معجم  أنصار الحسين  (النساء)     (الجزء الأول)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (النساء) (الجزء الأول)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

عام 45هـ، وكان ذلك لمصلحة اجتماعية بغض النظر عن أبعادها السياسة، فعقد عليها وأمهرها إلا أنه لم يمسها، فلما حضر عبد الله بن عامر المدينة والتقى بالإمام الحسين «عليه السلام» طلق الإمام أرينب، وزوجها من عبد الله فوراً حيث كان طلاقها بائناً لأنه لم يدخل بها، وفي هذه الفترة كانت في حبالة الإمام الحسين «عليه السلام» ثلاث نساء بالعقد الدائم، هن: الرباب وليلى وعاتكة، فلذلك صح منه العقد على أرينب في هذه الفترة.

       وأما بالنسبة إلى الثانية عائشة بنت عثمان، فقد قيل بأن الإمام الحسن «عليه السلام» قد خطب عائشة بنت عثمان أيام ولاية مروان بن الحكم الأموي على المدينة في الفترة الأولى أي في سنة 42هـ فوقف مروان أمام وصولها إلى الحسن «عليه السلام» حيث زوجها من عبد الله بن الزبير، وكان من الحسن بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» أن رفض خطبة يزيد بن معاوية لزينب بنت عبد الله بن جعفر الطيار التي تقدم بها مروان، ثم تكرر الحدث مع الحسين «عليه السلام» لأختها أم كلثوم، وذلك في الفترة الثانية لولاية مروان، أي عام 54هـ، وجاء في نهاية هذا الحدث ما نصه: «ثم إنه كان الحسين تزوج بعائشة بنت عثمان»(1) فلو صحت المقولة- والتي لا نرى صحتها كما سنشير إلى ذلك- فإن زواج منها لا بد وأن يكون قبل عام 54هـ، وذلك لأن الحدث الذي ذكر في نهايته هذا الحدث كان عام 54هـ، كما ولا بد أن يكون بعد عام 42هـ، وبمقتضى صحة زواج الحسين بمن أرينب السابقة الذكر التي أصبحت في حبالته شرعاً في أواخر سنة 44هـ إلى أوائل 45هـ، وزواج عبد الله بن الزبير من عائشة بنت عثمان، لا بد وأن يكون زواج الحسين- على فرض الصحة- من عائشة بعد عام 45هـ لأن الحسين قبل ذلك لا يمكنه الجمع بين الخمس، وربما هي كانت في حبالة عبد الله بن الزبير حسب مسلسل القصة المذكورة، ومن جهة أخرى فإن الإمام الحسين «عليه السلام» في عام 50هـ تزوج أم إسحاق فأصبحت زوجاته أربعاً إلى أن استشهد، فمعنى ذلك أن زواجه من عائشة لا يمكن أن يتم إلا بعد العام 45هـ وقبل العام 50هـ، وهذا يعني أن الحسين لا بد وأن يكون قد

__________
(1) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/38.

(250)

 

تخلص من زواج عائشة إما بالطلاق أو بالموت قبل عام الخمسين، وبما أنها كانت على قيد الحياة في وقعة الحرة عام 63هـ حيث كانت زوجة لمروان بن الحكم وأودعها في جملة عياله عند الإمام زين العابدين «عليه السلام» خوفاً من انتقام أهل المدينة من الأمويين، فلا خيار إلا القول بأن الحسين «عليه السلام» طلقها، وهذا لم يكن من شيم الإمام الحسين «عليه السلام» حيث لم يذكر المؤرخون أنه أقدم على مثل ذلك بشكل عام، ولا بشكل خاص، بل لأسباب مختلفة، أهمها أن البيت العلوي والبيت الأموي بعد وقعة صفين كانا على طرفي النقيض وكانا على قطيعة، وما رفض مروان زواج الحسن من عائشة بنت عثمان ورفض الحسين من زواج أم كلثوم بنت عبد الله الطيار من يزيد إلا دليل على هذه القطيعة، ومن جهة أخرى فإن الحدث الذي نقله ابن شهرآشوب- وتعرضه بالمناسبة إلى خطبة الحسن «عليه السلام» من عائشة بنت عثمان في مقدم الحدث ورفض مروان ذلك، ثم الإشارة إليها في نهاية الحدث وذكر اسم عائشة وأنها تزوجت من الحسين «عليه السلام»- يوحي إلى أن الأنسب أن يكون الحسين تصحيفاً للحسن بمقتضى سياق الكلام، والله العالم بحقائق الأمور.

       والحاصل أن زواج الإمام الحسين «عليه السلام» من أرينب بنت إسحاق القرشية ليس بالمرفوض، ولكن كان لفترة قصيرة وذلك ما بين أواخر عام 44هـ وأوائل عام 45هـ، ولم يدخل الإمام بها، وعليه فلا إنجاب.

       هذا وقد حصلنا على شخصية ثالثة قيل إنها كانت من زوجات الإمام الحسين «عليه السلام» ألا وهي هند (أم حبيب)(1) ابنة عبد الله بن عامر بن كريز العبشمي والتي كانت زوجة يزيد بن معاوية الأموي عام 61هـ ولها قصة مفصلة حول استنكارها ليزيد عما فعله بالأسرى عندما تعرفت عليهم إذ يقول الخوارزمي في مقتله لدى ذكر استنكارها: «وكانت قبل ذلك تحت

____________
(1) راجع أسرار الشهادة: 3/425.

(2) عوالم العلوم (حياة الإمام الحسين): 443، بحار الأنوار: 45/ 143، عن مقتل الحسين  للخوارزمي: 2/74 نقلاً عن أبي مخنف وغيره، إلا أننا لم نعثر على القصة في غير مقتل الخوارزمي.

(251)

 

الحسين»(1) ولكن المعروف أنها كانت تخدم في بيت فاطمة «عليه السلام» أيام كانت في المدينة، ومن جهة أخرى فمتى كان زواجه منها على فرض صحة الخبر، فإنه «عليه السلام» منذ عام 50هـ عندها تزوج بأم إسحاق أصبحت عنده أربع حرائر وحتى يوم استشهاده، وهن الرباب، ليلى، عاتكة، أم إسحاق، وكذلك في الفترة ما بين 44- 50هـ كان عنده أربع زوجات هن: الرباب وليلى، وعاتكة، وأرينب، يبقى بقية الفترات أي ما بين 45- 50هـ وما بين 19- 44هـ، ولكن لم نسمع أنه تزوجها خلال هذه الفترة كما لم نسمع بأنه طلق امرأة في حياته، كما لم نسمع أن لها إنجاباً منه، وما تجدر الإشارة إليه أن أبا مخنف لم يذكر بأنها كانت قبل ذلك تحت الحسين «عليه السلام»(2) وربما أراد البعض القول بأنها هي أرينب وأن اسمها هند ولكن لا يساعده التصريح بأنها ابنة عبد الله بن عامر، وليست زوجته، فعلى أي حال لا يمكن الاعتماد على أنها كانت زوجة للإمام الحسين «عليه السلام».

