معجم  أنصار الحسين  (الهاشميون)(الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (الهاشميون)(الجزء الثاني)

المؤلف : (محمد صادق محمد (الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن – المملكة المتحدة

 

 

 

     وهذا وإن لم يكن بعيداً عن الواقع إلا أن فيه تكلف واضح، ويؤيد ما اخترناه أن ولادته كانت في عام 18هـ ما سيأتي من رواية الخوارزمي وطلب علي «عليه السلام» من ابنه العباس أن يقول واحد بحضور أخته السيدة زينب وكانا صغيرين مما لا يصدق عليهما صغيران إذ قلنا بأنه ولد عام 26هـ.

     بالإضافة إلى رواية الإسفراييني الذي نقل بأن محمد بن العباس «عليه السلام» كان له يوم الطف تسع عشرة سنة(1) مما يؤيد أن تكون ولادة العباس في تاريخ متقدم على ما ذكره أرباب المقاتل.

     وربما حصل ما ورد في أسد الغابة والطبقات أنه كان صغيراً يوم وفاة أبيه علي «عليه السلام» بأن المراد به أخاه العباس الأصغر، وأما عن عد ذكر الأكبر فإن غيره من أخوته أيضاً لم يذكروا حيث اقتصروا في الذكر على الحسين وابن الحنفية دون غيرهما، وإن كان المتبادر إلى الذهن في البداية أن أبناء علي «عليه السلام» ممن بلغ سن الرشد كانوا ثلاثة الحسنين وابن الحنفية، ولكن لدى المراجعة لكتب الأنساب نجد أن غيرهما كانوا أيضاً قد بلغوا سن الرشد ولكن لم يذكروا، والله العالم بحقائق الأمور.

     ولقد سبق وتحدثنا عن سبب زواج علي «عليه السلام» من أمه أم البنين لدى ترجمة أمه، وذكرنا بأنه كان يدخر أبناءها الأربعة لنصرة ابنه الحسين «عليه السلام»، فلا نكرر.

     نشأ العباس في أحضان أبويه أبي تراب وأم البنين وتحدثنا أمه قائلة: إن أمير المؤمنين أجلس ابنه العباس على فخذه – ولعل عمره آنذاك كان أقل من سنة – وشمر عن ساعديه وقبلهما وبكى، فأدهشني الحال، فسألت عن السبب فأوقفني الإمام «عليه السلام» على ما يجري على يديه من القطع في نصرة ابنه الإمام الحسين «عليه السلام» فبكيت وبكى معي من في الدار، فبشرني الإمام بمكانة ولدي عند الله وما حباه عن يديه بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل ذلك لجعفر بن أبي طالب(2).

     ويذكر الخوارزمي: أنه كان العباس (الذي يسمى السقاء يوم كربلاء)

____________________

(1) نور العين في مشهد الحسين: 27.

(2) راجع العباس للمقرم: 138 عن كتاب قمر بني هاشم: 21.

(136)

وزينب ولدا علي «عليه السلام» صغيرين – ولعل العباس في السنة الثانية(1) – وكانا عند أبيهما، العباس عن يمينه، وزينب عن شماله.

     فالتفت علي «عليه السلام» إلى العباس وقال: قل واحد.

     فقالها.

     فقال العباس: إني لأستحي أن أقول أثنين باللسان الذي قلت به واحد(2).

     فقبل علي «عليه السلام» عينيه.

     والتفت إلى زينب فقالت له زينب: يا أبتاه أتحبنا؟

     قال علي «عليه السلام»: نعم أولادنا أكبادنا.

     فقالت يا أبتاه حبان لا يجتمعان في قلب مؤمن: حب الله وحب الأولاد، فإن كان لا بد، فالشفقة لنا، والحب لله خالصاً.

     فازداد علي «عليه السلام» لهما حباً(3).

     ويؤيد هذا أن العباس «عليه السلام» لم تكن نشأته نشأة عادية حيث ورد بحقه عن المعصومين أنه قد زق من العلم زقاً(4).

     نشأ العباس بن علي  «عليه السلام» على الفضل والفضيلة والعلم والمعرفة، والإباء والشجاعة، ولما شارك أباه وإخوته بحرب صفين التي وقعت معاركها في بداية عام 37هـ، وممن ذكر مناجزاته في الحرب الخوارزمي

____________
(1) هكذا احتمالنا وعليه فتكون السيدة زينب في الثالثة عشرة من عمرها حسب المختار في ولادتها في العام السادس وولادته في العام 18هـ.

(2) إشارة إلى وحدانية الله سبحانه وتعالى.

(3) مقتل الحسين للخوارزمي: 1/122 ورواه المقرم في كتابه العباس: 168 عن خاتمة مستدرك وسائل الشيعة: 3/815 الطبعة القديمة.

(4) أسرار الشهادة: 2/410 ونقله عنه المقرم في كتابه العباس: 172.

(137)

     ثم برز إلى كريب بن أبرهة من آل ابن ذي يزن(1) وكان مهيباً قوياً، الحرث بن الجلاح الشيباني وكان زاهداً صواماً قواماً وهو يرتجز ويقول:

هذا علي والهدى حقاً معــــــه

نحن نصرناه على من نازعه

     ثم تكافحا فقتله كريب، فدعا علي «عليه السلام» ابنه العباس «عليه السلام»(2)، وكان تاماً كاملاً من الرجال فأمره أن ينزل عن فرسه وينزع ثيابه ففعل، فلبس علي «عليه السلام» ثيابه وركب فرسه، وألبس ابنه العباس ثيابه وأركبه فرسه لئلا يجبن كريب عن مبارزته، فلما هم علي بذلك جاءه عبد الله بن عدي الحارثي...»(3) فطلب منه البراز فأجازه.

     ويقول صاحب الكبريت الأحمر: بأن يوماً من أيام صفين خرج شاب من عسكر أمير المؤمنين «عليه السلام» وعليه لثام وقد ظهر منه آثار الشجاعة والهيبة والسطوة بحيث إن أهل الشام قد تقاعدوا عن حربه وجلسوا ينظرون إليه وغلب عليهم الخوف والخشية فما برز إليه أحد فدعا معاوية برجل من أصحابه يقال له: ابن الشعثاء، وكان يعد بعشرة الآف فارس.

     فقال له معاوية: أخرج إلى هذا الشاب فبارزه.

