معجم أنصار الحسين  (الهاشميون)(الجزء الثالث)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (الهاشميون)(الجزء الثالث)

المؤلف : محمد صادق محمد (الكرباسي)
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن – المملكة المتحدة

 

 

 

 

إلى الخوارج واشترك مع ابن زياد في القضاء على مسلم، وقمع انتفاضة ابن عفيف بالكوفة ثم انضم إلى ابن الزبير ضد الأمويين حتى قتل معه عام 67هـ، كما انضم حفيده قيس بن محمد إلى معسكر ابن زياد فشارك في قتال مسلم والحسين «عليه السلام» فقتله المختار عام 66هـ، وتولى ابنه عبد الرحمان قيادة جيش الحجاج بن يوسف الثقفي إلى سجستان لحرب رتبيل صاحب الترك عام 81هـ، وقد شعر عبد الرحمان بأن الحجاج تعمد إرساله إلى مواضع الخطر، ومنها سجستان للتخلص منه حيث كان يكرهه، وكان الحجاج قد كتب إليه بالتوغل في تلك البلاد مهما كلف الأمر، وكانوا يعرفون سلفاً بأنها معركة خاسرة ولم يفلحوا فيها، فخطب عبد الرحمان أصحابه وصارحهم بالأمر والمخطط الذي يرمي إليه الحجاج، وأوعز إلى عامر بن واثلة الكناني(1) ذلك الخطيب الشاعر فخطب الناس بخلع الحجاج والبيعة لبعد الرحمان، وكان عبد المؤمن بن شبث بن الربعي التميمي والذي شارك أباه في قتال الحسين «عليه السلام» معهم، فخطب هو الآخر يخلع الحجاج وعبد الملك ابن مروان، فوثب الناس إلى عبد الرحمان فبايعوه، فقام عبد الرحمان وخطب الناس قائلاً: تبايعوني على خلع الحجاج عدو الله، وعلى النصرة لي وجهاده معي حتى ينفيه الله عن أرض العراق، فبايعه الناس.

      ثم رجعوا حتى دخلوا فارس وخلعوا عبد الملك بن مروان على كتاب الله وسنة نبيه، وتكاتفوا على جهاد أهل الضلالة وحربهم وخلعهم فبايعه الناس على كتاب الله وسنة نبيه وخلع أئمة الضلالة، ثم ساروا إلى البصرة فبايعهم أهلها على ذلك، وصمموا على قتال الحجاج وخلع عبد الملك، واستمرت هذه المناقضة حتى عام 83هـ حيث قضى عليها الحجاج بعد ما وصلت امدادات وجيوش الشام وهزم عبد الرحمان الكندي، إلا أن

______________
(1) عامر بن واثلة الكناني: هو حفيد عبد الله بن عمرو الليثي القرشي (3- 100هـ) يكنى بأبي الطفيل، وكان شاعر كنانة وأحد فرسانها، ومن ذوي السيادة، كان مع علي «عليه السلام» في حروبه.

(2) راجع في ظلال التشيع: 392 عن تاريخ الطبري: 3/622، 635، تهذيب التهذيب 3/411، وجاء في تاريخ الطبري: 3/652 أن هلاك عبد الرحمان كان في عام 85هـ.

(166)

 

الحجاج تمكن منه في عام 90هـ فقتله(1).

      والإمام الباقر «عليه السلام» كان آنذاك في النصف الثاني من العقد الثالث من عمره يراقب تحرك الأمة ضد النظام الحاكم بسبب ما أصابه من الظلم والحيف والجور والأضطهاد، فقد كان الهاشميون متهمون بأنهم من وراء هذه الانتفاضة، ومن أشير إليه بأصابع الاتهام الحسن المثنى ابن الحسن السبط «عليه السلام»(2)، والكل يعلم بأن الإمام الباقر «عليه السلام» كان يتزعم الهاشميين.

      26- عام 82هـ(3): وفيها ولد أخوه الحسين الأصغر من أم ولد لأبيه اسمها ساعدة ففرح الباقر بمقدمه، ولما توفي أبوه السجاد «عليه السلام» بعد حوالى العشر سنوات تكفله الإمام الباقر «عليه السلام»، ونشأ عنده، وزقه العلم حتى أصبح من مفاخر الأسرة النبوية، وكان يضرب به المثل في فضله وتقواه وسائر مواهبه حتى أصبح من المتقدمين من العلماء والمحدثين، وكان من أعوان أخيه الباقر «عليه السلام»، وقد قال فيه عندما سئل عنه: «وأما الحسين- الأصغر- فحليم يمشي على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً»(4)، وأخذ من أخيه الباقر زهده وتقواه، وكان يرتدع حين يقف أمام ربه، وكان الله يستجيب لدعواته، توفي في المدينة عام 157هـ ودفن في البقيع بجوار أبيه وأخيه(5).

      27- عام 83هـ(6): أنجبت له السيدة أم فروة بنت القاسم التيمي ابنه

___________
(1) راجع ترجمة الحسن بن الحسن من هذا المعجم.

(2) إنما وضعناه هنا لأن صاحب عمدة الطالب: 311 ذكر بأنه توفي عام 157هـ وعاش 57سنة ولكن بما أنه لا يضبط ذلك فاحتملنا أنه عاش 75 فكان من القلب، ويدل على ذلك ما جاء في بعض الأقوال أنه عاش 74 سنة- راجع حياة الإمام محمد الباقر: 1/87.

(3) سفينة البحار: 6/498.

(4) حياة الإمام محمد الباقر للقرشي: 86.

(5) جاء في مصادر مختلفة نقل عنها المجلسي في بحار الأنوار: 47/1- 6، أن الإمام جعفر الصادق «عليه السلام» ولد يوم الجمعة أول رجب عام 83هـ، أو يوم الاثنين 17 ربيع الأول عام 83هـ، وهذان أشهر الأقوال، والثاني أشهر من الأول، وهناك أقوال أخرى تختلف فيها السنة دون اليوم والشهر، ولكن الذي يتطابق معه أيام الأسبوع والشهر والسنة هي بالدرجة الأولى: الأثنين 1 رجب 83هـ، وبالدرجة الثانية: الجمعة 17 ربيع الأول 83هـ.

