معجم  أنصار الحسين  (الهاشميون)(الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (الهاشميون)(الجزء الثاني)

المؤلف : (محمد صادق محمد (الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن – المملكة المتحدة

 

 

 

وتقدم بعد جعفر بن علي..»(1) وغيرهم(2).

     وما جاء في نص الفضيل الأسدي: «رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم وأجهز عليه رجل من بني تميم بن أبان بن دارم»(3) فالظاهر أنه من الخلط بينه وبين عبد الله الأصغر والله العالم.

     وقال ابن أعثم: إن قاتله هو زجر بن بدر النخعي(4)، والظاهر أنه من الخلط بينه وبين أبي بكر بن علي «عليه السلام» لأن هناك من يرى أنهما متحدان، ولكن الأول أمه ليلى النهشلية، والثاني أمه أم البنين الكلابية، ويختلف رجزهما(5)، وربما قيل بأن عبد الله الأكبر يكنى بأبي بكر أيضاً فجاء الخلط من ذلك، ولكن اشتهر الأول بأبي بكر بينما اشتهر الثاني بعبد الله، وإذا كانت له كنية فليس بمشهورة، وربما ذكر عبد الله الأصغر بكنية أبي بكر والله العالم، ومما يريد كون كنية عبد الله الأكبر هي أبا بكر ما أورده ابن قتيبة قائلاً: «فقتل يومئذ الحسين بن علي، وعباس بن علي، وعثمان بن علي، وأبو بكر بن علي، وجعفر بن علي وأمهم أم البنين بنت حرام الكلابية»(6) مما ذكر عبد الله مكنى بأبي بكر، حيث يذكر بعد ذلك عبد الله بن علي، والظاهر أن المراد بالثاني هو عبد الله الأصغر، ومما يدعم كون الأول مكنى بأبي بكر أنه ذكره في كتابه المعارف: عبد الله، حيث قال في عداد أبناء علي «عليه السلام» «وجعفراً والعباس وعبد الله وأمهم أم البنين بنت حرام الوحيدية (الكلابية)(7) وفيه شيء من الغرابة إذ إنه لم يذكر عثمان، ولعله من سهو القلم، ولكن سبق في المعارف وذكر أبا بكر مع عبيد الله.

     وأما القاضي النعمان فإنه ذكر: «أخذ العباس قربة ومضى نحو الماء،

_____________
(1) الإرشاد: 2/109.

(2) كالخوارزمي في مقتل الحسين: 2/47 وابن الأثير في الكامل: 4/76.

(3) تسمية من قتل مع الحسين: 149 (المطبوع بجملة تراثنا القمية).

(4) الفتوح: 5/205.

(5) راجع ديوان القرن الأول: 2/100 و102.

(6) الإمامة والسياسة: 2/7.

(7) المعارف: 210.

(206)

وأتبعه إخوته(1) من ولد علي «عليه السلام»: عثمان وجعفر وعبد الله، فكشفوا أصحاب عبيد الله الماء، وملأ العباس القربة، وجاء بها فحملها على ظهره إلى الحسين وحده، وقتل إخوته عثمان وجعفر وعبد الله في المعركة على الماء ولم يكن لأحد منهم عقب، ورثاهم(2) العباس وقتل بعدهم يومئذ»(3) والأمر غريب، ولعل المعركة وقعت بعد أن ذهب العباس ليستسقي الماء فوقعت على مقربة من الشريعة، والله العالم.

__________
(1) إخوته: أراد اشقاءه.

(2) في الأصل:  «وورثهم».

(3) شرح الأخبار: 3/182.

(207)

 

44

عبد الله الأوسط ابن الحسن الهاشمي

46- 61هـ = 666- 680م

     هو: عبد الله الأوسط ابن الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

     وأمه هي: أم ولد يقال لها حبيبة الحبشية(1)، على ما ورد في اللباب واحتملنا أنها أمه، وقد عبر عنه بحر العلوم حين تحدث عن القاسم قائلاً: أمه- أي أم القاسم- أم ولد، قيل تسمى رملة وهي أم أخويه المقتولين يوم الطف: عبد الله الأكبر وعبيد الله الأصغر المقتول في حجر عمه الحسين «عليه السلام» بسهم حرملة بن كاهل الأسدي(2)

     ولكن من المعلوم أنه قصد به عبد الله الأكبر، وإن كان وصفه بالأصغر يوحي إلى أن هناك عبيد الله الأكبر، إلا أنه يبدو أراد به عبد الله الأصغر، وعبيد الله إما تصحيف أو مزيد بيان، ومن هنا فإنه جاء في مكان آخر من كتابه ليسميه بعد الله الأصغر(3)، ولكن جاء في مرآة العقول للمجلسي: «عبيد الله بن الحسن»(4).

     وأما القاضي أبي حنيفة النعمان فقد ذكر عبد الله بن الحسن من المقتولين كما ذكر عبد الله بن الحسن من الأسرى مما يتبين تعدده(5).

___________
(1) راجع لباب الأنساب: 1/399.

(2) مقتل الحسين لبحر العلوم: 355.

(3) مقتل الحسين لبحر العلوم: 447.

(4) معجم رجال الحديث: 10/157 عن مرآة العقول.

(5) شرح الأخبار: 180 و197.

(208)

     كما يظهر من تحديد المحلاتي لعمر عبد الله بن الحسن «عليه السلام»- ولعله الأصغر- أنه لم يكن له أقل من تسع سنوات، وأن ولادته كانت في عام 51هـ، أي بعد وفاة أبيه، بمعنى أن أمه كانت حاملاً به لدى وفاة أبيه الحسن «عليه السلام»(1)، ولكن من الواضح أنه أراد به عبد الله الأصغر، وصرح بأن هناك ثلاث شخصيات: أبو بكر وعبد الله الأكبر وعبد الأصغر، ومعنى ذلك أن لا وجود لعبد الله آخر للحسن «عليه السلام» إلا إذ أخد بكلام القاضي أبي حنيفة النعمان أن هناك عبد الله بن الحسن «عليه السلام» الذي أسر، ومعنى ذلك أنه لم يستشهد.