       وأما ما هو مذكور في زوجات يزيد بما يفيدنا هنا: هند بنت عبد الله ابن عامر بن كريز العبشمية(3)، وأم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز العبشمية(4) وأم حبيب بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة العبشمية(5) فهل أم كلثوم هي نفسها هند أم أختها وهل تزوجها في وقت واحد أم خلفت إحداهما الأخرى، ونحتمل والله العالم أنهما متحدان، وربما وقع الخلط بين أم حبيب وهند، وعلى أي حال فليس في تاريخ ابن عساكر ما يدل على زواجها من الإمام الحسين «عليه السلام».

       وأما زواج عائشة بنت عثمان فهو مرفوض على الأقل بالنسبة إلى الإمام الحسين «عليه السلام». ولنعد إلى حديث الأولاد، فقد سبق ونقلنا جانباً من أولاده «عليه السلام» بإيجاز عما حققناه في ترجمة محسن بن الحسين «عليه السلام» لنضيف إلى ذلك بأننا لم نتوصل إلى شخصيتين نسبا إلى كونهما من أولاده «عليه السلام» وهما: خولة وزبيدة.

_____________
(1) مقتل الحسين لأبي مخنف: 200.

(2) تاريخ مدينة دمشق: 70/166.

(3) تاريخ مدينة دمشق: 70/ 259.

(4) تاريخ مدينة دمشق:  70/208.

(252)

 

       أما بالنسبة إلى زبيدة فاحتمال أن تكون اسماً لأم كلثوم بنت شاه زنان وارد، وذلك للجمع بين تصريح الدربندي(1) في أسراره بأن زبيدة المخطوبة للقاسم بن الحسن كانت ابنة شاه زنان، وتصريح ابن فندق في اللباب بأن شاه زنان أنجبت أم كلثوم وزينب وعلياً، بالإضافة إلى تحديد زواج الإمام الحسين «عليه السلام» من شاه زنان كان عام 30هـ كأقصى حد، وأن ولادة الإمام السجاد «عليه السلام» كان عام 33هـ كما هو المختار، وأنها توفيت في نفاس السجاد «عليه السلام»، قال الدربندي: «إن الإمام المظلوم «عليه السلام» زوج القاسم بنته المسماة زبيدة وهي التي ولدتها شاه زنان بنت الملك يزدجرد من الملوك الكسروية..»(2) ويقول ابن فندق لدى عده أولاد الإمام الحسين «عليه السلام»: «علي الأصغر(3)- السجاد-، عبد الله، زينب ماتت صغيرة، أم كلثوم ماتت صغيرة، أمهم شهربانو بنت يزدجرد»(4).

       فالجمع بين هذين النصين يقتضي أن تكون زبيدة تكنى بأم كلثوم، ولكن الدربندي يرى غير ذلك، فإنه ذكر بأن هناك شخصيتين شقيقتين هما شاه زنان، وشهربانو ابنتا يزدجرد الساساني تزوج الإمام الحسين «عليه السلام» بإحداهما فأولدت له علي السجاد «عليه السلام» والتي ماتت في نفاسها من السجاد «عليه السلام»، فتزوج شقيقتها فأنجبت له زبيدة وهي التي أصبحت فيما بعد خطيبة القاسم بن الحسن «عليه السلام»، ولكن سبق وقلنا إنهما متحدان ولم يثبت زواج الحسين من شقيقة أم السجاد «عليه السلام»، وعليه فكون أم كلثوم هي كنية زبيدة(5) غير وارد، وذلك لأن كل ما لدينا عن زبيدة أنها كانت مسماة بإسم

___________
(1) الدربندي: هو آغا بن عابد بن رمضان بن زاهد الشيراوني الحائري (1208- 1285هـ) ولد في دربند- إيران وتوفي في طهران بعيد ما سكن كربلاء، من أعلام الإمامية وفقهائها، من آثاره: خزائن الأحكام، خزائن الأصول، والقواميس في علم الرجال.

(2) أسرار الشهادة: 2/317.

(3) علي الأصغر في قبال علي الأكبر، حيث لا يرى أن هناك ثلاثة عليين.

(4) لباب الأنساب: 1/349.

(5) ويظهر من مجمل كلام الدربندي أن زبيدة هو الاسم الشائع بين العامة، واسمها هي فاطمة وسنبحث الموضوع في ترجمة فاطمة بنت الحسين، وفي ترجمة زبيدة بنت الحسين «عليه السلام».

(253)

 

القاسم بن الحسن «عليه السلام»، ولم بثبت زواجه منها، كما لم بثبت العقد عليها، غاية ما احتملناه للجمع بين الأقوال المتضاربة أنها كانت مسماة باسم القاسم، وعليه فإنها كانت حاضرة معركة الطف فكان للقاسم من العمر 14 سنة يوم قتل في الطف، ولا يعقل أن تكون زبيدة خطيبته لأنها ولدت على ما حققناه عام 31هـ، ومعنى ذلك أنها كانت يوم عاشوراء في الثلاثين من عمرها، وهو لا يتناسب مع عمر القاسم من جهة، ومع قولهم إنها توفيت وهي صغيرة، ومن المفروض أن يكون عمر زبيدة يوم الطف- إن صحت مسألة تسميتها للقاسم- في حدود العاشرة لتكون ولادتها في بداية الخمسينيات، وفي هذه الفترة كان الإمام الحسين «عليه السلام» متزوجاً من الرباب وليلى وعاتكة وأم إسحاق، فهي إن ثبت وجودها لا بد وأن تكون ابنة إحدى هذه الزوجات الأربع:

       1- أم إسحاق بنت طلحة التيمية (ن30- ب93هـ) والمتزوجة عام 50هـ.

       2- الرباب بنت امرئ القيس الكلبية (ق9- 63هـ) والمتزوجة عام 19هـ.

