معجم  أنصار الحسين  (الهاشميون)(الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (الهاشميون)(الجزء الثاني)

المؤلف : (محمد صادق محمد (الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن – المملكة المتحدة

 

 

 

بدليل، ولا ينافي قول معظم أرباب النسب أن العقب في عبيد الله لإمكان أن عبد الله كان له عقب ثم انقرض، كما يمكننا أن نتبين من حقيقة أخرى ألا وهي أن عبد الله أكبر من عبيد الله لجهتين، الأولى: التسمية حيث في الغالب يسمى الأكبر عبد الله والأصغر عبيد الله، ومن جهة أخرى إذا ثبت بأن عبيد الله بقي مع أمه لبابة في المدينة لصغره فإن هذا لا بد وأن يكون أكبر من ذاك، ولكنه لم يكن كبيراً بحد يمكنه البراز بين يدي عمه لتصريح بعضهم بأنه كان طفلاً في الطف وأخذ مع السبايا، وربما نستشعر أن أمه غير لبابة وإلا لكان بقي معها في المدينة كالفضل وعبد الله، وربما كانت أمه أم ولد صاحبت العباس ابن أمير المؤمنين «عليه السلام»، ولعل فيما أورده المظفر عن أبناء أبي الفضل العباس إشارة إلى أن أم عبد الله هي أم ولد، بل يظهر من كلامه بحر العلوم(1) ذلك حيث حصر أبناء لبابة بالفضل وعبيد الله، ويفهم ذلك من ذكر الآخرين بأن أمهم أم ولد أن أم عبد الله الذي لم يذكره كانت أم ولد. والله العالم.

______________
(1) مقتل الحسين لبحر العلوم: 316.

(230)

48

عبد الله بن مسلم الهاشمي

34- 61هـ = 654- 680م

     هو: عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي(1).

     وأمه هي: رقية الكبرى بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي(2).

     وأم أبيه هي: حلية (علية) من آل فررزندا النبطية.

     وأم أمه هي: الصهباء بنت عباد بن ربيعة بن بجير بن العبد التغلبية.

     ولد عام 46هـ على ما ذكره المامقاني بأن عمره يوم قتل في الطف(3) أربع عشرة سنة، ولكن ذكر ابن فندق أنه حين قتل في الطف كان ابن ست وعشرين سنة(4) وهذا يعني أنه ولد عام 34هـ.

     وكان مقتله في كربلاء، حيث عده الطوسي من أصحاب الإمام الحسين «عليه السلام»، قائلاً: «عبد الله بن مسلم بن عقيل، قتل معه «عليه السلام»، أمه رقية بنت علي بن أبي طالب «عليه السلام»»(5).

     وعلق عليه المامقاني بقوله: «لا يخفى عليك أم بعض النسابة ذكروا

__________
(1) شذرات الذهب: 1/67.

(2) راجع وسيلة الدارين: 231.

(3) تنقيح المقال: 2/218.

(4) لباب الأنساب: 1/399.

(5) رجال الطوسي: 76.

(231)

أن عمر عبد الله هذا كان أربع عشرة سنة حين قتل فعد الشيخ- الطوسي- رحمه الله وغيره إياه للتبرك بذكره لا باعتبار كونه راوياً».

     وصفه المظفر بأنه: «بأنه استهشد وهو غلام مراهق وشاب لم يبلغ الحلم عند أكثر العلماء فلاقى المنايا وخاض الأهول بثياب الكهول المجربين والأبطال المحنكين»(1) إلا أننا لم نعثر إلا على نصين في تحديد عمره حين معركة الطف، الأول: ما ذكره المامقاني وهو من المتأخرين بأن عمره يوم استشهد أربع عشرة سنة، والثاني: ما أورده ابن فندق وهذا من المتقدمين بأنه ابن ست وعشرين سنة، مما نرجح قول ابن فندق، حيث لم يدعم المامقاني كلامه بدليل.

     وبما أننا اخترنا أن الذي تزوجها مسلم بن عقيل هي رقية الكبرى بنت علي أمير المؤمنين «عليه السلام» وكانت ولادتها في شهر جمادى الأولى من عام 13هـ، وكان مسلم قد ولد في حدود السنة الخامسة للهجرة لأنه اشترك في فتح البهنسا عام 21هـ، كل ذلك يدعم بأن عبد الله بن مسلم كان أكبر مما تصوره المامقاني بل إن ما ذهب إليه ابن فندق لعله هو المرجح لتكون ولادته عام 34هـ.

     وجاء التسليم عليه في زيارة الناحية بقوله: «السلام على القتيل ابن القتيل عبد الله بن مسلم بن عقيل ولعن الله قاتله عامر بن صعصعة، وقيل أسد بن مالك»(2).

     وما ورد بعده مباشرة: «السلام على أبي عبد الله بن مسلم بن عقيل ولعن الله قاتله وراميه عمرو بن صبيح الصيداوي».

     إنه من المستغرب بالفعل أن يذكر شخصيتين متقاربتين مما يدل على عدم اتحادهما، فالأول لا شك فيه أنه عبد الله بن مسلم بن عقيل الذي

_________
(1) سفير الحسين: 16.

(2) بحار الأنوار: 98/271.

(232)

أجمع أرباب المقاتل على مقتله في كربلاء، وأما الشخصية الثانية فمن هو يا ترى؟ أهو محمد بن مسلم بن عقيل لتكون كنيته أبا عبد الله؟ وهو شقيق عبد الله على ما ذ كره النمازي في ترجمة أبيهما وذكر بأن أمهما رقية بنت الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»(1)، واحتمله في ترجمة محمد بن مسلم بن عقيل بقوله:

     عده المامقاني من شهداء الطف وأنه تشرف بسلام الناحية المقدسة وعمره على ما نقل اثنتا عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة(2)، وعلق على كلام المامقاني قائلاً: «لم أجد في الزيارة المقدسة اسمه: نعم لعله المراد بأبي عبد الله بن مسلم بن عقيل المذكور في الزيارة»(3).