(167)

جعفر الصادق «عليه السلام»، كان البيت العلوي على موعد مع الساعة التي يولد منه المولود السامي الذي طالما انتظروه بفارغ الصبر حيث كانوا على علم سلفاً بأنه وريث الأنبياء والأئمة، وحافظ الشريعة وهو المنصوص على إمامته، وسيكون قدوة للمسلمين ومجدداً لدين جده الأكرم، فكانت الأنظار متوجهة نحو أم فروة فاطمة(1) بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، ذلك الرحم الطاهر الذي حمل حجة الله وأمل المؤمنين بالله، كانت تلك الليلة تختلف عن الأخريات حيث كان النور الإلهي يسطع في كل أركان البيت الذي تتحرك فيه فاطمة، ما انبلج الفجر إلا والولد العظيم شع نوره في آفاق مع بدايات بزوع الفجر جديد ليوم جديد، وقد فرح بمولده الإمام أبو جعفر «عليه السلام» وخف إلى زوجته أم فروة ليحتضن ابنه الصادق ويجري عليه سنة جده الأكرم، فبدأ بشكر ربه ومناجاته، ثم أخذ يؤذن في أذنه اليمنى ليقيم في الأخرى ويقوم بسائر المراسم تباعاً، وما أن شاع خبر ولادته الميمون في بني هاشم إلا وتوافدوا على دار الإمامة ليهنئوه بمولوده العزيز على قلبه وولي عهده ووصيه ووارثه وعيبة علمه، وكان جده السجاد «عليه السلام» هو الآخر قد فرح بمقدم حفيده الصادق «عليه السلام»(2).

      وقد تولى الإمام أبو جعفر «عليه السلام» تربية قرة عينه وأخذ يرعى شؤونه ولا يعزب عنه طرفة عين فزقه العلم زقاً حتى ارتوى من منهله العذب فأصبح الإمام بعده كما نص عليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بوحي من عند رب العالمين.

      28- عام 84هـ: وفد الشاعر كثير عزة(3) على الإمام زين العابدين «عليه السلام» في المدينة فالتقاه نجله الإمام محمد الباقر «عليه السلام» فقال له: تزعم أنك من شيعتنا وتمدح آل مروان.

      قال كثير: إنما أسخر منهم، وأجعلهم حيات، وعقارب، ألم تسمع

____________
(1) مناقب آل أبي طالب لان شهرآشوب: 4/280 وفيه أن اسم أم فورة فاطمة.

(2) بحار الأنوار: 47/4، وفيه أن ولادته كانت عند طلوع الشمس.

(3) كثير غزة: هو كثير بن عبد الرحمان بن الأسود بن عامر بن عويم الخزاعي (...- 105هـ) يكنى بأبي صخر شاعر متيم من أهل المدينة عشق عزة بنت جميل الضمرية حتى عرف بها وعرفت به، وكان من الشعراء الموالين لأهل البيت «عليه السلام» والمجاهدين بحبهم وولائهم، جمع شعره في ديوان.

(169)

 

إلى قولي في عبد العزيز بن مروان- من الوافر-:

     

وكنت عتبت معتبة فلجت          بي الغلواء في سنن العتاب

فما زالت رقاك تسل ضغني       وتخرج من مكامنها ضبابي

ويرقيني لك الراقون حتى          أجابك حية تحت الحجاب

      وانتبه أخوه عبد الملك بن مروان فقال لأخيه عبد العزيز: ما مدحك، إنما جعلك راقياً للحيات.

      قال كثير: فنقل لي عبد العزيز مقولة أخيه عبد الملك، فقلت له: والله لأجعلنه حية، ثم لا ينكر ذلك، فقلت فيه- من الطويل-:

يقلب عيني حية بــــــــــمجارة           أضاف إليها الساريات سبيلها

يصيد ويغضي وهو ليث خفية           إذا أمكــــــنته عدوة لا يقيلها

      ولما تليت على عبد الملك أجزل لي العطاء، وخفي عليه ما قصدته(1).

      ما كان كثير جاداً في مدحه، وما كان الإمام بعيداً عن ذلك ولكن أراده أن ينطق بذلك.

      29- عام 85هـ(2): ربما ولد فيه عبد الله بن محمد شقيق الإمام الصادق «عليه السلام»، والذي أصبح من أهل الفضل والصلاح(3)، وهو الذي اغتيل بالسم من قبل الأمويين في عهد الوليد بن يزيد الأموي حيث يقول ابن الفرج الأًصبهاني: دخل عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين بن علي على رجل من بني أمية فأراد قتله، فقال له عبد الله بن محمد الباقر: لا تقتلني أكن الله عليك عيناً، ولك على الله عوناً.

________
(1) أخبار شعراء الشيعة: 68، حياة الإمام محمد الباقر: 6/320، روضات الجنات: 6/53.

(2) إنما وضع في هذا التاريخ لأن عبد الله ابن الإمام الباقر «عليه السلام» كان أصغر من أخيه الصادق «عليه السلام» حيث ذكر بعده أولاً، ثم إن الباقر كني بأبي جعفر، وأن ولادة الصادق كانت في 83هـ.

(3) الإرشاد للمفيد: 2/176.

(169)

 

      فقال: لست هناك.

      وتركة ساعة، ثم سقاه سماً في شراب سقاه إياه فقتله(1)، هذا ولقب عبد الله بن محمد بالدقوق.

      ومما يذكر من أحداث هذه السنة أن عبد الملك بن مروان أخذ البيعة لابنه الوليد ثم من بعده لسليمان وكتب إلى عامله في المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي(2)، فدعا الناس إلى البيعة فبايع الناس سوى الإمامين السجاد والباقر «عليه السلام»، ودعا هشام سعيد بن المسيب أن يبايع للوليد وسليمان فأبى، فضربه ستين سوطاً، وطاف به في تبان(3) شعر، وسجنه ثم كتب إلى عبد الملك فأمر بالإفراج عنه(4).

