معجم  أنصار الحسين عليه السلام  (غير الهاشميين)  (الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (غير الهاشميين) (الجزء الثاني)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

(115)

الإمام الحسين «عليه السلام»: «مررت على أبيات آل محمد»(1)، وينسب إليه في الشام خبر سهل بن سعد الساعدي باسم: سهل بن سعيد الشهرزوري، فكأنه يحسبه هو!.

        19- وينسب إلى الإمام الحسين «عليه السلام» يوم عاشوراء أرجوزة تشتمل على نيف وثلاثين بيتاً(2)، وإلى عبد الله بن عفيف الأزدي عند عبيد الله بن زياد قصيدة تشتمل على نحو من ثلاثين بيتاً(3).

        20- ويحتوي الكتاب في طياته على كلمات من استعمال المتأخرين من العرب الناطقين باللغة الدارجة، مما لا يناسب أبا مخنف، كقوله فيما سبق من خبر حفر بئر لمسلم: «وأقبل عليهم لعين! وقال لهم... ونطمها بالدغل والتراب... وننهزم قدامه»(4) و «راحت أنصاره»(5) و «يقظانة»(6) و «يتحرش»(7)

        نحن بشكل عام مع ما أورده المحققون في نقض النسخة المتداولة، ولكن هناك بعض الأمور لابد من توضيحها نذكرها تباعاً حسب ما جاء في النص السابق، ولكن الملاحظ أن هناك حملة شعواء بشكل لا يصدق، بل هناك لهجة غير متعارفة لدى أهل التخفيف وصلت إلى حد التحامل اللاذع بشكلٍ غير مألوف، وهذه اللهجة لا تناسب الأعلام الذين ردوا على ذلك، وهذا لا يهم بمقدار ما يهمنا مسألة الموضوعية في النقاش في الرد والقبول، أما بالنسبة إلى البنود التي وردت فنقول:

        1- إن كلمة «قال أبو مخنف» غير موجودة في كل النسخ المتداولة وإنما ظهرت في نسخة العراق، أما في نسخة(8) بمبي المتقدمة عليها والتي

______________

(1) طبعة بغداد: 91، وطبعة بمبي: 49، لا وجود له في نسخة الينابيع.

(2) طبعة بغداد: 75، وطبعة بمبي: 40، وفيها بلغت الأبيات 34 بيتاً، أما في نسخة الينابيع: 2/157 وردت 25 بيتاً.

(3) طبعة بغداد: 121، وطبعة بمبي: 64، لا وجود له في نسخة الينابيع.

(4) طبعة بغداد: 30، وطبعة بمبي: 17، لا وجود له في نسخة الينابيع.

(5) طبعة بغداد: 96، وطبعة بمبي: 51، لا وجود له في نسخة الينابيع.

(6) طبعة بغداد: 115، وطبعة بمبي: 61، لا وجود له في نسخة الينابيع.

(7) طبعة بغداد: 11 7، وطبعة بمبي: 62، لا وجود له في نسخة الينابيع.

(8) راجع طبعة بمبي باسم تاريخ أبي مخنف في مقتل الحسين: 1.

(116)

 

هي الأساس غير موجودة ونظنه من سوء تصرف الذي تولى الطبع، وهذا لا يعاب على النسخة بل على من تولوا طباعة الكتاب، والذين هم في الغالب ليسوا أهلاً للتحقيق، ومع الأسف يضيفون وينقصون دون مشورة المحققين من أهل الفضل، كما أن كلمة «هشام بن محمد بن سائب» هذه غلطة مطبعية حصلت بين استخدام «بن» و «عن» فالصحيح «هشام بن محمد بن سائب» وليس «هشام عن محمد بن سائب» وهذه من آثام الطباعة، وكثيراً ما يحصل في كل المؤلفات سواء لدى النسخ أو الطبع، وهذا ما نعانيه كثيراً، ونسخة بمبي جاءت صحيحة «هشام بن محمد بن سائب» فلا يعترض عليه.

        ولا شك أن هناك تقديماً وتأخيراً والصحيح: «حدثنا أبو المنذر هشام بن محمد بن سائب الكلبي قال أبو مخنف قال حدثنا عبد الرحمان بن جندب الأزدي.. » وفي ذلك لا يوجد أي قدح، وإنما هي مسألة التقديم والتأخير، الذي قد يحصل لدى الطباعة والاستنساخ، ولا يمكن حمله على النسخة بأكملها، إذاً فهو مجرد تأخير «قال أبو مخنف » إلى بعد قوله الكلبي، عندها يصح النص ولا إشكال فيه، وربما من تولى الطباعة وجد في كل الكتاب موجود قال أبو مخنف فتصور أن من الضرورة تقديم هذه المفردة وجعلها في أول المقطع.

        ونضيف على هذا النقد أنه ورد «فلما جاوزنا دار الهند نظر الحسين «عليه السلام» إلى الكوفة » والصحيح «نظر الحسن «عليه السلام» »، وهذا من الخطأ المطبعي، وسارت عليه النسخ التي تلت طبعة بغداد دون انتباه، والناقد لم ينتبه إلى ذلك.

        2- قوله « وروى الكليني في حديث ... »(1) الكليني تصحيف للكلبي، راجع نسخة بمبي(2)، حيث ورد « فص روى الكلبي في حديث... »، وهذا لا يعاب على النسخة بل على الناشر والمطبعة في بغداد.

        3- جاء في نسخة بغداد(3) «فأنفذ (يزيد) الكتاب مع رجال من

___________

(1) مقتل الحسين لأبي مخنف- طبعة بغداد: 6.

(2) تاريخ أبي مخنف: 4.

(3) طبعة بغداد: 10.

(117)

 

أصحابه إلى الوليد وكان قدومه إلى المدينة لعشرة أيام قد خلون من شعبان » نقول إن إسم كان هو ضمير غائب مستتر يعود إلى «رجل من أصحابه » بدليل أنه ذكر «قدومه إلى المدينة » إلا إذا قيل بأن «إلى »  تصحيف والصحيح «من » ليكون المعنى «قدومه من المدينة » وعلى هذا إشكاله وارد، ولكن نظن والله العالم أن التصحيف وقع في «خلون من شعبان» ليكون الصحيح «بقين لشعبان »، وعليه فيكون 20 رجب هو يوم وصول رسالة يزيد إلى واليه في المدينة، ومثل هذا التصحيف وارد، وهذا لا يتنافى مع وصول الإمام الحسين «عليه السلام» إلى مكة ليلة الجمعة ثلاث مضين من شعبان.

