معجم أنصار الحسين عليه السلام  (الهاشميون) الجزء الاول

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (الهاشميون) الجزء الاول

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

 

.

دائرة المعارف الحسينية

معجم

أنصار الحسين عليه السلام

(الهاشميون)

 

(الجزء الأول)

محمد صادق محمد

(الكرباسي)

المركز الحسيني للدراسات

لندن ـ المملكة المتحدة

 

(3)

 

 

الحقوق كافة محفوظة ومسجلة

للمركز الحسيني للدراسات

لندن ـ المملكة المتحدة

الطبعة الأولى

1429هـ ـ 2008م

 

(4)

 

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

 

الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى(2) آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم(3)، إنه لقول رسول كريم(4)، إنى لكم رسول أمين(5)، أبلغكم رسالات ربي و(6) لا أسالكم عليه أجراً إلا المودة في القربى(7) وآت ذا القربى حقه(8) ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون(9).

                                                                                                صدق الله(10) العلي العظيم(11)

 

(5)

 

       قال رسول الأعظم صلى عليه وآل وسلم:

       «إن الحسين مصباح هدى

              وسفينة نجاة

                     وإمام خير ويمن

                           وعز وفخر

                                  وبحر علم وذخر»(1).

                                                                                         صدق رسوله الكريم

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عيون أخبار الرضا:1/62، وقريب منه في فرائد السمطين:2/155ح: 447.

(6)

 

مقدمة الناشر

       تنافسوا على الشهادة بين يدي أمامهم مشتاقين لها، كاشتياق الطفل لثدي أمه، فرقهم النسب، وجمعهم المبدأ والهدف والخاتمة، بعضهم كان ضالاً فاهتدى، وبعضهم كان يجانب طريق الحسين عليه السلام، ألا أن طيب الاصل والمحتد جمع بينهم، وآخرون كانوا من أهل القضية إن صح التعبير، وهم الهاشمييون، الأخوة وأبناء العم والأخ والأخت، رجالاً ونساء وشباناً وفتياناً وأطفالاً.

       نعم هن أنصار الحسين عليه السلام في كربلاء، نتاج مدرس محمد ص وعلي عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام، هم باستشهادهم في كربلاء أحيوا سنة الخالق، وأعادوا إبراز معالم الدين الحقة، بعد أن حاولت تشويهها مدرسة الطاغية الأموي يزيد بن معاوية.

       لهؤلاء الانصار حق علينا، حقهم أن نخلدهم على صفحات التاريخ، بل على صفحات القلوب ليبقون منارة يهتدي بها كل السائرين على درب إعلاء الحق، وإزهاق الباطل.

       ولأنهم كذلك، ولأنهم لهم الحق بذلك ذكرتم كتب شتى لا سيما كتب مصرع الحسين عليه السلام وكتب التاريخ، غير أن سماحة آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي حفظة المولى نهج في حديث عنهم نهجاً آخر أمتاز عن غيره بالتفصيل الوافي، والبحث الدقيق، والدراسة المعمقة، وكيف لا والكتاب الذي دونوا فيه موسوعة كبرى عن الأمام الحسين عليه السلام (دائرة المعارف الحسينية) ولا شك أنها ستبقى خالدة على مر الزمن بمحتواها ومؤلفها والعاملين فيها ولها ، كما هو الحسي خالداً حتى قيم الساعة.

       معجم أنصار الحسين، باب من أبواب دائرة المعارف الحسينية، يقع

(7)

 

في أجزاء عدة، يبدأ بالأنصار الهاشميين، في هذا الجزء بين يديك عزيزي القارىء والباحث، والهاشميون هم إخوة الحسين عليه السلام وأبناه أخوته، وأبناء عمومته وأخواته، وأبناء أخواته.

       لقد من الله سبحانه وتعالى علينا بفله فأنجزانا طباعة أربعين جزءاً من هذه الموسوعة العملاقة، ومتابعة لمننه عز وجل علينا ويدعم مشكور من اهل البر والإحسان الخير دعاة الفكر والنور والبصيرة، نصدر هذا الجزء وهو الحادي والاربعون من الأجزاء التي انجزت طباعتها حتى الآن من الموسوعة الحسينية، إلا أنه الجزء التي أنجزت طباعتها حتى الأن منا لموسوعة الحسينية، إلا أنه الجزء الأول من معجم الأنصار كما أشرنا سابقاً.

       نسال الباري عز وجل أن يديم الطافة ومننه علينا لمتابعة إصدار باقي أجزاء الموسوعة، فهو نعم المرتجى ونعم المعين والحمد لله رب العالمين.

              28/صفر/1429هـ

              7/آذار/ 2008م

 

(8)

 

 

قسم

تراجم الأنتصار

 

(9)

 

(10)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

       تفردت يا ذا المعالي والجود بالربوية والتمحيص

              وبعثت يا أبا القاسم رحمة للناس دون تخصيص

                     ونزهتم يا سادتي وموالي عن الدنس والتنقيص

              لندن

       محمد صادق   

              شتاء

       1422هـ ــ2002م

 

(11)

 

(12)

 

 

تمهيد

 

       لكل باب م أبواب الموسوعة هذه حلاوة تختلف حسب الأذواق عن الباب الآخر، وربما يكون لهذا الباب لوناً آخر يختلف عن بقية الأبواب بنسبة أكبر من غيرهاـ وللالوان خواصها ـ حيث أنه يعتمد على أمور ربما كانت صغيرة تحتاج في بعض الأحيان الى مجهر ليشخصها، ولكن النتائج كبيرة الى حد نسف شخصية أو إثباتها وبروزها، ومن ناحية أخرى فإن الكلمات تتراجع وتقل لدى البحث والتمحيص في قبال المخاض العسير والصعب الذي ربما وصل الى حال بين الوجود والعدم للنتائج الوليدة، ولعل في قرينة صغيرة أو إشارة خطية يكون الخلاص، إذ الحالة هنا كحالة الغريق الذي يتشبث بلك حشيش للخلاص إلى ساحل الأمان.

