تاريخ مرقد الحسين و العباس (عليهما السلام )

اسم الکتاب : تاريخ مرقد الحسين و العباس (عليهما السلام )

المؤلف : د.سلمان هادي آل طعمة
المطبعة : مؤسسة الأعلى للمطبوعات

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الإهداء

إلى سيد الشهداء حبيب رسول الله الإمام الحسين (عليه السلام) إليك أيها الإمام المفدى يا  من علمت الأجيال كيف ترفض الذل بالدم الأحمر، ونجعل من «الحرية» في سبيل الله راية تهتز فوق رؤوس المسلمين ... أبد الدهر.

إليك أهدي هذا الكتاب، تاریخ ضريحك المقدس، حيث التراب الذي ضم جسدك المضرج بالدم أغلى من التبر، وأضوع من المسك، وأندى من قطر السماء .. حلم العشاق، وأمل المحبين، حيث يستجاب تحت قبته الدعاء ، وترفع المناجاة ..

بضاعة مزجاة .. لعلك تأخذ بيدي يوم المعاد .

المؤلف                                                                                            

(5)

6

الروضة الحسينية من الخارج

(6)

ولادة الكاتب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كنت أفكر منذ زمن غير قصير في كتابة موسوعة حول تاريخ كربلاء وما يتعلق بها، وأمنيتي أن أوفق للقيام بها وإخراجها الى حيز النور، حتى تبلورت لدي الفكرة، وأحسب أني استطعت بعد جهد جهيد أن أكتب فصولاً وأجزاء، من بداية خروج الأمام الحسين (عليه السلام) وميسرته الى كربلاء حتى يوم ولادة هذا السفر، وخرجت منها بأفكار قد تكون جديدة.

وإني أقدم مدينة كربلاء، التي هي بلا شك أكبر من أن تحيط بها أية موسوعة، كيف لا وكربلاء مدينة التاريخ المشرق بإيات الأمجاد الوطنية، أليست هي التي شهدت أرضها ثورة من أروع الثورات على مقارعة الظلم و الطغيان؟، هي ثورة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع(.

كربلاء.. المدينة التي كانت على مر الزمن مثلاً بطولياً ونضالياً لكل ناشد للحق، ثائر على الظلم.

لم يكن رائدي في ذلك إلا بعض الوفاء لهذه المدينة المقدسة، ورد الجميل إليها، والقربى إلى الله سبحانه وتعالى. ومما يجدر التنويه إليه أني اعتمدت في هذه الموسوعة على أهم المصادر المطبوعة والمخطوطة، محاولاً إبراز كل ما يتعلق بشؤون كربلاء التاريخية والعلمية والأدبية والفكرية وتقاليدها الشعبية العريقة. ولا أدعي أني قد جئت بجديد عن كربلاء، وأحطت بكل الجوانب وأدركت أسرارها وعوالمها، بل كل ما أقوله أني

(7)

بذلت الجهد في ذلك، مبتغيا مرضاة الله وخدمة أهل البيت (عليه السلام) بالمعرفة والثقافة، ، تاركا لغيري أن يكمل ما يراه من نقص معترفا بفضل كل من ساعدني في مجال عملي هذا، ومهد لي سبيل الوصول إلى الحقيقة، راجيا العلي القدير أن يوفقنا جمعا لخدمة تراث الإسلام ، وأن يجعل عملي خالصا ومقبولا ، والله خير موفق ومعين ، وهو حسبي ونعم النصیر .

كربلاء –العراق

 سلمان هادي آل طعمة

(8)

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

أضع بين يدي القارىء الكريم هذا الكتاب (تاریخ مرقدي الحسين والعباس (عليه السلام) ) الذي يضم بين دفتيه كل ما تيسر لي من جمع مادته، وتسجيل ضمامته من مظان وکتب و أسماع كثيرة وموثوقة : وقد أودعت في هذا الكتاب جهود سنين طويلة لإبرازها إلى حيز الوجود، كي ينتفع بها القراء المتعطشون التاريخ مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) والوقوف على معالم حضارته الإسلامية، وما اشتمل عليه من بحوث عن موقع المرقد وما اشتهر به من الأسماء، ودراسته:

 منها ؛ بحث عن تاريخ الحركة الحسينية، وبحث عن تشييد المرقد الحسيني وما طرأ عليه من أطوار العمارة تأسياًوإصلاحاً على توالي الحقب و مرور الأزمان، وما اكتنف الحرم المقدم من بدائع المنظوم ولئالي المنثور وما حواه من النفائس والآثار والمخطوطات النادرة، وذكر من دفن فيه من أنصار الحسين والشهداء الأبرار والعلماء الأعلام، والسلاطين والوزراء، ومن تولى به من سدنة الحرم والنقباء وما إلى ذلك من الأمور الأخرى المتعلقة بالمرقد.

وكان الغرض من ذلك كله تبيان وجه الحقيقة والتحري الدقيق لتاريخ هذا المرقد المقدس، بالرغم مما لاقيته من أتعاب مضنية في التنقيب والبحث والدرس والتقصي، وصولاً إلى أصح الأخبار المستندة إلى أوثق المصادر وأحسنها، إضافة إلى الحصول على المعلومات غير المدونة في كتب التاريخ بالاستماع إلى رجال معمرين من ثقاة البلد فيما يخص

(9)

موضوع بحثنا هذا. فشرعت بعون الله تعالى وقوته مع قصر الباع وقلة الاطلاع، بعد أن كنت أقدم قدماً وأؤخر أخری، خشية أن لا أو في البحثحقه ، فيكون عملي عرضة للإنتقاد، ولكن (ما لا يدرك كله لا يترك جله)، فكان هذا الكتاب المتواضع الذي أقدمه للقارئ العزيز، كي أكون ممن تتسنى له خدمة أهل البيت خدمة جليلة خالصة لله راجيا أن ينال منهم الرضا والقبول، وأستميح القراء عذرا عما بدر من الهفوات، وما عثر به القلم من العثرات، فالعصمة الله ولمن اصطفاه ، ولسوف أنشر ما يردني من انتقاد بناء وملاحظات دقيقة وتصويبات نافعة، ذلك، أننا نعلم موقنين أن الحقائق لا تتمحص إلا بالنقد الجاد والتتبع ومواصلة المسير بإخلاص.

