معجم  أنصار الحسين عليه السلام  (غير الهاشميين)  (الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (غير الهاشميين) (الجزء الثاني)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

(15)

بدر بن معقل الجعفي

(ن30- 61هـ = 650- 680م)

 

        هو بدر بن معقل بن جعونة بن عبد الله بن حطيط بن عتبة بن الكداع(1) (معشر) ابن مالك بن عوف بن سعد بن عوف بن حريم بن جعفي(2) الجعفي كما ذكره صاحب الأنساب(3).

        ضبط بدر بفتح الباء وسكون الدال لا خلاف فيه، ومعناه واضح حيث هو القمر في ليلة كماله.

        وأما عن إسمه فقد وقع الخلاف أهو بدر أم هو زيد أم هو يزيد، وقد ذكره صاحب الأنساب بدراً، وفي نسخة من نسخ زيارة الناحية(4) بدراً وفي نسخة أخرى زيداً، والقول بأنه متحد مع يزيد بن مغفل الكوفي والذي يحتمل أنه هو الكلبي الذي نسبه جاء كالتالي: يزيد بن مغفل بن عوف بن عمير بن كلب (كليب) بن ذهل بن يسار بن والبة بن الدئل بن سعد مناة بن غامد (عامر أو عمرو) بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر (شنوءه) بن الأزد، الكلبي الأزدي(5)، قتل أخوه في القادسية وقتل

___________
(1) جاء في قاموس المحيط: 3/80 «الكداع ككتاب جد لمعشر بن مالك بن عوف الذي قتل مع الحسين بالطف »، وعلق تاج العروس: 22/113 وهو غلط والذي قاله الليث: إن الكداع لقب لمعشر المذكور، لا أنه جد له والذي قتل مع الحسين بن علي رضي الله عنهما في الطف من كربلاء إنما هو ولده وهو بدر بن معقل بن جعونة بن عبد الله.

(2) تاج العروس: 22/113.

(3) أنساب الأشراف: 3/198.

(4) راجع إقبال الأعمال: 576 وجاء التسليم عليه في الرتبة 38.

(5) راجع الإصابة: 4/677 و1/579.

(183)

 

يزيد في كربلاء على ما نقله صاحب الإصابة عن المرزباني في معجمه إلا أننا في المطبوع لم نحصل عليه، لأنها نسخة ناقصة، هذا على ما احتمله صاحب الإصابة باتحاد يزيد بن مغفل الكلبي مع يزيد بن مغفل الكوفي، وعدم استشهاده في القادسية بل في كربلاء، وأما كونه زيداً أم بدراً فاحتمال التصحيف وارد.

        وفي جهة أخرى فإنهم اختلفوا في إسم أبيه أهو معقل أو مغفل أو مفضل؟ فلابد من التحقيق عنه، فقد ورد في زيارة الناحية «معقل» وفي الإصابة «مغفل »  كما في الأنساب ولو قلنا باتحاده مع يزيد، فقد ورد في الزيارة الرجبية منذر بن المفضل الجعفي(1) فهل يا ترى هو بدر أم لا؟ إن التصحيف بين بدر وزيد ومنذر ممكن كما أن التصحيف في إسم الأب ممكن، وأما اللقب فواحد حسب هذه الاحتمالات، والانتماء إلى جعفي بن سعد العشيرة بن مالك (مذحج) بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان(2).

        ومن هنا فلا يمكن القول باتحاد الجعفي مع الكلبي الذي احتمل صاحب الإصابة مع يزيد  الأزدي الكلبي، نعم ما أورده عن معجم الشعراء يزيد بن مغفل الكوفي ممكن لأن بني جعف سكنوا الكوفة.

        هذا وقد ذكر من أورد إسمه رجزاً عينياً له جاء كالتالي:

انا ابن جعفٍ وأبي الكداع

وفي يميني مرهــف فزاع

ومازن ثعــــــــلبه لماع(3)

        ولا يخفى أن هذا الرجز قريب من الرجز الذي ينسب إلى عمرو بن أبي مطاع الجعفي:

انا ابن جعفي وابي مطاع

__________
(1) جاء ذكره في الزيارة الرجبية في المرتبة العاشرة.

(2) معجم أنصار الحسين (غير الهاشميين): 1/93.

(3) راجع ديوان القرن الأول: 2/16.

(184)

 

وفي يميني مـــــرهف قطاع

وأســـــــــمـــــر سنانه لماع

يرى له مــــــن ضوئه شعاع

قد طاب لي في يومي القراع

دون حسين ولـــــــه الدفاع(1)

        وهناك أضاف:

يرجى بذلك الفوز والدفاع

عن حر نارٍ حين لا انتقاع

صلى عليه الملك المطاع(2)

        ولا يمكن القول بسبب الأرجاز إنهما متحدان حيث يستبعد جداً التصحيف بين الاسمين بدر بن مغفل وعمرو بن أبي مطاع، كما لا دليل على الاتحاد، ومن هنا فالاتحاد بينهما مرفوض.

        وعلى احتمال استقلاليته فمن المتوقع أن تكون ولادته سنة 30هـ ليكون عمره يوم استشهاده نحو ثلاثين سنة.

        ولنا قصيدة أنشأتها في بدر بعنوان: «هما بدران» بتاريخ: 30/3/1432هـ من بحر المبسوط المقطوع(3):

لا تقل بدراً وقل بــــــــــدران                 برجه شمس لـــــــــــه فصلان

فصله الاسمى ضياءٌ عند الــ         ـمنتدى، لــــــذع على الطغيان

إسمه بدر له في الدنيــــــــــا          طالع يغــــــري هوى الإنسان

معقل ذا والد جعــــــــــــفـي          فاز في المأوى وبالرضوان(4)

__________
(1) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/18.

(2) راجع ديوان القرن الأول: 2/13.

(3) وزنه: فاعلن، مستفعلن، مفعولن ×2.

(4) الرضوان: رضا الله ولطفه، سبحانه وتعالى.