       وقد يجد المرء أمامه نقطة لا تكلف أقل أجزاء الزمن، ولكن إذا نظر المحقق إليها بنظرة ثاقبة يشكف أنها كم استغرقت منا لوقت لأجل القرار على حذفها أوسطرها.

       إن هذا الباب بمثابة سجل لإثبات النفوس والذي عادة يعتمد فيه على الوثائق التي تصدرها الجهات التي تتولى المباشرة على عملية التوليد، ولكن وثائقنا قد اندرست بفعل القرون الأربعة عشر التي أثقلت كاهلها بتراكماتها وبأحداثها، فكلي أمل بالباحث والقارىء أن يكون منصفاً ولطيفاً  فلا يشحذ حديثه لتقطيع الأوصال، ولا يتركها مثلومة حتى يزيد من الآلام، فعليه أن لا يتسرع عله يجد مخرجاً، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً(1) اللهم اجعل لي فرجاً ومخرجاً(2) إنك على كلي شيء قدير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) استخدام لقوله تعالى الآية: 2 من سورة الطلاق.

(2) دعاء مروي عن الصادق عليه السلام يقرأ بعد كل فريضة وهو ما علمه جبرئيل للنبي يوسف عليه السلام ـ بحار الأنوار:12/301.

(13)

 

(14)

 

ماذا يعني الحضور؟

       إن الطالبيين منذ اليوم الأول وجدوا أنفسهم منظمين ضمن تجمع خاص بهم شبه ما سمي فيما بعد بالنقابة، وكان للظورف السياسية الدور الاكبر لفرز مثل هذا التجمع، وكان من الطبيعي أن تكون السيادة لأشرفهم منزلة حيث كان يتولى شؤونهم، وقد انتقلت بشكل طبيعي ومسلسل من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى نجله الأصغر السبط الزكي ثم الى نجله الأصغر السبط الشهيد عليه السلام، وربما توسع تجمعهم هذا ليشمل الهاشميين وبعض المواليين أيضاً، حيث كان عبدالله بن العباس وأمثاله، الى جانب سلمان المحمدي وأضرابه يعدون ضمن هذا التجمع، ويشاركونهم أفراحهم واتراحهم كما يشاروكونهم كذلك، ومن الطبيعي أن الأمويين كانوا هم الآخرين قد ضمهم تجمع آخر، كانا قد عمدوا إلى تأسيسه، لتطبيق خططهم على أرض الواقع منذ أن آمن أبو سفيان عام الفتح (8هـ).

       وكان للتكتل الطالبي قيم مختلفة وثقل خاص، منها: القيمة الاجتماعية من حيث الشرافة والمكانة الاجتماعية، باعتبار أنهم آل الرسول ص وأقرباؤه ولهم معزة خاصة لدى المسلمين وغيرهم.

       وقيمة دينية حيث إن الأئمة المنصوص عليهم كانوا منهم كالإمام علي عليه السلام ونجليه السبطين عليهما السلام ثم من بعدهما أبناء الحسين عليه السلام.

       وقيمة سياسة حيث كان لهم الدور البارز في الحركة السياسية آنذاك، بل هم من صناعها وقادتها، ومن بيوتهم نشأت المعارضة، وبالاخص بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، ومنها انطلقت الانتفاضات والثوارات.

       وقيمة علمية حيث إن جلهم إن لم يكون كلهم من أئمة العلم والثقافة فلم يخرج من بيتهم إلا الفقه والحديث والتفسير والأنساب والتاريخ وسائر العلوم الاسلامية والعربية وغيرها.

(15)

       وقيمة أنسانية حيث كانوا يمارسون التكلفل الاجتماعي فيما بينهم من جهة، ويلبون نداء المظلوم وحاجة المعوزين من سائر الناس من جهة أخرى حيث كانوا أجواداً كرماء.

       وكانوا نظاميين في أمورهم، لا يتجاوزون رأي سيدهم(1)، ولا يخطون دون مشورته وهم البنيان المرصوص والصف الواحد، وبالاخص في تلك المرحلة الحرجة.

       ومن هنا فإن ملازمة سيدهم ركن اساس في تجمعهم هذا يجميع المعايير والقيم التي ذكرناها، حيث يؤمنون بأن الحق مع إمامهم ويدورمه أينما دار(2)، فلا يتخلون عنه قيد أنملة، بل يتفانون في القيام بواجباتهم تجاهه، كما لا يتخلى هو عنهم لدى الضيق والشدة، فلذلك لما تحرك الركب الحسيني إلى كربلاء كان لا بد وأن تتحرك معه هذه الكتلة المتمازجة، ومعها الكلتة المتلازمة لها من خلص الأصحاب، ولم تحسن التخلف عنه إلا لسبب وجيه أو أمر مفروض، وسنقرأ عن ذلك إن شاء الله تعالى في اسياسة الحسينية في حمله معظم آل أبي طالب معه إلى كربلاء رجالاً ونساءً وشيباً وشباناً.

       إذا فإن لمواكبة الامام الحسين عليه السلام قيمة تفوق كل القيم، ولها اعتبار يتعالى عن كل الاعتبارات، وفي التخلف عنه لابد أن نبحث عن دليل يبرر ذلك،

       فالحضور يعني الايمان كله، والحضوريعني الشجاعة كلها، والحضور يعني القيم كلها ولامناص عن ذلك في منطق الشرع وقانون العرف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فإذا كان مالك الأشتر النخعي الذي كان من حواري أمير المؤمنين عليه السلام الذي يقول عنه في عهده الى أهل مصر:«إنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري» فكيف ببني هاشم وآل علي، راجع كتاب الأشتر النخعي للؤلف- مخطوط، وعهد الأشتر لشمس الدين: 19.