_____________________

(1) كريب بن أبرهة اليزني: يكنى بابي رشد، تابعى روى عن حذيفة، وأبي الدرداء، وأبي ريحانة، وكعب، وروى عنه سليم بن عنتر، وثوبان بن شهر، وشعبة أبو سعيط، ولكن ورد إسمه في كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم: 315، 556 «كريب بن الصباح الحميري اليزني» وقد قتله علي «عليه السلام» يوم صفين، وكان من أهل الشام، والظاهر أن نسبه كالتالي: كريب بن أبرهة بن الصباح بن أبرهة الحميري.

(2) الحرث بن الجلاح الشيباني: جاء في وقعة صفين «الحارث بن الجلاح الشيباني الحكمي» وقيل إن اسم أبيه الجلاج، وقد قتل في معركة صفين.

(3) لقد أنكر المحدث النوري وجود أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين «عليه السلام» في معركة صفين بحجة أن المراد به العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ولكن حجته قد دحضت عند مراجعة المناقب للخوارزمي فتلاحظ أنه ذكر ابن علي في صفحة 154 ثم ذكر العباس بن ربيعة في صفحة 157 وصرح عن اسميهما واسم أبويهما مما لا مجال للشك، والظاهر أن الذي جعله يقول مثل هذا هو تشابه الاسمين والحدثين.

(138)

     فقال ابن الشعثاء: يا أمير إن الناس يعدونني بعشرة آلاف فارس، فكيف تأمرني بمبارزة هذا الفتى.

     فقال معاوية: فما تصنع؟

     فقال: يا أمير إن لي سبعة بنين أبعث إليه واحداً منهم ليقتله.

     فقال له: إفعل.

     فبعث إليه بأحد أولاده فقتله الشاب، ثم بعث إليه بآخر، فقتله الشاب، حتى بعث جميع أولاده، فقتلهم الشاب، فعند ذلك خرج ابن شعثاء وهو يقول: أيها الشاب قتلت جميع أولادي والله لأثكلنك أباك وأمكن ثم حمل على الشاب، وحمل الشاب عليه فدارت بينهما ضربات فضربه الشاب ضربه قدته نصفين فألحقه بأولاده، فعجب الحاضرون من شجاعته.

     عند ذلك صاح أمير المؤمنين «عليه السلام» ودعاه، وقال: إرجع يا بني لئلا تصيبك عيون الأعداء، فرجع وتقدم أمير الؤمنين «عليه السلام»، وأرخى اللثام عنه وقبله بين عينيه فنظروا إليه فإذا هو قمر بني هاشم العباس بن أمير المؤمنين(1).

     ويعلق صاحب الكبريت الأحمر بعد نقله لهذه الحكاية، وليس ببعيد صحة الخبر، لأن عمره آنذاك كان يقدر بالسبع عشرة سنة(2).

     ويذكر الطريحي(3): أن العباس كان مع أبيه أمير المؤمنين «عليه السلام» في الحروب والغزوات ويحارب  شجعان العرب ويجادلهم كالأسد الضاري حتى يجدلهم صرعى، وفي يوم صفين كان عوناً وعضداً لأخيه الحسين حين فتح

_________
(َ1) الكبريت الأحمر: 2/24 النص الفارسي والترجمة لصاحب معالي السبطين: 1/437، ونقل عنه بطل العلقمي: 2/232.

(2) العباس للمقرم: 276.

(3) الطريحي: هو فخر الدين بن محمد علي بن أحمد بن علي المسلمي العزيزي الأسدي (979- 1085هـ) ولد وتوفي في النجف، كان من أعلام الإمامية، له من المؤلفات: الاحتجاج، تحفة الوارد، وجامعة الفوائد.

(139)

الحسين الفرات، وأخذ الماء من أصحاب معاوية وهزم أبا الأعور(1) عن الماء(2).

     وفي إبصار العين: حضر بعض الحروب فلم يأذن له أبوه بالنزال(3).

     ونقل المقرم: إن العباس بن علي «عليه السلام» لما رأى جنازة –الحسن- سيد شباب أهل الجنة ترمى بالسهام عام 40هـ عظم عليه الأمر ولم يطق صبراً دون أن جرد سيفه، وأراد البطش بأصحاب البغلة(4) لولا كراهية السبط الشهيد الحرب عملاً بوصية أخيه: «ولا تهريق في أمري محجمة من دم» فصبر أبو الفضل(5).

     وكان العباس ورث الشجاعة من أبيه كما أنه اختار أمه زوجة له من بيت عرف بالشجاعة، وكانت فيه مظاهر الشجاعة والبطولة حيث كان أيداً شجاعاً فارساً وسيماً جسيماً يركب الفرس المطهم ورجلاه  تخطان في الأرض(6)، ومن هنا فقد جمعت فيه وفي أشقائه الثلاثة الشجاعة الهاشمية والبسالة العامرية، وقد ادخرهم علي «عليه السلام» ليوم كربلاء حيث يخاطب زهير ابن القين البجلي(7) العباس يوم تاسوعاء لدى لقائه شمراً: إن أباك أمير المؤمنين «عليه السلام» طلب من أخيه عقيل وكان عارفاً بأنساب العرب وأخبارها أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب وذوي الشجاعة منهم ليتزوجها فتلد

____________
(1) ابو الأعور: هو عمرو بن سفيان بن عبد شمس بن سعد بن فائق السلمي، اشتهر بكنيته ولقبه «أبو الأعور السلمي»، كان من أصحاب معاوية، جاء في أسد الغاية: 6/15: «لا تصح له  صحبة ولا رواية، قيل شهد حنيناً كافراً ثم أسلم بعد ذلك، وكان أشد من معاوية على علي «عليه السلام»، وكان يلعن علياً في قنوته» -باختزال وتصرف.

(2) معالي السبطين: 1/437 عن المنتخب للطريحي.

(3) إبصار العين: 26.

(4) أصحاب البغلة: أراد أصحاب عائشة حيث ركبت البغلة.

(5) العباس للمقرم: 280 عن كتاب قمر بني هاشم: 84.

(6) إبصار العين: 26، وفي مقاتل الطالبيين: 90 قريب منه، راجع أعيان الشيعة ايضاً: 7/430.

(7) زهير بن القين البجلي: من أنصار الإمام الحسين «عليه السلام» والمستشهدين بين يديه، سنأتي على ترجمته في معجم أنصار الحسين قسم غير الهاشميين فليراجع.

(140)

غلاماً فارساً شجاعاً ينصر الحسين بطف كربلاء، وقد ادخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصر عن نصرة أخيك وحماية إخوانك.

     عندها إرتعد العباس وقال: يا زهير تشجعني هذا اليوم فوالله لأرينك شيئاً ما رأيته قط(1).