        نضيف على النقد بل مما يؤخذ على هذه النسخة بل وغيرها من المصادر إقحام إسم عبد الرحمان بن أبي بكر والذي كان قد توفي سنة 56هـ، وهذا ما لم يذكره الناقد حيث وقع... مع جمع من المؤرخين، بل ويؤاخذ على نسخة بمبي(1) أنه جاء فيها «لعشر أيام قد خلون من ذي الحجة » ونظنه من التصحيف، هذا وقد جاء في نسخة القندوزي: «وخرج في جوف الليل وذلك لثلاث مضين من شعبان(2) سنة ستين من الهجرة فلزم الجادة ويسير... »(3) والظاهر أنه أراد دخول الحسين إلى مكة، وليس خروجه وإن كان النص موهماً بأنه أراد خروجه من المدينة، وهو ما يوجب الإرباك.

        4- وجاء في القدح فيه: أنه انفرد بنقل ما لم يذكره الآخرون في عشرة مواضع تقريباً، إن جل ما رواه أبو مخنف على ما في تاريخ الطبري هو منفرد في نقله لأنه المصدر الأساس، وقليلا ما ذكره عن غيره، نعم إن النقل تم عنه، ثم حصل الشيوع وأخرجه عن التفرد في النقل لأن جميع المنقولات بالتالي تعود إليه، ولا يوجد مثله شائعا، ومن هنا لا بأس بعرض كل واحدة من الصور التي أظهرها الناقد لنقول:

        إن مسألة حفر الحفرة لأجل التمكن من إلقاء القبض على مسلم

________________
(1) نسخة بمبي: 6.

(2) تاريخ الطبري: 3/293 براوية الطبري.

(3) ينابيع المودة 2/159.

(118)

 

نسأل، أهذا يخالف الشرع أو العرف أو العادة أو العقل أو ماذا؟ لماذا الاستغراب بعدما عرفنا أن ما نقله الطبري في تاريخه من روايات أبي مخنف وغيره أيضا فيها الكثير من التفرد بالنقل، وإن الذي رواه حميد بن مسلم أو غيره عن المعركة كلها جاءت بشكل متفرد فلا يمكن أن يعاب عليه، نعم جاء في البند الأخير (العشرين) أنه استخدم بعض المفردات الدارجة وهو يتنافى مع قدم النص، وهذا المورد من مصاديقه وهو قوله «ونحفر له بئراً في الطريق ونطمها بالدغل والتراب ونحمل عليه وننهزم قدامه »(1).

        فإنه إذا قصد مفردة «نطمها» فإنها مفردة عربية فصيحة مستخدمه عند أهل اللغة والشعراء، فقد جاء في الصحاح: «السيل فطم الركبة، أي دفنها وسواها»(2) وجاء في اللسان: «الطم: طم البئر بالتراب وهو الكبس، وطم الشيء بالتراب طماً كبسه... »(3) ومن ذلك قول ابن بري(4) الرجز:

فصبحت والطير لم تكلم

خابية طمت بسيل مفعم(5)

        وإذا قصد به الدغل: في اللغة العربية الفصيحة هو الشجر الكثير الملتف، والدغل أيضا الدواهي(6)، والدغل هو الفساد، ومخالطة شيء بآخر، وكل موضع يخاف فيه الاغتيال(7)، والدغل أيضا الدخول المريب،

______________
(1) طبعة بغداد: 30، وجاء في نسخة القندوزي: 2/10، ثم إنهم حفروا له حفيرة في وسط الطريق وأخفوا رأسها بالدغل والتراب فوقع مسلم في تلك الحفيرة وأحاطوا به...».

(2) الصحاح: 5/1976.

(3) لسان العرب: 8/203.

(4) ابن بري: هو عبد الله بن بري عبد الجبار المقدسي (499- 582هـ) من علماء العربية، ولد ونشأ وتوفي في مصر، ولي رئاسة الديوان المصري، من مؤلفاته: الرد على ابن الخشاب، وشرح شواهد الإيضاح، وحواش على صحاح الجوهري.

(5) لسان العرب: 8/203.

(6) راجع الصحاح: 4/1697.

(7) راجع لسان العرب: 4/365.

(119)

 

ومكان دغل ذو دغل(1)، وليس فيه ما يعيب، وإن قصد مفردة «قدام» فإنها هي الأخرى عربية فصيحة إذ أن قدام هو نقيض الخلف، تقول: رأيته قدام ذلك أي قبله(2).

        وإن قصد مفردة «فلت» فإن مضارعه «يفلت»، فهو بمعنى خلص، وأفلت بمعنى تخلص، وأفلت يأتي لازما ومتعدياً ولكن أفلت أكثر استعمالاً من فلت(3).

        وإذا قصد تركيبة الجملة فلا ضير فيها ما دام كل مفرداتها عربية خالصة وقواعد النحو روعيت فيها، وهي مستخدمة في تلك العصور، ولا يضر اللغة إذا استخدمت عند العامة والدارجة.

        ومن جهة أخرى، فإن هذا الشيء كان متعارفاً سواء في صيد الحيوان أو في القبض على الإنسان، ومن ذلك ما قام به معاوية بن أبي سفيان الأموي في حق عائشة بنت أبي بكر التيمي حيث ذكر المؤرخون: قتل معاوية عائشة(4) بحفر بئر لها وغطى فتحة ذلك البئر عن الأنظار وهي كانت راكبة على الحمار فهوت فيه وذلك في آخر شهر ذي الحجة سنة 58هـ(5)، وفي ذلك أنشد:

لقد ذهب الحمار بأم عمروٍ           فلا رجعت ولا رجع الحمار(6)

        5- إن انقطاع خبر مسلم وهاني عن الحسين «عليه السلام» وقلقه عليهما وتوجهه «عليه السلام» إلى المدينة أمور ثلاثة: الإنقطاع، القلق، والتوجه، جميعها غريبة لأن مسلماً كان على اتصال مع الإمام الحسين «عليه السلام» وآخر رسالة

_____________

(1) راجع تاج العروس: 8/489.

(2) راجع المنجد في اللغة: 613.

(3) راجع أقرب الموارد: 2/940.

(4) راجع بالنسبة إلى قتل معاوية لعائشة البداية والنهاية: 8/96.

(5) راجع حبيب السير: 425، الطرائف لإبن طاوس: 503، راجع أيضاً صراط المستقيم: 3/45 عن مصالت النواصب لإبن شهرآشوب: 1/151 وفيه: «كان معاوية على المنبر يأخذ البيعة ليزيد، فقالت عائشة: هل استدعى الشيوخ لبنيهم البيعة؟ قال: لا، قالت: فبمن تقتدي؟ فخجل وهيأ لها حفرة فوقعت فيها فماتت ».

