معجم  أنصار الحسين عليه السلام  (غير الهاشميين)  (الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (غير الهاشميين) (الجزء الثاني)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

  

المصادر ذكر لسهل بن حبيب الشهرزوري وحكاياته، مما نرجح أن هناك خلطاً حصل بين الاسمين من جهة وبين المدينتين من جهة أخرى، والله العالم بحقائق الأمور.

        ولنعد إلى الشهرزوري فإن المورد الوحيد الذي ورد فيه اسمه في هذا المقتل هو في مكانين، أولهما في صفحة 90 من طبعة بغداد(1) وثانيهما في صفحة 109(2)، مرة في الكوفة وأخرى في الشام، فجاء في الأولى «سهل الشهرزوري » والتصحيف واضح فيها، وللعلم فإن شهرزور في حلبچة الجديدة، التابعة إدارياً للسليمانية في شمال العراق(3)، والظاهر ضرورة إلغاء إسمه وروايته في الكوفة حيث هو من الخلط.

        وكل من نقل أحداث الشام ذكر سهل بن سعد الساعدي كالقمقام(4) والكامل(5) وغيرهما ممن سبق ولم نجد لسهل بن حبيب الشهرزوري ذكراً، وإن ذكر ففيه من التصحيف الظاهر، وأما بالنسبة إلى الموضوع الثاني وهو نسبة أبيات سليمان بن قتة إلى غيره والتي هي من بحر الطويل وأولها:

مررت على أبيات آل محمد          فلم أرها أمثالها يوم حلت

        والتي اوردناها في ديوان القرون، فهي أحد عشر بيتاً(6)، فإن الخلاف حاصل في قائلها وفي عددها، وفي المناسبة، ومكانها، وحتى لا نطيل الكلام في ذلك فليراجع ديوان القرن الثاني وتفاصيل النظم والناظم،

___________
(1) طبعة بمبي: 48.

(2) طبعة بمبي: 58.

(3) شهرزور: أنشأها زور بن ضحاك، فقيل شهرزور، أي بلد زور، وشهر بالفارسية والكردية بمعنى البلد في العربية- راجع الأنساب للسمعاني: 3/473 ومعجم البلدان: 3/375 ولكننا لم نتمكن من التعرف على شخصيته أكان عصره قبل مجزرة كربلاء أم لا؟ وعليه يمكن البناء على أن البلدة إن كانت المستحدثة فيكون عندها إسم الشهرزوري مقتحماً أو تصحيفاً.

(4) القمقام الزاخر: 2/165.

(5) كامل البهائي: 2/296.

(6) راجع ديوان القرن الثاني: 51- 55.

(136)

 

وبالأجمال قيل إن هذه الأبيات أو قسماً منها لأحد الشعراء التالية أسماؤهم:

        1- سليمان بن حبيب بن محارب القرشي العدوي الخزاعي مولى بني تميم والمشهور باسم أمه قتة، ولقب بالهاشمي لانقطاعه إلى بني هاشم والمتوفى سنة 126هـ، أنشأها على قبر الإمام الحسين «عليه السلام» في اليوم الثالث من استشهاده(1)، ومن المفترض أن تكون ولادته على أقل التقادير قبل سنة أربعين من الهجرة.

        2- عمير بن مالك الخزاعي المكنى بأبي الرميح المتوفى سنة 100هـ.

        3- تيم بن مرة التيمي(2).

        4- دهبل بن وهب الجمحي المتوفى سنة 63هـ.

        5- إبراهيم بن هرمة القرشي المتوفى سنة 176هـ.

        6- وهب بن زمعة الجمحي المتوفى سنة 63هـ.

        7- الهاتف أو الجن أو الرؤيا، أيام استشهاد الإمام الحسين «عليه السلام».

        وهناك توصلنا إلى أن هناك خلط حصل بين أشعار ابن قتة وأبي الرميح الخزاعي بل وغيرهما من قبل الرواة والمحدثين.

        وأما مسألة الجن فقد حللناه في باب شعر الهاتف والجن، إلا أن الشعراء كانوا يخافون سلطان بني أمية فكانوا ينظمون الشعر وينسبونه إلى الجن، أو أنهم يسردونه في البراري ليسمعوه الآخرين دون أن يظهروا، بل يسمعون صوتاً فينسبون ذلك إلى الجن، وهناك رجحنا أن تكون بعض الأبيات لابن قتة، وبالفعل وقف على قبر الحسين «عليه السلام» في اليوم الثالث من استشهاده وأنشدها هناك.

__________
(1) راجع ترجمته في معجم الشعراء حرف السين (مخطوط).

(2) وهذا لا يصح لأنه أب جاهلي وهو تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر العدناني، والصحيح أنها لإبن قتة والذي كان مولى لبني تيم بن مرة.

(137)

 

        وقد سبق وذكرنا وجوهاً ثلاثة لفهمنا لنص الناقد، منها أن أبا مخنف نسب أبيات ابن قتة إلى سهل.

        فنقول: إن هذا لم يقصده أبو مخنف في نسخة المقتل المنسوب إليه ذلك، بل الظاهر أنه يريد نسبة الأبيات إلى الشيخ الذي التقاه سهل والذي لم يحدد لنا شخصيته.

