معجم أنصار الحسين  (الهاشميون)(الجزء الثالث)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (الهاشميون)(الجزء الثالث)

المؤلف : محمد صادق محمد (الكرباسي)
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن – المملكة المتحدة

 

 

 

      فكتب هشام إلى خالد القسري أن يقبض على الكميت ويسجنه لينفذ حكم الأعدام(1).

      وذكر المرزباني: بأن دعاء الإمام الباقر «عليه السلام» كان سبباً في خلاصه من السجن حيث تواطأ بعض أصحابه مع زوجته أن تزوره ويتبادلان الأزياء فهرب من السجن في زي زوجته دون أن ينتبه إليه الحراس(2)، وحاولوا القبض عليه والقضاء عليه، فعلم الإمام الباقر «عليه السلام» بذلك فدعا له، فلما خرج الكميت في ظلمة الليل هارباً، وكانوا قد أقعدوا على كل طريق حرساً ليقبضوا عليه إذا يمضي في ذلك الطريق فسلك جانباً آخر فمنعه أيضاً إلى أن اتجه إلى جانب معاكس لذلك فنجاه الله هكذا بدعاء الباقر «عليه السلام»(2)، فتوارى في بني أسد وبني تميم(4).

      ولما طالت فترة اختفائه أرسل أخاه ورداً(5) إلى أبي جعفر الباقر «عليه السلام» يستأذنه بمدح بني أمية صوناً لدمه، وكان ورد ابن زيد الأسدي متلهفاً لرؤية الإمام أبي جعفر فلما وفد عليه أنشده من البسيط:

كم جزت فيك من أحواز وإيقـــــاع وأوقع الشوف بي قاعاً إلى قـاع

يا خير ن حملت أنثى ومن وضعت به إليك غدا سيري وإيضاعــــي

أما بلغتك فالآمال بالغــــــــــــــــة بنا إلى غاية يسعى لها الســاعي

من معشر شيعة الله ثم لكـــــــــــم       صور إليكم بإبصار وإســـماعي

دعاة أمرٍ ونهي عن أئمتهــــــــــم        يوصي بها منهم واعٍ إلى واعي

 

________
(1) حياة الإمام محمد الباقر: 1/353- 354.

(2) أخبار شعراء الشيعة: 78 وحياة الإمام محمد الباقر: 1/355.

(3) الغدير: 2/203 عن الخرايج والجرايح.

وجاء في معاهد التنصيص: 2/28 أن الطريق الذي منعه السبع كان طريق القطقطانة. وأما الطريق الذي سلكه وكان آمناً فكان طريق الشام.

(4) الغدير: 2/203 عن معاهد التنصيص: 2/28.

(5) ورد ابن زيد الأسدي: هو أخو الكميت، وكان من الموالين لأهل البيت «عليهم السلام»، وكان أصغر منه، وكان أديباً شاعراً، اختص كأخيه بأهل البيت «عليهم السلام» ومن المجاهرين بحبهم.

(207)

 

لا يسأمون دعاء الخير ربهم       إن يدركوا فيلبوا دعوة الداعي(1)

      ثم إن الورد بن زيد قال للإمام «عليه السلام»: أرسلني الكميت إليك وقد صنع بنفسه ما صنع فتأذن له أن يمدح بني أمية؟

      قال الباقر «عليه السلام»: نعم هو في حل، فليقل ما شاء.

      فأوصل الرد إلى أخيه إذن الإمام له فنظم قصيدة رائية من مجزوء الكامل (المرفل الضرب) يقول فيها:

فالآن صرت إلى أميــ       ـة والأمر إلى المصاير

      فتوجه الكميت مع جماعة من بني أسد إلى دمشق، ومن هناك انضم إليهم جماعة من أشرافها فتكلموا مع هشام بن عبد الملك فعفا عنه بعدما أنشده ما أنشأ فيه(2).

      وجاءه الحسن البصري(3) عام 109هـ فقال لأبي جعفر الباقر «عليه السلام» جئتك لأسألك عن أشياء من كتاب الله تعالى.

      فقال له أبو جعفر «عليه السلام»: ألست فقيه أهل البصرة؟ قال: قد يقال ذلك.

      فقال له أبو جعفر «عليه السلام»: هل بالبصرة أحد تأخذ عنه؟ قال: لا.

      قال: فجميع أهل البصرة يأخذون عنك؟ قال: نعم.

      فقال أبو جعفر «عليه السلام»: سبحان الله لقد تقلدت عظيماً من الأمر(4)، بلغني عنك أمر فما أدري أكذاك(5) أنت، أم يكذب عليك؟

___________
(1) راجع حياة الإمام محمد الباقر: 1/330، أعيان الشيعة: 1/655، تأسيس الشيعة لعلوم الأسلام: 189 ولكن الحياة والتأسيس نسبت إلى الكميت، وأما في الأعيان ومقتضب الأثر نسبت إلى الورد بن زيد وقال وهي قصيدة طويلة- راجع بحار الأنوار: 46/346، عن مقتضب الأثر: 49.

(2) راجع حياة الإمام محمد الباقر: 1/3554، الغدير: 2/206 وغيرهما.

(3) الحسن البصري: هو ابن يسار (21- 110هـ) ولد في المدينة وتوفي في البصرة، كان من أعلام البصرة، وفقهائها عرف بمذهبه الاعتزالي، له: كتاب فضائل مكة.

(4) في نسخة: «لقد تقلدت أمراً عظيماً».

(5) في نسخة: «أكذلك».

(208)

 

      قال: ما هو؟

      قال «عليه السلام»: زعموا أنك تقول: إن الله خلق العباد ففوض إليهم أمورهم. قال الراوي: فسكت الحسن.

      فقال أبو جعفر «عليه السلام»: فإني أعرض عليك آية وأنهي إليك خطاباً، ولا أحسبك إلا وقد فسرته على غير وجهه، فإن كنت فعلت ذلك فقد هلكت وأهلكت.

      فقال له: وما هو؟

      قال: أرأيت حيث يقول: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرةً وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين)(1) يا حسن! بلغني أنك أفتيت الناس فقلت: هي مكة. فقال أبو جعفر «عليه السلام» فهل يقطع على من حج مكة وهل يخاف مكة، وهل تذهب أموالهم؟

      قال: بلى.