(2) هناك أحاديث وردت عن الرسول ص في هذا المعنى ومنها قوله ص:«اللهم ادر الحق معه حيثما دار»ـ صحيح الترمذي: 3/166، راجع كتاب علي في الأحاديث النبوية: 243ـ 246حيث فيه أحاديث في هذا المضمون.

(3) راجع باب من تخلف عنه من هذه الموسوعة.

(16)

 

       وما تحدثنا عنه التكتل الطالبي لا يعني بالضرورة انتهاج النظام القبلي، بل هو كما سبق وأشرنا الى ذلك كان فرزاً طبيعياً للحياة السياسية آنذاك، وما ذلك التعاون فيما بينهم إلا من باب وحدة العقيدة والفكر، وهو من باب قوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض)(1) ومما لا مراء فيه أن الأقربين أولى بالمعروف(2)، وإلا فإنهم كانوا ـ وبالأخص أهل البيت عليهم السلام ـ على رأس المدافعين عن الأمة والناصرين لهم، والملبين لحاجاتهم، فكانوا يحملون الجراب على أكتافهم في قلب الليل ويوزعون ما منعه الطغاة والحاكمون عن المعوزين والمحتاجين من لقمة العيش بكرامة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الأنفال، الآية:75.

(2) كما ورد بذلك بعض الروايات، وشاع مثلاً.

(17)

 

ماذا تعني الشهادة ؟

       ليس خافياً على أح من أن الشهادة ليست هدفاً في الشريعة الإسلامية، بل هي أعلى درجة ينالها الذي لا يألو جهداً في إحقاق الحق فيما أمر به اله، إطاعة له وقربة إليه، فالمؤمن لا يخيفه الموت أذا كان في سببيل الله، ولا يهابه القتال إن كان الهدف من ورائه حقاً، بل يعرف أن عمله لا يضيع سدى، حيث هناك تكريم له من الباري سبحانه وتعالى.

       ومن المعلوم أيضاً أن الذي يهدف للشهادة بذاتها فهو اختيار لا يجوزه الشرع الإسلامي، إذ الشهادة أحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، فإن تحقق الأول فهو الأولى، وإن لم يتحقق فوسام شرف يكرم به.

       ومن هنا فإن الشهادة تعني الطاعة المطلقة لله عن معرفة وعن يقين، والشهادة تعني حقانية الأهداف والسلوك والأسلوب، والشهادة تعني انتصاراً معنوياً، وربما مكسباً على أرض الواقع ولو بعد حين، والشهادة ثقة بالنفس ورفض للباطل، والشهادة انهزام للعدو وكسر لمعنوياته، والشهادة عطاء لا محدود، وكرامة لا مثيل لها، وشفافية لا نظير لها.

       لكن الشهيد لا يصر على الشهادة، ولا يذهب إليها لذاتها، بل يقوم بواجبه دفاعاً عن النفس، وعن الوطن، وعن الشعوب المظلومة، وعن الدين، وعن المبادىء، والأهداف، وعن الأنبياء والأئمة وأوليائه، ولا يبالي بالنفس والنفيس، وفيه من جهاد النفس لدى الإعراض عن الاهل وكل نفيس وغلا بهذه الدنيا، وقد فصلنا عن موضوع الشهادة بنوع من التفصيل في محله فلا نكرر.

       وأخيراً فإن القتال بين يدي الحسين ابن بنت رسول الله ص يحمل الكثيرمن المعاني السامية بغض النظر من أنه فرض عين على كل مسلم، ولا مجال للتخلف عنه، ولا التواني عنه، إذ فيه خسران الدنيا والآخرة، آثار

(18)

وضعية ذكرها المؤرخون والمحدثون بغض النظر عن كونه معصية يعاقب عليه في الآخرة، وقد ورد أن الإمام الحسين عليه السلام عندما التقى بعبد الله بن الحر الجعفي(1) في قصر بني ممقاتل(3) ودعاه للانضمام الى ركبه فتباطأ عن ذلك نصحه الإمام قائلا: إني أنصحك إن استطعت أن لا تسمع صراخنا ولا تشهد وقعتنا فافعل فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ولا ينصرنا إلا أكبه الله في نار جهنم(3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد الله بن الحر الجعفي: كان عثماني الهوى، ولذلك خرج مع معاوية لقتال علي عليه السلام يوم صفين، ويذكر انه بعدما قتل الحسين عليه السلام ندم على عدم نصرته للحسين عليه السلام، قتل عام 68هـ بالقرب من الأنبار.

(2) قصر بني مقاتل: ينسب الى مقاتل بن حسان بن ثعلبة، يقع بين عين تمر والقطقطانة بالعراق.

(3) مقتل الحسين للمرقرم: 189 عن خزانة الأدب للبغدادي:1/298.

(19)

 

لماذا الفصل بين الأنصار ؟

 

       لقد أطلقنا على الذين حضروا معركة الكرامة في كربلاء كلمة: «الأنصار» لأنهم خرجوا لنصرة أمامهم وسيدهم، وبما أن الذين حضروا الطف يصنفون اجتماعياً الى صنفين، الأول: الاول والأقارب، والثاني: الموالون من عامة الناس، وكان لها التصنيف أثر سلوكي في معركة الطف، حيث أراد الإمام الحسين عليه السلام أن يقدم أهل بيته على غيرهم، الأ أن الموالين له وشعيته أبوا إلا أن يكرموا أهل بيته ويستشهدون دونهم. فآثروا بحياتهم دونهم، فمن هنا جاء تصنيفنا لهم، مضافاً الى أن هناك خصوصيات أخرى أهمها القامس المشترك الذي يجمع الأهل والأقارب وهو كونهم طالبيين، ولما كان الطلبيون الذي حضوا معركة الطف فيهم الذكور والاناث فضلنا الفصل بينهما لأن الرجال تولو القتال، وقد وضعت الحرب عن النساء، وهو بحد ذاته تصنيف آخر، بالإضافة الى التصيف الجنسي، وعليه فإن دور كل منهم كان يختلف عن الآخر في هذا المعركة، وإن خصوصيات أي صنف من هؤلاء هو الذي أفرز بينهم.