        والوجه الثاني في فهمنا لنص الناقد أنه نسب نقل هذه الأبيات والتي هي لإبن قتة وروايتها إلى الشيخ الذي التقاه سهل في الكوفة، بمعنى أن الشيخ أنشد أبيات ابن قتة ورواها سهل.

        وهذا لا قدح فيه إلا من باب الاستغراب وهو كيف حصل على هذه الأبيات، وسنجيب عن ذلك.

        والوجه الثالث أن هذه الأبيات هي لإبن قتة أنشأها على قبر الإمام الحسين «عليه السلام»، فكيف أنشأها الشيخ أو رواها سهل في الكوفة.

        والجواب أن المروي: أن ابن قتة وقف على قبر الإمام الحسين «عليه السلام» يوم الثالث من استشهاده ونظم الأبيات، ثم شاعت بين بعض الموالين لأهل البيت «عليه السلام»، وكان الشيخ من أولئك الموالين فأنشدها عند لقائه سهلاً، حيث أن الركب السجادي بقي في الكوفة إلى يوم الأحد 19/1/61هـ(1)، وفي ذلك سعة لنقل ما أنشده ابن قتة على مرقد الإمام الحسين «عليه السلام» في اليوم الثالث من استشهاده، أي اليوم الذي دفنت فيه الأجد        وأما الوجه الرابع، أن عصر ابن قتة متأخر عن عصر نقل الأبيات ونظمها.

اث بإمرة الإمام السجاد «عليه السلام» ومعاونة جماعة من بني أسد في الغاضرية، ولعل هؤلاء هم الذين نقلوا الأبيات وسربوها إلى الكوفة.

        والجواب عن هذا تبين مما تقدم، وأن ابن قتة توفي سنة 126هـ وإذا كان له من العمر يوم استشهاد الإمام «عليه السلام» عشرون سنة فمعنى ذلك أنه عاش

_____________                                                            

(1) راجع تاريخ المراقد: 5/92.

(138)

 

86 سنة وهذا عمر طبيعي، وقد سبق وقلنا إنه وقف على قبر الإمام في اليوم الثالث من استشهاده، هذا إذا كانت الأشعار لإبن قتة.

        وأخيراً هناك روايات أخرى حول نسبة الأبيات إلى شعراء آخرين، ربما أنشدوها في الكوفة مباشرة كأبي رميح الخزاعي، والله العالم بحقائق الأمور.

        وأما النقد الأخير وهو نسبة أخبار الشام إلى سهل الشهرزوري فهو من الخلط والتصحيف الذي يحصل كثيراً في النقل والنسخ والطبع.

        19- لم نفهم سبب النقد في نسبة القصيدة النونية المحتوية على أكثير من ثلاثين بيتاً إلى الإمام الحسين «عليه السلام»، هل لأجل ركاكة صياغتها أم لكثرتها، والقصيدة أول أبياتها على ما هو معروف.

«كفر القوم وقدماً رغبوا              عن ثواب الله رب الثقلين»

        القصيدة من بحر الرمل والذي دخل على بعض تفعيلاته الخبن فتحولت «فاعلان» إلى «فعلاتن» وقد دخلها أحياناً الخبن فتحولت «فاعلاتن» إلى «فعلن» وهي ليست بأرجوزة كما ذكر الناقد.

        إن القصيدة ليس فيها ركاكة، والكثرة لا تعد من العيب وقد بلغت مع دمج النسخ بعضها مع الآخر ستة وخمسين بيتاً، ولم ينفرد بنقلها أبو مخنف(1) بل إن معظم المصادر(2) من الفريقين نقلوها.

        كما لا ندرك معنى اعتراضه على نسبة القصيدة اليائية وهي من بحر الطويل والتي تحتوي على تسعة وعشرين بيتاً إلى عبد الله بن عفيف الأزدي عندما قبض عليه وأوقف أمام ابن زياد؟

_____________
(1) ورد ذكرها في طبعة بغداد: 75، وطبعة بمبي: 40، ونسخة الينابيع: 172.

(2) راجع ديوان الإمام الحسين «عليه السلام»: 4 (مخطوط) نقلاً عن مناقب آل أبي طالب لإبن شهرآشوب: 4/79، مقتل الحسين للخوارزمي: 2/33، نور العين في مشهد الحسين: 30، الفصول المهمة لإبن الصباغ: 179، كشف الغمة: 2/238، نور الأبصار للشبلنجي: 138، تظلم الزهراء: 205، المنتخب للطريحي: 453، ناسخ التواريخ: 2/268، مطالب السؤل: 72، الاحتجاج: 2/101، أسرار الشهادة: 3/7، والفتوح: 5/211 إلى غيرها.

(139)

 

        هل نقده على كثرتها أم نقده على إمكانية إنشائها أمام عبيد الله بن زياد، وكلاهما مرفوضان، وقد أوردها جمع من المؤرخين(1)، ومن المعلوم أنه ذكر بأنها ثلاثين بيتاً والحال أنها تسعة وعشرون بيتاً وأولها:

صحوت وودعت الصبا والغوانيا            وقلت لأصحابي أجيبوا المناديا(2)

        ولعله اعتبره منفرداً في النقل فرفضه، وأنت تعلم موقفنا من مسألة التفرد.

        20- ووردت بعض المفردات التي اعتبرها من الاستخدام الدارج الذي لم يكن متعارفاً آنذاك، وقد أجبنا على جميعها في حديثنا السابق.

