معجم أنصار الحسين عليه السلام  (الهاشميون) الجزء الاول

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (الهاشميون) الجزء الاول

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

       قالا له: يا شيخ فائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره.

       قال: ما بي إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما.

       قالا: ما جعل الله لكما في قلبي من الرحمة شيئاً.

       قالا: يا شيخ إن كان ولا بد فدعنا نصلي ركعات.

       قال: فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة.

       فصلى الغلامان أربع ركعات، ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا: يا حي يا حيكم يا أحكم الحاكمين أحكم بيننا وبينه بالحق.

       فقام إلى الأكبر فضرب عنقه، وأخذ برأسه ووضعه في المخلاة، وأقبل الغلام الصغير يتمرغ في دم أخيه وهو يقول: حتى ألقى رسول الله (ص) وأنا مختصب بدم أخيز

       فقال: لا عليك سوف ألحقك بأخيك.

       ثم قام إلى الغلام الصغير فضرب عنقه وأخذ رأسه ووضعه في المخلاة، ورمى ببدنهما في الماء وهما يقطران دماً، ومر حتى أتى بهما عبيد الله بن زياد وهو قاعد على كرسي له، وبيده قضيب خيزران، فوضع الرأسين بين يديه، فلما نظر إليهما قام ثم قعد ثلاثاً ثم قال: الويل لك أين ظفرت بهما؟

       قال: أضافتهما عجوز لنا.

       قال: فما عرفت حق الضيافة؟

       قال: لا.

       قال: فأي شيء قالا لك؟

       قال: قالا يا شيخ أذهب بنا إلى السوق فبعنا فانتفع بأثماننا فلا نرد أن يكون محمد (ص) خصمك في القيامة.

       قال: فأي شيء قلت لهما؟

(287)

 

       قال: قلت لا ولكن أقتلكما وأنطلق برأسكما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ ألفي درهم.

       قال: فأي شيء قالا لك؟

       قال: قالا ائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره.

       قال: فأي شيء قلت؟

       قال: قلت ليس إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليك بدمهما.

       قال: أفلا جئتني بهما حيين فكنت أضاعف لك الجائزة وأجعلها أربعة آلاف درهم؟

       قال: ما رأيت إلى ذلك سبيلاً إلا التقرب إليك بدمهما.

       قال: فأي شيء قالا لك أيضاً؟

       قال: قلا يا شيخ إحفظ قرابتنا من رسول الله.

       قال: فأي شيء قلت لهما؟

       قال: قلت ما لكما من رسول الله من قرابة.

       قال: ويلك فأي شيء قالا لك أيضاً؟

       قال: قالا: يا شيخ ارحم صغر سننا.

       قال: فما رحمتهما؟

       قال: قلت ما جعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئاً.

       قال: ويلك فأي شيء قالا لك أيضاً؟

       قال: قالا دعني نصلي ركعات فقلت: فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة، فصلى الغلامان أربع ركعات.

       قال: فأي شيء قالا في آخر صلاتهما؟

       قال: رفعا طرفيهما إلى السماء، وقالا: يا حي يا حكيم يا أحكم الحاكمين احكم بيننا وبينه بالحق.

(288)

 

       قال عبيد الله بن زياد: فإن أحكم الحاكمين قد حكم بينكم(1) وبين الفاسق.

       قال(2): فانتدب له رجل من أهل الشام، فقال أنا له.

       قال: فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامين فاضرب عنقه ولا تترك أن يختلط دمه بدمهما وعجل برأسه، ففعل الرجل ذلك وجا برأسه فنصبه على قناة فجعل الصبيان يرمونه بالنبل والحجارة، وهم يقولون: هذا قاتل ذرية رسول الله (ص)(3).

       روى فخر الدين الطريحي مرسلاً(4) عن أبي مخنف قال: لما قتل الحسين «عليه السلام» أسر من عسكره غلامان صغيران فأتي بهما إلى عبيد الله زياد لعنه الله، فدعا بسجان له، وقال له: خذ هذين الغلامين واسجنهما ومن طيب الطعام فلا تطعمهما، ومن بارد الماء فلا تسقهما، وضيق عليهما سجنهما.

       قال(5): فأخذهما السجان. ووضعهما في السجن إلى أن صار لهما سنة كاملة حتى ضاقت  صدورهما، فقال الصغير للكبير: يا أخي يوشك أن تفنى أعمارنا وتبلى أبداننا في هذا السجن أفلم تخبر السجان بخبرنا ونتقرب إليه بمحمد المصطفى (ص)!

       فقال: هكذا يكون.

       فلما جنهما الليل أتى السجان إليهما بقرصين من شعير وكوز من ماء فقام إليه  الصغير، فقال له: يا شيخ أتعرف محمدا المصطفى؟

_____________
(1) بينكم: كذا في المصدر، ولعله جاء للاحترام، أو أنه غلط مطبعي والصحيح بينكما.

(2) قال: أي قال الراوي.

(3) الأمالي للصدوق: 76، الرواية الثانية من المجلس التاسع عشر.

(4) سنأتي على نص رابع في هذه القصة وفيه جاءت الرواية مروية عن محمد بن إبراهيم عن أبي يوسف عن أبي مخنف.

(5) أي قال الراوي.

(289)

قال: كيف لا اعرفه وهو نبي وشفيعي يوم القيامة.

قال له: يا شيخ أتعرف علي بن أبي طالب؟

قال: وكيف لا أعرفه، وهو إمامي وابن عم نبيي.
قال له: يا شيخ أتعرف مسلم بن عقيل؟

قال: بلى أعرفه وهو ابن عم رسول الله(1).

       فقال له: يا شيخ نحن من عترة مسلم بن عقيل، نسأللك من طيب الطعام فلا تطعمنا، ومن بارد الماء فلا تسقينا، وقد ضيقت علينا سجننا، فما لك وما لنا لا ترحمنا لصغر سننا، أما ترعانا لاجل سيدنا رسول الله.