(185)

 

فضل التقوى على ذل المســ          ــرى وأهوال البلا نوعـــان(1)

بالردى جاروا عليه ظلمــــا           من عطاشى كربلا الأحزان(2)

صابهم بالرمح طراً حيــــــ           ـناً وبالموســـى كما الأردان(3)

لم يكن غراً ولكن شــــــهماً           غالهم عند الرد والخـــــسران

لا تقل: غمراً فقط بل صلداً           إذ وقى الإسلام بالقربـــــان(4)

هكذا كانوا على من جاروا           إنهم مالوا مع الـــــشــــيطان

_________
(1) النوعان: بلاء العطش، والقتل.

(2) جاروا: اعتدوا، وعتوا.

(3) الأردان: الردن: صوت السلاح.

(4) الغمر: الواسع الخلق.

القربان: ما يتقرب به إلى الله تعالى.

(186)

 

(16)

برير بن خضير الهمداني

(ق19- 61هـ = 640- 680م)

 

        برير: إسم مصغر من البر وهو المعروف على زنة رجيل.

        وأما بالنسبة إلى همدان فهي قبيلة يمينة معروفة تنتمي إلى همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ويتفرع منها بنو مشرق(1) حيث يصل نبسهم إلى مشرق بن زيد بن جشم بن حاشد بن خيوان بن نوف بن همدان.

        وأما نسب برير إلى مشرق فلم نتمكن من الحصول عليه.
        وفي إسمه وإسم أبيه خلاف لعله جاء من التصحيف، ولكن المتداول والمعروف بين الأوساط الخاصة هو برير بن خضير، ولكن هناك من ذكره برير بن حفير كما في البحار(2).

        وقد ورد ذكره في الزيارة الرجبية(3) وتاريخ الطبري(4) والفتوح(5) ومناقب ابن شهرآشوب(6) والملهوف(7) والمثير(8) ومقتل الخوارزمي(9)
____________

(1) وصف بالمشرقي كما في الحدائق الوردية: 8- 25 بناء على أن برير بن حصين تصحيف لبرير بن خضير، وإلا فلا دليل على أنه مشرقي.

(2) بحار الأنوار: 45/15.

(3) جاء السلام عليه في المرتبة السابعة.

(4) تاريخ الطبري 3/317، ولكنه ذكر أبيه «حضير» بالحاء المهملة.

(5) الفتوح: 5/171 وفي هامشه برير بن حصين.

(6) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/100 بإسمه المشهور برير بن خضير الهمداني.

(7) الملهوف: 160، بإسمه المشهور.
(8) مثير الأحزان: 54، بإسمه المعروف.

(9) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/12، بإسمه المشهور.

(187)

 

والأنساب(1) والحدائق(2) وأمالي الصدوق(3) والإرشاد(4) وروضة الواعظين(5) وروضة الشهداء(6) والكامل(7) والإكمال(8).

        من المستغرب جداً أن يقال بأن يزيد بن الحصين المشرقي تصحيف لبرير بن خضير الهمداني المشرقي لأنه بحاجة إلى القول بتصحيفين، تصحيف في أسمه وآخر في إسم أبيه، ولربما كانا شخصين أحدهما برير بن خضير الهمداني، والآخر يزيد بن الحصين المشرقي ليكون المشرقي بالنهاية همداني، ومن ذكر برير بن الحصين فهو أقرب إلى يزيد بن الحصين من حيث التصحيف، والأنكى من ذلك القول بأن يزيد بن عبد الله المشرقي(9) هو تصحيف لبرير بن خضير.

        هذا وتحدث الفتوح(10) عن مواقفه في كربلاء حيث يقول ما نصه:

        «أرسل إليه- عمر بن سعد- الحسين «عليه السلام» بريرا، فقال برير: يا عمر بن سعد أتترك أهل بيت النبوة يموتون عطشا وحلت بينهم وبين الفرات أن يشربوه وتزعم أنك تعرف الله ورسوله؟ قال: فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى الأرض ثم رفع رأسه وقال: إني والله أعلمه يا برير علما يقينا أن كل من قاتلهم وغصبهم على حقوقهم في النار لا محالة، ولكن ويحك يا برير أتشير علي أن أترك ولاية الري فتصير لغيري؟ ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك أبداً، ثم أنشأ يقول:

____________
(1) أنساب الأشراف: 3/191، بإسمه المشهور.

(2) جاء في الحدائق الوردية: 1/250 باسم برير بن حصين المشرقي، وجاء في التسمية: 156 بدله يزيد بن عبد الله المشرقي، وقال بعضهم: إنه تصحيف لبرير بن خضير المشرقي.

(3) الأمالي للصدوق: 136، وفي نسخة منه بدير.

(4) الإرشاد: 2/95، بالاسم المشهور.

(5) روضة الواعظين : 187 بإسمه الكامل.

(6) روضة الشهداء: 333 بإسمه الكامل.

(7) الكامل في التاريخ: 3/289، بإسمه المشهور.

(8) الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف: 1/257، أورده بإسمه الكامل.

(9) التسمية: 156.

(10) الفتوح: 5/171.

(188)

 

دعاني عبيد الله من دون قومه                إلى خطة فيها خرجت لحيني

        الأبيات(1)، وهي من الطويل.

        فرجع برير بن خضير إلى الحسين «عليه السلام» فقال: «يا بن بنت رسول الله إن عمر بن سعد قد رضي أن يقتلك بملك الري ».

        وجاء في الفتوح(2) أيضاً:

        «وجاء الليل فبات الحسين في الليل ساجداً وراكعاً مستغفراً يدعو الله تعالى وله دوي كدوي النحل. قال: وأقبل الشمر بن ذي الجوشن- لعنه الله- في نصف الليل ومعه جماعة من أصحابه حتى تقارب من عسكر الحسين، والحسين قد رفع صوته هو يتلو هذه الآية (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم)(3)- إلى آخرها. فصاح لعين من أصحاب شمر بن ذي الجوشن: نحن ورب الكعبة الطيبون، وأنتم الخبيثون وقد ميزنا منكم، فقطع برير الصلاة(4) فناداه: يا فاسق! يا فاجر! يا عدو الله! أمثلك يكون من الطيبين! ما أنت إلا بهيمة لا تعقل، فأبشر بالنار يوم القيامة والعذاب الأليم، فصاح به شمر بن ذي الجوشن- لعنه الله- وقال أيها المتكلم! إن الله تبارك وتعالى قاتلك وقاتل صاحبك عن قريب!