     وربما أريد به مسلم بن عقيل، وتكون حينئذ كنيته أبا عبد الله لمكان ابنه البكر عبد الله، وعليه فإن مفردة «ابن» الواقعة بين «أبي عبد الله» وبين «مسلم» من سهو النساخ، ومما يمكن التقريب لذلك أنه عندنا ذكر الابن بوصف أنه القتيل ابن القتيل ذكر الأب بالمناسبة، ولذلك لم يذكر بأنه قتيل ابن قتيل، ولكن مما يبعد الأمر أنه ذكر بأن قاتله وراميه هو عمرو بن صبيح الصيداوي، والتي تذكر معظم المقاتل أنه قاتل لعبد الله بن مسلم بن عقيل، واحتمال أن يكون عمرو هو قاتله في الكوفة غير مستبعد فيكون قوله: «وراميه» يعني راميه من على القصر، وربما أخر كلمة «راميه» على كلمة «قاتله» لذلك، لأن الرمي لا يكون قبل القتل، ولكن هذا مردود؛ لأن هناك من ذكر بأن قاتل مسلم كان بكير بن حران الأحمر(4)،  وأن تردد بعضهم في ذلك حيث ذكر قاتله بصيغة المجهول، وأما أن كلمة «راميه» تدل على الرمي من القصر: ويستبان من تأخيره عن مادة القتل غير وارد أيضاً، لأن في الزيارة استخدمت الكلمة في غيره كذلك حيث قال على سبيل المثال لدى السلام على عبد الرحمن بن عقيل «لعن الله قتله وراميه عمر بن خالد بن أسد الجهني»، أي قدم القتل على الرمي.

__________
(1) مستدركات علم رجال الحديث: 7/413.

(2) تنقيح المقال: 3/187.

(3) مستدركات علم رجال الحديث: 7/328.

(4) راجع إبصار العين: 47.

(233)

     إذاً يتعين علينا القول بأن ابن مسلم المكنى بأبي عبد الله ألا وهو محمد، ولكن هناك ملاحظة أخرى لا بد من ملاحظتها هي أن محمداً لم يعرف بهذه الكنية أولاً، وأن هناك نسخة أخرى لهذه الزيارة رواها السيد ابن طاوس بالشكل التالي: «السلام على عبيد الله بن مسلم بن عقيل»(1) ويؤيده ما ورد في الطبعة القديمة من أسرار الشهادة ما نصه: «وقال الصدوق رحمه الله في أماليه: وبرز عبيد الله بن مسلم بن عقيل وأنشأ يقول يقول...»(2) ولكن في الطبعة الجديدة صححت إلى «عبد الله»، وأما الأمالي فيظهر أن في بعض نسخها جاء «عبيد الله» وأما السنخ الحديثة فجاء فيها «عبد الله»(3).

     ومن هنا نجد أن الزنجاني(4) ذكر في الوسيلة شخصيتان باسم عبد الله بن مسلم ونصه بالإيجاز كالتالي:

     «عبد الله الأصغر ابن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وأمه رقية بنت أمير المؤمنين «عليه السلام» قتله عمرو بن صبيح الصيداوي حيث رماه بسهم فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه ونفذ إلى جبهته فلم يستطع تحريكهما ثم انتهى عليه برحمه فطعنه في قلبه فقتله، فقال عبد الله: اللهم إنهم اقتتلونا(5) واستذلونا، اللهم فاقتلهم كما قتلونا وأذلهم كما استذلونا، وورد في زيارة الناحية: السلام على القتيل ابن القتيل عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب لعن الله قاتله عمرو بن صبيح الصيداوي».

     و«عبد الله الأكبر ابن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، ذكره المامقاني في رجاله أنه كان لعقيل ولدان كانا يسميان عبد الله وكانا مع الحسين «عليه السلام» فاستأذن الحسين فلم يأذن له للقتال، فأصر عليه فأذن له بالبراز فبرز وهو يرتجز ويقول:

___________
(1) إقبال الأعمال: 575.

(2) أسرار الشهادة (طبعة الأعلمي طهران): 299.

(3) راجع أمالي الصدوق (طبعة النجف): 162، والطبعة المطبوعة مع الترجمة الفارسية: 137.

(4) الزنجاني: هو إبراهيم بن ساجدين بن الباقر بن إبراهيم الموسوي (1344- 1422هـ) ولد وتوفي في زنجان، ودرس في النجف وسكن الكويت والشام، من علماء الإمامية، من مؤلفاته: حدائق الأنس، بداية الفلسفة، وجولة في العتبات المقدسة.

(5) وربما كان «استقلونا».

(234)

اليوم ألقى مسلماً وهو أبــــي

وفتية بادوا على دين النبـــــي

ليسوا بقوم عرفوا بالكــــــذب

لكن خيار وكرام النســـــــــب

من هاشم السادات أهل الحسب

     فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلاً في ثلاث حملات، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي، وأسد بن مالك، وقال أبو الفرج ومن المقتولين عبد الله الأكبر ابن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وأمه أم ولد قتله فيما ذكره المدائني عثمان بن خالد بن أثيم الجهني ورجل من همدان»(1).

     ولكن في كلام الزنجاني نظر من جهات:

     1- إنه خلط بين عبد الله بن مسلم بن عقيل، وعبد الله الأكبر ابن عقيل، فما نقله عن أبي فرج أخيراً فقد جاء في مقاتل الطالبيين بالنص التالي: «وعبد الله الأكبر ابن عقيل بن أبي طالب، وأمه أم ولد، قتله- فيما ذكره المدائني- عثمان بن خالد بن أسير الجهني ورجل من همدان»(2)، ولكن ذكر الطبري وابن الأثير: «أن عمرو بن صبيح الصدائي رماه فقتله»(3).

     فهذا لا يرتبط بعبد الله بن مسلم بتاتاً.

     2- وأما ما نقله عن المامقاني فهو في عبد الله بن عقيل حيث قال ما نصه: «عبد الله بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي المدني، عده الشيخ رحمه الله بهذا العنوان من أصحاب السجاد «عليه السلام»، وزاد قوله: تابعي سمع جابراً، وظاهره كونه إمامياً، ولم يتبين لنا حاله، ثم لا يخفى عليك أن لعقيل ابنين مسميين بعبد الله يلقب أحدهما بالأكبر، والآخر بالأصغر قتلا

__________
(1) وسيلة الدارين: 230- 231.

(2) راجع مقاتل الطالبيين: 97.

(3) تاريخ الأمم والملوك: 4/343، الكامل في التاريخ: 4/41.

(235)

بالطف مع الحسين «عليه السلام»، كما نص على ذلك أرباب المقاتل والسير، ولازم ما ذكره الشيخ رحمه الله كون ابن ثالث مسمى بعد الله فتفحص»(1).