       فلما سمع السجان كلامهما بكى بكاءً شديداً، وانكب على أقدامها يقبلهما، يقول: نفسي لنفسكما الفداء وروحي لروحكما الوقاء، يا عترة محمد المصطفى، والله لا يكون محمد خصمي في القيامة، هذا باب السجن مفتوح، فخذوا أي طريق شئتما، يا حبيبي سيروا بالليل واكمنا بالنهار.

       قال: فلما خرجا لم يدريا إلى أي جهة يمضيان، فلما جهجة الصبح عليهما دخلا بستاناً وصعدا على شجرة(2)، واكتنا بها، فلما طلعت الشمس وإذا بجارية قد رأتهما فأقبلت إليهما(3)، وسألتهما عن حالهما، وطيب

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ابن عم رسوله: ربما أراد ابن ابن عم رسوله، أوأراد أن عقيل كان ابن عم الرسول ص.

(2) في مقتل أولاد مسلم بن عقيل: 21«شجرة كبيرة».

(3) جاء في مقتل أولاد مسلم بن عقيل: 21«وإذا بجارية في البستان تدور فرأتهما على الشجرة فأتت إليهما وقالت: من أنتما ومن أبوكما، فلما سمعا بذكر أبيهما بكيا بكاءً شديداً فأحست بشيء من أمرهما، فقالت: أظنكما من أولاد مسلم بن عقيل، فلما سمعا بذلك ضربا على وجهيهما وحثيا التراب على رأسيهما حتى غشي عليهما، فلما أفاقاً قالا لها يا جارية أنت من الأصدقاء أم من الأعداء، فقالت: وحق جدكما إني من محبيكما، ولو علمت أنكما من أولاد مسلم بن عقيل لخلصتكما مما أنتما فيه من الخوف، ومولاتي محبة لكما بالقلب واللسان، فعند ذلك قالا: نحن من أولاد مسلم بن عقيل، فقالت لهما: انزلا، فنزلا من الشجرة وسارا مع الجارية إلى مولاتها».

 

(290)

 

قلوبهما، وقالت لهما: سيرا معي إلى مولاتي فإنها محبة لكما فسارا معها، فسبقتهم الجارية فإعلمت مولاتها، فلما سمعت بهما(1) قامت حافية إليهما واستقبلتهما بالبشرى، وقالت لهما: أدخلا على رحب وسعة.

       فلما دخلا أنزلتهما في مكان لم يدخل إليه أحد من الناس، وخدمتهما خدمة تليق بهما.

       ثم إن أبن زياد لعنه الله نادى في شوارع الكوفة إن جاءني بأولاد مسلم بن عقيل فله الجائزة العظمى، وكان وزج تلك المرأة من جملة من طلبهما، فلما جل الليل أقبل اللعين إلى داره، وهو تعبان من كثرة الطلب فقالت له زوجته الصالحة: أين كنت فإني أرى في وجهك آثار التعب؟

       قال: ابن زياد قد نادى بأزقة الكوفى إن من جاءني بأولاد مسلم بن عقيل، كان له عندي الجائزة العظيمة، وقد خرجت في الطلب فلم أجد لهما أثراً، ولا خبراً.

       فقالت له زوجته: يا ويلك أما تخاف من الله، مالك وأولاد الرسول تسعى إلى الظالم بقتلهم، فلا تغرنك الدينا؟

       قال: أطلب الجائزة من الأمير.

       قالت: تكون أقل الناس وأحقرهم عنده إن سعيت بهذا الأمر.

       فبينما هو بين النائم واليقظان إذ سمع الهمهمة من داخل البيت، فقال لزوجته: ما هذه الهمهمة؟

       فلا ترد عليه الجواب: كأنها لا تسمع، فقعد وطلب مصباحاً، فتناوم أهل البيت، كأنهم لم يسمعوا، فقام واشعل المصباح، وأراد فتح الباب.

       فقالت له زوجته: ما تريد من فتح الباب، ومانعته، فقاتلها ومانعها، وفتح الباب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جاء في مقتل أولاد مسلم: 22«فلما سمعت بذلك الخبر رفعت المقنعة من على رأسها واعطتها الجارة بشارة لها، وقامت حافية القدمين حتى وصلت إليهما واستقبلتهما بأحسن لقاء أكرام».

(291)

 

       وإذا بأحد الولدين قد انتبه، فقال لأخيه: أخي أجلس فإن هلاكننا قد قرب.

       فقال هل أخوه: وما رأيت  يا أخي؟

       قال: بينما أنا نائم وإذا بأبي واقف عندي، وإذا بالنبي ص وعلي والحسن والحسين وقوف، وهم يقولون لأبي: مالك تركت أولادك بين الكلاب والملاعين؟

       فقال: لهما أبي وهاهما بأثري قادمين.

       فلما سمع الملعون كلامهما جاء إليهما، وقال لهما: من أنتما؟

       قالا: من آل الرسول.

       ومن أبوكما؟

       قالا: مسلم بن عقيل.

       فقال الملعون: إني أتعبت اليوم فرسي ونفسي في طلبكما وأنتما عندي.

       ثم إنه لطم الأكبر منهما لطمة أكبه على الأرض حتى تهشم وجهه وأسنانه من شدة الضربة، وسال الدم من وجهة أسنانه.

       ثم إنه كتفهما كتافاً وثيقاً، فلما نظر الى ما فعل بهما اللعين، قالا مالك يا هذا تفعل بنا هذا الفعل، وامرأتك قد أضافتنا وأكرمتنا، وانت هكذا تفعل بنا، أما تخاف الله فينا، أما تراعي يتمنا وقربنا من رسول الله.