     ومن مجموع ما تقدم سواء في ترجمة أبي بكر أو عبد الله الأصغر أو عبد الله الأكبر أبناء الإمام الحسن المجتبى «عليه السلام» لم نتمكن من البت بأمره لا سلباً ولا إيجاباً، وعليه فيبقى الاحتمال بوجوده وارداً، وكذلك فإن الاحتمال بقتله في الطف أو أسره محتمل، ومن هنا جاء الحديث عنه هنا، ولكن مما لا شك فيه أنه حضر كربلاء إن كان له وجود خارجي، وعلى فرضه لا بد أن يكون عمر عبد الله الأصغر يوم الطف نحو تسع سنوات وأما عبد الله الأوسط نحو إحدى عشرة سنة.

     وربما كانت ولادة الأصغر في سنة 51هـ، وولادة الأوسط في نسة 49هـ على فرض عدم اتحادهما، وربما هو المراد بذكره في الأسرى كما جاء في شرح الأخبار للقاضي أبي حنيفة النعمان(2) والله العالم.

__________
(1) راجع فرسان الهيجاء: 1/39.

(2) شرح الأخبار: 3/197.

(209)

 

45

عبد الله بن الحسين الهاشمي

61- 61هـ  = 680 – 680م

     هو: عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي(1).

     وأمه هي: الرباب بنت امرىء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم(2)، الكلبية.

     وأم أمه: فاطمة بنت الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

     وأم الرباب هي: هند الهنود(3) بنت الربيع بن مسعود(4) بن مصاد بن حصن بن كعب الكلبية.

     هناك شخصان إنتسبا إلى الإمام الحسين «عليه السلام» وكلاهما كانا صغيرين، قيل باتحادهما كما قيل بتغايرهما، واختلفت المعلومات عنهما، وهناك معلومات عامة وردت في أمات المصادر في حقه أو حقهما، وربما اختلطت هذه المعلومات فكانت سبباً في المضي إلى أنهما متحدان أو إلى اختيار أنهما متغايران، ونحن سنقرب وجهات النظر مهما أمكن لنصل  إلى الحقيقة أو طيفها، ولمعرفة الواقع لا بد من بيان الأوصاف لنرى مدى إمكانية الاتحاد أو التغاير وهذا لا يتوضح إلا ببيان النقاط التالية:

_______
(1) تاريخ مولد العلماء ووفياتهم للربعي: 68.

(2) جاء في تسمية من قتل مع الحسين: «كعب بن حكيم» ولعله تصحيف.

(3) وأم هند الهنود هي: ميسون بنت عمر بن ثعلبة بن حصين بن ضمضم.

وأم ميسون هي: ابنة أوس بن حارثة الطائية... راجع مقاتل الطالبيين: 94.

(4) وجاء في الأغاني: 16/164 أن مسعود هذا: هو ابن مروان بن حصين بن كعب بن عليم بن كليب.

(210)

     1- هناك إسمان عبد الله وعلي الأصغر.

     2- هناك حالتان حالة قعود الإمام الحسين «عليه السلام» عند الخيمة واحتضانه طفله في حضنه (حجره)، وحالة حمله للطفل أمام القوم ومطالبته لهم بالماء ليروي حر كبد الطفل.

     3- هناك قاتلان أو أكثر: هاني بن ثبيت الحضرمي، وحرملة بن كاهل الأسدي، وعقبة بن بشر الأسدي، وقديمة العامري.

     4- هناك أمان، أحداهما: الرباب بنت امرء القيس الكلبية، وأم إسحاق بنت طلحة.

     5- هناك من حدد مكان الولادة في المدينة، وآخر في الطف.

     6- وأخيراً من حدد مكان عمر الطفل بستة أشهر، وهناك من حدد عمره بالساعات أو الأيام.

     ولأجل أن نوثق هذه الحالات الست بل وغيرها لا بد من استعراض النصوص لنجد ما يصلح منها للاتحاد وما يصلح منها لتغاير، والجمع بين ما أمكن جمعه وحمل ما لا يمكن أو إسقاطه، وعليه فسنورد نص أمات المصادر في التالي:

      قال الفضيل الأسدي المتوفى حدود عام 145هـ في كتابة تسمية من قتل مع الحسين «عليه السلام»: «وعبد الله بن الحسين وأمه الرباب بنت امرىء القيس الكلبية، قتله حرملة بن الكاهل الأسدي الوابلي (لعنه الله)، وكان ولد للحسين «عليه السلام» في الحرب، فأتي به وهو قاعد وأخذه في حجره ولباه بريقه وسماه عبد الله، فبينما هو كذلك إذ رماه حرملة بن كاهل بسهم فنحره، فأخذ الحسين «عليه السلام» دمه فجمعه، ورمى به نحو السماء فما وقع منه قطرة إلى الأرض(1).

      رواه البراقي(1) المتوفى عام 652هـ في الحدائق الوردية

____________
(1) تسمية من قتل مع الحسين: 150.

(2) البراقي: هو حميد بن أحمد المخلي اليماني الهمداني، المولود في اليمن والمتوفى فيها، كان من علماء الزيدية وأئمتهم، وله مؤلفات جليلة، منها: الحسام، عمدة المسترشد، ومحاسن الأزهار.

(211)

مثله باختلاف يسير جداً(1).

     وجاء في زيارة الناحية الصادرة عام 252هـ عن الإمام العسكري «عليه السلام»: «السلام على عبد الله بن الحسين الطفل الرضيع، المرمي الصريع، المتشحط دماً، المصعد دمه في السما، المذبوح بالسهم في حجر أبيه، لعن الله راميه، حرملة بن كاهل الأسدي وذويه»(2).

      وذكر أبو الفرج الأصفهاني المتوفى عام 356هـ في المقاتل الطالبيين: «وعبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه الرباب بنت امرىء القيس، وأمها هند الهنود، وكان عبد الله بن الحسين يوم قتل صغيراً جاءته نشابة وهو في حجر أبيه فذبحته».

وروى بإسناده عن حميد بن مسلم(3): دعا الحسين بغلام فأقعده في حجره فرماه عقبة بن بشر فذبحه.

     وروى بإسناده عن من شهد الحسين: كان معه ابنه الصغير فجاء سهم فوقع في نحره، فجعل الحسين يأخذ الدم من نحره ولبنه(4) فيرمي به إلى السماء فما يرجع منه شيء، ويقول: اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل...»(5).

      وأورد المفيد المتوفى عام 413هـ في الإرشاد: «ثم جلس الحسين «عليه السلام» أمام الفسطاط فأتي بابنه عبد الله بن الحسين وهو طفل

___________

(1) الحدائق الوردية: 1/245، وفيه حرملة بن الكاهن الأسدي الوابلي.

(2) الإقبال: 573، وبحار الأنوار: 101/269.