        فقال له برير: يا عدو الله! أبالموت تخوفني، والله لا ينال شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قوم أراقوا دماء ذريته وأهل بيته(5) وأقبل رجل من أصحاب

_________
(1) راجع تكملة الأبيات في ديوان القرن الأول: 2/245.

(2) الفتوح: 5/179.

(3) سورة آل عمران، الآية: 178.

(4) ربما كان منشغلاً بصلاة الليل أو غيرها.

(5) ورد في تاريخ الطبري: 3/317 كالتالي:

قال أبو مخنف: عن عبد الله بن عاصم، عن الضحاك بن عبد الله المشرقي، قال: فلما أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون، ويدعون ويتضرعون، قال: فتمر بنا خيل لها تحرسنا، وإن حسيناً ليقراً: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين* ما كان الله ليذر المؤمنين عليه ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) [آل عمران: 178- 179] فسمعا رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا، فقال: =

(189)

 

الحسين إلى برير بن خضير فقال له: رحمك الله يا برير! إن أبا عبد الله يقول لك: إرجع إلى موضعك ولا تخاطب القوم، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء فلقد نصحت وأبلغت في النصح.

        ثم أورد الفتوح(1) قائلا:

        وأصبح الحسين وصلى بأصحابه، ثم قرب إليه فرسه، فاستوى عليه وتقدم نحو القوم في نفر من أصحابه، وبين يديه برير بن خضير الهمداني، فقال له الحسين: كلم القوم يا برير واحتج عليهم! قال: فتقدم برير حتى وقف قريباً من القوم والقوم على بكرة قد زحفوا اليهم، فقال لهم برير: يا هؤلاء اتقوا الله فإن نسل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أصبح بين أظهركم، وهؤلاء ذريته وعترته وبناته وحريمه فهاتوا ما الذي  عندكم وما تريدون أن تصنعوا بهم! فقالوا: نريد أن نمكن منهم الأمير عبيد الله بن زياد فيرى رأيه فيهم، فقال برير بن حضير: ولا تقبلون منهم إن رجعوا إلى المكان الذي أقبلوا منه يا أهل الكوفة؟ أنسيتم كتبكم اليه وعهودكم الذي أعطيتموها من أنفسكم؟ وأشهدتم الله عليها وكفى بالله شهيدا، يا ويلكم! دعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا أتوا عليكم أسلمتموهم إلى عبيد الله بن زياد وحلتم بينه وبين الماء الجاري! وهو مبذول يشرب منه

______________
= نحن ورب الكعبة الطيبون، ميزنا منكم قال: فعرفته فقلت لبرير بن حضير: تدري من هذا؟ قال: لا، قلت: هذا أبو حرب السبيعي عبد الله بن شهر وكان مضحاكاً، وكان شريفاً شجاعاً فاتكاً، وكان سعيد بن قيس ربما حبسه في جناية فقال له برير بن حضير: يا فاسق، أنت يجعلك الله في الطيبين! فقال له: من أنت؟ قال: أنا برير بن حضير، قال: إنا لله! عز علي! هلكت والله، هلكت والله يا برير! قال: يا ابا حرب، هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبكم العظام! فوالله إنا لنحن الطيبون، ولكنكم لأنتم الخبيثون قال: وأنا على ذلك من الشاهدين، قلت: ويحك! أفلا ينفعك معرفتك! قال: جعلت فداك! فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي من عنز بن وائل! قال: ها هو ذا معي، قال: قبح الله رأيك على كل حال! أنت سفيه. قال: ثم انصرف عنا، وكان الذي يحرسنا بالليل في الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وكان على الخيل، قال: فلما صلى عمر بن سعد الغداة يوم السبت- وقد بلغنا أيضاً أنه كان يوم الجمعة، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء- خرج فيمن معه من الناس.

(1) الفتوح: 4/181.

(190)

 

اليهود والنصارى والمجوس، وترده الكلاب والخنازير، فبئس ما خلفتم محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذريته، ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة! ويلكم هذا الحسن(1) والحسين سيدا أهل الجنة من الأولين والآخرين.

        ثم عندما ذكر مناجزة أنصار الحسين «عليه السلام» قال صاحب الفتوح(2) ما نصه:

        ثم برز من بعده برير بن حضير الهمداني وهو يقول:

أنا برير وأبي حضيــــــــــر

ليس يروع الأسد عند الزير

يعرف فينا الخير أهل الخير

أضربكم ولا أرى من ضير

وذاك فعل من بريــــــــــــر

        ثم حمل فقاتل قتالاً شديداً وهوة يقول: أقتربوا مني يا قتلة المؤمنين! اقتربوا مني يا قتلة أولاد النبيين! اقتربوا مني يا قتلة ابن بنت نبي رب العالمين وذريته الباقين! قال: فحمل رجل من أصحاب عبيد الله بن زياد يقال له بجير بن أوس الضبي فقتله (رحمه الله)! ثم جال الضبي في الصفين وجعل يقول:

        الأبيات من الطويل.

سلى تخبري عني وانت ذميمة               غداة حسين والرماح شوارع(3)

        ثم ذكر من بعد ذلك أن بريراً كان من عباد الله الصالحين، وجاءه ابن عم له يقال له عبيد الله بن جابر، فقال له: ويلك يا بجير! قتلت برير بن حضير فبأي وجه تلقى الله غدا! قال: فندم حين لم ينفعه الندم، ثم أنشأ يقول:

___________
(1) ذكر الحسين جاء في سياق نص الحديث النبوي.

(2) الفتوح: 5/186.