     ويذكر: «أن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» كان قد أعده ليوم عاشوراء، وأعلمه بمجريات الأمور، ومن ذلك أنه «عليه السلام» ضم ابنه العباس وقبل عينيه وأخذ عليه العهد إذا ملك الماء يوم الطف أن لا يذوق منه قطرة وأخوه الحسين عطشان»(2).

     لقد ظهرت في العباس سمات الشهامة والشجاعة(3)، والإباء والفضيلة، والكرم والكرامة في معركة الطف حيث وقف تلك الوقفة الفريدة وساند الحق دون تردد فكان صاحب لواء أخيه الحسين «عليه السلام» وساقي عطاشى كربلاء، لم يتأثر بأمان شمر بن ذي الجوشن بل زاده عزماً وإيماناً وقدم أشقاءه قبل أن يستشهد ليطمئن على أخيه الحسين «عليه السلام» وسنأتي على تفاصيل مواقفه في يوم الطف لدى عرضها في السيرة، كما نشير إلى جوانب مختلفة من المناقشات في باب الشبهات والردود.

     هذا وقد تزوج العباس الأكبر من لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي فأنجبت له: الفضل وبه يكنى، وعبيد الله وفيه العقب(4).

     كما كان له أم ولد أنجبت له الحسن، وأخرى أنجبت له:

____________

(1) أسرار الشهادة: 2/395، الكبريت الأحمر: 3/144 وغيرهما، ونترك تفاصيل ذلك إلى باب السيرة من هذه الموسوعة.

(2) كتاب العباس للمقرم: 200 عن النقد النزيه: 1/130 عن كتاب عدة الشهور.

(3) جاء في كتاب الحسن والحسين سبطا رسول الله: 118 «إن العباس بقي قائماً أمام الحسين يقاتل دونه ويميل معه حيث مال حتى قتل».

(4) الظاهر أن العباس تزوج من لبابة أو أنه أنجب منها الأولاد بعد أم القاسم ومحمد كما سنأتي على ذكرهما إن شاء تعالى.

(141)

القاسم(1)، وبه كان يكنى في بعض الأحيان، ومن أخرى رزق محمداً، كما أنجبت أخرى له ابنتين.

     فالفضل كان صغيراً حين معركة الطف بقي مع أمه في المدينة، كما أنه مات صغيراً(2).

     وأما عبيد الله فكان مثله وتوفي وله من العمر 55 سنة(3)، وكان فقيهاً عالماً وأعقب في ابنه الحسن(4).

     وأما الحسن فأمه أم ولد، ذكره الإسفراييني بأنه قتل في كربلاء وقد كنى جابر أباه به(6).

     وأما محمد فأمه أيضا أم ولد، وقد ذكره ابن شهرآشوب، وقيل: إنه قتل في كربلاء(7).

     وأما البنتان فلم يفصح عن اسمهما ولا عن عمرهما، ولا عن

________________

(1) الظاهر أن القاسم أكبر من محمد حيث كني العباس به وسنأتي على ذلك في ترجمته.

(2) راجع وسيلة الدارين: 278 وهامش مقتل الحسين لبحر العلوم: 315، الظاهر أن الفضل أكبر من عبيد الله ولكنه مات صغيراً ولم يعقب يذكر بعد عبيد الله.

(3) ما ورد في العباس للمقرم: 353 أنه توفي عام 155هـ فهو من التصحيف.

(4) المجدي: 231، وقد دفن في المدينة.

(5) المعارف لابن قتيبة: 277، وقيل بقي في المدينة أيضاً، وقد ذكره الفتوني في حديقة النسب.

(6) نور العين في مشهد الحسين: 27 وسنأتي على بيان أحواله في ترجمته، راجع ديوان القرن الأول: 1/126.

(7) نور العين في مشهد الحسين: 27 وفيه أنه كان حين قتل في كربلاء له من العمر 19 سنة، وورد ذكره في هامش مقتل الحسين لبحر العلوم: 316 نقلاً عن مناقب ابن شهرآشوب: 4/112 وبحر الأنساب لعميد الدين وغيرهما وأنه قتل في كربلاء وسنأتي على ترجمته في حرف الميم إن شاء الله تعالى- وراجع ديوان القرن الأول: 2/36.

(142)

حضورهما في كربلاء ولا غير ذلك(1).

     وأضاف بعضهم عبد الله بن عباس، وقالوا أنه كان طفلاً في كربلاء وأسر، وهذا البعض أنكر أن يكن للعباس بن علي  بنات، تنقل نص كلامه الذي نقلع عن المصادر الأخرى:

     قال المظفر(2): إختلف النسابون في عدد أولاده فمنهم المثل المقتصر على واحد، ومنهم الموصل عددهم إلى ستة ذكور: الحسن بن العباس، وعبيد الله بن العباس، ومحمد بن العباس استشهد في كربلاء، أمهم جميعاً أم الفضل الصغرى لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، وعبد الله بن العباس، والقاسم بن العباس، استشهد في كربلاء، وليس للعباس بن علي أنثى، وفي رياض الجنان أن عبد الله- مكبراً- ابن العباس بن علي كان طفلاً في الطف وأخذ مع السبايا، وعبد الله –مصغراً- ابن العباس ولا عقب للعباس إلا منه عند جمهور النسابين إلا ابن قتيبة وصاحب طبقات الحنفية فإنهما ذكرا للحسن ابن العباس عقباً وسيتضح عدم صحة ما قالا(3).

     وسنأتي على ذكر أولاد العباس بن علي «عليه السلام» لدى الحديث عن محمد والقاسم اللذين قيل بأنهما استشهدا في كربلاء وعبد الله الذي اسر في الطف.

     وكان للعباس مكانة علمية ودرجة عالية(4) حتى قيل: إن له العصمة الصغرى بمعنى أنها دون عصمة الأئمة المصعومين «عليه السلام» وفوق عدالة

_______________
(1) العباس للمقرم: 320 عن حدائق الانس، ونقل عنه هامش مقتل الحسين «عليه السلام» لبحر العلوم: 316 عن حدائق الأنس: إن له ابنة واحدة.

(2) المظفر: هو عبد الواحد بن أحمد بن حسن بن جواد بن حسين (1310- 1395هـ) من علماء النجف ومن أهل التحقيق والتأليف، له كتب مختلفة منها: الميزان الراجح، مستدرك مقاتل الطالبيين، وأعلام النهضة الحسينية.

(3) بطل العلقمي: 3/429.

(4) جاء في الكبريت الأحمر: 3/45 «إن العباس من أكابر وأفاضل فقهاء أهل البيت بل إنه عالم غير متعلم، وليس في ذلك منافاة لتعليم أبيه «عليه السلام» إياه –راجع العباس للمقرم: 173.

