معجم  أنصار الحسين عليه السلام  (النساء) (الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (النساء) (الجزء الثاني)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

القاموس: الريم: الفضل والعلاوة بين الفودين والجبل الصغير(1) وفي اللسان: ومريم مفعل من رام يرم(2).

      6- خلوة(3): تعني الاختلاء بالنفس أو في المكان وليس بالمعروف استخدامها في الأعلام والخلوة بكسر أوله بمعنى وربما أريد هنا المعنى حيث تعني أنها كانت خلية أي لم تكن متزوجة حينما اسرت وهي كناية عن كونها باكرة وقد ذهب البعض إلى أن المفردة لا تجمع ولا تثنى ولا تؤنث فيقال هو خلو وهما خلو وهم خلو وهي خلو وهن خلو، واجازه آخرون وقد قال الشاعر من الطويل:

وقائله: خولان فانكح فتاتهم        وأكرومة الحيين خلو كما هيا(4)

      ولم يقل خلوة وهو كما تقول هي طالق أو حامل ولا تقول طالقة وحاملة لأنها مما تختص الاناث، فيقال للمرأة خلو ولا يقال للرجل في مسألة الزواج، وان كان في أمور أخرى يطلق على الجنسين، ومع هذا يجوز بالتأنيث (خلوة) بمعنى خلية.

      7- غزالة(5): مؤنث الغزال وهو حيوان معروف بعدوه السريع ورشاقة الجسم وجمال العيون ومن هنا وصفت المرأة بالغزالة أو شبهت عينها بعين الغزالة، وعزت هذه التسمية لانثى في مختلف الحضارات، ولا زالت متعارفة(6).

      8- سلافة(7): سبق وقلنا إن المعنى المقصود منها لدى التسمية هو

__________
(1) القاموس المحيط: 4/173.

(2) لسان العرب: 5/395.

(3) تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج: 24.

(4) لسان العرب: 4/207.

(5) شذرات الذهب: 1/104، نهاية الارب: 21/324 وسير اعلام النبلاء: 4/386 وسر السلسلة العلوية: 1/31، جنات الخلود: 24 والمعارف لابن قتيبة: 214.

(6) وربما كانت عزالة اسم حاضنة الإمام السجاد «عليه السلام» التي زوجها زيداً فاولدت له عبد الله.

(7) سير أعلام النبلاء: 4/386، عيون الأنباء: 4/8، وفيات الأعيان: 1/347، حبيب السير: 1/203، المعارف لابن قتبية: 214 ويرجح أن يكون اسمها «سلافة» على «غزالة».

(102)

الخلوص واصفاء المطلوبان في الانثى سواء في الخلق أو الخلق ومن هنا جاءت تسمية الانثى بها.

      9- سلامة(1): سبق وأشرنا إلى معناها وقلنا أن كثيراً يقع التصحيف بينها وبين سلافة: أي تبديل الفاء ميماً أو بالعكس.

      10- سلمة(2): لقد تقدم الحديث عن المعنى ووجه التسمية في مفردة سلمى فلا نعيد.

      11- سادرة(3): مؤنث السادر وهو اسم فاعل من سدر- بفتحتين- الشعر والثوب إذا اسدلهما. وسدر الثوب شقه طويلا، والسادر والسادرة على القياس من كان أرسل شعره طويلاً، ومن المعلوم أن المرأة وبالأخص فيما مضى من الزمان رخاوة شعرها وطوله كان يعد من صفات الجمال وكانوا يتغنون بذلك، وقد انتقل الوصف ليكون علماً للانثى، ولكن لم نجد من سمي بذلك في المصادر المتاحة لدينا، ولعلها صفة أو تصحيف.

      12- فاطمة(4): سنأـي على بيانها في هذا الجزء في محله فلا نكرر.

      13- حرار(5): بضم الحاء كغراب هضبات بأرض سلول(6)، والحرار بالفتح هو العتق والاسم منه الحرية ومنه قولهم من الطويل:

فما رد تزويج عليه شهادة          ولا رد من بعد الحرار عتيق(7)

      والحرار بالكسر يأتي جمع تكسير للحرة وهي الأرض ذات حجارة نخرة سود(8).

___________
(1) الكافي: 1/466، سير أعلام النبلاء: 4/386 وفيه سلامة، والظاهر أن وضع الحركات جاء من المحقق.

(2) الأئمة الإثنا عشر لابن طولون: 75.

(3) الاتحاف بحب الأشراف: 49.

(4) راجع مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/176.

(5) تاريخ اليعقوبي: 2/247.

(6) تاج العروس: 10/592.

(7) تاج العروس: 10/574 و582.

(8) تاج العروس: 10/571.

(103)

      ويأتي جمع تكسير للحرة التي هي اسم عدد من المواضع ومنها حرة واقم في المدينة(1).

      ويأتي جمع تكسير لحرى: أي العطاشى من النسوة(2) والحرار بالفتح ثم التشديد كشداد اسم علم للرجال(3).

      وما يناسب أن يكون علما للاناث أو وصفا أو لقبا هو الحرار بالفتح أي العتيق حيث إنها كانت حرة واعتقت لتكون حرة بل عبر عن حرية ضميرها وفكرها.

      14- شه ناز(4): وهما مفردتان فارسيتان الأولى «شه» مختصرة «الشاه» وهو الملك والثانية تعني الدلال والعطف حسب موقعها هنا وتسمى بها النساء واقدم الشخصيات التي عرفت بهذا الاسم هي أخت الملك جمشيد بن طهمورث من السلالة الفارسية القديمة التي حكمت والغرب تسميه متوشلخ وقد غلب عليه الضحاك بن مرداس وحكم البلاد وتزوج شه ناز. وقد استخدم أخيراً في تسمية بعض أميرات البلاط الإيراني وشاع أيام الملوكية في إيران بل وفي افغانستان، وبما أن المصدر قد تفرد بذلك وهو رغم قدمه لم يعرف مؤلفه، وإن صحت التسمية فهو من باب اسماء الدلال التي يطلقها الأباء والأمهات عل فتياتهم.

      هذه أربعة عشر اسماً أو لقباً بالإضافة إلى «شاه زنان». أطلقت على والدة الإمام السجاد «عليه السلام» فلا بد من التحقيق عنها والتمييز بين ما كان اسماً لها أو لقباً أو وصفاً وهذا يتطلب منا أولاً عرض بعض النصوص التي وردت في هذا الموضوع ومن ثم محاولة الجمع بينها بشكل موضوعي.

      1- روى جابر الجعفي(5) عن الإمام الباقر «عليه السلام» في حديث كيفية

_____________
(1) راجع تاج العروس: 579.

(2) تاج العروس: 583.

(3) تاج العروس: 10/593.

(4) مجمل التواريخ والقصص: 456.