(3) وهناك من ذكر أن الأبيات لكعب بن جابر الأزدي المتوفى سنة 66هـ، كما في معجم الشعراء للمرزباني: 210. وللتفاصيل راجع ديوان القرن الأول: 2/23.

(191)

 

فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم                ولا جعل النعماء عند ابن جابر

        الأبيات(1) وهي من الطويل:

        وجاء في الأنساب(2): «وأمر الحسين «عليه السلام» بفسطاط فضرب فأطلى فيه بالنورة، ثم أتى بجفنة أو صفحة فميث فيها مسك وتطيب منه، ودخل برير بن خضير الهمداني فأطلى بعده ومس من ذلك المسك »(3).

        ثم قال صاحب الأنساب(4): «وكلمهم- أي الأعداء- برير بن خضير وغيره ووعظوهم وذكروا غرورهم الحسين بكتبهم ».

        إلى أن تقول(5): «وبارز يزيد بن معقل برير بن خضير فضرب بريراً

___________
(1) راجع تتمة الأبيات في ديوان القرن الأول: 1/244، وقد نسبها الطبري: 3/323 إلى رضي بن منقذ العبدي رداً على قاتل برير.

(2) أنساب الأشراف: 3/187.

(3) وجاء في تاريخ الطبري: 3/318 ما يلي: قال أبو مخنف: حدثني عمرو بن مرة الجملي، عن أبي صالح الحنفي، عن غلام لعبد الرحمان بن عبد ربه الأنصاري، قال كنت مع مولاي، قم أمر بمسك فيمث في جفة عظيمة أو صحفة، قال: ثم دخل السحين ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة قال ومولاي عبد الرحمان بن عبد ربه وبرير بن حضير الهمداني على باب الفسطاط تحتك مناكبها، فازدحما أيهما يطلي على أثره، فجعل برير يهازل عبد الرحمان، فقال له عبد الرحمان: دعنا، فوالله ما هذه بساعة باطل، فقال له برير: والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً، ولكن والله إني لمستبشر بما نحن لاقون، والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم، ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم، قال: فلما فرغ الحسين دخلنا فاطلينا، قال: ثم إن الحسين ركب دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه، قال: فاقتتل أصحابه بين يديه قتالاً شديداً، فلما رأيت القوم قد صرعوا أفلت وتركتهم. وجاء في مثير الأحزان: 54 ودخل الحسين «عليه السلام» ليصلي وقف على باب الفسطاط برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمان بن عبد ربه الأنصاري فجعل برير يضاحك عبد الرحمان، فقال له: يا برير ما هذه ساعة باطل، فقال برير: والله ما أحببت الباطل قط وإنما فعلت ذلك استبشاراً بما نصير إليه، راجع أيضاً الملهوف: 154، راجع أيضا الكامل لابن الأثير: 3/286 ».

(4) انساب الاشراف: 3/189.

(5) انساب الاشراف: 3/191.

(192)

 

ضربة خفيفة، وضربه برير ضربة قدت المعفر وجعل ينضنض سيفه في دماغه.

        وحمل رضي بن منقذ العبدي بريراً فاعتركا ساعة، ثم أن بريراً صرعه وقعد على صدره، فقال رضي: أين أهل المصارع والدفاع، فحمل كعب بن جابر بن عمرو الأزدي بالرمح- على البرير- فطعنه في ظهره، فلما وجد برير مس الرمح عض أنف رضي فقطع طرفه، وشد عليه كعب فضربه بسيفه حتى قتله.

        فلما رجع كعب بن جابر قالت له أخته بنت جابر: أعنت على ابن فاطمة وقتلت بريراً سيد القراء؟!! لقد أتيت أمراً عظيماً، والله لا لأ أكلمك أبداً ».

        وجاء في تاريخ الطبري(1):

        فلما ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان وسالم مولى عبيد الله بن زياد، فقالا: من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم، قال: فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير، فقال لهما حسين: إجلسا، فقام عبد الله بن عمير الكلبي فقال: يا أبا عبدالله، رحمك الله! إئذن لي فلأخرج إليهما، فرأى حسين رجلا آدم طويلا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين، فقال حسين: إني لأخسبه للأقران قتالا، أخرج إن شئت، قال: فخرج إليهما، فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك، ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن خضير(2)، ويسار مستنتل أمام سالم، فقال له الكلبي: يابن الزانية، وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس، وما يخرج إليك أحد من الناس إلا وهو خير منك، ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد، ثم يقول عن مبارزته:

____________

(1) تاريخ الطبري: 3/321 قال أبو مخنف حدثني أبو جنات.. إلى أن يقول: «ولا يخفى أن الطبري ذكر والده حضيراً بالحاء المهملة ولأجل توحيد السيرة أثبتناه بالخاء المعجمة المنقوطة الفوقانية ».

(2) راجع أيضاً الكامل: 3/289، إلا أن فيه خضير بالخاء المنقوطة فوقانية وليست بالحاء المهملة.

(193)

 