هذا وفي الختام أتقدم بخالص الشكر والامتنان لكل المساهمين في تهيئة مواد هذا الكتاب، سائلا المولى عز وجل أن يرعاهم ويكلأهم بعين عنايته ، ويوفقهم في مسعاهم، وأن ينفعنا جميعا بعمل العاملين، إنه نعم المولى ونعم النصير، والسلام على الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحق أحق أن يتبع، والله هو الموفق.

(10)

 

 

 

تاريخ

 مرقدالحسين

(عليه السلام)

 

 

(11)

(12)

صورة مرقد الحسين

(13)

(14)

15

خارطة كربلاء التقطت سنه 1918م

(15)

(16)

موقع كربلاء وتسميتها

 

تقع كربلاء غرب نهر الفرات على حافة البادية، وسط المنطقة الرسوبية المعروفة بأرض السواد، وعلى شمالها الغربي مدينة الأنبار وعلى شرقها مدينة بابل الأثرية، وفي الغرب منها الصحراء الغربية وفي الجنوب الغربي منها مدينة الحيرة عاصمة المناذرة.

اختلف الرواة في تعيين الموضع الذي يطلق عليه اسم کربلاء، فقد ذكر بعضهم أن موقعها غربي الفرات القديم على محاذاة قصر ابن هبيرة والكوفة، وقيل إن الموقع الأصلي لكربلاء في مقاطعتي القرطة والكمالية ، في الشمال الغربي من المدينة الحالية، وهذا ما نستبعده وذلك لبعد المسافة عن موقع القبر الحالي بحوالي 14 كم. وهناك منطقة أخرى لا تزال تحمل الاسم نفسه، هي (کربله) بتفخيم اللام وهاء ساكنة في آخرها، تقع في الجنوب الشرقي من المدينة. ومن الثابتة أن الأرض المحيطة بالقبر الشريف هي كربلاء بتأييد وتوكيد من الحسين (عليه السلام) ؛ حينما وصل إلى هذه الديار وحل ركبه فيها، سأل عن اسمها فقيل له - كربلاء . فقال لي : (هي هي هي والله محط رحالنا ومناخ ركابنا ومسفك دمائنا)(1) ثم أمر أهله وصحبه بالنزول فنزلوا وحطوا فيها.

وقد ورد اسم کربلاء قبل نزول الحسين (عليه السلام) حينما نزل فيها خالد ابن عرفطة، فشكا إليه عبد الله بن وشيمة البصري الذبان فقال رجل من أشجع في ذلك شعراً:

لقد حبست في كربلاء مطيتي   وفي العين حتى عاد غثاً سمينها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأخبار الطوال/ للدينوري ص/250

(17)

إذا وحلت من منزل رجعت له         لعمري وإيهاً إنني أهينها

ويمنعها من ماء كل شــــــريعة        رفاق من الذبان زرق عيونها(1)

 

ولعل من أقدم ما قيل في ذكر كربلاء من الشعر قول معن بن أوس المزني

إذا هي حلت كربلاء فلعــــلعا          فيجوز العذيب دونها فالنوائحا

فبانت نواها من نواك فطاوعت        مع الشانئينالشأنئاتالكواشحا

فكربلاء المدينة المقدسة والتربة الطاهرة تمثل صفحات مشرقة في التاريخ القديم وما بعده من التواريخ.

وجدت هذه المدينة منذ عهد بابل و آشور ومن بعدهم التنوخيين واللخميين أمراء المناذرة وسكان الحيرة، تعمرها المزارع وتكثر فيها العيون ويسقيها نهر الفرات، وتموّن المنطقة والقوافل المارة السيارة بالمنتوجات الزراعية من تمور و محبوب.

وتقع كربلاء على حدود البادية يقصدها البدو من بلاد الحجاز والشام للميرة والتموين، وإلى عهد قريب كان هذا شأنها، وهي على مسافة قريبة من العين، وهي واحة وارفة الأشجار وفيرة المياه، وقد كانت مدينة العين من المدن المهمة في منطقة البادية أنجبت المؤرخ الشهير ابن إسحاق.

وكربلاء حالياً من المدن الإسلامية المقدسة، ومن حواضر العالم التاريخية، شاء الله سبحانه وتعالى أن يعلي شأنها ويجعلها مهوى أفئدة الملايين المسلمين، تقصدها جموع غفيرة من الصالحين، وقد حباها الله عز وجل بنعمة دائمة تزول الأيام وتبقي كربلاء في ذاكرة الدهور عبر العصور، وعلى ألسنة المؤمنين، يترنم باسمها المتحدثون بكل لغات العالم، ونلهج بذكراها كل عام، ويهفو إليها البعيد والقريبة، فقد خصها الباري الجليل بمقام كريم ومرقد عظیم، ذلك هو مرقد سبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الأعظم الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) . فهي مدينة سيد الشهداء وأبي الأحرار، ومعقل الثوار، سمت بمكانتها السامية ودرجاتها العالية على كثير من المدن،


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)معجم البلدان/ الياقوت الحموي المجلد ۷ ص/229

(18)

فاستحقت كل إجلال وتقدير من النفوس الأبية التي تنشد الحرية وتعشق المجد والفخار. وقد امتزجت تربتها بالدم الزكي الذي أهرق في يوم عاشوراء، فطابت تربتها وطهرت بذلك الدم الطهور الذي هو جزء من دم الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).فالحسین (عليه السلام) تغذى من جسد جده الشريف، وشرب من ريقه الطاهر، فكان ذلك الدم الزاكي نبراساً ينير دروب الحرية بنوره، ويضيء سبل الأحرار بضوئه ويهتدي بهداه الثائرون على الظلم والطغيان في كل حقبة وزمان، فهو المثل الأعلى للحق وإقامة العدل، فبه نالت كربلاء تلك المنزلة العظيمة، وصار تاریخها بشكل الجزء المهم من تاريخ الإسلام والإنسانية.