(5) جابر الجعفي: هو ابن يزيد بن الحارث الجعفي المتوفى سنة 128هـ، تتلمذ على الصادقين «عليه السلام» وتتلمذ عليه ابو حنيفة، من مؤلفاته: التفسير، الفضائل، والنوادر.

(104)

وصول جدته إلى المدينة قال لها أمير المؤمنين «عليه السلام»: ما اسمك؟ فقالت: جهان شاه، فقال لها أمير المؤمنين «عليه السلام»: بل شاه زنان(1).

      2- نقل ابن شهرأشوب(2) : «إن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» سماها مريم، سماها فاطمة وكانت تدعى سيدة النساء»(3).

      3- نقل المقرم(4): «إن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» سألها عن اسمها فقالت: شاه زنان، فقال «عليه السلام»: أنت شهربانويه»(5).

      4- نقل المجلسي(6): إن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» قال لها: «ما اسمك؟ فقالت: جهان شاه، فقال «عليه السلام»: بل شهربانويه»(7).

      5- نقل الراوندي(8): إن علياً «عليه السلام» قال لها: جه نامي داري اي كنيزك (أي إيش اسمك يا صبية) قالت: جهان شاه بار خذاه، فقال «عليه السلام» شهربانويه؟ قالت: خواهرم شهربانويه (أي تلك اختي) قال «عليه السلام»: راست كفتي (أي صدقت)(9).

________________
(1) التتمة: 85.

(2) ابن شهرآشوب: هو محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (489- 588هـ) من علماء الإمامية ومؤرخيهم، ولد في مازندران وتوفي في حلب، من آثاره: معالم العلماء، المنهاج، وبيان التنزيل.

(3) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/176.

(4) المقرم: هو عبد الرزاق بن محمد الموسوي (1316- 1391هـ) ولد وتوفي في النجف- العراق- من المحققين الخطباء، من آثاره: سر الإيمان، وفاة السيدة فاطمة الزهراء، ومقتل الحسين.

(5) الإمام زين العابدين للمقرم: 14.

(6) المجلسي: محمد باقر بن محمد تقي (1037- 1111هـ) ولد وتوفي في اصفهان، من كبار العلماء والمحدثين من آثاره: حلية المتقين، مرآة العقول، وملاذ الأخبار.

(7) بحار الأنوار: 46/ 9.

(8) الراوندي: هو سعيد بن هبة الله (قطب الدين الراوندي) (ن500- 573هـ) ولد في راوند التابعة لمدينة كاشان بإيران وتوفي في قم، من اعلام الإمامية، من آثاره: نوادر المعجزات، الفرق بن الحيل والمعجزات، وعلامات نبينا وأوصيائه.

(9) الخرائج والجرائح: 750.

(105)

      6- نقل الطبري(1): إن علياً «عليه السلام» قال لها: ما اسمك؟ قالت: شاه زنان، فقال: نه شهزنان نيست مكر دفتر محمد وهي سيدة النساء، وانت شهربانويه وخيرت اختها مرواريد فاختارت الحسن بن علي «عليه السلام»(2).

      7- يقول المجلسي في تحليل ذلك: كأنه «عليه السلام» غير اسمها للسنة، أو لأنه من اسماء الله تعالى لما ورد في الخبر النهي عن اللعب بالشطرنج إنه- أي اللاعب به- يقول: مات شاهه- أي ملكهه- وقتل شاهه، والله شاهه ما مات وما قتل، أو أنه ليس اسمها جهان شاه، بل اسمها شهربانويه وإنما غيرته للمصلحة كما تدل عليه رواية صاحب العدد، أو المعنى: لم ينبغ لك هذا الاسم، بل ينبغي تسميتك بـ(شهربانويه)(3).

      إن مقاربة المجلسي وتحليله عن بعض التسميات التي وردت بالايجاز هي:

      أ- لا ينبغي أن يسمى المسلم بالاسماء التي فيها مسحة من الصفات الربوبية كخالد مثلاً، ومن هنا جاء تغيير الإمام علي «عليه السلام» لاسمها لأن الشاه بمعنى الملك وشاه جهان يعني ملك العالم.

      ب- السنة اقتضت تبديل الأسماء غير اللائقة إلى الأسماء اللائقة بالإنسان وكان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) قد غير أسماء كل من آمن بالإسلام ممن كانت أسماؤهم قبيحة أو تنافي العبودية لله(4).

      ت- إنها هي بنفسها غيرت اسمها كي لا تعرف حفاظاً على كرامتها وإنما كشفها علي «عليه السلام».

      ث- إن الإمام علياً «عليه السلام» وجد أن هذا الاسم لا يناسبها فغيره.

      ومن دراسة الأسماء والألقاب والصفات في حضارة اللغتين العربية والفارسية تبين لنا ما يلي:

____________
(1) الطبري: هو محمد بن جرير بن يزيد (224- 310هـ) ولد في آمل بإيران وسكن بغداد وتوفي فيها، مؤرخ وفقيه ومفسر، اشتهر بتاريخه الأمم والملوك وتفسيره، وله كتاب المسترشد.

(2) دلائل الإمامة: 82.

(3) بحار الأنوار: 46/10.

(4) راجع كنز العمال: 1/330، و13/294و350 وصحيح الترمذي وغيره.

(106)

      بما أنها كانت من الفرس فإسمها لا شك كان فارسياً حتى تاريخ الأسر، بمعنى أنها لدى الولادة سموها باسم فارسي فعليه فإن اسمها في ظلال اسرتها لا يخلو من أحد أربعة أسماء «شاه زنان، شهربانويه جهان بانويه، جهان شاه» وعليه فالمفردات الأخرى كلها عربية سميت أو لقبت أو وصفت بها بعد وصولها المدينة(1).

      وبما أنها كانت من إيران والبلاط الساساني ودأب ملوك الفرس على اختيار اسماء لها ارتباط بالعرش الملكي فلذلك نجد فيها من الفخامة بشكل ملحوظ حتى في عصرنا حيث كان ملوك إيران يسمون بناتهم شربانو وفخر الملوك وامثال ذلك، ومع المعطيات التي وصلنا إليها تبين أن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» هو الذي سألها عن اسمها لغرض التأكد من شخصيتها حيث كان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) قد أخبره بخصوصية الأئمة المعصومين «عليه السلام» من نسله وزوجاتهم ومن يلدون وكم يلدون وما يصير إليه أمرهم في تفصيل أوردناه في محله(2)، كما يفهم  من قصة أسرهم وما أشار إليه المجلسي أنها كانت قد غيرت اسمها للتمويه كي لا يعرفها أحد حفظاً لكرامتها ولعل الثمن يكون باهظاً في حقها إن عرفوا أنها إبنة الملك يزدجر الثالث.