(3) حميد بن مسلم الكوفي: كان من رواة أحداث الطف، وكان من أهل الكوفة الذين أجبر على الخروج مع جيش ابن سعد، إلا أنه لم يذكر بأنه قاتل، وإنما كل ما ينقل عنه أنه كان شاهداً وحكمه حكم المراسل الصحفي في هذه الأيام، وصحب الرأس الشريف عندما تولاه خولي بن يزيد الأصبحي لحمله من كربلاء إلى الكوفة، ولما خرج سليمان بن صرد كان إلى جانبه ومن المقاتلين في عين الوردة ضد الجيش الأموي.

(4) اللبن واللبان: ما دون النحر، وربما كان تصحيف «لبته» واللبة: هو موضع القلادة من الصدر.

(5) مقاتل الطالبيين: 94.

(212)

فأجلسه في حجره فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه فتلقى الحسين «عليه السلام» دمه، ملأ كفه صبه في الأرض، ثم قال: رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين، ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهله»(1).

      وذكر القاضي أبو حنيفة النعمان المتوفى عام 363هـ في شرح الأخبار: «وعبد الله بن الحسين وأمهما(2) الرباب بنت امرىء القيس- وكانت أماً لسكينة بنت الحسين  أيضاً- وكان عبد الله يومئذ صغيراً، وكان في حجر أبيه الحسين «عليه السلام» فجاءه سهم فذبحه، رماه به هاني بن ثبيت الحضرمي»(3).

      ونقل الخوارزمي المتوفى عام 568هـ في مقتل الحسين: «فتقدم- الحسين- إلى باب الخيمة، وقال: ناولوني علياً الطفل حتى أودعه، فناولوه الصبي فجعل يقبله ويقول: ويل لهؤلاء القوم إذا كان خضمهم جدك فبينا الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن الكاهل الأسدي فذبحه في حجره، فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه، ثم رمى به نحو السماء، وقال: اللهم إن حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا، ثم نزل الحسين عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه وزمله(4) بدمه وصلى عليه، ثم قام وركب فرسه قبالة القوم مصلتاً(5) سيفه بيده آيساً من نفسه عازماً على الموت...»(6).

_____________
(1) الإرشاد: 2/108.

(2) أمهما: الضمير يعود إلى علي الأكبر وعبد الله ابنا الحسين «عليه السلام» لما أن الحديث عن علي الأكبر سبق هذا النص، وهذا من الخلط لأن أم علي الأكبر هي ليلى وليست الرباب، والصحيح أن يقول: «وأمه».

(3) شرح الأخبار: 3/177.

(4) زمل الشيء: لفه، ويقال زمل الشيء بثوبه أي لفه ومنه قوله تعالى: (يا أيها المزمل) [المزمل: 1].

(5) أصلت السيف: جرده.

(6) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/32.

(213)

      ونقل محمد بن أبي طالب(1) المتوفى بعد عام 955هـ في تسلية المجالس مثله(2).

      وقال ابن طاوس المتوفى عام 664هـ في الملهوف: «فارتفعت أصوات النساء بالعويل فتقدم إلى باب الخيمة، وقال لزينب: ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه، فأخذه وأوما إليه ليقبله فرماه حرملة بن الكاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه، فقال لزينب: خذيه ثم تلقى الدم بكفيه حتى إمتلأتا، ورمى بالدم نحو السماء، وقال: هون علي ما نزل بي، أنه بعين الله»(3).

      وفي رواية أخرى: «أخرجت- زينب أخته- الصبي وقالت: يا أخي هذا ولدك له ثلاثة أيام ما ذاق الماء فاطلب له شربة ماء فأخذه على يده وقال: يا قوم قد قتلتم  شيعتي وأهل بيتي وقد بقي هذا الطفل يتلظى عطشاً فاسقوه شربة من الماء فينما هو يخاطبهم إذ رماه رجل منهم بسهم فذبحه، فدعا عليهم بنحو ما صنع بهم المختار وغيره»(4).

      وقد روى ابن شهرآشوب المتوفى عام 588هـ في مناقب آل أبي طالب: «فبقي الحسين وحيداً وفي حجره على الأصغر فرمي إليه بسهم فأصاب حلقه فجعل الحسين «عليه السلام» يأخذ الدم من نحره فيرميه إلى السماء، فما يرجع منه شيء، ويقول: لا يكون أهون عليك من فصيل»(5).

      وروى الطبري المتوفى سنة 310هـ في تاريخ الأمم والملوك عن

____________

(1) محمد بن أبي طالب: هو حفيد أحمد بن محمد بن طاهر بن يحيى بن ناصر بن أبي العز الموسوي الحسيني الكركي الحائري، ولد قبل عام 880هـ وتوفي بعد عام 955هـ، من أعلام الإمامية بالحائر الحسيني، من آثاره: السجع النفيس، وتسلية المجالس، وله ديوان شعر.

(2) تسلية المجالس وزينة المجالس: 2/314.

(3) وقد علق السيد ابن طاوس على هذا المقطع بقوله: «وروي من طرق أخرى وهي أقرب إلى العقل لأن الحال ما كان وقت توديع للصبي لاشتغالهم بالحرب والقتل» ثم ذكر النص الآخر.

(4) الملهوف: 168.

(5) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/109.

(214)

أبي مخنف المتوفى عام 158هـ عن عقبة بن بشر الأسدي(1) عن أبي جعفر محمد الباقر «عليه السلام»: «إن لنا فيكم يا بني أسد دماً.

     قال عقبة: فما ذنبي أنا في ذلك، رحمك الله، يا أبا جعفر وما ذلك؟

     قال الباقر «عليه السلام»: أتي(2) الحسين بصبي له فهو في حجرة إذ رماه أحدكم يا بني أسد بسهم فذبحه فتلقى الحسين دمه فلما ملأ كفيه صبه في الأرض، ثم قال: رب إن تك حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين»(3).

      وذكر ابن الأعثم الكوفي المتوفى نحو عام 314هـ في الفتوح: «فبقي فريداً وحيداً ليس معه ثان إلا ابنه علي رضي الله عنه، وهو يومئذ ابن سبع سنين، وله ابن آخر يقال له علي في الرضاع، فتقدم إلى باب الخيمة فقال: ناولوني ذلك الطفل حتى أودعه، فناولوه الصبي، فجعل يقبله وهو يقول: يا بني، ويل لهؤلاء القوم إذا كان غداً خصمهم جدك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبة الصبي فقتله، فنزل الحسين رضي الله عنه عن فرسه وحفر له بطرف السيف ورماه بدمه(4) وصلى عليه ودفنه ثم وثب قائماً»(5).