      قال «عليه السلام»: فمتة يكونون آمنين؟ بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن. فنحن القرى التي بارك الله فيها، وذلك قول الله عز وجل، فمن أقر بفضلنا حيث أمرهم الله أن يأتونا، فقال: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) أي: جعلنا بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها، (قرى ظاهرة)، والقرى الظاهرة: الرسل، والنقلة عنا إلى شيعتنا، وفقهاء شيعتنا إلى شيعتنا، وقوله تعالى: (وقدرنا فيها السير) فالسير مثل للعلم، (سيروا فيها ليالي وأياماً)، مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنا إليهم، في الحلال والحرام، مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنها إليهم، في الحلال والحرام، والفرائض والأحكام، آمنين فيها إذا أخذوا من معدنها الذي أمروا أن يأخذوا منه. (آمنين) من الشك والظلال، والنقلة من الحرام إلى الحلال، لأنهم أخذوا العلم ممن وجب لهم بأخذهم إياه عنهم، المغفرة(2)، لأنهم أهل ميراث العلم من آدم إلى حيث انتهوا، ذرية

___________
(1) سورة سبأ، الآية: 18.

(2) وفي نسخة «المعرفة».

(209)

 

مصطفاة بعضها من بعض، فلم ينته الاصطفاء إليكم،  بل إلينا انتهى، ونحن تلك الذرية المصطفاة، لا أنت ولا أشباهك يا حسن، فلو قلت لك- حين أدعيت ما ليس لك، وليس إليك-: يا جاهل أهل البصرة! لم أقل فيك إلا ما علمته منك، وظهر لي عنك، وإياك أن تقول بالتفويض، فإن الله عز وجل لم يفوض الأمر إلى خلقه، وهناً منه وضعاًـ ولا أجبرهم على معاصيه ظلماً(1).

      54- عام 110هت: ورد جابر بن يزيد الجعفي المدينة والإمام زين العابدين «عليه السلام» لا زال على قيد الحياة فالتقاه وعرض عليه شكاية الموالين لهم مما يلقونه من بني أمية، فدعا إبنه الباقر «عليه السلام» ليريه ما يطمئنه على ترسيخ عقيدته، فسأله الباقر: من أنت؟

      قال جابر: من أهل الكوفة.

      قال «عليه السلام»: ممن؟

      قال جابر: من جعفي.

      قال «عليه السلام»: ما أقدمك إلى هنا؟

      قال جابر: طلب العلم.

      قال «عليه السلام»: ممن؟

      قال جابر: منكم؟

      قال «عليه السلام»: فإذا سألك أحد من أين أنت فقل من أهل المدينة.

      قال جابر: أسألك قبل كل شيء عن هذا أيحل لي أن أكذب؟

      قال «عليه السلام»: ليس هذا بكذب، من كان في مدينة فهو من أهلها حتى يخرج.

      وكان يعده لأن يصبح من خواصه وموضع سره، فأخذه إلى مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأراه بعض ودائع النبوة لتترسخ العقيدة في فؤاده، ولا يعبأ

___________
(1) الاحتجاج للطبرسي: 2/182، حلية الأبرار، 3/390 وهناك من ذكره أكثر تفصيلاً.

(210)

 

بمضايقات بني أمية، فكان كما أراد، ولما رحل الإمام زين العابدين «عليه السلام» لازم حلقة درس الإمام الباقر «عليه السلام» مدة ثماني عشرة سنة، حتى أصبح خواصه وموضع أسراره فاغترف منه الكثير من العلوم والمعارف ومن مآثر الإمامة(1)، ولما أراد الرجوع إلى الكوفة جاءه مودعاً، وقال أفدني.

      قال «عليه السلام»: بعد ثماني عشرة سنة يا جابر؟

      قال جابر: نعم إنك بحر لا ينزف ولا يبلغ قعره.

      قال «عليه السلام»: بلغ شيعتي عني السلام وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله عز وجل، ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة له.

      يا جابر من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا، ومن عصى الله لم ينفعه حبنا.

      يا جابر من هذا الذي سأله الله فلم يعطه؟ أو توكل عليه فلم يكفه؟ أو وثق به فلم ينجه؟

      يا جابر أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته تريد التحول، وهل الدنيا إلا دابة ركبتها في منامك فاستيقظت وأنت على فراشك غير راكب، ولا أحد يعبأ بها، أو كثوب ليسته، أو كجارية وطئتها.

      يا جابر الدنيا عند ذوق الألباب كفيء الظلال، لا إله إلا الله إعزاز لأهل دعوته، الصلاة بيت الإخلاص وتنزيه عن الكبر، والزكاة تزيد في الرزق، والصيام، والحج تسكين القلوب، والقصاص والحدود حقن الدماء، وحبنا أهل البيت نظام الدين، وجعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب، وهم من الساعة مشفقون(2).

      فودعه وخرج متوجهاً نحو الكوفة، ولما وصل جابر جبة(3) جاءه رسول الإمام «عليه السلام» ومعه رسالة مختومة بالطين حرصاً منه على السرية، فتح

___________
(1) راجع مستدركات علم رجال الحديث، 2/106- 109 عن رجال الكشي، وعيون المعجزات.

(2) بحار الأنوار: 75/182 عن الأمالي للطوسي.

(3) جبة: مرحلة من مراحل بين المدينة والكوفة على مقربة من فيد.

(211)

 

الرسالة وإذا فيه يأمر أن يتظاهر بالجنون، بعد فترة من وصوله الكوفة- ونظنه عام 125هـ- وذلك ليدرأ عنه القتل، حيث وشي إلى هشام بن عبد الملك، بان جابراً ممن يدعو إلى أئمة أهل البيت «عليه السلام» فأصدر قراراً يقضي بقتله، وكتب إلى واليه على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي(1): أن انظر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجعفي، فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه، فالتفت الوالي إلى جلسائه، فقال لهم: من جابر بن يزيد الجعفي؟

      قال: أصلحك الله، كان رجلاً له علم وفضل وحديث وحج فجن، وهو ذا في الرحبة مع الصبيان يلعب على القصب.

      فقال: الحمد الله الذي عافاني من قتله(2).

      ومضت الأيام ومات هشام بن عبد الملك في السادس من ربيع الثاني من عام 125هـ، ودارت الدائرة على ولاته ونصب على الكوفة منصور(3) بن جمهور(4)، وسلم جابر الجعفي وعاش حتى عام 128هـ.