      فإذا ثبتت مسألة التمويه فمن المفترض أنهما اسمان خليا من مفردة الشاه لأن المفردة تربطها بالبلاط وكان العرب يفهمون معنى هذه المفردة فلعلها غيرته إلى جهان بانو أو شهربانو(3)، ومن جهة أخرى فإن اختها كانت معها في الأسر فلعل كلاً منهما اختارت اسماً يبعدها عن البلاط

___________
(1) جاء في فرق الشيعة: 53 في الحديث عن الإمام زين العابدين «عليه السلام»: «وأمه أم ولد يقال لها سلافة وكانت تسمى قبل أن تسبى جهان شاه».

ويفهم من كتاب تاريخ قم: 195 أنها كانت تسمى جهان شها حيث يقول: «وكانت أمه أم ولد تدعى سلافة واسمها جهان شها».

(2) راجع باب الإمامة من هذه الموسوعة.

(3) وقد جاء في ناسخ التواريخ (حياة الإمام السجاد): 1/12 نقلاً عن تذكرة الأئمة للمجلسي إن هرمز الحكيم أورد في كتاب «دادنك» ان بنت يزدجرد كان اسمها شاه زنان وقعت في أسر العرب فأعطاها بليلا (أي أمير المؤمنين) لابنه، إلى أن يقول: فإن المجوس متفقين أن أم الإمام صاحب الأمر (بهرام) عجل الله فرجه الشريف اسمها شهربانو بنت يزدجرد بن شهريار ملك الفرس.

(107)

لتكون إحداهما جهان بانو والأخرى شهربانو، وإذا كانت لهما اخت ثالثة فهي مرواريد (اللؤلؤة).

      ولعلها أيضاً كانت تريد أن تختبر الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» ونجله الحسين حيث كانت على موعد للقائهما حسب الرؤيا التي رأتها قبل الأسر على تفصيل سنأتي على بيانه، وبالجمع بين الروايات والنصوص فالظاهر أن اسمها كان شاه زنان «أي ملكة النساء» أي سيدة النساء ولكنها سمت نفسها «جهان بانو»  ولعلها اختبرت الإمام مرتين، عندما ألقت عليها اسمها المستعار ليخبرها عن اسمها الحقيقي أو أنها أخبرته باسمها الحقيقي ليخبرها باسمها المستعار، وربما الإمام أيضاً أراد أن يختبرها ليميز بين الاختين فسماها باسم اختها ليسمع الجواب أن هذا اسم اختها ويعرفها علي «عليه السلام» ومام يفهم من كل ذلك أن اسمها الحقيقي هو «شاه زنان» واسم اختها «جهان شاه»  وقد استخدمت هي اسماً مستعاراً «جهان بانو» واختها «شهربانو» واختها الثالثة إذا كان لها وجود كان اسمها مرواريد أو كيهان بانو(1) وسنأتي على بعض التفاصيل لدى الحديث عن زواجها ووفاتها إن شاء الله تعالى.

      ولكن الأمر لم ينته بهذا ولكن بانت الحقيقة واتضح لها أنها وصلت إلى ساحل الأمان، وتأكد للإمام «عليه السلام» أنها المختارة لابنه الحسين «عليه السلام»  وهنا جاء دور الإمام علي «عليه السلام» في التسمية حيث أراد تغيير اسماه بما لا يتعارض مع الصفة المختارة لابنه رسول الله الوحيدة ألا وهي «سيدة نساء العالمين»  ذلك الاسم المميز لها في قبال السيدة مريم ابنة عمران «عليه السلام» والتي كانت سيدة نساء عالمها، فلذلك سماهاه بالفارسية «شاه زنان»  كما كانت واشتهر بالعربية «سيدة النساء» دون إضافة العالمين والتي يقابله «جهان بانويه» أي «سيدة نساء العالم» أو «جهان شاه» أي «ملكة العالم» أو «سيدة العالم»، وإذا صحت تسميتها بـ «شه ناز» فهو من اسماء الصبا الذي يدلل به الوالدان البنات في عهد الصبا.

      ولكن لم يأب أن يطلق عليها فاطمة تارة أو مريم تارة أخرى ليعطيها

___________
(1) راجع ناسخ التواريخ: 1/17.

(108)

 

مكانتها اللائقة في المجتمع بعدما خلع عنها الصفة أو اللقب الخاص بزوجته فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه واله وسلم) إلا وهي سيدة نساء العالمين.

      وأما البقية  فهي صفات أطلقت عليها وربما لمرة أو لفترة وذلك لما كانت تتحلى به من صفات جمالية في الخلق أو الخلق فكانت رضوان الله عليها خلية من الزوج حين الأسر ولم يمسها رجال فقيل لها «خلوة» بكسر الخاء، وقيل لها «خولة» بعدما دخلت بيت الحسين «عليه السلام» لأنها كانت حسنة التبعل، وشبهت بالغزال في عيونها ورشاقتها فقيل لها «غزالة» وذكر بعض المؤرخين أن الإمام الحسين «عليه السلام» هو الذي سماها غزالة(1) وقيل لها «سادرة» للاسدال شعرها من دون أي تجعيد كما في اسرى افريقيا، وقيل لها: «سلافة» لخلوصها وصفاتها المطلوبة في الاناث وبالأخص المتزوجات منهن، كما قيل لها «سلافة» لأنها كانت سليمة من العيب ووصلت إلى المدينة وتزوجت الحسين «عليه السلام» دون مشاكسة في سوق النساخين حيث كانت راضية بالقسم الذي اختاره الله لها، وتوافق الجميع على أن تكون من حصة الإمام الحسين «عليه السلام» فاستملكها أمير المؤمنين «عليه السلام»واعتقها ثم زوجها نجله الإمام الحسين «عليه السلام، وأما سلمة فهي كالسلافة أو مختصر لها والحرار هي الحرة في ضميرها بل ما خضعت للعبودية فمن الأسر إلى العيش بحرية دون أن يكون زواجها من الإمام الحسين «عليه السلام»بالعبودية بعقد الزواج.

      هكذا يمكن الجمع بين النصوص والأقوال ومعرفة اسمها الذي أصبح علماً لها ألا وهو «شاه زنان»، والله العالم بالحقائق(2).

___________
(1) تاريخ اليعقوبي: 2/247، ولكن نحتمل أنه سمى حاضنة الإمام السجاد «عليه السلام» بغزالة وقد مضت الإشارة إلى ذلك.

(2) ولا بأس بإضافة ملي يلي حول اختلاف الأسماء واحتمال بعض الأسباب ولو بشكل عام:

أ- عام اللهجات المحلية في قلب بعض الألفاظ حسب استخدامها في مقام الدلع غيره كقولهم لابنتهم الصغيرة المسماة فاطمة «فاطم» أو «فطم» أو «فاتي».