      30- عام 86هـ(5): ابتلي المسلمون آنذاك برجل من القدرية(6) أفسد عليهم دينهم، ولم يهتدوا إلى ربه شبهاته وإبطال مزاعمه، ورأى عبد الملك أنه لا طريق لإفحامه إلا بواسطة ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتب إلى عامله على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي رسالة: أن وجه إلي علي بن

__________
(1) مقاتل الطالبيين: 151.

(2) هشام بن إسماعيل المخزومي: هو حفيد هشام بن الوليد بن المغيرة (ب12- 87هـ) ولي إمارة المدينة ما بين 82- 87هـ وهو خال هشام بن عبد الملك وكان قاسياً على فقهاء المدينة، فقد ضرب سعيد بن المسيب بالسياط بسبب رفضه مبايعة الوليد بن عبد الملك.

(3) التبان: بتشديد الباء سروال صغير يلبسه في هذه الأيام السباحون والملاحون والمصارعون.

(4) راجع تاريخ الطبري: 3/666.

(5) اختيارنا لهذا العام هو الأنسب مع ما ورد عن عمر الإمام زين العابدين «عليه السلام» أنه شيخ لا يقوى.

(6) القدرية: هم المفوضة، بمعنى أن الله فوض عباده إلى أنفسهم، ويقابلهم الجبرية القائلين بأن المخلوق مجبر على ما يقوم به وليس له اختيار في ذلك، ويقال: إن معاوية ويزيد كانوا على القدرية- راجع معارف ومعاريف: 4/1764.

(7) في المصدر: محمد بن علي بن الحسين، ولكنه لا يتناسب: أولأً حيث كان معاصراً لحكومة عبد الملك الذي توفي عام 86هـ قبل وفاة الإمام زين العابدين عام 96هـ وتولي الإمام الباقر «عليه السلام» الإمامة، ثانياً: قول الإمام إني شيخ كبير لا أقوى =

(170)

 

الحسين(1) ولا تهيجه ولا تروعه، واقض حوائجه، فأتاه هشام بكتاب عبد الملك فاعتذر الإمام له قائلاً: إني شيخ كبير لا أقوى على الخروج، وهذا ابني أبو جعفر يقوم مقامي، فوجهه إليه.

      فلما قدم الإمام على عبد الملك ازدراه(2) لصغر عمره، وكره أن يجمع بينه وبين القدري مخافة أن يغلبه، وتسامع الناس بالشام بقدوم أبي جعفر(3) لمخاصمة القدري، فلما كان من الغد اجتمع الناس بخصومتها.

      فقال عبد الملك للإمام: إنه قد أعيانا أمر هذا القدري، وإنما كتبت إليك(4) لأجمع بينك وبينه فإنه لم يدع عندنا أحداً إلا خصمه.

      فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله يكفينا.

      فلما اجتمعوا، قال القدري للإمام: سل عما شئت.

      فقال «عليه السلام» له: أقرأ سورة الحمد.

      فقرأها، فقال عبد الملك: ما في سورة الحمد علينا، إنا لله وإنا إليه راجعون(5).

      فجعل القدري يقرأ سورة الحمد حتى بلغ قول الله تبارك وتعالى: (وإياك نعبد وإياك نستعين)(6).

      فقال له أبو جعفر(7): قف، من نستعين؟ وما حاجتك إلى المعونة؟ إن الأمر إليك.

_____________
= على الخروج فإن آخر سني حكم عبد الملك كان عام 86هـ والإمام الباقر له من العمر 29 سنة، ولا يصدق عليه شيخ كبير، ولذلك احتملنا أن الرواية في الأًصل جاءت بالكنية «أبو محمد» ثم سقط المضاف فنقل بدونها فاختلط الأمر، ومن المعلوم أن مذهب القدرية انتشر آنذاك.

(1) ازدراه: احتقوه واستخف به.

(2) في الأصل «جعفر».

(3) إليك: كذا في المصدر، والمراد كتبت إلى أبيك.

(4) أراد أن لا ارتباط بين المسألة وقراءة سورة الجن.

(5) سورة الحمد، الآية: 5.

(6) في الأًصل: «جعفر».

 

(171)

      فبهت القدري ولم يطق جواباً(1).

      31- عام 87هـ(2): حج أبو جعفر الباقر «عليه السلام» وكان معه أبان بن تغلب البكري(3) المتوفى عام 141هـ، يقول أبان: لما دخل طاوس اليماني(4)- المتوفى سنة 102هـ- إلى الطواف ومعه صاحب له، فإذا هو بأبي جعفر «عليه السلام» يطوف أمامه وهو شاب حدث، فقال طاوس لصاحبه: «إن هذا الفتى لعالم».

      فلما فرغ من طوافه صلى ركعتين، ثم جلس وأتاه الناس، فقال طاوس لصاحبه: نذهب إلى أبي جعفر «عليه السلام» ونسأله عن مسألة لا أدري عنده فيها شيء أم لا، فأتياه فسلما عليه ثم قال له طاوس:

      يا أبا جعفر! هل تعلم أي يوم مات ثلث الناس؟

      فقال: يا أبا عبد الرحمان! لم يمت ثلث الناس قط، إنما أردت ربع الناس. قال: وكيف ذلك؟

      قال «عليه السلام»: كان آدم وحواء، وقابيل وهابيل، فقتل قابيل هابيل، فذلك ربع الناس، قال: صدقت!(5).

      فقال طاوس: فأيهما كان أبا الناس، القاتل أو المقتول.

__________

(1) راجع تفسير العياشي: 1/23، البرهان: 1/52، حياة الإمام الباقر: 2/33.

(2) إنما وقع اختيارنا على هذه السنة لأن في الحديث أن الإمام كان شاباً حدثاً، ومن المعلوم أن الشاب هو ابن الثلاثين- راجع مجمع البحرين: 2/85، وعندما قيده بالحدث أراد أوله، والفتي منه.