       ومن هنا جاءت المقدمات مختلفة فهناك مثلاً نتحدث عن دورة المرأة اجتماعياً ودينياً وسياسياً كما نتحدث عن دورالمرأة في هذه المعركة، هذا وقد ألحقنا بعض النساء غير الطالبيات ممن حضرن المعركة، وذلك لأن أعدادهن ليست بالقدر الذي يمكن تخصيص فصل خاص بهن.

       وأما في قسم الأنصار غير الهاشميين فقد استعرضنا في المقدمة بعض خصوصيات الذين شاركوا في نصرة الإمام الحسين عليه السلام وولائهم، بالإضافة إلى الانتمائات القبلية والعقائدية.

       وأخيراً فإن في الفصل والتصنيف سهولة الوصول الى كل شخصية بشكل أسرع وأدق وربما فيه نوع تخصص أفضل.

(20)

 

التمييز بين الأنصار وغيرهم

 

       إن الشخصيات التي ارتبطت بالإمام الحسين عليه السلام تصنف حسب أدوارهم الى ثلاثة أصناف:

       1ـ شخصية مصاحبة: بمعنى أنها شخصية صاحبت الإمام الحسين عليه السلام سواء في الحضر أو في السفر، والتقت به التقاءً يصدق مقه إطلاق الصحبة والصاحب عليه كما هو الحال في جده الرسول الأعظم ص، على خلاف بين العلماء في مدى صدق هذا النعت عليه من حيث فترة المصاحبة التي يمكن معها وصفه بالصحابي، وبما أننا قد تحدثنا عن ذلك في محله(1) فلا نعيد الكلام هنا ثانية، ولكن نشير إلى أن المقصود به هنا هو الذي لم يحضر معركة الطف ولم يرو عنه حيث هنا مربض الفرس أو مربطه للتمييز بين الأصناف الثلاثة والا فإنه يصح وصف جميعهم بالأصحاب لأن الذي يروى عنه مباشرة لا بد وأن صاحبة التقى به، وكذا الحال بالنسبة إلى من كان في ركبه في معركة الكرامة في كربلاء.

       2ـ شخصية راوية: وهي الشخصية التي كان دورها الرواية عن الإمام الحسين عليه السلام، ورغم أن تسميته بالصحابي يصح إلا أننا ميزناه بالرواي تسهيلاً للتعاطي معه في موسوعة أصبحت مترامية الأطراف، سواء لدى الحصول على المعلومة، أو من حيث التخصص، إذ إن هناك موضوعات تخص الرواة دون غيرهم، وبهذا التمييز يسهل على الباحث والقارىء الوصول  الى مبتغاه بشكل أسرع وأدق.

       3ـ شخصية ناصرة: وهذه الشخصية أريد منها الذين حضروا معركة كربلاء لنصرة الإمام الحسين عليه السلام سواء استشهداو، وهذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معجم الأصحاب من هذه الموسوعة.

(21)

 

وأن أشتهر بين المؤلفين والخطباء تسميتهم بالأصحاب، إلا أننا إفرزنا لهم سجلاً خاصاً للأسباب التي سبق وذكرناها وأهمها كان سهولة التعاطي مع كل صنف منهم.

       ومن هنا أصحبت الأبواب ثلاثة: 1ـ الأصحاب، 2ـ الرواة، 3ـ الأنصار، وقد سبق وقلنا إن الأنصار أيضاً قسما الى ثلاثة أصناف وضع كل صنف منهم في فصل خاص، فأصحبت الفصول ثلاثة: 1ـ الانصار الهاشمييون، 2ـ الانصار النساء، 3ـ الأنصار غير الهاشميين، وما ذلك إلا المزيد من التخصص والتسهيل.

(22)

 

لماذا الخلاف في الشخصيات؟

 

       ظاهرة غريبة تكتنف هذا الباب وما يشابهه من كثرة الاختلاف في الأسماء أوذوات الشخصيات مما أوقع المؤرخين والكتاب في الخلاف على تحديد الشخصيات وأعدادهم وخصوصياتهم، فيا ترى ما هو السبب في ذلك، رغم أن ثبت الأسماء في ديوان الدولة بدأ في منتصف العقد الثاني من الهجرة النبوية الشريفة، ومن الملاحظ أن الخلاف إنما وقع في اتجاهين، الأول: ضبط الأسماء، الثاني: ضبط الشحصيات نفسها ويظهر من ملاحظة موارد مختلفة في مثل هذا الباب أن السبب يعود الى أحدى الامورا تالية:

       1ـ إن قسماً من الخلاف وقع في ضبط رسم الخط كالحارث (الحرث)، والحسن (الحسين)، وعبد الله (عبيد الله) هكذا.

       2ـ قد يحدث من تعدد التسمية باسم واحد، وللتمييز يغير في جزء منه أو يضاف إليه، فعلى سبيل المثال، فلو سمى أحدهم إسم ابنين له بعبد الله، فيطلق على الأول منهما عبد الله الأكبر، وعلى الثاني عبد الله الأصغر، وربما أطلق على الأول عبد الله وعلى الثاني عبيد الله مصغراً باعتباره أنه أصغر من ذلك.

       3ـ كانوا يضعون لكل شخصية إسماً وكنية ولقباً كما هو مستحب في الإسلام، وربماء اشتهر الشخص بأحدهما فيقال على سسبيل المثال: زينب، أم كلثوم، عقيلة في ابنة علي وفاطمة عليه السلام، فلربما اشتهرت في بيتها بأم كلثوم واشتهرت عند آخرين بزينب وعند جماعة أخرى بالعقيلة.