ب- عامل التنقيط من جهة ومسألة تنوع الخط الموجبان لتلبس المفردة كما في كتابة سبعين وتسعين إذا لم توضع النقاط اختلط الأمر على قارىء الرقمين لأن عدد النتوءات واحدة، ومن جهة أخرى فإن الخط المغربي والحجازي يختلفان، وبين النون والميم كثيراً ما يحصل الالتباس كما يحصل بين الحسن والحسين. =

(109)

 

      وقبل أن نختم الحديث عن اسمها لا بد من الاشارة إلى ثلاثة أمور.

      الأول: إن هناك من يقول: بأن أم السجاد «عليه السلام» كان اسمها برة وهي ابنة النوشجان(1) فقد سبق وتحدثنا سابقاً بأن «برة» هو اسم من تولت حضانة الإمام السجاد  «عليه السلام» وكانت من موالي الإمامة الحسين «عليه السلام» وكان اسم أبيها كما ورد «نوشجان» والتي هي فارسية التركيب «نوش+ جان» وتعني الأولى الخلود والثانية الروح أو النفس وكلاهما تعنيان «تعيش خالداً»، ولكن لم يتبين لنا أن المفردة استخدمت اسماً لدى  الفرس(2)، وعلى أي حال فإن برة كانت حاضنة الإمام السجاد «عليه السلام» وبما أنه «عليه السلام» فتح عينيه في حضنها لوفاة أمه في نفاسها كانت بمثابة أمه، وربما والله العالم كانت وصيفة لشاه زنان وأسرت مع مولاتها فانتقلت بالزواج من الإمام الحسين «عليه السلام» إلى بيته وبيتها.

      والثاني: لعل هناك من يستغرب هذا الكم من الأسماء وتعددها، ولكن مع مراجعة التاريخ ودراسة المجتمعات في تلك الحقبة الزمنية نجد أن الأسماء أو الألقاب أو الأوصاف تتعدد ولكن المسمى واحد، ونظرة

__________
= ت- وللترجمة من لغة إلى أخرى دور في تعدد المفردات والتباس بعضها بالبعض الآخر. وفي خاتمة الحديث عن الأسماء يمكن مراجعة المصادر التالية أيضاً بالاضافة إلى ما سبق: قابوس نامه: 99، حبيب السير: 1/303، إيران در زمان ساسانيان: 362، فرهنگ انندراج: 2/597، تاريخ إيران: 703، بيان الاديان، قاموس الأعلام، تاريخ قم: 396، فارسنامه ناصري: 4، زينب الكبرى: 150، تذكرة الخواص: 183، مجمع البحرين: 3/316، فرق الشيعة: 53، مجمل التواريخ والقصص: 456، صفوة الصفوة: 2/52.

(1) بحار الأنوار: 46/8.

(2) نعم إن النوشجان بضم الشين بلدة في فارس، ويبدو أنها تقع على نهر سيحون في بلاد ما وراء النهر التي كان الساسانيون يحكمونها وهي أربع مدن كبار وأربع مدن صغار وهم كان في معجم البلدان: 5/311 من الأتراك، ونهر يسحون والتي تسمى عند غير العرب بـ«سيردريا» تمر في عدد من الدول منها اوزبكستان أو تركمانستان واخيراً بدءاً من روسيا وانتهاءً بافغانستان، وينسب إلى مدينة نوشجان عدد من الرواة الأعلام راجع الأنساء للسمعاني: 535 فهم من باب الصدفة سهل بن القاسم النوشجاني الذي روى عن الإمام الرضا «عليه السلام» قصة أسر ابنتي يزدجر بن شهريار إلى عثمان بن عفان- راجع عيوان أخبار الرضا: 2/135.

(110)

سريعة على السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) نجد أن المؤرخين نقلوا كما هائلاً من الأسماء والألقاب والأوصاف في حقها حيث ورد في ذلك:

      فاطمة، الصديقة، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية، المحدثة، الزهراء، المنصورة، وأم أبيها(1)، ولكل واحد منها تاريخ وسبب ولكل من التسميات وجهة نظر بحثها المؤرخون وأرباب السير، وربما كان أحدهم يسميها باسم والآخر يسميها باسم آخر وهكذا ولكن الواقع يرشدنا إلى أن أكثرها صفات اطلق عليها لحدث وقع أو وصف كانت تتحلى به ومن هنا كثرت المفردات الدالة على شخصيتها.

      الثالث: انهم اختلفوا في اسم أبيها إلى خمسة أقوال.

      1- النوشجان(2): وقد سبق وفندنا ذلك بأن النوشجان هو والد برة وهي كانت وصيفة تخدم الإمام السجاد «عليه السلام» وكانت بمثابة أمه حيث ماتت أمه في نفاسها.

      2- يزدجر الثالث: وهو القول المشهور المعتمد في مجمل المصادر التي بحوزتنا.

      3- شيرويه بن كسرى ابرويز (پيرويز)(3): وعليه فهو السلطان الخامس والثلاثون من الملوك الساسانية وهو ابن خسرو حكم البلاد بعد أبيه أي في السنة السادسة قبل الهجرة (628م) ولم يطل حكمه إلا ستة أشهر، ولم يتبين السبب من وراء موته بمرض الطاعون أو السم أو غير ذلك(4) ولكنه لا يتناسب مع الحدث ووقائعه وتواريخه فلذلك فالقول المشهور هو المعتمد.

      4- سنجان: حديث جاء في بعض المصادر: هي ابنة الملك سنجان

__________
(1) راجع بحار الأنوار: 43/10.

(2) راجع مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/176، ويقال إن النوشجان هو ابن أخ الهرمزان القائد الساساني المعروف.

(3) بحار الأنوار: 46/13 عن مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/176 ونسبه إلى القيل وضعفه. حيث صح القول المشهور.

(4) وقد قتل شيرويه جميع اخوانه بعد أن قطع اطرافهم ولذلك لم يكن محبوباً.

(111)

ملك الفرس، وقيل ملك خراة(1)، والظاهر أنه ليس بامس علم بل هو اسم منطقة حث إن سنجان موضع في نواحي قم، واخرى على مقربة (تربت حيدرية) في خراسان ويقال له سنگمان أيضاً واخرى في مرو- خراسان، كما هو اسم لموضع في گجرات هند(2) ويستخدم علماً إلا أننا لم نعثر على ملك اسمه سنجان، وربما أن يزدجر بما أنه عثر عليه في خراسان وربما في هذا الموضع فعبر عنه كذلك، وبما أن المصدر مجهول المؤلف لا يمكن اعتماده، وبالأخص فإنه لم يؤيد هذا القول، بل إنه تفرد بهذا النقل.

      5- سبحان(3): والظاهر أنه تصحيف «سنجان» او بالعكس.

      أما اسم أمها: فهي مانيانة(4) بنت فلافيس(5) البيزنطينية.