(3) ابان بن تغلب البكري: هو حفيد رباح الكوفي الربعي، كان من أصحاب الأئمة: السجاد والباقر والصادق «عليهم السلام»، وكانت له عندهم حظوة، وهو الذي أمره الباقر «عليه السلام» قائلاً: اجلس في المدينة وافت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك.

(4) طاوس اليماني: هو ابن كيسان الخولاني الهمداني اليماني المكنى بأبي عبد الرحمان، كان من أصحاب الإمام السجاد «عليه السلام» وكان مولى بحير بن ريسان الفارسي قيل إن اسمه ذكوان، ولقبه طاوس، توفي في مكة.

(5) الاحتجاج: 2/180، مناقب آل أبي طالب: 4/200، بحار الأنوار: 11/229، 46/351.

(172)

 

      قال: «عليه السلام»: لا واحد منهما، بل أبوهم شيث بن آدم.

      قال «عليه السلام»: فلم سمي آدم آدم؟

      قال «عليه السلام»: لأنه رفعت طينته من أديم الأرض السفلى.

      قال: فلم سميت حوا حوا؟

      قال «عليه السلام»: لأنها خلقت من ضلع حي، يعني ضلع آدم «عليه السلام».

      قال: فلم سمي إبليس إبليس؟

      قال «عليه السلام»: لأنه أبلس من رحمة الله عز وجل فلا يرجوها.

      قال: فلم سمي الجن جناً؟

      قال «عليه السلام»: لأنهم استجنوا فلم يروا.

      قال: فأخبرني عن أول كذبة كذبت، من صاحبها؟ قال «عليه السلام»: إبليس حين قال: (أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ)(1).

      قال: فأخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحق وكانوا كاذبين؟. قال «عليه السلام»: المنافقون حين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نشهد إنك لرسول الله، فأنزل الله عز وجل: (إذا جاءت المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون)(3).

      قال: أخبرني عن طيرٍ طار مرة، ولم يطر قبلها ولا بعدها، ذكره الله عز وجل في القرآن ما هو؟

      فقال «عليه السلام»: طور سيناء أطاره الله عز وجل على بني إسرائيل حين أظلهم بجناح منه فيه ألوان العذاب حتى قبل التوراة وذلك قوله عز وجل: (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم)(3) الآية.

      قال: فأخبرني من رسوله بعثه الله تعالى ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة ذكره الله عز وجل في كتابة؟

__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 12.

(2) سورة المنافقون، الآية: 1.

(4) سورة الأعراف: الآية: 171.

(173)

 

     فقال «عليه السلام»: الغراب حين بعثه الله عز وجل ليري قابيل كيف يواري سوأة أخيه هابيل حين قتله، قال الله عز وجل: (فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه)(1).

     قال: فأخبرني عمن أنذر قومه ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة، ذكره الله عز وجل في كتابه؟

     قال «عليه السلام»: النملة حين قالت: (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون)(2).

     قال: فأخبرني من كذب عليه، ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة ذكره الله عز وجل في كتابه؟

     قال «عليه السلام»: الذئب الذي كذب عليه أخوة يوسف «عليه السلام».

     قال: فأخبرني عن شيءٍ قليله حرام وكثيره حرام، ذكره الله عز وجل في كتابه؟

     قال «عليه السلام»: نهر طالوت قال الله عز وجل: (إلا من اغترف غرفة بيده)(3).

     قال: فأخبرني عن صلاة مفروضة تصلى بغير وضوء، وعن صوم لا يحجر عن أكل وشرب؟

     قال «عليه السلام»: أما الصلاة بغير وضوء فالصلاة على النبي وآله عليه وعليهم السلام، وأما الصوم فقوله عز وجل: (إني نذرت للرحمان صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً)(4).

     قال: فأخبرني عن شيءٍ يزيد وينقص؟ وعن شيء يزيد ولا ينقص؟ وعن شيء ينقص ولا يزيد؟

     فقال الباقر «عليه السلام»: أما الشيء الذي يزيد وينقص: فهو القمر، والشيء

__________
(1) سورة المائدة، الآية: 31.

(2) سورة النمل، الآية: 18.

(3) سورة البقرة، الآية: 249.

(4) سورة مريم، الآية: 26.

(174)

 

الذي يزيد ولا ينقص: فهو البحر، والشيء الذي ينقص ولا يزيدك فهو العمر(1).

     32- عام 88هـ: لما تولى الوليد بن عبد الملك الحكم في عام 86هـ وفي قلبه حقد دفين لأهل المدينة والهاشميين، ولم يعرف بالنبل أبداً، فلما كان عام 88هـ وفي ولاية عمر بن عبد العزيز على المدينة آثر يزيد في إذلال أهل المدينة، فأمر بفرض البعث عليهم، وجعلها ألفي مقاتل، وهذا يعني أن على أهل المدينة أن يجهزوا ألفي رجل لينضموا إلى المعسكر الأموي ويستعدوا للقتال لصالح الأمويين، وعليهم دفع تكاليفهم، وخصص الهاشميين بأن وشي إليه بأنهم يجتمعون في حجرات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والحسن المثنى وفاطمة بنت الحسين يسكنان بيت فاطمة الزهراء «عليه السلام»، فأمر واليه عمر بن عبد العزيز أن يهدم الحجرات وبيت فاطمة تحت شعار توسعة المسجد النبوي، وقد حاول الهاشميون منعه دون جدوى، حيث يذكر السمهودي(2) أن الحسن المثنى قال له: «والله لا نأكل له ثمناً أبداً، وقد أعطاهم عمر بن عبد العزيز سبعة آلاف دينار فأبوا، فكتب إلى الوليد بن عبد الملك، فأمره بهدمه وإدخاله، وطرح الثمن في بيت المال وصرفه على الفقراء، ففعل، وانتقلت فاطمة بنت الحسين «عليه السلام» إلى موضع دارها بالحرة فابتنتها، وكان قد هددهم إن لم يخرجوا منه هدمه عليهم، فأبوا أن يخرجوا، فأمر بهدمه عليهم، وهما فيه وولدهما فنزع أساس البيت وهم فيه، فلما نزع أساس البيت قالوا لهم: إن لم تخرجوا قوضناه عليكم فخرجوا منه(3) وأدخل قبر فاطمة الزهراء في المشبك الذي يربط بمرقد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