       وفي هذه الحالة يمكن أن يكون من باب التمييز إذا تعددت الأسماء في بيت واحد، فيستخدم في أحدهما الاسم وفي الآخر الكنية كما هو الحال في الزينبين بنتي علي وفاطمة عليه السلام، فيقال لأحدهما زينب وللأخرى أم كلثوم، ومن ثم يشتهر كل منهما بذلك الاستخدام.

(23)

 

       4ـ هناك من يدرج ويموت وهو صغير فلا تعير له أهمية، فنجد من يذكره ومن لا يذكره، بل يذكرالمعقبين من أولاده، وربما استخدم الوالدان اسمه لمولود آخر لهم فيغيب اسم الاول ويختلط الأمر، وينسى أثره بعد ما نسي عينه.

       5ـ لعل في مورد الإمام الحسين عليه السلام بالذات، وأهل البيت عليهم السلام بشكل اوسع كان هناك بعض الطمس باتجاهات مختلفة من قبل أرباب الحكم وكتاب السلاطين، او العبث بالمؤلفات والتلاعب بالمصنفات فآل إلى عدم الوضوح.

       6ـ وأخيراً فإن للتصحيف دوراً كبيراً في ذلك.

(24)

 

ماذا نقدم في هذا الفصل

 

       في البداية يجد القارىء مقدمة تمهيدية كما هو دأبنا في جميع أبواب الموسوعة أوبعض فصولها التي تلوح بالاستقلالية، كما هو الحال هنا بالنسبة إلى إلفيه:

       معجم الأنصار- النساء-، ومعجم الانصار- غير الهاشمين- الذي تحدثنا عن سبب فصل الهاشميين عن غيرهم، والذكور عن الإناث فيما تقدم في المقدمة التمهيدية، وفي التمهيد أيضاً تحدثنا عن موضوعات لها ارتباط وثيق بهذا الجزء وقرينيه، والذي أخذ كل موضوع من تلك الموضوعات عنواناً من عناوين هذا المقدمة والتي هي:

       أـ تمهيد.

       ب- ماذا يعني الحضور؟

       ج- ماذا تعني الشهادة؟

       د- لماذا الفصل بين الذكور والإناث، وأهل البيت والأنصار؟

       هـ- لماذا التمييز بين الأصحاب والأنصار؟

       وـ لماذا وقع الخلاف في شخصيات من هذا الباب؟

       زـ نسب الطالبيين.

       ح- وأخيراً ماذا نقدم في هذا الفصل والذي هو هذا المقطع الذي نحن فيه، وكان من المفروض أن يكون في نهاية المقدمة التمهيدية، إلا أن موضوع نسب الطالبيين، والحديث عن الأجداد والجذور أصبح كبيراً، وكان أكثر ارتباطاً بصلب الموضوع الذي وضع له هذا الفصل فلذلك قدمناه.

       وما يهمنا الآن الحديث عما قدمناه للقارىء في صلب ما يرتبط بهذا

(25)

 

الجزء من أجزاء الموسوعة والذي يتحدث عن الذين حضروا معركة الطف الحزينة في ركب الإمام الحسين عليه السلام من الهاشميين الذكور والذي يحمل عنوان:«معجم أنصار ـ الهاشميون-» وأما الأمور التي قمنا بتحقيقها بهذا الخصوص فهي كالتالي:

       1ـ جمع كل الذكور من الهاشميين (الطالبيين) في هذا المقطع من مقاطع الموسوعة، ممن حضر كربلاء أو قيل بحضوره.

       2ـ ترتيب الأسماء حسب الحروف الهجائية وترقيمها.

       3ـ إتخاذ الاسم الثلاثي عنواناً لكل بند من بنود ترجمة الشخص، والمراد بالاسم: اسم الشخص، واسم أبيه، ولقبه.

       4ـ ذكر نسب الشخصية الهاشمية بشكل يرتفع معه الغموض.

       5ـ ضبط المفردات من الأسماء والألقاب، وبيان ما اختلف عليه، سواء في المتن أو الهامش واختيار ما هو الانسب مع ذكر السبب.

       6ـ تحديد سنة الولادة والوفاةـ إن أمكن- في البداية بالتاريخين الهجري والميلادي.

       7ـ ترجمة الشخصية ترجمة بعيدة عن ساحة المعركة في كربلاءـ مهما أمكن ـ وعن ترجمته ترجمة أدبية فيها إذا كان له شعر في أدب الطف، لأننا بالنسبة إلى الترجمة الأولى سنذكر مواقفه في ساحة الوغى في السيرة الحسينية، وربما ألزمنا التحقيق ذكربعض من سيرته في المعركة، ولكن تقدر الضرورات بقدرها، وأما بالنسبة الى الترجمة الثانية فقد أوردناها في معجم الناظمين في الحسين عليه السلام فلا نكرر.

       8ـ نحدد مشاركته في معركة الطف بمعنى التحقيق في حضوره الى كربلاءومشاركته في المعركة ثم مقتتله أوعدم استشهاده بشكل موضوعي حسب ما لدينا من المعلومات.

       9ـ قد ترد بعض الملابسات بين هذه الشخصية وتلك فنحاول القاء الضوء عليهما لرفع هذا الالتباس مهما أمكن.

       10ـ قد نضطر الى أضافة كلمة أكبر أو أصغر أو الأوسط مثلاً، أو

(26)

 

الأول والثاني وما إلى ذلك مقروناً بالاسم أو اللقب وذلك للتمييز فيما إذا كان لوالد الشخصية المترجمة أبناء باسم واحد لأكثر من شخص.

       11ـ نحاول أن نوضح الكثير من الموضوعات الجانبية في الهامش.

       12ـ نختم الجزء بخاتمة كما هو ديدننا.