      وأماه فابيا(6) يودوكيا بنت روجاتوست(7).

      ولدت السيدة شاه زنان سنة 11هـ (632م)(8) في المدائن حيث كان والدها حتى عام 16هـ يعيش فيها ويحكم البلاد من هناك، وقد واجه

__________

(1) مجمل التواريخ والقصص: 456 كما نقلت عنه مجلة رسالة الحسين: 2/249.

(2) لغت نامه دهخدا: 38/651.

(3) مجمل التواريخ والقصص: 456.

(4 مانيانة (Manyanh) وقيل اسمها ماريا (Maria) وذكر بعضهم بأنها كانت تسمى بالاسمين ولدت سنة 16ق.هـ (606م) وقيل سنة 37ق.هـ (585م) وتوفيت سنة 46هـ (666م) زوجها أبوها فلافيوس قبل حرب القادسية 15هـ (636م) من الملك الساساني يزدجر الثالث (32ق.هـ- 30هـ) لمصلحة التحالفات السياسية بين الدولتين البيزنطينية والساسانية، وانجبت له عدداً من البنات منها ايزدنداد (Izdundad) والتي ولدت سنة 2ق.هـ (620م) وقد هربت إلى الصين، وشهربانو التي أصبحت زوجة للإمام الحسين «عليه السلام»، وهناك من قال إن مانيانة هي حفيدة فلافيس من ابنه قسطنطين الثالث نوفوس المولود سنة 11ق.هـ (3/6/612م) والمتوفى في 7/6/20هـ (24/5/641م) ولكنه لا يمت إلى الصحة بصلة.

(5) فلافيس (Heradiys Faviys) المولود سنة 47ق.هـ (575م)، والمتوفى في 23/2/20هـ. (11/2/641م) والذي كان من الملوك البيزنطينيين.

(6) فابيا يودوكيا بنت روجاتوست: (Fabia Eudoki Rogatust)  المولود سنة 42ق.هـ (580م) والمتوفاة سنة 10ق.هـ (13/8/612م).

(7) المعلومات اخذت من موقع موسوعة ويكي بيديا.

(8) راجع شبكة (Freepages.genelogy-rootsweb.ancestry).

(112)

جيش المسلمين في القادسية سنة 14هـ وهزم، ثم احتل المسلمون المدائن سنة 16هـ فهرب من مدينة إلى أحرى حتى قضي عليه في خراسان وقتل(1).

      حسب المصادر الأجنبية كان لشهربانو من الإخوان: پيروز(2) وهرام(3) ومن الأخوات: ايزدنداد(4) ولم تورد هذه المصادر أخريات من شقيقات السيدة شهربانو، ولا يخفى أنهم أوردوا السيدة شاه زنان باسم شهربانو ويبدو أن اسمها كان عندهم قبل أن تتزوج الإمام الحسين «عليه السلام» كذلك كان

_____________
(1) موقع موسوعة، ويكي پيديا (WWW.Wikipedia.org).

(2) پيروز: كان صغيراً حينما وقعت معركة القادسية سنة 14هـ، قيل إنه هرب إلى الصين، وترك من الأبناء نرسي وقد توفي بعد عام 89هـ (708)، راجع موسوعة ويكي پيديا القسم الفارسي في ترجمة أبيه جاء في وفيات الأعيان: 3/267 أن الإمام زين العابدين «عليه السلام» أمه سلاة بنت يزدجر آخر ملوك الفرس، وهي عمة أم يزيد ابن الوليد الأموي المعروف بالناقص، وكان قتيبة بن مسلم الباهلي أمير خراسان لما تتبع دولة الفرس وقتل فيروز بن يزدجر المذكور بعث بابنته إلى الحجاج بن يوسف الثقفي وكان يومئذ أمير العراق وخراسان، وقتيبة نائبه بخراسان، فاسمك الحجاج إحدى ابنتيه لنفسه وأرسل الأخرى إلى الوليد بن عبد الملك فأولدها يزيد الناقس واسمها شاه آفريد، والظاهر أن پيروز وفيروز هما متحدان، ويحتمل أن يكونا مغايرين والله العالم بحقائق الأمور.

(3) وهرام: ويعد الإبن  الثاني ليزدجر، ورد اسمه في المصادر الصينية القديمة توفي سنة 91هـ (710م) وقد أوكل إليه إعادة حكم أبيه في إيران من قبل الصين وذلك ما بين سنة 36 (656هـ) وسنة 40هـ (660م)- راجع موسوعة ويكي پيديا القسم الفارسي في ترجمة أبيه، وجاء في مروج الذهب: 1/314 وقتل يزجرد الآخر من ملوكهم على حسب ما ذكرنا، وله خمس وثلاثون سنة وخلف من الولد: بهران، وفيروز، ومن النساء: أدرك وشاهدين ومرداوند، حيث سمى وهرام بـ «بهرام» وپيروز بـ «فيروز» وأما السناء فذكرهم ثلاثاً: ولعل الثانية تصحيف شاه زنان، والثالثة مواريد، وأما الأولى فلم نتمكن من معرفتها، وأما عن عمر يزدجرد فعلى حساباته تكون ولادته سنة 5ق.هـ، ولكن سبق وتوصلنا إلى أنه ولد سنة 22ق.هـ وهو أوفق لبيان تواريخ سلفه وخلفه.

(4) ايزدنداد: (Izdundad) المولودة في بابل سنة 2ق.هـ (620م) تزوجها بوستاناي بن هانيناي (Bustanai ben Haninai) اليهودي (590- 670م) وانجبت له هيزداي شهريار (Hisdai). راجع موقع صور أمريكا.

(113)

لها اسم ثانٍ إلا وهو حرار (Harar) وذكروا بأنها تزوجت من الإمام الحسين «عليه السلام» وبعضهم ذكر بأنها أنجبت له الإمام زين العابدين(1).

      وأما عن نشأتها فليس لدينا ما يمكن اثباته إلا أنها ربيت في بيت السؤدد.

      وأما الحديث عن كيفية وصولها إلى المدينة وبالتالي زواجها من الإمام الحسين «عليه السلام» حيث هناك لغط واختلاف في مسألة التاريخ وغيرها وقد توصلنا إلى السرد التالي بعد التحقيق وسبر النصوص الواردة نذكره محاولين نقل نصوص الروايات مهما أمكن، ثم نشير إلى الأقوال والتناقض الحاصل بينها لنناقش ما أمكن نقاشه.

      لما كانت سنة ثلاثين(2) من الهجرة النبوية وكان عثمان بن عفان الأموي (24- 35هـ)(3) على سدة الحكم وكانت المدينة عاصمة الدولة الإسلامية، وقام القائد العسكري عبد الله بن عامر(4) بفتح(5) خراسان(6) هرب يزدجرد

______________
(1) راجع موقع صور أمريكا (american-pictures genealogy) وشبكة الجذور العائلية (Freepages.genealogy.rootsweb.ancestry) ولا يخفى أن سلالة شهربانو والإمام الحسين «عليه السلام» لهم وجود في أمريكا- راجع شبكة الأجيال- قسم شجرة العائلة (WWW.Familytreemaker.genealogy-aenera tirns net work-).