إن تاريخ كربلاء موغل في القدم والحقب الغابرة، فهي مدينة معروفة موصوفة بين المدن المشهورة بموقعها بين النهرين، وهي أم القرى عديدة تقع بین بادية الفرات وشاطىء الفرات، ازدهرت في العهد الكلداني، وسكنها قوم من النصارى والدهاقین وسميت بـ (كور بابل) ومعناه (معبد الإله)، وعلى أرضها أقيم معبد تقام فيه الصلاة، ومن حولها معابد أخرى، وقد عثر في القرى المجاورة لها على جثث للموتى داخل أوان خزفية يعود تاريخها إلى ما قبل عهد السيد المسيح (عليه السلام) . وازدهرت کربلاء في عهد المناذرة يوم كانت الحيرة عاصمتهم، وإن بلدة (عين التمر) يجلب منها أنواع التمور، وهي محط رحال القوافل والمسافرين، فلا بد أن يكون لكربلاء نصيب وافر في نقل البضائع والإتجار بها، واكتسبت أهمية في التجارة لموقعها المشرف على تلك الطرق المؤدية إلى الحيرة والأنبار وإلى الشام والحجاز، كان ذلك قبل الإسلام وفي العهد الإسلامي بالذات.

حبتها الطبيعة بوفرة المياه وخصوبة التربة، فكثرت فيها المزارع، وتنوعت المزروعات، واختلفت الأثمار في ألوانها وطعمها، وكلها تسقی بماء نهر الفرات المتفرع من الفرات الأصلي جنوب مدينة هيت، فعمرت کربلاء بالسكان، وازداد فيها الاستيطان، وعرف فيها العمران .

ففي عهد الفتح الإسلامي للعراق توجه خالد بن عرفطة بأمر من القائد العام سعد بن أبي وقاص إلى فتح كربلاء، بعد أن فتحوا مدينة المدائن، وبعد فتح کربلاء توجه خالد إلى فتح الحيرة، وبعد فتحها عام 4اهـ عاد

(19)

إلى كربلاء واتخذها مقرا لجنده ومعسكراً لجيشه فترة من الزمن، ثم انتقل إلى الكوفة بعد بنائها وتمصيرها بسبب وخامة المناخ والرطوبة في كربلاء وفي عام (36هـ) نزل في كربلاء الإمام علي (عليه السلام) أثناء مروره إلى صفين، ولما حل فيها سأل عن اسمها، فقيل له :کربلاء. وهنا روایات عديدة عما قاله الإمام علي (عليه السلام) بحق كربلاء نورد منها ما يلي:

1- لما نزل في كربلاء الإمام علي (عليه السلام) توضأ وصلى وأخذ قبضة منترابها يشمه فقال : إن لهذه الأرض شأنا عظيمة فها هنا محط ركابهم وهاهنا مهراق دمائهم.

۲-وقال (عليه السلام) : هاهنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.

٣- لما نزل (عليه السلام) نظر يمينا وشمالا واستعبر ثم قال : هذا والله مناخركابهم وموضع قتلهم فسئل ما هذا الموضع؟ فقال (عليه السلام) : هذه کربلاء، يقتل فيها قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

وورد أن الصحابي سلمان الفارسي مر بها عند مجيئه للعراق وسأل عن اسمها فقيل له: كربلاء فقال: هذه مصارع إخواني هذا موضع رحالهم وهذا مناخ ركابهم وهذا مهراق دمائهم قتل بها خير الأولين ويقتل بها خير الآخرين، أما وجه تسميتها فمختلف في معناه كما اختلف في مبناه. فالبعض يقول إن لفظ كربلاء محرف من البابلية (كور بابل) وهي مجموعة قری بابلية. ويفسر الأستاذ انطوان بارا لفظ كور بابل ويقول: أختصرت إلى كربلاء وبابل كما جاء في نبوءة أشعيا هي صحراء البحر كانت في سهل متسع يقطعه الفرات وفيها غدران كثيرة، حتى يظن الناظر أنها صحراء طافية فوق بحر.

إن منطقة كربلاء صحراوية حارة، وفيها الفرات وبعض الغدران، والتسمية بصحراء البحر شبيهة بتسمية کور بابل. كما فسر انطوان بارا لفظ کور بابل بمعنى الأداة التي يستخدمها الحداد ، فالكور أداته التي ينفخ بها النار، وبابل تعني الصحراء الحارة، فصارت کور بابل تعني لهب صحراء بل کلهب كور الحداد(1)، وهذا تفسير لا يمكن أن يصح الركون إليه. وبعضهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحسين في الفكر المسيحي /انطوان بارا ص/ ۳۱۳.

(20)

يزعم أنها لفظة آرامية، جاءت من (كرب ايلو) وقد كانت معبداً، والاسم محرف من كلمتي (كرب) بمعنی معبد أو مصلي أو حرم و(ایلو) بمعنى إله باللغة الآرامية، فيكون معناها (حرم الله) أو (مقدس الإله).

ويرجع الأب أنستاس الكرملي لفظ كربلاء من كرب ولا، ويستبعد الدكتور مصطفى جواد رأي ياقوت الحموي في رد كربلاء إلى الأصول العربية، ولفظ كربلاء لها معاني كثيرة أهمها:

1- کربلة: بمعني الرخاوة أو الرخوة، وبما أن طبيعة أرض كربلاء رخوة و تغمرها المياه وتكثر فيها المستنقعات، فسميت کربلاء.

٢- الكربل: نوع من النبات الطبيعي، يدعى الحماض، حيث يكثر هذا النبات في هذه المنطقة.

٣. کربل: بمعنی غربل (لغة تقلب العين كافة) فإن هذه الأرض غرينية،وهي صافية من الحصى خالية منه، فجاءت تسميتها بكربلاء

والبعض الآخر يعزو لفظة كربلاء إلى اللغة الفارسية . كار بالا - أي العمل العالي أو السامي أو العمل السماوي.