       فلم يعبأ اللعين بكلامهما، ولا رحمهما، ولا رق لهما، ثم دفعهما إلى خارج البيت وبقيا مكتفين إلى الفجر، وهما يتوادعان ويبكيان لما جرى عليهما، وأما الملعون فلما أصبح أخرجهما من داره، وقصد بهما جانب الفرات ليقتلهما، وزجته وولده وعبده خلفه، وهم يخوفونه الله تعالى ويلومونه على فعله، فلم يرتدع اللعين ولم يلتفت إليهم، حتى وصلوا إلى جانب الفرات فأشهر اللعين سيفه لقتلهما، فوقعت زوجته على يديه ورجليه تقبلهما وتقول له: يارجل اعف عن هذين الولدين اليتيمين، واطلب من الله الذي تطلبه من أميرك عبيد الله بن زياد،فإن الله يرزقك

(292)

 

عوض ما تطلبه منه أضعافاً مضاعفة، فزعق الملعون عليها زعقة الغضب، حتى طار عقلها، وذهل لبها، ثم قال للعبد: يا اسود خذ هذه السيف واقتل هذين الغلاميين وائتني برأسيهما، حتى انطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزتي منه ألفي درهم وفرساً، فلما هم بقتلهما قال له أحد الغلاميين: يا أسود ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله ص؟ يا أسود مالك ومالنا حتى تقتلنا إمض عنا حتى لا نطالبك بدمنا عند رسول الله ص؟

       فقال لهما الغلام: ياحبيبي من أنتما؟ فإن مولاي أمرني بقتلكما.

       فقالا: يا أسود نحن عترة نبيك محمد ص، نحن أولاد مسلم بن عقيل، أضافتنا عجوزكم هذه الليلة، ومولاك يريد قتلنا.

       قال: فأنكب العبد على أقدامهما يقبلهما، ويقول: نفسي لنفسكما الفداء، وروحي لروحكما الوقاء، يا عترة محد المصطفى، والله لا يكون محمد خصمي يوم القيامة، ثم رمى السيف من يده ناحية وطرح نفسه في الفرات، وعبر إلى الجانب الآخر، فصاح به مولاه عصيتني.

       فقال: اطعتك ما دمت لا تعصي الله ، فلما عصيت الله عصيتك، إليهما وسل السيف من جفنه.

       فقال اللعين: والله  ما يتولى قتلكما أحد غيري، فأخذ السيف وأتى إليهما وسل السيف من جفنه.

       فلما هم بقتلهما، جاء إليه ولده وقال له: يا أباه قدم حلمك، وأخر عضبك، وتفكر فيما يصيبك في القيامة(1).

       قال: فضربه بالسيف فقتله فلما رأت الحرمة ولدها مقتولاً، أخذت بالصياح والعويل.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جاء في المقتل: 42«ثم إنه أقبل ألى أبيه وقال له: اتق الله كانك تراه وإن لم تره فإنه يراك وهو بالنظر الأعلى مالك وعترة رسول الله ص، فقال له اللعين: عصيتني وأنا أكابد الدهور والأيام وأجمع لك المال من الحلال والحرام، فقال له: عصيتك في طاعة الله، فإن ذلك خير من أن أطيعك وأعصي ربي»,

(293)

 

       قال: فتقدم الملعون إلى الولدين فلما رأياه تباكيا، ووقع كل منهما على ألآخر، يودعه ويعتنقه، والتفتا إليه، وقالا له: يا شيخ لا تدعنا نطالبك بدمائنا عند جدنا يوم القيامة، خذنا حيين الى ابن زياد يصنع بنا ما يريد.

       فقال: ليس إلى ذلك سبيل.

       فقالا له: يا شيخ بعنا في السوق وانتفع بأثماننا ولا تقتلنا.

       فقال: لا بد من قتلكما.

       قالا له: يا شيخ الا ترحم يتمنا وصغرنا.

       فقال لهما: ما جعل الله لكما في قلبي من الرحم شيئاً.

       فقالا: يا شيخ دعنا نصلي كل منا ركعتين.

       قال: صليا ما شئتما إن  نفعتكما الصلاة.

       قال: فصليا أربع ركعات، فلما فرغا رفعا طرفيهما إلى السماء وبكيا، وقالا: يا عادل يا حكيم احكم بيننا وبينه بالحق.

       ثم قالا له: يا هذا ما أشد بغضك لأهل البيت.

       فعندها عمد الملعون وضرب عنق الأكبر فسقط الى الأرض يخور في دمه، فصاح أخوه وجعل يتمرغ بدم أخيه، وهو ينادي وا أخاه، واقلة ناصراه، واغربتاه، هكذا ألقى الله وأنا متمرغ بدم أخي.

       فقال له الملعون: لا عليك سوف ألحقك بأخيك في هذه الساعة. ثم ضرب عنقه ووضع رأسيهما في المخلاة، ورمى أبدانهما في الفرات، وسار بالرأسين الى عبيد الله بن زياد، فلما مثل بين يديه وضع المخلاة فقال له: ما في المخلاة يا هذا؟

       قال: رؤوس أعدائك أولاد مسلم بن عقيل، فكشف عن وجهيهما فإذا هما كالأقمار المشرقة.

       فقال: لم قتلتهما؟

       قال: بطمع الفرس والسلاح.

(294)

 

فقام ابن زياد ثم قعد ثلاثاً وقال: ويلك وأين ظفرت بهما.

       قال: في داري وقد أضافتهم عجوز لنا.

       فقال ابن زياد: أفلا عرفت لهما حق الضيافة، وأتيت بهما حيين إلي.

       فقال: خشيت أن يأخذهما أحد مني ولا أقدر على الوصل إليك.

       فأمر ابن زياد أن يغسلوهما من الدم، فلما غسلوهما وأتي بهما أليه، ونظرهما تعجب من حسنهما.

       وقال له: يا ويلك لو أتيتين بهما حيين لضاعفت الجائزة.

       فتعذر بعذره الأول.

       ثم قال له: يا ويلك حين أردت قتلهما ما قال لك؟

       قال: قالا لي: يا شيخ ألا تحفظ قرايتنا من رسول الله؟

       قال: فما قلت لهما؟

       قال: قلت لهما: مالكما من رسول الله قراية.

       قال: فماذا قالا لك أيضا؟

       قال: قالا لي: ألا ترحم صغر سننا،فقلت لهما: ما جعل الله لكما في قلبي من الرحمة شيئاً.

       قال: فما قالا لك أيضاً؟

       قال: قالا لي: امض الى السوق فبعنا وانتفع بأثماننا، فقلت لهما: لابد من قتلكما.