      وقال ابن سعد المتوفى عام 230هـ في الطبقات الكبرى: «وجاء صبي من صبيان الحسين يشتد حتى جلس  في حجر الحسين فرماه رجل بسهم فأصاب ثغره ونحره فقتله فقال الحسين: اللهم إن كنت حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير في العاقبة، وانتقم لنا من القوم الظالمين»(6).

______________

(1) عقبة بن بشر الأسدي: هذا الحول يدل على أن عقبة بن بشر لم يكن القاتل كما سبق في بيان قاتل عبد الله بن الحسين.

(2) جاء في مقتل الحسين لأبي مخنف بتحقيق كامل سلمان الجبوري: «ولما قعد الحسين أتي بصبي له فأجلسه في حجره، زعموا أنه عبد الله بن الحسين».

(3) تاريخ الأمم والملوك للطبري: 3/332.

(4) كذا في المصدر: ولعل الصحيح: «ورمى بدمه» أي إلى السماء، أو «ورمله بدمه».

(5) الفتوح: 5/ 209.

(6) ترجمة الإمام الحسين في كتاب الطبقات: 183 طبعة تراثنا.

(215)

     ثم جاء بعد ذلك ليعدد من قتل مع الحسين فقال: «وعبد الله بن الحسين قتله هاني بن ثبيت الحضرمي»(1).

      وقال ابن نما المتوفى عام 680هـ في مثير الأحزان: «ثم تقدم- الحسين- إلى باب الفسطاط ودعا بابنه عبد الله وهو طفل فجيء به ليودعه فرماه رجل من بني أسد بسهم فوقع في نحره فذبحه فتلقى الحسين «عليه السلام» الدم بكفيه حتى ملأتا ورمى بالدم نحو السماء، ثم قال: رب إن كنت حبست عنا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين.

     قال الباقر «عليه السلام»: فلم تسقط من الدم قطرة إلى الأرض، ثم حمله فوضعه مع قتلى أهل بيته»(2).

      وجاء في مقتل الحسين المنسوب إلى أبي مخنف المتوفى عام 158هـ بعد مقتل علي الأكبر أن الحسين «عليه السلام» قال لأخته زينب: «يا أختاه أوصيك بولدي الأصغر خيراً فإنه طفل صغير وله من العمر ستة أشهر»(3).

     فقالت له: يا أخي إن هذا الطفل له ثلاثة أيام ما شرب الماء فاطلب له شربة من الماء.

     فأخذ الطفل وتوجه نحو القوم، وقال: يا قوم قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري وما بقي غير هذا الطفل وهو يتلظى عطشاً، فما سقوه شربة من الماء.

     فبينما هو يخاطبهم إذ أتاه سهم مشوم، من ظالم غشوم، فذبح الطفل من الإذن إلى الأذن.

     وقيل أن السهم رماه قديمة العامري، فجعل الحسين «عليه السلام» يتلقى الدم بكفيه ويرمي به إلى السماء ويقول: اللهم إني أشهدك على هؤلاء القوم فإنهم نذروا أن لا يتركوا أحداً من ذرية نبيك.

________

(1) ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات: 185 طبعة تراثنا.

(2) مثير الأحزان: 70.

(3) جاء في أسرار الشهادة: 2/609 «أو ثمانية أشهر».

(216)

     ثم رجع بالطفل مذبوحاً ودمه يجري على صدره فألقاه إلى أم كلثوم(1) فوضعته في الخيمة وبكى عليه وانشأ يقول...»(2).

      وروى الطبرسي المتوفى عام 588هـ في الاحتجاج: «إنه لما قتل أصحاب الحسين «عليه السلام» وأقاربه وبقي وحيداً فريداً ليس معه إلا ابنه علي زين العابدين «عليه السلام»، وابن آخر في الرضاع اسمه عبد الله، فتقدم الحسين  «عليه السلام» إلى باب الخيمة فقال: ناولوني ذلك الطفل حتى أودعه فناولوه الصبي، فجعل يقبله وهو يقول: يا بني، ويل لهؤلاء القوم إذا كان خصمهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبة الصبي فقتله، فنزل الحسين «عليه السلام» عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه ورمله بدمه ودفنه»(3).

      ونقل الدربندي المتوفى عام 1286هـ في أسرار الشهادة عن بعض الكتب المعتمدة برواية حميد بن مسلم قال: كنت في عسكر ابن زياد فنظرت الى الطفل الذي قتل على يد الحسين عليه السلام وأذا قد خرجت من الخيمة امرأة  قد كسفت الشمس بمحياها وهي تعثر في أذيالها تقع تارة وتقوم أخرى وهي تنادي: «واولداه، واقتيلاه، وامهجة قلباه، فبكت لسجعها بنو أمية، حتى أتت إلى الطفل الذبيح وسقطت عليه تندبه طويلاً، فخرجت خلفها بنات كاللؤلؤ المنثور، والحسين كان حينئذ يعظ القوم فرد من حينه إلى تلك الإمرأة، وجعل يستر عنها ويغظيها ويتلطف بها، حتى ردها إلى الخيمة.

     فقلت لمن حولي: من هذه؟

     فقالوا: أم كلثوم، والبنات فاطمة الصغرى، وسكينة، ورقية، وزينب، فلم أملك نفسي من كثرة البكاء، وخرجت فاراً على وجهي.

     وينقل عن مقتل آخر يروي فيه عن الشعبي(4): «إن الحسين «عليه السلام» لما

___________
(1) ولا يخفى أنه عنى بأم كلثوم الكبرى أخت زينب الكبرى وكلتاهما ابنتا فاطمة الزهراء «عليها السلام» حيث ذكرهما معاً في مقتله.

(2) مقتل الحسين لأبي مخنف: 130.

(3) الاحتجاج: 2/101.

(4) الشعبي: هو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الكوفي ينسب إلى شعب وهم بطن من همدان (19- 103هـ) ولد وتوفي في الكوفة، من الفقهاء التابعين، وكان أديباً =

(217)

مضى بالطفل نحو النساء على صدره وهو ميت، فلما رأينه على تلك الحال تصارخن وأعلن البكاء عليه، فأخذت أم كلثوم الطفل وضمته إلى صدرها وجعلت نحره عند نحرها وسبلت عليه عبرتها، ثم نادت: وامحمداه، واعلياه، ماذا لقينا بعدكما من الأعداء، واحسرتاه على قريحة الجفن والأحشاء»(1).

