معجم  أنصار الحسين عليه السلام  (غير الهاشميين)  (الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (غير الهاشميين) (الجزء الثاني)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

 

بالشكل المغلوط، فإن مثل هذا يعد جناية الذي يجزىء المعلومة، أو لا يدرك حقيقتها ليقول مثلاً يجوز السكر وعندها يسقط فرض الصلاة.

        ومن المعلوم: أن للمحقق بما تعني هذه الكلمة من معنى الحق في النقض والإبرام ومناقشة النصوص والرواة، ولكن لا يحق له إلغاء النص وحذفه وله كامل الحق في أن لا ينقل عنه، كما له الحق أيضاً أن ينقل النص ويفنده، وأخيراً فإننا بالنسبة إلى النص نود أن ندلي ببعض الأمور لعلها تكون مفيدة ونذكرها ضمن نقاط:

        1- إن النصوص التاريخية لا يتعامل معها كما يتعامل مع النصوص ذات العلاقة بالأحكام الشرعية، فالدقة هنا غير مطلوبة هناك، وإلا لما بقي شيء من التاريخ إلا ويكون حاله حال العالم الذي أجبر على ارتقاء المنبر الحسيني يوم تأخر الخطيب عن موعده فصعد العالم الأعواد وقال لا شك أن العباس «عليه السلام» قطعت يده، كما لا شك في أن الإمام الحسين «عليه السلام» استشهد، ونزل من على المنبر فبهت الحاضرون من كلامه هذا، وقد سئل عن ذلك، فقال: ليس لدينا ما يؤكد أكثر من ذلك، حيث قد أخذه التحقيق الفقهي إلى هذا المتيقن، لأن في مقتل الإمام الحسين «عليه السلام» في يوم عاشوراء خلاف من باب أن عاشوراء أيضاً تطلق على يوم التاسع لغوياً، وفي دفنه في كربلاء أقوال أخرى حيث قيل بأن جثمانه حمل منها إلى البقيع، ومن هنا لم يؤكد أي اليدين من العباس «عليه السلام» قطعت، ومتى استشهد الإمام وأخوه العباس «عليه السلام».

        نعم إن النصوص التاريخية يجب أن يراعى فيها ما يلي:

        أ- أن لا تخالف المعتقد في كل اتجاهاته.

        ب- أن لا تخالف العقل في كل وجهاته.

        ت- أن لا تخالف الطبيعة في وقت الحدث.

        ث- أن لا يقاس زمن غابر بزمن حاضر ولا العكس.

        ج- أن يكون لها قائل لا يعرف بالكذب والدجل.

        ح- أن لا تكون متناقضة مع نصوص أخرى ثابتة.

(95)

 

        خ- أن تخضع للتحقيق في هذا المستوى من قبل أهل الخبرة.

        د- أن تكون منهجية المحقق الوسطوية، فلا يكون إفراطياً ولا تفريطياً، بل يكون معتدلاً وسطياً.

        ذ- أن لا يبيت أمراً ويبحث على ما يؤيده، بل عليه أن يبني من النصوص رأيه مع الشروط التي سبق ذكرها.

        ر- أن لا يلتفت إلى انتقاد المنتقدين، ولا إلى البسطاء من الأمة أو المستأكلين من وراء بث ما يدر عواطف الموالين.

        ز- أن يستأنس بكل الآراء الموافقة والمخالفة.

        وبعد هذا نقول: إن ما يستشكل على هذا النص من حيث كونه نصاً ثلاثة أمور:

        الأمر الأول: التفرد في النقل حيث لم نجد من نقل ما أورده غيره.

        ونقول: إن التفرد بالنقل قد يكون لمقطع أو يكون في كل ما نقله، فإن كان الثاني فإن هذا لا شك موجب للوهن، وأما وجود بعض المقاطع أو بعض الأوصاف فإن ذلك من الصعب أن يكون هناك نص متواتر بالمعنى الحقيقي، لأن الغالب في ذلك كما تتبعناه نقل منفرد ثم يأتي من تأخر عنه وينقل عنه ويشاع، وهذا لا يغير الواقع إذ التفرد بالنقل يبقى على حاله، والفرق يبقى بين أن يكون متقدماً زمانياً أو متأخراً، وهذا ما سنبينه إن شاء الله تعالى.

        هذا ومن المعلوم أن نص المخطوطة هو من النوع الأول وليس من النوع الثاني إذ أن الكثير مما أورده قد ذكره غيره، وإنما بعض المقاطع مما تفرد به، ومثل هذا حاصل مع كثير من المصادر التي بحوزتنا، كمثير الأحزان أو غيره، وإذا كان الأمر كذلك فلا يعاب على ما في هذه المخطوطة أولاً، ولا عمن نقل عنها ثانياً.

        الأمر الثاني: وجود بعض المبالغات وبالأخص في كثرة عدد القتلى بل عدد المقاتلين من المعسكر الأموي.

        فنقول إن هذا لا شك مرفوض إذ أنه خارج عن المألوف والمعتاد،

(96)

 

والقول بأنه كرامة فلا مجال له هنا، نعم يمكن القول بأن أنصار الإمام الحسين «عليه السلام» وأهل بيته «عليهم السلام» كانوا شجعاناً بذواتهم، كما عبرت كل المصادر بذلك، مما يمكن أن يقال إنه نوع من أنواع التواتر المعنوي المعبر عنه بالمبالغات، وهذه المبالغات وإن كنا لا نحبذها بل نستنكرها إلا أنها لا تصل إلى درجة إلغاء أصل القضية، بل يتعامل معها بمدلولها وهو شجاعة الطرف الذي يتحدث عنه، وكثيراً منها مستخدمة لأجل المبالغة، وهذا مشروع في اللغة كلفظ السبعين والتسعين والمائة والألف والمستخدم بعضها في القرآن وفي الحوار اليومي، ولكنها محددة بألفاظ معينة، ولا يمكن سريانها على كل الأعداد وهذا ما يوجب الوهن في النص، وقد قرأت في معظم المؤلفات القديمة والمعتبرة مثل هذه المبالغات مما لا يقدح بأصل الكتاب، وأنا شخصياً أتعامل مع ما لا يمكن قبوله بلغة الكثرة لا العدد.

