بهم، والعظائم التي جرت عليهم من جور أعدائهم.
قال أمير المؤمنين «عليه السلام»فيما رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين(1): لما بلغ علياً «عليه السلام» ما صنع معاوية وعمرو بن العاص، قال:
يا عجبا لقد سمعت منكرا كذبا على الله يشيب الشعرا
يسترق السمع ويغشي البصرا ما كان يرضى أحمد لو أخبرا
أن يقرنوا وصيه والأبترا شاني الرسول واللعين الأخزرا
كلاهما في جنده قد عسكرا قد باع هذا دينه فأفجرا
من ذا بدنيا بيعه قد خسرا يملك مصر إن أصاب الظفرا
إني إذا الموت دنا أو حضرا شهرت سيفي ودعوت قنبرا
قدم لوائي لا تؤخر حذرا لن يدفع الحذار ما قد قدرا
(1) وقعة صفين: ص25.
(280)
لما رأيت الموت موتاً أحمرا عبأت همدان وعبوا حميرا
حيي يمان يعظمون الخطرا قرناً إذا ناطح قرناً كسرا
قل لابن حرب لا تدب الخمرا أورد قليلاً أبد منك الضجرا
لا تحسبني يا بن هند غمرا فسل بنا بدراً معاً وخيبرا
كانت قريش يوم بدر جزرا إذ وردوا الأمر فدقوا الصدرا
لو أن عندي يا ابن هند جعفرا أو حمزة القرم الهمام الأزهرا
رأيت قريش نجم ليل ظهرا
أما سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين «عليه السلام» فاستغاثته يوم كربلاء مشهورة نحو قوله «عليه السلام»: «وا حمزتاه! ولا حمزة لي اليوم! وا جعفراه! ولا جعفر لي اليوم! وا جداه! وامحمداه! وا أبتاه! وا علياه!»... الخ.
مكانة الحمزة عند النبي (ص)
كانت لحمزة عند رسول الله (ص) مكانة مكينة ومرتبة سامية من أعلا المراتب، ولما وقف عليه قتيلاً بكى بكاءاً شديداً وقال (ص): «ما وقفت موقفاً هو أغيظ علي من هذا، لأمثلن بسبعين من قريش»، وذلك لأن هنداً أم معاوية قد مثلت به وإن من فوادح الدهر العظيمة أن يكون قاتل حمزة وحشي عبداً أجدع، وتمثل به أمراة ساقطة.
وهذه الحالة المحزنة التي رآها رسول الله (ص) بعمه حمزة هي التي جرت له مزيد الأسف وأيدت عليه علامات التلهف والاحتراق غيظاً وغضباً على أعدائه من قريش حتى أعدهم بالتمثيل بهم بهذا العدد الوافر وهذا يدل بمفهومه أن الأعداد التي دون السبعين لا تقع مكافأة لحمزة ولا تجدي في التشفي ما لم تبلغ هذا العدد، فالمثلة بما دونه لا تشفي اللوعة ولا تطفئ غليل الكبد، وليس قوله هذا جزعاً وأنفة وإنما كان غضباً لمخالفتهم أصول العقل بارتكابهم القبيح الشائن ولذا إن الله تعالى أخبره أن المقابلة بالمثل دون الزيادة حيث قال: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)(1) الآية، فاحتسب وعفا وأخذ في تشكيل محافل المناحة على عمه حمزة فإنه (ص) لما سمع صراخ نساء الأنصار على قتلاهم قال: «لكن حمزة لا بواكي له»، فسمع السعدان: سعد بن عبادة الخزرجي الساعدي وسعد بن
(1) النحل: 126.
(281)
معاذ الأوسي الأشهلي وجمعا نساء الأنصار إلى دار النبي (ص) وأمرهن بالنياحة على عمه حمزة فأجتمعن ونحن عليه فجزاهن رسول الله (ص) خيراً وأثنى على الأنصار بالمواساة.
شهادة حمزة وصفة مقتله وتلهف رسول الله (ص)
وذكر الشيخ المفيد والطبري وابن شهر آشوب والمجلسي وابن أبي الحديد والحلبي والدحلاني وابن هشام وغيرهم لفظ ابن أبي الحديد(1): قال الواقدي: كان وحشي عبداً لابنة الحارث بن عامر بن نوفل ويقال كان لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقالت له ابنة الحارث: إن أبي قتل يوم بدر فإن أنت قتلت أحد الثلاثة فأنت حر: محمداً أو علياً أو حمزة، فإني لا أرى في القوم كفؤ لأبي غيرهم فقال وحشي: اما محمد فقد علمت إني لا أقدر عليه وإن أصحابه لن يسلموه، وأما حمزة فوالله لو وجدته نائما ما أيقضته من هيبته، وأما علي فألتمسه.