     فأين هذا من عبد الله بن مسلم بن عقيل.

     3- أما مسألة خروجه إلى المعركة، فهي مما ورد في سيرة عبد الله ابن مسلم بن عقيل حيث يروي محمد بن أبي طالب: إنه لما قتل أصحاب  الحسين «عليه السلام» ولم يبق إلا أهل بيته وهم: ولد علي، وولد جعفر، وولد عقيل، وولد الحسن، وولده صلوات الله عليهم اجتمعوا وودع بعضهم بعضاً، وعزموا على الحرب، فأول من برز من أهل بيته عبد الله بن مسلم بن عقيل ابن أبي طالب «عليه السلام»، وهو يرتجز ويقول... «فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلاً في ثلاث حملات، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي وأسد ابن مالك»(2) والظاهر أنه نقل عنه.

     فتبين مما استعرضناه أنه خلط بين عبد الله الأكبر ابن عقيل وبين عبد الله بن مسلم، فوقع فيما وقع وبرزت شخصية أخرى من جراء هذا الخلط ألا وهو عبد الله آخر ابن مسلم بن عقيل وحتى يصح ذلك الخلط وصف أحدهما بالأصغر والآخر بالأكبر.

     وعلى فرض القول بأنهما شخصيتان فالأول هو عبد الله بن مسلم والثاني عبيد الله، فالأول هو صاحب الرجز وهو الذي كان أو المبارزين، وهو الذي قال له الإمام الحسين «عليه السلام»: كفاك وكفى أهلك من القتل والثكل، والثاني لم يذكر له غير خروجه إلى المعركة ورجز ارتجزه وقتاله ومقتله، وهذا ما حدا بالدربندي إلى اختياره وصياغته بالشكل التالي(3):

     «لما قتل أصحاب الحسين «عليه السلام» ولم يبق إلا أهل بيته، وهم ولد علي، وولد جعفر، وولد عقيل، وولد الحسن، وولده «عليه السلام»، اجتمعوا يودع

________________
(1) تنقيح المقال: 2/199.

(2) تسلية المجالس وزينة المجالس: 2/302.

(3) لا يخفى أننا حذفنا المصادر من كلامه لتسلسل الأحداث، حيث نقل عن البحار للمجلسي، والتسلية لابن أبي طالب، والمقاتل لأبي الفرج، ومقتل الحسين لأبي مخنف، والأمالي للصدوق، والإرشاد للمفيد.

(236)

بعضهم بعضاُ، فأول من برز من أهل بيته عبد الله بن مسلم بن عقيل ابن أبي طالب، فوقف بإزاء الحسين «عليه السلام»، ثم قال: يا سيدي إئذن لي بالبراز، فقال «عليه السلام»: كفاك وكفى أهلك من القتل والثكل(1)، فقال: يا عم بأي وجه ألقى الله سبحانه وقد أسلمت سيدي ومولاي؟ والله لا كان ذلك أبداً(2)، ثم أنشأ يقول:

نحن بنو هاشم الكـــــــــــــــرام

نحمي عن ابن السيد الإمــــــــام

نسل علي الأسد الـــــــــضرغام

سبط النبي المصطفى التهامي(3)

     ثم حمل على القول وهو يرتجز ويقول:

اليوم ألقى مسلماً وهو أبـــــــــي

وفتيةً بادوا على دين النــــــــبي

ليسوا بقوم عرفوا بالكــــــــــذب

لكن خيار وكرام النــــــــــــسب

من هاشم السادات أهل الحسب(4)

فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلاً في ثلاث حملات، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي وأسد بن مالك، وعبد الله بن مسلم: أمه رقية بنت علي بن أبي طالب قتله عمرو بن صبيح، وأن السهم  أصابه وهو واضع

____________

(1) جاء في سفير الحسين: 16 أن الإمام الحسين «عليه السلام» قال له: «خذ بيد أمك واخرج من هذه المعركة فقال: لست والله ممن يؤثر دنياه على آخرته، فكأن الحسين كره أن يقتل وأمه تنطر إليه» وجاء في فرسان الهيجاء: 1/254 نقلاً عن بحر اللئالىء: «إن الإمام الحسين لم يشأ أن يأذن له لأن أمه رقية حديثة العهد بمقتل زوجها مسلم بن عقيل فقال له خذ بيد أمك وأخرج من هذه المعركة».

(2) وأضاف في مقتل الحسين لأبي مخنف: 113 «بل اقتل دونك حتى ألقى الله بذلك ثم برز وقد حسر عن ذراعيه».

(3) راجع بالنسبة إلى هذا الرجز ديوان القرن الأول: 2/175 وهي ثمانية أبيات.

(4) راجع عن تفاصيل هذا الرجز في ديوان القرن الأول: 1/66.

(237)

يده على جبينه فأثبته في راحته وجبهته فسمرها به، فلم يستطع تحريكهما، ثم انتحى عليه برمحه فطعنه في قلبه فقتله، فلما نظر الحسين إلى ذلك، أقبل إليه وكشفهم عنه وحمله على جواده، وأقبل به إلى الخيمة فطرحه فيها، ثم رجع إلى أصحابه وقال: يا قوم احملوا بارك الله فيكم، وبادروا إلى الجنة، ودار الأمان خير من دار الهوان.

     فبرز محمد بن مسلم بن عقيل، وأمه أم ولد قتله أبو جرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني:

     وبرز عبيد الله بن مسلم بن عقيل وأنشأ يقول:

أقسمت لا أقتل إلا حــــــــرا

وقد وجدت الموت شـيئاً مرا

أكره أن أدعى جـــــــباناً فرا

إن الجبان من عصى وفرا(1)

     فقتل منهم ثلاثة عشر رجلاً ثم قتل رضي الله عنه»(2).

     ولكن كل ذلك لا يغني عن كونه شخصيتين، وسوف نأتي على ذكر عبيد الله بن مسلم لمجرد وروده في مصدرين وزيارة الناحية إذ هو مجرد احتمال لا يمكن البت فيه، كما لا يمكن رفضه، وإن كان تعدد القاتل يوحي إلى تعدد الشخصية، حيث وردت أسماء مختلفة منهم، عمرو بن صبيح الصيداوي(3)، زيد بن ورقاء الجهني(4)، أسيد بن مالك الحضرمي(5)، عامر بن صعصعة الكوفي(6)،  إلا إذا قيل إن الجميع اشتركوا

__________

(1) راجع بالنسبة إلى الرجز ديوان القرن الأول: 1/157.