        ولا شك أنني أنكرها وأنكر ما أوردته المخطوطة من المبالغة في عدد المقاتلين من المعسكر الأموي، بل بكل ما ورد في سائر المصادر. وهنا أمر لا بد من الإشارة إليه بأن الخلاف في عدد المقاتلين جانب منه نابع من أن ابن زياد كان يرسل مع القائد العسكري الذي عينه مجموعة كبيرة من المقاتلين، ولكنها تتناقص في الطريق إلى حد الثلثين أو الثلث تارة، كما صرح به بعض المؤرخين، وقد سبق وتحدثنا عن ذلك في هذا المعجم فلا نكرر، لأنهم خرجوا إلى قتال الإمام الحسين «عليه السلام» عن إكراه ولذلك كانوا يتحينون الفرص لكي يهربوا، خلافاً للمجند من المعسكر الحسيني، فإن الإمام «عليه السلام» غربلهم فلذا انصرف من لا يحمل عقيدة قتالية للدفاع عن حريم الإسلام، وقادة الإسلام وسبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والذي بذاته يكون مستبسلاً ومستأسداً، ومن هنا فإن الفارق بين المعسكرين كبير، وقد يصدق عليهم قول الله تعالى: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)(1)، حيث أن الرعب والترهيب سلاحان ناجحان في الحروب وفي الانتصار والغلبة، بالإضافة إلى الروح القتالية التي يحملها من له إيمان، بالفارق مع من هو مهزوم من داخله، غير مقتنع بالقتال، ومن هنا يجب دراسة الأمور بدقة وموازنة بين الماديات والمعنويات دون إفراط أو تفريط،

___________
(1) سورة البقرة، الآية: 249.

(97)

 

ومفردة الألف بالذات قد تستخدم من باب المبالغة، وإما من باب المجاز قد تستخدم بمعنى الكثرة.

        الأمر الثالث: القدم والحداثة في المصادر والمراجع.

        هناك الكثير الذين يتحدثون عن النقاش عن صحة النص وعدم صحته بأنه ورد في كتب القدماء أو ورد في كتب المحدثين، فإذا كان من القدماء اعتمدوه، وإذا كان من المحدثين تركوه، ولكن هذا لا يمكن الأخذ بإطلاقه بل لابد من سبر الأمور والتحقيق فيها إذ أن بعض القدامى لا يمكن الوثوق بهم، والعكس صحيح أيضاً، فإن المتأخر قد يحصل على معلومة عبر التحقيق أو عبر مؤلفات كانت غائبة أو لم تكن متاحة للأقدمين لعدم وجود إمكانيات لهم، ومن جهة أخرى فإن في القدامى من كان نقالاً غير محقق فلا يعتمد على نقله، إذ وجدت عدداً من الأعلام الذين لا شك بنزاهتهم وعلمهم ومكانتهم نقلوا الكثير من الأمور في التاريخ ممن لا يعتمد عليه من باب التسامح في أدلة السنن(1) كما هو الحال بالنسبة إلى المفيد والطوسي بل وغيرهما، حيث لم يهتموا بهذه القضايا كاهتمامهم بالفقه والعقيدة، ومن هنا لا بد من دراسة الموضوع بشكل علمي، ومتابعة كلام المحدثين والسؤال تحت عنوان: من أين لهم ذلك؟ والبحث في كلام القدامى وصحة نسبة الكتاب إليهم، حالها حال غيرها، ومنها هذا المقتل المنسوب إلى أبي مخنف، ولا يمكن رده لوجود بعض ما لا يرتضيه الإنسان أو لا يستوعبه فينسف الكتاب تماماً، وإلا فلماذا لا يلغى كتاب الطبري الذي أورد مسألة الغرانيق العلى، بل يؤكده في تاريخه وفي تفسيره مع أنه باطل بإجماع المسلمين، وفيه بل وفي غيره الكثير من الأمور المرفوضة وبعض المغالطات فلا نجد أحداً من الفريقين نسف تاريخ

__________
(1) التسامح في أدلة السنن: قاعدة أصولية فقهية تستخدم فيما إذ أورد خبر ضعيف غير جامع لشرائط الحجية دل على ترتب الثواب على فعلٍ من الأفعال، يمكن العمل به ما دام غير منافٍ مع حكم شرعي آخر استناداً إلى صحيحة هشام بن سالم الذي يروي عن الإمام الصادق «عليه السلام»: «من بلغه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شيء من الثواب فعمله كان جز ذلك له» وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقله ـ راجع اصطلاحات الأصول: 190، وقد ذهب معظم الفقهاء إلى جواز ذلك، هذا في الفقه والعبادات فكيف في التاريخ.

(98)

 

الطبري بكامله، بل يؤخذ منه السمين ويترك الغث، فلذلك من المهم أن نلتزم بالمعايير التي أوردناها في قبول النص ورفضه.

        ومن الغريب أننا وجدنا أحد الذين تحدثوا باسم التحقيق، يذكر بأن هذا النص فارسي(1) لا يعتمد لعدم وجوده في النصوص العربية، وهو أمر غريب جداً لابد من ملاحظة الحقيقة أين توجد فتتبع مع ملاحظة وجود كتب موضوعية والعمل على كشفها، وقد يقوم الواضع ببعض ما هو حقيقة ليموه على ذلك كما فعل المأجورون من قبل معاوية في كتابة التاريخ.

        ومن هنا ما نريد قوله في آخر المطاف: لا أجد إشكالاً في نقل ما تفرد به الناقل إذا كان لا ينافي القواعد التي اوردناها، وترك ما هو مستهجن ومخالف لتلك القواعد، وعليه فلا وجود لكتاب مائة في مائة معتمد، ولابد من التعامل مع كل النصوص دون استثناء بتلك القواعد، وهذا لا يعني أن الذي يتوصل إليه المحقق هو الحقيقة وغيرها لا تمت إلى الحقيقة بالقطع واليقين، فإن كل الكتب التي يتصور البعض أنها من الكتب المعتبرة فإن فيها الغث والسمين ولكن النسبة تختلف.

        وفي آخر المطاف أيضاً في الحديث عن كتاب الأسرار، ومقولته غير المعقولة عن تمديد الزمان في يوم عاشوراء فهو من باب الخيال إن أراد حقاً ذلك، لأنه من الممكن بأنه يريد القول بأن هذه الأحداث التي حصلت ففي الأوقات العادية تستغرق مجالاً واسعاً، ولكنها حدثت في زمن قصير من باب هولها وشدتها ومقتل الكثير، هذا ما نمارسه ونسمعه في حياتنا اليومية والتي نرى في بعض الأحيان أن أحداثاً تطول وأحداثاً كبيرة يختصر فيها الزمان، وهذا الأمر طبيعي إذ قد يقتل الكثير لا في المناجزة فرداً مقابل فرد، بل من التزاحم والانهيار النفسي والخوف والهلع والرعب والطقس غير المناسب مع ملاحظة شجاعة الطرف الآخر الذي يوجب هروب الجمع من أمامه، فمع أخذ هذه الأمور كلها بعين الاعتبار يمكن أن يكون عدد الضحايا في واقعة أكثر مع قصر الوقت وفي أخرى أقل، وهذا

___________
(1) من الملاحظ أن الكثير من كتب الحديث والسيرة واللغة أصحابهم ليسوا عرباً كتبوا بالعربية، كما وكتبوا بغيرها، فلم يعترض عليهم أحد.