(2) راجع الإمام زين العابدين للمقرم: 18.

(3) هذا تاريخ توليه أمر المسلمين ومدة حكومته.

(4) عبد الله بن عامر: هو حفيد كريز بن ربيعة الأموي (4- 59هـ) ولي البصرة سنة 29هـ أيام عثمان فوجه جيوشه إلى مختلف بلاد إيران وافتتحها ومنها طوس، وكان مع عائشة في حرب الجمل، ولاه معاوية أيضاً البصرة وعزله عنها سنة 53هـ ثم صرفه عنها فأقام في المدينة ومات بمكة ودفن في عرفات.

(5) هناك من ادعى أن السبي كان من كابل بافغانستان كما عن اليعقوبي في تاريخه: 2/303 أو السند كما عن اليافعي في مرآة الجنان: 1/191 ولكن ذلك لا يمت إلى الصحة بصلة لأن فتح كابل تم في سنة 43هـ على عبد الرحمان بن سمرة الأموي من قبل معاوية، كما أن فتح السند  كان سنة 42هـ عل يد حكيم بن جبلة العبدي.

(6) جاء في تاريخ الطبري: 4/269 ما يلي: «غزا سيعد بن العاص من الكوفة سنة ثلاثين للهجرة يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، -منهم الحسن والحسين «عليه السلام» وعبد الله بن العباس- الهاشمي- وعبد الله بن عمر- بن الخطاب-، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وخرج عبد الله بن عامر بن كريز من البصرة يريد خراسان فسبق سعيداً».

(114)

الثالث الملك الساساني إلى مرو(1) وقتل هناك على يد طحان طمعاً في سلبه على تفصيل لا يهمنا(2)، ثم إن عبد الله بن عامر أصاب بنات يزدجرد(3) فبعث منهن نحو المدينة لتسلم إلى عثمان بن عفان(4) وعندما ورد السبي إلى المدينة أشرق لها عذارى المدينة واشرق المسجد بضوء وجهها(5) ولما أدخلت على الخليفة(6) وهو في المسجد، وعندما شاهدت أن المسجد

_____________
(1) مرو: هي مرو الشاهجان تقع بين طوس ونيسابور وهي إلى الثانية أقرب ومن أشهر مدنها قديماً.

(2) راجع فتوح البلدان: 307 والأخبار الطوال: 139، وفيه أقوال اخرى ولكن الحاصل واحد.

(3) قبل اثنتين وقيل ثلاث وربما كن كالتالي: شاه زنان، شهربانو، كيان بانو- راجع ناسخ التواريخ حياة الإمام السجاد: 1/17، وروضة الصفا: 3 في ذيل ترجمة السجاد (صلى الله عليه واله وسلم)، بحار الأنوار: 46/8، وربيع الأبرار للزمخشري، وحبيب السير.

(4) عيون أخبار الرضا: 2/135 وعنه البحار: 46/8.

(5) كناية عن جمالها ووضاء وجهها، راجع بحار الأنوار: 46/9 وبصائر الدرجات: 255 ولا يخفى أن بعض الكتاب المعاصرين اعتماداً على من سبقهم استنكروا وصف السيدة شهربانو باشراق وجهها وتغطية وجهها بعد نظر الخلفية غليها بقوله: «فلو كان ادخلت المسجد بوجه سافر مكشوف حتى أن المسجد اشرق بضوئها ولم تكن تستحي من الرجال الأجانب فكيف غطت وجهها لما نظر إليها الخليفة؟ فهل كان سائر الناس من محارمها، وإنما كان الخليفة أجنبياً عليها؟ أليس هذا الكلام الجزاف دليلاً على وضع هذه القصة»- راجع مجلة رسالة الحسين، العدد: 2، الصفحة: 257. هذا الاستنكار كما ترى ليس بالمستوى ولا نريد إطالة الكلام حوله لأن من الواضح أن الأسارى بل أكثر النساء كن مكشوفات الوجه آنذاك وحتى في يومنا هذا، مضافاً إلى أن دخولها في مجلس غاص بالرجال يختلف عن مرورها بالاسواق والازقة بالاضافة إلى أن التركيز عليها من قبل الخليفة له انطباع آخر مما يبرر تغطية الوجه عنه، كما هو الحال في سائر النساء وأما وصف الراوي ومبالغته في وجاهتها بهذه العبارات غير خارج عن المتعارف، وكثير من عباراتهم مليئة بأمثال ذلك، والغريب من المستنكر أن يقيس الحالة الاجتماعية التي يعيشها الأن بعض المؤمنين في بلد معين مع ما كانوا يعيشونه في ذلك الوقت، من دون ملاحظة سائر الجوانب.

(6) جاء في المصدر «عمر» وبما أنه لا يناسب حيث الصحيح «عثمان» أبدلناه بالخليفة لكي لا نخالف النص، ولا يخفى أن بعض المصادر ذكروا بأن السبي كان سنة 22هـ أيام عمر بن الخطاب وقد ناقشنا هذا الموضوع في باب الشبهات، كما =

(115)

محتشد بالناس والخليفة يحد النظر إليها غطت وجهها وصاحت: «آه بيروزباد هرمز»(1) وحيث لم يفهم الخليفة الفارسية(2) فغضب الخليفة وقال شتمتني هذه العجلة(3) وهم بها، ولكن علياً «عليه السلام» قال له: ليس لك انكار على ما لا تعلمه(4) وطيب خاطره ببيان ما أرادت(5) فأمر الخليفة أن ينادى عليها حيث أراد بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيد العرب(6).

      فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: إن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال: أكرموا كريم كل قوم.

      فقال الخليفة: قد سمعته يقول: إذا أتاكم كريم قوم فاكرموه وإن خالفكم(7).

___________
= ناقشنا من ذهب إلى أن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» أيام حكومته عام 36هـ ولى حريث ابن جابر الحنفي جانباً من المشرق فبعث إليه بنتي يزدجرد بن شهريار فنحل ابنه الحسين «عليه السلام» شاه زنان حينها فأولدها زين العابدين «عليه السلام» ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محد بن أبي بكر فهما ابنا خالةٍ- راجع الإرشاد: 2/137. وفي النص ما ينافي وجود الإمام في الكوفة، وأنه لم يقدم على الفتوحات على تفصيل أودناه في محله، هذا وقد ورد في كتاب روضة الصفا: 3 أن السبي حصل في عهد علي «عليه السلام» نقلاً عن ربيع الأبرار للزمخشري ولكن بعد مراجعة ربيع الأبرار وجدنا أن السبي وقع أيام عمر بن الخطاب، ولعله وقع صاحب الروضة في الخلط في وصف الخليفة بأمير المؤمنين، وجاء أيضاً في سخنان حسين لابي القاسم حالت: 6 أنها وردت سنة 22هـ.