(2) أسرار الشهادة الطبعة القديمة: 299، وفي الطبعة الحديثة: 2/279-280 ولكن فيه عبد الله بن عبيد الله.

(3) تاريخ الأمم والملوك: 343، الحدائق الوردية: 1/247.

(4) ويقال «رقاد» بدل «ورقاء» وفي نفس المهموم: 287 «زيد بن رقاد الحباني».

(5) الحدائق الوردية: 1/247.

(6) كما ورد في الزيارة- راجع أنصار الحسين: 150، وهناك من لم يذكر قاتله كالفتوح لابن أعثم: 5/203.

(238)

في رميه وقتله، وذلك على النحو التالي: رماه زيد بن ورقاء الجهني بسهم فاتقاه بيده فسمرها إلى جبهته فما استطاع أن يزيلها عن جبهته، فقال: اللهم إنهم استقلونا واستذلونا فاقتلهم كما قتلونا(1)، ثم رماه أسيد ابن مالك الحضرمي فوقع في لبته، ثم انحنى عليه عمرو بن صبيح الصيداوي فطعنه برمحه في قلبه فخر صريعاً ينادي واأبتاه وا انقطاع ظهراه(2)، ثم رماه زيد بن رقاد الجهني مرة ثانية، وجاء فنزعه منه وهو ميت(3)، فلما نظر إليه الحسين «عليه السلام» وقد صرع قال: «اللهم اقتل قاتل آل عقيل»، ثم قال: «إنا لله وإنا إليه راجعون»(4). وربما كان آخر من رماه عامر بن صعصعة، والله العالم بحقائق الأمور، ويقول الكاشفي: إن خداع الدمشقي أصاب فرس عبد الله بن مسلم فوقع عبد الله على الأرض وقام وقاتل حتى طعنه نوفل بن مزاحم الحميري برمح ثم رماه عمرو بن صبيح الصيداوي بسهم فقتله(5).

     ومما قدمناه تبين مجمل أحواله وعمره وولادته وزمان  مقتله وشخصيته، ونترك بيان تفاصيل مقتله إلى باب السيرة إن شاء الله تعالى.

     ولكن بقي أن نشير إلى مسألة زواجه فقد ذكر المحلاتي أنه كان قد تزوج سكينة بنت الحسين «عليه السلام» ثم بعد شهادته تزوجها مصعب بن الزبير(6)، ولكن سبق وقلنا: إن الإمام الحسين «عليه السلام» قد زوجها ابن أخيه عبد الله بن الحسن «عليه السلام» وعليه نصت المصادر، ولا نصت المصادر، ولا نعلم من أين له ذلك حيث لم يدعمه بدليل(7)، والظاهر أنه من الخلط بين الأسماء، وليس في المصادر التي بحوزتنا عن زواجه شيئاً.

____________
(1) نفس المهموم: 287.

(2) مقتل الحسين لأبي مخنف: 114.

(3) نفس المهموم: 287.

(4) مقتل الحسين لأبي مخنف: 114.

(5) روضة الشهداء: 392.

(6) فرسان الهيجاء: 254.

(7) راجع سكينة بنت الحسين للمقرم: 110 والذي استقصى كل ما يرتبط بالسيدة سكينة فلم يذكر ما ذكره المحلاتي.

(239)

     وذكر ابن قتيبة بأن شقيقه هو علي بن عقيل(1)، ولكن ابن فندق أضاف على علي: محمد بن مسلم(2) ليكون ثلاثة أشقاء، إلا أن أكثر المصادر تذكر بأن أم محمد هي أم ولد وسنأتي على ذكر ترجمته.

____________
(1) المعارف: 204.

(2) لباب الأنساب: 1/333.

(240)

 

49

عبيد الله بن العباس الهاشمي

50- 125هـ = 670- 773م

     هو: عبيد الله بن العباس الأكبر ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

     وأما ضبط الكلمة: فإن «عبيد» بضم أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه على زنة فعيل وزن يستخدم للتصغير، وللتصغير أغراض مختلفة، وهنا يراد به مزيد التواضع لله جل وعلا وتحقير النفس أمام عظمة بأنه عبد صغير لذلك الإله العظيم وأنه مخلوق ضعيف أمام ذلك الخالق القوي، وجرت التسمية بهذه المفردة المضافة إلى اسم الجلالة بعد ظهور الإسلام مباشرة، وممن سمو بذلك في العهد الأول عبيد الله بن العباس المولود عام الهجرة والمتوفى عام 87هـ، وعبيد الله بن عمر بن الخطاب المولود في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمتوفى عام 37هـ، ونظن أنه أبدل اسمه بعد أن أسلم في مكة، وعبيد الله بن معمر التميمي الذي توفي عام 29هـ والذي ولد في الجاهلية وقد ولاه عثمان إمارة الجيش، وعبيد الله بن الحارث «أخو الأشتر لأمه»(1) وهؤلاء سموا بعد إسلامهم.

     وأما عبيد دون الإضافة لاسم فكان مستخدماً في الجاهلية.

     وأم عبيد لله هي: لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد الملطب بن هاشم القرشية(2).

__________
(1) بحار الأنوار: 45/370، والذي ولاه المختار الثقفي على أرمينية.

(2) سر السلسلة العلوية: 115، ناسخ التواريخ (حياة الإمام الحسين): 2/341.

(241)

     وأم لبابة هي: جويرية (أم حكيم) بنت خالد بن قرظ الكنانية(1).

     ربما كانت ولادته عام 50هـ بالمدينة حيث عاش 55 سنة كما صرح بذلك العمري(2)، وبما أن المقرم ذكر أنه توفي عام 155هـ احتملنا أنه تصحيف لعام 105هـ في أحد وجوه التصحيف(3)، فإذا طرح منه 55 وهو مبلغ عمره كان الحاصل 50 وهي سنة ولادته وهو لا يتنافى مع كل من ذكر بأنه حين معركة الطف كان صغيراً حيث يكون عمره آنذاك عشر سنوات والله العالم بحقائق الأمور.

     ولا خلاف بين أرباب النسب أنه شقيق للفضل وأنه أصغر منه، كم لا خلاف أن أباهما كان يكنى بالفضل مما يعني أنه البكر، ولكن كل المعطيات لا تساعد على كونه البكر، لأنهم ذكروا بأن أبا الفضل العباس «عليه السلام» قد تزوج من حرة واحدة وهي لبابة بنت عبيد الله بن العباس.