     إلى جانب عدد من المصادر التي ذكرته في عداد المقتولين من دون ذكر التفاصيل ومن تلك ما يلي:

      الطبراني(2) المتوفى سنة 360هـ في المعجم الكبير: «قتل الحسين ابن علي وأصحابه رضي الله عنهم لعشر ليال خلون من المحرم يوم عاشوراء وقتل.. علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الأكبر، وأمه ليلى الثقفية، وعبد الله بن الحسين وأمه الرباب بنت امرىء القيس الكلبية، وأبو بكر بن الحسين لأم ولد... وعبد الله رضيع الحسين رضي الله عنهم»(3).

      ومحب الدين الطبري(4) المتوفى سنة 694هـ: «ولد له- أي للحسين- رضي الله عنه ستة بنين وثلاث بنات: علي الأكبر واستشهد مع أبيه، وعلي الإمام زين العابدين، وعلي الأصغر، ومحمد، وعبد الله الشهيد مع أبيه، وجعفر، وزينب، وسكينة، وفاطمة»(5).

_______________

= شاعراً، كان نديماً لعبد الملك بن مروان الأموي، أرسله إلى ملك الروم، وولاه عمر بن عبد العزيز الأموي القضاء.

(1) راجع أسرار الشهادة: 2/610- 611.

(2) الطبراني: هو سليمان بن أحمد بن ايوب بن مطير اللخمي (260- 360هـ) ولد في طبرية، سكن أصفهان إلى أن توفي فيها، رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق والحجاز واليمن ومصر وغيرها، وأحصوا شيوخه في الحديث فبلغوا ألفاً، له معاجم ثلاثة: المعجم الصغير، المعجم الأوسط، والمعجم الكبير.

(3) المعجم الكبير: 3/103.

(4) محب الدين الطبري: هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم المكي (615- 694هـ) ولد في مكة وتوفي فيها، كان من علماء الشافعية ومحدثيها، له مؤلفات جمة، منها: الأحكام الكبرى، القبس الأسنى، والدر المنثور.

(5) ذخائر العقبى: 258.

(218)

      وسبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654هـ في تذكرة الخواص: «ومن ولد الحسين: إثنان علي وعبد الله»(1) وقال ايضاً: «فالتفت الحسين فإذا بطفل له يبكي عطشاً فأخذه على يده، وقال: يا قوم إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل، فرماه رجل منهم بسهم فذبحه، فجعل الحسين يبكي، ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا، فنودي من الهوى دعه يا حسين فإن له مرضعاً في الجنة»(2).

      وابن فندق المتوفى عام 565هـ في لباب الأنساب: «أبناء الحسين علي الأكبر وأمه ليلى، وعلي الأصغر وأمه شهربانو، وعبد الله أمه شهربانو، وجعفر أمه ملومة، وإبراهيم، ومحمد»(3).

 والبلاذري المتوفى عام 279هـ في أنساب الأشراف: «وكان أول قتيل من آل أبي طالب علي الأكبر ابن الحسين بن علي قتله مرة بن منقذ ابن الشجاع العبدي.. ورمى حرملة بن كاهل الوالبي عبد الله بن حسين بسهم فذبحه»(4).

 وابن طلحة(5) المتوفى سنة 652هـ في مطالب السؤل:  كان له من الأولاد ذكور وإناث عشرة، ستة ذكور وأربع إناث، فالذكور علي الأكبر، علي الأوسط وهو سيد العابدين وسيأتي ذكره في بابه إن شاء الله، وعلي الأصغر، ومحمد، وعبد الله، وجعفر، فأما علي الأكبر قاتل بين يدي أبيه حتى قتل شهيداً، وأما علي الأصغر جاءه سهم وهو طفل فقتله، وقد تقدم ذكره عند ذكر الأبيات(6) لما قتل، وقيل إن عبد الله

__________
(1) تذكرة الخواص: 255.

(2) تذكرة الخواص: 252.

(3) لباب الأنساب: 1/349.

(4) أنساب الأشراف: 3/200- 201.

(5) ابن طلحة: هو محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي النصيبي (582- 652هـ) من علماء الشافعية ومحدثيهم، ولد في العمرية من قرى نصيبين، له من المؤلفات: الدر المنظم، العقد الفريد، ومطالب السؤل.

(6) جاء قبل صفحة من هذا البيان: لما أحاط به جموع بني زياد تقدمهم عمر بن سعد وقصدوه وقتلوا من أصحابه ومنعوهم الماء وكان له «عليه السلام» ولد صغير فجاءه بسهم =

(219)

أيضاً قتل مع أبيه شهيداً...»(1).

     غالب المصادر الأخرى لا تخرج عن النصوص التي قدمناها سواء المفصلة منها أو الموجزة، ونحن في الواقع أمام هذه النصوص التي لا تختلف كثيراً في توثيق بعضها من البعض الآخر فماذا ترى يمكن أن تكون الحصيلة.

     في الحقيقة إن مقتضى الجمع الصناعي بينها هو القول بالتغاير بين الشخصيتين عبد الله بن الحسين (الرضيع)، وعلي الأصغر (الرضيع) ليكون هناك ثلاثة من أبناء الإمام الحسين «عليه السلام» يسمون بعلي: الأكبر وأمه ليلى الثقفية، والأوسط الملقب بالسجاد وأمه شاه زنان (شهربانو)، والأصغر ذلك الرضيع الذي نحن بصدد تحديد شخصيته وبلورة النصوص الواردة في حقه.