(143)

الأولياء من سائر الخلق، ولعل في نقل بعض التصاريح في حقه يوصلنا إلى جانب من مكانته الشريفة، منها ما يلي:

     قال الحسين «عليه السلام» لدى مصرعه: الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي(1).

     وقال السجاد «عليه السلام»: رحم الله- عمي- العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة(2).

     وقال الصادق «عليه السلام»: «كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله «عليه السلام» وأبلى بلاء حسناً ومضى شهيداً»(3).

     وسنتحدث عن موافقه يوم الطف ومواساته ومكارم أخلاقه وفضائله في السيرة إن شاء الله تعالى، وقد أجلنا الحديث عن مقتله ودوره في معركة الطف إلى هناك، ويكفيه ما ورد من الإسلام بالتجليل في زيارة الناحية وزيارات أخرى وردت المعصومين «عليه السلام» ومن أراد التفصيل فليراجع باب الزيارات من هذه الموسوعة.

     وكان العباس قد شارك أخويه في غسل الإمام الحسن «عليه السلام» حيث يقول محب الدين الطبري في حديثه عن تجهيز الإمام الحسن «عليه السلام»: «وغسله الحسين ومحمد والعباس بنو علي بن أبي طالب»(4).

     وعلى أي حال فقد ثبت أنه قتل يوم العاشوراء، والذي قتل يوم تاسوعاء هو أخوه العباس الأصغر، كان العباس الأكبر آخر من قتل من المحاربين ولم يقتل بعده إلا الأطفال(5) حيث كان صاحب اللواء يوم

___________
(1) العباس للمقرم: 293.

(2) أسرار الشهادة: 2/405؛ عن أمالي الصدوق: 374، الخصال: 1/68، بحار الأنوار: 22/74.

(3) العباس للمقرم: 196، أعيان الشيعة: 7/430، سر السلسلة العلوية: 89.

(4) ذخائر العقبى: 242.

(5) راجع أعيان الشيعة: 7/430.

(144)

الطف ولم يشأ الإمام الحسين «عليه السلام» أن يأذن له بالقتال فكان كلما استأذنه رد عليه: أنت صاحب لوائي، إذا مضيت تفرق عسكري(1)، وقد أبى الحسين «عليه السلام» أن يضمه إلى سائر الشهداء بل تركه في موضع قتله ليتفرد بمرقده، وقد تولى الإمام السجاد «عليه السلام» دفنه بنفسه كما تولى دفن أبيه الحسين «عليه السلام» بنفسه، وتذكر الروايات أن الزهراء «عليه السلام» سوف لا تبتدأ يوم القيامة بالشكاية عن اية ظلامة من ظلامات آل محمد إلا بكفي أبي الفضل العباس المقطوعتين(2).

     وقد تحدثنا عن مرقد أبي الفضل «عليه السلام» وتاريخه بشكل تفصيلي في تاريخ المراقد من هذه الموسوعة كما تحدثنا عن المقامين المنسوبين إلى كفي العباس الأيمن والأيسر أيضاً، وكذلك عن مشهد رأس العباس في دمشق، فلا نعيد هنا ذكرها.

     والكلمة الحق: إن العباس ارتضع من ثدي البسالة وتربى في حضن الإمامية ونشأ في بيئة المعرفة واستشهد في معركة الكرامة وهو أبو الفضل والشهامة(3).

     وفي الختام نود أن نشير إلى أن هناك أموراً تنشر وبالأخص من قبل المتأخرين في حق أهل البيت «عليهم السلام» وآل علي «عليه السلام» لم نجد لها ما يوثقها، وقد أشرنا إلى بعضها في طيات كلامنا عنهم، وهنا نود الإشارة إلى ما ورد في بعض المؤلفات حول ولادة العباس ثم نشأته، وتنقل النص لنحذر من مغبة مثل هذا النقل، ولو أريد بذلك الإنشاء في هذا المجال فليكن كما فعله المقرم أو بنت الشاطىء أو العلايلي أو الدربندي حيث يشيرون إلى أنه من واقع حال، أما عن نص ولادة العباس فجاء كالتالي:

____________
(1) راجع العباس للمقرم: 231، وفيه أن الحسين «عليه السلام» كان يوكل به خطير أموره.

(2) راجع العباس للمقرم: 232، عن جواهر الإيفان: 194 وغيرهما.

(3) يقول السيد الخوئي في معجم رجال الحديث، 9/236: «إن فضائله ومناقبه سلام الله عليه أشهر وأوضح من أن تحتاج إلى بيان» وقد ذكرنا جانباً منها في باب الكرامات وجانباً منها في باب الرؤيا، إلى غيرها في أبواب شتى من هذه الموسوعة حيث لا يمكن الفصل بينه وبين نهضة أخيه الحسين «عليه السلام» بل لا يمكن الفصل بينه وبين أخيه.

(145)

     روي عن قنبر(1) مولى أمير المؤمنين «عليه السلام» قال بينما كنا جلوساً في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة وبيننا أمير الؤمنين «عليه السلام» وهو كالبدر في السماء الصاحية، وهو يعظنا ويحذرنا من النار ويشوقنا إلى الجنة، وإذا بأعرابي قد أقبل فأناخ راحلته  على باب المسجد ودخل، فلما رأى أمير المؤمنين «عليه السلام» جالساً بين أصحابه، جاء وسلم عليه وقبل يديه ووقف متأدباً، فقال له أمير المؤمنين ما حاجتك يا أخا العرب وما تريد؟

     فقال: يا سيدي أنت أعلم بها.

     فالتفت إلي، وقال: يا قنبر إمض إلى المنزل، وقل لمولاتك زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تناولك الصرة الفلانية، وهي في السفط(2) الفلاني في موضع كذا وكذا، فقلت حباً وكرامة الله ولك يا سيدي.

     يقول: فمضيت إلى منزل أمير الؤمنين فطرقت الباب مرتين، وفي الثالثة خرجت إلى فضة، وقالت: من الطارق للباب.

     فقلت: قنبر مولى أهل البيت.

     فقالت: يا قنبر ما حاجتك؟

     فأخبرتها بما قال لي سيدي ومولاي أمير المؤمنين، فرجعت فضة ووقفت بالباب فسمعت جلبة الفرح والسرور داخل المنزل، فلما خرجت فضة بالصرة سألتها عن ذلك.

     فقالت: الآن ولد لأمير المؤمنين غلام.

     قلت: ممن؟

     قالت: من أم البنين فاطمة بنت حزام.