        وبما قدمناه من الرد ومناقشة ما أورده الناقد يتبين لنا أنه لا يمكن إلغاء النسخة بمجرد وجود بعض الثغرات وإلا لوجب إلغاء الكثير من المصادر التي هو يستند عليها.

        وبالعودة إلى أسد الكلبي فإننا احتملنا أنه نجل حارثة، لعدم وجود غيره ممن يمكن نسبتها إليه، ولا نظن أن له علاقة أخوة بينه وبين زيد بن حارثة(3) الذي تبناه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي عين ابنه أسامة قائداً للجيش الذي أراد أن يرسله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الأردن لمقارعة الدولة البيزنطينية، فإن أسداً اسدي وهذا كلبي، وهما لا يجتمعان.

        واليك قصيدة في مدحه والثناء عليه بعنوان : «أسد الطفوف» من بحر الكامل(4) التي أنشأتها في 30/1/1438هـ:

أسد فدى بفؤاده حجج العلا           وبنينوى رصد ابن حارثة البلا(5)

_____________
(1) أسرار الشهادة: 3/271، وقد نقلها عنه فلا يعد إضافة على ما تقدم، ناسخ التواريخ: 3/70، ولعله نقلها من مقتل أبي مخنف فلا يعد اضافة على ما تقدم.

(2) راجع ديوان القرن الأول: 2/279.

(3) زيد بن حارثة الكلبي: هو حفيد شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان الكلبي القضاعي وأخوه جبلة، وأمه سعدى بنت ثعلبة بن عبد بن عامر بن أفلت بن سلسلة بن عمرو الكهلانية القحطانية، ولد زيد بن حارثة سنة 35ق.هـ، وتوفي سنة 8هـ في مؤتة في الأردن شهيداً حيث كان قائداً عسكرياً في هذه المعركة.

(4) وزنه: متفاعلن ×6.

(5) حجج العلا: أراد بهم المعصومين من آل الرسول (ص).

(140)

 

فلقد هوى بمودة رسل الســــــمــا            فمضى إلى رغد النعيم لدى العلـــى(1)

درجاته رفعت لأجل شـــــــهــادةٍ             عظمت معالمها لدى أفق المــــــــلا(2)

شهد الفتى عظم البلا مع الحــسيـ             ـن وآله بسلوكه وبكربـــــــــــــــــلا(3)

أو ليس من شهد الوغى بكرامــة             وفدى بكل نفيسه كسب العـــــــــــلا(4)

ولقد تصارع صحب آل محــــمدٍ             بعبيد هند هم على أسس الـــــــــولا(5)

فتجبرت لرؤى الســــــــــــــــقيـ              ـفة آلهم بهم لسبط محمد فبدى الحلا(6)

أسد الطفوف وفى بحق بني البتو            ل بكربلا فله الثنا ولهم صــــــــــلا(7)

كشف الدجى بنضاله وهوى بــه             الصنم الذي عبدوه في وسط الفـــلا(8)

فله سلام جميع من عرفوا ســبيـ             ـل بني الهدى وتنافسوا لقوى القـلى(9)

__________________

(1) رسل السماء: هم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله.

(2) الملا: سكان السماوات.

(3) أراد ما أصيب بسبب ولائه وما شاهده في كربلاء من الوحشية.

(4) النفيس: الذي لا أغلى منه وأراد به النفس.

(5) هند: أم معاوية وجدة يزيد وزوجة أبو سفيان.

(6) في السقيفة قرروا أن لا تصل النوبة إلى أهل البيت «عليه السلام» في مسألة الخلافة والحكم. والحلا: بثر يخرج بأفواه الأطفال كناية عن سوء الحال في كربلاء.

(7) أسد الطفوف: أريد به الممدوح.

الصلا: النار وأراد به نار جهنم.

(8) الصنم: أراد به الجاهلية المتمثلة في بني أمية وعلى رأسهم معاوية ثم يزيد.

(9) القلى: هامات الرجال.

(141)

 

(142)

 

(8)

أسد بن سماك الخزرجي

(ن11- 61هـ = 632- 680م)

 

        إسمه كما ورد في المصدر: أسد بن أبي دجانة، دون أن يذكر له وصف، وأول من ذكره حسب استطلاعنا هو الكاشفي في روضة الشهداء(1)، وفيما يلي ترجمة ما ورد في حقه  ضمن حديثه عن عبد الله بن الحسن السبط «عليه السلام»، ومناجزته مع بختري بن عمرو الشامي بعدما حرضه عمر بن سعد الزهري على قتال عبد الله ومن معه من الحماة فيقول:

        «برز بختري بن عمرو الشامي مع خمسمائة فارس إلى المعركة لمناجزة عبد الله بن الحسن «عليه السلام» وخرج من المعسكر الحسيني محمد بن أنس، وأسد بن أبي دجانة، وپيروزان مولى الإمام الحسن «عليه السلام» لنصرة عبد الله، فخرج پيروزان لمبارزة الشامي فتناجزا- إلى أن يقول- أما أسد بن أبي دجانة عندما وجد پيروزان راجلاً ومحاصراً من قبل الأعداء، ركب فرسه وانطلق نحو المعركة وفك حصاره، ولما اقترب منه قال له: حاول أن تركب على فرسي، ولكنه فجأة حاصرهما الأعداء فترك ابن أبي دجانة پيروزان وأخذ يناجزهم، وإذا بالبختري ظهر من جهة يمينه وطعنه حتى بانت طعنته من الجانب الآخر، وحاول أسد أن يضربه بالسيف إلا أن يداه ما قاومته على ذلك، عندها أجهز عليه أزرق بن هاشم، وضربه بسيفه فارداه قتيلاً » انتهى محل الحاجة.