     بينما تزوج بملك اليمين من أربعة إماء وانجبن له كما سبق وأشرنا إلى ذلك، ولكن المهم أن القاسم كان أكبر أبنائه وأمه أم ولد وكان يكنى به، وكذلك محمد، وما إن أنجبت له لبابة الفضل كني به واشتهر.

     ولا يخفى أن الفضل هو أكبر من شقيقه عبيد الله، وقد تزوج عبيد الله من أربعة حرائر هن:

     1- رقية بنت الحسن بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» الهاشمية.

     2- خديجة (أم علي) بنت علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» الهاشمية.

     3- أم أبيها بنت عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب الهاشمية.

     4- ابنة المسور بن مخرمة الزهرية الزبيدية(4).

___________

(1) العباس للمقرم: 350.

(2) المجدي: 231.

(3) ومن وجوه التصحيف أنه أراد أن عمره 55 سنة فوقع التصحيف في سنة الولادة بين 155 و55، ليكون الواحد الذي في رتبة المئات زائداً.

(4) راجع سر السلسلة العلوية: 90.

(242)

     وعرف من أبنائه ما أنجبته  أم أبيها بنت عبد الله وهم عبيد الله والحسن، والعقب في الثاني دون الأول، وقد توفي الحسن وله 67 عاماً(1)، وأما خديجة فلم تلد.

     وكان عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» من كبار الفقهاء وذوي المعرفة والبصيرة(2) وكان  من أصحاب الإمام السجاد «عليه السلام»، وكان الإمام السجاد «عليه السلام» عظيم العناية به، وقد نشأ في كنفه، وكان يحبه ويؤثره ويقدمه على سائر أقربائه(3)، وكان إذا نظر  إليه استعبر  ثم قال: ما من يوم أشد على رسول الله «عليه السلام» من يوم أحد قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب، ثم قال: ولا كيوم الحسين إزدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً، ثم قال: رحم الله العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل جعفر بن أبي طالب، وللعباس عند الله تارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة(4).

     وأما عن حضوره في معركة الطف واصطحاب والده له إلى كربلاء، فقد اختلف المؤرخين في ذلك، وقد ذهب معظمهم إلى أنه بقي مع شقيقه الفضل في المدينة عند أمهما لبابة وجدتهما أم البنين فاطمة بنت حرام الكلابية، وهناك من ذكر بأنه حضر كربلاء وأسر فيمن أسر، بل وهناك من قال باستشهاده في معركة الكرامة في كربلاء، وإليك نص المذاهب الثلاثة:

     قال المظفر: «كان عبيد الله طفلاً عند مقتل أبيه العباس «عليه السلام» بقي عند أمه بالمدينة»(5).

_______________

(1) بطل العلقمي: 3/430، مستدركات علم رجال الحديث: 5/184.

(2) هامش مقتل الحسين لبحر العلوم: 315.

(3) بطل العلقمي: 3/430.

(4) سفينة البحار: 6/132 عن الخصال والأمالي للصدوق.

(5) بطل العلقمي: 3/431.

(243)

     وعده القاضي أبو حنيفة النعمان في جملة من أسر في وقعة الطف إلا أنه ذكره مكبراً(1).

     بينما عده الأمين من المستشهدين بين يدي عمه الحسين «عليه السلام» في كربلاء إلا أنه أورده مكبراً(2).

     وإنما ذكرنا المكبر «عبد الله» عوضاً عن المصغر «عبيد الله» لأن معظمهم صرحوا بأن أبناء العباس بن علي بن أبي طالب انحصروا في خمسة: عبيد الله والفضل والحسن والقاسم ومحمد(3)، ومن هنا فيذكر أن عبد الله هو تصحيف عبيد الله، أو هو نفسه.

     ولكن المظفر ذكر أن للعباس بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» من الأبناء:

     1- عبيد الله: وأمه لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وفيه العقب بإجماع أرباب النسب.

     2- الفضل: وأمه لبابة بنت عبيد الله بن العباس فهو شقيق لعبيد الله.

     3- محمد: قيل إن أمه أيضاً لبابة بنت عبد الله بن العباس.

     4- القاسم: وربما قيل إن أمه أم ولد.

     5- الحسن: أمه أم ولد لم يذكر اسمها(4).

     6- عبد الله: وربما كان أكبر من عبيد الله ولكن لا دليل على ذلك(5).

     ولقد ذكر ابن شهرآشوب محمداً في جملة من استشهد مع عمه الحسين «عليه السلام» في كربلاء، ولكنه نسبه إلى القيل(6)، وأما القاسم فقد ذكر

_________
(1) شرح الأخبار: 3/198.

(2) أعيان الشعية: 1/610.

(3) راجع العباس للمقرم: 35.

(4) جاء في بطل العلقمي أن أمه لبابة بنت عبيد الله بن العباس، ولكن ابن قتيبة في المعارف ذكر أن أمه أم ولد.

(5) راجع بطل العلقمي: 3/429.

(6) مناقب آل أبي طالب: 4/112.

(244)

الإسفراييني: خرج عليه- على الحسين- من الخيمة غلامان كأنهما الأقمار(1)، أحدهما ابن العباس والثاني أخوه القاسم وهو يقولون(2): لبيك يا مولانا ها نحن بين يديك، فقال «عليه السلام»: كفاكما قتل والدكما، فقالوا: لا والله يا عمنا بل أنفسنا لك الفداء...»(3) والظاهر أن الأول هو محمد بن العباس الذي ذكره ابن شهرآشوب.

     وأما عبد الله مكبراً فقال المظفر: مذكور في بعض كتب الأنساب المخطوطة، وفي رياض الجنان: «إن عبد الله بن العباس بن علي كان طفلاً في الطف وأخذ مع السبايا»(4).

     وأما الحسن فقد ذكره ابن قتيبة حيث يقول: «وأما العباس بن علي بن أبي طالب فقتل مع الحسين بن علي بن أبي طالب، فولد العباس عبيد الله، أمه لبابة بنت عبيد الله بن عباس، وحسناً لأم ولد، وله عقب»(5).

     وجاء في التحفة الجلالية: إن المعقبين  من أبناء العباس بن علي بن أبي طالب: عبيد الله وحسن وعبد الله(6).