ولما كانت کربلاء هي أم لعدة قرى تحيط بها، فقد أطلقت أسماء تلك القری مجازاً على كربلاء، وإن بعض أسماء هذه القرى عامة واسعة، وبعضها أسماء خاصة لمنطقة محدودة ضيقة، ومن تلك الأسماء:

1- الطف أو الطفوف: الطف في اللغة ما أشرف من أرض العرب علىريف العراق وإنما سمي طفأ لأنه دنا من الريف من قولهم خذ ما طفا لك واستطف أي ما دنا وأمكن(1). وكانت قرئ الطف قبل الفتح الإسلامي ضياعاً لكبار العجم، ولما ورد سعد بن أبي وقاص العراق كتب من لهم ضياع إلى كسرى وحرضوه على إرسال الجيوش لصد غارات المسلمين خوفا من أن يستولوا عليها فسببوا حضور رستم القائد الفارسي الكبير الحرب الإسلام فوقعت بأيدي المسلمين، بعد حرب القادسية والمدائن وتشتت شمل الفرس فيها، ولما تم أمر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معجم البلدان/ ياقوت الحموي ج 6 ص/52

(21)

المسلمين اقتطعوها وإليها يشير الأفيشر الأسدي في قصيدة مشهورة:

إني يذكرني هندأ وجارتــــــــها               بالطف صوت حمامات على نيق

نبات ماء معاً بيض جآجـــــــئها              حمر منــــــاقرها صفر الحماليق

أبدى السقاة بهن الدهر معـــــملة              كأنما لونـــــــأها رجع المخاريق

أفنى تلادي وما جمعت من نشب                     قرع القوانيز أفـــــواه الأباريق(1)

 

وقد ورد ذكر الطف في الأحاديث النبوية الشريفة قبل واقعة الطف بنصف قرن أو يزيد، ومن ذلك ما أخرجه ابن سعد والطبراني عن عائشة أن النبي قال:«أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه»(2).

 وكان مجریعیون الطف وأعراضها مجري أعراض المدينة المنورة وقرى

نجد. قال أبو دهبل الجمحي في رثاء الحسين (عليه السلام) ومن قتل معهفي الطف:

مررت على أبيات آل محمد            فلم أرها أمثالها يوم حلت

فلا يبعد الله الديار وأهلها        وإن أصبحت منهم برغمي تخلت

ألا إن قتلى الطف من آل هاشم        أذلت رقاب المسلمين فذلت(3)

۲- نينوى: وتقع شرقي كربلاء، وهي سلسلة تلول أثرية تمتد من جنوبسدة الهندية حتى مصب نهر العلقمي في الأهوار، وتعرف بتلول نينوى. وكانت إذ ذاك قرية عامرة زاهرة بالعلوم والمعارف في عهد الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، ومن أبرز علمائها الفطاحل أبو القاسم حميد بن زياد النينوي. وكان اسم کربلاء يطلق على نينوى واسم هذه على تلك على حد سواء. روى الطبري وابن الأثير عن نزول الحسين (عليه السلام) أرض کربلاء فقالا: فلما أصبح (أي الحسین) (عليه السلام) نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب فأخذ يتیاسر بأصحابه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجلة (المقتبس) الدمشقية - الجزء 10 المجلد ۷ (شوال ۱۳۳۰هـ/ ۱۹۱۲) ص/۷5۰.

(۲) الصواعق المحرقة/ ابن حجر ص/:۱۱5 وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 4 ص/۱۳۹.

(3) معجم البلدان ج 1 ص/52.

(22)

يريد أن يفرقهم، فيأتيه الحر بن يزيد فيردهم فيرده، فجعل إذا ردهم إلى الكوفة ردة شديدة امتنعوا عليه فارتفعوا، فلم يزالوا يتباسرونحتی انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين(1).

وجرى ذكر الطف على ألسنة الكثير من الشعراء، فقيل:

ومذ أخذت في نينوى فهم النوى        ولاح بها للغدر بعض العلائم

غدا ضاحكا هذا وذا متبسما            سرورا ومائنر المنون بباسم

وقيل أيضا:

ذکر الطفوف ويوم عاشوراء           منعا جفوني لذة الإغفاء

وتذكري رزء الحسين بنينوى          أغری دموع العين بالإجراء(2)

٣- النواويس: وهي الآن مقابر، مفردها ناووس على وزن فاعول،واللفظة من الدخيل . وهذه القطعة واقعة شرقي كربلاء مما يلي بحيرة السليمانية في محل يقال له (براز علي ) وزان ذهاب، وتتصل بنهر الحسينية، وتوجد في هذه القطعة الأثار المؤيدة بصحة موقعها ووجودها كالتلال والروابي والمرتفعات ويستخرج منها أحيانا توابيت الخزف، وفي داخلها طريق ضيق للغاية، ويوجد في قعره تراب، أصفر اللون يرميه العرب في النار فتفوح منه رائحة كريهة يشمها الإنسان من مكان بعيد، وهذا ما يقوي استدلالنا على وجود هذه البلدة أو القرية في عهد علي (عليه السلام) ، ولعل الرائحة التي تشم من ذلك التراب حين رميه بالنار تنبئنا بأنها أجساد بالية قديمة، وذكر أحدهم أن النواويس التي وردت في عرض كلام الحسين (عليه السلام) واقعة مما يلي قبر الحر بن يزيد الرياحي، وعرف بعضهم موضع کربلاء بأنه مجاور لقير ابن الحمزة على النهر المشهور بنهر الحلة القريب من الوادي العتيق، وفي هذا القول نظر، إذ ليس لدى قائله أدلة تاريخية وأسانيد نقلية تؤيد صحة دعواه ، بل إن ذلك من باب الحدس والتخمين، لا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الطبري/ ج6 ص/۲۳۲ وابن الأثير/ ج 4 ص/۲۳.

 (۲) جغرافية كربلاء القديمة ويقاعها/ د. عبد الجواد الكليدار (مخطوط) ص/ ۳۰.