(1) تعني بالعربية في ظاهرها إذا كانت «بيروز» بالباء الموحدة عربية «لا يوم لك يا هرمز» و«آه» كلمة توجع وهرمز هذا جدها، ويعد رمزاً من رموز دولتهم؛ وإذا كانت الباء الفارسية أي مثلثة فالمعنى عاش هرمز ولا يناسب الموقف، وجاء في بعض النسخ «اف» بدل «آه» وهي كلمة تضجر وانزعاج، وعلى أي تقدير فإنها أرادت القول: «آه انتهى يوم هرمز» وأصبحت كرامتنا مهدورة بين الناس.

(2) راجع الإمام زين العابدين للمقرم: 12.

(3) العلج: بالكسر فالسكون ثم جيم معجمة هو الرجل الضخم من كفار العجم وقيل بل مطلق الكافر، راجع مجمع البحرين: 2/319.

(4) الخزائج والجرائح: 750.

(5) الإمام زين العابدين للمقرم: 12.

(6) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/48.

(7) دلائل الإمامة: 81.

(116)

فقال علي: هؤلاء الفرس حكماء کرماء(1) فقد القوا إليكم السلم ورغبوا في الإسلام ولا بد أن يكون لي فيهم ذرية، وأنا أشهد الله وأشهدكم أني قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله تعالى.

فقال جميع بني هاشم وقد وهبنا حقنا أيضاً لك.

فقال علي «عليه السلام»: اللهم اشهد أني قد أعتقت ما وهبوا لي لوجه الله.

فقال المهاجرون والأنصار: وقد وهبنا حقنا لك يا أخا رسول الله.

فقال علي «عليه السلام»: اللهم اشهد أنهم قد وهبوا لي حقهم وقبلته وأشهدك أني قد أعتقتهم لوجهك.

فقال الخليفة: لم نقضت علي عزمي في الأعاجم، وما الذي رغبك عن رأيي فيهم؟(۲).

فأعاد عليه علي «عليه السلام» ما قاله رسول الله له في إكرام الكرماء: وما هم عليه من الرغبة في الإسلام(3).

فقال الخليفة: قد وهبت لله ولك يا أبا الحسن ما يخصني، وسائر ما لم يوهب لك(4).

وكان الخليفة قد أمر أن ينادى عليها فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: لا يجوز بيع بنات الملوك وإن كن كافرات(5)، ولكن أعرض عليها أن تختار

___________
(1) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/48.

(2) وجاء في مناقب آل أبي طالب: 4/48. «فقال الخليفة: سبق إليها علي بن أبي طالب ونقض عزمتي في الأعاجم».

(3) دلائل الإمامة: 82.

(4) دلائل الإمامة: 82 وعنه بحار الأنوار: 46/15.

ويحتمل في هذا المورد أن عثمان بن عفان إنما أهدى الشقيقتين إلى الحسن والحسين «عليه السلام» باعتبارهما اشتركا في هذه المعركة وجاءتا من نصيبهما من الغنائم والله العلم بحقائق العلوم.

(5) جاء في مجلة رسالة الحسين: 2/250 عن قابوس نامه: 99 أن علياً «عليه السلام» أخبر عمر =

(117)

رجلاً من المسلمين حتى تتزوج منه وتحسب صداقها عليه من عطائه من بیت المال يقوم مقام الثمن(1).

كما ورغبت جماعة قريش في بنات الملوك أن يستنكحوهن(2) فقال أمير المؤمنين (ع): على أن لا يكرهن، ولكن يخيرن فما أخترنه عمل به(3)

_____________

= ابن الخطاب الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): ليس البيع على أبناء الملوك، فلما أخبر بهذا الخبر ارتفع البيع عن شهربانو، وذهبوا بها إلى بيت سلمان الفارسي لیزوجوها ، فلما عرضوا عليها التزويج قالت: لا أتزوجه ما لم أره، فأجلسوها في منظر ومروا بسادات العرب واليمن عليها لتكون زوجة من تختاره هي، وجلس عندها سلمان يعرفها بالقوم: إن هذا فلان وذاك. فلتان. وهي تنتقصهم، حتى مر عمر، فقالت من هذا؟ قال سلمان: هو عمر، قالت: رجل جليل إلا أنه شيخ كبير،  ولما مر علي قالت: من هذا؟ قال سلمان: هو علي، فقالت: رجل جليل إلا أني لا استطيع النظر في غد يوم القيامة إلى وجه فاطمة الزهراء بنت محمد واستحي منها ، فلما مر الحسن بن علي وعلمت بحاله قالت: هو كفؤ لي ويليق بي إلا أنه نكاح النساء، ولما مر الحسين بن علي سألت عنه فعرفته وقالت: هو كفؤ لي ويليق بي، وينبغي أن يكون هو زوجي فإن البنت العذراء الباكر لا بد لها من زوج باکر، وأنا لم أتزوج وهو بعد لم يتزوج.

ومن الواضح أن هذه الرواية هي أشبه بقصص القصاصين وحكاية الحكواتي، وفيها ما يدل على الوضع، ومن جهة أخرى فإن الاطلاع على أحوال الأعلام يقتضي تواجدها في المدينة لفترة معتدة لكسب الاطلاع عنهم وهذا ما لم يذكره أحدهم، بل ظاهر النصوص عدم الفصل بين وصولهن وعرض الزواج

(1) الخرائج والجرائح: 750، وجاء في (الأئمة الإثنا عشر) لابن طولون : 75 نقلاً عن ربيع الأبرار للزمخشري «لما أتوا بسبي فارس في خلافة عمر بن الخطاب كان فيهم ثلاث بنات ليزدجر، فباعوا السبايا، وامر عمر ببيع بنات يزدجر أيضاً، فقال له علي: إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن من بنات السوقة، فقال عمر: كيف الطريق إلى العمل معهن؟ فقال علي: يقومن، ومهما بلغ ثمنهن قام به من يختارهن، فقومن، وأخذهن علي بن أبي طالب، فدفع واحدة لعبد الله بن عمر، وواحدة لولده الحسين، وأخرى لمحمد بن أبي بكر، فاولد عبد الله أمته ولده سالماً، وأولد الحسين أمته زین العابدین واولد محمد أمته ولده القاسم فهؤلاء الثلاثة بنو خالة وامهاتهم بنات ليزدجر».

(۲) راجع بحار الأنوار: 45/ ۳۳۰ عن مناقب آل أبي طالب: 4 / 48

(۳) دلائل الإمامة : ۸۲ ، عنه بحاء الأنواء : 46/16.