       قال: فماذا قالا لك أيضاً؟

       قال: قالا لي: ألا تمضي بنا الى ابن زياد يحكم فينا بأمره، فقلت لهما: ليس إلى ذلك سبيل.

       قال: فماذا قالا لك أيضاً؟

       قال: قالا لي: دعنا نصلي كل واحد منا ركعتين، فقلت لهما: صليا إن نفعتكما الصلاة، فصليا أربع ركعات، فما فرغا من الصلاة، رفعا

(295)

 

طرفيهما إلى السماء ودعيا، وقالا: يا حي يا حكيم أحكم بيننا وبينه بالحق.

       ثم نظر ابن زياد إلى ندمائه وكان فيهم محب لأهل البيت وقال له: خذ هذا الملعون وسر به إلى موضع قتل فيه الغلاميين، واضرب عنقه، ولا تدع أن يختلط دمه بدمهما، وخذ هذين الرأسين وارمهما في موضع رمى به أبدانهما.

       قال: فأخذه وسار به، وهو يقول: والله لو أعطاني ابن زياد جميع سلطنته ما قبلت هذه العطية، وكان كلما مر بقبيلة أراهم الرأسين وحكى لهم بالقصة، وما يريد- أن ـ يفعل بذلك اللعين.

       ثم سار به إلى موضع قتل فيه الغلامان فقتله بعد أن عذبه بقطع عينيه، وقطع أذنيه، ويديه، ورجليه، ورمى بالرأسين في الفرات.

       قال: فخرجت الأبدان وركبت الرؤوس عليها بقدرة الله تعالى ثم تحاضنا وغاصا في الفرات. ثم إن ذلك الرجل المحب أتى بالرأس ـ رأس ذلك اللعين- فنصبه على قناة وجعل الصبيان يرجمونه بالحجارة(1).

       وهناك نص ثالث

فيه بعص المعطيات لابد من إيراده وقد نقله المجلسي المتوفى عام 1111هـ عن المناقب القديمة(2) لابن شاذان القمي محمد بن أحمد المتوفى عام 426هـ وهو كالتالي:

       روى ابن شاذان القمي عن سعيد بن محمد الفقيمي، عن محمد بن عبد الله السرختكي، عن أحمد بن يعقوب، عن طاهر بن محمد الحدادي، عن محمد بن علي بن نعيم، عن محمد بن الحسين بن علي، عن محمد بن يحيى الذهلي، قال: لما قتل الحسين بن علي عليه السلام بكربلاء هرب غلامان من عسكر عبيد الله بن زياد، أحدهما يقال له إبراهيم والآخر يقال له: محمد، وكانا من ولد جعفر الطيار(3) فإذا هما بامرأة تستقي فنظرت إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المنتخب للطريحي: 380.

(2) وهو كتاب إيضاح دقائق النواصب، أو إيضاح دفائن النواصب.
(3) كذا في المصدر وسنأتي على مناقشة ذلك.

(296)

 

الغلامين، وإلى حسنهما وجمالهما، فقالت لهما: من أنتما؟

       فقالا: نحن ولد جعفر الطيار في الجنة، هربنا من عسكر عبيد الله بن زياد.

       فقالت المرأة: إن زوجي في عسكر عبيد الله بن زياد، ولولا أني أخشى أن يجيء الليلة، وإلإ ضيفتكما وأحسنت ضيافتكما.

       فقال لها: أيتها المرآة انطلقي بنا فنرجو أن يأتينا زوجك الليلة.

       فانطلقت المرآة والغلامان حتى انتهيا إلى منزلها فأتتهما بطعام.

       فقالا: ما لنا في الطعام من حاجة، ائتنا بمصلى نقضي فوائتنا.

       فصليا فانطلقا إلى مضجعهما فقال الأصغر للأكبر: يا أخي ويابن أمي التزمني واستنشق من رائحتي فإني أظن أنها آخر ليلتي، لا نصبح بعدها.

       وساق الحديث كما ورده الصدوق إلى أن قال: ثم هز السيف وضرب عنق الأكبر ورمى ببدنه بالفرات.

       فقال الإصغر: سألتك بالله أن تتركني حتى اتمرغ بدم أخي ساعة(1).

       قال: وما ينفعك ذلك؟

       قال: هكذا أحب، فتمرغ بدم أخيه إبراهيم ساعة.

       ثم قال له: قم فلم يقم فوضع السيف على قفاه، فضرب عنقه من قبل القفا ورمى ببدنه إلى الفرات، فكان بدن الأول على وجه الفرات ساعة، حتى قذف الثاني فأقبل بدن الاول راجعاً يشق الماء شقاً حتى التزم بدن أخيه، ومضيا في الماء، وسمع هذا الملعون صوتاً من بينهما وهما في الماء: رب تعلم وترى ما فعل بنا هذا الملعون، فاستوف لنا حقنا منه يوم القيامة.

       ثم قال: فدعا عبيد الله، بغلام له أسود يقال له: نادر. فقال له: يا نادر دونك هذا الشيخ شد كتفيه فانطلق به الموضع الذي قتل الغلامين فيه،

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) ساعة: برهة من الزمن.

(297)

 

فاضرب عنقه، وسلبه لك، ولك عشرة آلاف درهم، وأنت حر لوجه الله، فانطلق الغلام به إلى الموضع الذي ضرب أعناقهما فيه.

       فقال له: يا نادر لابد لك من قتلي؟

       قال: فضرب عنقه فرمى بجيفته إلى الماء، فلم يقبله الماء، ورمى به الى الشط وأمر عبيد الله بن زياد أن يحرق بالنار، ففعل به ذلك صار إلى عذاب الله(1).