(23)

من باب الاستدلال واليقين(1) .والنواریس مقابر النصارى كما في حواشي الكفعمي وسمعنا أنها في المكان الذي فيه مزار الحر بن یزید الرياحي من شهداء الطف وهو فيما بين الغرب وشمال البلد(2).

وهذا القول هو الرأي السائد لدى المؤرخين، فقالوا إن النواويس مقابر النصارى الذين سكنوا کربلاء قبل الفتح الإسلامي، وتقع هذه المقابر شمال غرب كربلاء من أراضي الكمالية. وقد ذكرها الإمام الحسين (عليه السلام) في إحدى خطبه لما توجه من المدينة إلى الكوفة فقال : وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء. وكانت هذه البقاع من بابل إلى الكوفة والحيرة فإلى أطراف خلیج فارس آهلة بقبائل عربية و كانت بعضها تدين بالمسيحية على مذهب النساطرة(3)

4- العقر: قال ياقوت الحموي: العقر بفتح أوله وسكون ثانیه؛ منها عقربابل قرب كربلاء من الكوفة وقد روي أن الحسين رضي الله عنه لما انتهى إلى كربلاء وأحاطت به خیل عبيد الله بن زياد قال : ما اسم تلك القرية؟ وأشار إلى العقر - فقيل له اسمها العقر، فقال نعوذ بالله من العقر، فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها، قالوا: كربلاء، قال: ارض کرب وبلاء، وأراد الخروج فمنع حتى كان ما كان، قتل عنده - يعني العقر - یزید بن المهلب بن أبي صفرة في سنة ۱۰۲، وكان خلع طاعة بني مروان، ودعا إلى نفسه وأطاعه أهل البصرة والأهواز و فارس وواسط، وخرج في مائة وعشرين ألفا، فندب له يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة فواقعه في القعر من أرض بابل - فأنجلت الحرب عن قتل يزيد بن المهلب(4). ثم نقل ابن خلكان في ترجمة يزيد بن المهلب ما هذا نصه : قال الكلبي نشأت والناس يقولون ضحى بنو أمية بالدين يوم كربلاء وبالكرم يوم العقر(5).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجلة (المقتبس) الدمشقية ج ۱۰ مج ۷ شوال ۱۳۳۰ هـ/ ۱۹۱۲م ص / ۷4۹.

 (۲) مناقب سلمان - للنوري، الباب السادس (طهران 1285 هـ).

 (3) العرب قبل الإسلام/ جرجي زيدان - الطبعة الثالثة ص/۱۸۷.

(4) معجم البلدان/ ياقوت الحموي - مادة العقر .

 (5) وفيات الأعيان/ ابن خلکان ج ۲ ص/429.

(24)

5- الغاضرية : ذكرها ياقوت الحموي قال: «الغاضرية بعد الألف ضاد معجمة منسوبة إلى غاضرة من بني أسد وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء(1). وجاء في (مدينة الحسين) : «الغاضريات نسبة إلى غاضرة وكلمة غاضرة هي اسم لامرأة من بني عامر وهم بطن من بني أسد كانوا يسكنون هذه الأرض التي تقع اليوم شمال الهيابي التي فيها مصانع للآجر وتبعد عن كربلاء. أقل من نصف كيلومتر»(۲)وكانت قرية عامرة كبيرة تمتد على ضفة الفرات في شمال كربلاء إلى شمالها الشرقي، أي على طريق بغداد القديم. روي أن الحسین (عليه السلام) اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم وتصدق بها عليهم وشرط أن يرتدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام. وقال الصادق (عليه السلام) : حرم الحسين الذي اشتراه اربعة اميال في أربعة أميال فهو حلال لولده ومواليه حرام على غيرهم ممن خالفهم وفيه البركة. وذكر السيد الجليل السيد رضي الدين بن طاوس أنها إنما صارت حلالا بعد الصدقة لأنهم لم يفوا بالشرط (قال): وقد روى محمد بن داود عدم وفائهم بالشرط في باب نوادر الزمان(۳),وكان الطريق بين الغاضرية وكربلاء بضعة أمتار، حيث الآن حرم أبي الفضل العباس (عليه السلام)، لأنه قتل بطريق الغاضرية على المسناة(4) بجانب الفرات، وكانت المسناة مبنية بالآجر من النوع الكبير الذي يوجد أحيانا تحت الأرض في كربلاء وأطرافها . وكل مظاهر الثروة والنعمة والرخاء كانت بادية على الغاضرية وجارتها نینوی بنخيلها الكثير وأشجارها الباسقة، وكان يسكن هاتين الضيعتين كبار الملاكين من أصحاب الأطيان والأراضي الكبيرة إلى مسافة بعيدة من أطراف كربلاء، لأن الحسين(عليه السلام) ، بعد نزوله کربلاء في أوائل العشرة الأولى من محرم الحرام عام 61 من الهجرة اشترى من أهل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معجم البلدان - مادة الغاضرية - ج 6 ص ۲6۱.

(۲) مدينة الحسين - محمد حسن الكليدارج ص/ 14.

(۳) الكشكول - للشيخ محمد بهاء الدين العاملي ص/ 104 طبع مصر ۱۳۰۲هـ.

(4) الإرشاد - للشيخ المفيد ص/۲۱۰ طبع النجف ۱۳۸۲هـ.