       3- عاتكة بنت زيد العدوية (ق14- ب61هـ) والمتزوجة عام 38هـ.

       4- ليلى بنت أبي مرة الثقفية (20- 63هـ) والمتزوجة عام 35هـ.

       فأيهن تكن أنسب إذا أردنا أن نقدر ذلك بالاحتمالات، وبعد ملاحظة أعمارهن نلاحظ أن جميعهن مناسبات لأن تكن أماً لزبيدة، ولكن ليس لدينا أي مرجح أبداً، فإذا توجهنا نحو ليلى أم علي الأكبر فلم نجد في كتب المؤرخين أنهم قالوا بأنه كان شقيق أو شقيقة.

       وأما بالنسبة إلى أم إسحاق فيستبعد ذلك إن قلنا بأن عمر زبيدة كان يوم الطف نحو عشر سنوات لأنها في هذه الفترة قد أنجبت فاطمة الصغرى على ما هو محقق.

       وأما بالنسبة إلى عاتكة والرباب فالباب مفتوح على مصراعيه، وبحاجة إلى مزيد من التحقيق والذي سنقوم به في ترجمة زبيدة إن شاء الله تعالى.

(254)

 

       ويبقى حديثنا الأساس حول خولة والتي يدعى بأنها مدفونة في بعلبك، فقد تحدثنا في ترجمة محسن بن الحسين «عليه السلام» شيئاً عن ذلك نوجزه هنا بالتالي:

       لقد ذكر المبرد(1) في كامله بأن اسم أم علي بن الحسين زين العابدين هو خولة(2)، وأما إسمها في بيت أبيها شاه زنان، وربما إن صاحبة القبر في بعلبك هي ابنة خولة فسقط المضاف بكثرة الاستعمال أو غير ذلك، وحينها يكون المراد بها إما أم كلثوم أو زينب واللتان ذكر عنهما ابن فندق بأنهما من بنات شاه زنان(3)، ولكن هذا ينافي تصريح ابن فندق بأنهما ماتتا صغيرتين، إلا على قول الدربندي بأن شهربانو وشاه زنان متغايرتان وأنهما شقيقتان تزوج الحسين الأولى فأنجبت له السجاد «عليه السلام» وماتت في نفاسها منه فتزوج الثانية فأنجبت له، وعليه فتكون البنتان أم كلثوم وزينب من إنجابها، وهذا يصح لو قيل بأن إنجابها لهما تم في وقت متأخر لتكونا صغيرتين عند وفاتهما، وعندها يمكن أن يقال:

       1- خولة: هي أم كلثوم بنت شهربانو (خالة السجاد) وابنة الحسين «عليه السلام» ولدت في حدود عام 56هـ أو قبل ذلك، وتوفيت في بعلبك عام 61هـ.

       2- زينب هي ابنة شهربانو والحسين «عليه السلام» ولدت في حدود عام 57هـ، وتوفيت في الموصل عام 61هـ.

       ومن جهة أخرى فإن هناك من يقول بأن رقية وزينب متحدتان(4)، والمواصفات التي وردت في حقهما واحدة، حيث قيل بأنهما ماتتا صغيرتين، وأن عمرهما ثلاث سنوات، وكلاهما ماتتا بأرض الشام واقبرتا

__________

(1) المبرد: هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي (210- 286هـ) يكنى بأبي العباس ويعرف بالمبرد، ولد في البصرة وتوفي في بغداد، كان من أئمة العربية والأدب، ومن آثاره: التعازي والمراثي، المقتضب، والمذكر والمؤنث.

(2) نفس المهموم: 478 عن الكامل للمبرد.

(3) لباب الأنساب: 3/350.

(4) راجع مشاهد العترة الطاهرة: 90.

(255)

 

هناك، ولكن هذا يصح إذا ما قلنا بصحة ما أورده الدربندي من أن الإمام الحسين «عليه السلام» قد تزوج ابنتي الملك يزدجرد الساساني، وقلنا بأن رقية ليست ابنة الرباب.

       من جهة أخرى فإن هذا يتنافى مع ما حققناه وذهب إليه معظم المصنفين والمحققين أن الإمام الحسين «عليه السلام» كان متزوجاً خلال الفترة ما بين عامي (50- 61هـ) أربع من الحرائر هن: الرباب، ليلى، عاتكة، أم إسحاق، فأين يكون موقع خالة السجاد «عليه السلام» هذه.

       وبما أن ما أورده الدربندي لم يثبت، فلا مجال للاعتماد عليه وبالأخص فإنه لم يوثق كلامه بمصدر أو دليل، وإنما هو مجرد تخمينات واحتمالات لا تصل إلى حد الاطمئنان، وعليه فلا مجال للاعتماد على ما كشف في القرون المتأخرة عن قبر ينسب إلى خولة بنت الحسين «عليه السلام» إذ ربما كانت هاشمية من الهاشميات التي يصل نسبها إلى الإمام الحسين «عليه السلام».

       وسنأتي على تفاصيل عنها لدى الحديث عن هذا المرقد في تاريخ المراقد، وفي ترجمة شاه زنان، وزينب، وزبيدة من هذا المعجم إن شاء الله تعالى.

(256)

 

حرف الراء

 

       29- الرباب بنت امرئ القيس الكلبية        6- 62هـ

       30- رقية بنت الحسين الهاشمية                   57- 61هـ

       31- رقية الصغرى بنت علي الهاشمية             24- ب61هـ

       32- رقية الكبرى بنت علي الهاشمية        13- 45هـ

       33- رملة الكبرى بنت علي الهاشمية       ن22- ب61هـ

       34- رملة بنت.... الرومية                          31- ب61هـ

       35- روضة بنت .... المدنية                        ق5ق.هـ- ب61هـ

 

 

(257)

 

(258)

 

(29)

الرباب بنت امرىء القيس الكلبية

6- 62هـ = 627- 681م

 

       هي: الرباب بنت امرئ القيس(1) بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكندية(2).