     وجاء ي النفحة العنبرية: إن أبناء العباس المعقبين هم: عبد الله وعبيد الله والفضل(7).

     ولسنا هنا لبيان من المعقب من أبناء العباس «عليه السلام» ومن ليس بمعقب، ولكن المهم هو أنه كان له ابن باسم عبد الله مكبراً، وهذا ما يجعلنا نقول بأن الذي كان في كربلاء سواء حضر أو استشهد هو عبد الله مكبراً، وأما عبيد الله المصغر فلا دليل على حضوره كربلاء، بينما عدم استشهاده مقطوع فيه بل فيه العقب، ولذلك يكفينا نقاشاً هنا عن عبيد الله لننتقل بالبحث إلى عبد الله بن العباس.

_____________
(1) الأقمار: الصحيح «قمران».

(2) وهم يقولون: الصحيح «وهما يقولان».

(3) نور العين في مشهد الحسين: 26.

(4) بطل العلقمي: 3/329 عن رياض الجنان: 368 (طبعة بمبي).

(5) المعارف لابن قتيبة: 217، وطبقات الحنفية.

(6) التحفة الجلالية: 110.

(7) بطل العلقمي: 3: 430 عن النفحة العنبرية لحسون البراقي.

(245)

     وكان من المفروض أن نقدم هذا البحث في عبد الله، ولكن النقاش عن عبيد الله هو الذي أوصلنا إلى الحديث عن عبد الله، ولذا نعتذر من القارىء الكريم من وقوع هذا الخلل الفني.

     بقي هنا أن نشير إلى عمر لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، بما أن أبيها عبد الله ولد في السنة الأولى قبل الهجرة وتوفي عام 58هـ على الأرجح(1). وبناء على اختيارنا أن العباس بن علي «عليه السلام» ولد عام 18هـ فإن لبابة ربما كانت ولادتها إن كانت الأولى من زوجات أبي الفضل العباس «عليه السلام» بعد عام 17هـ، ليكون زواجها بعد عام 32هـ. وما تأخير الإنجاب إلا مسألة تتعلق بالظروف الشخصية إن قلنا إنها أنجبت فقط الفضل وعبيد الله، وأما على قول من ذهب إلى أنها أيضاً أنجبت الحسن ومحمداً(2) وبنتين(3)، وأن بعضهم كانوا من المبارزين في معركة الطف فلا تأخير في الإنجاب لأن هؤلاء سبقوا عبيد الله والفضل في الولادة والله العالم بحقائق الأمور.

__________
(1) راجع تهذيب التهذيب: 4/16 وذلك حيث لم يكن له صوت عند مقتل الإمام الحسين «عليه السلام»، وكان موته في المدينة.

(2) راجع بطل العلقمي: 3/429.

(3) راجع العباس للمقرم: 350.

(246)

50

عبيد الله بن عبد الله الهاشمي

نحو 27 - 61هـ = 648-680م

     هو: عبيد الله ابن عبد الله الأكبر ابن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

     وأمه هي: الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة بن عثمان الوائلية(1).

     وأم الخوصاء هي: هند بنت سالم بن عبد الله بن عبد الله بن مخزوم الثعلبية.

     وأم عبد الله هي: أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب الخثعمية(2).

     ولد في المدينة المنورة حيث كان موطن أبيه عبد الله الذي سبق وأشرنا إلى ولادته ووفاته، وتذكر المصادر: بما أنه كان مكفوفاً لم يصحب الإمام الحسين «عليه السلام» بل أرسل معه من أبنائه  محمد وعبيد الله، كما سمح لزوجته زينب بنت أمير المؤمنين «عليه السلام» بمصاحبة أخيها الحسين «عليه السلام» مع بعض أبنائها.

     وممن ذكر وجوده ومقتله أبو الفرج الأصبهاني حيث روى عن يحيى ابن الحسن العلوي عن أحمد بن سعيد أن عبيد الله بن عبد الله بن جعفر الطيار قتل مع الحسين في الطف رضوان الله وصلواته على الحسين وآله(3).

___________
(1) مقاتل الطالبيين: 96.

(2) المجدي: 296، ومقاتل الطالبيين: 35.

(3) مقاتل الطالبيين: 96.

(247)

     وأما العمري والذي عدد أبناء وبنات عبد الله بن جعفر وأوصلهم إلى تسعة وعشرين ولداً: تسع من البنات، وعشرون من الذكور، لم يورد اسم عبيد الله منهم(1)، ولكن ابن شهرآشوب ذكره في عداد المقتولين في كربلاء، وأن قاتله هو بشر بن حويطر القانصي(2)، ولكنه في مكان آخر من كتابه ذكره مكبراً(3)، ونظنه من التصحيف، إلا أن ابن فندق ذكره مكبراً(4)، وليس للمصغر ذكر في كتابه، ومما يفهم من جميع المصادر أنهم لم يجمعوا بين عبد الله وعبيد الله، مما يفهم أنهما متحدان، وربما كان اسمه عبد الله، ولكن اشتهر بعبيد الله في قبال أبيه عبد الله ليكون صورة مصغرة عن أبيه والله العالم.

وممن عده من المقتولين بين يدي أبي عبد الله الحسين «عليه السلام» مصغراً «عبيد الله» هو الخوارزمي، حيث عد ثلاثة من أبناء عبد الله بن جعفر من المستشهدين في الطف وهم: محمد وعون وعبيد الله(5)، كما أن الأمين(6) أيضاً سلك مسلك الخوارزمي(7).

     وهناك جماعة من المتأخرين ذكروه في عداد المستشهدين بين يدي أبي عبد الله الحسين «عليه السلام»(8)، إلا اننا لا يمكن أن نعتمد على نقلهم حيث وجدت أحدهم ينقل عن الطبري(9)، وآخر نقل عن وقعة صفين، والطبقات

____________
(1) المجدي: 297.

(2) مناقب آل أبي طالب: 4/106.

(3) مناقب آل أبي طالب: 4/112.

(4) لباب الأنساب: 1/361.

(5) مقتل الحسين للخوارزمي:2/48.

(6) الأمين: هو محسن بن عبد الكريم بن علي بن محمد بن موسى العاملي (1284- 1371هـ) ولد في شقراء (جنوب لبنا) وتوفي في بيروت ودفن عند مرقد السيدة زينب «عليه السلام» بدمشق، درس في العراق وسكن الشام، من أعلام الإمامية، له من المؤلفات: معادن الجواهر، المجالس السنية، وخطط جبل عامل.