     ولا جرم أن الإمام الباقر «عليه السلام» قد تأثر تأثيراً كبيراً في الأعماق، حيث وجد إن إرثهم السياسي قد اغتصب، وإرثهم الأثري قد هدم، وإرثهم

_________
(1) بحار الأنوار: 46/352.

(2) السمهودي: هو علي بن عبد الله بن أحمد الحسني الشافعي (844- 911هـ)، ولد في سمهود في صعيد مصر، ونشأ في القاهرة واستوطن المدينة سنة 873هـ وتوفي فيها، كان مفتي المدينة ومؤرخها، من آثاره: خلاصة الوفا، اللؤلؤ المنثور، وجواهر العقدين.

(3) وفاء الفوفا: 2/514، تاريخ الطبري: 3/676.

(175)

 

المادي قد نهب، وإرثهم الاجتماعي قد سلب، وبذلك خسر العالم كله الكثير من المعالم الإسلامية، وأخيراً فقد انتهى الوالي من بناء المسجد عام 91هـ، وعندها زار الوليد المدينة.

     33- عام 89هـ(1): وربما في مثل هذه الأيام دخل سعد بن عبد الملك الأموي(3) على أبي جعفر الباقر «عليه السلام»، فكان ينشج(3) كما تنشج النساء.

     فقال له أبو جعفر: ما يبكيك يا سعد؟

     قال: وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة المعلونة في القرآن.

     فقال له: لست منهم، أنت أموي منا أهل البيت، أما سمعت قول الله عز وجل يحكي عن إبراهيم «عليه السلام» (فمن تبعي فإنه مني)(4)، وكان يسميه الباقر «عليه السلام» سعد الخير(5).

     34- عام 90هـ(6): ربما في هذه السنة ولدت أم سلمة بنت الإمام أبي جعفر الباقر «عليه السلام» والتي تزوجت من محمد الأرقط(7) ابن عبد الله الباهر ابن الإمام زين العابدين «عليه السلام»، والذي هو الآخر كانت  ولادته في هذا العام ووفاته عام 148هـ(8)، ولا يخفى أن أختها زينب الكبري ولدت بعدها وتوفيت، أما زينب الصغرى فتوفيت بعد الكبرى حيث بقيت على قيد الحياة

__________
(1) وضعناه هنا من باب الاحتمال لأنه كان بعد وفاة أبيه عبد الملك.

(2) جاء في المصدر «سعد» وربما قالوا عنه سعيد، وهو أمير أموي، ولد في دمشق، ولي الغزو في عهد أخيه هشام بن عبد الملك، وولي ولاية فلسطين في عهد أخيه الوليد، وكان عامله أيضاً على الموصل، وقتل في يوم نهر أبي فطرس قرب الرملة في فلسطين، وكان عابداً ناسكاً، يحب الخير.

(3) نشج الباكي: غص بالبكاء من غير انتحاب.

(4) سورة إبراهيم، الآية: 36.

(5) بحار الأنوار: 46/337.

(6) مجرد احتمال وذلك لاقتران أم سلمة بمحمد الأرقط.

(7) لقد أنجبت أم سلمة له إسماعيل والقاسم، وخلف إسماعيل محمداً والحسين وخلف محمد أحمد وأحمد حسيناً ثم انقرض نسله.

(8) راجع مستدركات علم رجال الحديث: 7/182 والمجدي: 94.

(176)

 

بعدها وتزوجت من عبيد الله بن محمد بن عمر الأطرف ابن الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وكان للإمام أبي جعفر «عليه السلام» ثلاث بنات، وأما البنون فهم ستة إبراهيم وعبيد الله وأمهما أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة بن الأخنس الثقفية، درجا في حياة الإمام الباقر «عليه السلام» وأما الإمام الصادق وشقيقه عبد الله أمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر. وقد ذكرنا ولادتهما، وأما علي(1) وزيد فقد انقرض نسلهما وليس لدينا تفاصيل عنهما وأمهما أم ولد(2).

     35- عام 91هـ(3): ولعل في مثل هذه السنة كان الإمام الباقر «عليه السلام» جالساً ومعه أبو بصير يحيى الأسدي(4) المتوفى سنة 150هـ- إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز، وعليه ثوبان ممصران(5) متكئاً على مولى له.

     فقال الباقر «عليه السلام» لأبي بصير: ليلين هذا الغلام فيظهر العدل، ويعيش أربع سنين، ثم يموت فيبكي عليه أهل الأرض، ويلعنه أهل السماء.

     فسئل: يا بن رسول الله، أليس ذكرت عدله وإنصافه؟

     قال «عليه السلام»: يجلس في مجلسنا، ولا حق له فيه.

     وكان كما قال الباقر «عليه السلام»(6).

     36- عام 92هـ: أقدم الوليد بن عبد الملك الأموي في بداية هذا

____________
(1) خلف علي بنتا وانقرض نسلها.

(2) حياة الإمام محمد الباقر للقرشي: 1/90.

(3) هذه السنة إحدى الاحتمالات الواردة في تأريخه وذلك لأن عمر بن عبد العزيز الأموي كان والياً على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك الأموي ما بين عام 87- 93هـ- راجع تاريخ أمراء المدينة المنورة: 496، وبما أن الغلام هو الشاب (المنجد) وهو ابن الثلاثين فوضعناه هنا، إذ إن عمر بن عبد العزيز ولد عام 61هـ.

(4) يحيى الأسدي: هو ابن أبي القاسم اسحاق، كان من أصحاب الإمامين الباقر والصادق «عليه السلام»، وكان من وجوه الشيعة ومن الرواة الثقات يكنى بأبي بصير وأبي محمد، وهو غير يحيى بن القاسم الحذاء.

(5) الثوب الممصر: ما كان فيها صفرة خفيفة.