        وجاء في فرسان الهيجاء(2) لدى حديثه عن أسد الكلبي ما ترجمته:

__________

(1) روضة الشهداء: 396.

(2) فرسان الهيجاء: 1/34.

(143)

 

        « جاء في رياض الشهادة(1) أسد بن أبي دجانة ولم أجد في كتب الرجال غير أبي دجانة الأنصاري والذي إسمه سماك بن خرشة الأنصاري، وهو ليس من قبيلة كلب، وسيرته في كتب الرجال والتاريخ معروفة، حيث شارك في معركة أحد، وقد استشهد في محاربة مسيلمة الكذاب، ولم يعرف أن له ابناً باسم أسدي ».

        هذا كل ما لدينا من معلومات حول أسد بن أبي دجانة بما يتعلق بالمعسكر الحسيني.

        الظاهر(2) أن أبي دجانة إسمه سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة الأنصاري الساعدي، أسلم مع قومه من الأنصار قبل هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة، وشهد مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بدراً وأحداً والمشاهد كلها، فكان من الذين لم يتقاعسوا عن نصرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد، توفي سنة 12هـ في محاربة مسيلمة الكذاب(3).

وأما بالنسبة إلى أبنائه، فقد ورد في رجال الطوسي(4): إسم خالد بن أبي دجانة في أصحاب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»، ولكن ذكر أنه كان من أصحاب بدر، ويقول صاحب القاموس: وكونه من أهل بدر غير معلوم(5) ولكن استشهاد أبيه في سنة 12هـ يلازم عادة أن يكون ابنه خالد من الصحابة، وذلك لأن ولادته لابد وأن تكون في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا إذا قيل إنه كان حملاً أو ولد في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يبلغ، أو أدركه ولم يصاحبه، ولكن من مثله عد من المقاتلين مع علي «عليه السلام» وأبوه استشهد في

___________
(1) رياض الشهادة: 3/161- 162، وهذا الجزء بالخصوص يسمى «رياض الشهادة وكنوز السعادة في مناقب السادة ومصائب الغرر الميامين القادة » وهذا الجزء خاص بالإمام الحسين «عليه السلام».

(2) هناك عدد من الرواة يعرفون بأبي دجانة إلا أنهم متأخرون عن العصر الذي نتحدث عنه وهم بالطبع غير مقصودين.

(3) وجاء في مستدركات علم رجال الحديث: 8/378 أنه بقي مع علي «عليه السلام» في نصرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يهرب كما هرب آخرون.

(4) رجال الطوسي: 40.

(5) قاموس الرجال: 4/98.

(144)

 

سنة 12هـ، يقتضي أن يكون من الصحابة، ومن هنا أورده صاحب أسد الغابة في كتابه هذا الذي خصصه بالصحابة(1)، وهذا ما لا يهمنا إن كان صحابيا أم لا؟ ولكن الذي يهمنا أن نعرف هل لخالد أخ يسمى أسداً أم لا؟

        لقد ذكر صاحب أسد الغابة بأنه شهد مع علي حربه، وقال صاحب الإصابة(2): «ذكر ضرار(3) أيضاً فيمن شهد صفين من الصحابة(4)، وأضاف قائلاً: ومن أحفاد خالد: يحيى بن المنذر بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أبي دجانة المتوفى سنة 152هـ بالمدينة »(5).

        هذا ولم نجد غير سماك مكنى بأبي دجانة، فلا شك أن أسداً إن صح وجوده وحضوره في كربلاء، ونسبته إلى أبي دجانة فإن أسداً هو أخو خالد، وعليه فنسبه يكون كلآتي: أسد بن سماك بن أوس بن خرشة الساعدي الخزرجي، كذا في المصادر ولكن في تاج العروس وصفه بالخزرجي البياضي(6).

        وأقل التقادير بالنسبة إلى ولادته لابد وأن تكون في حدود السنة الحادية عشرة، لأن أباه استشهد سنة 12هـ ليكون عمره في كربلاء حدود الخمسين عاماً، والله العالم.

        وأما مسألة التفرد بالذكر وما إلى ذلك فإننا قد تحدثنا عنها فلا نعيد.

        ولم نجد من إسمه دجانة لتكون كنيته عليه، ويبدو أنه مجرد وصف

___________

(1) أسد الغابة: 2/93.

(2) الإصابة: 1/404.

(3) ضرار: هو ابن صرد التيمي الطحان الكوفي (ق150- 229هـ) كان من الرواة الفقهاء.

(4) وكذلك فعل صاحب المعجم الكبير.

(5) الطبقات الكبرى: 5/462.

(6) تاج العروس: 36/509، وفيه: ساعدة بن كعب، بطن من الخزرج، وهم ساعدة بن كعب بن خزرج، وبياضة بن عامر بطن من الخزرج، وهم بياضة بن عامر بن زريق بن عبد بن مالك بن غصب بن جشم بن الخزرج- راجع معجم قبائل العرب: 1/112، و2/495، ولا يمكن الجمع بين كونه ساعدياً وبياضياً لأن الخزرج له ابن باسم جشم وهو جد بياضة، وأما والد ساعدة فهو كعب وجده الخزرج.