       هذه النصوص الثلاثة إنما وردناها ليتم النقاش حولها، وتقع مناقشتها ضمن النقاط التالية:

       1- في البداية فإن محتواها اشبه بالأسطورة منها إلى الواقع، ونصها يفتقد الكثير من الواقعية، وكان قصاصاً صاغ نصها فأوعد فيها ما يوجب الإثار، فامتزج الخيال بشيء من الواقع، ولولا أن ناقلها من امثال الشيخ الصدوق لطرحها الأصحاب برمتها، وما أودعوها في مصنفاتهم، ومن هنا نجد أن القمي(2) في منتهى الآمال لما نقل الرواية عن الصندوق علق عليها بقوله(3): «إني استبعد استشهاد هذين الغلامين بهذه الكيفية وهذا التفصيل، لكنني أوردت هذه الرواية تبعاً للشيخ الصدوق رئيس محدثي الشيعة ومروج علوم الأئمة عليهم السلام، ولوجود بعض العلماء الأجلاء من أصحابنا في سلسلة سند هذه الرواية، والله تعالى هو العالم»(4)، وسنأتي مناقشة النص بعد الأنتهاء من مناقشة السند إن شاء الله تعالى.

       2ـ يقع في سند رواية الصدوق عشرة رواة جلهم من الثقات وهم على الشكل التالي:

       أـ الصدوق: محمد علي بن الحسين القمي المتوفى عام381هـ صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه، وهو من العلماء الذين لا مراء في ثقتهم وجلالتهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار: 45/105عن مناقب القديم، كما أورد النص بالسند اته الخوارزمي في مقتل الحسين: 2/48، ومن أراد النص الكامل فليراجعه.

(2) القميك هو عباس بن محمد رضا القمي الذي سبقت ترجمته.

(3) ورد النص بالفارسية.

(4) راجع منتهى الآمال (المعرب): 1593.

(298)

       ب- والده: هو علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى عام 329هـ صاحب كتاب التوحيد، ويعبرعنه بالصدوق الأول، ويقال: إنه إدرك الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وقد اعتبر الفقهاء نصه كنص المعصوم عليه السلام لشدة اعتمادهم عليه.

       ج- علي بن إبراهيم: القمي المتوفى عام 307هـ، صاحب التفسير الذي اشتهر باسمه، وهو من أجمل الثقات، وقد أدرك عهد الإمام الحسن العسكري عليه السلام.

       دـ والده: هو إبراهيم بن هاشم الكوفي ثم القمي، كان من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام المتوفى عام 203هـ، والإمام الجواد المتوفى عام 220هـ، والمتوفى في عهد الأخير ظاهراً، وهو أول من نشر حديث الكوفيين في قم بعد أن سكنها، وهو ممن لا خلاف في وثاقته.

       هـ- إبراهيم بن رجا الجحدري: يعرف بابن أبي هراسة صاحب كتاب الفضائل، وكان من أصحاب الصادق عليه السلام وكان ثقة، يقال: إنه أدرك عهد العسكري (254ـ 260هـ).

       و- علي بن جابر: ليس له في كتب الرجال والرواة ذكر.

       زـ عثمان بن داود الهاشمي: الظاهر أنه ابن داود بن علي اليعقوبي الهاشمي الذي كان من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا عليه السلام، وكان من الثقات وعليه فأخوه هو علي بن داود، وعلى فرض صحة النسبة فعهده لا بد أن يكون في إمامة الرضا والجواد عليه السلام، ولكن المعاجم لم تتحدث عنه.

       ح ـ محمد بن مسلم: الظاهر هو الطحان الذي كان من أصحاب الإجماع والفقهاء، ومن أصحاب الأئمة: الباقر والصادق والكاظم عليه السلام توفي عام 150هـ.

       ط- محمد بن أعين: الشيباني، من الثقات الأجلاء، ومن أصحاب الأئمة السجاد والباقر والصادق عليه السلام، توفي في عهد الإمام الصادق عليه السلام أي قبل عام 148هـ.

       ي- أبو محمد: الموصوف بشيخ أهل الكوفة، والظاهر أن المقصود به سعيد بن المسيب بن حزن أبو محمد المخزومي (15ـ 94هـ) الذي

(299)

 

أصله  من الكوفة، كان ن كبار الفقهاء ومن أصحاب السجاد عليه السلام، كان من الثقات.

       ومما قدمناه عن رواة النص الصدوقي فلا يمكن الاعتماد علي الرواية رغم أن جلهم من كبار الثقات وذلك لأن فيهم علي بن عبد الجبار الذي هو من المجاهيل، بالإضافة إلى عثمان الذي لم يثبت نسبه ولا حاله، كما لا يمكن التأكد من أن أبا محمد هو ابن المسيب بالقطع، ومن هنا فإن البت برثاقتها لا يمكن، وهذا لا يعني أننا نذهب إلى طرح الرواية كلياً، وسنأتي على البحث عن هذا الجانب إن شاء الله تعالى.

       3ـ وأما رواة النص الذي رواه الطريحي فهو مرسل لأنه لم يذكر أسانيد الرواية واكتفى بقوله روى أبو مخنف، ومن المعلوم أنه توفي عام 158هـ بينما توفي الطريحي عام 1085هـ- وهو من أجله علماء الإمامية، له باع طويل في العلوم الإسلامية العربية- والفصل بينها بنحو أربعة قرون، والإرسال كما هو معلوم يخل بالوثاقة.

       4ـ وأما نص ابن شاذان فيقع في سنده ثمانية رواة هم كالتالي:

       أـ ابن شاذان القمي محمد بن أحمد المتوفى عام 426هـ صاحب كتاب مائة منقبة في علي عليه السلام والذي كان من اعلام الإمامية الذين لا غبار عليه، كما أن أبا المؤيد الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي المتوفى عام 568هـ، صاحب كتاب مقتل الحسين، هو الآخر من الأعلام الذين يشار إليهم بالبنان، والذي هو الآخر روى هذه الرواية عن الفقيمي بالإسناد ذاته(1).

       ب- سعيد بن محمد بن أبي بكر الفقيمي: وهو من مشايخ الموفق ابن أحمد الخوارزمي المتوفى عام 568هـ، وقد وصفه بالإمام سعد الأئمة، والفقيمي(2) نسبة إلى بني فقيم، سكن جماعة منهم الكوفة.

       ج- محمد بن عبدالله السرختكي: هو الإمام أبو بكر محمد بن عبد

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع مقتل الحسين للخوارزمي: 2/48.

(2) جاء في الغدير: 4/400، «الفقيهي» والصحيح ما أثبتناه.