(6) الخرائج والجرائح: 1/276، ونقل قريب منه عن الإمام زين العابدين «عليه السلام»- راجع بحار الأنوار: 46/327.

(177)

 

العام على اغتيال الإمام زين العابدين «عليه السلام» بعدما رفعت إليه التقارير بازدياد شعبيته بين الناس بجميع طبقاتهم، وأخذت الأندية الاجتماعية والمحافل العلمية تتحدث عن فقاهته وعلمه، ومكارم أخلاقه وزهده، وإعانته الفقراء والمعوزين، ما قض مضاجع الوليد وحاشيته، فبعث بالسم إلى عامله عثمان ابن حيان المري(1) فتمكن أن ينفذ ذلك بكل دقة وسرية، فلما نفذ السم في جسم الإمام زين العابدين «عليه السلام» أخذ الألم والضعف يشتدان عليه، فأخذ يوصي إلى ابنه محمد الباقر «عليه السلام» وقام بتسليم ودائع النبوة والإمامة إليه(2) وقال له في جملة ما قاله: بني إني جعلتك خليفتي من بعدي لا يدعي فيما بيني وبينك أحد إلا قلده الله يوم القيامة طوقاً من نار، فاحمد الله على ذلك واشكره، يا بني أشكر لمن أنعم عليك، وأنعم من شكرك، فإنه لا تزول نعمة إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت، والشاكر يشكره أسعد منه  بالنعمة التي وجب عليه بها الشكر، ثم تلا زين العابدين قوله تعالى(3): (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لتشديد)(4).

     ودخل له في مرضه هذا الزهري(5) يعوده فقال له: إن وقع من أمر الله ما لا بد منه، فإلى من نختلف بعدك؟

     فنظر الإمام إليه برفق وقال له: إلى ابني هذا- وأشار إلى ولده محمد الباقر- فإنه وصيي ووارثي وعيبة علمي هو معدن العلم وباقره.

     ولما فاضت روحه وسمت إلى باريها، قام الإمام أبو جعفر بتجهيز جثمان أبيه فغسله بنفسه وكفنه وصلى عليه ودفنه في البقيع عند قبر جدتهم

___________

(1) عثمان بن حيان المري: هو حفيد معبد (ن70- 150هـ)، من أهل دمشق، كان والياً على المدينة سنة 93هـ كما تولى قيادة بعض الغزوات، وعرف عنه العنف في ولايته وعزواته.

(2) في بحار الأنوار: 46/229 وسلمه قبل موته صندوقاً حمله إليه أربعة رجال فيه سلاح رسول الله وكتبه.

(3) سورة إبراهيم، الآية: 7.

(4) بحار الأنوار: 46/332 عن كفاية الأثر.

(5) الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله (58- 124هـ)، من أهل المدينة، نزل الشام واستقر فيها، يعد من أكابر الحفاظ والفقهاء والسباقين إلى تدوين الحديث.

(178)

 

فاطمة بنت أسد(1) بعدما أجرى جميع المراسم الشرعية.

     وقد شيع تشييعاً حافلاً لا نظير له، فقد ضجت المدينة بأهلها، وشهد جنازته البر والفاجر، والكل يبكونه بحرقة وألم حيث كان أباً رحيماً للأرامل والأيتام والفقراء والمساكين، وفقيهاً يشد إليه الرحال، وقدوة تتطلع إليه الأجيال، ولما فرغ الإمام أبو جعفر «عليه السلام» من دفن أبيه، هرع الناس نحوه يرفعون إليه تعازيهم الحارة، ويشاركونه في لوعته وأساه، والإمام مع إخوته وسائر بني هاشم يشكرونهم على مشاركتهم في الخطب الفادح الجلل والمصاب العظيم، وأخذ الموالون يتوافدون إلى دار الإمام أبو جعفر الصادق «عليه السلام» للاستزادة من فضله وعلمه والأخذ من منهله الثر والاقتداء به(2)، وكان ذلك الحدث يوم الأثنين الخامس والعشرين من محرم الحرام، وعندها تحمل أعباء الإمامة وقام بها خير قيام فكان أباً رؤوفاً، وقائداً محنكاً، ومعلماً بصيراً؛ وإماماً زاهداً.

     37- عام 93هـ: قصد الشاعر الكميت بن زيد الأسدي(3) دار الإمام محمد الباقر «عليه السلام» ليعزيه بوالده الإمام زين العابدين «عليه السلام» فقال فيما قاله له أبياتاً من الرجز التام:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم      لم يبق إلا شامت أو حاسد

وبقى على ظهر البسيطة واحد          فهو المراد وأنت ذاك الواحد(4)

___________
(1) قبر فاطمة بنت أسد على المختار هو المعروف اليوم بقبر فاطمة الزهراء «عليها السلام» في البقيع والمقدم على الأئمة الأربعة الحسن والسجاد والباقر والصادق «عليهم السلام»، وأما قبر فاطمة الزهراء «عليه السلام» فقد دفنت في بيتها على المختار أي في داخل الضريح المقام على قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الأيام وبالتحديد جنوب قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحراب التهجد- راجع الجزء الأول من تاريخ المراقد من هذه الموسوعة.

(2) راجع حياة الإمام زين العابدين للقرشي: 2/422، وغيره.

(3) الكميت بن زيد الأسدي: هو حفيد خنيس (60- 126هـ)،  شاعر الهاشميين، من أهل الكوفة، كان فقيهاً وفارساً شجاعاً، إختص بأنساب العرب واللغة، وقد جمعت أشعاره في ديوان عرف باسمه، كما أخذت أشعاره الهاشميات منحى الاسقلالية.

(4) روضات الجنات: 6/56.

(179)

 

     فيه دلالة واضحة على تأسفه على رحيل الإمام زين العابدين «عليه السلام» وإظهار مدى إخلاصه وعقيدته في خلفه الإمام الباقر «عليه السلام» حيث لم يجد أحداً في هذه الدنيا يستحق الولاء والتقدير غير إمامه أبي جعفر الباقر «عليه السلام»(1) وهي في الحقيقة بمثابة البيعة له بعد رحيل أبيه زين العابدين «عليه السلام».