(25)

الغاضرية ونينوى مساحة كبيرة من الأراضي الواقعية أطراف هذه البقعة كانت تبلغ مساحتها من حيث المجموع أربعة أميال في أربعة أميال بستين ألف درهم ثم تصدق عليهم بتلك الأراضي الواسعة شرط أن يقوم أهلها بإرشاد الزائرين إلى قبره الشريف وأن يقوموا بضيافتهم ثلاثة أيام غير أنهم لم يفوا بهذا الشرط من القيام بإرشاد الزوار وضيافتهم فسقط حقهم فيها وبقيت تلك الأراضي المشتراة منهم ملكاً للحسين (عليه السلام) ولولده من بعده كما كان الحال قبل التصدق بها عليهم بذلك الشرط(1) ويرد ذكر الغاضرية في أدب الطف كثيرة، ومما قيلفي هذه الأبيات:

ياکوکب العرش الذي من نــــوره             الكرسي والسبع العلى تشعشع

كيف اتخذت (الغاضرية) مضجعاً            والعرش وة بأنه لك مضــجع

وهذا البيت:

کرام بأرض الغاضرية عرشوا        وطاب لهم أرجاء تلك المنازل

6-نصر مقاتل: يقع هذا القصر في جنوب حصن الأخيضر. قال ياقوت«قصر مقاتل قصر كان بين عين التمر والشام». وقال السكوني: هو قرب القطقطانة وسلام ثم القريات وهو منسوب إلى مقاتل بن حسان بن ثعلبة بن أوس بن إبراهيم بن أيوب بن مجروف بن عامر بن غضبة بن امریء القيس بن زيد مناة بن تميم. قال ابن الكلبي: لا أعرف في العرب الجاهلية من اسمه إبراهيم بن أيوب غيرهما وإنما سميا بذلك للنصرانية وخربه - يعني القمر - عیسی بن علي بن عبد الله ثم جدد عمارته فهو له...» وقال ياقوت : «النسوخ... قال السكوني وعن يسار القادسية في شرقيها على بضعة عشر ميلا عين عليها لولد عیسی ابن علي بن عبد الله بن العباس يقال لها النسوخ من ورائها خفان»(2). وأخبار هذا القصر أي قصر مقاتل كثيرة في كتب الأدب والتاريخ. كما ورد ذكره في الشعر أيضا، قال عبيد الله بن الحر الجعفي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جغرافيه كربلاء القديمة وبقاعها – د. عبد الجواد الكليدار (مخطوط) ص/12.

(2) معجم البلدان – مادة (قصر مقاتل).

(26)

وبالقصر ما جربتموني فلم أخم               ولم أك وقافاً ولا طائشاً فشــــــــل

وبارزت اقواماً بقصر مقاتــــل               وضاربت أبطالاً ونازلت من نزل

      

       وقال طخيم بن أبي الطخماء الأسدي يمدح قوماً من أهل الحيرة من بني أمرىء القيس بن زيد مناة بن تميم من رهط عدي بن زيد العبادي:

كأن لم يكن يوم بزورة صــالح        وبالقصر ظل دائم وصديــــق

ولم أرد البطحاء يمزج ماءهــا         شراب من البروقتين عتــــيق

وإني وأن كانوا نصارى أحبهم         ويرتاح قلبي نحوهم ويتوق(1)

7- الحائر أو الحير: الحائر اسم فاعل من حار يحير حيراً، فإذا حار الماء يقال له الحائر  قال صاحب لسان العرب: وأصله من تحير الماء إذا اجتمع الماء ودار فيكون الحائر المعنى الأخير مجمع الماء(2) . والحائر أيضاً حسب القرائن اللغوية هو فناء الدار أو ما يحيط بالدار من كل جانب كما يستدل من قول صاحب لسان العرب إذ يقول: وقالوا لهذا الدار حائر واسع والعامة تقول حير وهو خطأ. فالمفهوم من هذا القول بأن الحائر بمعنى الدائر أو ما أشبه، فيكون الحائر والدائر سواء تقريباً في هذا المورد(3).

       والحائر أيضاً اسم من أسماء كربلاء العديدة كانت تعرف منذ العصر الأول، فكان يطلق تارةً على المدينة وأخرى على القبر المطهر على حد سواء كمل يستدل ذلك من  أقوال المؤرخين وأهل اللغة فالأراضي المنخفضة المحيطة بالروضة المطهرة وقف حولها الماء وحار عنه القبر لما أجراه قائد المتوكل (الديزج) ليطمس آثار معالم القبر ويعفى أثره عام 236هـ(4). وقد وقد أحيط هذا الاسم بحرمة وتقديس وانيطت به الأعمال وأحكام شرعية وتعبدية فيها البركة والقربة إلى الله تعالى(5) وفي هذه القدسية وردت عن

______________

(1) المصدر السابق.

(2) الكامل/ للمبرد ج 15 ص/31 طبعة الدلجموني الأزهري.

(3) لسان العرب/ ابن منظور ج5 ص/303.

(4) تاريخ كربلاء – الدكتور عبد الجواد الكليدار ص/60 الطبعة الثانية.

(5) جغرافية كربلاء القديمة – الدكتور عبد الجواد ص/75 (مخطوط).

(27)

 

الائمة عليهم السلام روايات كثيرة. ثم توسع معنى الحائر فصار يطلق على البناء الذي يحيط بالقبر، وهذه التسمية ذكرها الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثه أواخر الدولة الأموية حوالى سنة 125هـ. جاء في (كامل الزيارات): إذا أتيت أبا عبدالله عليه السلام فاغتسل على شاطىء الفرات ثم البس ثيابك الطاهرة وامش حافياً فإنك في حرم من والصلاة على محمد وأهل بيته حتى يصير إلى باب الحاير الحسيني(1).

وكان للحائر وهذه فسيحة محدودة بسلسلة تلال ممدودة وربوات متصلة في الجهات الشمالية والغربي والجنوبية منه تشكل للناظرين نصف دائرة مدخلها الجهة الشرقية حيث يتوجه منها الزائر الى مثوى سيدنا العباس بن علي عليه السلام(2).

النواتج: وهو اسم مشتق من النياحة والبكاء في المآتم التي تقام بذكر الحسين عليه السلام، وقد أنشد الشاعر معنى بن أوس المزني في النواتج:

إذا هي حلت كربلاء فلعلعا             فجوز العذيب دونها والنوائحا

9ـ شط الفرات أو شاطىء الفرات: كانت كربلاء تعرف حيناً بشط الفرات وآخر بشاطىء الفرات لأنها واقعة على طرف البرية من جهة وعلى جانب الفرات من جهة اخرى وهو الفرات الذي يمر بها، وكثيراً ما ورد ذكر كربلاء بأحد هذين الاسمين في كتب الحديث والتاريخ. فمن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: دخلت على النبي ص وعيناه تفيضان قلت: يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان؟ قال ص: قام من عندي جبرئيل عليه السلام قبل قليل، وحدثني أن الحسين عليه السلام يقتل بشط الفرات. قال فقال: هل لك أن أشمك من تربته،؟ قلت: نعم فمد يده فقبض من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا. أخرجه أ؛مد وخرجه ابن الضحاك(3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كامل الزيارات/ جعفر بن قولويه(النجف 1356هـ).