 

(300)

 

الله بن فاعل السرختكي(1) المتوفى في سمرقند(2) في غرة ذي الحجة عام 518هـ، وكان الفقهاء وسرختك قرية في ما رواء النهر(3).

       د- محمد بن يعقوب(4): المكنى بأبي نصر، وليس لدينا عنه شيء، كان من أعلام القرن الخامس.

       هـ- طاهر بن محمد الحدادي: المكنى بأبي عبد الله، وهو حفيد أحمد بن نصر بن الحسين بن شهيد المطوعي الصوفي البخاري صاحب كتاب عيون المجالس وسرور الدارس، المتوفى في 17/ ذي القعدة/ 406هـ(5).

       وـ محمد بن علي بن نعيم: المكنى بابي الفضل، وليس له ذكر، غير أنه من أعلام القرن الرابع الهجري.

       زـ محمد بن يحيى الذهلي: المكنى بأبي عبد الله، وهو حفيد عبد الله مولى بني ذهل بن ثعلبة أو ذهب بن شيبان، وهو من أهل نيسابور(6) الله مولى بني ذهل بن ثعلبة والبصرة وغيرهما له كتاب الزهريات(7).

       وهؤلاء الرواة رغم ما فيهم من الفقهاء والأعلام إلا أن ثلاثة منهم

ـــــــــــــــــــــــ

(1) جاء في مقتل الحسين للخوارزمي: 2/48، «السرخشكي» والصحيح ما أثبتناه، وفيه كناه بابي الفضل ووصفه بجد الأئمة.

(2) سمرقند: مدينة أوزبكية، ذات حضارة قديمة، كان لها دور عظيم في إحياء التراث الإسلامي، خربها جنكيزخان، ثم أستولى عليها تيمورلنك فجعلها عاصمة ملكه.

(3) راجع الأنساب للسمعاني: 3/245.

(4) جاء في البحار: «احمد بن يعقوب» ولكن الصحيح ما جاء في مقتل الحسين الخوارزمي: «محمد».

(5) راجع الأنساب للسمعاني: 2/183.

(6) نيسابور: معرب نيشابور، مدينة إيرانية، كانت عاصمة خراسان قديماً، لها حضارة قديمة قبل الإسلام، وبعدها أخذت مكانة سامية حيث كانت محط العلماء والمحدثين إلا أن الحروب والزلازل ضربتها.

(7) راجع الأعلام للزركلي: 7/135.

(301)

 

مجهولون، وهم: أبو نصر محمد (أحمد) بن يعقوب، وأبو الفضل محمد ابن علي بن نعيم، وأبو عبدالله  محمد بن الحسين بن علي، بالإضافة إلى أنه مرسل لأن الذهلي المتوفى عام 258هـ عهده بعيد عن عهد معركة الطف إلا إذا قيل بأن سنده يتصل بأبي مخنف المتوفى عام 158هـ كما يفهم من رواية الطريحي السابقة، ومع هذا فيبقى بينهما راوٍ مفقود على أقل التقادير، ومن هنا فلا يمكن عد الرواية مما يعتمد عليها من حيث السند.

       5ـ إن مصدرين من المصادر التي أوردت القصة ذكراًبأن الطفلين هما من أبناء مسلم بن عقيل، بينما المصدرين الآخرين ذكرا بأنهما من ولد جعفر، ويعد هذا وجهاًمن وجوه الإرباك في نص الرواية،وم المعلوم أنه ذا أراد أنهما من ولد جعفر أي من أبنائه لما صح ذلك لأن جعفر الطيار توفي عام ثمان للهجرة في مؤته، والرواية تذكربأنهم غلامان، والغلام يطلق عادة على الطار الشارب، وهو يحصل عادة عند منتصف العقد الثاني من العمر، وقد يتسامح فيه ببعض السنوات كثرة وقلة، ومعه فلا ينسب أن يكونا إبني جعفر، وربما أمكن ضبطه بأن قوله: «من ولد جعفر» يشمل الأحفاد وأبناء الأحفاد أيضاً حيث ينسب الحفيد وأبناؤه الى الجد الأعلى، ليكون المراد به إذا أحفاد جعفر، وقد يحتمل أن يكون المقصود أبني عبد الله بن جعفر، وعندها يرتفع التناقض.

       ولكن إذا ارتفع التناقض بين نص الرواية الواحدة فإنه لا يرتفع بين النصين إذ إن النص الثاني يصرح بأنهما ابنا مسلم بن عقيل، وإلى هذا مال الأصحاب.

       6ـ لم يذكر بأن لعبد الله بن جعفر أبناء بهذا الأسم فهناك محمدبن جعفر قتل في معركة الطف منازلة، وكان عمره أكبر من هذا، وأما إبراهيم فلم يتعرض له متعرض بأنه ابن عبد الله بن جعفر، أما الاحتمال بان يكون لعبد الله محمدان أصغر وأكبر ليكون ما أورده الطوسي في رجاله(1) من تكرار محمد بن عبد الله في أصحابه هو المراد، فهذا بعيد جداً، لأن

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال الطوسي: 80.

(302)

 

الثاني منهما ذكر مجرداً من التعريف بالجد أو بغيره، بل ذكره هكذا «محمد ابن عبد الله» فلو كان حفيداً لجعفر بن أبي طالب لأشار إلى ذلك كما فعل بالنسبة إلى الأول.

       وأما احتمال أن يكون ذكر الراوي لهما كان من التصحيف الذي حصل بسبب الاختزال حيث جاء في رواية الصدوق أنهما قالا للسجان: «أفتعرف جعفر بن أبي طالب» فسقط شيء من النص فظهر بهذا المظهر الذي ظهر، إلا أن فيه تكلف.

       7ـ هناك نقاط في النصوص استوقفنا مما لابد من الإشارة إليها إحداها تلو الأخرى، وهي:

       أـ ورد في نص الصدوق والطريحي: «إن الغلامين أسرا من معسكر الحسين عليه السلام بعد قتله وأودعا السجن» إن مثل هذا الأمر غريب، لأن الأوامر جاءت بأسر كل من بقي من معسكر الحسين عليه السلام وترحيلهم إلى  الكوفة، وحبسهم إلى أن تأتي الأوامر من الشام بشأنهم، والتي جاءت بترحيلهم إلى الشام.