     38- عام 94هـ(2): في حدود هذا العام ربما توفي إبراهيم ابن الإمام أبي جعفر الباقر «عليه السلام»؛ والتي كانت أمه أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية(3) فحزن عليه الإمام أبو جعفر «عليه السلام».

     39- عام 95هـ(4): دخل الشاعر كميت الأسدي على إمامه الباقر «عليه السلام» ليسأله عن الجبت والطاغوت.

     فقال «عليه السلام»: يا كميت بن زيد، ما أهريق في الإسلام محجمة من دم، ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله، ولا اكتسب مال من غير حله، ولا نكح فرج حرام إلا وهو في أعناقهما.

     فقال الكميت: الله أكبر، الله أكبر، حسبي، حسبي(5)، ثم أنشأ من الرجز التام قائلاً:

إن المــــــصرين على ذنبيهما           والمخفيا الفتنة في قلبيهمــــــــا

والــــــخالعا العقدة من عنقيهما          والحاملا الوزر على ظهريهـما

كالجبت والطاغوت في مثليهما          فلعنة الله على روحيهــــــــــما

      فضحك الإمام محمد الباقر «عليه السلام»(6) وانصرف الكميت متمسكاً بولائه لأولياء الله وبراءته من أعداء الله.

__________
(1) راجع حياة الإمام محمد الباقر: 1/330.

(2) إنما وضعناه هنا لمجرد الاحتمال لأن المصادر ذكرت أنه توفي في حياة أبيه وقد توفي شقيقه عبيد الله أيضاً في حياة أبيه وبما أنهم قدموا إبراهيم  على عبيد الله فمن هنا جاء تقديمنا له عليه ووضعنا الأول في أوائل إمامته والآخر في أواخر إمامته لأن الذي يستشم أنه لم يكن في حياة الإمام زين العابديت «عليه السلام».

(3) راجع حياة الإمام محمد الباقر: 1/91، الإرشاد 2/176.

(4) مجرد احتمال أن يكون في هذا العام.

(5) روضات الجنات: 6/56.

(6) مجمع البحرين: 2/217.

(180)

 

      40- عام 96هـ(1): كان نافع ابن الأزرق الحنفي(2) المتوفى عام 65هـ على رأس الخوارج، ولما توفي ذهب ابنه عبد الله(3) حيث ذهب أبوه، فكان يقول بعد أن توفي الإمام زين العابدين «عليه السلام» لو أني علمت أن بين قطريها أحداً تبلغني إليه المطايا يخصمني أن علياً قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحلت إليه.

      فقيل له: ولا ولده؟

      فقال: أفي ولده عالم؟

      فقيل له: هذا أول جهلك وهم يخلون من عالم؟!

      قال: فمن عالمهم اليوم؟

      قيل: محمد بن علي بن الحسين بن علي «عليه السلام».

      قال: فرحل إليه في صناديد أصحابه حتى أتى المدينة فاستأذن على أبي جعفر «عليه السلام».

      فقيل له: هذا عبد الله بن نافع.

      فقال «عليه السلام»: وما يصنع بن وهو يبرأ مني ومن أبي طرفي النهار؟

      فقال له أبو بصير الكوفي: جعلت فداك إن هذا يزعم أنه لو علم أن بين قطريها أحداً تبلغه المطايا إليه يخصمه أن علياً «عليه السلام» قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه.

      فقال له أبو جعفر «عليه السلام»: أتراه جاءني مناظراً؟

_____________
(1) إنما اخترنا هذا التاريخ لأمرين، الأول: إنه لم يكن يسمع بالباقر وقد سمع بأبيه زين العابدين «عليه السلام»، وأن ليس له ذكر أيام الصادق «عليه السلام» كما أن الرواة عنه ربما لم يكن لهم ذكر في عهد الصادق «عليه السلام». الثاني: إن من أبعد الآراء في وفاة الإمام زين العابدين «عليه السلام» هو 95هـ.

(2) نافع ابن الأزرق الحنفي: هو حفيد قيس البكري الوائلي، يكنى بأبي راشد، وهو رأس الأزارقة وهم فرفة من الخوارج، وإليه ينتسب الأزارقة، وهو أميرهم وفقيههم.

(3) عبد الله بن نافع: هو حفيد الأزرق بن قيس الحنفي البكري الوائلي، ليس له ذكر في معجم الرواة، والرجال، غير أنه خطا على مذهب أبيه وخلف أباه في ذلك.

(181)

 

      قال: نعم،

      قال: يا غلام اخرج فحط رحله وقل له: إذا كان الغد فأتنا.

      فلما أصبح عبد الله بن نافع غداً في صناديد أصحابه وبعث أبو جعفر «عليه السلام» إلى جميع أبناء المهاجرين والأنصار فجمعهم ثم خرج إلى الناس في ثوبين ممغرين(1) وأقبل على الناس كأنه فلقة قمر فقال:

      الحمد الله محيث الحيث ومكيف الكيف ومؤين الأين، الحمد الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوت وما في الأرض- إلى آخر الآية- وأشهد أن لا إله إلا الله (وحده لا شريك له) وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم.

      الحمد الله الذي أكرمنا بنبوته واختصنا بولايته، يا معشر أبناء المهاجرين والأنصار من كانت عنده منقبة في علي بن أبي طالب «عليه السلام» فليقم وليتحدث.

      فقام الناس فسردوا تلك المناقب.

      فقال عبد الله: أنا أروى لهذه المناقب من هؤلاء، وإنما أحدث علي الكفر بعد تحكيمه الحكمين حتى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه».

      فقال أبو جعفر «عليه السلام»: ما تقول في هذا الحديث.

      فقال: هو حق لا شك فيه، ولكن أحدث الكفر بعد.

      فقال له أبو جعفر «عليه السلام»: ثكلتك أمك أخبرني عن الله عز وجل أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم.

      قال ابن نافع: أعد علي.