قال وحشي: فكنت يوم أحد ألتمسه، فبينا أنا في طلبه إذ طلع علي، فطلع رجل حذر مرس كثير الالتفات، فقلت: ما هذا بصاحبي الذي ألتمس إذ رأيت حمزة يفري الناس فرياً، فكمنت له إلى صخرة وهو مكبس له كثيب، فأعترض له سباع بن أم أنمار وكانت أمه ختانة بمكة مولاة لشريق بن علاج الثقفي وكان سباع يكنى أبا نيار فقال له حمزة: وأنت أيضاً يا ابن مقطعة البظور ممن يكثر علينا؟! هلم إلي فاحتمله حتى برقت قدماه رمى به فبرك عليه فشحطه شحط الشاة ثم أقبل علي حين رآني، فلما بلغ المسيل وطئ على جرف فزلت قدمه فهززت الحربة حتى رضيت منها فأضرب به في خاصرته حتى خرجت من ثنته، وكر عليه طائفة من أصحابه فأسمعهم يقولون: أبا عمارة! فلا يجيب، فقلت: قد مات والله الرجل، الخ.
وقال الحلبي(2): وخرج رسول الله (ص) يلتمس عمه حمزة بن عبد المطلب «رضي الله عنه» فقال له رجل: رأيته بتلك الصخرات وهو يقول أنا أسد الله وأسد رسوله، اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء النفر: أبو سفيان وأصحابه وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم فجاء رسول الله (ص) نحو حمزة فوجدن ببطن الوادي قد بقر بطنه وجدع أنفه وأذناه وقطعت مذاكيره، فنظر رسول الله (ص) إلى شيء لم ير مثله قط كان أوجع لقلبه منه، وقال (ص): لن أصاب بمثلك ما وقفت
(1) شرح نهج البلاغة 3/ 385. (2) السيرة الحلبية 2/ 258.
(282)
موقفاً أغيظ إلي من هذا، وقال: رحمة الله عليك فأنك كنت ما علمتك فعولاً للخيرات، وصولاً للرحم، أما والله لأمثلن بسبعين رجلًا منهم.
ولما رأى المسلمون جزع رسول الله (ص) على عمه قالوا: لئن أظفرنا الله بهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب.
قال ابن عباس: فأنزل الله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصبرين)(1) فعفا رسول الله (ص) وصبر ونهى عن المثلة.
وعن ابن مسعود: ما رأينا رسول الله (ص) بكى أشد من بكائه على حمزة، وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشق أبين نشقة حتى بلغ به الغشا، يقول: يا عم رسول الله وأسد الله وأسد رسوله! يا حمزة يا فاعل الخيرات! يا حمزة يا كاشف الكربات! يا حمزة يا ذاب يا مانع عن وجه رسول الله! ثم ذكر في حديث صفية وبكائها على أخيها حمزة وصارت كلما بكت بكى رسول الله (ص).
ثم ذكر هو وغيره أن فاطمة «عليها السلام» بكت على حمزة وذكروا كلهم قول رسول الله (ص): «لاكن حمزة لا بواكي له»، وكل هذه الأحاديث مشهورة.
فأمية قد مثلت بسيد الشهداء قتيل أحد، ومثلت بسيد الشهداء قتيل الطف فقطعت رأسه ورفعته على قناة، وقطعت يده لأجل تكته، وإصبعه لأجل خاتم، وطحنت جناجنه بحوافر الخيل على أن حمزة لم يقطع رأسه ولم تدس خيلهم صدره.
شاعرية حمزة
فقد كان شاعراً مجيداً رقيق اللفظ قوي المعاني فمن شعره يحمد الله على الإسلام ذكره السهيلي في الروض الأنف:
حمدت الله حين هدى فؤادي إلى الإسلام والدين الحنيف
لدين جاء من رب عزيز خبير بالعباد بهم لطيف
إذا تليت رسائله علينا تحدر دمع ذي اللب الحصيف
رسائل جاء احمد من هداها بآيات مبينة الحروف
وأحمد مصطفى فينا مطاع فلا تغشوه بالقول الضيف
(1) النحل: 126.