(145)

 

أو كنية، ولا يخفى أن ضبطه بضم الدال وتخفيف الجيم والنون أيضاً على زنة ثمامةٍ، ولعله بمعنى المطر أو المداهنة أو حسن المخالطة.

        وأما بالنسبة إلى الاسم أسد فهو بالتحريك معروف أن المراد به الحيوان الشجاع، ومنذ الجاهلية كانوا يسمون الأبناء بأسماء الحيوانات الضارية تفاؤلاً بأن يكون الأبناء شجعاناً، ومن هنا عرفت قبيلة بني أسد.

        وسيأتي عبد الله بن أبي دجانة، ومن المفترض أن يكون أخاه، وقد ورد ذكره في كتاب روضة الشهداء للكاشفي المتوفى سنة 910هـ، وبذلك يكون بالتالي لأبي جدانة السماك ثلاثة أبناء هم: أسد وخالد وعبد الله، والله العالم.

        وقد قمت برثائه ومدحه بقصيدة من بحر الرجز المخبون المحذوذ(1) بتاريخ: 3/1/1435هـ بعنوان «باراهم الأسد»:

في نينوى باراهم الأسد               يسري ومن أذكاره الصمد(2)

يفري رؤوساً أينعت فلا              يهوى سوى عبدٍ إذا حقد(3)

لا يرتضي إلا بني الهوى             قالوا: كذا أسداً بها حصد(4)

لا ينثني عن كره وهـــ                ــذا وصفه دوماً كذا رصد(5)

مالي أرى نجل الدجانة الـــ           ــأوفى طريحاً في الفلا قصد(6)

ما وثقوا حول اسمه، شهيـــ           ــد الكرب في يوم البلا خمد(7)

في روضة الأنصار قد أتى           في كربلاء حتماً جرى الأسد(8)

_____________
(1) وزنه: مستفعلن مستفعلن فعل ×2.

(2) باراهم: نازلهم وقاتلهم.

(3) أينعت: طابت وحان قطافها.

(4) يرتضي: يقبل.

(5) ينثني: ينعطف.

(6) الطريح: الملقى على الأرض.

(7) الكرب: المصيبة.

(8) الروضة: الجنة والحديقة.

(146)

 

لما أجد ضيراً بذا فمـــا               لم يرتقب ضد إلى الأب(1)

تأريخ شيءٍ يكتفى بما لا              ينتفى عقلاً فيــــــــــعتمد(2)

إلا إذا نفي أتى فــــــــذا               نقض لما فيه رؤى ورد(3)

إن  لم نقم بالأمر هكذا                تلغى عروض جمها ربد(4)

لا شــــــــدة لا زلة بذا                تجري ولا خطء له جلد(5)

___________
(1) الضير: الضرر.

(2) يعتمد: يؤخذ به.

(3) النقض: النفي والإبطال.

(4) جمها: كثيرها.

     الربد: المنع والحبس.

(5) الخطء: ضد الصواب.

    الجلد: المقاومة والصبر.

(147)

 

(148)

 

(9)

أسلم بن عمرو التركي

(ق34- 61هـ = 654- 680م)

 

        أسلم بن عمرو الديلمي التركي.

        أسلم: على زنة أفعل، في الغالب هو وزن أفعل التفضيل فهو بفتح الهمزة وسكون السين وفتح اللام مأخوذ من سلم يسلم بكسر اللام في الماضي وفتحه في المضارع ليكون مأخوذاً من مادة  السلم أو السلامة وهو المحفوظ من الآفة والعيب والمسالم الذي لا يخاف منه أي عدوان، ومؤنثه سلمى، ومن هنا استخدم علماً للرجال والنساء منذ الجاهلية وهو علم لعدد من الأجداد الجاهليين منهم أسلم بن أفصى بن عامر (ماء السماء) والذي هو بطن من خزاعة من القحطانية، وهناك الكثير ممن هم أجداد جاهليون سموا بهذا الاسم(1)، ومن مادة سلم اشتق عدد من الاسماء: سلمان وسليمان وسليم وسلمى وسليمى إلى غيرها.

        وأما بالنسبة إلى من نبحث عنه فقد اختلفوا في إسمه، فقيل هو سليمان أو سليم أو سالم، وسنأتي لدى تشخيصه إلى مناقشة هذا الأمر إن شاء الله تعالى.

        والظاهر أنه لا خلاف في كون أسلم أصله من ديلم، وديلم منطقة في إيران، ولا بد من معرفة ديلم هذه، فهي بفتح الدال وسكون الياء وفتح اللام، منطقة جبلية تقع في مقاطعة گيلان الإيرانية، تقع بين قزوين وگيلان، على مدى التاريخ القديم، كان سكان هذه المنطقة عرفوا بالديالمة، وكانوا بعيدين عن الدين الرباني، ولما انبثق نور الإسلام قام المسلمون بفتحها

____________
(1) جمهرة أنساب العرب لإبن حزم الأندلسي ومعجم قبائل العرب لكحالة.

(149)

 

بعدما فتحوا قزوين، وكانوا عصاة لم يمدوا إلى المسلمين يداً(1) ثم إنهم فتحوها سنة 24هـ(2)، وعموم الناس فيها يتكلمون اللغة التركية المحلية، وهم قوم لهم استقلاليتهم في الآداب والرسوم والغالب على أهلها شعورهم مجعدة وهم أشاوس، وبعد الفتح الإسلامي بفترة غير قصيرة أصبحت معقلاً للاسماعيليين، ولدى النسبة كان يقال لهم ديلمان(3)، وتخرج منها جمع من العلماء(4)، ولكثرة شراستهم قد تطلق المفردة على العدو والأسود، ومن هنا كان يصفون الأعداء اللدودين بالترك والديلم(5).