      55- عام 111هـ(5): وفي مثله هذا العام توفي ابن آخر للإمام أبي جعفر «عليه السلام» ألا وهو عبيد الله (عبد الله الأصغر) وأمه أم حكيم بنت أسيد بن

______________

(1) يوسف بن عمر الثقفي: هو حفيد محمد بن الحكم المتوفى عام 127هـ والمكنى بأبي يعقوب، كان من جبابرة ولاة العهد الأموي، أصله من البلقاء (بشرقي الأردن) ولي اليمن عام 106هـ ثم العراق عام 121هـ، وأضيفت إليه إمرة خراسان، فاستخلف ابنه الصلت على اليمن، ولما دخل الكوفة قتل سلفه خالد بن عبد الله القسري، ولما كان أواخر عام 126هـ فبض عليه وحبس في دمشق، فأرسل يزيد بن خالد القسري من قتله في السجن.

(2) راجع منهى الآمال (المعرب): 2/149 وبحار الأنوار: 46/282، الاختصاص: 67 وغيرها.

(3) منصور بن جمهور: هو حفيد حصن بن عمرو الكلبي (000- 133هـ)، من سكان المزة (في دمشق)، كان أميراً وفارساً في أيام الأمويين، سار إلى العراق وحكم مدة أربعين يوماً ثم عزل فسار إلى بلاد السند فغلب عليها، انهزم بعد استيلاء أبي العباس السفاح سنة 132هـ، ومات بين السند وسجستان.

(4) تاريخ الطبري: 4/231.

(5) سبق وتحدثنا عن سبب اختيار هذا العام لدى الحديث عن شقيقه الأكبر إبراهيم.

(212)

 

المغيرة بن الأخنس الثقفية، وكان قد توفي شقيقه الأكبر إبراهيم من قبل(1).

      ويروى(2) أن قوماً أتوا أبا جعفر «عليه السلام» فوافقوا صبياً له مريضاً، فرأوا منه اهتماماً وغماً، وجل لا يقر.

      فقالوا فيما بينهم: والله لئن أصابه شيء إنا لنتخوف أن نرى منه ما نكره، فلما لبثوا سمعوا الصياح عليه، فإذا هو قد خرج عليهم منبسط الوجه في غير الحال التي كان عليها.

      فقالوا له: جعلنا فداك لقد كنا نخاف مما نرى منك أن لو وقع أن نرى منك ما يغمنا.

      فقال «عليه السلام»: إنا لنحب أن نعافى فيمن نحب، فإذا جاء أمر الله سلمنا فيما يحب(3).

      56- عام 112هـ(4) بدأت ترسم خيوط نهضة زيد بن علي بن الحسين، وذلك منذ أن التقى زيد هشام بن عبد الملك الأموي بدمشق، حيث يذكر المؤرخون أن هشاماً عهد إلى واليه إبراهيم بن هشام المخزومي(5) بإشخاص زيد إليه، ولما شخص زيد إلى دمشق حجبه عنه مبالغة في توهينه والاستهانة به، وقد احتفى به أهل الشام لما رأوا ما اتصف به من سمو الخلق، وبليغ النطق، وقوة الحجة، والتحرج في

__________
(1) راجع حياة الإمام محمد الباقر للقرشي: 1/93 عن الصراط السوي: 194، والنفحة العنبرية للسيد كاظم اليماني، راجع الإرشاد أيضاً، 2/176 مما يؤكد وفاته في حياة أبيه، ويفهم من تدرجه أنه أصغر من شقيقه إبراهيم.

(2) وضعناه هنا لمجرد الاحتمال لا غير.

(3) بحار الأنوار: 46/ 301.

(4) إنما اخترنا هذا لأن الحدث كان في عهد الإمام الباقر «عليه السلام» كما يفهم من النقاش الذي حصل بين زيد وهشام، وقد صرح بذلك القرشي أيضاً في حياة الإمام الباقر: 2/70، ولأن آخر الأوقات التي يمكن أن تستوعب الحدث هو هذه السنة.

(5) إبراهيم بن مالك المخزومي: هو حفيد إسماعيل (ق80- 126) من أمراء المدينة، كما ولي مكة والطائف (106- 114هـ)، اشتهر بشدته وجبروته، وقد قتل من قبل يوسف بن عمر والي العراق، بعد أن استقصى عنه محمد بن صفوان الجمحي.

(213)

 

الدين، وبلغ ذلك هشاماً فتميز من الغيظ فاستشار بعض مواليه، وطلب منه الرأي للحط من شأنه وتوهينه أما أهل الشام فأشار عليه أن يأذن للناس إذناً عاماً، ويحجب زيداً، ثم يأذن له في آخر الناس فإذا دلخ عليه وسلم فلا يرد عليه سلامه ولا يأمره بالجلوس، وحسب أن ذلك موجب للحط من شأنه والتوهين بشخصيته وفعل هشام ذلك، فلما دخل زيد وسلم لم يرد عليه سلامه فثار زيد في وجهه، وخاطبه بعنف قائلاً:

      «السلام عليك يا أحول فإنك ترى نفسك أهلاً لهذا الاسم..» ونسفت هذه الكلمات جبروت الطاغية، وأطاحت بغلوائه، فصاح بزيد: «بلغني أنك تذكرالخلافة، وتتمناها، ولست أهلاً لها، وأنت ابن أمة..».

      وانبرى زيد يسخر منه، ويدلي بحجته في تفنيد قول هشام قائلاً: «إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحاق فلم يمنعه ذلك أن بعثه الله نبياً، وجعله أباً للعرب، وأخرج من صلبه خير الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)...».

      وفقد هشام توازنه أمام هذا المنطق الفياض، وسرت الرعدة في أوصاله فراح يتهجم على الإمام محمد الباقر «عليه السلام» فقال له:

      «ما يصنع أخوك البقرة؟..»

      ولا يلجأ إلى هذا المنطق الرخيص إلا كل جاهل يعوزه الدليل، والبرهان وشعر زيد بألم حينما سب أخاه فالتفت إلى الطاغية قائلاً:

      «سماه رسول الله الباقر، وتميه البقرة، لشد ما اختلفتماه لتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار..»(1).

      وزعزعت هذه الكلمات عرش الطاغية وأبرزته أمام أهل الشام كأقذر مخلوق لا يستحق أن يكون شرطياً فكيف يكون خليفة على المسلمين، مع مخالفته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفقد هشام صوابه فصاح بجلاوزته أن يخرجوا زيداً من مجلسه وخرج زيد وقد ملىء قلب هشام غيظاً وألماً، وراح الطاغية يقول لأسرته:

____________
(1) وقد روى أن زيداً أنشأ أبياتاً ولكن أبياته تدل على أن لقاءه بهشام كان بعد وفاة أخيه الباقر «عليه السلام» ولكن يتناقض مع سؤال هشام لزيد «ما صنع أخوك البقرة؟».