       ضبط المفردة: «الرباب» بفتح الراء، وجذره من رب يرب رباً بمعنى جمع يقال رب الشيء جمعه، وتربب القوم اجتمعوا، والسحاب يرب- بضم الراء المشددة- أي يجمعه وينميه، ومن هنا سمي السحاب بـ«الرباب» بالفتح، ويقال: إنه السحاب الأبيض، وقيل هو مطلق السحاب، وقيل أيضاً هو السحاب المتعلق الذي تراه كأنه دون السحاب، وقد يكون أبيض وقد يكون أسود، وفي حديث الرسول «عليه السلام»: إنه نظر في الليلة التي أسري به إلى قصر مثل الربابة البيضاء، والربابة هي مؤنث الرباب وهو السحاب الذي قد ركب بعضه بعضاً، وجمعها الرباب، وبها سميت المرأة الرباب ومنه قول الأصمعي(3) أو

____________
(1) جاء في الكامل لابن الأثير: 2/343 «أن إمرئء القيس بن الأصبغ الكلبي، جد لسكينة بنت الحسين «عليه السلام» وكان عامل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على قضاعة وكلب، ولم يرتد بعد فوت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)» وهذا يتنافى مع قولهم: إن امرئ القيس كان نصرانياً فاسلم على عهد عمر بن الخطاب، مما يمكن حمله على أنه والد ملومة القضاعية، ولكن هذا الاحتمال أيضاً ليس متيناً بحيث لا يدخله النقص- راجع ترجمة محياة في زوجات علي «عليه السلام» في الجزء الأول من معجم الأنصار الهاشميون وترجمة جعفر ابن الحسين في الجزء الثاني من المعجم ذاته.

(2) راجع الطبقات الكبرى لابن سعد: 8/348.

(3) الأصمعي: هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي =

(259)

 

ابن عروة بن جلهمة المازني(1) من المتقارب:

إذا الله لم يسق إلا الكرام         فأسقى وجوه بني حنبل

أجش ملثاً غزير السحاب        هزيز الصلاصل والأزمل

تكركره خضخضات الجنوب(2)        وتفرغه هزة الشمال

كأن الرباب دوين السحاب             نعام تعلق بالأرجل(3)

       ومن أقدم من سميت بالرباب هي الرباب بنت علقمة بنت حفصة الطائية، زوجة الحارث بن السليل الأسدي، والذي تزوجها على الكبر، فما رأت يوماً وثبة الفتيان ونشاطهم تنفست صعداء ثم أرخت عينيها بالدموع، فالتفت إليها زوجها الحارث ثكلتك ما يبكيك؟ فقالت: مالي والشيوخ الناهضين كالفروخ، فقال لها: ثكلتك أمك «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها» فذهبت مثلاً، فألحقها بأهلها فقالت: «أسر من الرفاء والبنين»، وكانت بليغة فصيحة حاورت أمها يوم خطبها الحارث مما يدل على فطنتها وبلاغتها(4).

       ولنرجع بحديثنا عن السيدة رباب الكندية الكلبية القضاعية فقد سبق بيان نسبها وذكر أمها الهند بنت الربيع الكندية في ترجمة ابنها عبد الله بن الحسين «عليه السلام» في معجم الأنصار الهاشميين فلا نعيد.

       وقد يلاحظ بعض الاختلاف في ذكر نسبها، وما هذا إلا من باب الاختصار في ذكر النسب حيث يسقط بعض الأجداد ويكتفون بالمعروفين

______________
= (122- 216هـ) ولد في البصرة وتوفي فيها، أديب لغوي، نحوي محدث، وفقيه أصولي، من آثاره: كتاب اللغات، كتاب الخراج، ونوادر الأعراب.

(1) ابن عورة بن جلهمة المازني: هو زهير بن عروة بن جلهمة (حلمة) بن حجر بن خزاعي الملقب بالسكب، شاعر جاهلي ولد وتوفي في الجاهلية، وكان من أشراف قبيلته بني مازن، وإنما لقب بالسكب لقوله «برق يضيء خلال البيت اسكوب».

(2) كركر الشيء: إذا جمعته ورددت أطراف ما انتشر منه. ومثله كبكب، وخضخض الماء: حركه فتحرك.

(3) لسان العرب: 5/97.

(4) أعلام النساء: 1/441.

(260)

 

منهم فعلى سبيل المثال جاء نسبها في الأغاني على الشكل التالي: الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن عليم بن كلب بن وبرة بن تغلب بن عمران (حلوان) بن إلحاف بن قضاعة(1)، فالواقع أنه أسقط ما بين «عليم» إلى «كلب» عدداً من الأجداد، وذلك لوضوحه عند أهل النسب حيث بات عندهم معروفاً بأن عليم يصل نسبه إلى كلب فاختصره، وأما تفصيله فهو كالآتي: الرباب بنت امرئ القيس بن عديد بن أوس بن جابر ابن كعب بن عليم بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة ابن زيد اللات بن رفيدة(2) بن ثور بن كلب(3) بن وبرة بن تغلب بن عمران (حلوان) بن إلحاف بن قضاعة(4).

هذا وقد ذكرها ابن كثير في تاريخه: الرباب بنت أنيف، واكتفى، وذكر بأنها توفيت سنة 62هـ(5) ما يعني أن امرئ القيس ليس إسم والد الرباب بل هو لقب له وإنما اسمه أنيف، ولكن لم يصرح بذلك ابن كثير مما لا يمكن البت فيه، ولدى مراجعة كل من سمي بامرئ القيس لم نجد من ذكر للمسلمين به اسماً آخر ليكون امرؤ القيس هذا لقباً. ومن هنا احتملنا أن الخلط وقع بين اسم والد ملومة القضاعية ووالد الرباب الكلبية، وذلك لأن كلتاهما كانتا قضاعية ولكن الرباب أم سكينة عرفت بالكلبية بينما عرفت ملومة أم جعفر بالقضاعية، وقد سق وقلنا لعل اسم والد ملومة ربما كان أنيف بن جابر بن كعب بن علي (بلى) بن ثعلبة بن عمران (عمرو) بن الحاف بن قضاعة كما ورد مثل هذا النسب للرباب في الأعيان(6).

وأما عن ولادتها فلقد سبق وتحدثنا(7) أنها كانت شقيقة محياة

_____________

(1) الأغاني: 16/146.

(2) في معجم قبائل العرب: 2/768 «عذرة بن زيد اللات بن زهدة بن ثور بن كلب».

(3) الطبقات الكبرى لابن سعد: 8/448.

(4) راجع بالإضافة إلى الأغاني معجم قبائل العرب: 3/991.

(5) البداية والنهاية: 8/167 و174.