(6) الشعر أسنده ابن طاوس ولعله من معاصري الجاحظ المتوفى سنة 255هـ.

(120)

 

وصلت منه كانت في أوائل ذي الحجة مع كتاب من أهل الكوفة يخبره بيعة أهل الكوفة ويستعجله بالقدوم إلى الكوفة، وعليه فلا معنى للقلق، ولماذا التوجه إلى المدينة(1).

        نبدأ بالأخير فإن التوجه إلى المدينة أمر طبيعي بمعنى أن طريق الكوفة يمر بالمدينة(2) كما فعل مسلم لدى خروجه إلى العراق، ولكن التصريح بذهابهم إلى المدينة ولجوئه إلى قبر جده وسفره إلى مكة، وبين خروجه من مكة إلى العراق، ولعله كان من قبيل الرؤيا وليس أمر حدث في حالة اليقظة، وإلا فهو مردود بلا شك، ويؤيد مسألة ما جاء في الملهوف عندما احتج عليه أخوه محمد بن الحنفية بقوله: «يا أخي ألم تعدني تعدني النظر فيما سألتك؟ قال «عليه السلام»: بلى، قال: فما حداك على الخروج عاجلاً؟ فقال: «أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدما فارقتك فقال: يا حسين أخرج فإن الله شاء أن يراك قتيلاً.. »(3) لتكون مسألة الحضور عند مرقد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جزءاً من الرؤيا.

        وأما مسألة الانقطاع والقلق فلعل الأمر طبيعي لأنه كان يعلم بغدر أهل الكوفة بغض النظر عن علم الإمامة بل بالفطنة السياسية، بل وبإخبار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) له، وهذا مما لا يعاب على النسخة بل الذي يرد عليه هو فقط مسألة الذهاب إلى المدينة حيث نراه مقحماً دون شك، وأما وجود محمد ابن الحنفية فليس بمستغرب بعد أن كان الموسم موسم حج، بل وجميعهم أتوا إلى مكة ليتزودوا برؤيته بل ليثنوه عن الرحيل إلى العراق.

        6- تفرده بنقل وقوف فرس الحسين وتبديله سبعة أفراس، هنا أمران، الأول: توقف الفرس، والثاني: تبديله، فالأول مما لا إشكال فيه حيث روى صاحب المنتخب ما نصه: «فساروا جميعاً إلى أن انتهوا إلى أرض كربلاء إذ وقف الجواد الذي تحت الحسين ولم ينبعث من تحته على

___________
(1) راجع تاريخ المراقد: 5/85.

(2) في نسخة القندوزي في ينابيع المودة: 2/161 لا توجد مسألة القلق وما إلى ذلك.

(3) الملهوف: 128.

(121)

 

السير، وكلما حثه على السير لم ينبعث خطوة واحدة فنزل عنه وركب غيره فلم ينبعث خطوة واحدة، فقال الإمام «عليه السلام» يا قوم ما يقال لهذه الأرض(1) وهذا الأمر حدث مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما ورد  المدينة واختلف الأنصار في ضيافته والنزول عندهم، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لهم: «خلوا سبيلها فإنها مأمورة »، وكلما عرض عليه ذلك جماعة، أعاد الكلام أربع مرات لأربعة أقوام إلى أن يركب الناقة في دار بني مالك بن النجار عند باب مسجده (صلى الله عليه وآله وسلم) اليوم(2).

        إذا الأمر الثاني وهو تبديل الإمام «عليه السلام» سبعة أفراس ليس ببعيد عقلاً بعدما اعتقدنا بأصل التوقف، نعم فإن نسخة القندوزي(3) بل وغيرها لم تذكر العدد ولكنهم تحدثوا عن أصل التوقف، وأخيراً فإن أعلامنا قد نقلوا ذلك عن مقتل أبي مخنف دون حزارة أو إنكار(4).

        7- تفرده بنقل حديث الإمام السجاد «عليه السلام» عن تكراره الأبيات التي فيها نعي الإمام الحسين «عليه السلام» نفسه التي أولها:

يا دهر أفٍ لك من خليــــــل

كم لك بالإشراق والأصيل(5)

        إنه لم ينفرد بهذا القول بل أن صاحب الملهوف هو الآخر أورده هكذا مما يستشف من نص أبي مخنف أن الإمام الحسين «عليه السلام» كرر إنشاؤها يوم نزوله وليلة مقتله، ولا بأس بنقل هذا النص:

        قال: ثم إن الحسين «عليه السلام» قام وركب، وصار كلما أراد المسير يمنعونه

_________________
(1) المنتخب للطريحي: 439، وجاء مثله في روضة الشهداء: 325 وهؤلاء لم ينقلوا عن أبي مخنف.

(2) راجع السيرة النبوية لإبن كثير: 2/272، وقد حدث ذلك أيضاً مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديبية حيث بركت راحلته فيها. راجع شرح البخاري للكرماني: 12/40.

(3) ينابيع المودة: 2/162.

(4) راجع قادتنا: 6/99، للفقيه المرجع السيد محمد هادي الميلاني المتوفى سنة 1395هـ.

(5) الأبيات من مشطور الرجز.

(122)

 

تارةً ويسايرونه أخرى، حتى بلغ كربلاء، وكان ذلك في اليوم الثاني من المحرم.

        فلما وصلها فقال: «ما إسم هذه الأرض؟».

        فقيل: كربلا.

        فقال: «إنزلوا، ههنا والله محط ركابنا وسفك دمائنا، ههنا والله محط قبورنا، وههنا والله سبي حريمنا، بهذا حدثني جدي ».

        فنزلوا جميعاً، ونزل الحر وأصحابه ناحية، وجلس الحسين «عليه السلام» يصلح سيفه.

        ويسرد الحديث قريباً مما أورده أبو مخنف، ولكن الفرق أن الملهوف لم ينسب الحديث إلى الإمام السجاد «عليه السلام» بل نقل عن الراوي لم يفصح(1)، وإلا فإنه صريح بأن إنشاده للأبيات كان في يوم نزوله كربلاء، وكذا حديث السيدة زينب «عليه السلام» مع أخيها، ولربما تكرر الحديث والأبيات، وبما أن المصادر الأخرى ذكرت الأبيات وحديث السيدة زينب «عليه السلام» ونسبوها إلى الإمام السجاد «عليه السلام» فلا إشكال في نقل أبي مخنف لها في ذكرها في يوم وروده بعدما علمنا أنه منفرد في ذلك، وقد وردا أيضاً في مقتل الحسين للخوارزمي(2) بل أوردهما كما ورد الحديث والأبيات في مقتل أبي مخنف، حيث يذكر أنه أنشدها في يوم وروده، وروى عن علي بن الحسين «عليه السلام» قائلاً: وجعل أبي يردد هذه الأبيات فحفظتها منه وخنقتني العبرة ولزمت السكوت حسب طاقتي، فإن عمتي زينب لما سمعت... »، وجاء في الفتوح(3) كما أوردناه إلا أنه لم ينسب الحديث إلى الإمام السجاد «عليه السلام» ولكن الطبري نقلها عن أبي مخنف في ليلة عاشوراء(4) مما يدل على أن الناقد كان اعتماده الكلي على الطبري دون غيره.