        قال أبو مخنف: وحدثني يوسف بن يزيد، عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس- وكان قد شهد مقتل الحسين- قال: وخرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة وهو حليف لنبي سليمة من عبد القيس، فقال: يا برير بن خضير، كيف ترى الله صنع بك! قال: صنع الله والله بي خيراً، وصنع الله بك شرا؛ قال: كذبت، وقبل اليوم ما كنت كذاباً، هل تذكر وأنا أماشيك في نبي لوذان وأنت تقول: إن عثمان بن عفان كان على نفسه مسرفاً، وإن معاوية بن أبي سفيان ضال مضل، وإن إمام الهدى واحلق علي بن أبي طالب؟ فقال له برير: أشهد أن هذا رأيي وقولي، فقال له يزيد بن معقل: فإني أشهد أنك من الضالين، فقال له برير بن خضير: هل لك فلأباهلك، ولندع الله أن يلعن الكاذب وأن يقتل المبطل، ثم أخرج فلأبارزك؛ قال: فخرجا فرفعا أيديهما إلى  الله يدعوانه أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المحق المبطل، ثم برز كل واحد منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد بن معقل برير بن خضير ضربة خفيفة لم تضره شيئاً، وضربه برير بن خضير ضربة قدت المغفر، وبلغت الدماغ(1)، فخر كأنما هوى من حالق، وإن سيف ابن خضير لثابت في رأسه، فكأني أنظر إليه ينضنضه من رأسه، وحمل عليه رضي بن منقذ العبدي فاعتنق بريراً، فاعتركا ساعة، ثم إن بريراً قعد على صدره فقال رضي: أين أهل المصاع والدفاع؟ قال: فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه، فقلت: إن هذا برير بن  خضير القارئ الذي الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد، فحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره، فلما وجد مس الرمح برك عليه فعض بوجهه، وقطع طرف أنفه، فطعنه كعب بن جابر حتى ألقاه عنه، وقد غيب السنان في ظهره، ثم أقبل عليه يضربه بسيفه حتى قتله، قال عفيف: كأني أنظر إلى العبدي الصريع قام ينقض التراب عن قبائه، ويقول: أنعمت علي يا أخا الأزد نعمة لن أنساها أبداً، قال: فقلت: أنت رأيت هذا؟ قال: نعم، رأي عيني وسمع أذني.

        فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته، أو أخته النوار بنت جابر:

_________
(1) قريب منه في الكامل لابن الأثير: 3/289.

(194)

 

أعنت على ابن فاطمة، وقتلت سيد القراء، فقد أتيت عظيماً من الأمر، والله لا أكلمك من رأسي كلمةً أبداً.

        وقال كعب بن جابر:

سلي تخبري عني وأنت ذميمة               غداة حسينٍ والرماح شوارع

        .... الأبيات(1)

        والحاصل عما ورد في سيرة برير بن خضير المشرقي الهمداني بعد الاعتماد على ما تقدم من ضبط إسمه وإسم أبيه وانتمائه(2) وأنه كان زاهدا عابداً وسيد القراء في الكوفة(3).

        كان برير مع ركب الحسين «عليه السلام» منذ أن جعجع الحر بأبي عبد الله الحسين «عليه السلام» وذلك يوم الخميس 24/12/60هـ قبيل ذي حسم  حيث جعجع الحر بن يزيد الرياحي بالحسين «عليه السلام» وركبه فكان له مقالة وخطبة أبدى فيها عن ولائه للإمام الحسين «عليه السلام»(4).

        أرسل الحسين «عليه السلام» بريراً كرسول إلى عمر بن سعد الزهري، وقد أتم الحجة عليه(5).

        كما رد ليلة عاشوراء على ابي حرب عبد الله بن شمر (سمير) السبيعي عندما أساء إلى الإمام(6) تولى حراسة فسطاط الحسين «عليه السلام» عندما استحم الإمام «عليه السلام» صباح يوم عاشوراء وذلك بالمشاركة مع عبد الرحمان بن عبد ربه الخزرجي ودار بينهما نقاش، واستحم هو بعد الإمام الحسين «عليه السلام» بفاضل النورة والمسك الذي استخدمه الإمام «عليه السلام»(7).

__________
(1) راجع ديوان القرن الأول: 2/23.

(2) الكامل في التاريخ: 3/286، وقد تقدم مدى الاختلاف في إسمه وإسم أبيه.

(3) راجع مثير الأحزان: 61، والملهوف: 160.

(4) راجع الملهوف: 139، وتاريخ الطبري: 3/307.

(5) راجع الفتوح: 5/171، وفي مطالب السؤل: 36، وكشف الغمة: 2/259، وفيهما أنه طلب من الإمام الحسين «عليه السلام» أن يتكلم عمر بن سعد بشأن الماء.

(6) راجع تاريخ الطبري: 3/317 والفتوح: 5/179.

(7) راجع تاريخ الطبري: 3/318 ومثير الأحزان: 54 والكامل لابن الأثير: 3/286.

(195)

 

        أمر الإمام الحسين «عليه السلام» أن يتكلم الأعداء بعدما انتهى من كلامه معهم(1).

        طلب يسار مولى زياد بن أبيه ان يبارز بريراً أو حبيب بن مظاهر ولكن الامام منعهما وبرز إليه.

        عبد الله بن عمير الكلبي فأراده قتيلاً(2).

        باهل يزيد بن معقل الربيعي ثم برز إليه وقتله(3).

        طعنه كعب بن جابر الأزدي وقتله رضي بن منقذ العبدي(4).

        عوتب كعب على فعلته في برير فنظم بعض الأبيات(5).

        كان خالاً للراوي أبي إسحاق(6) السبيعي(7) كما في الأمالي للصدوق(8).

____________

(1) راجع الفتوح: 5/181، تسلية المجالس: 2/272، وعنه بحار الأنوار: 45/5، وجاء في فرسان الهيجاء: 1/43 «إنه كان جهير الصوت » ولكن لم نجده في المصدرين الذين نقل عنهما.

(2) راجع تاريخ الطبري: 3/321.

(3) راجع الملهوف: 160، ومثير الأحزان: 61، تسلية المجالس: 2/283.

(4) راجع أنساب الأشراف: 3/191 وتاريخ الطبري: 3/321.

(5) راجع تاريخ الطبري: 3/321، وديوان القرن الأول: 2/23.

(6) جاء في رجال الطوسي: 61 «أبو إسحاق الهمداني » من أصحاب الإمام علي «عليه السلام» والظاهر عدم اتحاده مع أبي إسحاق السبيعي حيث أورد في صفحة: 71 في جملة أصحاب الإمام الحسن «عليه السلام» شخصيتين هما: أبو إسحاق الهمداني وأبو إسحاق السبيعي، مما يدل على تغايرهما، وهناك من قال باتحادهما، والله العالم، روى أبو اسحاق عن الإمام السجاد «عليه السلام»- راجع حياته في مستدركات علم رجال الحديث: 8/324.

(7) أبو إسحاق السبيعي: هو عمرو بن عبد الله الهمداني المولود سنة 34هـ والمتوفى سنة 126هـ، وقع في سلسلة رواة الصدوق في أماليه، كما في تهذيب الكمال: 22/102.