     وبما أن بعض المصادر صرحت بل وأصرت على تغايرهما فلا بد من حمل المصادر الأخرى التي احتملت أنهما متحدان على الخلط، باعتبار أنهما رضيعان، وذلك لأن المعطيات الأخرى أيضاً تساعد عدم الاتحاد، والتي أشرنا إلى ذلك في النقاط الست قبل نقل النصوص واستعراضها وكلها تدل على أنهما متغايران، ولكن من هو عبد الله ومن هو علي الأصغر، وقبل التحديد لا بأس بالإشارة إلى أن التوصيف بالأكبر والأصغر قد لا يتطلب وصف الجميع بهذه الخصوصيات بل يكفي بما يرتفع به الغموض فلو قال للثاني منهما بالأكبر والأخير بالأصغر وترك الأول دون وصف لكفى، أو أنه ذكر الأول موصوفاً بالأكبر والثالث بالأضغر أيضاً لكفى عن ذكر الثاني بالأوسط إما لشهرته أو لتمييزه بعدم الذكر، ومن هنا نحتمل أن البعض عندما وصف أحدهم بالأكبر والآخر بالأصغر لا يدل بالضرورة على عدم وجود ثالث كما هو واضح في من سبقهم من الأسماء والذوات من أبناء علي وعقيل والحسن عليهم أفضل الصلاة والسلام،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= منهم فقتله فرمله «عليه السلام»  وحفر له بسيفه وصلى عليه ودفنه وأنشد الأبيات من الرمل والتي أولها:

غدر القوم وقدماً رغبوا            عن ثواب الله رب الثقلين

(1) مطالب السؤل: 2/30.

(220)

وربما وصف أحدهما بوصف آخر ميزه عن غيره فيقال الأطرف أو السجاد أو الأشتر أو ابن الحنفية مثلاً فلا حاجة عند ذلك لوصفه بالأكبر أو الأوسط أو الأصغر، بل المفروض أن يوصف غيره بشيء ما حتى يميز عن غيره.

     ولنرجع بالحديث إلى تشخيص عبد الله وعلي الأصغر ابنا الحسين «عليه السلام»، فلا شك أن أحدهما ولد في المدينة والآخر ولد في كربلاء لتصريح بعض النصوص السابقة أنه كان له من العمر ستة أشهر، وحسب بعض النسخ ثمانية أشهر، وأن هناك طفلا آخر ولد في الحرب، فنأخذ قول المشهور بأن له من العمر ستة أشهر فمعنى ذلك أن ولادته كانت في شهر رجب المرجب من عام 60هـ، وأما الآخر فهل ولد يوم عاشوراء أو أنه ولد خلال الأيام الثمانية التي كانوا فيها في كربلاء حيث نزل الركب الحسيني في الثاني من محرم وقتل معظم الذكور في يوم عاشوراء، وبما أن بعض المصادر تذكر بأن شقيقة الإمام الحسين «عليه السلام» ذكرت له أنه لم يذق الماء مدة ثلاثة أيام فاحتمال أن تكون الولادة في اليوم السادس أو السابع وارد، ولكن ذهب الكثير إلى أن الولادة كانت في ظهر يوم عاشوراء، وما دان في اليد تحديد فالالتزام به هو المتعين إن لم ينقض بشيء آخر، ويؤيد هذا التحديد أن الإمام الحسين «عليه السلام»: «أخذه في حجره ولباه بريقه وسماه..» فقوله لباه أي صب من ريقه في فيه، وهذا ما يفعل بالمولود، ففي حديث ولادة الإمام الحسن بن علي «عليه السلام» أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ألبأه بريقه(1) مضافاً إلى قوله: «وسماه» مما يدل على أنه حديث العهد بالولادة، فإن خدش الأول بالقول إنه إنما لباه لأنه كان عطشان وليس لأنه من مراسيم الولادة، فإن الثاني وهو التسمية لا مجال للخدشة فيه، وعلى هذا يكون النص الذي ورد بأنه لم يذق الماء ثلاثة أيام هو بالنسبة إلى المولود في المدينة الذي عمره ستة أشهر- كما هو مصرح في رواية أبي مخنف- وذلك لأن المعسكر الأموي منع الماء من اليوم السابع كما هو منصوص ومشهور، بينما المولود الجديد هو الذي أشغل الإمام الحسين «عليه السلام» بإقامة السنة عليه.

___________
(1) راجع لسان العرب: 12/214.

(221)

     كما لا يمكن الشك في أن الذي اسمه عبد الله، أمه الرباب بنت امرىء القيس الكلبية لتصريح معظم المصادر بذلك فيتعين أن تكون أم علي الأصغر أم إسحاق التيمية أيضاً لتصريح المصادر الأخرى بذلك(1)، وما ورد في بعض المصادر من أن أم عبد الله هي أم علي الأكبر (السجاد على قول العقيقي) واحدة(2) فهو خلاف ما ذهب إليه المشهور من أن أم السجاد «عليه السلام» توفيت في نفاسها.

     ويظهر من تصريح أحدهم بأن المولود في ذلك اليوم (يوم عاشوراء)  قد سماه عبد الله وأن الذي كان له من العمر ستة أشهر هو علي الأصغر، بل يتعين اختيار ذلك، وربما جاء الخلط بين الاسمين من الطبراني حيث ذكر الرضيعين عبد الله كما تقدم، وربما جاء التوصيف بالأصغر من رواية أبي مخنف الذي ذكر بأنه «عليه السلام» قال لأخته زينب: «يا أختاه أوصيك بولدي الأصغر خيراً فإنه طفل صغير وله من العمر ستة أشهر»(3)، ولعل هناك سقط لتكون العبارة هكذا: «يا أختاه أوصيك بولدي علي الأصغر» ويؤيد هذا ما ورد في النصوص أن أبناء الحسين «عليه السلام» ستة علي الأكبر والأوسط والأصغر وعبد الله ومحمد وجعفر.

     إذاً فالذي طلب الحسين له الماء هو علي الأصغر وقتل في حضنه بسهم أصاب أذن قلبه كما جاء التصريح بذلك، ويبدو من هذه الرواية أنه أخذه من شقيقته زينب «عليه السلام» وسلمه مذبوحاً إلى شقيقته الأخرى أم كلثوم، وفي نصوص المصدر تذكر زينب مستقلة عن أم كلثوم مما لا مجال للقول بأن الراوي استخدم مرة العلم «زينب»، وأخرى الكنية «أم كلثوم».

     ومن هنا أيضاً يتبين أن علياً الأصغر هو الذي أُعطي لأبيه بطلب منه ليودعه فأخذه وقبله، وأما طلب الماء فكان بطلب  من أخته زينب بعدما سمع الإمام «عليه السلام» بكاءه وهو يخطب القوم فجاء وأخذه وهو على راحلته

___________
(1) راجع فرسان الهيجاء: 1/243 عن ذخيرة الدارين.

(2) راجع الحدائق الوردية: 1/238.

(3) ويحتمل أن قوله: «وله من العمر ستة أشهر» من كلام الراوي وليس من حديث الحسين «عليه السلام» بل هو المتبادر من النص.

(222)

وطلب من القوم أن يسقوه شربة من الماء ليخفف من معاناته فرمي بالسهم وقتل.