(99)

 

ما يجب دراسته دون البت بالزيف دون دليل وبرهان، وأما المحاسبة بأن كم يستغرق من الوقت لقتل شخص وتقسيمه على الزمان فلا يصح هذا، وربما في النقل أخفقوا بنقل التفاصيل، بل ذكروا العدد الإجمالي، والله العالم بحقائق الأمور.

        ولولا التحقيق لما كنا أتعبنا أنفسنا وبذلنا جهوداً مضنية في هذا المجال، وما ذلك إلا للوصول إلى جزء من الحقيقة أو الوصول إلى مشارفها، وهذا بحد ذاته انتصار، ولعل قد يأتي من يزيد في التحقيق والسبر والتعمق ولديه مراجع أكثر مما لدينا، ودراية أكثر منا، فيوصلنا إلى درجة متقدمة نحو الحقيقة.

        وبالعودة إلى إسحاق بن مالك الأشتر النخعي، فإن ولادته على الأغلب كانت في سنة 11هـ وبما أن أباه قد وصل إلى المدينة في 15 شهر محرم من سنة 11هـ فإن الولادة من المتوقع أن تكون فيها لا باليمن، وما أوردناه في الشهداء(1) أن ولادته كانت سنة 11هـ فهو مجرد احتمال، وقد نشأ هذا الاحتمال مما ورد في الأسرار «فبرز إليهم شيخ» يستفاد من مفردة الشيخ أن عمره كان خمسين سنة وبهذا الحساب تكون ولادته في أول النسة الحادية عشرة للهجرة، حيث جاء في كتاب لسان العرب في معنى الشيخ ما نصه: «الشيخ هو الذي استبانت فيه السنن وظهر عليه الشيب، وقيل هو شيخ من خمسين إلى آخره(2)، وقيل هو من إحدى وخمسين إلى آخر عمره، وقيل هو من الخمسين إلى الثمانين»(3) فإذا اعتمدنا أول الخمسين تكون ولادته سنة 11هـ في المدينة، وإن اعتمدنا تجاوزه الخمسين فتكون ولادته قبل هذه السنة في اليمن، ولا شك أنه كأخيه إبراهيم وأبيه مالك كان شجاعاً.

        هذا وقد ورد ذكره في دائرة المعارف الشيعية(4) وقال عنه: «إسحاق بن مالك الأشتر أخو إبراهيم، إمامي حسن، كان من شهداء الطف، ثم

___________
(1) كفصل من فصول باب أضواء على مدينة الحسين من هذه الموسوعة.

(2) أي إلى آخر عمره.

(3) لسان العرب: 7/254.

(4) دائرة المعارف الشيعية العامة: 3/357.

(100)

 

ذكر ما ورد في أسرار الشهادة، وأضاف قائلاً: أبوه وأخوه من ثقات الإمامية.

        ولا يخفى أن عائلة مالك الأشتر على ما توصلنا إليه هم: مالك الذي كان لعلي «عليه السلام» مثلما كان علي لرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب تعبير أمير المؤمنين «عليه السلام»(1)، أو حسب تعبير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): إنه المؤمن حقاً (2) شقيقه عبد الله بن الحارث النخعي المعروف بالعقاب، وشقيقته سلمى زوجة الهيثم: أبو العريان بن الأسود النخعي، وأبناؤه ممن وصلنا خبرهم:

        1- إبراهيم المولود في بينون في اليمن سنة 9هـ والمستشهد في مسكن في العراق سنة 71هـ(3).

        2- إسحاق المولود في المدينة سنة 11هـ والمستشهد في كربلاء سنة 61هـ(4).

        3ـ علي المعروف في محيط مرقده بـ «علمدار» مرقده في إطراف تبريز(5).

_____________
(1) حيث جاء في أعيان الشيعة: 9/39و 41 والنص جاء كالتالي: «كان لي كما كنت لرسول الله».

(2) أعيان الشيعة: 9/41.

(3) راجع تاريخ المراقد: 1/162، وكانت شهادته في سبيل القضاء على الأمويين.

(4) راجع كتاب إنه المؤمن حقاً: 12.

(5) وجدت في كتاب لأحد السادة الطباطبائيين الذي بحث في قبور الأولياء في إيران، أن هناك مرقد على بن مالك الأشتر، وقد غاب عن ذهني كتابه، ولكن وجدت في بعض المواقع بعض التفاصيل عمن زاره وذهب إلى مرقده وتحدث عنه ميدانياً فقال: يقع على مرقده على قمة جبل من سلسلة جبال ميشوداغ الواقعة على جنوب غربي مدينة مرند التابعة لتبريز، وقد قدر ارتفاع قمة الجبل ب(3155) متراً، ويلقب عند أهالي المنطقة «علمدار» وتعني صاحب الراية، وقد كتب على شاهد المرقد أنه قبر علي بن مالك الأشتر النخعي الملقب بعلمدار، وإذا صحت الرواية فلا بد أن تكون شهادته في أحدى فتوحات المسلمين للمنطقة، ويبدو أنه صاحب راية في تلك الفتوحات، والله العالم بحقائق الأمور، وجاء في فتوح البلدان: 318 أن المغيرة بن شعبة غزا آذربايجان من الكوفة سنة 22هـ حتى انتهى إليها ففتحها عنوة ووضع عليها الخراج، ولما ولي علي «عليه السلام» ولى سعيد بن سارية الخزاعي.

(101)

        4- محمد المؤمن المولود في المدينة سنة 24هـ والمتوفى سنة 66هـ في سمرقند(1).

        5- عبد الله والذي شارك في فتح قرقيسياء(2) في الشام سنة 16هـ(3).

        وللجميع عقب في كل العراق وإيران والأندلس وغيرها(4).

        وبالنسبة إلى الفرقة الإسحاقية التي عرفت بالغلو على فرض صحة النسبة فليس هو المقصود، بل المقصود هو إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان بن مرار بن عبد الله بن الحرث بن أبو يعقوب الأحمر النخعي، وهو من أحفاد عبد الله بن الحارث أخو مالك الأشتر(5).

        وفي نهاية المطاف فإن وجود اسحاق بن مالك الأشتر كشخصية وحضوره كربلاء لا ينافي القواعد العامة، ومن المستبعد أن يقوم أحد بخلق شخصيته ويسرد مثل هذا النضال إليه وينظم رجزاً باسمه في مبارزنه الأولى

_______________________
(1) راجع شجرة آل مروة اللبنانيين.

(2) قرقيسياء: تابعة ادارياً لمحافظة الحسكة في سوريا.