________________
(1) عن نسخة القندوزي ينابيع المودة: 2/163 كما في الملهوف، حيث ذكره في أول وصوله كربلاء ولم ينسب الحديث إلى الإمام السجاد «عليه السلام».

(2) راجع مقتل الحسين للخوارزمي: 1/237.

(3) راجع الفتوح: 5/149.

(4) تاريخ الطبري: 3/316.

(123)

 

        8- أيضاً إن التفرد بالشيء لا يعني بالضرورة الرفض، بل الاختلاف في بعض التفاصيل لا يعني الزيف، ولا يمكن أن يعول على رقم في التعداد الذي كثيراً ما يقع في الخلاف وبالأخص في عدد المقاتلين لأنه سبق وقلنا إن عدد المجندين الذين كانوا يخرجون من معسكر النخيلة يتناقصون حتى يصلوا إلى كربلاء. جاء في أنساب الأشراف(1): إن القائد يكون على ألف مقاتل لا يصل كربلاء إلا ومعه ثلاثمائة أو أربعمائة أو أقل من ذلك، فقد كانوا يفرون كراهة منهم لهذا الوجه »، وقد اختلف المؤرخون في عدد المجندين من المعسكر الأموي ما بين ثمانين ألفاً(2) إلى أربعة آلاف(3) مما لا يمكن الركون إلى أحد الأقوال، وإذا جمعنا عدد المقاتلين الذين انضموا إلى القيادات فإنه يبلغ ثلاثين ألفاً، مما لا يمكن الاعتماد على قول من الأقوال، وإذا جمعنا عدد المقاتلين الذين انضموا إلى القيادات فإنه يبلغ ثلاثين ألفاً، مما لا يمكن الاعتماد على قول من الأقوال، وإذا ما رفضنا التفرد فإن كل مؤرخ قد تفرد برأيه، فعلينا أن نلغي الجميع، وهذه ليست طريقة علمية، وإذا كان وراء الإنكار هو الكثرة فإن التاريخ مع معاوية، فقال ما صريح كلامه إلى الإمام الحسين «عليه السلام»: لا ينقضى تعجبي ومعك مائة ألف مقاتل من أهل العراق » كما جاء في بعض رسائل أهل الكوفة إلى الإمام الحسين «عليه السلام»: «إن معك مائة ألف »(4)، ولنا بحث مفصل في هذا الموضع أوردناه في محله(5).

        9- وأما تفرده بنقل خطبة زهير يوم نزول العساكر في كربلاء، فبغض النظر عن أن التفرد لا يوجب القدح، فقد ورد في الأسرار نقلا عن أبي مخنف خطبة زهير والتي توحي بأنها كانت بعد أن أناخ رحله، ومن المعلوم أن المؤرخين قد يختصرون الكلام ويذكرون الأحداث منذ وروده إلى كربلاء وحتى عاشوراء من دون تحديد، ومن جهة أخرى فإن استخدام «ثم» لا يدل على الموالاة بل على الترتيب، أعم من التوالي أو

____________
(1) حياة الإمام الحسين- للقرشي: 3/118 عن أنساب الأشراف: 1/416.

(2) في نسخة القندوزي ينابيع المودة: 2/165 يذكر أربعين ألفاً.

(3) راجع حياة الإمام الحسين- للقرشي: 3/120.

(4) راجع حياة الإمام الحسين للقرشي: 3/121.

(5) راجع باب السيرة، وباب التحقيق وباب الحواضر المدينة على عهد الحسين «عليه السلام».

(124)

 

التراخي(1)، ومن التراخي قوله تعالى: ( وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه)(2)، فإن بين الخلقة الأولى وهي خلقة آدم «عليه السلام» من الطين، وبين أن الله خلق هابيل وقابيل من مني آدم «عليه السلام» فصل كبير، كما وبين الإمناء وبين نفخ الروح أشهر، فلذلك فإن الحسين «عليه السلام» أناخ راحلته يوم الثاني من محرم وتكلم زهير كان في اليوم العاشر، يفصل سبعة أيام، فإن هذا مع استخدام «ثم» جائز، مضافاً إلى ذلك فإن هناك قرينة تدل على هذا التراخي، إذ يقول: «ثم إن القوم زحفوا نحوه، فخرج إليهم زهير بن القين»، والزحف إنما تم في اليوم العاشر، بل يضاف على ذلك أن من دأب بعض المؤرخين أنهم كانوا يروونه على شكل روايات كما هو ملاحظ في تاريخ الطبري، وهناك آخرون نقلوا كلاماً لزهير في أول ورودهم إلى كربلاء وإن لم يكن خطابه موجهاً إلى الأعداء.

        10- إن رأينا بمسألة التفرد واضح بأنه لا يوجب القدح، وإلا فإن المنتخب للطريحي، والملهوف للطوسي، والأمالي للصدوق، والمناقب لإبن شهرآشوب كلها فيها ما تفردوا به ولم يقدح بهذه المؤلفات ولا مؤلفيها، هذا وقد ورد في المنتخب(3) ما ورد في هذا المقتل ولا يناقش أن المنتخب من المتأخرين بل إن ابن شهرآشوب والخوارزمي، وابن أبي طالب الحائري والمفيد(4) نقلوا في مؤلفاتهم أن الحسين «عليه السلام» حفر بئراً على بعد تسع عشرة خطوة نحو القبلة من وراء خيمة النساء فنبعت عين ماء عذب فشربوا، ثم غارت العين، ولم ير لها أثر «إلا إذا أراد بأن الحسين «عليه السلام» حفر البئر ولم يجد فيها ماء أي إنه تفرد بعدم وجدان الماء

________________
(1) راجع مغني اللبيت: 1/117.

(2) سورة السجدة، الآيتان: 7- 9.

(3) المنتخب للطريحي: 441، توفي الطريحي سنة 1085هـ.