(214)

 

«ألستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا، لا لعمري ما انقرض قوم هذا خلفهم..».

وخرج زيد وقد امتلأت نفسه حماساً وعزماً على إعلان الثورة على الحكم الأموي الذي كفر بجميع القيم الإنسانية واستهان بكرامة الناس، وقد أعلن زيد شرارة الثورة بكلمته الخالدة التي أصبحت شعاراً للثوار ونشيداً لهم  على الخوض في ميادين الكفاح والنضال قائلاً:

«ما كره قوم حر السيوف إلا ذلوا..».

فحملت كلمته إلى هشام، فعرف أنه خارج عليه، فالتفت هشام إلى حاشيته وكرر مقولته السابقة، قائلاً: ألستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا، فلعمري ما انقرض من مثل هذا خلفهم.

ولما خرج زيد من عند هشام تمثل بهذين البيتين من البسيط:

إن المحكم ما لم يرتـــــقب حـــــسداً            أو يذهب السيف أو وخز القناة صفا

من عذ بالسيف لاقـــــى فرجه عجباً            قوتاً على عجلٍ أو عاش فانتصفــــا

ثم تمثل بغيرها قائلاً من السريع:

شرده الخـــــوف وأزرى بـــــــــــه       كذاك من يطلب حر الجــــــــــــلاد

منخرق الكفين يشـــــكو الجــــــوى            تنكبه أطراف مر حــــــــــــــــــداد

قد كان في المـــــوت له راحــــــــة            والموت حتم في رقاب العـــــــــباد

إن يحـــــدث الله له دولــــــــــــــــة      يترك آثار العدى كالرمــــــــــــــاد

      ولما خرج زيد بعث إلى هشام بهذه الأبيات من البسيط:

مهلاً بني عمنا عن نحت أثلتــــــــنا            سيروا رويداً كما كنتم تســــــيرونا

لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكــــــم       وأن نكف الأذى عنكم وتــــــؤذونا

فالله يعلم أنا لا نحــــــــــــــــــــبكم       ولا نلومكــــــم ألا تحــــــــــــبونا

كل امرىءٍ مولع في بغض صاحبه      نحمد الله نقلــــــوكم وتقلونــــــا(1)

____________

(1) راجع حياة الإمام محمد الباقر للقرشي: 2/68- 70، زيد الشهيد للمقرم: 96- 98، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 19/470، مقاتل الطالبيين: 124، =

(215)

 

ولما رجع إلى المدينة دخل عليه أخيه الباقر «عليه السلام» فضرب أبو جعفر الباقر على كتفه، وقال لمن حضر وفيهم سدير الصيرفي(1): هذا سيد بني هاشم إذا دعام فأجيبوه وإذا استنصركم فانصوره(2).

وكانا جالسين معاً إذ دخل عليهما رجل من أهل الكوفة فقال له أبو جعفر: إنك لتروي طرائف من نوادر الشعر فكيف قال الأنصاري لأخيه؟ فأنشده من المتقارب:

لعمرك ما إن أبو مالــــك           بوان ولا بضعيف قتواه

ولا بـــــألد له نــــــــازع           يعادي أخـاه إذا ما نهـاه

ولكنه غير مخلافـــــــــه           كريم التطبائع خلو ثنــاه

وإن سدته سدت مطواعة           ومهما وكلت إلـيه كفــاه

فوضع أبو جعفر يده على كتف أخيه زيد وقال له: هذه صفتك يا أخي وأعيذك بالله أن تكون قتيل العراق(3).

57- عام 113هـ: فيها رحل الإمام باقر العلوم محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب وذلك في يوم الاثنين(4) السابع(5) من شهر ربيع الثاني(6)

____________
= عمدة الطالب: 256، تذكرة الخواص: 333، وغيرها كالكامل في التاريخ، والعقد الفريد، وتاريخ الشام، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ومروج الذهب، وعيون الأخبار لابن قتيبة.

(1) سدير الصيرفي: هو ابن حكيم بن صهيب، كان من أصحاب الأئمة: السجاد والباقر والصادق «عليه السلام»، كان له مع أبي جعفر «عليه السلام» أخباراً وقضايا تنم عن قربه لم من الإمام الباقر «عليه السلام» وكذلك من نجله الإمام الصادق «عليه السلام».

(2) حياة الإمام محمد الباقر للقرشي: 2/67.

(3) حياة الإمام محمد الباقر للقرشي: 2/68 عن زهر الآداب: 1/118.

(4) بحار الأنوار: 46/217 عن الدروس للشهيد، وعن المصباح للكفعمي، منتهى الآمال (المعرب): 2/182.

(5) بحار الأنوار: 46/217 عن الدروس والمصباخ للكفعمي، منتهى الآمال (المعرب): 2/182.

(6) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/210، وفيات الأعيان: 4/174، روضة الواعظين: 1/207، نزهة الجليس: 2/36.

(216)

 

عام 113هـ(1)، حيث كان هذا الاختيار أكثر تطابقاً فيما بين أيام الأسبوع والأشهر، والسنين مع الأشهر ذاتها من غيره من الأقوال، إذ الأقوال في وفاته أيضاً مختلفة كما في ولادته، إلا أنهم لم يختلفوا بأ<ن وفاته كان يوم الاثنين، وأما عن يوم الوفاة حسب أيام الشهر (2)، ولكنهم اختلفوا في الشهر الذي توفي فيه بين شهر ربيع الأول(3) وشهر ربيع الثاني، وشهر صفر(4)، وذي الحجة الحرام(5)، كما اختلفوا في كون الوفاة حصلت في واحدة من السنين التالية: 113، 114(6)، 115(7)، 116(8)، 117(9)، 118(10)،

______________
(1) وفيات الأعيان: 4/174، دائرة المعارف القرن العشرين: 3/563، نزهة الجليس: 2/36.

(2) وفيات الأعيان: 4/174.

(3) روضة الواعظين: 1/207، دلائل الإمامة: 94، إعلام الورى: 1/498.

(4) وفيات الأعيان: 4/174.

(5) روضة الواعظين: 1/207، إعلام الورى: 1/498.