لغتهم كانت خاصة بهم وهي أقرب إلى التركية لمجاورتها لقزوين وآذربايجان المتحدثتين باللغة التركية، ومن المعلوم أن اللغة التركية لها لهجات بل لها متفرعات، فاللغة التركية الآذرية تختلف عن اللغة التركية الاستنبولية، والترك في إيران تختلف لهجاتهم كما تختلف بعض مفرداتهم مع أقوام أخرى من الأترك، فالتركي الآذري يختلف مع التركي القوچاني وهو مع القزويني والديلمي(6) ومن هنا وصف أسلم بالتركي حيث كان من أتراك ديلم.

حسب ما ورد في المصادر المتاحة لنا أنه كان مولى للإمام الحسين «عليه السلام» ولكن لم نجد في الكتب القديمة إسم أسلم فيها، ولعل أول من ضبطه باسم «أسلم» هو صاحب الذخيرة(7) المتوفى سنة 1345هـ الذي أورد النص التالي:

«ومنهم: أسلم بن عمرو مولى الحسين بن علي «عليه السلام».

قال أبو عبد الله محمد بن يوسف القرشي الكنجي(8) في كتاب كفاية

___________
(1) فتوح البلدان: 313.

(2) فتوح البلدان: 313.

(3) راجع لغت نامه دهخدا: 24/564، معارف ومعاريف: 2/1000.

(4) دائرة المعارف الشيعية العامة: 9/492.

(5) راجع مجموع رسائل الجاحظ: 76.

(6) راجع المدخل إلى الشعر التركي.

(7) ذخيرة الدارين: 467.

(8) القرشي الكنجي: هو محمد بن يوسف بن محمد الشافعي المقتول سنة 658هـ وذلك في 29 رمضان في الجامع في دمشق على حبه لأهل البيت «عليه السلام» من قبل النواصب والموالين لبني أمية، من مؤلفاته: البيان في أخبار صاحب الزمان، وكفاية الطالب.

(150)

 

الطالب(1): ذكر غير واحد من أهل السير والتواريخ، وذكره الحافظ أبو نعيم(2) في كتاب حلية الأولياء(3) قال: كان أسلم من موالي الحسين بن علي «عليه السلام» والمعروف أن الحسين «عليه السلام» اشترى أسلم بعد وفاة أخيه ووهبه لابنه علي بن الحسين «عليه السلام»، وكان أبوه عمرو تركياً، وكان ولده أسلم كاتباً عند الحسين «عليه السلام» في بعض حوائجه، فلما خرج الحسين «عليه السلام» من المدينة إلى مكة كان أسلم ملازماً له حتى أتى معه كربلاء.

        وقال أهل السير وأرباب المقاتل: فلما كان يوم العاشر وشب القتال، إستأذن غلام تركي كان للحسين «عليه السلام»، وكان قارئاً للقرآن فأذن له فجعل يقاتل وهو يرتجز ويقول:

البحر من ضربي وطعني يصطلي

والجو من سهمي ونبلي يمتـــــــلي

إذا حسامي في يميني ينــــــــجلي

ينشق قلب الحاسد المبــــــــجل(4)

        فقاتل حتى قتل من القوم جماعة كثيرة، ثم سقط صريعاً فمشى إليه الحسين «عليه السلام» فرآه وبه رمق يومي إلى الحسين «عليه السلام» فاعتنقه الحسين «عليه السلام» فبكى ووضع خده على خده ففتح عينينه فتبسم وقال: من مثلي وإبن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واضع خده على خدي، ثم فاضت نفسه رضوان الله عليه ».

        والظاهر أن صاحب تنقيح المقال(5) المتوفى سنة 1351هـ نقل منه، ثم أخذ منه صاحب إبصار العين(6) المتوفى سنة 1370هـ وكذلك صاحب

____________
(1) لم نجد في الكفاية أي إسم له بأي شكل من الأشكال لا من قريب أو بعيد.

(2) أبو نعيم: هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الإصفهاني (336- 430هـ)، ولد ومات في إصفهان كان من الحفاظ والرواة، من مؤلفاته: معرفة الصحابة، طبقات المحدثين والرواة، وذكر أخبار إصفهان.

(3) لا وجود لأسلم ولغيره ممن هو قريب منه في الحلية لا من قريب أو بعيد.

(4) راجع ديوان القرن الأول: 2/99.

(5) تنقيح المقال: 1/125.

(6) إبصار العين: 105.