(3) فتوح الشام: 2/104، ومن المفروض أن يكون له من العمر آنذاك فوق العشرين وهذا يعني أنه ولد قبل الهجرة على الأقل بأربع سنوات ومن الصعب قبوله إلا إذا قلنا بأنه أكبر من إبراهيم الأشتر وبما أن مالك الأشتر ولد قبل الهجرة بخمس وعشرين سنة، واحتملنا أن ولادته كانت قبل السنة الخامسة قبل الهجرة في اليمن فإن ذلك يصح، والله العالم بحقائق الأمور.
(4) وهناك شخص آخر ورد إسمه في الإمامة والسياسة: 2/79 وذكر بأنه اشترك مع موسى بن نصير في فتح الأندلس باسم جعفر بن الأشتر، ومن المعلوم أن فتح الأندلس تم سنة 92هـ وكان فيها من أحفاد مالك الأشتر حيث ذكر نفح الطيب: 3/143 قائلاً: ومن القادمين على الأندلس من المشرق: أحمد بن الحسن بن الحارث بن عمرو بن جرير بن ابراهيم بن مالك المعروف بالأشتر بن الحارث النخعي يكنى أبا جعفر، دخل الأندلس في أيام الأمير محمد بن عبد الرحمان (207- 273هـ) وأصله من الكطوفة ونزل برية- راجع الإسلام في الأندلس: 36.

وبالنسبة إلى جعفر بن الأشتر نظنه والله العالم أنه حفيد إبراهيم بن مالك الأشتر، ألا وهو جعفر بن محمد بن عبد الله بن مالك الأشتر- راجع توضيح المشتبه: 1/231، والله العالم.

(5) راجع تنقيح المقال: 1/121، وقاموس الرجال: 1/778.

(102)

 

دالية، وفي المبارزة الثانية بائية، هذا ولا يصح رده بعد ما ورد في المأثور: «كل ما طرق سمعك فضعه في بقعة الإمكان»(1).

        هذا كل ما كان يمكن الحديث عنه حول إسحاق بن مالك الأشتر.

        وقد نظمت في حق إسحاق الأشتر قصيدة من بحر الرجز المرفل(2) تحت عنوان «شلو شجاع» بتاريخ: 4/5/1433هـ.

من مالك في كربلا شلو شجــــــــاع(3)       أفدى حسيناً إنه النور الشعـــــــــاع

أعني به إسحاق من يجري إلى الهـــيـ       ـجاء التي أقطابها بهم سبــــــــاع(4)

من لا يهاب الموت في يوم الوغى حتـ      ـى يلتقي رب العلا وهو المبــــاع(5)

حيث اشترى مرضاة رحمانٍ بنفــــسٍ       كانت عطاءً صبره هذا متــــــــــاع

من أشترٍ ذا نبعه من ذي فقــــــــــــار        ذا عزه، بل قتله ذا لا يبــــــــــاع(6)

من قبره في نينوى يرضي حسينـــــاً        قد شرفت حتماً به هذي البقــــــــاع

قد نال فضلاً بالفدا يرجو ثواب الـــــ               أخرى وفي الأولى علا هذا الشجاع

هذا أبوه من علي كان ظـــــــــــــهراً                إن الفتى للسبط والـــــمولى ذراع(7)

قد صاحب المولى علياً في الـمعـــالي        حتى فشا في أهله فضـــــل مشاع(8)

يا صاحبي فابك الذي أفـــــــدى ولاءً        في والدٍ إذ نجله ديناً يطـــــــــــــاع

في بذل غالٍ أو نفيسٍ دون مــــــــــن       إذ جاء ذا فوق المنى ما يستطاع(9)

 

_____________
(1) وتتمة الكلام «حتى يذودك عنه قاطع البرهان» والمقولة تنسب إلى إبن سينا.

(2) وزنه: مستفعلن مستفعلن مستفعلاتن ×2.

(3) الشلو: الإنسان والعضو منه.

(4) البهم: الشجعان.

(5) الوغى: الحرب.

(6) ذو فقار: سيف علي بن أبي طالب «عليه السلام» كناية عن صاحبه.

(7) الذراع: كناية عن السند والعون.

(8) المشاع: المنتشر بين هذا البيت الهاشمي.
(9) المن: التباهي على الآخر بما أسدى إليه من معروف.

(103)

 

(104)

 

(7)

أسد بن حارثة الكلبي

(ن30- 61هـ = 650- 680م)

 

        أسد بالتحرك هو الحيوان الضاري المفترس والدال على الشجاعة والذي كان ولازال يسمي الإنسان نفسه به للتفاؤل شجاعة مولوده، وسيأتي بيان ذلك في أسد بن سماك الخزرجي.

        ورد أسم أسد الكلبي في شهداء الطف في نسخة قديمة لمقتل الحسين لأبي مخنف المطبوع في الهند باسم «تاريخ أبي مخنف في مقتل الحسين» ونصه جاء كالتالي:

        « ثم زلف- الحسين- نحو القوم، وقال: يا ويلكم علام تقاتلوني على حق تركته، أم على سنة غيرتها، أم على شيعة بدلتها؟

        فقالوا: بل نقاتلك بغضاً منا لأبيك، وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين.

        فلما سمع كلامهم بكى بكاءاً شديداً، وجعل ينظر يميناً وشمالاً فلم ير أحداً من أنصاره إلا من صافح التراب جبينه، ومن قطع الحمام أنينه، فنادى يا مسلم بن عقيل، ويا هاني بن عروة، ويا حبيب.

 بن مظاهر، ويا زهير بن القين، ويا يزيد بن مظاهر، ويا يحيى بن كثير، ويا نافع بن هلال، ويا يزيد ب مظاهر، ويا يحيى بن كثير، ويا نافع بن هلال، ويا إبراهيم بن الحصين، ويا عمير بن مطاع، ويا أسد الكلبي، ويا عبد الله بن عقيل، ويا علي بن الحسين، ويا مسلم بن عوسجة، ويا داود بن طرماح، ويا حر الرياحي، ويا أبطال الصفاء، ويا فرسان الهيجاء، ما لي أناديكم فلا تجيبوني؟ وأدعوكم فلا تسمعوني؟ أنتم نيام أرجوكم تنتبهون؟ أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصوره؟ فهذه نساء الرسول

(105)

 

لفقدكم قد علاهن النحول فقوموا من نومتكم أيها الكرام وادفعوا عن حرم الرسول الطغام واللئام، ولكم صرعكم والله ريب المنون، وغدر بكم الدهر الخؤون، وإلا لما كنتم عن دعوتي تقصرون، ولا عن نصرتي تحتجبون، فها نحن عليكم مفتجعون، وبكم لاحقون، فإنا لله وإنا إليه راجعون»(1) ولكن في النسخة المتداوله جاءت مختصرة(2) فأسقط بعض الأسماء ومنها أسد الكلبي.