(283)
فلا والله نسلمه لقوم ولما نقضي منهم بالسيوف
وقد خبرت ما صنعت ثقيف به فجزى القبائل من ثقيف
إله الناس شر جزاء قوم ولا سقاهم صوب الخريف
ومن قوله يذكر قتلى بدر من المشركين، وذكره ابن إسحاق:
ألم تر أمراً كان من عجب الدهر وللحين أسباب مبينة الأمر
يقول فيها:
فلما التقينا لم تكن مثنوية لنا غير طعن بالمثقفة السمر
وضرب بيض يختلي إلهام حدها مشهرة الألوان بينة الأسر
ونحن تركنا عتبة الغي ثاوياً وشيبة في قتلى تحرجم في الجفر
وعمرو ثوى إذ أنه من حماتهم فشقت جيوب النائحات على عمرو(1)
جيوب نساء من لؤي بن غالب كرام تفر عن الذوائب من فهر
أولئك قوم قتلوا في ظلالهم وخلوا لواء غير محتضر النصر
لوءا ظلال قاد إبليس أهله فخاس بهم إن الخبيث إلى غدر
وقال لهم إذ عاين الأمر واضحاً برئت اليكم ما لها اليوم من صبر
فإني أرى ما لا ترون وإنني أخاف عقاب الله والله ذو قسر
فقدمهم للحين حتى تورطوا وكان بما لم يخبر القوم ذو خبر
فكانوا غداة البئر ألفاً وجمعنا ثلاث مئين كالمسدمة الزهر
وفينا جنود الله حين يمدنا بهم في مقام ثم مستوضح الذكر
فشد بهم جبرئيل تحت لوائنا لدى مأزق فيه منإياهم تجري
وقوله حين التقى بأبي جهل وكان أميراً لرسول الله (ص) على ثلاثين راكباً، وأبو جهل في ثلثمائة فحجز بينهم مجدي بن عمرو ولم يقع قتال، فذكر هذه القصة حمزة بشعر منه:
ألا يا لقومي للتحلم والجهل وللنقص من رأي الرجال وللعقل
يقول فيها:
فلما ترائينا أناخوا فعقلوا مطايا فعقلنا مدى غرض النبل
(1) عمرو هو أبو جهل.
(284)
فقلنا لهم حبل الآله نصيرنا وليس لكم غير الظلالة من حبل
فثار أبو جهل هنالك باغياً فخاب ورد الله كيد أبي جهل
وما نحن إلا في ثلاثين راكباً وهم مئتان بعد ثالثة فصل
فيا آل لؤي لا تطيعوا غواتكم وفيئوا إلى الإسلام والمنهج السهل
فإني أخشى أن يصب عليكم عذاباً فتدعوا بالندامة والثكل
أولاد حمزة:
له ولدان وبنتان: قال ابن قتيبة في المعارف(1): وولد لحمزة ابن يقال له عمارة من أمرأة من بني النجار ولم يعقب، وبنت يقال لها أم أبيها أمها زينب بنت عميس الخثعمية وكانت تحت عمر بن سلمة المخزومي.
وقال المحب الطبري في ذخائر العقبى(2): كان له من الولد عمارة أمه خولة بنت قيس بن فهد بن مالك بن النجار ويعلى، قال مصعب: لم يعقب واحد من ولد حمزة، وكان يعلى قد ولد له خمسة رجال ماتوا كلهم من غير عقب وتوفي رسول الله (ص) ولكل واحد منهم أعوام، ولم يحفظ لواحد منهم رواية، وكان له ابنة يقال لها أم أبيها، قاله ابن قتيبة، وقال صاحب الصفوة: إسمها أمامة امها زينب بنت عميس الخثعمية وكانت تحت عمر بن أبي سلمة المخزومي ربيب رسول الله (ص)، الخ، ومثله قال الديار بكري في تاريخ الخميس(3).
ولكن ذكر بن أبي الأثير في أسد الغابة في حديث الخمر في القطعة التي شقها رسول الله (ص) خمراً بين الفواطم: فاطمة بنت حمزة.
وذكر المجلسي في عاشر البحار في فضل فاطمة الزهراء «عليها السلام»: فاطمة بنت حمزة.
وذكر جماعة من العلماء في حديث الهجرة وحمل علي «عليه السلام» للفواطم: فاطمة بنت حمزة.
وعلى هذه الأقوال كلها ينتج أن لحمزة ولدان هما عمارة ويعلى وبنتان: أمامة وهي المكناة بأم أبيها، وفاطمة، وترجم لها في الإصابة وقال: تكنى أم الفضل، وذكر حديث الفواطم وقال: الرابعة زوجة عقيل.