(27)

 

الهاشميون

 

       من الجدير بالذكر أن أنصار الإمام الحسين عليه السلام الهاشمييون والذين هم من أهل بيته وأقربائه كلهم كانوا من أبي طالب دون غيره(1) فلو أطلقنا عليهم «الطالبيون» لكان عين الحقيقة، كما فعل أبو الفرج الأصبهاني حيث عنون كتابه بـ«مقاتل الطالبيين»(2).

       ولايخفى أن أولاد عبد مناف إنقسموا إلى بني هاشم وبني أمية(3) ويجمعهما أنهما من قريش، وأما أولاد عبد المطلب فإنهم إنقسموا إلى طالبيين وعباسيين(4) ويجمعهما أنهما هاشميون، وانقسم الطالبيون إلى آل علي وآل عقيل وآل الطيار(5) وعرف آل علي بالعلويين.

       وهنا لابد من التحدث عن أبي طالب عميد هذه الأسرة الطالبية العملاقة وبيان مجمل سيرته المشرقة ليتسنى لنا معرفة آل أبي طالب واحداً بعد واحد وعلماً بعد علم، ومن خلال هذا البحث سيتبين لنا أولاُ عدد أولاده وأحفاده، والمعقبين منهم، والخلاف الواقع بين النسابة في ذلك، كما سيتوضح لنا الملتحقون منهم بالحسين عليه السلام والمتخلفون منهم عن نصرته عليه السلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نعم لو ثبت اسشتهاد عبدالله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم في كربلاء مع الإمام الحسين لما صدق أن جميعهم طالبيون،نعم أنه من أم طالبية حيث أن أمه جمانة بنت أبي طالب بن عبد المطلب.

(2) مقاتل الطالبين لأبي الفرج الاصبهاني: أورد فيه خيركل من قتل منهم.

(3) هاشم عبد شمس هما ابنا عبد مناف وقد ولدا توأمين راجع ترجمة هاشم في باب النسب من هذه الموسوعة.

(4) كان عباس وحمزة وطالب وزيد وآخرون من أبناءعبد المطلب بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف.

(5) وأما طالب الابن الاول من الأبناء الأربعة لابي طالب فليس له عقب.

(28)

 

       ولنبدأ بترجمة رأس الهرم الطالبي الأبطح أبي طالب فأولاده ثم أحفاده: وقبل ذلك لا بأس بسرد نسبه الشريف إلى آدم أب البشر كما عليه المشهور دون الدخول في التفاصيل، وهو كالتالي:

       أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد(1) بن أدد بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذاربن إسماعيل بن إبراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ ابن يارد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيت بن آدم أبو البشر(2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من عدنان بن أد: اختلف النسابة حول أسماء وأعداد وآباه وأجداد الرسول ص ما بين عدنان وإسماعيل فقيل سبعة آباء وقيل تسعة آباء وقيل غيرذلك، وقد روى ابن عباس قال: كان النبي ص إذا انتهى في النسب الى معد بن عدنان قال: كذب النسابون قال الله عز وجل: (وقروناً بين ذلك كثيراً) [الفرقان:38] الشجرة الزكية في الأنساب: 72.

(2) وبما أننا قد بحثنا موضوع أجداد الرسول ص، في باب نسب الإمام الحسين عليه السلام من هذه الموسوعة فلا نعيد بعض التفاصيل التي أوردناها هناك ونكتفي هنا فقط بذكر الأسماء.

(29)

 

(1)

أبو طالب

88ـ 3ق.هـ= 536ـ619م

 

       لقد اختلف المؤرخون في تسمة أبي طالب(1) فقالوا بان اسمه شبيبة الحمد(2)، ومنهم من سماه بعمران ولكن أكثر المؤرخين والنسابة وأصحاب الرجال ذكروا أن أسمه عبد مناف(3)، ولم يثبت أن مناف اسم لصنم كما زعم بعضهم، وقد ذكر المسعودي(4) في وجه تسميته بعبد مناف: «لأنه أناف على الناس وعلا»(5)، ومما يستدل على كون اسمه عبد مناف ما ارتجزه أبوه عبد المطلب فيما أوصى إليه برسول الله ص:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هناك بعض الرسائل التي الرسول ص وكتبها علي عليه السلام جاء فيها: «وكتب على بن أبي طالب» حيث ذكر البعض في توجيهها بأنها على لغة قريش وأنها مبنية،  وقال آخرون على أنها أصبحت علماً له بعدما اشتهر به.

(2) ويذكر أن شيبة الحمد هو أبوه عبد المطلب بن هاشم، قيل سمي بذلك لأنه ولد وكان في رأسه شيب، ومن كثرة محامده اشتهر بشيبة الحمد «سلسلة آبار النبي: 277»، لربما أطلق هذا على ابنه أبي طالب لتطابق الاوصاف بينه وبين أبيه أو اعتبروه وصفاً فانتقل من الأب الى الابن والله العالم.

(3) راجع تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر فصل ترجمة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث أورد أقوال المؤرخين والمحدثين في تسمة أبي طالب، ديوان شيخ الأباطح أبي طالب:2، شيخ الأبطح للعاملي:5.

(4) المسعودي: هو علي بن الحسين بن علي المعتزلي الشافعي (...ـ 346هـ) ولد في بغداد ونشأ فيها وجاب عددأً من أقطار العالم كفلسطين وبلاد فارس وأرمينيا والهند والصين وزنجيار وغيرها. مؤرخ كبير، توفي في مصر، له مؤلفات جمة، منها: أخبار الزمان، والتنبيه والإشراف، الإبانة عن أصول الديانة.

(5) ذكر الميثمي في كتابه نبوة أبي طالب:15 أن (عبد) اسمه و(مناف) بمعنى الشريف صفته، كما تقول: محمد الباقر، ولعله من أضافة الاسم الى الصفة.