        وجاء في فرسان الهيجاء: أن رياض الشهادة أورد ذكره إلى جانب أسد بن أبي دجانة السابق الذكر، وأضاف قائلا بأنه لا يمكن اتحادهما لأن هذا كلبي وذاك أنصاري ليس بكلبي(3).

ونضيف ونقول: إن أبي دجانة خزرجي وهذا كلبي ولا تجتمع القبيلتان، رغم أن كلاهما قحطانيان وأقرب مكان يمكن أن يلتقيا به هو عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان، حيث أن عمراً له ابن باسم أراش، وهو جد كلب بن عمرو بن لؤي، وابن آخر باسم الخزرج بن عمرو(4)، فاحتمال اتحادهما غير وارد من جهة النسب، ومن حيث أنه ذكرهما معاً لا يمكن القول باتحادهما.

        أما من هو أسد أسد الكلبي؟ وقد تحرينا كتب الرجال والأعلام وسبرنا كتب السير والتاريخ فلم نحصل إلا على أسد بن حارثة الكلبي، وممن احتمل أنه هو صاحب المستدركات(5) حيث قال: «عد من الصحابة، ولعله أسد الكلبي الآتي» وقال في الآتي: وأسد الكلبي لم يذكروه، هو شهيد الطف، حيث إنه عده الحسين صلوات الله عليه فيمن ذكرهم حين الاستنصار، كما نقله أبو مخنف في مقتله، وعن رياض الشهداء عده من الشهداء، ويحتمل اتحاده مع أسد بن حارثة الكلبي المذكور».

____________
(1) تاريخ أبي مخنف في مقتل الحسين: 40.

(2) مقتل الحسين لابي مخنف: 133.

(3) فرسان الهيجاء: 1/34 عن رياض الشهادة: 2/161.

(4) راجع معجم أنصار الحسين (غير الهاشميون): 1/110 و160.

(5) مستدركات علم رجال الحديث: 1/93 و594.

(106)

 

        فالاحتمال وارد ولكن بحاجة إلى نقاشين إن لم نقل ثلاثة، وسنبين ذلك في نقاط ثلاث:

        النقطة الأولى: من هو أسد بن حارثة؟

        لقد ورد اسمه في كل من الإصابة(1) الاستيعاب(2) وأسد الغابة(3)، ننقل ما ورد في المصدر الأخير لأنه أجمع منهما، وكل ما ورد فيهما ورد في الأخير فقال:

        «أسد بن حارثة العليمي الكلبي من بني عليم بن جناب، قدم على النبي هو وأخوه قطن بن حارثة في نفر من قومهم فسألوه الدعاء لقومهم في غيث السماء، وكان متكلمهم وخطيبهم قطن بن حارثة، وذكر حديثاً فصيحاً كثير الغريب من رواية ابن شهاب، عن عروة بن الزبير(4)، وذكره ابن عبد الله(5)، كما ذكرناه، وقال هشام الكلبي- المتوفى سنة 206هـ-: حارثة وحصن إبنا قطن بن زابر بن حصن بن كعب بن عليم بن جناب، وفد على النبي (ص)، وجاء في حارثة نسبة كاملة حيث أورد قائلا: حارثة بن قطن بن زابر بن كعب بن حصن بن عليم بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد بن اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة الكلبي(6) وكتب الرسول (ص) لهما كتاباً»(7) ولا يخفى أن الوفد وصل إلى المدينة بعد رجوع الرسول (ص) من فتح مكة في السنة التاسعة من الهجرة(8).

        النقطة الثانية: هل هو من المستشهدين في كربلاء يوم عاشوراء أم في غيرها؟

___________
(1) الإصابة: 1/32.

(2) الاستيعاب بهامش الإصابة: 1/99.

(3) أسد الغابة: 1/84.

(4) نص الجميع إلى هنا متحد مع ما أوردناه.

(5) ابن عبد الله: هو صاحب الاستيعاب.

(6) أسد الغابة: 1/427.

(7) راجع الطبقات الكبرى: 1/334.

(8) راجع سبل الهداية والرشاد: 6/401.

(107)

 

        إن نداء الإمام الحسين «عليه السلام» شمل خمسة عشر إسماً من أنصاره وأهل بيته، وأسد هذا واحد منهم، ومن سرد الاسماء يخيل لي أنه بدأ بمن استشهد في الكوفة وذكر منهم مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، ثم سرد بعده من استشهدوا في كربلاء، فإن صح هذا التوجه فهو ممن استشهد في كربلاء، والله العالم.

        النقطة الثالثة: هل يمكن الاعتماد على مقتل الحسين لأبي مخنف أم لا؟

        أولاً: المؤلف هو لوط بن يحيى بن سعد بن مخنف بن سليم الأزدي الغامدي، والمكنى بأبي مخنف المتوفى سنة 158هـ، ولا نريد البحث عن حياته وعن صحبته للأئمة الأطهار «عليه السلام»، ولكن نريد التحدث عن وثاقته، فالظاهر أنه لا غبار على وثاقته وعلى أنه من رواة مقتل الإمام الحسين «عليه السلام»، وقد روى عنه معظم المؤرخين حيث كان علما في ذلك.

        ثانياً: المؤلف: هو مقتل الحسين «عليه السلام» فلا شك أنه صنف في مقتل الإمام الحسين «عليه السلام»، ولكن ذكر بأنه مفقود، وما في اليد إنما هو منسوب إليه، وقد تحدث بذلك عدد من المحققين، ولكي تتضح الصورة لابد من بيان بعض التفاصيل التي يمكن التحدث عنها وربما تكون مفيدة.

        في البدء لابد وأن نعلم بأن النسخ الأساسية المطبوعة لمقتل الحسين لأبي مخنف أربعة حسب استطلاعنا(1).

        أ- النسخة التي نقل عنها الطبري وأمثاله(2).

______________

(1) أما النسخ المخطوطة فقد أحصاها الاستاذ كامل سلمان الجبوري فكانت أربع عشرة نسخة، فمن أراد الاطلاع عليها فليراجع كتابه مقتل الإمام الحسين بن علي: 32، ونحنه لم نتمكن من الاطلاع على جميع النسخ.