(4) راجع مناقب آل أبي طالب لإبن شهرآشوب: 4/50، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1/244، وتسلية المجالس: 2/263، وعنه بحار الأنوار: 44/388، وكذلك العوالم: 238.

(125)

 

بينما الآخرون ذكروا بأنه وجد الماء وشربوا، «ولربما هو تصحيف فلم ير لها أثر » حيث جاء في نسخة بمبي: «واحفروا بئراً ففعلوا ذلك فلم يجدوا فيها ماء فطموها فكظهم العطش»(1)، وربما كان هناك حفران، حفر قام به الإمام الحسين «عليه السلام» فنبع وشربوها، وحفر أمر به أهل بيته وحفر العباس «عليه السلام» فلم يجد فيها ماءً. وجاء في نسخة الينابيع: «ولما اشتد العطش قال الإمام لأخيه العباس اجمع أهل بيتك واحفروا بئراً ففعلوا ذلك فوجدوا فيها صخرة، ثم حفروا اخرى فوجودها كذلك، ثم قال له: إمض إلى الفرات»(2).

        11- انتقده في أربعة مقاطع، وهو لا شك فيه ما فيه من الإرباك، إلا أن الملاحظ بغض النظر عن بعض الثغرات كأنه يذكر روايات أربع منفصلة ويضع إحداها بعد الأخرى وجميعها تحكي عن ليلة عاشوراء ونهارها إلا أنه لم يفصل بينها بشيءٍ ليتبين استقلاليتها، كما فعل الطبري في تاريخه وابن طاوس في ملهوفه، والمجلسي في بحاره، وابن الأعثم في فتوحه، وآخرون، ولعل ذلك حصل من قبل النساخ والله العالم.

        وأما نقده على بعض الأمور الواردة في هذه المقاطع الأربعة فنقول: أما قوله «فأخذ- العباس- السيف بفيه» أنه منفرد في نقله، وهذه المنقولة نقلها صاحب أسرار الشهادة(3) عنه قائلاً: «فضربه عبد الله بن يزيد الشيباني على شماله فطارت مع سيفه فانكب على السيف بفمه وحمل على القوم وأنشأ يقول..».

        قام صاحب الأسرار بالتذييل والتعليق على ذلك، وتقريب ما يستبعد حدوثه بالكرامة وبخصوصية من هم من الأولياء(4) إلا انه لم يكن رده مقنعاً، والأنكى من ذلك أن بطل العلقمي(5) نقله عن الدربندي ولم يعلق عليه أبداً.

__________
(1) تاريخ أبي مخنف في مقتل الحسين: 27.

(2) ينابيع المودة: 2/165.

(3) أسرار الشهادة: 2/407.

(4) راجع أسرار الشهادة: 2/453.

(5) بطل العلقمي: 3/211.

(126)

 

        وبشكل عام لا يمكن قبوله، ولكن محاربته باليد اليسرى قابل للقبول رغم نزف اليد اليمنى، ولكن حمل السيف بالفم ومحاربته به بعيد عن الحقيقة، وربما حمل السيف بفمه لإظهار القوة أو عدم تمكين العدو من سيفه.

        وأما النقد الثاني على قول أبي مخنف « ونزل- الحسين- إليه- أي إلى العباس- وحمله على ظهر جواده وأقبل به إلى الخيمة وطرحه وبكى عليه بكاءً شديداً حتى بكى جميع من كان حاضراً» فإن المقصود به على الظاهر هو العباس الأصغر والذي قتل يوم التاسع أو ليلة العاشر على ما ذهب إليه المحققون، وأقمنا الأدلة على وجوده وحضوره واستشهاده في «معجم الأنصار الهاشميون»(1).

        وإذا اعترض معترض، فعليه إذا قلنا أراد به العباس الأصغر فإنه لم يذكر تفاصيل عن مقتل العباس الأكبر نقول: إن عدداً من كبار المؤرخين لم يذكروا ذلك كمثير الأحزان وأمالي الصدوق وروضة الواعظين، وذلك لكونه مشهوراً ومعروفاً، ولعله من هنا تتضح مسألة الخلط بين يوم التاسع وليلة عاشوراء مع أحداث يوم العاشر.

        أما النقد الثالث وهو قوله: «وبات تلك الليلة فلما أصبح » وهذا يؤكد ما سبق ووضحناه من أن العباس الأصغر قتل يوم التاسع والأكبر قتل يوم العاشر.

        وأما النقد الرابع وهو أن رسول الحسين «عليه السلام» إلى ابن سعد هو أنس بن الحرث بن كاهل الأسدي وليس أنس بن كاهل، والواقع أن كاهل إسم القبيلة وليس إسم الأب وكثير من المؤرخين بل النسابة يختصرون سلسلة النسب، بل ينسبون الشخص مباشرة إلى الجد الأعلى، وهذا لا يعد خطأً، لأن كاهلاً هو الجد العاشر لأنس حيث أن أباه الحارث وجده الأول هو نبيه، وبين نبيه إلى كاهل بن أسد ثمانية آباء ليكون كاهل التاسع وأسد العاشر وهو ابن خزيمة بن مدركة (عمرو) بن إلياس بن خضر بن نزار بن معد بن عدنان، فهو إذاً كاهلي أسدي خزيمي مضري نزاري عدناني، وما

____________
(1) راجع معجم الأنصار (الهاشميون): 2/127- 132.

(127)

 

جاء في إبصار العين(1) أن أنس بن الحرث بن نبيه بن كاهل بن عمرو بن صعب بن أسد بن خزيمة خطأ فادح، حيث أن عمراً وصعباً هما أخوا كاهل وليسا جديه(2).

        وأما النقد الخامس: أن ذكره أحداث ليلة العاشر وأعمال يوم عاشوراء متقطعة لا يضر بالقضية، لأن القدامى لم يلزموا بالسرد المتعارف عندنا، بل ينقلون رواية رواية وحدثاً حدثاً.

        12- أما انفراده بذكر ابراهيم بن الحسين فقد تحدثنا عن ذلك في ابراهيم بن الحصين الأسدي، كما وتحدثنا عن ذلك في ابراهيم بن الحسين الهاشمي(3) فلا نكرر.