(2) نهضة الحسين/ للسيد هبة الدين الحسيني ص/80.

(3) ذخائر العقبى ص/148.

(28)

 

 

       وأخرج ابن سعد الشعبي عن علي عن النبي ص قال: أخبرني جبرئيل أن حسيناً يقتل بشاطىء الفرات بموضع يقال له كربلاء. الحديث(1).

وقد ورد ذكر شط الفرات في الشعر، ومن ذلك قول شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي في تائيته المشهورة:

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً          وقد مات عطشاناً بشط فرات

إذا للطمت الخد فاطم عنده             وأجريت دمع العين في الوجنات

نفوس لدى النهرين من أرض كربلاء        معرسهم فيها بشط فرات

              وقول رفاعة بن أبي الصيفي:

ألم ترها متى من حب ليلى             على شاطى الفرات لها صليلُ

فلو شربت بصافي الماء عذب من                   الأقداء زايلها العليل

       ولارض كربلاء أسماء كثيرة المشهور منها في كتب الأخباروالآثار ستة عشر أسماً وهي: كربلاء ونينوى، الغاضرية، شاطىء الفرات، الطف، موضع الابتلاء، محل الوفاء، فييوضات رب العالمين وحائر الحسين(2).

       ولها كذلك أسماء سميت بعد مقتل الحسين أبرزها مشهد الحسين.

       وسميت بأرض ما بين النهرين لوقوعها بين الخندق ونهر العلقمي، وكانت كربلاء تتبع في التقسيم الإداري قبل فتح المدائن الى طسج بين النهرين.

       وقد ورد ذكر كربلاء وحوادثها في كتب المؤرخين والجغرافيين القدماء منهم والمعاصرين. وقد جمع الشيخ محمد السماوي كربلاء في أرجوزته فقال:

ألطف ما أطل بالأشراف               على العراق وعلى الأرياف

أو ما علا فراته من شط         واختص في مثوى الحسين السبط

وسمي (الحائر) وهو الدائر                   إذا دار فيه الماء وهو حائر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصواعق المحرقة/ أبن حجر ص/115.

(2) جغرافية كربلاء القديمة وبقاعها ـ د. عبد الجواد الكليدار ص/41(مخطوط).

(29)

 

 

لدن رأى هارون ثم جعفر              أن يحرث القبر كما سنذكر

وذاك عشرون ذراعاً تضرب          يمثلها فعم أقصى أقرب

(ونينوى) لقرية قديمة                         جدد فيها يونس أديمه

إذ قذفته النون عاري البشرة                  فأنبت الله عليه الشجرة

لكنما التسمية المذكورة          دلت على الطرقة والباكورة

و(كربلاء) لأن فيها رخوا              أو أنها تنبت ورداً أحوى

أو (كور بابل) كما يقال                وخفف اللقطة الاستعمال

و(الغاضريات) لأن غاضرة                  من أسد قد تخذته حاضرة

وفيه نهر لهم أو أنهر                          تعرف في نسبتهم وتشهر

و(مشهد الحسين) حيث استشهدا       أو حيث ما يشهد من شهدا

و(شاطىء الفرات) ع ثم خص         لكن هذا نادر لمن فحص(1)

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجالي اللطف بأرض الطف ـ الشيخ محمد السماوي ص/4.

 

(30)

شخصية الحسين عليه السلام

 

       يمر الرجال في حياتهم بمواقف تتحدى قيمهم الفكرية والدينية ، وتؤثر على معتقداتهم وإيمانهم، فتكون استجابتهم لتلك المواقف حسب نقاء معدنهم وطيبة أصالتهم ومحتدهم وتشبعهم بالإيمان .

ومن التحديات التي واجهت المسلمين عامة والحسين بن علي (عليه السلام) خاصة منذ صدر الإسلام الموقف الأموي، وتولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة والسلطة على المسلمين، ولم يكتف بتملکه وإنما عقد البيعة لابنه يزيد وتعينه خليفة من بعده. وقد رفض تلك البيعة غالبية الصحابة واعتبروها ملوكية وراثية تحول الخلافة إلى حكم عضوض

وفي تلك الحال نهض الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة ذو المعدن النقي الطاهر والحسب المجيد والنسب العظيم ، نهض الحسين (عليه السلام) تلك النهضة التي صعقت أسماع التواريخ ليصلح ما أفسده بنو أمية ويعيد الإسلام إلى استقامته ، بعد أن انحرف به الأمويون ولعبوا في تفسير النصوص القرآنية وأولوا الأحاديث النبوية لصالحهم ليثبتوا صحة حكمهم وتسلطهم معتمدين على بعض النفوس التي باعته ضمائرها وخانت عقيدتها من أجل الدنيا وكسب الأموال، ولكن الذين طلقوا الدنيا وباعوها في مرضاة الله واشتروا الآخرة، فأطاعوا الله والرسول ولم تغيرهم كثرة الأموال. ولم تؤثر على معتقدهم المناصب، هؤلاء هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة وأصحاب الدين الذين نزل الوحي في بيوتهم التي أذن الله تعالى شأنه أن يرفع فيها ذكره وأن يمجد وحيه، ويتمسك بهم وبما نزل به الوحي الجليل في حقهم.