     وقد قالت لي سيدتك زينب ابنة فاطمة الزهراء أن أقول لك، إذا جئت أمير المؤمنين بشره بهذا المولود وسله عن اسمه وكنيته ولقبه.

______________
(1) قنبر: كان مولى أمير المؤمنين «عليه السلام»، وكان من خواصه، والراوين عنه، وكان من أركان التابعين، قتله الحجاج بن يوسف الثقفي، كما قتل حفيده قنبر بن أحمد بن قنبر.

(2) السفط: وعاء كالقفة أو الجوالق.

(146)

     فقلت: حباً وكرامة.

     فلما جئت إلى المسجد وناولت سيدي الصرة، وقفت بين يديه فأخذها وأعطاها إلى الأعرابي وانصرف.

     ثم التفت إلي أمير المؤمنين، وقال: (يا قنبر ما وراءك فإني أرى في وجهك أثر الفرح والسرور.

     فقلت: نعم يا سيدي، أبشرك بشارة.

     فقال: خيراً يا قنبر وما هذه البشارة؟

     قلت: يا مولاي قد ولد لك غلام.

     فقال: ممن قلت من فاطمة أم البنين.

     قال: من أخبرك بذلك؟

     قلت: أخبرتني فضة خادمتكم لما أخرجت إلي الصرة وقد قالت لي إن زينب بنت فاطمة تقول بشر مولاك بهذا المولود وسله عن أسمه وكنيته ولقبه.

     فلما سمع أمير المؤمنين «عليه السلام» تهلل وجهه فرحاً ثم قال يا قنبر، إن هذا المولود له شأن عظيم عند الله، وأسماؤه وألقابه كثيرة وسأمضي أنا إلى المنزل بنفسي لأسميه وأكنيه.

     ثم نهض من وقته وساعته وجاء إلى المنزل، فلما دخل نادى ابنته زينب وقال بنية علي بولدي.

     فجاءت زينب وعلى يديها أخيها العباس وهو ملفوف بخرقة بيضاء فلما دنت زينب من أبيها هنأته ودفعت إليه ولده، فأخذه وأذن في إذنه اليمنى وأقام في اليسرى وأخذ يطيل النظر إليه(1).

_________
(1) وهنا أقحم كلمات المقرم الذي أورده في كتابه العباس: 137 والذي يقول في أوله: «ومما لا شك فيه أن أمير المؤمنين «عليه السلام» لما أحضر أمامه ولده المحبوب ليقيم عليه مراسيم السنة النبوية ...» وفي نهايته يقول: «ويكثر من قول ما لي وليزيد»، ومن الملاحظ أن المقرم عندما أراد أن يتحدث عن ذلك عبر بقوله: «ومما لا شك فيه» مشيراً بذلك إلى أن ذلك من إنشائه ومن بيانه ومما يحتمله، وهذا عمل مشروع=

(147)

     يقال: إن أمير المؤمنين «عليه السلام» لما أذن في أذن ولده العباس اليمنى وأقام في اليسرى تمطى العباس في القماط حتى قطعه، وأخرج كلتا يديه فعند ذلك بكى أمير المؤمنين «عليه السلام» وجرت دموع عينيه على خديه كاللؤلؤ الرطب، فقالت له أسماء بنت عميس: ما يبكيك يا سيدي ونحن هذه الساعة في فرح وسرور.

     فقال لها: لا تلوميني فإني لما نظرت إلى هاتين اليدين ذكرت مما يجري عليهما في طف كربلاء(1).

     فلما فرغ أمير المؤمنين من مراسيم السنة، التفت إليه زينب وقالت: يا أبتاه ما اسمه وكنيته؟

     فقال بنية أما أسمه: (عباس) وكنيته (أبو الفضل)، وأما ألقابه فكثيرة منها: (قمر بني هاشم) و(السقاء).

     فلما سمعت زينب قالت: يا أبتاه أما اسمه (عباس) ففيه علامة الشجاعة والفروسية، وأما كنيته (أبو الفضل) ففيها علامة الشهامة والتفضيل، وأما لقبه قمر بني هاشم ففيه علامة البهاء والجمال، ولكن ما معنى (السقاء) هل يكون أخي سقاءً؟

     فقال لها «عليه السلام»: بنية لا كما تظنين أنه تكون السقاية مهنة وشغلاً ويسقي الأجانب، ولكنه يسقي أهله وعشيرته إنه ساقي (عطاشى كربلاء).

     فلما سمعت زينب ذلك تغير لونها، واختنقت بعبرتها، وجرت مدامعها على خديها، فقال «عليه السلام»: كفكفي دمعك، وخذي أخاك، وإن له وإياك لشأناً.

     فأخذته زينب ورجعت به إلى أمه فاستقبلتها أم البنين وهي تسأل عن اسم ولدها وكنيته، فقالت لها زينب: اسمه عباس وكنيته أبو الفضل ولقبه قمر بني هاشم، فلما سمعت أمه بلقبه قمر بني هاشم شهققت وتهلل وجهها
_______________

= ولكن ينسب إلى التاريخ دون إسناد وذلك من المتأخرين فهذا مما لا ترضيه الأمانة في النقل والتحرير.

(1) هذا المقطع أورد المؤلف في الهامش.

(148)

فرحاً، وقالت الحمد الله رب العالمين، الآن قد صدقت رؤياي، فقالت لها زينب وما هذه الرؤيا التي صدقت؟

     فأخبرتها بالرؤيا التي رأتها قبل زواجها بأمير المؤمنين، فلما سمعت زينب فرحت وأهوت على أخيها وقبلته، وقالت، هو والله أجل وأفضل من القمر(1).

     فقال لها: إنه كفيلك.

     قالت: كفيلي؟

     قال: نعم وستفارقينه ويفارقك.

     فقالت: يا أبتاه أيتركني أم أتركه؟

     فقال: بل تتركينه لكن على واهجة الرمضاء مقطوع اليدين مفضوخ الهامة بعمود من حديد.

     فصاحت واعباساه(2).

     ويأتي المؤلف لينقل رواية أخرى عن نشأته فينقل ما نصه:

     وروي: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» كان ذات يوم جالساً في مسجد  النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه وهو يحدثهم ويعظهم ويشوقهم إلى الجنة ويحذرهم من النار، إذ جاء أعرابي وعقل راحلته على باب المسجد ودخل وإذا عنده صندوق فجاء وسلم على أمير المؤمنين «عليه السلام» وقبل يديه: وقال: يا مولاي جئتك بهدية.