        13- إن في ترجيح رواية على أخرى محل كلام وتأمل، بل في ترجيح نسخة على أخرى كذلك، أما بالنسبة إلى ما نقل أن الطرماح قد صرع واحتزوا رأسه(4) وفي مكان آخر يقول إنه كان ما بين القتلى وحصلت له مكاشفة مما يدل على حياته وروايته الحدث فإن ذلك دون شك وريب متناقض، إلا إذا قلنا بأنه وصل إلى المعركة وحارب القوم فصرع، فتصور القوم إنه مات، ولكنه كان على قيد الحياة، فرأى ما رأى لتكون جملة «فأحاط به القوم واحتزوا رأسه»(5) زائدة، كما وينافي ما ورد في رواية الطبري عنه بأنه أخبر في الطريق بأن الحسين «عليه السلام» استشهد، فرجع إلى أهله، وأما ما ورد في مسألة الحداء الذي كان ينشده(6)، فلا منافاة بينهما، وربما مسألة استشهاده(7) فيها نظر بل الاحتمال الأصوب أنه شارك ولكن لم يستشهد وروى ما روى، والله العالم.

____________
(1) إبصار العين: 110.

(2) ولعل الذي أوقعه في هذا الخطأ هو طبعة العقد الفريد المتداولة: 3/294، حيث جاء الخلط بين كاهل وعمرو وبين عمرو وصعب (ابن) والصحيح (الواو).

(3) راجع معجم الأنصار (الهاشميون): 1/269.

(4) طبعة بغداد: 62، طبعة بمبي: 34.

(5) طبعة بغداد: 62، طبعة بمبي: 34.

(6) نسخة بغداد: 39، ونسخة بمبي: 22.

(7) نسخة بغداد: 62، نسخة بمبي: 34.

(128)

 

        14- لا شك في أن الأبيات التي نقلت في النسخة المتداولة ليست للحر بن يزيد الرياحي بل هي لعبيد الله بن الحر الجعفي الذي أنشأها وهو في المدائن بعد هربه من سطوة عبيد الله بن زياد ثم جاء لزيارة مرقد الإمام الحسين «عليه السلام» ليظهر ندمه على عدم حضوره كربلاء والاستشهاد بين يديه، وقد تحدثنا عن ذلك في ديوان القرن الأول(1).

        أقول: إن مثل هذا التصحيف كثيراً ما يرد في كتب المؤرخين من إسناد مقولة أو منظومة إلى من هم مشركون في الاسماء، والعتب على الناقل والناسخ وهو لا يقدح بالمؤلف بالكسر ولا بالمؤلف بالفتح، بل على الناسخ أو الذي أراد اختصار المقتل المنسوب إلى أبي مخنف حيث أن هذه النسخ المتواجدة حتى روايات الطبري كلها نقلت باختصار وإيجاز:

        15- بالنسبة إلى الأبيات التي أنشئت في مدح الحر بن يزيد الرياحي والذي انتقد على نسبتها إلى الإمام الحسين «عليه السلام» نقول: أولاً: إن المنقد أخطأ في نقل بيت منها على الشكل التالي:

ونعم الحر إذ واسى حسيناً            لقد فاز الذي نصروا حسيناً(2)

        والصحيح ما يلي:

لنعم الحر حر بني ريـــاح            صبرو عند مشتبك الرمـــــاح

ونعم الحر في وهج المنايا            إذ الأبطال تخطر بالصــــفاح

ونعم الحر إذ واسى حسينا            وفاز بالـــــــــــــهداية والفلاح

ونعم الحر إذ نادى حسين             فجــــــــاد بنفسه عند الصباح

فيا ربي أضفه في جــنانٍ             وزوجه من الحور الملاح(3)

__________________

(1) راجع ديوان القرن الأول: 2/148.

(2) والأولى أن يقول: «لقد فاز الألى نصروا حسيناً» كما في كتاب مشهد الحسين.

(3) راجع ديوان القرن الأول: 1/113 وهو من بحر الوافر، هذا بعد التصحيح، وفيه بعض الأخطاء الفنية منها ما يلي نذكرها في الجدول التالي واضعين ما في المتن على اليمين وما هو في المقتل على اليسار:

لنعم                    فنعم.                   =

(129)

 

        ومن الواضح أنه أخذ الشطر الأول من البيت الثالث وضم إليه شطراً محرفاً مما لا وجود له في نسخ مقتل أبي مخنف.

        ومن جهة أخرى إنه يقول: لا يناسب أن تكون للإمام، ولم يذكر وجه استغرابه وعدم المناسبة، ثم أن كبار المؤرخين من الصدوق في أماليه(1) وابن الفتال في روضته(2) والاسفراييني في المشهد(3) أوردوها ونسبوها إلى الإمام الحسين «عليه السلام»، نعم نحن في ديوان القرن الأول توصلنا إلى أنها في الظاهر للإمام السجاد «عليه السلام» والتصحيف بين علي بن الحسين «عليه السلام»، والحسين بن علي «عليه السلام» كثيراً ما نجده حاصل في كثير من كتب المتقدمين، هذا وهناك من ذكر بأنها لبعض أصحاب الإمام الحسين «عليه السلام» وقيل أيضاً أنها للمتوكل بن عبد الله الليثي المتوفى سنة 85هـ(4).

        16- أما بالنسبة إلى نسبة الأبيات الثلاثة السينية التي وردت في حق الأصحاب إلى الإمام الحسين «عليه السلام» فهو لا شك فيه خلاف حول منشئها، ونسبتها إلى الإمام المعصوم تحتاج إلى أثبات كي لا يكون تقولاً عليه، والأبيات من بحر الكامل وهي:

قوم إذا نودوا لدفع ملمة               والخيل بين مدعس ومكردس

___________
=  وهج                               رهج.

وفاز بالهداية والــــــفلاح             فجـــــاد بنفسه عند الصباح.

ونعم الحر إذ نادى حسين             لقد فاز الذي نصروا حسينا

فجاد بنفسه عند الصــباح             وفاز بالهــــــــداية والفلاح.

خمسة أبيات                           أربعة أبيات.

وهناك اختلاف في المصادر التي نقلت الأبيات.

(1) أمالي الصدوق: 136.

(2) روضة الواعظين: 186.

(3) نور العين في مشهد الحسين: 23 ولكن ورد في الفتوح: 5/186 أنها لرجل من أصحاب الإمام الحسين «عليه السلام»، والذي حدده الآخرين بأنه هو الإمام علي بن الحسين «عليه السلام»، والفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي المتوفى سنة 314هـ.

(4) راجع ديوان القرن الأول: 1/113.