(6) أعيان الشيعة: 6/449 حيث نقل عن الأغاني نسب الرباب كالتالي: الرباب بنت امرئ القيس بن جابر بن كعب بن علي بن وبرة بن ثعلبة بن عمران بن الحاف بن قضاعة.

(7) راجع ترجمة شقيقتها محياة زوجة الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» في المقدمة التمهيدية من معجم الأنصار قسم الهاشميين.

(261)

 

وسلمى، الأولى تزوجها الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» والثانية تزوجها الإمام الحسن «عليه السلام» والثالثة وهي الرباب كانت من نصيب الإمام الحسين «عليه السلام»، وقد ذكرنا قصة زواجها بالإمام الحسين «عليه السلام»، وذكرنا بأنه تزوجها عام 19هـ كما هو الحال بالنسبة إلى شقيقتيها، كما ذكرنا بأنها كانت صغراهن، وذكرنا بأن الكبرى كانت ولادتها في حدود عام 3ق.هـ، فإذا أخذ بعين الاعتبار أنها أنجبت للحسين «عليه السلام» فاطمة الكبرى في أواخر عام 20هـ فمعنى ذلك أنها كانت في حدود السنة السادسة من الهجرة لتكون يوم ولادة ابنتها فاطمة الكبرى في أواخر سنة 20هـ في الرابعة عشرة من عمرها ويكون الإمام الحسين «عليه السلام» في السادسة عشرة من عمره الشريف، وبذلك تكون الرباب أولى أولاد الإمام الحسين «عليه السلام» لتكون ملومة القضاعية ثاني زوجاته وابنها جعفر ثاني أولاد الإمام الحسين «عليه السلام» وأول أبنائه، وقد سبق الحديث عن هذا(1)، كما سبق وقلنا إنها أنجت للإمام الحسين أربعة من الأولاد:

1- فاطمة الكبرى: 20- 110هـ.

2- سكينة: 42- 117هـ.

3- رقية: 57- 61هـ.

4- عبد الله: 61- 61هـ(2).

وما دمنا نتحدث عن ولادتها فلنكمل الحديث عن عمرها، وذلك بذكر وفاتها، فقد اتفق المؤرخون أنها كانت على قيد الحياة عند مقتل الإمام الحسين «عليه السلام» وأنها رثته، وغالبهم لم يذكروا وفاتها إلا أنهم ذكروا أنها ظلت تندب زوجها الحسين «عليه السلام» حولاً كاملاً، ثم ماتت كمداً عليه،

__________
(1) راجع ترجمة محسن بن الحسين «عليه السلام»، وجعفر بن الحسين «عليه السلام» من معجم الأنصار قسم الهاشميين.

(2) راجع تراجمهم في معجم الأنصار الهاشميين، وهذا المعجم الخاص بالنساء.

(262)

 

وقد حدد ابن كثير وفاتها بقوله: إنها توفيت عام 62هـ(1)، وعليه فإنها عاشت 56 عاماً، وربما نقض عنها بعض الأشهر أو الأيام أو زادت قليلاً.

وأما بالنسبة إلى مكان ولادتها فالمرجح أن يكون في دومة الجندل(2)، أو في حدودها، كما يبدو من كون امرئ القيس كان من سكان هذه المنطقة تتواجد فيها عشيرته، وعليه فقد ولدت ونشأت هناك على الأصالة، وكان أبوها قد أسلم عام 10هـ ووفد على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعاد إلى دياره، وشبت الرباب في الإسلام فلم تعرف ديناً غيره حيث كانت صغيرة عندما أسلم أبوها، ولما كان عام 19هـ صاحبت أبيها إلى المدينة مع شقيقتها فخطبها علي «عليه السلام» لابنه الحسين «عليه السلام»، وعاشت منذ ذلك الوقت في كنف الحسين «عليه السلام» وأخذت من منهله الصافي فجمعت بين أصالة المنشأ المقرون بالصفاء النفسي والمفاهيم العربية، وبين أصالة النشأة حيث مكارم الأخلاق والتي أخذتها من منهله العذب مباشرة حيث الإمام الحسين «عليه السلام» وأبوه أمير المؤمنين «عليه السلام».

إذاً كانت من بلاد الشام، ومن العرب الأقحاح حيث كانت من القحطانية، وما ورد من الترجمة في هامش الأغاني فلا يمت إلى الصحة بشيء، وإنما هو من الخلط بين شخصية والد الرباب، وبين شخصية الشاعر امرئ القيس بن عانس بن المنذر بن إمرئ القيس الكندي والذي كان من أهل حضرموت المولود فيها في مدينة تريم(3)، وهذا مما يؤسف أن يصدر من محقق الكتاب رغم أن الأغاني صرح في المتن بنسبه، والظاهر أنه لم ينتبه إلى ذلك، حيث لم يشر إليه.

ويرد على من شوش في نقل سيرة امرئ القيس والد الرباب بأنه

____________
(1) البداية والنهاية: 8/174.

(2) دومة الجندل: بضم الميم وبفتح أيضاً على قول، تقع اليوم في سوريا على طريق الذاهب إلى المدينة، جرى فيها التحكيم بعد معركة صفين بين الجيش العلوي والجيش الأموي.

(3) تريم: مدينة في شمال حضرموت على الجانب الأيسر من وادي حضرموت معروفة منذ القدم بالنسيج.

(263)

 

أسلم عام 19هـ على يد عمر بن الخطاب: ما أورده ابن الأثير(1) بأنه كان عامل الرسول «عليه السلام» على قضاعة وكلب ولم يرتد بعد فوت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)(2) إلا أنه ذكره باسم امرئ القيس بن الأصبغ الكلبي، واحتمال أن يكون الاصبغ لقباً له وارد.

 وعلى أي حال فإن الرباب وصفت بأوصاف الكمال حيث قيل عنها: إنها كانت من خيار النساء أدباً وعقلاً وجمالاً وشعراً وفضلاً(3)، وقد رثت زوجها الإمام الحسين «عليه السلام» شعراً أوردناه في محله(4).

وكان الإمام الحسين «عليه السلام» يجلها كما هو شأنه مع أهل الفضل والإيمان، وقد وجد فيها الطيبة والطهارة والإيمان الصادق فقال في حقها أبياتاً من الشعر حين عوتب على شدة حبه لها ولابنتها سكينة، أوردناها في محله(5)، وربما شكك البعض في صدر مثل هذه الأبيات منه «عليه السلام»، ولكن سبق وبينا أن إظهار حبه الصادق والبريء لزوجته وابنته لا ينافي مقامه، بل المؤمن مأمور بإظهار حبه لزوجته فقد أوردنا بعض الأحاديث في ذلك في المقدمة التمهيدية فليراجع.