(6) راجع وفيات الأعيان: 4/174، نزهة المجلس: 2/36، الإرشاد للمفيد: 2/158، الكافي: 1/469، مناقب آل أبي طالب: 4/210، دلائل الإمامة: 94، حياة الإمام محمد الباقر: 4/394 عن البستان الجامع، شذرات الذهب: 1/149، تهذيب الكمال: 9/2، الكامل في التاريخ: 4/217، طبقات الفقهاء: 36، تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج: 9، تاريخ أبي الفداء: 1/282، دول الإسلام للذهبي: 69، تاريخ مدينة دمشق: 54/273، تاريخ المدينة لابن شبة، تاريخ الخميس: 2/319.

(7) تاريخ مدينة دمشق: 54/273 عن الترمذي.

(8) حياة الإمام محمد الباقر «عليه السلام»: 2/394 عن تاريخ ابن الوردي: 1/184، تاريخ أبي الفداء: 1/282.

(9) تاريخ أبيي الفداء: 1/282، حياة الإمام محمد الباقر: 2/394 عن صفة الصفوة: 2/62، الفصول المهمة: 220، وفيات الأعيان: 4/174، تاريخ اليعقوبي: 2/320، كشف الغمة: 2/331، مطالب السؤل: 54، تاريخ مدينة دمشق: 54/73، عن الواقدي، تاريخ أبي الفداء: 1/182.

(10) وفيات الأعيان: 4/74، دائرة المعارف القرن العشرين: 3/563، نزهة الجليس: 2/36، كشف الغمة: 2/332، تاريخ خليفة بن خياط: 226، تاريخ مدينة دمشق: 54/273 عن ابن سعد في الطبقات، تاريخ أبي الفداء: 1/182.

(217)

 

127(1)، كما ذهبوا حسب تلك الاختلافات إلى مبلغ عمره الشريف بين: 55(2)، 56(3)، 57(4)، 58(5)، 59(6)، 60(7)، 61(8)، 63(9)، 73(10)، 78(11)،عاماً.

ومن التواريخ الذي يمكن تطبقها أيضاً ولو بشيءٍ من التكلف: أن تكون الوفاة في يوم الاثنين السابع من شهر رجب عام 114هـ، وذلك بجعل أول الشهر يوم الثلاثاء، بدل الأربعاء، وهذا ما يمكن أن يفع في الحسابات من جهة، وثبوت الهلال في منطقة دون أخرى من جهة أخرى إلى مثل هذا الاختلاف، وعلى الأول المرجح لدينا فإن عمره الشريف يكون قد بلغ 56 سنة وشهرين وأربعة أيام، وعلى الثاني يكون قد تجاوز 57 عاماً بخمسة أشهر

_________________

(1) حياة الإمام محمد الباقر للقرشي: 2/393 عن مختصر تأريخ الإسلام: 85.

(2) حياة الإمام محمد الباقر للقرشي: 2/293 عن النفحة العنبرية.

(3) تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج: 9.

(4) روضة الواعظين: 1/207، الإرشاد: 2/158، الكافي: 1/369، مناقب آل أبي طالب: 4/210.

(5) تاريخ اليعقوبي: 2/320، الفصول المهمة: 220، دلائل الإمامة: 94 وفيه كمل 57 سنة، كشف الغمة: 2/331، حياة الإمام محمد الباقر: 2/293، عن الصراط السوي، وصفوة الصفوة: 2/63، تاريخ الخميس: 2/319، روي عن الإمام الصادق «عليه السلام» قد قال: مات أبي وله ثمان وخمسون سنة- راجع تاريخ مدينة دمشق: 54/273.

(6) بحار الأنوار: 46/217 عن المصباح للكفعمي.

(7) الفصول المهمة: 220، حياة الإمام محمد الباقر للقرشي: 2/393 عن مختصر تاريخ الإسلام للفاخوري: 85.

(8) كشف الغمة: 2/331، مطالب السؤل: 50، بحار الأنوار: 46/217 عن تاريخ الغفاري.

(9) حياة الإمام محمد الباقر للقرشي: 2/392 عن طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي: 36.

(10) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 54/273 عن الواقدي وغيره، تاريخ أبي الفداء: 1/ 182؛ حياة الإمام محمد الباقر للقرشي: 2/392، عن صفوة الصفوة لابن الجوزي: 2/63، وتاريخ ابن الوردي: 1/184، الكامل في التاريخ لابن الأثير.

(11) كشف الغمة: 2/331.

(218)

 

وأربعة أيام، فالقول المختار يتطابق مع من ذكر بأنه توفي وله من العمر 56 نسة، وربما أمكن تطبيقه مع القائلين بأنه عاش 57 سنة، لأنه كان في السابعة والخمسين، وهذا الخلاف واقع إلى يومنا هذا فإن أقطاراً في العالم تعد السنة التي فيها من عمر الشخص وآخرون لا يعدونها إلا إذا انتهت.

ولا يخفى أن يوم الاثنين يتطابق أيضاً مع 23 صفر سنة 118هـ، وكذلك 7 ربيع الأول، و7 ذي الحجة مع عام 115هـ، فعلى الأول يكون قد عاش 61 سنة، وعلى الثاني يكون قد عاش 52 سنة، وكلاهما لم يذهب المشهور إليهما، ومن هنا اخترنا السابع من ربيع الثاني عام 113هـ لأن حاصله يتوافق مع ما ذهب إليه المشهور بين القريقين، بالإضافة إلى معطيات أخرى.

وعلى المختار فقد عاش مع جده الحسين ثلاث سنوات و11 شهراً وأسبوعاً، وعاش مع أبيه بعد ذلك 31 عاماً وأسبوعاً أو أسبوعين، وعاش بعد ذلك 21 عاماً وشهرين و12 يوماً، أو 19 يوماً، وهو يتطابق مع ما ورد في المناقب(1) حيث قال: أقام مع جده الحسين ثلاث سنين أو أربعاً، ومع أبيه على أربعاً وثلاثين سنة وعشرة أشهر(2).

 ومما لا خلاف فيه أن وفاته كانت في المدينة، ومدفنه في البقيع عند قبر أبيه زين العابدين وعم أبيه الحسن المجتبى عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام، وقد سمه هشام بن عبد الملك الأموي، وربما قيل أنه سم عبر إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان(3).