(2) وقد استل جماعة من الفضلاء ما ورد في تاريخ الأمم والملوك للطبري وأعطوه طابع الاستقلالية وعنونوه بعنوان آخر ومن تلك: 1- وقعة الطف إعداد محمد هادي اليوسفي الغروي طبع سنة 1367هـ، 2- كتاب مقتل الحسين، إعداد حسين الغفاري، طبع سنة 1398هـ، 3- مقتل الإمام الحسين بن علي، إعداد كامل سلمان الجبوري طبع سنة 1420هـ، وقد ترجم وقعة الطف من قبل علي محمد الموسوي الجزائري وسماه: أولين مقتل سالارشهيدان، وقد طبع سنة 1420هـ.

(108)

 

        ب- النسخة التي طبعت في بمبي- الهند- في نهاية الجزء العاشر من البحار في طبعته الحجرية في بمبي وذلك في شهر محرم من سنة 1287هـ كما ورد في الذريعة(1) وهو باسم تاريخ أبي مخنف في مقتل الحسين الذي في حوزتنا(2).

        ت- النسخة المطبوعة في بغداد عبر المكتبة العلمية بمطبعة البصري بتاريخ: 28/4/1966م الموافق لـ 7/1/1386هـ والتي هي موجودة في مكتبتنا(3).

        ث- النسخة التي أودعها القندوزي(4) في كتابه ينابيع المودة تحت الباب الحادي والستين(5) وهذه النسخة تختلف عن النسخة المتداولة بعض الشيء.

_____________
(1) الذريعة: 22/27 تحت رقم (5859).

(2) والظاهر أن هذه النسخة طبعت في سنة 1301هـ، أيضا بالطبعة الحجرية مستقلة، ثم في بمبي ملحقاً بها كتاب الملهوف لإبن طاوس وذلك سنة 1311هـ، ثم طبعت في بمبي أيضا بشكل مستقل في سنة 1349هـ.

(3) هذه الطبعة مطابقة لطبعة النجف لسنة 1343هـ، وكذا طبعة المطبعة الحيدرية- النجف سنة 1347هـ، وطبعة المطبعة العلمية النجف سنة 1353هـ، وطبعة الوفاء بيروت سنة 1403هـ، وطبعة ارضي في قم سنة 1402هـ، وطبعة الأعلمي في طهران سنة 1408هـ. وقد ترجمت هذه النسخة إلى الفارسية من قبل عدد من المترجمين بعناوين مختلفة وهي كالتالي:

1- كنز الأسف على شهيد الطف، ترجمة سيف الدين بن محمد تقي المحلاتي.

2- مفتاح البكاء والحزن والأسف على شهيد الطف، ترجمة محمد طاهر بن محمد باقر الموسوي الدزفولي سنة 1322هـ.

3- أولين تاريخ كربلا ترجمة محمد باقر ومحمد صادق الأنصاري سنة 1405هـ.

4- ترجمة مقتل أبو مخنف لعلي أكبر شرقي- راجع كتابشناسي إمام حسين «عليه السلام»: 24، إن بعض هذه التراجم موجود في مكتبتنا.

(4) القندوزي: هو سليمان بن إبراهيم بن محمد الحسيني البلخي (1220- 1270هـ) يعرف بخواجة كلان، قيل إنه من المتصرفة، له من المؤلفات: أجمع الفوائد، مشرف الأكوان وغيرهما.

(5) ينابيع المودة: 2/158 وتقع هذه الطبعة في 62 صفحة، وهي تقريبا تعادل النسخة المتداولة.

(109)

 

        ولم أجد نسخة خامسة حسب استطلاعي، ومن المؤكد أن النسخة الثالثة مأخوذة من النسخة الثانية ولكن بالإجمال فيها بعض السقطات، إما عن تعمد لأجل الاختصار أو من سهو الناسخ، وأما النسخة التي اطلع عليها بعض المؤرخين القدامي في القرنين الثالث والرابع الهجريين تختلف عن هذه النسخة المطبوعة في الهند، ويستئف من كل ما روي عن أبي مخنف أو ما نسب إليه أنه لم يرد كله لا في المصادر ولا في المقتل المنسوب إليه، ومما لاشك فيه أنه حرر كتاباً في مقتل الإمام الحسين «عليه السلام» على ما ورد في العديد من المؤلفات، منها: الفهرست(1) للطوسي المتوفى سنة 460هـ، والفهرست(2) لإبن النديم المتوفى سنة 438هـ. إذاً ما وصلنا فهو جزء من كتابه، ولعله بسبب الظروف السياسية التي كان الموالون لأهل البيت «عليه السلام» يعيشونها كانت الكتب التي ترتبط بهم تغيب عن الوجود.

        والظاهر أن هذه النسخ الأربع المتوفرة لدينا كلها نقلت مقتطفات من المقتل الذي ألفه أبو مخنف، ولو جمعت معاً وهذيت وشذبت بإمعان ودقة لكان أقرب إلى ما كتبه وصنفه، والله العالم.

        ومن جهة أخرى فإن بعض المعاصرين من أهل الفن والذوق جمعوا كل ما رواه الطبري عن أبي مخنف والذي هو أبرز من روى عنه في مسألة مقتل الإمام الحسين «عليه السلام» وأودعه في كتاب فصدر باسم وقعة الطف لأبي مخنف(3) وباسم مقتل الحسين لأبي مخنف(4)، ومن يلاحظ الكتابين يجدهما مختلفين يتطابقان في مكان ويختلفان في مكان، وفيهما زيادة ونقصان.

        وفي مسألة النسخ الواصلة إلينا وما ورد حولها من انتقادات من قبل عدد من العلماء والمحققين فمما لا شك فيه: أن هناك أموراً جعلتهم يتخذون قرارهم بعدم صحة النسخة المتداولة من مقتل أبي مخنف لوجود عدد من الاختراعات، هذا وقد تحدث عن هذه النسخة كل من كتاب

_______________

(1) الفهرست للطوسي: 159.

(2) الفهرست لابن النديم: 149.

(3) قام هذا العمل المحقق الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي سنة 1367ش (1408هـ).

(4) لقد قام بذلك المحقق الشيخ حسن الغفاري بتاريخ 15/10/1398هـ.

(110)

 

اللؤلؤ والمرجان للنوري(1) وأعيان الشيعة(2) للأمين، ونفس المهموم(3) للقمي، ولكن أفضل من جمع هذه الانتقادات كمقدمة لكتابه وقعة الطف هو اليوسفي، حيث أورد ما أشكله الأعلام وأضاف عليه، فكان ضافياً، ونحن نورد  نصه رغم طوله لكي يتبين الحال، قال تحت عنوان «الاخطاء الفاحشة في هذا المقتل المتداول» وعرضها يتم ضمن عشرين نقطة:

        1- يفاجأ القارئ البصير في أول سطر من أول صفحة من هذا المقتل المتداول بهذه الغلطة الفاضحة: «قال أبو مخنف(4): حدثنا أبو المنذر هشام عن محمد بن سائب الكلبي(5)»! فترى أبا مخنف هنا- وهو شيخ هشام- ناقلاً عن هشام تلميذه! وهو بدوره محدثاً له عن أبيه محمد بن السائب الكلبي!، فيا ترى كم كان جامع هذا الكتاب جاهلاً بتراجم الرجال حتى خفي عليه هذا!(6).