(151)

 

أعيان الشيعة(1) المتوفى سنة 1371هـ ثم آخرون، والنص الذي أورده صاحب التنقيح جاء كالتالي:

        «أسلم بن عمرو مولى الحسين «عليه السلام» من شهداء الطف، وقد ذكر أهل السير والمقاتل أنه «عليه السلام» اشتراه بعد وفاة أخيه الحسين «عليه السلام» ووهبه لإبنه علي بن الحسين «عليه السلام» وكان أبوه عمرو تركياً، وكان أسلم كاتباً عند الحسين «عليه السلام» في بعض حوائجه، فلما خرج الحسين «عليه السلام» من المدينة إلى مكة كان أسلم ملازماً له حتى أتى معه كربلاء، فلما كان اليوم العاشر وشب القتال إستاذنه «عليه السلام» وكان قارئاً للقرآن فأذن له فجعل يقاتل ويرتجز حتى قتل من القوم جمعاً كثيراً قم سقط صريعاً، فمشى إليه الحسين «عليه السلام» فرثاه وبه رمق يومي إلى الحسين «عليه السلام»، فاعتنقه الحسين «عليه السلام» ووضع خده على خده، ففتح عينيه فتبسم، وقال: من مثلي وابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واضع خده على خدي، ثم فاضت نفسه رضوان الله عليه ».

        وجاء صاحب الإبصار(2) فاختصر مقولته ولكنه أضاف: «قال بعض أهل السير والمقاتل: إنه خرج إلى القتال وهو يقول:

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

وكلاهما لم يذكرا مستنداً لكلامهما ومجرد قولهما «وقد ذكر أهل السير والمقاتل» لا يوجب أي حجة لكلامهم ونقلهم، وربما قصدا بذلك ما ورد في الذخيرة، والله العالم.

هذا ومن المعلوم أن الرجز الرائي ليس له، بل للشاب الذي قتل أبوه في المعركة.

ومن الجدير بالذكر أن صاحب الأعيان انتبه إلى ذلك فقال بعد ما نقل ما ورد في الإبصار:

«والبيت المذكور هو مطلع أبيات منسوبة لشاب قتل أبوه في المعركة

____________
(1) أعيان الشيعة: 3/303 إلا أنه انتقد صاحب الإبصار.

(2) إبصار العين: 105.

(152)

 

وكانت أمه معه، وظاهره أنه غير أسلم المذكور، ثم ذكر في واضح التركي مولى الحارث المذحجي السلماني أنه كان غلاماً تركياً شجاعاً قارئاً، قال: والذي أظن أن واضحاً هذا هو الذي ذكر أهل المقاتل أنه برز يوم العاشر وهو يقول: «البحر من ضربي وطعني يصطلي » «البيتان» قالوا: ولما قتل استغاث فانقض عليه الحسين «عليه السلام» واعتنقه وهو يجود بنفسه، فقال: من مثلي وابن رسول الهل واضع خده على خدي، ثم فاضت نفسه (انتهى) ونقول(1) ما ظنه قد ينافي ما ذكره، أولاً من أن الذي جرى له ذلك هو أسلم بن عمرو وليس واضحاً، واحتمال أنهما واقعتان بعيد جداً، على أن البيتين المذكورين نسبهما محمد بن أبي طالب إلى غلام تركي كان للحسين «عليه السلام»، وفي مناقب ابن شهرآشوب كان للحر، والظاهر أنه تحريف، قال: محمد بن أبي طالب، ثم خرج غلام تركي كان للحسين «عليه السلام» وكان قارئاً للقرآن فجعل يقاتي ويرتجز ويقول:

البحر من طعني وضربي يصطلي           والجو من سهمي ونبلي يمتلي

اذا حسامي في يميني يـــــــــنجلي            ينشق قلب الحاسد المبجــــــل

        فقتل جماعة ثم سقط صريعاً فجاء إليه الحسين «عليه السلام» فبكى ووضع خده على خده ففتح عينيه فرأى الحسين «عليه السلام» فتبسم ثم صار إلى ربه (انتهى). فهذا يوشك أن يكون هو أسلم بن عمرو المترجم له وليس واضحاً التركي مولى الحارث كما هو واضح، وفي كتاب في الرجال لبعض المعاصرين(2)- ولم يذكر من أين نقله- أسلم بن عمرو مولى الحسين «عليه السلام» من شهداء الطف، وقد ذكر أهل السير والمقاتل أنه اشتراه بعد وفاة أخيه الحسن «عليه السلام» ووهبه لإبنه علي بن الحسين «عليه السلام» في بعض حوائجه، فلما خرج الحسين «عليه السلام» من المدينة إلى مكة كان أسلم ملازماً له حتى أتى معه كربلاء، فلما كان اليوم العاشر وشب القتال استأذنه في القتال، وكان قارئاً للقرآن، فأذن له فجعل يقاتل ويرتجز حتى قتل من القوم جمعاً كثيراً ثم سقط صريعاً فمشى إليه الحسين «عليه السلام» فرآه وبه رمق يومي إلى الحسين «عليه السلام» فاعتنقه الحسين «عليه السلام» ووضع خده على خده

__________
(1) القول لصاحب الأعيان.

(2) ونظنه قصد تنقيح المقال.

(153)

 

ففتح عينيه وقال: من مثلي وابن رسول الله واضع خده على خدي، ثم فاضت نفسه «انتهى »، ونحن قد راجعنا ما قدرنا عليه من كتب المقاتل والسير فلم نعثر عى ما ذكراه، ولعله زاغ عنهما البصر.