فالحسين (عليه السلام) الذي ولد في هذا البيت الكريم، أولى بالأمر من يزيد

(31)

ابن معاوية، وأفضل المسلمين لتولي الخلافة عليهم، فهو سبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وابن أولى القوم الذين تشبعوا بروح الإسلام والإيمان به، فعلي (عليه السلام) والده ، والزهراء البتول (عليه السلام) بضعة الرسول والدته، وكانت ولادته قد أدخلت السرور إلى قلب جده محمد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي سماه حسيناً، وعاش في كتف جده مدة ثماني سنين، يرعاه الرعاية الحقة ويقربه إليه، وشغلت محبته بعد حب الله قلبه، كما كان حبيب أبيه وأمه وإخوته وسائر الصحابة فقد وردت أحاديث شريفة في حب الحسين وأخيه الأكبر الإمام الحسن (عليه السلام) يرويها أصحاب الصحاح والثقات في الرواة فقد قال(صلى الله عليه وآله وسلم): (هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد ابغضني)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أحب الحسين فقد أحبني) في هذين الحديثين شرط بمحبة الرسول التي هي واجبة على كل مسلم أن يحبه، وهذا الشرط يتطلب الجواب، وهو محبة الحسين (عليه السلام) به فمحبة الحسين (عليه السلام) في إتمام لمحبة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن هنا جاءت الولايةلأهل البيت والولاء لهم فهم أهل البيت. وفي حديث آخر قال : ( حسين مني وأنا من حسين ) ويشير هذا الحديث الشريف إلى أن الحسین (عليه السلام) يحمل رسالة جده الرسول إلى الأمة في الهداية إلى الإسلام الذي من أصول عقيدته التوحيد والإقرار بالنبوة والإقرار بالإمامة، وهي الرسالة الإلهية التي جاء بها الروح الأمين إلى سيد المرسلین محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد أشار إلى هذا الأديبة المعاصر الشيخ عبد الله العلايلي بقوله: إنسانية ارتفعت إلى النبوة ونبوة هبطت إلى الإنسانية(1).

وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) فالإمامة هي القيادة الدينية والدنيوية بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، والقيادة النبوية ترجع إلى الحسن (عليه السلام) بعد أبيه علي (عليه السلام) ومن بعد الحسن إلى الحسين (عليه السلام)، فهما إمامان قائدان لهذه الأمية سواء توليا أمر القيادة ومارسا سلطة الإدارة أو لم يتوليا الأمور لقيادة الأمة. ولأجل سحق الحسين (عليه السلام) في الإمامة رفض البيعة ليزيد، وسبب هذا الرفض شرعي، لأن الحسين (عليه السلام) له الإمامة وله القيادة، ويملك المؤهلات التي تجعله بالصدارة لتسليم إمرة المؤمنين بموجب النظام الذي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سمر المعني في سمو الذات/ عبد الله العلايلي ص/154

(32)

شرعه الإسلام. ووضيع المؤهلات والصفات اللازمة لإمارة المؤمنین و خلافة رب العالمين، وإمامة المسلمين، وهذه الصفات كلها موجودة في شخصية الحسين (عليه السلام) ولا توجد في يزيد. والحسين (عليه السلام) ذو الفضل الجسيم والحسب الكريم والشرف الأصيل والعلم الغزير الذي اكتسبه من جده وأبيه، لا يمكن أن يقارن بیزید بن معاوية الذي ورث الحسب اللئيم والخلق الذميم رأس الفجور وشارب الخمور ووارث الحقد والظلم والبغضاء، وقد وصفه الجاحظ ونقله المقريزي بالنص التالي: (لما آل الحكم بالوراثة الاستبدادية إلى يزيد بن معاوية الذي ورث البغي والظلم والحقد عن أبيه وجده وسائر قومه، وأجتمعت فيه كل الخصال الأموية الذميمة وطباعها الأثیمة ، أخذه يتمم سياسة أبيه وجهله فأرصد بغية إلى السبط الثاني وهو الحسين (عليه السلام) وكان يخشاه أشد خشية لأنه أحق وأجدر بالخلافة منه ومن أبيه، وسولت له نفسه أن يرتكب معه أخطر جريمة تقشعر منها الأبدان(1). ويصفه الشيخ الأزهري محمود أبو رية بقوله : كان يزيد هذا صاحي لهو وعبث مسرفة في اللذات مستهترة، أمه میسون نصرانية كانت تصطحبه إلى البادية محل قبيلتها حول تدمر، وهناك شرب الخمر وانغمس باللذات، وكان يسمونه يزيد القرود(2).

وهناك نصوص موثقة في كتب التواریخ تظهر حالة يزيد وموقفه من الإسلام، جاءت من غير الشيعة حتي لا ينبري أحد ويقول هذه اتهامات الشيعة، وإنما كتبه كل المؤرخين تجمع على خلاعة يزيد، سواء المعاصرون منهم أو القدماء وشذ عن ذلك من كان في قلبه مرض وبغض الأهلى البيت من آكلي أموال السحت الحرام، المالئین کروشهم في موائد الأمويين الطغاة.

لقد ظل الإمام الحسين (عليه السلام) ذكري تدفع النفوس إلى الفضيلة، هذا الكوكب الوقاد الذي أضفى من نوره خلودة ظافرة كلما مر الجديدان وعلى امتداد نور الشمس في فسيح الآفاق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أبو هريرة شيخ المضيرة - محمود أبو رية ص 145.

(۲) المصدر نفسه ص ۲۱.

(33)

وهكذا فإن معركة كربلاء. ستظل نقية في ضمير ووجدان هذه الأمة . إن الإمام الحسين (عليه السلام) ضحى بصحبة وآل بيته ثم بنفسه ، وسبيت بنات الرسالة، وهذه التضحية العظيمة أصبحت أمثولة شاخصة، يتحدث بها كل طالب للحق، ويستميت في سبيل العقيدة الراسخة.

وإن الأولى بالطف من آل هاشم                     تأسوا فسوا للكرام التأسيا

والمتأمل في حادثة الطف يتجلى له أن هذه الشهادة هي أعظم من يوم بدر وإن كان هو أول فتح إسلامي لأن المسلمين يومئذ خاضوا غمرات الموت تحت راية النبوة وقد احتف بهم ثلاثة آلاف من الملائكة مسومین وهتاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنصر والظهور على العدو ملء مسامعهم فقابلوا طواغیت قریش مطمئنين بالغلبة(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)مقتل الحسين/ السيد عبد الرزاق المقرم صم/ 6۷

(34)