       السؤال هنا لماذا جاء الاستثناء لهذين الغلامين؟، ومن المفروض أن يلحقا يركب الإمام السجاد عليه السلام، إلا إذا اعتمدنا في هذا المقطع على نص ابن شاذان والخوارزمي الذي فيه أنهما هربا من عسكر ابن زياد، ومن هنا جاء في الروضة: بأن الجيش الأموي عندما هجم على مخيم الحسين وحرقة بالنار فر الطفلان على وجوههما في البيداء كغيرهما من الأطفال النساء فظفر بهما الأعداء(1).

       ونضيف هنا لابد من القول بأن الظفر بهما حصل بعد ترحيل موكب السجاد عليه السلام من الكوفة والا فكانوا يلحقونهما بركب السجاد عليه السلام.

       ب- إن نصي الصدوق والطريحي فيهما تصريح بأنهما عترة مسلم بن عقيل، بينما نص ابن شاذان والخوارزمي فيهما تصريح بأنهما عترة جعفر

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) هامش مقتل الحسين لبحر العلوم: 214عن ورضة الشهداء للكاشفي: 292، ولكن يظهر من عبارته غير ذلك وسنأتي على  ذكره.

(303)

 

الطيار، وهذا تناقض ظاهر، وقد حاولنا ترميمه فيما سبق إلا أن في ذلك تكلفاً ظاهراً.

       ج- يظهر من نص ابن شاذان والخوارزمي: إن الغلامين قد ثبت اسماهما في الأسر عند المعسكر الأموي، وإلا كيف وضع ابن زياد جائزة لمن يحصل عليهما، إلا إذا قيل بأن هربهما كان بسبب هجوم العدو لحرق الخيام، وهذا مغاير لنص الصدوق والطريحي، ويتم إذا قيل بأن ابن شاذان والخوارزمي اختزلا القصة فلم يذكرا مسألة السجن ومعاملة السجان.

       دـ جاء في نص الصدوق: إن الغلامين كانا يصومان النهار، بينما لم يرد ذلك في نص الطريحي، وبالطبع لم يرد في نصي ابن شاذان والخوارزمي، ومسألة الصوم غريبة لا تناسب مع من قال: بأن أحدهما كان له من العمر سبع سنين والآخر ثمان(1) إلا أنه لا يتنافى مع ماورد في النص نفسه حيث وصفهما بالغلامين، وتجنب من وصفهما بالطفلين، فالصوم لا يتنافى وعمريهما، ولكن يرد على هذا الفرض كيف لم يخرجا في معركة الطف للذب عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام كما خرج من في سنهما من بني هاشم، مما يؤكد بأنهما كانا دون ذلك من العمر حيث لا تكليف عليهما قبل البلوغ.

       وربما أراد الراوي بقوله «يصومان» المعنى اللغوي، أي لا يأكلان في النهار، ليس بسبب الصوم، بل بسبب الاضطهاد وعدم توفير الطعام لهما إلا وجبة واحدة كما يظهر من النص، وذلك عند المساء، حيث كانت الاوامر مشددة كما هو مصرح بذلك في بداية الرواية بالتالي: «فمن طيب الطعام فلا تطعمهما، ومن البارد فلا تسقهما، وضيق عليهما في سجنهما».

       هـ ـ إن مسألة السجن لم ترد في النص ابن شاذان والخوارزمي، ولعل السبب في ذلك يعزى إلى الاختزال في نقل الرواية والقصة، ويظهر من النص الذي أورد سجنهما أن السجن طال بهما أكثر من سنة حيث ورد في نص الصدوق: «حتى صار في السنة» كما جاء في نص الطريحي: «إلى أن

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هامش مقتل الحسين لبحر العلوم: 214عن روضة الشهداء للكاشفي.

(304)

 

صار لهما سنة كاملة»، وهذا يعني أن سجنهما كان بعد 15محرم عام 61هـ، وهروبهما من السجن كان بعد 16محرم عام 62هـ، وهنا تبدو الغرابة أيضاً، لماذا طال سجنهما فترة سنة؟ فلو كان لأجل كسب رأي السلطات في دمشق، فإن ذلك كان يمكن حصوله خلال شهر واحد، إلا إذا قيل بأنهم أرادوا الحاقهما بركب الإمام السجاد عليه السلام لدى عودته إلى المدينة من دمشق، وقلنا بأنهم رجعوا في العام القابل أي سنة 62هـ(1) لزيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم الأربعين، الا أن فيه تكلف، حيث لم يكن معروفاً لدى ابن زياد أن السجاد عليه السلام سيمر في كربلاء، وربما أراد أن يرجعهما الى المدينة بعد وصول أهل البيت عليهم السلام إلى المدينة على القول بإنهم رجعوا إليها عام 62هـ، والحاصل أن النص فيه إرباك واضح.

       وـ جاء في نص الصدوق أن السجان «وقفهما على الطريق» وجاء في نص الطريحي: «فخذوا أي طريق شئتما» وهما يتنافيان، ولا يخفى أن الأول أقرب إل روح القصة الثاني، إلا إذا قيل إنه وقفهما على مفترق طرق مختلة، وقال: فخذوا أي طريق شئتما، ولكن هذا الجمع ينافي ما ورد في نص الطريحي: «فلما خرجا لم يدريا إلى أي جهة يعنيان» إلا أذا قبل بأنهما بعد ذلك ضيعا الطريق.

       زـ إن نصي ابن شاذان والخورازمي فيهما تصريح باسم الغلامين «إبراهيم ومحمد» بينما نصا الصدوق والطريحي خاليان من التصريح باسمهما، وهذا قابل للجمع ولا تنافر بين النصين.