(8) أمالي الصدوق: 134 ولكنه ذكره يزيد بن الحصين الهمداني.

(196)

 

        هذا كل ما حصلنا عليه في ترجمة برير من خصوصيات، ولكن ورد في الذخيرة نقاط تفرد بنقلها نذكرها حصراً.

        « قال علماء السير والتراجم: كان برير شجاعاً تابعياً ناسكاً قارئاً للقرآن من شيوخ القراء ومن أصحاب أمير المؤمنين «عليه السلام» وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين.

        وقال المولى خليل القزويني في شرحه على الأصول(1) والعلامة في كتاب إيضاح الاشتباه(2): هو خال أبي إسحاق الهمداني السبيعي- بضم السين المهملة وفتح الباء الموجدة- وسبيع بطن من همدان، له كتب القضايا والأحكام يرويه عن علي بن أبي طالب «عليه السلام» وعن الحسن بن علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وكتابه من الأصول المعتبرة عند الأصحاب.

        وقال حميد بن أحمد في كتاب الحدايق: إنما لما بلغه خبر الحسين بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» سار من الكوفة إلى مكة ليلحق بالحسين «عليه السلام»، فجاء معه إلى كربلاء حتى استشهد بين يديه(3).

        ففي المصدرين ليس لهما ذكر لا للخال ولا لإبن الأخت، ولم يذكر في المؤلفات المختصة بالرجال أن لأبي إسحاق كتاب من الأصول المعتبرة، ومن الواضح أنه لا يصح لأنه يقول إنه يرويه عن أمير المؤمنين «عليه السلام» مع العلم إنه حين وفاة الإمام «عليه السلام» كان عمره ست سنوات.

        وما نقله عن الحدائق الوردية لا وجود له فيها.

        وقوله عند المبارزة: «وهو بتلك الحال يقول: اقتربوا مني يا قتلة

___________
(1) خليل القزويني: هو ان غازي، ولد ونشأ في قزوين، من علماء الإمامية في القرن الحادي عشر الهجري، له الكثير من المؤلفات في الفقه والأصول والحديث والتفسير منها: الحمل، شرح الشمسية، والمجمل، وأما ما ذكر بشرح الأصول فهو شرح عدة الأصول للشيخ الطوسي.

(2) إيضاح الاشتباه هو للعلامة الحلي المتوفى سنة 726هـ لا وجود لذكر برير، ولو بشكل مصحف ولا في إسم أبي إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني، نعم سبق وقلنا إنه موجود في أمالي الصدوق: 134، إن يزيد بن الحصين هو خال أبي اسحاق السبيعي.

(3) لقد نقل إبصار العين: 154 عنه.

(197)

 

المؤمنين، اقتربوا مني يا قتلة أولاد البدريين، اقتربوا مني يا قتلة أولاد رسول رب العالمين وذريته الباقين، فلم يزل يقاتل حتى قتل من القوم ثلاثين رجلاً سوى من جرح » ولكن الأعيان(1) نقله عن المثير(2)  ولم نحصل عليه.

        لم نحصل على مصدر له، ولذلك علق المحقق بقوله «من المؤلف».

        وجاء في الأعيان(3) نقلاً عن كتاب بعض من عاصره(4): «أن لبرير كتاب القضايا والأحكام» الظاهر أن صاحب الذخيرة قصد ابا أسحاق السبيعي وليس بريراً وقد سبق وقلنا أن ليس للسبيعي كتاب على ما حققناه.

        وأما عن عمر برير بن خضير الهمداني، فقد ورد في الوسيلة(5) أنه قال: «قتل وله من المر تسعون سنة » والظاهر أنه نقله من الفرسان(6) والذي هو في الواقع ترجمة له في الغالب، حيث أورد لدى ترجمة أبي إسحاق السبيعي والذي خاله برير بأن له تسعين سنة حيث قصد بذلك أبا إسحاق وليس بريراً، وصاحب الوسيلة أوقعنا في الخطأ حيث نقلنا فيما سبق أن عمر برير حين استشهد كان تسعين سنة.

        وليس لدينا ما يؤكد عمره بعدما عرفنا أن ما قيل عن سيرته لم يثبت فالمعتمد على كونه خالاً لابن إسحاق، والذي ورد في ولادته قولان، قول

_________
(1) أعيان الشيعة: 3/562.

(2) مثير الأحزان: 61 لا وجود له هنا، ولكن ورد في تسلية المجالس: 2/283.

(3) أعيان الشيعة: 3/562.

(4) أراد به على الظاهر ذخيرة الدارين: 459.

(5) وسيلة الدارين: 110.

(6) راجع فرسان الهيجاء: 1/39 هامشه على المشرقي، إذ نقل ترجمة أبي إسحاق السبيعي عن مجمع البحرين: 3/414. قائلا: «وعمرو بن عبد الله السبيعي، روى محمد بن جعفر المؤدب أن أبا اسحاق وإسمه عمرو بن عبد الله السبيعي صلى أربعين سنة صلاة الغداة بوضوء العتمة، وكان يختم القرآن في كل ليلة ولم يكن في زمانه أعبد منه ولا أوثق في الحديث عند الخاص والعام، وكان من ثقات علي بن الحسين «عليه السلام»، وولد في الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين «عليه السلام» وله تسعون سنة، وهو من همدان».

(198)

 

ذهب إليه صاحب المجمع أنه ولد ليلة التي قبض بها علي «عليه السلام» أي في ليلة 21/ رمضان/40هـ وتوفي سنة 196هـ، وقول آخر أورده صاحب الوفيات(1) أنه ولد لثلاث سنين بقين من خلافة عثمان وتوفي سنة تسع وعشرين ومائة أو سبع وعشرين أو ثمان وعشرين لتكون ولادته سنة 33هـ.