(1) المعارف: ص55. (2) ذخائر العقبى: ص185.
(3) تاريخ الخميس 1/ 186.
(285)
(13) أبو الفضل العباس بن
عبد المطلب بن هاشم
كان العباس رجلاً طوالاً وكل بني عبد المطلب طوال لكنه أمد قامة، وكان جسيماً ظاهر الوسامة جهير الصوت نبيلاً، من عظماء قريش وساداتهم في الجاهلية والإسلام وقادهم في بعض الحروب وكان أحد الموظفين بالوظائف النبيلة عند عرب الجاهلية بحيث كانت له عمارة المسجد الحرام وله السقاية والرفادة بعد موت أخيه أبي طالب، وكان مثرياً عظيم الثروة من أغنياء قريش، وكانت فيه مروة وكرم وشجاعة وفصاحة اللسان خطباً وشعراً، وكان معروفاً بجودة الرأي مقدراً ومحترماً عند الملوك، مخلصاً في ولاء ابن أخيه أمير المؤمنين «عليه السلام» بالرغم مما تخيله فيه بعض الحمقاء حتى قدح فيه بذلك وعابه وقد ذكرناه في كتابنا «الميزان الراجح» ودفعنا كل شبهة له فصولاً في مفاخره ومعاليه، ووردنا كثيراً من مآثرة في الجاهلية ونورد هنا ما لا بد منه:
إسلام العباس بن عبد المطلب
أسلم قديما واستفدنا من المصادر المعتبرة والمعاجم التي تطمئن النفس بنقل أهلها أنه قد أسلم قبل وقعة بدر وأخفى إسلامه ذلك الوقت عن قريش وأخرج مكرهاً إلى بدر، وفي هذا حديث نبوي ورد في السيرة ثم أظهر إسلامه قبل الحديبية ولم يقدر على الهجرة لثروته وتموله ومن قال إنه أسلم يوم الحديبية أو قبل الفتح بقليل فمحمول على وقت إضهاره الإسلام ومجاهرته فيه، وقويت الرأي الأول بأدلة سقتها في كتابي «الميزان الراجح».
فأقام بمكة عيناً لرسول الله (ص) وجاسوساً له على قريش، يكتب إليه بالأخبار ويراقب حركاتهم ويطالعه بأنباء الحوادث المتجددة عندهم.
ولادة العباس بن عبد المطلب:
ولد بمكة قبل ولادة النبي (ص) بسنتين، وقيل بثلاث.
قال العسقلاني في الإصابة(1): ولد قبل رسول الله (ص) بسنتين.
(1) الإصابة 2/ 370.
(286)
وقال المحب الطبري في ذخائر العقبى(1): وكان مولده قبل آلفيل بثلاث سنين وكان أسن من النبي (ص) بسنتين وقيل بثلاث، عن أبي رزين: قيل للعباس: أيكما أكبر أنت أم رسول الله (ص)؟ قال: هو أكبر مني وأنا ولدت قبله.
وفي تاريخ الخميس بعد هذا الحديث: هو أصغر ولد عبد المطلب، الخ، ولعله يريد من أدرك الإسلام منهم وإلا فأشقاؤه اصغر منه كما سمعت.
صفة العباس عم النبي (ص)
قال في ذخائر العقبى(2): كان «رضي الله عنه» جميلاً وسيماً أبيض بضاً، له ضفيرتان، معتدل القامة، وقيل: كان طوالاً، عن جابر: إن الأنصار لما أرادوا أن يكسوا العباس يوم أسر ببدر فلم يصلح عليه قميص إلا قميص عبد الله بن أبي فكساه إياه.
جهارة صوته:
قد ثبت أنه جهورياً صيتاً بعيد مدى الصوت، وكان للجهارة أثرها في الإرهاب عند العرب ووقع منهم في الإنذار.
قال الجاحظ في البيان والتبيين(3): قد كان العباس بن عبد المطلب جهيراً، جهير الصوت وقد مدح بذلك وقد نفع الله المسلمين بجهارة صوته يوم حنين حين ذهب الناس عن رسول الله (ص) فنادى العباس: يا أصحاب سورة البقرة! هذا رسول الله (ص) فتراجع الناس، وأنزل الله عز وجل النص وأتى الفتح.