        والذي نستغربه أن صاحب الذخيرة من أين أتى باسم أسلم بن عمرو مع خلو المصادر الأخرى المعاصرة له والسابقة عليه من هذه الشخصية، والأنكى من ذلك تسالم بعض المعاصرين(1) على ذلك حيث ذكر إسمه «أسلم بن عمرو مولى الإمام الحسين » وينسبه إلى مصادر مختلفة(2) لم نجد له ذكر فيها، ويستشف أن المراد بسليمان مولى الحسين «عليه السلام» أنه أسلم، كما يستشف من قولهم: «غلام تركي قارئ للقرآن عارف بالعربية وهو من موالي الحسين » أنه أسلم، ولكن من أين له تطبيقه على أسلم.

        إن موالي الحسين «عليه السلام» على ما ذكر في طيات مختلف المصادر هم: سليمان بن رزين، ومنجح بن سهم، وواضح بن أسلم الرومي، وسليم، وغلام تركي، فكيف يمكن التوفيق بين هذه الاسماء؟

        أما سليمان بن رزين فهو الذي كان رسولاً للحسين «عليه السلام» إلى أهل البصرة وقتل فيها، فلا يمكن الخلط بينه وبين من قتل في كربلاء والذي كثير من المصادر قد سمته أيضاً بسليمان، ولكن هناك اختلاف بين الإثنين، فالأول هو ابن رزين وكان رسولاً للحسين «عليه السلام» إلى أهل البصرة، قبض عليه وقتله ابن زياد يوم الإثنين 30/11/60هـ في البصرة(3)، والثاني هو سليمان المستشهد في كربلاء على يد سليمان بن عوف الحضرمي(4) يوم عاشوراء،

____________
(1) راجع موسوعة أنصار الإمام الحسين: 1/55.

(2) استعان بالمصادر التالية: تسمية من قتل مع الحسين : 152، تاريخ الطبري: 3/343، رجال الطوسي: 74، أمالي ابن الشجري: 1/172، مقتل الحسين للخوارزمي: 2/28، الكامل لإبن الأثير: 3/303، الحدائق الوردية: 1/1/24 ولا وجود لأسلم في هذه المصادر، والموجود في بعضها سليمان.

(3) تاريخ الطبري: 3/280، وابن رزين أمه كبشة جارية للحسين بن علي «عليه السلام» ولكن لم يشخصه بابن رزين، راجع أيضاً مقتل الحسين للخوارزمي: 1/199 وأما ابن نما في مثير الأحزان: 29 لم يذكر اسم رسول الحسين «عليه السلام».

(4) تاريخ الطبري: 3/343، وهكذا ورد في التسمية: 152 وفي الحدائق الوردية: 1/248.

(154)

 

وسيأتي الكلام بالتفصيل عن سليمان بن رزين في محله إن شاء الله تعالى، وسليمان الذي قتل في كربلاء هو الذي عبرت عنه معظم المصادر بأنه غلام تركي من موالي الحسين «عليه السلام» قارئ للقرآن، برز للقتال في كربلاء وقتل وله رجز لامي، وذهب الحسين «عليه السلام» ووضع خده على خده(1).

        وأما واضح فقد خلط المقرم في مقتله(2) بين واضح وأسلم، فقال ما نصه:

        «ولما صرع واضح التركي مولى الحارث المذحجي إستغاث بالحسين «عليه السلام» فأتاه أبو عبد الله واعتنقه فقال: من مثلي وابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واضع خده على خدي ثم فاضت نفسه الطاهرة، ومشى الحسين «عليه السلام» إلى أسلم مولاه واعتنقه وكان به رمق فتبسم وافتخر بذلك ومات » إلا أنه أخذه من المصادر الحديثة السابقة الذكر التي لا يمكن الاعتماد عليها.

        ويذكر أن واضحاً هو ابن أسلم الرومي مولى جنادة بن الحارث السلماني كما في التسمية(3)، وأما منجح فهو ابن سهم، وهو أيضاً أحد الموالي العشرة للإمام الحسين «عليه السلام» كما في التسمية(4) وقاتله حسان بن بكر الحنظلي، وهناك قارب بن عبد الله الدؤلي الديلمي مولى الحسين «عليه السلام» كما في التسمية أيضاً(5) وغيرها، وأما سليم فقد ورد أنه مولى الحسين «عليه السلام» وممن قتل معه، كما في رجال الطوسي(6) وربما هو المقصود من أسلم.

        وهناك سالم إلا أننا لم نجد من قال بأنه مولى الحسين «عليه السلام» بل هو مولى بني المدينة، وقد ورد التسليم عليه في زيارة الناحية(7) كما ورد سالم مولى عامر بن مسلم العبدي.

        وقد وقع التسليم عليه في زيارة الناحية(8) ولربما انقدحت فكرة أسلم

_________
(1) راجع مقتل الحسين للخوارزمي: 2/24.

(2) مقتل الحسين للمقرم: 249.

(3) التسمية: 154.

(4) التسمية: 152، وجاء التسليم عليه في زيارة الناحية برقم: 3، رجال الطوسي: 80.

(5) التسيمة: 152، وجاء التسليم عليه في زيارة الناحية رقم: 2.

(6) رجال الطوسي: 74.

(7) الاقبال لإبن طاوس: 573- 577، وقد جاءت رتبة التسليم عليه في الخمسين.

(8) الإقبال: 573- 577، وقد جاء في المرتبة الرابعة والثلاثين.

(155)