(7) أعيان الشيعة: 1/610.

(8) راجع ناسخ التواريخ (حياة الإمام الحسين): 2/322، وهامش مقتل الحسين لبحر العلوم: 354، وشهيد كربلاء: 191.

(9) راجع وسيلة الدارين: 246.

(248)

الكبرى والأعلام وغيرها(1) فتبين أن الأول خلط بنيه وبين محمد بن عبد الله ابن جعفر، وأما الثاني فقد ورد ذكر أبيه في تلك المواقع عرضاً، نعم في ترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» من الطبقات الكبرى (طبعة مجلة تراثنا) ورد اسم محمد وعون ابني عبد الله في المستشهدين، واسم القاسم بن عبد الله بن جعفر في الأسرى(2).

     وليس هناك من ذكر أنه قتل مبارزة، نعم كلام القمي(3) في نفس المهموم يوحي إلى ذلك حيث قال بعد ذكر مبارزة أخويه عون ومحمد ابني عبد الله بن جعفر: «وذكر أبو الفرج: إنه قتل بعده أخوه لأمه وأبيه عبيد الله ابن عبد الله بن جعفر»(4) ولكن ليس في مقاتل الطالبيين نص بهذا الشكل بل كل ما ورد هناك أنه ذكره بعد أخويه عون ومحمد وقال: «وعبيد الله بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأمه الخوصاء بنت حفصة، ذكر يحيى بن الحسن العلوي فيما حدثني به أحمد بن سعيد عنه: إنه قتل مع الحسين بالطف رضوان الله وصلواته على الحسين وآله»(5) وهذا لا يدل على مبارزته أولاً، كما لا يدل على أنه قتل بعد أخويه، وهذا استنتاج من القمي.

     ولا شك أنه كان أصغر من شقيقه محمد وولادته كانت قبل شقيقه الآخر أبي بكر، ومن المعلوم أن عبد الله بن جعفر تزوج من الخوصاء بعد زواجه من السيدة زينب «عليه السلام».

     ونحتمل أن زواجه من السيدة زينب «عليه السلام» كان عام 20هـ حيث بلغت السن الذي يقتضي زواجها أو على الأقل السن الذي تنجب، وعليه فلعل ابنها البكر كانت ولادته عام 21هـ، وأما ليلى بنت مسعود النهشلية والتي كانت زوجة الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» فقد تزوجها عبد الله عام 41هـ بعد

________
(1) ياران بايدار إمام حسين: 113.

(2) راجع ترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» من الطبقات الكبرى: 187 (طبعة تراثنا).

(3) القمي: هوعباس بن محمد رضا بن أبي قاسم (1294- 1359هـ) ولد في قم، وتوفي في النجف، كان من علماء الإمامية ومحدثيها، من آثاره: منتهى الآمال، نزهة الخواطر، واللئالئ المنثورة.

(4) نفس المهموم: 289.

(5) مقاتل الطالبيين: 96 وعنه بحار الأنوار: 45/34.

(249)

انقضاء عدتها من أمير المؤمنين «عليه السلام» فيحتمل أن تكون ولادتها لابنها الأول من عبد الله بن جعفر عام 42هـ، وأما عن زواجه من جمانة بنت المسيب بن نجبة الفزاري فقد كان في حدود عام 28هـ حيث إنها أنجبت له من الأبناء الحسن عام 29هـ على الأكثر، وعون الأصغر عام 30هـ حيث قيل إنه قتل في معركة الطف وله من العمر ثلاثون سنة(1)، وإذا كان لعون الأكبر ابن عبد الله بن جعفر الطيار من العمر 35 سنة يوم قتل في كربلاء- بالطبع بعد التصحيح الذي احتملناه على كلام ابن فندق(2)- فهذا يؤكذ لنا أن محمداً وعبيد الله إبني الخوصاء لم يتجاوزا العقد الثالث من عمرهما- والله العالم بحقائق الأمور- وقد سبق وقلنا إن محمداً كان أكبر من عبيد الله، ويكون أبو بكر أصغر منهما حسب التسلسل الذي ذكروه.

     وأما عن حياته وزاجه وسائر شؤونه فليس لدينا ما يمكن أن يذكر أكثر مما ذكرناه ضمن التحقيق عن شخصيته وما سنورده في قتاله يوم الطف إن شاء الله في السيرة.

     وبما أن هذه أول ترجمة لابن عبد الله بن جعفر الطيار فلا بأس بالإشارة إلى زوجاته وأولاده نذكرهم حسب الحروف الهجائية،

     1- إبراهيم: أمه زينب الكبرى «عليه السلام» وهو سادس أولادهما، درج.

     2- أبو بكر: أمه الخوصاء الثعلبية، وهو أصغر أبنائها، أنجبت بنتاً، قتل في الحرة.

     3- أسماء: أمها أم ولد، لا عقب لها.

___________
(1) راجع لباب الأنساب: 1/403.

(2) راجع لباب الأنساب: 1/400، وفيه ذكر أن عون الأكبر ابن عبد الله بن جعفر الطيار قتل في كربلاء وله من العمر خمس وخمسون سنة، وكان تعليقنا عليه أن هذا لا يمكن حيث إن عبد الله ولد عام 51 في الحبشة ومعنى ذلك أنه أنجب عام خمسة للهجرة وله من العمر أربع سنوات، ولذلك احتملنا أنه تصحيف لخمس وثلاثين سنة لتكون ولادة عون الأكبر عام 25هـ، فإذا كانت ولادة جعفر الأكبر عام 21هـ وولادة عون الأكبر عام 25هـ فالذي يتوسطهما وهو علي من أبناء عبد الله بن جعفر يفترض أن يكون عام 23هـ.

(250)

     4- إسحاق: أمه أم ولد، ويلقب بالعرصي، وله أولاد كثيرون، فيهم العقب(1).

     5- إسماعيل: أمه أم ولد، أنجب إلا أن نسله انقرض(2).

     6- أم أبيها: أمها ليلى النهشلية وهي خامس أولادها(3).

     7- أم عبد الله: أمها أم ولد، لا عقب لها.

     8- أم كلثوم الصغرى: أمها أم ولد، لا عقب لها.

     9- أم كلثوم الكبرى: أمها زينب الكبرى «عليه السلام»، وهي خامسة أولادها(4).