     قال: وما هي؟

____________
(1) الظاهر أن هذه المقطوعة من قوله: «يقال: إن أمير المؤمنين» إلى هنا هي تابعة للرواية التي نقلها وأما المقطوعة التي بعد هذا من قوله: «قيل: لما مضت...» إلى «واعباساه» فقد جاءت في الهامش.

(2) راجع كتاب مولد العباس بن علي: 47- 51.

(149)

     فاحضر أمامه الصندوق فأمر «عليه السلام» بفتحه وإذا فيه شيء ملفوف فأمر بفله وإذا هو سيف عضب من السيوف الطيبة وله حمائل جيدة فأخذه الإمام «عليه السلام» بيده يقبله، إذ دخل العباس المسجد فجاء وسلم على أبيه ووقف متأدباً وأخذ يطيل النظر إلى السيف.

     فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: بني أتحب أن أقلدك بهذا السيف؟

     قال له العباس: نعم يا أبا أحب ذلك.

     فقال له: أدن مني.

     فدنا منه، فقلده إياه فطالت حمائل السيف على العباس فقصرها عليه.

     ثم جعل أمير المؤمنين «عليه السلام» ينظر إلى ولده العباس ويطيل النظر إليه، ثم تحادرت دموعه على خديه  وبكى، فقيل وما يبكيك يا أمير الؤمنين؟

     فقال «عليه السلام»: كأني بولدي هذا قد أحاطت به الأعداء وهو يضرب فيهم بهذا السيف يمنة ويسرة حتى تقطع يداه ويضرب رأسه بعمد من الحديد، ثم بكى وبكى من كان حاضراً(1).

     ولا نريد التعليق على النص ويكفينا أنه غير مؤثق  ونترك الأمر إلى القارىء ليحكم على مثل  هذه النصوص التي تنسب إلى راوٍ مجهول وفيها نصوص عن إمام معصوم «عليه السلام»، الذي لا بد من الدقة في ذلك حتى لا يكون بمصاف التقول عليه والعياذ بالله، ونحن لا نريد أن ننكر صدورها بشكل مطلق بل لا يمكن قبولها دون توثيق.

______________
(1) مولد العباس بن علي: 61- 62.

(150)

 

34

عبد الرحمن الاكبر ابن عقيل الهاشمي

نحو37- 61هـ = 657- 680م

     هو: عبد الرحمن الأكبر ابن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

     ضبط الكلمة: «عبد الرحمن» فإن الجزء الأول المضاف «عبد» بفتح أوله وسكون ثانيه فهو اسم بمعنى المملوك  ويقابله الحر، والعبد ما عليه إلا طاعة مولاه ومالكه، والعبادة: هي غاية الخضوع والتذلل، ولا تحسن إلا لله تعالى، ومنه: (إياك نعبد)(1) أي نخصك بالعبادة دون غيرك.

     وأما الرحمن فهو على زنة فعلان بفتح أوله وسكون ثانيه، اسم مبالغة بمعنى كثير الرحم، والرحمة: هي الشفقة والمغفرة والعطف والرقة، ومن لوازمها إسباغ النعم، والرحمن من أسماء الله الحسنى، وقد اختصت الكلمة «رحمان» بالله وحده، لأن صفة الرحمة فيها من خصائص الله سبحانه وتعالى.

     يقول الطوسي(2): في تفسيره للبسلمة: «الرحمن والرحيم: اسمان مشتقان من الرحمة، وهي النعمة التي يستحق بها العبادة، وهما موضوعان للمبالغة، وفي رحمان خاصة مبالغة يختص الله بها، وإن تلك المزية من

_____________
(1) سورة الفاتحة، الآية: 5.

(2) الطوسي:  هو محمد بن الحسن بن علي بن الحسن (385- 460هـ) ولد في مدينة طوس (خراسان) في إيران- وانتقل إلى بغداد ثم كربلاء واستقر في النجف وفيها توفي، من أعلام الإمامية وفقهائها ومفسريها، له: الاستبصار، التهذيب، والرجال، وغيرها.

(151)

حيث فعل النعمة التي يستحق بها العبادة لا يشاركه في هذا المعنى سواه، والأصل من باب فعل يفعل – بالفتح فيهما- وفعل يفعل- بالكسر فيها –أن يكون اسم الفاعل على زنة فاعل، فإن أرادوا المبالغة حملوا على فعلان وفعيل كما في رحمان ورحيم(1).

     ومن المعلوم أن أكثر صيغ المبالغة سماعية، ومنها الرحمان، ومن جهة أخرى فإن الفقهاء حرموا تسمية الإنسان بالرحمان إلا مع إضافة العبد إليه أو ما شابه ذلك لأنها من الأسماء الخاصة بالله سبحانه وتعالى، بخلاف الرحيم فهي مشتركة بين العبد والمعبود جل شأنه، فتقول لزيد إنه رحيم بأهله ولا تقول: رحمان بهم.

     وعلى أي حال انتقلت هذه التسمية من الوصف في العبد الإسلامي رغم أن العبودية لله كانت من ذي قبل ولكنهم لم يعرفوا كلمة «الرحمان» قبل الإسلام فهذه من المفردات الإسلامية بخلاف لفظ الجلالة، ولذلك نجد أنهم قبل الإسلام كانوا يسمون ابناءهم عبد الله، ومن ذلكم والد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وترسم «عبد الرحمن» بدون ألف تقليداً لإحدى الرسوم القرآنية. ولعل أقدم الأسماء التي تحولت في الإسلام من عبد الكعبة وأمثالها إلى عبد الرحمن، هو: عبد الرحمن بن حنبل الجمحي المستشهد بصفين عام 37هـ، وعبد الرحمن بن أبي بكر التيمي المتوفى سنة 53هـ والذي كان يسمى في الجاهلية عبد الكعبة،وعبد الرحمن بن عديس بن عمرو البلوي المتوفى سنة 36هـ، والي مصر الذي قدم المدينة لخلع عثمان فقتله معاوية حين تمكن منه، وعبد الرحمن بن عوف الزهري المتوفى عام 32هـ والذي كان أيضاً يسمى في الجاهلية بعبد الكعبة أو عبد عمرو، وأما من ولد في الإسلام وسمي بعد الرحمن في أوائلهم ابن عقيل الذي نحن بصدد بيان حاله.

     أمه: أم ولد تسمى خليلة(2)، وليس لدينا تفاصيل عن حياتها، ومتى

_____________
(1) التبيان: 1/28.

(2) الطبقات الكبرى: 4/42.

(152)

وردت إلى بيت عقيل، ومن أين أصلها، وسبب استراقاقها، ولكن المظنون أنه أشتراها من سوق النخاسين. ولكن الذي يفهم من نقل ابن سعد أنه شقيق لعبد الله الاكبر وعبد الله الأصغر ويبدو أنه متوسط بينهما.