وكان قد وصى بالأمر إلى ابنه جعفر الصادق «عليه السلام»، وأوصى بثمانمائة درهم لمأتمه(4). ويروي أنه قال في وصية له لنجله الإمام الصادق «عليه السلام»: يا جعفر أوقف لي من مالي لنوادب تندبني عشر سنين

___________
(1) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/210، وجاء في بحار الأنوار: 46/219 أنه أقام مع أبيه 35 سنة إلا شهرين.

(2) الصحيح أحدا عشر شهراً، هذا مع عد الفترة التي عاشها مع جده.

(3) راجع منتهى الآمال (المعرب): 2/182 وبحار الأنوار وغيرهما.

(4) منتهى الأمال (المعرب): 2/182 عن الكافي: 3/217.

(219)

 

بمنى، أيام منى(1)، وقد أعتق أبو جعفر «عليه السلام» من غلمانه عند موته شرارهم، وأمسك عن خيارهم، فقال له الصادق «عليه السلام»: يا أبت تعتق هؤلاء وتمسك هؤلاء؟

فقال: إنهم قد أصابوا مني(2) فيكون هذا بهذا(3).

وفي خاتمة المطاف فإن الإمام أبي جعفر «عليه السلام» كان أسمر اللون معتدل القامة(4) بدين الجسم(5) حسن الصوت(6)، وكانت شمائله شمائل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(7)، ولد من الأولاد: جعفر الصادق، وعبد الله وأمهما أم فورة بنت القاسم العدوية وإبراهيم وعبد الله ابنا أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية، وقد درجا في حياته، وزيد وأم سلمة وزينب الكبرى وزينب الصغرى أمهم أم ولد، وعلي وأمه كانت من الخوارج فطلقها(8).

وقد عاصرا عدداً من ملوك عصره بدءاً من بمعاوية وانتهاء بهشام بن عبد الملك الأموي.

اختلف أسلوبه عن أبيه وجده في مقاومة الأعداء وذلك حسب مقتضيات الوضع والحاجة، حيث تعهد هو بنثر الثقافة والعلوم، فقد روى عنه فقط جابر الجعفي ثلاثين ألف حديث(9)، وكان علماء عصره يتصاغرون أمامه(10)، وقد مدحه شعراء عصره مما لا مجال لذكره، وقد ترجمناه في معجم الشعراء حيث له شعر في جده الإمام الحسين «عليه السلام» وأوردنا جانباً من شعره وكلماته الحكمية.

___________
(1) منتهى الآمال (المعرب): 2/182 عن الكافي: 5/117.

(2) أي قد أدبتهم بما فعلوا.

(3) بحار الأنوار: 46/300.

(4) بحار الأنوار: 46/345.

(5) بحار الأنوار: 46/351.

(6) بحار الأنوار: 46/254.

(7) بحار الأنوار: 46/223 عن أمالي الصدوق.

(8) المجدي: 94.

(9) سيرة الأئمة الإثني عشر: 2/207 عن رجال الكشي.

(10) الأئمة الإثنا عشر دراسة تحليلية: 158 عن مرآة الجنان.

(200)

95

محمد بن عمرو الهاشمي

49- ق113هـ= 669- 732م

 

      هو: محمد بن عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

      أمه: ليس لها ذكر في كتب المقاتل والنسب.

      ذكره البراقي في الحدائق الوردية من جملة الأسرى، حيث قال بعد ذكر الإمام زين العابدين «عليه السلام»: «ومحمد بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب»(1)، وجاء في نسخة أخرى «عمرو» بالواو، وغالب المصادر ذكرته بالواو، ولعلها الأصح.

      وقد سبق الحديث عنه في ترجمة أبيه فلا نكرر، ومن أخباره بعد مقتل الإمام الحسين «عليه السلام» يتأكد بأنه لم يقتل في معركة الطف، ولكن هل حضر كربلاء أم لا؟ فهذا ما لم يصرح به أحد غير صاحب الحدائق الوردية، وليس لدينا ما يمكن رفضه، وأما قبوله فتصور بأنه أمر طبيعي فإذا ثبت بأن أباه حضر معركة الطف وربما حضرت أمه الأخرى كربلاء، كما هو ديدنهم آنذاك، فإن من الطبيعي أن يكون قد حضر الابن محمد معركة الطف مع والديه.

      ومما يؤيد ما ذهب إليه البراقي في كتابه الحدائق الوردية هو ما نقله القمي عن أبي الصلاح الحلبي(2) قائلاً: اعلم أن ممن كان مع

__________
(1) الحدائق الوردية: 1/246.

(2) أبو الصلاح الحلبي: هو تقي بن غنم بن عبد الله المولود عام 374هـ في حلب، كان من أعلام الإمامية في حلب، رحل إلى العراق لطلب العلم، له كتاب الكافي في الفقه، وكتاب التهذيب، وكتاب المرشد.

(221)

 

الحسين «عليه السلام»من أهل بيته ولم يقتل فيمن لم يقتل منهم محمد بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» وكان له فضل وجلالة.

      قال شيخا الأقدم الثقة الفقيه الأجل أبو الصلاح تقي الدين بن النجم الحلبي في محكي تقريب المعارف: ورووا عن عبيد الله بن محمد بن عمر ابن علي بن أبي طالب «عليه السلام» بكربلاء وكانت الشيعة تنزله بمنزلة أبي جعفر «عليه السلام» يعرفون حقه وفضله. قال: فكلمه في أبي فلان فقال محمد بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» لأبي: اسكت فإنك عاجز والله، إنهما لشركاء في دم الحسين «عليه السلام»(1).

      وقد سبق وتوصلنا إلى ما يلي:

      1- إن الأب عمرو بن الحسن «عليه السلام» بالواو.

      2- إن الأب عمرو بن الحسن «عليه السلام» قتل في كربلاء.

      3- إن الأب عمراً كان عمره يوم استشهد نحو 23 سنة حيث ولد عام 37هـ.

      4- أن الابن محمد بن عمرو حضر كربلاء وأسر.

      5- أن عمر الابن محمد بن عمرو يوم كربلاء كان 11 عاماً أي ولد نحو عام 49هـ.

      ومن أخباره: قال زياد بن سوقة الجريري(2): كنا عند محمد بن عمرو بن الحسن فذكرنا ما أتى إليهم(3) فبكى حتى ابتلت ليحته من دموعه.

___________
(1) نفثة المصدور: 613 عن تقريب المعارف: 84.

(2) زياد بن سوقة الجريري: البجلي الكوفي، كان من أصحاب الأئمة السجاد والباقر والصادق «عليه السلام»، ومن الثقات وكذلك أخواه حفص ومحمد وهما أكثر منه رواية، وقد اعتمده الصدوق في مروياته، وله كتاب.