        فإذا كان خاله برير قد قتل سنة 61هـ وولادته سنة 33هـ على أكثر التقادير فعلى الأعم الأغلب أن أمه كانت من أقران أخيها برير، كما أن الغالب أيضا أن الولادة تكون بعد الرابعة عشرة من العمر، واعتماداً على هذا الاحتمال فإن ولادته لا تتأخر عن السنة التاسعة عشرة للهجرة، لا كما كان عمره يوم استشهاده تسعين سنة، والله العالم بحقائق الامور، وإذا تحقق أنه ولد قبل سنة 19هـ فإنه يصح قول من ذهب إلى أنه كان من أصحاب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»(2) بل والحسن والحسين «عليه السلام».

        وجاء رثائه ومدحه في القصيدة التالية التي انشأتها بتاريخ: 9/6/1433هـ من بحر المصفى بعنوان: «الشيخ الجليل»:

شيخ جليل واســـــــــمه برير         همدان هــــذا جـده هزبر(3)

ذا مشرقي في الهوى حسينيــ         ـي قارئ للـــذكر مسجئر(4)

والى عليا في الحــيا، ونجليــ         ـه بعده هدياً كمـا خضير(5)

ذا والد منه جرى الــــفتى في         ود الألى من حبهم قمطر(6)

قد كان في كوفان ســـــيداً في        أقوامه هذا هو الصــبطر(7)

_____________

(1) وفيات الأعيان: 3/459.

(2) راجع إبصار العين: 134.

(3) الهزبر: الأسد.

(4) المسجئر: الصلب.

(5) خضير: والد برير الهمداني.

(6) القمطر: الموجب للصيانة.

(7) الصبطر: الشديد.

(199)

 

ذا ناسك هاوٍ كلام ربــــي الــ         ـباري بخوفٍ وهو مقشعر(1)

في كربلا أفدى بروحه طـــــو        عا عن إمام وهو مسبــكر(2)

لم يأل جهداً في الوفا وفي إحـ        ـقاق الولا إذ ذاك مستمـــــر

في الحرب صلد حازم منــــه         وجه العدا لاشك مكـــفهـر(3)

ربي حباه جنةً جـــــــــــــزاءً         أوفى لما أبدى كما زهيـر(4)

 

__________
(1) المقشعر: المرتعد خوفاً وفزعاً.

(2) المسبكر: الذي فيه روح الشباب وعنفوانه.

(3) المكفهر: المظلم.

(4) زهير: هو الممدوح.

(200)

 

(17)

بشارة بن مقبل الكوفي

(ن11- 61هـ = 32- 680م)

 

        بشارة: بكسر الباء وفتح الشين والراء تنتهي بتاء مربوطة تعني الخبر المفرح ويجمع على بشائر وبشارات، والبشارة: بفتح الباء الجمال والحسن، والبشارة: بضم الباء ما يعطاه البشير، ولم يتخذ علماً في الجاهلية وأوائل العصر الإسلامي حسب تحقيقاتنا، بينما ورد إسم البشر، وإسم البشير والذي هو من صفات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وبشار، والذي هو إسم علم لبشار بن برد العقيلي (95- 167هـ)، وباشر وبشير مصغراً، كما وضع البشير إسماً للفرس عند بعضهم(1)، وأما بشارة: بالكسر فقد اعتمده المسيحيون من خلفية عقائدية وشاع بينهم هذا الاسم كعلم لعدد من الشخصيات إلا أنها هي الأخرى لم تكن قديمة(2).

        ورد إسم بشارة بن مقبل في الأسرار(3) حيث قال: ثم أن عمر بن ... الكلبي(4) قال: يا بن بنت رسول الله، أتأذن لي بالخروج إليهم؟ وكان رجلاً طويلاً، شديد الساعدين، بعيداً ما بين المنكبين، فقال له الحسين «عليه السلام»: أخرج إن شئت وكان يحسبه من الأقران، فبرز وأمر ابن سعد (لع) أن يبرز له فارسان من عسكره لما رآه، فبرزا إليه وقالا له: من أنت؟ فانتسب إليهما، فقالا له: ما نعرفك، فليخرج لنا زهير بن القين أو حبيب

____________
(1) راجع تاج العروس: 10/196.

(2) راجع بعض من سموا ببشارة في الأعلام للزركلي: 2/52.

(3) أسرار الشهادة: 2/231.

(4) الظاهر أن عمر بن ... الكلبي هو تصحيف لعبد الله بن عمير الكلبي، راجع رجزه في ديوان القرن الأول: 1/59 ليتبين حاله.

(201)

 

ابن مظاهر، أو يزيد بن الحصين، أو بشارة بن مقبل، أو قدامة بن مسلم، فقال لهما الكلبي: يا ويلكما، لا يخرج لحربكم أحد إلا هو كفؤ لكم، فشدا عليه، فنودي إحفظ نفسك منهما، ثم حمل عليهما فقطع واحداً منهما وضرب الآخر على هامته ففلقها.

        يظهر من كلام المبارزين العدوين بأن بشارة كان من أقران زهير بن القين البجلي وحبيب بن مظاهر الأسدي، وبرير- يزيد- بن –خضير- الحصين الهمداني، وقادمة بن مسلم، ولكن لم نجد له ذكراً له ذكراً في سائر المؤلفات والمصادر، والأسرار إنما نقله من نسخة المقتل المنسوب إلى شهاب الدين العاملي المتقدم ذكره في ترجمة إسحاق بن مالك الأشتر، فالنسخة بشكل أساس غير معتمدة بالإضافة إلى أن التسمية بشارة لم تكن دارجة آنذاك، واحتمال التصحيف في إسمه وارد.

        وأخيراً فإن كان له وجود فمن المفترض أنه كوفي وأنه من الشجعان، وقد ارتأينا في فصل شهداء كربلاء(1) أنه من مواليد سنة 11هـ لكون عمره كان في الخمسين عند الاستشهاد، وهذا مجرد احتمال، ولو صح وجوده لعله استشهد في إحدى الحملات التي وقعت يوم عاشوراء، ولكن لا يمكن البت بصحة ما نقل ولكنه مجرد احتمال، والعهدة على الناقل.