     ولا شك أنه إنما لقب بالاكبر في قبال أخيه عبد الرحمن الأصغر والذي أمه أم ولد(1) والذي لم يعقب، ولعله مات صغيراً حيث لم يوجد له ذكر حتى في وقعة الطف.

     وعلى اي حال فقد تزوج عبد الرحمن الأكبر خديجة بنت أمير الؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وذلك على المختار(2)، وقيل تزوج من فاختة بنت علي «عليه السلام»(3)، كما قيل إنه تزوج زينب الصغرى بنت أبي تراب علي «عليه السلام»(4)، فالقول بأن فاختة زوجته ينافي كونها زوجة أخيه عبد الله الأصغر ابن عقيل، كما أن القول بأن زينب الصغرى زوجته ينافي كونها زوجة أخيه محمد بن عقيل(5).

     وعلى أي حال فإن ابنة علي «عليه السلام» أنجبت له سعداً (سعيداً) وعقيلاً(6)، وقيل حميدة ولم يثبت(7) وهناك من ذهب إلى أن حميدة أمها رقية الكبرى بنت علي بن أبي طالب(8) أو فاطمة بنت علي «عليه السلام» لتكون على الأول ابنة مسلم بن عقيل، وعلى الثاني ابنة أبي سعيد بن عقيل(9) أو أم كلثوم الصغرى، بحيث يكون أبوها مسلم بن عقيل(10) وقد بحثنا جوانب

__________________
(1) سفير الحسين: 23.

(2) المعارف لابن قتيبة: 205 وبحر الأنساب للعميدي.

(3) راجع المجدي: 18 حيث قال: وخرجت أم هاني فاختة بنت علي إلى عبد الرحمن بن عقيل.

(4) راجع بحار الأنوار: 42/93.

(5) راجع بشأن هذا ترجمة علي أمير المؤمنين «عليه السلام» وزوجاته وبناته في الجزء الأول من هذا المعجم.

(6) راجع إعلام الورى: 1/397.

(7) وقد ورد في إعلام الورى: 1/397 أنها ابنة فاطمة بنت علي وأبي سعيد بن عقيل.

(8) راجع ترجمة مسلم بن عقيل من هذه الموسوعة.

(9) وسيلة الدارين: 423.

(10) كتاب الشهيد مسلم بن عقيل للمقرم: 213 عن عمدة الطالب: 32.

(153)

الخلط في ترجمتها لأن هناك من يقول: إنها حضرت كربلاء، مما نحتمل التعدد فيمن سميت بحميدة من آل عقيل.

     ليس في اليد تصريح عن تاريخ ولادة عبد الرحمن ولكن يمكن استخلاص عمره من أمور أربعة والوصول إلى حدوده وهي:

     1- إنه تزوج من خديجة بنت علي «عليه السلام» والتي كانت ولادتها في حدود عام 39هـ.

     2- إن له ابنين هما سعد وعقيل كانا صغيرين يوم الطف وماتا خوفاً وفزعاً وكان سعد أكبر من عقيل مما لا يمكن تجاوز عمر سعد عن السادسة وعقيل عن الخامسة.

     3- وإن عبد الرحمن كان رجلاً يمكنه الخروج إلى القتال والمبارزة ذكر ابن شهرآشوب أنه برز بعد أخيه جعفر بن عقيل وهو يرتجز:

أبي عقيل فاعرفوا مكــاني

من هاشم وهاشم إخـــواني

كهول صدق سـادة الأقـران

هذا حسـين شامخ البنيـــان

وسيد الشيـب مع الشبـــان

     فقتل سبعة عشر فارساً، قتله عثمان بن خالد الجهني(1) وأضاف غيره بشر بن سوط الهمداني(2)، ولا بد أن يكون من أقرانه الشجعان والذين تمكن من قتل سبعة عشر فارساً واشترك في قتله عثمان وبشر، ويبدو أن الجهني رماه، كما جاء التصريح به في زيارة الناحية(3) وأن الهمداني قضى عليه، وهذا يدل على قدرته القتالية.

____________

(1) مناقب آل أبي طالب: 4/107.

(2) نهاية الارب للنوري: 20/456.

(3) جاء في بحار الأنوار: 98/270 «السلام على عبد الرحمن بن عقيل، لعن الله قاتله وراميه عمر بن خالد بن أسد الجهني» رغم أن في اسمه اختلاف مع كتب التاريخ إلا أن المهم أنه رماه رامٍ، وسوف نناقش مسألة قاتله.

(154)

     4- إن شقيقيه عبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر الذي كان هو أصغر من الأكبر وأكبر من الأصغر قد قتلا في كربلاء على تصريح بعض أرباب التاريخ والمقاتل والرجال، وإن الأكبر كان ممن روى عن أمير المؤمنين «عليه السلام» كما سيأتي الحديث عنهما.

     كل ذلك يرشدنا إلى أن ولادته على أقل التقادير لا بد وأن تكون في بداية الثلاثينينات ولا يمكن تأخيرها عن عام 37هـ، إذاً لو افترضنا أنه ولد عام 37هـ، وولدت زوجته عام 39هـ، وتزاوجا عام 53هـ وولدا سعداً عام 54هـ وعقيلاً عام 55هـ، فإن عبد الرحمن يكون له من العمر 23 عاماً، وزوجته 21عاماً، وسعداً 6 سنوات، وعقيلاً 5 سنوات، وهو أمر معقول لا يتعارض مع جميع المعطيات التي بين ايدينا.

     وأما عن مقتله فلا مجال لإنكار شهادته في كربلاء بعدما صرح العديد من أرباب الرجال والأنساب، والتاريخ والمقاتل كابن أعثم في الفتوح(1) وابن شهرآشوب في المناقب(2) والنوري في النهاية(3) والمجلسي في البحار(4) وغيرها(5) وجاء التسليم عليه في زيارة الناحية بقوله «عليه السلام»: «السلام على عبد الرحمن بن عقيل، لعن الله قاتله وراميه عمر بن خالد بن أسد الجهني»(6) كما وقع التسليم عليه في المرتبة التاسعة من الزيارة الرجبية بالنص التالي: «السلام على عبدالرحمن بن عقيل»(7).

     وأما عن زمان قتله، فالظاهر:عدم وجود الخلاف بأنه برز بعد أخيه

__________

(1) الفتوح: 5/203.

(2) مناقب آل أبي طالب: 4/106.

(3) نهاية الارب: 20/456.

(4) بحار الأنوار: 45/69.