(30)

 

 

أوصيك يا عبد مناف بعدي

بموحد بعد أبيه فــــــــــرد(1)

فارقه وهو ضجيع المهـــــــد

فكنت كالأم له في الوجـــد(2)

       وقال أيضاً من الرجز:

وضيت من كنيته بطالب

عبد مناف وهو ذو تجارب(3)

       وقال طالب ابنه من المتقارب:

أناف لعبد مناف أب             وفضله هاشم العزه

وخير بني هاشم أحمد    رسول الإله على فتره(4)

       وروى الحسن البصري عن أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: صعد أمير المؤمنين عليه السلام منبر البصرة فقال:« أيها الناس انسبوني فمن عرفني فلينسبني وإلا فأنا أنسب نفسي: أنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة أبن زيد بن كلاب.

       فقام إليه ابن الكواء، فقال له: يا هذا ما نعرف لك نسباً غير أنك علي ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.

       فقال له: يا لكع إن أب سماني زيداً باسم جده قصي؛ وإن اسم أبي عبد مناف، فغلبت الكنية على الاسم، وأن عبد المطلب عامر، فغلب اللقب على الاسم، واسم هاشم عمرو،فغلب اللقب على الاسم، واسم عبد مناف المغيرة، فغلب اللقب على الاسم،وأن اسم قصي زيد فسمته العرب مجمعاً لجمعه إياها من البلد الأقصى الى مكة فغلب اللقب على الاسم»(5).

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) أراد به النبي الأكرم ص.

(2) مناقب آل أبي طالب:3/36، بحار الأنوار:15/152.

(3) مناقب آل أبي طالب:1/36.

(4) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:14/78.

(5) بحار الانوار: 35/52 عن أمالي الصدوق ومعاني الأخبار.

(31)

 

       واشتهر منذ اليوم الأول بالكنية وغطت كنيته على اسمه فكاد أن يمحى من الوجود، وعلى كل فهو أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي.

       ولد عام 88ق.هـ(1) في مكة ونشأ فيها على أبيه عبد المطلب، وما أن توفي عبد الله والد الرسول ص عام 53ق.هـ كفله جده عبد المطلب(2)، وكان شديد الحب له، والحفاظ له، والحفاظ عليه، وما أن أراد عبد المطلب أن يودع هذه الدنيا أوصى به إلى ابنه أبي طالب، وقال له فيما قاله له:«يا بني تكفل ابن أخيك مني فأنت شيخ قومك وعاقلهم، ومن وأجد فيهم العقل والدراية دونهم»، ثم نشأ الأبيات السابقة(3) والتي تمامها:

قد كنت الصقة الحشا والكبد

حتى أذا خفت فراق الوحد

أوصيك أرجى أهلنا بالرفد

يابن الذي غيبته في اللحد

بالكره مني ثم لا بالعمد

وخيرة الله يشاء في العبد(4)

       فقال أبو طالب في جواب أبيه مرتجزاً:

لاتوصني بلازم وواجب

إني سمعت أعجب العجائب

من كل حبر عالم وكاتب

بان بحمد الله قول الراهب

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) وذلك لان النبي ص ولد عام الفيل أي قبل الهجرة بـ 53 سنة، وأما أبو طالب فقد كانت ولادته قبل الرسول بـ35سنة.

(2) وكانت أمه آمنة بنت وهب تقوم بحضانته إلا أنها توفيت عام 47ق. هـ وللرسول ص ست سنوات.

(3) الدالية السابقة التي أولها: «أوصيك يا عبد مناف بعدي».

(4) بحار الأنوار:15/152.

(32)

 

       وجعل عبد المطلب يكرر الوصية بالرسول محمد ص لأبي طالب وإخوته التسعة(1) حتى فاضت روحه الدنيا وذلك عام 45ق.هـ(2) فأصبح الرسول ص في كفالة أبي طالب، وكان حريصاً على الحفاظ عليه، وكان يولي حبه أكثر من بنيه، كما كان لا يفارقه حضراً وسفراً في حالة النوم واليقظة، وقد وقف الى جانبه في صغره وكبره، وكان يعلم علم اليقين بأنه سيبعث نبياً رسولاً، ولقد كان يحافظ عليه من مكر اليهود، وكيد الأعداء، فكان لا ينام إلا الى جنبه، ولا يخرج إلا معه، ولا يسافر إلا بصحبته، فقد سافر الى الشام، واصطحب الرسول ص وله من العمر اثنتا عشرة سنة، وهذا يدلنا على حرصه على المحافظة عليه، وإلا فلا يعقل أن يرافقه في السفر وهو إبن اثنتي عشرة سنة، وكان يفديه بابنه علياً عليه السلام، حيث كان يغيرمكانه بمكان ابنه علي، بعد أن يخلدا للنوم خوفاً من اغتياله في صباه، وما هذا الا لعلمه بأنه سيصبح الرسول المنقذ للبشرية من الشرك والجهل، وذات يوم عندما عرف علي بأنه يبيته في مضجعه قال: يا ابت إني مقتول؟ فأنشأ أبو طالب من المتقارب:

إصبرن يابني فالصبر احجى          كل حي مصبرة لشعوب

قد بذلناك والبلاءُ شديدٌ                  لفداء الحبيب وابن الحبيب(3)

لفداء الأعز ذي الحسب الثا                   قب والباع والفناء الرحيب

إن تصبك المنون يالنبل تترى          فمصيب منها وغير مصيب

كل حي وإن تطاول عمراً                     آخذ من سهامها بنصيب(4)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقيل عشرة، وهم: الغيداق، وحجل، وضرار، والعوام، وقثم ـ وليس لهم عقب، والحارث وكلهم ماتوا قبل البعثة- وأبو لهب والعباس وحمزة- عاشوا حتى البعثة ولهم أعقاب- سلسلة آباء الرسول: 326.