وكانت السيدة رباب قد رافقت زوجها الحسين «عليه السلام» ومعهما ابنتاهما سكينة ورقية إلى معركة الطف بينما ظلت فاطمة في المدينة عند أم سلمة لوعكة صحية أصابتها، على تفصيل مر بيانه في ترجمة محسن بن الحسين «عليه السلام» وترجمة اختها فاطمة الصغرى، وما تجدر الإشارة إليه أنها كانت حاملاً مقرباً عندما صحبت زوجها في رحلة الطف حين ولدت مولودها عبد الله الرضيع يوم عاشوراء، ومعنى ذلك أن نطفته على الأظهر

___________
(1) ابن الأثير: هو علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري (555- 630هـ) ولد في جزيرة ابن عمر- في سوريا- ثم سكن الموصل- في العراق- فتوفي فيها، مؤرخ محدث، وأديب نسابة، من آثاره: أسد الغابة، تهذيب الأنساب، والجامع الكبير.

(2) الكامل في التاريخ: 2/343.

(3) نسمة السحر: 2/113، الأغاني: 16/146.

(4) راجع ديوان القرن الأول: 1/25 و2/237.

(5) راجع ديوان الإمام الحسين «عليه السلام».

(264)

 

انعقدت في حدود شهر جمادى الأولى من عام 60هـ، إن لم نقل بأن مصاعب الرحلة والحالة النفسية كانتا من وراء سرعة الطلق والولادة.

ومن وفائها لزوجها أنها أقامت له مأتماً تبكيه ليل ونهار وبكت النساء معها حتى جفت دموعهن، فأعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة، فأمرت أن يصنع السويق وقالت: إنما نريد أن نقوى على البكاء(1).

وما يقال بأنها ظلت في كربلاء على قبر زوجها لمدة سنة ثم رجعت إلى المدينة لا يمت إلى الصحة بصلة حيث ورد لها بعض المساجلات في حالة الأسر(2) وسنأتي على بيان ذلك في السيرة فلا نطيل المقام هنا بتكرار ما بيناه هناك(3).

ومن وفائها لزوجها وحبها له فقد خطبها الأشراف خلال هذه الفترة فأبت وقالت: ما كنت لأتخذ حماً بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(4)، ويدل على ذلك شعرها الذي رثت به زوجها حيث تقول في آخره- من البسيط-:

والله لا أبتغي صهراً بصهركم            حتى أغيب بين الرمل والطين(5)

وإذا لوحظت أقوال المؤرخين بدقة، ومن ذلك قولهم: إنها توفيت بعد سنة، مما يحتمل أن يحسب من يوم ورودها إلى المدينة كما يحتمل أن يحسب من يوم مقتل أبي عبد الله الحسين «عليه السلام» وبما أن ابن الأثير نص بقوله: « بعده» فالاحتمال أنها ماتت بعد أن قامت عليه مأتماً لمدة سنة،

___________
(1) السيدة سكينة: 137 عن بحار الأنوار عن الكافي.

(2) راجع السيدة سكينة: 135 و137 عن تذكرة الخواص وتاريخ القرماني.

(3) فقد نسب ابن الأثير في الكامل: 3/300 القول ببقائها في كربلاء على قبر زوجها الحسين «عليه السلام» إلى القيل، وهذا نصه: «وكان مع الحسين امرأته الرباب بنت امرئ القيس وهي أم ابنته سكينة وحملت إلى الشام فيمن حمل من أهله، ثم عادت إلى المدينة فخطبها الأشراف من قريش، فقالت: ما كنت لأتخذ حمواً بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبقيت بعده سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً، وقيل إنها أقامت على قبره سنة وعادت إلى المدينة فماتت أسفاً عليه».

(4) راجع الأغاني: 16/150 والسيدة سكينة: 136 عن تذكرة الخواص.

(5) الأغاني 150، ديوان القرن الأول: 2/238.

(265)

 

غير مرجح لأن يكون وفاتها في شهر ربيع الثاني من عام 62هـ، بل يرجح أن يكون في شهر محرم، ولكن  للجمع بين من قال: إنها بقيت على قبره سنة وعادت إلى المدينة وذلك على قول من يرى أن موكب الأسرى رجع بعد سنة أي وصل في ربيع الأول من عام 62هـ، فلا بد من القول بأن وفاتها كانت في ربيع الأول من عام 62هـ، ولكنه غير مختار كما بيناه في محله(1) وقلنا بأنهم رجعوا عام 61هـ إلى المدينة.

وهنا لا بأس بالإشارة إلى أن ظاهر الكلام المتحدثين عن الرباب وابنتها سكينة أنها كانت بكر أولادها حيث إن الحديث يدور دائماً عنهما (الرباب وسكينة) فقط، وما شعر الحسين «عليه السلام» فيهما إلا دليل على هذا المعنى، فلو أن فاطمة كانت أكبر أولادها لكان من المفروض أن يجري الحديث عنها دون سكينة أو على الأقل لتحدثوا عنهما.

نعم إن هذا الاستنتاج في محله، وهي ظاهرة ملفتة للنظر، ولكن سبق وقلنا إن التاريخ أهمل الكثير من جوانب تتعلق بأهل البيت «عليهم السلام» بشكل عام، وذلك إما تعمداً أو تماشياً مع البارز من الأحداث، دون الاكتراث إلى صغائر الأمور، وحتى الحديث عن الرباب إنما جاء عرضاً، إذ المقصود هو السيدة سكينة والذي قام بعض المغرضين من النيل من كرامتها بدس ما لغيرها من سمات إليها للطعن بأهل البيت «عليه السلام» ممن هن سمياتها، ومن هنا فقد تعاظم الحديث عنها فجرى النقاش حول صحة ما نقل فيها وعدم صحتها، فأخذت هذه المناقشة مساحة كبيرة، أفرزت العديد من المعلومات التي وصلتنا، وما هذا لخصوصية في سكينة بل لأنهم لم يجدوا في مثل فاطمة سمياً- على سبيل المثال- ما يمكن حملها على فاطمة، ومن جهة أخرى بالنسبة إلى فاطمة (الكبرى) بالذات فبما أنها لم تحضر معركة الطف فلم تسلط عليها الأضواء بل كادت الأضواء تنطفي بالمقارنة مع شقيقتها سكينة فظلت الأنوار خافتة وسنأتي على بعض التفاصيل لدى ترجمتهما إن شاء الله تعالى.