(5) راجع أعيان الشيعة: 1/690، ناسخ التواريخ (حياة الإمام الحسين): 2/319، وتاريخ الطبري: 3/343، والإرشاد للمفيد: 107و125، ومقتل الحسين للخوارزمي: 2/26، تسمية من قتل مع الحسين: 151، تنقيح المقال: 2/146، نظم درر السمطين: 218، تذكرة الخواص: 255، روضة الشهداء: 393.

(6) بحار الأنوار: 98/270.

(7) بحار الأنوار: 98/340.

(155)

     جعفر بن عقيل وقبل محمد بن عبد الله بن جعفر الطيار كما أورده ابن شهرآشوب وابن أعثم (1) والخوارزمي(2) والفضيل(3) والكاشفي(4)(5).

     وقال السماوي(6): «تقدم عبد الرحمن في حملة آل أبي طالب بعد الأنصار وهو يرتجز ويقول...»(7)، وأما عن قاتله والأسماء الواردة أربعة:

     1- عثمان بن خالد الجهني.

     2- بشر بن حوط الهمداني(8).

     3- عمر بن خالد الجهني.

     4- عبد الرحمن بن عروة الخثعمي.

________________

(1) ابن أعثم: هو أحمد بن أعثم الكوفي المتوفى سنة 314هـ، يكنى بأبي محمد الأخباري، وهو من المؤرخين الإمامية، من آثاره: كتاب التأريخ، وبعد ملحقاً لكتاب الفتوح.

(2) الخوارزمي: هو المرفق بن أحمد بن إسحاق المكي (484- 568هـ) ولد في خوارزم، وطاف البلاد الإسلامية كفارس والعراق والحجاز ومصر والشام في طلب الحديث، من مؤلفاته: مناقب علي، الأربعين، ومسانيد على البخاري.

(3) الفضيل: هو ابن الزبير بن عمر بن درهم الكوفي الأسدي، عاش ما بين (122- 148هـ) كان من أصحاب الإمامين الباقر والصادق «عليه السلام»، وكان معاصراً لزيد بن الإمام علي بن الحسين «عليه السلام».

(4) الكاشفي: هو حسين بن علي البيهقي السبزواري المتوفى سنة 910هـ، كان من أشهر الوعاظ في عصره، وكان ضليعاً بعلوم القرآن، من آثاره: جواهر التفسير، المواهب العلية، ومخزن الإنشاء.

(5) وجاء في تاريخ الطبري ذكره بعد جعفر بن عقيل أيضاً، وفعل المفيد في الإرشاد مثله.

(6) السماوي: هو محمد بن طاهر (1292- 1370) كان من علماء النجف، أصله من السماوة، توفي في النجف، تولى القضاء في عدد من المدن العراقية النجف وكربلاء، وكان من العلماء المحققين، من آثاره: مجالي اللطف.

(7) إبصار العين: 51.

(8) وجاء في أنساب الأشراف: 3/200 «نشر بن شوط العثماني» وهو ظاهر التصحيف.

(156)

     ولا يخفى أن بعضهم ذكر والد بشر «سوط» بالسين المهملة، وهذا واضح بأنه من  التصحيف، وجاء في بعض المصادر: «بشر بن حرب»(1) كما ذكر بعضهم والد خالد «أسير»(2) وآخرون «أسيد» وهو أيضاً تصحيف، «أشيم»(3)، ومن المسلمات حسب تصفحنا للمصادر وبالأخص الأمات منها فإن الذين اشتركوا في مقتل عبد الرحمن هما شخصان بشر وابن خالد، كما أن البعض ذكر «بشر» بالياء «بشيراً»، وهو كثيراً ما يقع، ومن المسلم أنهما متحدان، وأما الكاشفي فقد تفرد في القول: بأن راميه هو عبد الله الخثعمي(4) ولعله شارك في الرمي، والله العالم.

     كما لا يخفى أن بعضهم ذكر: بأن قاتله هو بشر وآخرون ذكروا: بأن قاتله ابن خالد، والبعض ذكرهما معاً كأبي الفرج الأصفهاني، والظاهر أنهما اشتركا في قتله، بل صرح الفصيل بن الزبير في كتابه تسمية من قتل مع الحسين: بأنهما اشتركا في قتله، وكثيراً ما يحصل ذلك، ولكن الذي لا بد من التوقف عنده أن الزيارة ذكرته باسم عمر بن خالد بدل عثمان، والظاهر أن الزيارة تفردت بذلك، واحتمال التصحيف ضعيف وأما احتمال أن يكون عمر أخو عثمان وأنهما اشتركاً وارد جداً، وهذا النقاض موضعه في باب معجم من قاتل الحسين «عليه السلام» من هذه الموسوعة.

________________

(1) راجع كتاب تسمية من قتل مع الحسين: 151 (المطبوع بمجلة تراثنا القمية).

(2) راجع كتاب تسمية من قتل مع الحسين.

(3) راجع إبصار العين: 51.

(4) روضة الشهداء: 393.

(157)

35

عبد الرحمن الأوسط ابن عقيل الهاشمي

... - ... هـ = ... - ... م

     هو: عبد الرحمن الأوسط ابن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم القرشي.

     لم نجد له ذكراً فيما لدينا من المصادر في الأنساب والتاريخ، وقد ورد ذكره عرضياً في معالي السبطين(1)، تحت عنوان «من خرجن من أخوات الحسين «عليه السلام» معه إلى كربلاء» فقال: ومنهن رملة الكبرى أمها أم مسعود بنت عروة الثقفي، وكانت عند عبد الرحمن الأوسط ابن عقيل بن أبي طالب فولدت له أم عقيل».

     وفي كلامه نظر من عدة جهات:

     1- إن رملة الكبرى تزوجت من عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب كما سبق وتحدثنا عن ذلك بإسهاب، ويبدو أنه إنما ذهب إلى هذا القول أو الاحتمال لأنه اعتمد على أن عبد الله بن أبي سفيان قتل في صفين، حيث يقول: «جمانة بنت أبي طالب وهي أم عبد الله بن ابي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب تزوجها أبو سفيان بن الحرث فولدت له عبد الله، وهي –أي جمانة- أخت أم هاني بنت أبي طالب، وعبد الله بن أبي سفيان- كان مع خاله علي بن أبي طالب في صفين وقاتل حتى قتل بين يديه، كما ذكره نصر بن مزاحم المنقري الكوفي في كتابه، وأمه جاءت مع الحسين «عليه السلام» في كربلاء(2).

____________
(1) معالي السبطين: 2/227 وعنه وسيلة الدارين: 423.

(2) معالي السبطين: 2/228.

(158)