     وأما عبد الله فقد ولد لتوه وجيء به إلى أبيه ليقوم بما سنته الشريعة الإسلامية من مستحبات كالأذان والإقامة والتلبية والتسمية وما إلى ذلك، ولذا كان قد جلس عند باب الفسطاط وقام بتلك المراسم فجاءه سهم وقتله.

     وأما بالنسبة إلى قاتلهما الذي نميل إليه أن قاتل عبد الله هو حرملة ابن كاهل الأسدي. وهو الذي أحرق قلوب الهاشميين، وكان أكثر إثارة حتى من أخيه علي الأصغر لأن عبد الله لم يمض عليه إلا فترة قصيرة من الولادة ولم يستعرض على القوم لطلب الماء كما هو الحال في أخيه علي الأصغر، والذي نرجح أن قاتله هو هاني بن ثبيت الحضرمي بمشاركة قديمة العامري، وربما شارك حرملة في رمي عبد الله بن عقبة بن بشر حيث لا نستبعد أن يتشاركا في ذلك الجرم وهو من شيمهم وديدنهم للتزلف إلى أسيادهم كما حصل في غير الرضيعين.

     كما ونحتمل والله العالم أنه «عليه السلام» قال عند مقتل عبد الله: «هون ما نزل بي أنه بعين الله» وقال: «اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل»، وأما بالنسبة إلى علي الأصغر، فنحتمل أنه «عليه السلام» قال: «رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين». وكما يظهر من النصوص المختلفة والمعطيات التي لدينا بسبب الجمع بين الروايات.

     وفي الكثير من النصوص السابقة تصريح بأن الحسين «عليه السلام» جهز ابنه علي الأصغر ودفنه، بينما بالنسبة إلى عبد الله فقد تركه مع بقية أقربائه.

     وأما بالنسبة إلى التقاط دمه فنحتمل أنه فعل ذلك مع كليهما كما فعله مع غيرهما وإن الروايات والنصوص نقلت الحالة مع كليهما، وربما كان هذا من أسباب الخلط بين الشخصيتين والله العالم.

     وأخيراً فإن الهوية التي توصلنا إليها بالنسبة الى الشخصيتين هي كالتالي :

(223)

 عبد الله بن الحسين بن علي بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي .

     أمه : هي الرباب بنت امرى القيس بن عدي بن أوس  بن جابر بن كعب  الكلبية .

     أم الرباب  هي :هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن حصاد بن حصن الكلبية .

     ولد في يوم عاشوراء ظهراً عام 61 هـ.

     قتل بعد الولادة بقليل إثر إصابته بسهم رماه حرملة بن كاهل الأسدي، ومشاركة عقبة بن بشير الأسدي (1)، وذلك حين كان أبوه جالساً عند باب فسطاسه وهو في حضنه يقيم مراسم الولادة وسننها فجمع الحسين «عليه السلام» دمه وألقاه إلى السماء، وقال: «هون ما نزل بي أنه بعين الله(2)، اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل»، ثم قام ووضعه مع المستشهدين من أهل بيته.

     وهو شقيق سكينة بنت الحسين «عليه السلام».

 وأما علي الأصغر ابن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم القرشي.

     وأمه هي: أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمية.

     وأم أمه هي: الجرباء بنت قسامة بن رومان بن طي.

     ولد في المدينة في شهر رجب- على المشهور- وقيل في شهر جمادى الأولى عام 60هـ.

     قتل يوم عاشوراء رمياً بسهم أرسله هاني بن ثبيت الحضرمي بمشاركة قديمة العامري وذلك حينما كان أبوه الحسين «عليه السلام» على راحلته يطلب له الماء بعد أن أصابه العطش، فأخذ من دمه ورماه إلى السماء، وقال: «رب

_______________

(1) وربما جاء اسم عقبة بن بشر أو بشير الأسدي من قتل أو رمى عبد الله بن الحسين «عليه السلام»، أو ربما شارك في قتل الشخصيتين.

(2) زينب وليدة النبوة والإمامة: 130.

(224)

إن تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين»(1) ثم نزل من على راحلته وحفر بسيفه الأرض ودفنه عند خيمته.

     وهو إذا شقيق فاطمة بنت الحسين الكبرى.

     وفي النهاية لا بد من الإشارة إلى موضوعين:

     الأول: وقت استشهادهما، يفهم من بعض المصادر أن أول قتيل من أبناء الحسين «عليه السلام» كان علياً الأكبر، وآخر قتيل كان عبد الله الرضيع، كما يفهم أن علياً الأصغر قتل عند الظهر أو قبيله عندما كان يخطب أهل الكوفة، وأما عبد الله فكان بعد ذلك، وكان عبد الله آخر من قتل من آل الحسين «عليه السلام».

     الثاني: عمر أمهما حين ولادتهما، فالظاهر أن الرباب أم عبد الهل وسكينة كانت في الأربعينيات من عمرها لأنها وردت المدينة مع أبيها في حياة عمر بن الخطاب المتوفى عام 25هـ، وولدت السيدة سكينة عام 42هـ، فمن المفروض أن لا يتجاوز عمرها الخمسين حيث لا تلد المرأة في الأغلب الأعم إذا لم تكن هاشمية أو نبطية، ولعلها كانت حين ورودها إلى المدينة في العقد الثاني من عمرها.

     وأما أم إسحاق التيمية فلا شك أنها كانت قد تجاوزت العقد الثاني بل ربما الثالث من عمرها حين وقعة الطف، لأنها تزوجت أولاً الإمام الحسن «عليه السلام» وأولدت له طلحة ثم تزوجت بعد عدتها منه الإمام الحسين «عليه السلام» فأولدت عام 51هـ فاطمة الكبرى.

     والحاصل أن كليهما الرباب الكلبية وأم إسحاق كانتا في سن يمكنهما من الولادة، وسنتطرق إلى حاليهما في ترجمتها في الفصل المخصص للنساء لأنهما كانتا ممن حضرن كربلاء.

     وفي آخر المطاف وجدت في أصحاب الإمام الصادق «عليه السلام» أن

__________
(1) راجع باب الصحيفة الحسينية الكاملة من هذه الموسوعة حيث ورد الدعاء أكثر تفصيلاً من هذا.

(225)

الطوسي ذكر شخصية استوقفني نسبها حيث ذكر:  «عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن الحسين بن أبي طالب»(1) فيا للعجب أللحسين «عليه السلام» ابن آخر غير عبد الله الرضيع، أم أنه من التصحيف بين كلمتي الحسن والحسين «عليه السلام».