____________
(1) اللؤلؤ والمرجان: 150.

(2) أعيان الشيعة: 4/615.

(3) نفس المهموم: 176.

(4) أبو مخنف: هو لوط، بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم بن الحارث الغامدي الأزدي الكوفي (57- 157هـ) من عيون المؤرخين ومن الموالين لأهل البيت «عليه السلام»، روى عن 190 راوياً، وروى عنه أحد عشر راوياً، بلغت مؤلفاته ستين مؤلفاً منها كتاب السقيفة، وكتاب الجمل، وكتاب صفين.

(5) أبو المنذر هشامبن محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث بن عبد الحارث الكلبي (110- 204هـ) من عيون المؤرخين، روى عن أبي مخنف، وله من المؤلفات نحو ثلاثين كتابا، منها: جمهرة الأنساب، كتاب تسمية ولد عبد المطلب، وكتاب أمهات النبي.

ولا يخفى أن هشام الكلبي يروي عن أبي مخنف وهو يروي عن عبد الرحمان بن جندب الأزدي وهو بدوره يوري عن أبيه جندب بن عبد الله الأزدي صاحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد روى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن سلمان المحمدي، سكن الكوفة، وقد عده الطوسي في رجاله: 37 من أصحاب الإمام علي «عليه السلام»، وابنه عبد الرحمان فقد كان من أصحاب الإمام علي «عليه السلام» أيضا كما في رجال الطوسي: 50، وله روايات كثيرة راجع مستدركات علم رجال الحديث: 4/390.

(6) راجع النص من طبعة بغداد: 2، طبعة بمبي: 3 غير موجود.

(111)

 

        2- وتقلب بعد هذا ثلاث من صفحات الكتاب فتجده يقول: «وروى الكليني في حديث»(1)، فليت شعري من هذا الذي يروي عن الكليني المتوفى سنة 329هـ، وقد توفي أبو مخنف سنة 157هـ؟! والرواية بعد غير موجودة في الكافي.

        3- ثم تقلب صفحات أخرى فتجده يقول: «قال: فأنفذ (يزيد) الكتاب إلى الوليد، وكان قدومه لعشرة أيام خلون من شعبان»(2).

        هذا وقد أجمع المؤرخون- ومنهم أبو مخنف براوية الطبري- على أن الحسين «عليه السلام» دخل مكة لثلاث خلون من شعبان(3)! فكيف التوفيق؟!.

        4- ويتفرد في حديث مقتل مسلم بن عقيل، بنقل خبر حفر حفيرة له وقع فيها فأخذ مكتوفاً إلى ابن زياد، فيقول: «وأقبل عليهم لعين! وقال لهم: أنا أنصب لهم! شركاً: نحفر له بئراً في الطريق ونطمها!َ بالدغل! والتراب، ونحمل عليه وننهزم قدامه! وأرجو أن لا يفلت منها»(4).

        5- وينفرد في حديث مقتل مسلم أيضاً بقوله: «لما قتل مسلم وهاني إنقطع خبرهما عن الحسين «عليه السلام»! فقلق قلقاً عظيماً! فجمع أهله... وأمرهم بالرحيل إلى المدينة! فخرجوا سايرين بين يديه إلى المدينة حتى دخلوها! فأتى قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والتزمه! وبكى بكاءا شديداً، فهومت عيناه بالنوم»(5)، وليس لهذا الخبر أي أصل أو أثر في أي كتاب أو سفر.

        6- وينفرد في حديث نزول الإمام الحسين «عليه السلام» في كربلاء بنقل خبر ركوب الإمام سبعة أفراس ونزوله منها وتوقفها وعدم تقدمها(6).

____________
(1) طبعة بغداد: 6، وطبعة بمبي: 4 وفيه روى الكلبي.

(2) طبعة بغداد: 10، طبعة بمبي: 6.

(3) جاء في تاريخ الطبري: 3/293 ما نصه: «ودخل- الحسين- مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان» وهو برواية أبي مخنف عن الصقعب بن زهير عن عوف بن أبي جحيفة.

(4) طبعة بغداد: 30، وطبعة بمبي: 17.

(5) طبعة بغداد: 34، وطبعة بمبي: 19.

(6) طبعة بغداد: 41، وطبعة بمبي: 24

(112)

 

        7- وينفرد بنقل حديث الإمام علي بن الحسين «عليه السلام» ليلة العاشر من المحرم، في يوم نزول الإمام بكربلاء(1).

        8- وينفرد بذكر عدد عساكر ابن سعد في كربلاء ثمانين ألفاً(2).

        9- وينفرد بنقل خطبة زهير بن القين يوم نزول العساكر بكربلاء، ويقول: «ثم أقبل على أصحابه قال: معاشر المهاجرين والأنصار! لا يغرنكم كلام هذا الكلب المعلون وأشباهه!! فانه لا ينال شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إن قوماً قتلوا ذريته وقتلوا من نصرهم فإنهم في جهنم خالدون أبداً»!(3).

        10- وينفرد بنقل خبر حفر الحسين «عليه السلام» بئراً ويقول: «فلم يجد فيها ماءً»(4).

        11- وينفرد بتكرير حديث ليلة عاشوراء وصبيحتها ثلاث مرات فيذكر في الأولى خطبة للإمام الحسين «عليه السلام»(5) ومقتل أخيه العباس «عليه السلام»(6)!، وينفرد فيه بقوله: «فأخذ السيف بفيه»(7)، ثم يقول: «ونزل إليه وحمله على ظهر جواده وأقبل به إلى الخيمة وطرحه وبكى بكاءً شديداً حتى بكى جميع من كان حاضراً»(8).

        ثم يكر على ليلة عاشوراء فيقول: «ثم أقبل على أصحابه وقال لهم: يا أصحابي، ليس طلب القوم غيري! فإذا جن عليكم الليل فيسروا في ظلمته»(9) ثم يقول: «وبات تلك الليلة، فلما أصبح..»(10).

____________
(1) طبعة بغداد: 42، وطبعة بمبي: 24.

(2) طبعة بغداد: 43، وطبعة بمبي: 45.

(3) طبعة بغداد: 47، وطبعة بمبي: 27، في نسخة الينابيع لا ذكر للخطبة.

(4) طبعة بغداد: 47، وطبعة بمبي: 27، في نسخة الينابيع: 2/165.

(5) طبعة بغداد: 50، وطبعة بمبي: 28، في نسخة الينابيع: 2/166.