(3) قوله ما أتى إليهم: ربما أريد من العلم الذي عند أهل البيت «عليه السلام»، أو ربما أريد ما نزل عليهم من المصائب، ولكن سياق الكلام يدل على الأول.

(222)

 

      ثم قال: إن أمر آل محمد أمر جسيم مقنع لا يستطاع ذكره، ولو قام قائمنا- عجل الله فرجه- لتكلم به وصدقه القرآن(1).

      ويروي لنا جانباً من مشاهداته في وقعة الطف الحزينة يوريها عنه عبد الله بن ميمون(2)، قال محمد: «كنا مع الحسين بنهر كربلاء ونظر إلى شمر ابن ذي الجوشن، وكان أبرص، فقال: الله أكبر، الله أكبر، صدق الله ورسوله، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كأني انظر إلى كلب أبقع يلغ في دم أهل بيتي.

      ثم قال: فغضب عمر بن سعد لعنه الله، ثم قال لرجل عن يمينه: انزل ويحك إلى الحسين فأرحه، فنزل إليه خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله فاجتز رأسه»(3).

      ويظهر من كلام ابنه عبيد الله بن محمد بن عمرو بن الحسن «عليه السلام» أنه كان معاصراً للإمام الباقر «عليه السلام» المتوفى عام 114هـ والمتولي للإمامة عام 92هـ بعد أبيه السجاد «عليه السلام». وأنجب من الأبناء عبيد الله إلا أن نسله انقرض بعد ذلك(4).

__________
(1) بحار الأنوار: 2/196 عن بصائر الدرجات.

(2) عبدالله بن ميمون: هو حفيد القداح بن الأسود المكي، من أصحاب الإمام الصادق «عليه السلام» وأبيه الإمام الباقر «عليه السلام».

(3) بحار الأنوار: 45/56 عن المناقب القديم.

(4) تقريب التقريب: 84.

(223)

 

96

مسعود بن... الهاشمي

ن44- 61هـ = 664- 680م

 

      هو: مسعود بن... الهاشمي

      ضبط الكلمة «مسعود» جذره من «السعد» وهو نقيض الشقاء، ومسعود هنا اسم مفعول بمعنى السعيد، أي الذي وقعت عليه السعادة ونالها، وبما أننا بحثنا معناه اللغوي في «سعيد» فلا حاجة إلى التكرار، وما نضيف هنا أنه كالسعيد في استخدامه علماً لذوات المذكرين، وهو من الأسماء التي استخدمت في الجاهلية، وربما كان أقدم من سمي بذلك هو مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب بن عليم بن جناب بن هبل الكلبي، وكان من الشعراء المعمرين في الجاهلية حيث عاش 140 سنة(1)، ومن المخضرمين: مسعود بن حارثة الشيباني من شجعان الجاهلية والإسلام سكن الحيرة وشارك في معارك المسلمين مع الدولة الساسانية، قتل في وقعة البويب(2) على مقربة من الكوفة(3)، ويسمى المسلمون وغيرهم بهذا الاسم إلى يومنا هذا.

      إن الدربندي تفرد بذكره في شهداء الطف حيث قال: وبرز من بعده- أي بعد موسى عقيل- غلام اسمه مسعود الهاشمي وهو يقول:

________
(1) الأعلام للزركلي: 7/220.

(2) البويب: اسم نهر وموضع في العراق بالقرب من الكوفة وقعت عنده معركة أيام أبي بكر بين الفرس والمسلمين فعرفت باسم الموضع والنهر.

(3) الأعلام للزركلي: 7/217.

(224)

 

اليوم اقتل مجمع الكفــــــــــــــار

بصارم هندي شبه النــــــــــــــار

أحمي عن ابن المصطفى المختـار

عن الحسين وآله الأطـــــــــهار(1)

      ثم حمل على القوم ولم يزل يقاتل حتى قتل من القوم مائة مبارز، وكمن له ملعون من أهل الشام وجماعة من أهل الكوفة فقتلوه، ثم وثب الحسين «عليه السلام» قائماً على قدميه، ونظر يميناً وشمالاً فلم ير أحداً..»(2)

      والنظر في هذه الرواية يقع في نقاط.

      أولاً: إنها منقولة عن نسخة لا يثق المؤلف (الدربندي) بها وقد سبق وتحدثنا عن ذلك.

      ثانياً: إن أبا مخنف نقل في موقعه: أحمد بن محمد الهاشمي، ولكن ببعض التغييرات نذكرها إتماماً للفائدة، قال أبو مخنف: وبرز من بعده- أي بعد موسى بن عقيل- أحمد بن محمد الهاشمي وهو يرتجز ويقول:

اليوم أتلو حسبــي وديني

بصارم تحمله يمـــــــــيني

أحمي به عن سيدي وديني

إبن علي الطاهر الأمـــين

      ثم حمل على القوم ولم يزل يقاتل حتى قتل ثمانين فارساً ثم قتل رضوان الله عليه وصار الإمام ينظر يميناً وشمالاً فلم ير أحداً..»(3).

      ورغم اختلاف الرجز وعدد المقتولين على يديه مما يمكن أن يحمل على أنه أريد المبالغة دون التحديد فإن المرجح أنه متحد مع أحمد بن

__________
(1) راجع ديوان القرن الأول: 1/185.

(2) أسرار الشهادة: 2/237.

(3) مقتل الحسين لأبي مخنف: 117.

(225)

 

محمد الهاشمي والذي ذكرنا بأنه هو محمد بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، راجع تفاصيله في ترجمته.

      ومما يؤيد ذلك أنه لم نجد من سمي بمسعود من آل عقيل ولا آل جعفر ولا آل علي «عليه السلام»، بل إن في ترجمة محمد بن عقيل أيضاً لم نجد من ذكر بأن له ابناً بهذا الاسم، وأما الدربندي الناقل عن النسخة اليت لم يوثقها لم يذكر أباه ولا سلسلة نسبة فلذلك لا يعتنى به، ونرجح أن يكون تصحيفاً لأحمد بن محمد الهاشمي، والله العالم.

      ومما يؤيد هذا الاتجاه وصفه بالغلام وبأنه كان من المبارزين فالجمع بين الاثنين بوحده مع أحمد بن محمد الهاشمي الذي كانت ولادته نحو عام 44هـ ليكون يوم الطف ابن 17 سنة.