     وفي الحقيقة لم أعثر في كتب الأنساب والتراجم والتاريخ شخصية بهذا النسب، وقد وردت شخصية أخرى في رجال الطوسي في عداد أصحاب الإمام الصادق «عليه السلام»: «عبد الله بن معاوية بن أبي مورد (مرزد) الهاشمي المدني»(2) ولا نعلم أهو متحد معه أم لا؟ والغريب أن محقق رجال الطوسي لم يعلق على هذه الشخصية أو تلك، بل إن الذين اعتمدوا في كتبهم الرجالية على الشيخ الطوسي لم يعلقوا على هذه الشخصية إلا بقولهم: «كما عده الشيخ»(3) أو: «كذا في الرجال ولكن الكتب الرجالية لم تحكه عنه»(4).

     وربما كان المراد به: عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والله العالم حيث لا يوجود لا في أولاد الإمام الحسن «عليه السلام» ولا في أولاد الإمام الحسين «عليه السلام» من سمي بذلك فتأمل.

_________
(1) رجال الطوسي: 222.

(2) رجال الطوسي: 228.

(3) راجع مستدركات علم رجال الحديث: 5/113.

(4) معجم رجال الحديث: 1/336.

(226)

 

46

عبد الله بن الحكم الهاشمي

نحو 56- 61هـ = 675- 680م

     هو: عبد الله بن الحكم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

     ذكره الربعي في عداد المقتولين من آل عقيل في كربلاء(1).

     أم أبيه أم ولد، وأما أمه فالظاهر أنها أيضاً أم ولد.

     وإذا كان أبوه قد ولد قبل عام 40هـ فإن عبد الله لا بد وأن تكون ولداته قبيل عام الستين للهجرة، مما يعني أنه كان طفلاً صغيراً في واقعة الطف، وربما كان مقتله على فرض وجوده وحضوره بالسحق، والذعر والعطش والجوع.

     وليس له ذكر في كتب المقاتل وغيره، وهذا ما تفرد به الربيعي.

__________
(1) تاريخ مولد العلماء ووفياتهم: 68.

(227)

 

47

عبد الله بن العباس الهاشمي

بعد 46 - بعد 61هـ = بعد 666- بعد 680م

     هو: عبد الله بن العباس الأكبرابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

     اختلف الرأي حوله في اتجاهين، الأول: في وجوده وعدمه، والثاني: في حضوره كربلاء أو عدم حضوره، أو استشهاده أو أسره، سيأتي معظم الحديث عنه لدي ترجمة أخيه عبيد الله بن العباس في هذا المعجم حيث إننا عندما بحثنا عن عبيد الله تبين لنا أن هناك علماً آخر ألا وهو عبد الله بن العباس، ونحن هنا نبسط الأمر بإيجاز لنقول: إن معظم كتب الأنساب أهملت ذكره إلا من ذكرناهم.

     1- التحفة الجلالية: أوردته في عداد أبناء العباس دون التعرض إلى حضوره في كربلاء أو استشهاده(1)، ويذكر فيه: بأن أبناء عبيد الله والحسن وعبد الله يوجدون في برذعة(2)، ومصر، وطبرية(3)، وبنو زهرون(4) كانوا في دمياط(5)، وفي

__________
(1) مقدمة خصايص العباسية: 8 عن التحفة الجلالية: 110.

(2) برذعة: بفتح الباء وسكون الراء وفتح الذال والعين، بلد في أقصى أذربايجان قبل إنها معرب برده دار أي موضع السبي، قيل انشأها قياذ الملك الفارسي.

(3) طبرية: مدينة على ساحل بحيرة طبرية في فلسطين، وهي معروفة، أسسها القيصر طيباريوس.

(4) بنو زهرون: من القبائل التي سكنت مصر والتي تنتمي إلى سيدنا العباس بن علي «عليه السلام».

(5) دمياط: مدينة مصرية معروفة، تقع على النيل، وهي قاعدة محافظة دمياط.

(228)

قم(1)، وشيراز(2)، وأرجان(3)، ويمن، وحيزان(4)، ومغرب الأقصى.

     2- التحفة العنبرية: إن أولاد العباس المعقبين هم: عبد الله وعبيد الله والفضل(5).

     3- شرح الأخبار: عده في جملة من حضر كربلاء وأسر(6).

     4- أعيان الشيعة: عده  في جملة أنصار الحسين الذين قتلوا معه من بني هاشم، وقد ذكر بعد أبيه العباس وأخيه محمد(7)، ومعنى ذلك أن للعباس ابنين قتلا في معركة الطف محمد وعبد الله.

     5- رياض الجنان: إن عبد الله بن العباس بن علي كان طفلاً في الطف وأخذ مع السبايا(8).

     6- بطل العلقمي: وعبد الله مكبراً مذكور في بعض كتب الأنساب المخطوطة(9).

     هذا كل ما لدينا لحد الآن، ومن مجموع ما أوردناه لا يمكن إنكار وجود عبد الله، وبالأخص بعدما صرح بعضهم بالإسمين المكبر والمصغر معاً، مما لا يمكن القول بالتصحيف، وبما أن بعضهم ذكر بأن عبد الله، عقباً فلا يمكن القول باستشهاده في كربلاء بل غاية ما يقال حضوره معركة الطف، وإنما رجع إلى المدينة مع الأسرى وبالأخص أن الذي صرح بذلك هو من القدامى، والقائل باستشهاده هو من المتأخرين ولم يوثق كلامه

___________
(1) قم: مدينة في وسط إيران جنوب طهران العاصمة معروفة، فيها مرقد فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم «عليه السلام».

(2) شيراز: مدينة إيرانية تقع في جنوب غربي طهران، قاعدة إقليم فارس، موطن الشاعرين الإيرانيين الشهيرين: سعدي وحافظ.

(3) أرجان: مدينة قديمة في إيران تقع غرب مدينة شيراز إلى جهة الساحل.

(4) حيزان: وهي بلدة قرب «اسعرت» من ديار بكر- في تركيا الحالية-.

(5) بطل العلقمي: 3/430 عن النفحة العنبرية عن بحر الأنساب.

(6) شرح الأخبار: 3/198.

(7) أعيان الشيعة: 1/610.

(8) بطل العلقمي: 3/429 عن رياض الجنان: 368 (طبعة بمبي).

(9) بطل العلقمي: 3/429.

(229)