ولمزيد من الحديث عن السيدة رباب راجع تراجم أولادها الأربعة

__________
(1) راجع باب التحقيق من هذه الموسوعة.

(266)

 

وشقيقتها محياة، وديوان الإمام الحسين «عليه السلام»، ومعجم الشعراء، والسيرة الحسينية، وديوان القرن الأول، وباب الشبهات والردود، وباب التحقيق من هذه الموسوعة.

وأخيراً لا بد أن نسجل هذا الحدث هنا لأنه جدير بالاهتمام رغم أننا سنذكره إن شاء الله في باب السيرة وهو: «إن سعيد بن العاص والي المدينة حين سمع بقتل الحسين «عليه السلام» هدم دار علي بن أبي طالب «عليه السلام» بالمدينة ودار عقيل ودار الرباب زوجة الحسين «عليه السلام» أم سكينة»(1)، وربما لهذا السبب ولغيرها من الأسباب اتخذت من البقيع مكاناً للرثاء لتسمع صرختها على مقتل زوجها وابنها وهدم دارها من مثالب الأمويين بهذه الطريقة، إذ إن البكاء سلاح مبرم في كثير من الأحيان.

_________
(1) راجع لباب الأنساب: 1/351.

(267)

 

(30)

رقية بنت الحسين الهاشمية  

57- 61هـ = 677- 680م

 

       هي رقية بنت الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشية.

       ضبط المفردة «رقية» بضم الراء وفتح القاف وتشديد الياء مؤنث رقي، زنته على زنة المصغر فعيل، إلا أنه ليس كذلك(1) فإن وزنه على فعل وهو وزن سماعي للأسماء المزيدة بحرف واحد بعد لام الفعل والمجانس له، ليكون أصل رقي «رقيي» على زنة فعلل، والرقي بضم الكاف ثم ياء

___________
(1) ومما تجب الإشارة إليه، إنه جاء في كتاب «يتيمة الحسين»: 12 ما نصه: «كلمة رقية كما جاء في اللغة، فهي تصغير راقية بمعنى الارتفاع والسمو، والتصغير هنا للتحبيب»، ونعلق على كلامه، أولاً: إن أهل اللغة لا يقولون ذلك، نعم قالوا بأن رقي بمعنى الارتفاع والسمو، ولكن تكون رقية تصغيرأً لراقية فلا، ثانياً: إن راقية مبالغة لمن يكثر من الرقية بتخفيف الياء وسكون القاف وهي ما تكتب أو تقرأ لدفع شر الهوام وسائر المخلوقات أو الأحداث، ولا يرتبط بالرفعة والسمو، ثالثاً: إن راقية إذا صغرتها حسب رؤية القائل لم يوضح كيف سقط الألف، رابعاً: إن تصغير اسم الفاعل أو ما هو على وزنه يكون فيما نحن فيه كالتالي راقية رويقية، كما تقول في صادق وصادقة: صويدق وصويدقة، حيث تقلب الألف التي ليس أصلها الياء إلى الواو، وقد صرح بذلك ابن عقيل في شرحه على ألفية ابن مالك: 2/485: بقوله «فإن كان ثاني الاسم المصغر ألفاً مزيدة أو مجهولة الأصل وجب قلبها واواً فتقول في ضارب: ضويرب، وفي عاج: عويج»، فالصحيح في راقية حتى إذا كانت بمعنى «رفيعة وسامية» يكون رويقية، وفي راقي رويقي.

(268)

 

مشددة: اسم لموضع كما جاء في اللسان(1)، ولكن جاء في معجم البلدان: إن الرقي: بضم الراء وكسر القاف ثم ياء مشددة: اسم موضع ورد في شعر ابن مقبل(2) من الكامل:

حتى إذا هبطت مدافع راكس            ولها بصحراء الرقي توالي(3)

 

            والرقي: المكسور العين بمعنى الصعود والرفعة، وكثيراً ما يستخدم في الأدب الحديث في الرفعة المعنوية (السمو)، ويصاحب مع التقدم ليقال للأشخاص نأمل لكم التقدم والرقي، كما ينسب الرقي والتقدم إلى البلد، وهو مصدر رقي يرقي من باب علم يعلم أي مكسور العين في الماضي ومفتوحه في المضارع بمعنى صعد وارتفع.

       وأما الرقي بفتح القاف فهو اسم مزيد فيه، وربما كان مقصود صاحبي اللسان والمعجم واحداً إذا قد تفتح القاف وقد تكسر وبالأخص في أسماء المدن والبلدان.

       وعلى أي حال فالمؤنث منه يلفظ بفتح القاف «رقية» على زنة ردينة، وهي كـ«درجة» التي تعني المرقاة التي يتوصل بها إلى سطح البيت(4)، وأما رقية بكسر القاف فلا أصل لها، نعم قد يتلفظها العوام كذلك، وربما يتلفظ الفرس بالكسر أيضاً.

       نعم إذا ثبت أن الرقي بالكسر إسم للذكر من الأشخاص فصح أن تكون رقية بالكسر اسماً للأنثى، ولكننا لم نجد في المعاجم من سمي بذلك، وأما بالنسبة إلى «رقية» بالفتح فأقدم من سمي بذلك على ما وصلنا، هي: أم النبي لوط «عليه السلام» على ما ورد في بعض النسخ، بينما تشير

___________
(1) لسان العرب: 5/294.

(2) ابن مقبل: هو تميم بن أبي بن مقبل العجلاني، ولد في الجاهلية في حدود 44ق.هـ، وتوفي بعد سنة 37هـ، شاعر جاهلي، كان يبكي أهل الجاهلية بشعره، وأدرك الإسلام فأسلم، له ذكر في حرب صفين.

(3) معجم البلدان: 3/62.

(4) معجم الأوزان الصرفية: 193.