(226)

 

97

مسلم بن عقيل الهاشمي

نحو 3- 60هـ = 625- 680م

 

      هو: مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

      ضبط الكلمة «مُسْلِم» بالضم ثم السكون وبعده الكسر، اسم فاعل من أسلم يسلم فهو مسلم، والمعنى اللغوي العام للكلمة هو النجاة يقال: سلم من الهلاك إذا نجا منها، ولكن من حيث المعنى الاصطلاحي تعني الكلمة أنه يدين بالشريعة الإسلامية، ونستبعد أن تكون له جذور جاهلية، ولم نعثر على من سمي به، بل إنه من الأسماء الإسلامية الخالصة في الإسلام، بدأت التسمية به بعد البعثة النبوية، فكأن عقيلاً سبق غيره في تسمية ابنه بمسلم، ومن الطبيعي أن يسمى به الذكور، ومؤنثه «مسلمة» بالضم فيسمى بها الإناث، ولكن هناك «مسلمة» بالفتح فإنها تستخدم في تسمية الذكور،  وربما كانت تعني الزمان أو المكان، ويختلف معناها بعض الشيء وإن كانت الجذور واحدة.

      وهذه المفردة لم نعثر على من استخدمها قبل الإسلام في تسمية الأشخاص ذكرواً وإناثاً، بل إن معظم استخداماتها حسب إطلاعنا كانت بعد الإسلام وبالأخص ربما بعد هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة:

      ولنرجع بالحديث عن مسلم بن عقيل بن أبي طالب:

      أمه: علية النبطية من آل فرزندا(1).

__________
(1) المعارف لابن قتيبة: 204.

(227)

 

      اختلف المؤرخون والنسابة في أم مسلم بن عقيل في اتجاهين، الأول: في تحديد اسمها فمنهم من لم يحدد اسمها، ومنهم من ذكر بأن اسمها

علية(1) وآخر قال: حلية(2) بالياء، وآخر ذكر بأنها: حلبة(3) بالباء، واحتمال التصحيف وارد ليكون الكل في الحقيقة واحداً، أشهرها علية حيث شائع التسمية بها، وأما حلبة بالباء فقد ورد من سمي بها، منها على سبيل المثال حلبة مولاة شيبان(4)، وأما حلية، وإن كان لا يستبعد أن نجد من سميت بها إلا أننا لم نعثر في المعاجم على ذلك على ألأقل لحد الآن، وكذلك صلية(5)، فالظاهر أن استقرار الرأي على علية هو المرجح.

      ومن جهة أخرى فقد ذهب البعض بل معظم من ذكرها أنها أم ولد، ولكن البعض شكك في ذلك وذهب إلى أنها عربية حرة، والسبب في عدها أمة هو ما يرويه المدائني(6): إن معاوية قال لعقيل هل لك حاجة فأقضيها لك، قال نعم جارية عرضت علي وأبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفاً، فأحب معاوية أن يمازحه فقال: ما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفاً وأنت أعمى تجتزي بجارية قيمتها خمسون درهماً، قال: أرجو أن أطأها فتلد لي غلاماً إذا أغضبته يضرب عنقك بالسيف، فضحك معاوية وقال: مازحناك يا أبا يزيد، وأمر فابتيعت له الجارية التي أولد منها مسلماً.

      فلما أتت على مسلم ثمان عشرة سنة وقد مات عقيل أبوه قال لمعاوية يا أمير المؤمنين إن لي أرضاً بمكان كذا من المدينة وأني أعطيت

___________
(1) المعارف لابن قتيبة: 204.

(2) مقاتل الطالبيين: 86، أنساب الأشراف: 3/224.

(3) راجع تسمية من قتل مع الحسين: 151.

(4) أعلام النساء: 1/288.

(5) راجع الحدائق الوردية: 1/247.

(6) المدائني: هو عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن أبي الحديد المعتزلي (586- 656هـ) ولد في المدائن وتوفي في بغداد، كان عالماً وأديباً، انتقل إلى بغداد وخدم الدواوين السلطانية، وكان مقرباً لدة الوزير ابن العلقمي، من آثاره: الاعتبار، العبقري الحسان، وشرح نهج البلاغة.

(228)

 

بها مائة ألف وقد أحببت أن أبيعك إياها فأدفع لي الثمن، فأمر معاوية بقبض الأرض ودفع الثمن إليه.

      فبلغ ذلك الحسين «عليه السلام» فكتب إلى معاوية: أما بعد فإنك غررت غلاماً من بني هاشم فابتعت منه أرضاً لا يملكها فاقبض من الغلام ما دفعته إليه واردد إلينا أرضنا.

      فبعث معاوية على مسلم فأخبره بذلك وأقرأه كتاب الحسين وقال: أردد علينا مالنا وخذ أرضك فإنك بعت ما لا تملك، فقال مسلم: أم ادون أن أن أضرب رأسك بالسيف فلا، فاستلقى معاوية ضاحكاً يضرب برجليه وقال: يا بني هذا والله كلام قال لي أبو ك حين ابتعت له أمك.

      ثم كتب إلى  الحسين «عليه السلام»: إني قد رددت عليكم الأرض وسوغت مسلماً ما أخذ، فقال الحسين «عليه السلام»: أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرماً(1).

      ويرد على هذه الرواية أمور:

      1- إنها مرسلة، حيث لم يذكر المدائني سنداً لها.

      2- إن ولادة مسلم سبقت إسلام معاوية.

      3- إنه يتناقض مع ما ذكر بوفاة عقيل عام 60هـ(2) على أقل التقادير أو بعد عام 60هـ على أكثر التقادير(3)، فعلى القول بأن وفاة عقيل كانت في عام 60هـ وافترضنا أنه توفي في أوائلها ومعاوية توفي في رجب فلا بد وأن يكون سفره ما بين محرم ورجب بوقت يمكنه من الأخذ والعطاء لينقضه الحسين «عليه السلام»، ولم يرد في المصادر التي اطلعنا عليها: أن مسلماً قصد معاوية في مثل هذا الوقت بالذات والذي لا بد من ذكره لحساسية الأمر، ولذلك فلا مجال للأخذ بهذه الرواية إلا على قول

____________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 31/82.

(2) الشهيد مسلم بن عقيل: 58 عن تقريب التقريب: 366، والإصابة: 2/494.

(3) تهذيب التهذيب: 4/161، وفيه أنه توفي في أول خلافة يزيد بن معاوية قبل وقعة الحرة.

(229)