 

(118)

فأشار جماعة من كبار القوم إلى تخيير شهربانو بنت يزدجرد(1) فحجبت وأبت(2) فخوطبت من وراء حجاب والجمع حضور(3): أيا كريمة قومها من تختارين من خطابك، وهل أنت راضية بالبعل؟ فسكتت.

فقال علي أمير المؤمنين (ع): قد أرادت وبقي الاختيار(4).

فقال الخليفة: وما علمك بارادتها البعل؟

فقال أمير المؤمنین (ع): إن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان إذا أتته کريمة قوم لا ولي لها - وقد خطبت - يأمر أن يقال لها: أنت راضية بالبعل؟ فإن استحيت وسكتت جعل إذنها سکوتها وأمر بتزويجها، وإن قالت: لا، لم يكرهها على أن تختاره(5).

فقال علي(ع): سكوتها إقرارها(6).

فقال الخليفة لعلي (ع): افعل.

فعرض علي (ع) عليها أن تختار.

وبعد أن فهمت رجوع الأمر إليها فأريت الخطاب(8) ۔ فجالت - وأومأت بيدها إلى الحسين (ع) واختارته(9)، فاعيد القول عليها في التخيير

__________
(1) يفهم من العبارة أمران لا بد من اختيار أحدهما الأول: إن القوم قالوا: خيروا شهربانو الثاني إن جماعة اختاروا شهربانو للزواج، والظاهر هو المتبادر، وإن الأول أقوى دلالة.

(2) راجع مناقب آل أبي طالب: 4/48.

(3) دلائل الإمامة: 82.

(4) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/48.

(5) دلائل الإمامة: 82.

(6) بحار الأنوار: 45/330 عن مناقب آل أبي طالب: 4/48.

(7) حيث كان علي «عليه السلام» يتكلم معها بالفارسية؛ راجع دلائل الإمامة: 82، الإمام زين العابدين للمقرم: 13.

(8) بحار الأنوار: 46/16.

(9) في حياة الإمام زين العابدين: 1/22 فوضعت يدها على رأس الحسين، نقلاً عن الكافي: 1/467. ولكن ما أوردناه هو الأنسب حتى مع القول بأنها أمة، ولا يخفى أن نقل المقرم لهذه الرواية مع اعتقاده أنها لم تكن مسبية لا يناسب.

(119)

فاشارت بيدها إلى الحسين (ع) ثانية(1) وقالت بالفارسية(2) ما معناه: لست ممن يعدل عن النور الساطع والشهاب اللامع «الحسين» إن كنت مخيرة.

فقال علي (ع): لمن تختارين أن يكون وليك؟

فقالت: أنت.

فأمر أمير المؤمنين عن حذيفة بن اليمان أن يخطب فخطب وزوجت من الحسين (ع)(۳).

ثم إن أمير المؤمنين (ع) «توجه إليها وسألها بالفارسية: چه نام داري آي کنيزك؟».

أي ما اسمك يا صبية؟ قالت: جهان شاه(4).

فقال (ع): بل شهربانويه واختك مروارید.

قالت: آريه (أي نعم)(7).

وأضاف على (ع): نه شاه زنان - أو جهان شاه - نیست مكر دختر محمد أي لا يصح أن تكوني سيدة النساء في العالم بل إن ابنة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) هي سيدة النساء وأنت شهربانويه(8).

ثم التفت علي (ع) إلى الإمام الحسين(صلى الله عليه واله وسلم). فقال: احتفظ بها وأحسن

 

_____________
(1) دلائل الإمامة: 82.

(2) جاء في دلائل الإمامة: 82 «بلغتها».

(3) مناقب آل أبي طالب: 4/48.

(4) جاء في الخرائج: «جهان شاه بارخذاه»، وفي الدلائل: «شاه زنان».

(5) بحار الأنوار: 46/11 عن الخرائج: 750 وفي الخرائج أنها قالت: خواهرم شهر بانويه أي تلك اختي، فقال «عليه السلام»: راست كفتي، أي صدقت.

(6) راجع أيضاً الإمام زين العابدين للمقرم: 14، والخرائج: 750 وإثبات الوصية: 129.

(7) بحار الأنوار: 46/16 عن دلائل الإمامة: 82.

(8) دلائل الإمامة: 82.

(120)

إليها فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك، وهي أم الأوصياء الذرية الطيبة(1).

      وأما الحديث عن كيفية اختيارها للإمام الحسين «عليه السلام» فنتركها تروي قصتها بنفسها حيث تقول: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين كأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) دخل دارنا وقعد مع الحسين «عليه السلام» وخطبني له وزوجني منه فلما أصبحت كان ذلك يؤثر في قلبي، وما كان لي خاطر غير هذا، فلما كان في الليلة- الثانية- رأيت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه واله وسلم) قد أتتني وعرضت علي الإسلام فأسلمت(2)، ثم قالت: إن الغلبة تكون للمسلين وأنت تصلين عن قريب إلى أبني الحسين سالمة لا يصيبك بسوء أحد.

      قالت: وكان الحال إني خرجت إلى المدينة ما مس يدي إنسان(3).

      وسألها الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل(4)؟

      قالت: حفظت عنه أنه كان يقول: إذا غلب الله على أمر ذلت المطامع دونه، وإذا انقضت المدة كان الحتف في الحيلة.

______

(1) الخرائج والجرائح: 751.

(2) يبدو والله العالم أنها اسلمت منذ رؤيتها هذه ولكنها لم تظهر ذلك، ولما وصلت إلى المدينة لم يعرض علي «عليه السلام» عليها الإسلام حينما أراد خطبتها للإمام الحسين «عليه السلام» إما لأنها مسلمة أو أنها من أهل الكتاب (المجوسية) أو أنه عمل بالظاهر أنها لم تكن مسلمة وإلا لما جاز أسرها، وربما اسلمت بعد الخطبة أو بعد عتقها، وللإمام علي «عليه السلام» كلام في ذلك يوحي إلى اسلامها، حيث قال رداً على تصرف القوم: «فقد ألقوا إليكم السلم، ورغبوا في الإسلام» دلائل الإمامة: 81.

(3) بحار الأنوار: 46/11.

ومما يدل على صحة رؤياها اختيارها للإمام الحسين «عليه السلام» من بين هذا الجمع الغفير، وإلا فمن عرفها على الإمام الحسين «عليه السلام»، وقال في حقه: «ولست ممن يعدل عن النرو الساطع والشهاب اللامع الحسين إن كنت مخيرة».

(4) وقعة الفيل: أراد «عليه السلام» بوقعة الفيل يوم القادسية والتي دارت فيها حرب الدولة الساسانية مع المسلمين حيث استخدم الفرس الفيلة والعرب الفرس.

(121)