(269)

 

بعض النسخ الأخرى إلى أن اسمها «ورقة»(1)، وكانوا في الجاهلية يسمون بها بناتهم ومن تلكن عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رقية بنت عبد المطلب الهاشمية، والتي كانت شاعرة بليغة حيث نظمت في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) شعراً من الكامل:

أبني إني رابـــني حجر          تغدو بكفك حينما تغــــــــــدو

وأخاف أن تلقى غويهم           أو أن يصيبك بعد من تعدو(2)

       وأما بالنسبة إلى ابنة الحسين بن علي «عليه السلام» فإن أرباب الأنساب لم يذكروها ولعل أقدم نص ورد بالتصريح باسمها هو ما نص عليه الحمزاوي(3) المتوفى سنة 1303هـ حيث ذكر ما نصه: «وكانت للحسين بنت تسمى رقية وأمها شاه زنان بنت كسرى خرجت مع أبيها الحسين «عليه السلام» من المدينة حين خرج وكان لها من العمر خمس سنين وقيل سبع سنين حتى جاءت معه إلى كربلاء(4).

       ويذكر أن رقية هذه ماتت في دمشق على تفصيل سنذكره، ولعل أقدم نص حسب ما توصلنا إليه(5) هو ما نص عليه الطريحي المتوفى سنة 1085هـ والذي يذكر قصة وفاة ابنة الحسين «عليه السلام» في دمشق، ولكنه لم يحدد اسمها إذ يقول: روي أنه لما قدم آل الله وآل رسول على يزيد في الشام أرفد لهم داراً وكانوا مشغولين بإقامة العزاء وأنه كان لمولانا الحسين «عليه السلام» بنت عمرها ثلاث سنوات ومن يوم استشهد الحسين ما بقيت تراه فعظم ذلك عليها واستوحشت لأبيها وكانت كلما طلبت يقولون لها غداً يأتي ومعه ما تطلبين،

___________
(1) مجمع البحرين: 5/246.

(2) أعلام النساء: 1/54 عن البيان والتبيين للجاحظ: 4/57.

(3) الحمزاوي: قيل اسمه محمد بن الحسن وقيل محمد حسن وقيل حسن العدوي (1221- 1303هـ) ولد في عدوة- مصر- وتوفي في القاهرة، كان من علماء المالكية ومحدثيهم، ومن المشاركين في علم الفقه والتفسير والحديث وغيرهما، من آثاره: النور الساري، إرشاد المريد، وبلوغ المسرات.

(4) معالي السبطين: 2/214 عن النفحات النبوية في الفضائل العاشورية للشيخ حسن المصري المالكي العدوي.

(5) وسيأتي أن أقدم النصوص هو ما كتب بالفارسية وهو لعماد الدين الطبري في كتاب كامل بهائي حيث توفي بعد عام 697هـ.

(270)

 

إلى أن كانت ليلة من ليالي رأت أباها بنومها فلما انتبهت صاحت وبكت وانزعجت فهجعوها. وقالوا لما هذا البكاء والعويل؟

       فقالت آتوني(1) بوالدي وقرة عيني.

       وكلما هجعوها ازدادت حزناً فعظم ذلك على أهل البيت فضجوا بالبكاء وجددوا الأحزان ولطموا الخدود وحثوا على رؤوسهم التراب ونشروا الشعور وقام الصياح.

       فسمع يزيد صيحتهم وبكاءهم. فقال ما الخبر؟.

       قالوا: إن بنت الحسين الصغيرة رأت أباها بنومها فانتبهت وهي تطلبه وتبكي وتصيح.

       فلما سمع يزيد ذلك قال: ارفعوا رأس أبيها وحطوه بين يديها لتنظر إليه وتتسلى به.

       فجاؤوا بالرأس الشريف إليها مغطى بمنديل ديبقي(2) فوضع بين يديها وكشف الغطاء عنه.

       فقالت ما هذا الرأس؟ قالوا لها رأس أبيك، فرفعته من الطشت حاضنة له وهي تقول:

       يا أباه من ذا الذي خضبك بدمائك؟

       يا أبتاه من ذا الذي قطع وريدك؟

       يا أبتاه من ذا الذي أيتمني على صغر سني؟

       يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه؟

       يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر؟

       يا أبتاه من للنساء الحاسرات؟

       يا أبتاه من للأرامل المسبيات؟

___________
(1) آتوني: أصلها إئتوني صيغة الأمر، وليست صيغة الماضي.

(2) الديبقي: نوع من الأقمشة الفاخرة كانت تصنع في مصر.

(271)

 

       يا أبتاه من للعيون الباكيات؟

       يا أبتاه من للضائعات الغريبات؟

       يا أبتاه من للشعور المنشرات؟

       يا أبتاه من بعدك واخيبتنا؟

       يا أبتاه من بعدك واغربتنا؟

       يا أبتاه ليتني كنت الفدا.

       يا أبتاه ليتني كنت قبل هذا اليوم عميا.

       يا أبتاه ليتني وسدت الثرى ولا أرى شيبك مخضباً بالدماء.

ثم إنها وضعت فمها على فمه الشريف وبكت بكاءً شديداً، حتى غشي عليها، فلما حركوها فإذا بها قد فارقت روحها الدنيا، فلما رأى أهل البيت ما جرى عليها أعلنوا بالبكاء واستجدوا العزاء وكل من حضر من أهل دمشق؛  فلم ير في ذلك اليوم إلا باك وباكية(1).

ومن الملاحظ أنه ذكر قصة وفاة ابنة صغيرة للحسين «عليه السلام» دون أن يذكر اسمها، ولعل أول من حدد اسمها وذكر بأنها مدفونة في حدود هذا المكان المعروف عنها بالشام هو الشعراني(2)  المتوفى سنة 973هـ حيث يقول: وأخبرني بعض الخواص أن رقية بنت الحسين «عليه السلام» في المشهد القريب من جامع دار الخليفة أمير المؤمنين يزيد، ومعها جماعة من أهل البيت وهو معروف الآن بجامع شجرة الدر(3)، وهذا الجامع على يسار الطالب للسيدة نفيسة والمكان الذي فيه السيدة رقية عن يمينه، ومكتوب على الحجر الذي ببابه: «هذا البيت بقعة شرفت بآل النبي وبنت الحسين

___________

(1) المنتخب للطريحي: 140.

(2) الشعراني: هو عبد الوهاب، تقدمت ترجمته.

(3) شجرة الدر: كانت تلقب بعصمة الدين، وتكنى بأم خليل لمكان ولدها الذي مات صغيراً، كانت جارية لملك أيوب الملقب بالملك الصالح، تولت الحكم بعده على مصر سنة 647هـ وحتى مقتلها عام 655هـ على يد أم علي ضرتها من عز الدين ودفنت بالقاهرة.

(272)