(6) طبعة بغداد: 50، وطبعة بمبي: 28، في نسخة الينابيع: 2/166.

(7) طبعة بغداد: 49، وطبعة بمبي: 28، في نسخة الينابيع: 2/165.

(8) طبعة بغداد: 50، وطبعة بمبي: 28، في نسخة الينابيع: 2/166.

(9) طبعة بغداد: 50، وطبعة بمبي: 28، في نسخة الينابيع: 2/166، وفي الخطبة اختلاف.

(10) طبعة بغداد: 50، وطبعة بمبي: 28، نسخة الينابيع لا يوجد فيها هذا المقطع.

(113)

 

        ثم يعود على صبيحة عاشوراء ويذكر فيها خطبة أخرى للإمام «عليه السلام»، وينفرد بذكر إرسال رسول من قبل الحسين «عليه السلام» باسم أنس بن كاهل إلى ابن سعد(1)، بينما الرسول هو أنس بن الحرث بن كاهل الأسدي.

        ثم يكر ثالثة على ليلة عاشوراء فيذكر الخطبة المعروفة للإمام «عليه السلام» على أصحابه وأهل بيته في تلك الليلة... ثم يعود على تعبئة الحسين «عليه السلام» وابن سعد(2).

        12- وينفرد في أصحاب الإمام الحسين «عليه السلام» بذكر إبراهيم بن الحسين(3).

        13- ويذكر الطرماح مع من قتل مع الإمام «عليه السلام»، بينما يروي الطبري عن الكلبي عن أبي مخنف: إنه لم يحضر كربلاء ولم يقتل مع الإمام «عليه السلام»(4)، وعلى هذا يعلق المحدث القمي في كتابه: نفس المهموم(5).

        14- ويذكر في قصة الحر الرياحي أبياتاً هي لعبيد الله بن الحر

__________
(1) طبعة بغداد: 51، وطبعة بمبي: 29، في نسخة الينابيع: 2/166.

(2) طبعة بغداد: 52، وطبعة بمبي: 29، نسخة الينابيع لا يوجد فيها هذا المقطع.

(3) طبعة بغداد: 60، طبعة بمبي: 33، وفي نسخة الينابيع 2/167 لا ذكر له هل نسب الرجز الدالي إلى زهير بن القين البجلي، وقد سبق الحديث بأن هذه الأبيات تناسب إبراهيم بن الحسين «عليه السلام».

(4) طبعة بغداد: 62، طبعة بمبي: 34، وفي نسخة الينابيع: 2/170 لا وجود له.

(5) نفس المهموم: 176، وفيه بعد نقله عن تاريخ الطبري: 3/308 أن الطرماح استأذن الإمام الحسين «عليه السلام» ليوصل الميرة إلى أهله بالكوفة ويرجع لنصرته، ولما رجع ووصل عذيب الهجانات استقبله سماعة بن بدر فعنى الحسين «عليه السلام» ورجع، قال ما نصه: «فظهر بهذه الرواية التي نقلها أبو جعفر الطبري عن أبي مخنف أن الطرماح بن عدي لم يحضر وقعة الطف، ولم يكن في الشهداء، بل لما سمع خبر شهادة الحسين «عليه السلام» رجع إلى مكانه، فما في هذا المقتل المنسوب إلى أبي مخنف قال الطرماح بن عدي رحمه الله تعالى كنت في القتلى وقد وقع من جراحاته ولو حلفت لكنت صادقاً أني كنت غير نائم إذ أقبل عشرون فارساً الخ، فهو شيء ليس عليه الاعتماد ولا إليه الركون والاستناد، والله الموفق للسداد» راجع نص أبي مخنف في مقتل الحسين طبعة بغداد: 87، وطبعة بمبي: 47.

(114)

 

الجعفي صاحب قصر بني مقاتل، ولا يتنبه إلى عدم تناسبها مع حال الحر إذ يقول فيها: «وقفت على أجسادهم وقبورهم»(1)، فواجهلاً من جامع هذا الكتاب!.

        15- وينسب إلى الإمام الحسين «عليه السلام» أبياتاً في رثاء الحر لا تناسب أن تكون للإمام، منها:

ونعم الحر إذ واسى حسيناً           لقد فاز الذي نصروا حسيناً(2)

        16- وينسب إلى الإمام الحسين «عليه السلام» أبياتاً ثلاثة في رثاء أصحابه، وهي صريحة في أنها ليست للإمام «عليه السلام»، وإنما هي لأحد من الشعراء المتأخرين، حيث يقول فيها: «نصروا الحسين فيالها من فتية»(3) هكذا.

        17- وينفرد في تعيين يوم نزول الإمام الحسين «عليه السلام» أنه كان يوم الأربعاء(4)، ويقول في شهادته «عليه السلام» أنها كانت يوم الإثنين(5)، وهذا يقتضي أن يكون نزوله بكربلاء في اليوم الخامس من المحرم!  وقد أجمع المؤرخون ومنهم أبو مخنف برواية الطبري- على أن نزوله كان في اليوم الثاني من المحرم وأنه كان يوم الخميس(6)، ومقتله كان يوم الجمعة.

        18- يبتدئ من الحديث رقم (150)(7) بإكثار النقل عمن يدعى: سهل الشهرزوري فيحشره مع أهل البيت «عليه السلام» من الكوفة إلى الشام إلى المدينة، فينسب إليه في الكوفة أبيات سليمان بن قتة الهاشمي، على قبر

______________
(1) طبعة بغداد: 67، وطبعة بمبي: 36، ونسخة الينابيع: 2/170.

(2) طبعة بغداد: 69، وطبعة بمبي: 37، ونسخة الينابيع: 2/170.

(3) طبعة بغداد: 75، وطبعة بمبي: 37، ولا يوجد في نسخة الينابيع.

(4) طبعة بغداد: 41، وطبعة بمبي: 24، ولم يذكر في نسخة الينابيع.

(5) طبعة بغداد: 82، وطبعة بمبي: 44، نسخة الينابيع: 2/174 وفيها أنه قتل يوم الجمعة عاشر محرم سنة إحدى وستين.

(6) وروده إلى كربلاء من نينوى كان يوم الخميس الثاني من محرم ومقتله يوم الجمعة عاشر المحرم، وهو المطابق مع تحقيقاتنا لرؤية الهلال في الأشهر السابقة واللاحقة وما ورد في التواريخ المعتبرة.

(7) طبعة بغداد: 90، وطبعة بمبي: 48، لا وجود له في نسخة الينابيع، ولا يخفى أن هذه الطبعة ليس فيها أرقام.

(115)

الإمام الحسين «عليه السلام»: «مررت على أبيات آل محمد»(1)، وينسب إليه ف