      فقال له أبو جعفر «عليه السلام»: أخبرني عن الله جل ذكره أحب علي بن أبي

___________

(1) الممغر: على زنة مفعل، والمُغرة هو الطين الأحمر وكانوا يصبغون به ثيابهم فيصبح لونه بلون المغرة.

(182)

 

طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم؟ إن قلت لا، كفرت.

      فقال: قد علم.

      قال «عليه السلام»: فأحبه الله على أن يعمل بطاعته أو على أن يعمل بمصيته؟

      فقال: على أن يعمل بطاعته.

      فقال له أبو جعفر «عليه السلام»: فقم مخصوماً.

      فقام وهو يقول: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، الله أعلم حيث يجعل رسالته(1).

      41- عام 97هـ(2): ربما قصده عبد الله بن معمر الليثي(2) في مثل هذه السنوات التي سبقت حكم عمر بن عبد العزيز الذي كان الاضطهاد قد بلغ أوجه فتجرأ ابن معمر على مواجهة الإمام أبي جعفر «عليه السلام» بهذه الوقاحة غير المعهودة من أولي العلم والفضل، تذكر الرواية: إن ابن معمر جاء إلى الإمام أبي جعفر «عليه السلام» قائلاً: بلغني أنك تفتي في المتعة؟

      فقال «عليه السلام»: أحلها الله في كتابه وسنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمل بها أصحابه.

      قال ابن المعمر: فقد نهى عنها عمر.

      قال «عليه السلام»: فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

      قال ابن المعمر: أفيسرك أن نساءك فعلن ذلك؟

____________
(1) الكافي: 8/288.

(2) وضعناه هنا فقط من باب الاحتمال وليس لدينا من المرجحات ما يمكن الاعتماد عليه، ولكن يفهم من الحدث أنه كان في أيام إمامته من جهة، وأنه كان في أيام الاضطهاد من جهة آخرى، ولا يخفى أن الرخاء نوعاً ما بدأ من أيام عمر بن عبد العزيز.

(3) عبد الله بن معمر الليثي: ذكره النمازي في مستدركات علم الرجال: 5/113، واكتفى بوصفه بأنه مذموم.

(183)

 

      قال «عليه السلام»: وما ذكر النساء ههنا يا أنوك(1)؟ إن الذي أحلها في كتابه وأباحها لعباده أغير منك، وممن نهى عنها تكلفاً. بل يسرك أن بعض حرمك تحت حائلك من حاكة يثرب نكاحاً؟

      قال ابن معمر: لا.

      قال «عليه السلام» فلم تحرم ما أحل الله؟

      قال ابن معمر: لا أحرم، ولكن الحائك ما هو لي بكفؤ.

      قال «عليه السلام»: فإن الله ارتضى عمله ورغب فيه وزوجه حوراً، أفترغب عمن رغب الله فيه؟ وتستنكف ممن هو كفؤ لحور الجنان كبراً وعتواً؟

      فضحك ابن المعمر وقال: ما أحسب صدوركم إلا منابت أشجار العلم، تصار لكم ثمره، وللناس ورقه(2).

      42- عام 98هـ(3): استأذن الشاعر كميت الأسدي رؤية سيده أبي جعفر الباقر «عليه السلام» فلما دخل عليه قال: يابن رسول إني قد قلت فيكم أبياتاً أفتأذن لي أنشادها؟.

      فقال «عليه السلام»: انها أيام البيض(4).

      قال: فهو فيكم خاصة.

      وقال «عليه السلام»: هات.

      فأنشأ يقول من السريع:

أضحكني الدهر وأبكاني           والدهر ذو صرفٍ وألوان

لتسعة بالطف قد غودروا          صار جميعاً رهن أكـــفان

      فبكى «عليه السلام» وبكى أبو عبد الله الصادق «عليه السلام» وسمعت جارية تبكي من وراء الخباء، فلما بلغ قوله:

____________
(1) انوك: كالأحمق وزناً ومعنى.

(2) بحار الأنوار: 46/356 عن كشف الغمة عن كتاب نثر الدرر.

(3) مجرد احتمال أن يكون وفد عليه في هذه السنة.

(4) أيام البيض: هي التي لياليها يكون القمر بدراً وهي ليالي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وفيها يطلع القمر من أول الليل وحتى نهايته، وهي أيام مباركة لها أعمال مخصوصة.

(184)

 

وستة لا يتجازى بهم         بنو عقيل خير فتيان

ثم علي الخير مولاكم        ذكرهم هيج أحزاني

      فبكى ثم قال «عليه السلام»: ما من رجل ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينيه ماء ولو قدر مثل جناح البعوضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة وجعل ذلك حجاباً بينه وبين النار، فلما بلغ إلى قوله:

من كان مسروراً بما مسكم        أو شامتاً يوماً من الآن

فقد ذللتم بعد عز فما         أدفع ضيماً حين يخشاني

      فأخذ الباقر «عليه السلام» بيد الكميت وقال: اللهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلما بلغ إلى قوله:

متى يقوم الحق فيكم متى           يقوم مهديكم الثاني(1)

      قال الباقر «عليه السلام»: سريعاً إن شاء الله سريعاً، ثم قال: يا أبا المستهل إن قائمنا هو التاسع من ولد الحسين، لأن الأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر، وهو القائم.

      قال: يا سيدي فمن هؤلاء الاثنا عشر؟ قال: أولهم علي بن أبي طالب، وبعده الحسن والحسين، وبعد الحسين علي بن الحسين، وأنا، ثم بعدي هذا ووضع يده على كتف جعفر (الصادق).

      قال: فمن بعد هذا؟

      قال: ابنه موسى، وبعد موسى ابنه علي، وبعد علي ابنه محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وهو أبو القائم الذي يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ويشفي صدور شيعتنا. قال: فمتى يخرج يابن رسول الله؟

      قال: لقد سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك فقال: إنما مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة(2).

__________
(1) راجع حول الأشعار ديوان القرن الثاني: 210.

(2) كفاية الأثر: 248، وعنه الغدير: 2/202، حياة الإمام محمد الباقر: 1/331.

(185)