وقال الحموي في معجم البلدان(4): روى محمد بن الضحاك عن أبيه قال: كان العباس بن عبد المطلب يقف على سلع فينادي غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم وذلك من آخر الليل وبين سلع والغابة ثمانية أميال، إنتهى.
وذكرها الحلبي في سيرته كذلك(5)، وذكر أنه يوم حنين حين أنهزم الناس عن رسول الله (ص) نادى: يا أصحاب سورة البقرة، يا أهل بيعة السمرة، فصاحوا: لبيك لبيك، قال: وغارت الخيل يوماً على المدينة فنادى: يا صباحاه! فلم تسمع حامل إلا وضعت من عظيم صوته.
(1) ذخائر العقبى: ص182. (2) ذخائر العقبى: ص186.
(3) البيان والتبيين 1/ 115. (4) معجم البلدان 6/ 26.
(5) السيرة الحلبية 2/ 124.
(287)
أخلاق العباس عم النبي (ص):
كان جواداً سمحاً شاعراً خطيبا شجاعاً وقد تفرس فيه أبوه عبد المطلب هذه الخصال فقال له وهو صغير على ما ذكره ابن عساكر في تاريخه(1):
ظني بعباس حبيبي إن كبر أن يمنع الأخرى إذا ضاع الدبر
ويترع السجل إذا اليوم اقمطر ويسبأ الزق العظيم الفنخر
ويفصل الخطبة في الأمر المبر ويكشف الكرب إذا ما اليوم هر
أكمل من عبد كلال وحجر لو جمعا لم يبلغا منه العشر
يقال: كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم وجفنة لجائعهم ومقطرة لجاهلهم وفي ذلك يقول إبراهيم بن علي بن هرمة:
وكانت لعبسا ثلاث نعدها إذا ما جناب الحي أصبح أشهبا
فسلسلة تنهي الظلوم وجفنة تباح فيكسوها السنام الزغبا
وحملة عصب ما تزال معدة لعار ضريك ثوبه قد تهببا
وكان العباس يمنع الجار ويبذل المال ويعطي في النوائب، الخ.
أما شجاعته:
فبرهنها ثبوته يوم حنين مع رسول الله (ص) في ثمانية من بني هاشم وقد أجفل الجيش البالغ اثني عشر ألفاً هزيمة، وطار يميناً وشمالاً.
وظائف العباس عم النبي (ص) في العصر الجاهلي:
كانت لقريش عشر خصال تعدها من مآثر الشرف، قيل كانت مقسومة بين بطون قريش كما هو رأي المتعصبين لبني أمية مثل ابن عبد ربه القرطبي مولى بني أمية في العقد الفريد ولكن لا يصح ما ذكر وتعصبه لبني أمية معروف لأنه من مواليهم والصحيح أنها كلها أو أكثرها لبني هاشم وللعباس بن عبد المطلب إمرأتان منها فكانت له عمارة البيت وسقاية الحاج بعد وفاة أخيه أبي طالب «سلام الله عليه»، أما السقاية فانتظرها في ألقاب العباس بن أمير المؤمنين «عليه السلام».
وأما العمارة فذكر الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب ونقله عن المحب في ذخائر العقبة بما نصه(2): كان العباس في الجاهلية رئيساً في قريش وإليه عمارة المسجد الحرام السقاية بعد أبي طالب، أما السقاية فمعروفة، وأما عمارة المسجد
(1) تاريخ مدينة دمشق 7/ 227. (2) ذخائر العقبى: ص186.
(288)
الحرام فكان لا يدع أحداً يشبب فيه ولا يقول فيه هجراو وكانت قريش قد أجمعت وتعاقدت على ذلك فكانوا له عونا عليه واسلموا ذلك اليه، ذكره الزبير بن بكار وغيره من علماء النسب، حكاه أبو عمر، إنتهى، وذكره في الإصابة ولم يبينه.
وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد(1): فكانت سقاية الحاج وحلوان النفر في بني هاشم، أما السقاية فمعروفة، وأما العمارة فهو أن لا يتكلم أحد في المسجد الحرام بهجر ولا رفث ولا يرفع فيه صوته، وكان العباس ينهاهم عن ذلك وأما حلوان النفر فإن العرب لم تكن تملك عليها أحداً في الجاهلية فإن كان حرب اقرعوا بين أهل الرياسة فمن خرجت عليه القرعة احضروه صغيراً كان أو كبيراً، فلما كان يوم الفجار أقرعوا بين بني هاشم فخرج سهم العباس وهو صغير فأجلسوه على المجن.