     10- أم محمد: أمها أم ولد، لا عقب لها(5).

     11- جعفر الأصغر: أمه أم ولد، لا عقب له.

     12- جعفر الأكبر: أمه زينب الكبرى «عليه السلام»، وهو أول أولادها.

     13- الحسن: أمه جمانة الفزارية، وهو أول أولادها.

     14- الحسين: أمه أم ولد، لا عقب له.

     15- رقية الصغرى: أمها أم ولد، لا عقب لها.

_______
(1) المجدي: 298، وفي المعارف: 208 أنه تزوج أم حكيم بنت القاسم بن محمد ابن أبي كبر فأنجبت له القاسم.

(2) جاء في المجدي: 297 «كان أحد الزهاد، وأولد جماعة ولم يبق من ولده اليوم إلا امرأة صوفية ببغداد، أمها بنت النبطية؛ وأبوها الحسين بن عبد الوهاب بن علي بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر الطيار، إذا ماتت انقرض ولد إسماعيل من العراق» إذاً فابن إسماعيل اسمه عبد الله.

(3) جاء في المعارف: 207 «أنها كانت عند عبد الملك بن مروان فطلقها ثم تزوجها علي بن عبد الله بن العباس فهلكت عنده.

(4) في المعارف: 207 أنها كانت عند القاسم بن محمد بن جعفر الطيار، قتل بكربلاء، فتزوجت من غيره.

(5) وربما فهم من جدول ابن فندق في لباب الأنساب: 1/368 أن «أم محمد» كنية «لبابة» بنت عبد الله بن جعفر والله العالم.

(251)

     16- رقية الكبرى: أمها أم ولد، لا عقب لها.

     17- صالح الأصغر: أمه أم ولد، لا عقب له.

     18- صالح الأكبر: أمه ليلى النهشلية، وهو أول أولادها.د

     19- العباس: أمه زينب الكبرى «عليه السلام»، وهو رابع أولادها.

     20- عبيد الله (عبد الله): أمه الخوصاء الثعلبية، وهو ثاني أولادها، قتل في الطف.

     21- علي الأصغر: أمه زينب الكبرى «عليه السلام» وهو ثاني أولادها، وفيه العقب(1).

     22- علي الأكبر: أمه أم ولد، وفيه العقب(2).

     23- عون الأصغر: أمه جمانة الفزارية، وهو ثاني أولادها، قتل في الطف، وقيل في الحرة.

     24- عون الأكبر: أمه زينب الكبرى «عليه السلام»، وهو ثالث أولادها، قتل في الطف.

     25- عياض: أمه أم ولد، لا عقب له.

     26- فاطمة: أمها أم ولد، لا عقب لها.

     27- القاسم: أمه أم ولد، لا عقب له.

     28- قِثم: أمه أم ولد، لا عقب له.

     29- لبابة: أمها أم ولد، لا عقب لها.

     25- محمد الأصغر: أمه الخوصاء الثعلبية ،وهو أول أولادها.

     31- محمد الأكبر: أمه أم ولد، لا عقب له.

_________
(1) ويقال نسله الزينبيون، راجع المجدي: 297، ويلقب علي بالزينبي، راجع هامش لباب الأنساب: 1/366 ومن أبنائه محمد وإسحاق وإبراهيم وإسماعيل.

(2) جاء في المجدي: 298 «يكنى بأبي الحسن وكان كريماً سيداً» وأورد مجموعة كبيرة من نسله وعقبه وأولاده.

(252)

     32- معاوية: أمه أم ولد، تزوج من أم عون المطلبية، أنجب ثم انقرض نسله(1).

     33- موسى: أمه ليلى النهشلية، وهو ثاني أولادها.

     34- هارون: أمه ليلى النهشلية، وهو ثالث أولادها.

     35- يحيى: أمه ليلى النهشلية، وهو رابع أودلاها.

     36ـ يزيد أمه أم ولد، لا عقب له.

     هذا كل ما أورده العمري في المجدي وابن قتيبة في المعارف، وابن فندق في اللباب(2).

___________
(1) جاء في المجدي: 297 ومن أبناء معاوية عبد الله وهو فارس شجاع ظهر أيام مروان بن محمد، وكان ذا لسان، وأخوه علي بن معاوية كان سيداً كريماً، وكان عبد الله الجديد قد وصى إلى ابنه معاوية.

وجاء في المعارف: 207 أنه تزوج من أم عون  من ولد الحارث بن عبد المطلب فأنجبت له عبد الله ومحمد، كما تزوج من فاطمة بنت الحسن بن الحسين بن علي «عليه السلام» فأنجبت له يزيداً والحسن وصالحاً، كما امتلك أم ولد فأنجبت له  علياً.

(2) المجدي: 297، المعارف: 207، لباب الأنساب: 1/361.

(253)

 

51

عبيد الله بن علي الهاشمي

39- 67هـ = 659- 686م

     هو: عبيد الله بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

     أمه هي: ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بنم سلم النهشلية الدارمية.

     وقد سبق الحديث عنه في شقيقه أبو بكر وعبد الله الأصغر إبنا علي فلا نكرر.

     وسبق وقلنا: إن عبيد الله ولد عام 39هـ، وتوصلنا بأنه هو المقتول في المذار عام 67هـ، ولكن حضر كربلاء، ومن هنا جاءت ترجمته هنا.

     إن شخصية عبيد الله بن علي «عليه السلام» كانت مثيرة بعض الشيء، وقد حامت حوله بعض الشكوك منذ صغره وحتى مقتله، وقبل الحديث عن أخباره نود الإشارة إلى الخلط الذي بيناه سابقاً والذي وقع في شخصيته بأنه هو أبو بكر تارة وأنه عبد الله الأصغر بن علي «عليه السلام»، وبسبب الخلط ورد اسمه في المستشهدين بالطف لأنه حضر  المعركة فقاتل حتى أسر وسلم من القتل آنذاك إلا أنه خرج مع مصعب بن الزبير لمقارعة الأمويين وقتل في البصرة في مكان يسمى المذار.

     ولنتحدث عن نشأته فقد ورد في حديث الإمام الباقر«عليه السلام» برواية أبي جارود(1)، أنه قال: جمع أمير المؤمنين «عليه السلام»- عند وفاته- بنيه وهم اثنا

_______
(1) ابن أبي جارود: هو زياد بن المنذر الهمداني الكوفي الحوفي، زيدي وإليه تنسب =

(254)