(130)

 

لبسوا القلوب على الدروع وأٌقبلوا            يتهافتــــــــــون على ذهاب الأنفس

نصروا الحسين فيالها مـــــن فتيةٍ            عافوا الحياة وألبسوا من سندس(1)

        لقد اختلفت المصادر على ثلاثة أقوال كما وأوردها بعضهم بيتين وآخرون ثلاثة أبيات، يمكن ملاحظة ذلك فيما يلي:

        1- نسبت الأبيات الثلاثة إلى الإمام الحسين «عليه السلام» كما ورد في مقتل أبي مخنف في طبعتين منها(2) وأوردها ناسخ التواريخ(3) في إحدى رواياته منسوباً إلى الإمام الحسين «عليه السلام» والظاهر أنه نقلها عن مقتل أبي مخنف إلا أنه لم يصرح بذلك.

        2- نسب البيتان الأول والثاني إلى رجل من أصحاب عمر بن سعد الزهري (23- 66هـ) قائد المعسكر الأموي في كربلاء على ما ورد في ناسخ التواريخ(4) نقلاً عن شرح الشافية.

        3- البيتان الأول والثاني لم ينسبا إلى قائلهما كما في المنتخب(5) للطريحي المتوفى سنة 1085هـ إلا أنه لم يذكر المناسبة، حيث اكتفى بقوله: «ولله در بعض مادحيهم حيث نظم وقال فيهم، ويبدو أنه نقله من الملهوف»(6).

        أما الذين نسبوها إلى الإمام الحسين «عليه السلام» فقد أوردها بعد نداء الإمام الحسين «عليه السلام» لأنصاره بعدما استشهدوا وبقي وحيداً، وقد سبق

________

(1) راجع ديوان القرن الأول: 1/268، وديوان الإمام الحسين: 3 (مخطوط).

(2) طبعة بغداد: 75، وطبعة بمبي: 30، ولا وجود لها في نسخة الينابيع ولا الطبري.

(3) راجع ناسخ التواريخ: 2/378.

(4) راجع ناسخ التواريخ: 2/214، نقلاً عن شرح الشافية: ونظنه هو شرح محمد بن محمد حسين أمير الحاج الحسيني للقصيدة الميمية لأبي فراس الحمداني، ولحد الآن لم نحصل عليه حتى نتأكد من أن الأبيات هذه موجودة فيه أو النص النثري فقط منقول عنه، والله العالم بحقائق الأمور.

(5) راجع المنتخب: 416.

(6) الملهوف: 166.

(131)

 

وأوردنا النص، وأما الذي نسبها إلى رجل من أصحاب ابن سعد فذكر ما يلي:

        قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد: ويحك! أقتلتم ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! فقال: عضضت بالجندل، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة، أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية، أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنا فاعلين لا أم لك!(1).

        إن قضية استبعاد نظمها من قبل الإمام الحسين «عليه السلام» لم يظهر لنا وجهه، لأن الأبيات محبوكة وليس فيها ما ينافي مقامه العصموي، نعم نسبة قول إلى معصوم يحتاج إلى كثير من الدقة، ثم إن الادعاء بأنها من نظم المتأخرين فيه نظر إلا إذا عد ابن طاوس المتوفى سنة 664هـ من المتأخرين، ويضيف قائلاً بأنها صريحة  في أنها ليست للإمام الحسين «عليه السلام» مستدلاً بأنه قال: «نصروا الحسين فيا لها من فتية »، ولم ندرك أين الإشكال إذا ذكر الإمام إسمه في البيت، وهذا ما يفعله الشعراء حيث يغيبون أنفسهم وتحولون من المتكلم إلى الغائب أولاً، وثانياً إن هذا البيت بالذات لم يذكره بعض المؤرخين، ربما يكون هذا البيت من إضافة المتأخرين، فهذا ممكن.

        17- بالنسبة إلى تحديد نزول الإمام الحسين «عليه السلام» في كربلاء بأيام الأسبوع وتحديد يوم استشهاده بأيام الأسبوع المخالف لما هو مشهور يبقى شاذاً، أما القول بأنه ورد كربلاء يوم الأربعاء لعله له رأي بأن وروده كان في اليوم الأول من محرم، وهذا يبقى قولاً من الأقوال الشاذة، أما قوله إنه استشهد يوم الإثنين فهذا ربما لأجل الفهم المغلوط عن مقولة السيدة زينب «عليه السلام» «سبينا يوم الإثنين» والذي فهم البعض أنه استشهد يوم الإثنين، وهو فهم خاطىء لأنه إشارة إلى يوم السقيفة الذي انعقد يوم الإثنين، يوم

___________

(1) ناسخ التواريخ: 2/215، شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد: 3/263.

(132)

 

وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه خطط انحراف المسيرة عن أهل البيت «عليه السلام» وهي إشارة ذكية  لما حدث في كربلاء، ولولا ذلك الانحراف لما وقعت مجزرة عاشوراء ولا ما سبقها ولا ما لحقها، ولكن يبقى التناقض الحاصل بين البدء بيوم الأربعاء ليكون الإثنين عاشوراء، وهذا فيه خلط وشبهة ولم يشر إليه الناقد، وقد سبق الحديث عن ذلك فلا نكرر، كما أن نسخة الينابيع ذكرت أنه قتل يوم الجمعة عاشر المحرم(1).

        18- هناك نقد في ثلاثة اتجاهات كلها تتعلق باسم سهل، نذكرها في نقاط:

        أ- إن سهل الشهرزوري عده من الرواة لأحداث ما بعد كربلاء أي من الكوفة وذلك من يوم دخول السبايا إلى الكوفة(2) إلى أن دخلوا المدينة.

        ب- إنه قال منتقداً: فينسب إليه في الكوفة أبيات سليمان بن قتة الهاشمي على قبر الإمام الحسين «عليه السلام» «مررت على أبيات آل محمد».

        إن نقده هذا له عدة وجوه:

        الأول: أن يكون مراده: أن أبي مخنف ينسب أبيات ابن قتة إلى سهل.

        الثاني: إن نقل هذه الأبيات التي لإبن قتة وروايتها ينسبها إلى الشيخ الذي التقاه سهل في الكوفة.

        الثالث: إن هذه الأبيات أنشئت على قبر الإمام الحسين «عليه السلام» وليس في الكوفة، وابن قتة بعد لم يذهب إلى قبر الإمام الحسين «عليه السلام»؟

_____________
(1) ينابيع المودة: 2/174.

(2) راجع طبعة بغداد: 90، وطبعة بمبي: 48، ثم الصفحات 91 و92 و93 من طبعة بغداد، 49 و50 من طبعة بمبي، وينقطع حديثه بحديث آخر كأبي مخنف وأم سلمة وغيرها ثم يظهر اسمه بعد دخول السبايا إلى دمشق حيث ورد «قال سه ودخل الناس من باب الخيرزان»، راجع طبعة بغداد: 108، وبطبعة بمبي: 85 ثم يتكرر مع ذكر اللقب في طبعة بغداد: 109، وطبعة بمبي: الصفحات: 58 و59 و60 و62 و67 والصفحات: 110 و111 و112و 113 و118 و126 و127 من طبعة بغداد وصفحة 58 من طبعة بمبي.