(2) كان عمر الرسول ص ثماني سنوات عندما توفي جده عبد المطلب ـ سيرة الرسول وخلفاؤه: 1/204 وذلك في العاشر من ربيع الأول ـ انظر مصباح الكفعمي:511، وكانت ولادة عبد المطلب نحو عام 127ق. هـ- راجع الأعلام للزركلي: 4/154.

(3) في البحار:«النجيب وابن النجيب».

(4) بحار الأنوار: 35/93.

(33)

 

 

       فأجابه علي عليه اسلام من البسيط:

أتأمرني بالصبر في نصر أحمد        فوالله ما قلت الذي قلب جازعا

ولكنني أحببت أن تر نصرتي          وتعلم أني لم أزل لك طائعاً

سأسعى لوجه الله في نصر أحمد(1)           نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعاً(2)

       وهذا يشير الى أن المجتمع الخص المحيط بالرسول ص وأهله وأقاربه كانوا على علم بأنه هو رسول المستقبل، وأما أمثال أبي طالب وعلي فلا كلام- على ما يظهر من هذه الأبيات وغيرها ـ أنهم كانوا يعلمون بذلك، ولكنهم لم يكونوا مأمورين بالإسلام وقد كانوا على الحنيفية(3) والتوحيد، فلم يعبد أبو طالب ولا ابنه علي الاصنام ولم يشركا بربهما أبداً، وما ينقل عن بعض مرتزقة البلاط الأموي بأنه كان مشركاً فهو من الهراء الذي لا يركن إليه، ولم يثبت حديث واحد صحيح في ذلك، وما طعن هؤلاء فيه إلا لأنه والد الإمام علي عليه السلام، حيث لفقوا أحاديث للنيل من شخصية أمير المؤمنين عليه السلام، ولقد وردت أحاديث متواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في نفي الشرك عنه وعن فضله، ومن ذلك قول الرسول ص: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة»(4) وأراد بكافل اليتيم أبا طالب حيث كفله ص وهو صغير(5).

       ويروي الزهري(6) عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه أتاه رجل فسأله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في البحار: «وسعيي» بدل «سأسعى».

(2) بحار الأنوار:35/93.

(3) جاء في سيرة الرسول وخلفائه: 1/205 عن السيرة الحلبية:1/125«أن أبا طالب كان قد حرم الخمر على نفسه في الجاهلية كأبيه».

(4) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد14/69هذا الحديث وغيره.

(5) راجع كتاب اسنى المطالب في نجاة أبي طالب تأليف الدحلان أحمد بن زيني بن أحمد المكي (1232ـ1304هـ) مفتي السادة الشافعية بمكة، وشيخ الإسلام، وكان من أعلام الإسلام. وهناك مقالة في الرد من أنكر إسلام أبي طالب في مجلة رسالة الأسلام القاهرية العدد: 1/ السنة: 7/ الصفحة: 87/ التاريخ: جمادى الآخرة 1374هـ فليراجع.

(6) الزهري: هو أبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني البغدادي=

(34)

عن شيء فلم يجبه، فقال له الرجل: فإن كنت ابن أبيك فإنك من أبناء عبدة الأصنام، فقال له: كذبت إن ألله أمر إبراهيم أن ينزل إسماعيل بمكة ففعل، فقال إبراهيم:(وإذ قال إبراهيم رب أجعل هذا البلد آمنا وأجنبني وبني أن نعبد الأصنام)(1) فلم يعبد أحد من ولد إسماعيل صنماً قط(2).

       هذا وقد آمن أبو طالب بالرسول ص حين بعث وذلك في الفترة الزمنية ألأولى، ولكنه سايس القوم ولم يعلن عن إيمانه(3) ليتمكن من الحفاظ على الرسول ص ودعوته حيث كان حصناً حصيناً لابن أخيه والمأمن الوحيد له حين عزبت عنه قريش وأهل مكة، ولما ذكر الرسول ص آلهة قريش عزموا على إيذائه وأرادوا السوء به فعندها وقف أبو طالب وقفة الرجل الشجاع يدافع عن ابن أخيه ولم يتخل عنه، فتوقفت قريش عن الإساءة إليه، وجاءت إلى أبي طالب تطلب منه أن يكف الرسول ص عن ذلك أو أن يكف هو الدفاع عنه فردهم بالحسنى، ولما يكف الرسول ص عن دعوته إلى الله وزيف عبادة الأصنام جاءت قريش ثانية إلى أبي طالب مهددة إياه، وقالت: إما أن تكفه عنا أو ننازله وأياك حتى يهلك أحد الفريقين، واستعملوا معه سياسة الترهيب والترغيب.

       فأخبر أبو طالب ابن أخيه الرسول ص بتهديد القوم، فقال الرسول ص ياعم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه، فلما أراد أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

= المتوفى عام 185هـ، ولد في المدينة وهاجر الى بغداد عام 184هـ وتوفي فيها، روى سبعة عشر ألف حديث.

(1) سورة أبراهيم، الآية: 35.

(2) تفسير العياشي: 2/231.

(3) روى جابر أنه قال لرسول الله ص: الناس يقولون: إن أبا طالب مات كافراً، قال ص: يا جابر الله أعلم بالغيب إنه كانت الليلية التي أسري بي فيها الى السماء انتهيت الى العرش فرأيت أربعة أنوار فقلت: إلهي ما هذه الأنوار؟ فقال: يا محمد هذا عبد المطلب وهذا أبو طالب وهذا أبوك عبد الله، وهذا أخوك طالب فقلت: إلهي وسيدي فبما نالوا هذه الدرجة، قال: بكتمانهم الإيمان وإظهارهم الكفر وصبرهم على ذلك حتى ماتوا عليه. راجع روضة الواعظين: 138ـ143ففيه أحاديث كثيرة حول إيمان أبي طالب.

(35)