       ح- في أحداث ما بعد السجن ذكرت النصوص الأربعة كلها بأنهما توجها نحو دار المرأة التي آوتهما، ولكن تختلف في وقت وصولهما إلى بيت المرأة من جهة، وفي كيفية وصلوهما من جهة أخرى، فقد ورد في نص الصدوق: «فلما جن الليل انتهيا إلى عجوز على باب ـ دارهاـ»، وجاء في نص الطريحي: «فلما جهجة الصبح عليهما دخلا بستاناً وصعدا على شجرة واكتنا بها، فلما طلعت الشمس وإذا بجارية قد رأتهما فاقبلت إليهما وسألتهما عن حالهما.. وقالت لهما: سيرا معي إلى مولاتي فإنها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهذا خلاف ما اخترناه من أن زيارة الإمام السجاد عليه السلام كانت عام 61هـ.

(305)

 

محبة لكما»، بينما ورد في نص ابن شاذان والخوارزمي: «هرب غلامان».. فإذا هما بامرأة تستسقي فنظرت إلى الغلامين، فقالت لهما من أنتما»، فالنص الأول يرى بأنهما كانا يسيران نهاراً وهو يتنافى مع وصية السجان لهما والأوضاع الأمنية التي تتحدث عنها هذه الرواية، «ولما جن الليل وجدا أمرأة واقفة أمام بيتها.. فاستضافتهما»، وأما النص الثاني فيصرح بأنهما سار ليلاً فلما بلج الصبح التجأ إلى بستان وكمنا فوق شجرة ورأتهما أمة فعرفتهما على مولاتها، والمولاة هي التي استضافتهما، وأما النص الثالث: فلا يتعرض لزمان التقائهما بالمرآة أولاً، ويذكر بأنهما التقيا بالمرأة التي استضافتهما وهي تستقي الماء ثانياً.

       ط- إن رواية الصدوق تذكر بأن صاحب البيت الذي كانت المرأة تسكنه هو ختنها (صهرها)، وأما بقية الروايات فتذكر أنه كان زوجها، فالنصان إذا متناقضان.

       وأما عن عمله فقد ورد في نص الصدوق أنه شهد معركة الطف في كربلاء، وهو لا يتنافى مع كونه من جملة عسكر ابن زياد كما ورد في نص ابن شاذان والخوارزمي، وقد اقتصر نص الطريحي على أنه كان ممن يبحث عن الغلامين لنيل الجائزة، وهذه قابلة للجمع في هذا المجال، وذلك كان ممن حضر معركة الطف ولا زال يعمل في عسكر ابن زياد، وكان في طلبهما للحصول على الجائزة.

       ي- كل النصوص تذكر بأن ابن زياد وضع جائزة لمن يعثر عليهما، وفي بعض النصوص ورد تصريح بأن النداء كان من قبل ابن زياد،و كان المنادي في طرقات الكوفة وأزقتها، مما يدل على أن الحدث كان في الكوفة سواء أكان الهرب من سجن الكوفة أو كان الهرب من موكب الأسرى وهم في طريقهم إلى الكوفة أو بعد وصولهم إليها.

       أما مقدار الجائزة فلم تتفق النصوص على قدر معين، ففي رواية الصدوق جاء تقديرها بألف درهم عن كل واحد منهما، وفي رواية الطريحي فقد أضاف على الألفين فرساً، وأما في رواية ابن شاذان والخوارزمي فقد حددت بعشرة آلاف درهم، وهذا إرباك آخر، ولا مجال للجمع بينها إلا إذا كانت الجائزة تصاعدية أي كانت في الفترة الأولى ألفي

(306)

 

درهم، ثم أضيف إليها فرساً في الفترة الثانية، وفي الثالثة أصبحت عشرة آلاف درهم.

       ك- جاء في نص الصدوق التصريح بأن البيت الذي ألتجآ إليه كان في البرية مما يدلنا على أنهما لم يكونا في قلب الكوفة بل في ضواحيها.

       ل- إن الغلامين شبها فليح ذلك العبد الأسود الذي كان في خدمة صاحب البيت الذي التجآ إليه ببلال بن رباح الحبشي- مؤذن الرسول ص- وهو بحد ذاته أمر غريب، إذ إن بلالاً قد توفي عام 20هـ في دمشق، ولم يكن الغلامان قد أدركاه، اللهم إلا أن يكونا قد تعرفا عليه من باب الرواية لا الرؤية، وإن كان ظاهر العبارة يأبى هذا الاحتمال.

       م- جاء في رواية الصدوق أن الشيخ صاحب البيت طلب من ابنه ان  يتولى قتلهما، وفي النهاية رفض الأبن طلب والده، وعبر الفرات هربا من أبيه ومن طلبه هذا، ولكن جاء في رواية الطريحي أن الابن جاء إلى أبيه ناصحاً فقتله، بينما جاء في نص ابن شاذان والخوارزمي: إن الأب منى ابنه بنصف الجائزة، ولكنه في النهاية عصى والده وهرب كما هرب العبد.

       ن- جاء في نصي ابن شاذان والخوارزمي: إن الغلامين عندما تحدثا إلى قاتلهما وطلبا منه ان يبيعهما قال: «لا أقتلكما للحاجة، ولكني أقتلكما بغضاً لأبيكما ولأهل بيت محمد، وأما في ذينك النصين ورد بأنه كان همه الحصول على الجائزة، كما أن في نصي ابن شاذان والخوارزمي أنه قال لعبده: إضرب أعناقهما وأنت حر لوجه الله مما يدل على عدم حاجته إلى المال، وإنما كان قتله عن حقد.

       س- جاء في روايتي الصدوق والطريحي أنه ألقى جسد الغلامين في النهر وأخذ بالرأسين إلى ابن زياد، وأما نصا ابن شاذان والخوارزمي فقد ورد فيه بعض الخوارق كرجوع الجسد الأول بعكس اتجاه الماء ليلتحق بالجسد الآخر ويتعانقا، وفيه: إن الجسدين تكلما مما لايوجد ذلك في نص الصدوق، وأما نص الطريحي فقد ورد فيه: بأن من اقتص من قاتل الغلامين، رمى برأس الغلاميين في الماء فخرج البدنان وركب الرأسان عليهما وتعانقا وغاصا في الماء، وإضاف نصا ابن شاذان والخوارزمي: أن عندما رمي جسد القاتل في الماء لم يقبله الماء ورما به إلى الشط، ورغم

(307)