        وقد قلت في بشارة على فرض صحة وجوده في كربلاء ومناصرته لأبي عبد الله الحسين «عليه السلام» من بحر المصفى(2) بتاريخ: 29/6/1433هـ وبعنوان: «البشارة»:

في كربلا كان الفتى بشارة           نادى لمن يوفـــي له البشارة(3)

في جنة الخلد التي بها يسـ            ـقى من رحــيقٍ دائم البكارة(4)

من لم يقم بالعهد في ولاءٍ             للمصفطى يقطف بذا الخسارة

_________
(1) راجع أضواء على مدينة الحسين (مبحث الشهداء): 1/78.

(2) وزنه: مستفعلن مستفعلن فعولن ×2.

(3) البشارة: اليمن والبركة والفأل. والأولى تعني الممدوح.

(4) البكارة: الفتوة.

(202)

 

لا خير في دنيا ولا بــدار الــ         ـأخرى فلا تبقى له عـــمارة(1)

في نينوى أفدى بروحـــــه إيـ         ـماناً بأهدافٍ لها صـــــدارة(2)

عند الوغى نادوا له أن اقـــبل        يا من أبوه مقبل خــــــــفارة(3)

إني يسار سالم فبــــــــــــارز         إنا من الأقران في الإشــارة(4)

عبدا زيادٍ نجله فـــــــــــــماتا         لما يكونا من ذوي الحضارة(5)

في جولةٍ أخرى مضى شهيداً         بشار هذا صاحب الإمــــــاره

هذا هو الحر الذي أبـــــى إلا         أن يواسي أسرة الطــــهارة(6)

_________
(1) العمارة: البنيان والعروش.

(2) الصدارة: الأولوية والأهمية.

(3) مقبل: أبو بشارة.

    الخفارة: المجير والحامي.

(4) يسار وسالم: كلاهما مولى عبيد الله بن زياد.

    الأقران: الأمثال والنظراء.

(5) نجله: أراد به عبيد الله بن زياد بن أبيه، وعبدا تثنية عبد، حيث يسار وسالم.

(6) يواسي: واساه في حزنه، شاركه وعزاه.

(203)

               

 

 

(204)

 

(18)

بشير بن عمرو الحضرمي

(ق20- 61هـ = 640- 680م)

 

        النسب: بشير بن عمرو بن الاحدوث الحضرمي الكندي، حيث يصل نسبه إلى جده الأعلى كندة (ثور) بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب الثاني بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب الأول بن يعرب بن قحطان.

        هذا ولم يثبت لدينا كون جده  الاحدوث ولا نعلم من أين أتى به صاحب الذخيرة(1)، والظاهر أنه هو أول من ذكر ذلك، وقد نسبه إلى الاستيعاب، ولكن لم نجد له ذكراً في الاستيعاب، لا في مفردة بشر ولا في بشير، وقد نقل الإبصار(2) عن التنقيح(3) دون تحقيق، ومنه نقل الأعيان(4)، وقد أنكر صاحب القاموس(5) على التنقيح لدى ذكره قائلا: «من أين زاد إبن الاحدوث » ولعله رأى ذلك في زيارة الناحية بعدما نقل بفاصلة أسماءً كثيرة «السلام على عمر بن الاحدوث الحضرمي » فزعن أن هذا ابن ذاك لكنه غير معلوم، ثم من أين زاد الكندي؟».

        اللقب: الكندي الكهلاني القحطاني الحضرمي اليمني الكوفي، وإنما لقب بالحضرمي نسبة إلى المكان حضرموت لا إلى القبيلة حضرم(6) إذ لا

___________
(1) ذخيرة الدارين: 332.

(2) إبصار العين: 188.

(3) تنقيح المقال: 1/173.

(4) أعيان الشيعة: 3/575.

(5) قاموس الرجال: 2/336.

(6) راجع معجم أنصار الحسين (غير الهاشميين): 1/105.

(205)

 

يمكن الجمع بين كونه حضرميا كمكان، وبين كونه حضرمياً كقبيلة(1).

        الكنية: أبو محمد.

        ضبط الاسم: قبل إسمه بشر بكسر الباء وسكون الشين والتي تعني البشارة وما يوجب الفرح والمسرة، وقد تسمى بذلك عدد من الآباء الجاهليين، ذكره بهذا الضبط بعض المتأخرين كالأعيان(2) والإبصار(3) والتنقيح(4) وكذا جاء في زيارة الناحية(5)، وهناك من ضبطه بشير على زنة أمير(6) ويأتي وزن فعيل هنا بمعنى الفاعل كما في قدير بمعنى القادر وهو حامل البشارة، وقد ذكره معظم القدامى على هذا الوزن منهم التسمية(7) والحدائق(8) إلى جانب الزيارة الرجبية(9).

        والظاهر أنه من التصحيف لا التعدد، ولم نجد من ذهب إلى القول بالتعدد ليكونا بشر وبشير أخوين، والله العالم، هذا وقد ذكره بعض الشعراء المعاصرين للنهضة بشراً كما في قول فضل بن عباس المطلبي المتوفى سنة 63هـ من الخفيف(10):

أين عمرو وأين بشر وقتلى           معهم في العراء ما يدفنونا

        وبعضهم ذكره تارة باسم بشر وتارة أخرى باسم بشير كما في الذخيرة(11).

        وما ورد في بعض كتب المتأخرين(12) بأن له ذكر في الإصابة

_________
(1) راجع معجم أنصار الحسين (غير الهاشميين): 1/161.

(2) أعيان الشيعة: 1/611.

(3) إبصار العين: 188.

(4) تنقيح المقال: 1/173.

(5) الإقبال: 573، وذلك في المرتبة السادسة.

(6) وجاء في الطبري بشير كتصغير لبشر.

(7) التسمية: 156.

(8) الحدائق الوردية: 1/251.

(9) الإقبال: 714، في المرتبة 21.

(10) راجع ديوان القرن الأول: 2/202.

(11) راجع ذخيرة الدارين: 322 أورده بشر، وفي 448 بشير، وقد تكرر منه ذلك.

(12) راجع فرسان الهيجاء: 1/49.

(206)