(133)

 

        الرابع: إن عصر ابن قتة متأخر عن عصر نقل الأبيات وروايتها.

        أ- نسبته أخبار الشام إلى سهل الشهرزوري والحال هي لسهل الساعدي كما هو معروف.

        ولا بد من مناقشة النقد الأول وهو مرافقة سهل الشهرزوري ركب أسرى آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من الكوفة وحتى المدينة المنورة، فما هو معروف أن الذي التقى بالركب هو سهل بن سعد الساعدي وهو مغاير  مع سهل بن حبيب الشهرزوري وليسا شخصية واحدة، وإنما هناك تصحيف، وربما من النساخ حيث أن الاسمين متطابقان ولم يذكر الراوي إسم الأب، وفي الغالب لم يذكر الانتماء، ولذلك جرى التصحيف إلى الأخير، وهذا كثيراً ما يحصل، ولا بد من التمييز، وهنا لابد من بيان حال الشخصيتين أن هناك سهل بن حبيب الشهرزوري إلى جانب سهل بن سعد الساعدي.

        فالثاني هو المشهور والمعروف حيث كان من الرواة وقد ولد سنة 4 ق.هـ وتوفي على أبعد الأقوال سنة 91هـ، ونسبه جاء كالتالي: سهل بن سعد بن مالك بن حارثة بن عمرو بن الخرزج بن ساعد بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي، ولد وتوفي في المدينة، له روايات عديدة في كتب التاريخ كالطبري وفي كتب الروايات كالبحار، وأخباره متواصلة، وهو الذي التقى ركب الأسرى في الشام على ما ورد في مقتل الخوارزمي(1) وغيره(2).

        وأما الأول سهل بن حبيب الشهرزوري، فقد ورد إسمه في مدينة المعاجز للبحراني المتوفى سنة 1107هـ ولم يذكر المصدر الذي نقل عنه، وكأنه اختصر ما رواه أبو مخنف وأورده في كتابه هذا، وورد إسمه أيضاً في المنتخب(3) للطريحي المتوفى سنة 10895هـ، إلا أنه ذكر القصة باختلاف كبير مع الاحتفاظ بالمضمون، وأنه دخل الشام بدل الكوفة، مما

______________
(1) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/60، وعنه بحار الأنوار: 45/127 وعوالم العلوم: 427، وتسلية المجالس: 2/379.

(2) راجع روضة الشهداء: 470 عن كنز الغرايب.

(3) المنتخب: 288.

(134)

 

يعزز كون القصة واحدة، فمن الصعب القول بأن هناك قصتين إحداهما حصلت مع  الشهرزوري في الكوفة وثانيتهما حصلت مع الساعدي في الشام، هذا ولم نجد في كتب الرواة ذكر للشهرزوري إلا في كتاب مستدركات علم رجال الحديث(1) إلا أنه صرح بأن أهل الرجال لم يذكروه، نقل عن شخصيته عن مدينة المعاجز، بينما عندما يذكر الساعدي(2) يعطي بعض التفاصيل.

        نعم هناك شخصية أخرى باسم حذلم بن بشير كما في المنتخب(3) أو حذلم بن كثير كما في أمالي الطوسي(4) أو بشير بن خزيم الأسدي كما في الملهوف(5) أو حذلم بن بشير كما في أمالي المفيد(6) أو بشير بن حذيم الأسدي كما في مقتل الخوارزمي(7) أو خزيمة الأسدي كما في الفتوح(8) أو حذام الأسدي كما في البلاغات(9) أو حذيم بن شريك الأسدي كما في الاحتجاج(10)، هذه الشخصية كما جاء ضبطها في هامش الفتوح(11): خزيمة الأسدي(12)، هي التي وردت من مكة إلى الكوفة، حيث يروي قائلاً: «قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدى وستين عند منصرف علي بن الحسين «عليه السلام» بالنسوة من كربلاء» إلى آخر روايته التي تروي بعض وقائع الأحداث، ومنها خطبة للسيدة زينب بنت علي «عليه السلام» وليس في أمات

_________________

(1) مستدركات علم رجال الحديث: 4/172.

(2) مستدركات علم رجال الحديث: 4/178.

(3) راجع المنتخب للطريحي: 350.

(4) راجع أمال الطوسي: 90.

(5) راجع الملهوف: 19، وفي نسخة كما في الهامش: بشير بن حزيم الأسدي.

(6) أمالي المفيد: 321.

(7) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/40.

(8) الفتوح: 5/222.

(9) بلاغات النساء: 37.

(10) الاحتجاج للطبرسي: 2/109، وفي رجال الطوسي: 88 أنه كان من أصحاب الإمام السجاد «عليه السلام».
(11) هامش الفتوح: 5/222 عن كتاب الدر المنثور في طبقات ربات الخدور: 233.

(12) خزيمة الأسدي، ولكن في رجال الطوسي: 88 حذيم بن شريك الأسدي حيث عده من أصحاب الإمام السجاد «عليه السلام».

(135)

  

المصادر ذكر لسهل بن حبيب الشهرزوري وحكاياته، مما نرجح أن هناك خلطاً حصل بين الاسمين من جهة وبين المدينتين من جهة أخرى، والله العالم بحقائق الأمور.

        ولنعد إلى الشهرزوري فإن المورد الوحيد الذي ورد فيه اسمه في هذا المقتل هو في مكانين، أولهما في صفحة 90 من طبعة بغداد(1) وثانيهما في صفحة 109(2)، مرة في الكوفة وأخرى في الشام، فجاء في الأولى «سهل الشهرزوري » والتصحيف واضح فيها، وللعلم فإن شهرزور في حلبچة الجديدة، التابعة إدارياً للسليمانية في شمال العراق(3)، والظاهر ضرورة إلغاء إسمه وروايته في الكوفة حيث هو من الخلط.

        وكل من نقل أحداث الشام ذكر سهل بن سعد الساعدي كالقمقام(4) والكامل(5) وغيرهما ممن سبق ولم نجد لسهل بن حبيب الشهرزوري ذكراً، وإن ذكر ففيه من التصحيف الظاهر، وأما بالنسبة إلى الموضوع الثاني وهو نسبة أبيات سليمان بن قتة إلى غيره والتي هي من بحر الطويل وأولها:

مررت على أبيات آل محمد          فلم أرها أمثالها يوم حلت