مدينة كربلاء المقدسة

القرن الثاني الهجري (719 ـ 816 م)

Post on 23 حزيران/يونيو 2016

القرن الثاني الهجري

( 24 / 7/ 719 ـ 29 / 7 / 816 م )

يبدو أن القبة التي شيدت في عهد المختار ظلت قائمة لحين زيارة الإمام الصادق عليه السلام لقبر جده الحسين عليه السلام حوالي عام 132 هـ (حيث انقرضت الدولة الأموية ، عام 132 هـ ، ولم يك بعد للعباسيين دولة بمعنى الكلمة ) حيث روى صفوان الجمال عن الصادق عليه السلام : « إذا أردت قبر الحسين عليه السلام في كربلاء قف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر ، ثم ادخل الروضة وقم بحذائها من حيث يلي الرأس ، ثم اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين عليه السلام ، تم توجه إلى الشهداء ، ثم امش حتى تأتي مشهد أبي الفضل العباس فقف على باب السقيفة وسلم » .

وفي حديث آخر عن الثمالي عن الصادق عليه السلام : « ثم امش قليلاً وعليك السكينة والوقار بالتكبير والتهليل والتمجيد والتحميد والتعظيم لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وقصر خطاك ، فإذا أتيت الباب الذي يلي المشرق فقف على الباب وقل ... واجتهد في الدعاء ما قدرت عليه وأكثر منه إن شاء الله ، ثم تخرج من السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء » .

وفي حديث آخر لصفوان عن الصادق عليه السلام : « فإذا أتيت باب الحائر فقف وقل ... ثم تأتي باب القبة وقف من حيث يلي الرأس ... » .

وفي حديث جابر الجعفي عن الصادق عليه السلام : « فإذا أتيت إلى قبر الحسين عليه السلام قمت على الباب وقلت هذه الكلمات ... » .

ويروي صفوان أيضاً عن الصادق عليه السلام : « فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر ـ إلى أن يقول ـ ثم أدخل رجلك اليمنى القبة وأخر اليسرى » .

ويظهر من هذه الروايات أن في عصر الإمام الصادق عليه السلام كان لمرقد الإمام الحسين عليه السلام قبة وسقيفة وباب بل وأكثر من باب ، باب من جهة الشرق وباب من ناحية ثانية ، ولعلها كانت من جهة الغرب .

ويقول الكرباسي : إن مجموع السقيفة والمسجد كان يشكل مساحة ذات أربعة أضلاع حول مرقد الإمام الحسين عليه السلام وابنه علي الأكبر عليه السلام وكان للمرقد بابان أحدهما من جهة المشرق عند قدمي علي الأكبر عليه السلام وكانت مراقد الشهداء عليهم السلام خارجة عن إطار هذه المساحة .

ويقول المدرس : ان البابين الخارجيين كان احدهما من جهة الشرق والأخر من جهة الجنوب ( القبلة ) كما يظهر من رواية قائد أبي بصير

عمن يرويه عن الصادق عليه السلام إذ يقول : « ثم امش قليلاً ثم تستقبل القبر والقبلة بين كتفيك » ، ويضيف : « ان هنالك باباً داخلياً آخر من جهة الغرب يربط بين القبة ( المرقد ) والمسجد كما يظهر من كلام المفيد حيث يقول : ( ثم ادخل وقف مما يلي الرأس ) » .
ولكن كلام الصادق عليه السلام في رواية قائد أبي بصير لايدل على وجود باب من جهة الجنوب ( القبلة ) بل يدل قوله : « ثم تستقبل القبر والقبلة بين كتفيك » على أن الباب لم يكن باتجاه القبلة ( الجنوب ) ، وأما الباب الشرقي فلعله هو المشار إليه في رواية صفوان الجمال عن الصادق عليه السلام في قوله : « فإذا اتيت الباب فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر ـ إلى ان يقول ـ ثم ادخل رجلك اليمنى القبة واخر اليسرى » وربما اراد الصادق عليه السلام في قول آخر له : « فإذا أتيت باب الحائر فقف وقل ... ثم تأتي باب القبة وقف من حيث يلي الرأس » الباب الغربي للمرقد الذي يقع من جهة الرأس وفيه تأمل .

ويظهر أيضاً من قول الصادق عليه السلام : « فإذا أتيت باب الحائر ... ثم تأتي باب القبة » أنه كان للروضة الحسينية سور وله أبواب أيضاً حيث عبر الصادق عليه السلام عن المساحة المحيطة بالروضة بالحائر والتي نعبر عنها اليوم بالصحن (وقد سبق وأشرنا إلى أن المدرس يرى أن مثل هذا السور كان من بناء الأمويين واحتمل أيضاً بأنه كان للمراقبة لا الحصانة) ، ومن الجدير ذكره أن هذا الحائر ( الصحن ) لم يرد ذكره في عهد الإمام الباقر عليه السلام المتوفى عام 114 هـ بل جاء ذكره لأول مرة على لسان الإمام الصادق عليه السلام في تسعة عشر موقعاً مما يدلنا على أن هذا السور كان قد شيد في أواخر الربع الأول من القرن الثاني أو أوائل الربع الثاني من القرن الثاني .

كما جاء ذكره في رواية الحسين بن أبي حمزة الذي زار المرقد الحسيني في أواخر عهد الدولة المروانية ( الاموية ) التي سقطت عام 132 هـ حيث يقول : « خرجت في آخر زمن بني أمية وأنا أريد قبر الحسين عليه السلام فانتهيت إلى الغاضرية حتى إذا نام الناس اغتسلت ثم أقبلت أريد القبر حتى إذا كنت على باب الحائر خرج إلي .. » .

وقد تكررت الكلمتان ( باب الحائر ) من الإمام الصادق عليه السلام حيث ورد في رواية أبي الصامت أيضاً عنه عليه السلام حيث يقول : « فإذا أتيت باب الحائر فكبر الله أربعاً .. » .

ويبدو واضحاً أن المراد بالحائر هو الصحن الشريف ، حيث ورد في رواية أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام عند الانتهاء من الزيارة « ثم تخرج من السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء وتومئ إليهم اجمعين ـ إلى أن يقول ـ ثم در في الحائر وأنت تقول ... » .

وبقي الحائر على شكله حتى عهد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ( 148 ـ 183 هـ ) حيث ورد في رواية الحسن بن راشد عنه عليه السلام قال : « حتى يرد الحائر فإذا دخل باب الحائر وضع كفه ... » .

ويتبين أن مساحة الحائر كانت حوالي ( 25 × 25 ذراعاً ) من الخارج كما يفهم من روايتي الصادق عليه السلام بعد الجمع بينهما ، حيث ورد في إحداهما : « قبر الحسين عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسراً روضة من رياض الجنة » ، وفي ثانيهما قال: « امسح من موضع قبره اليوم ، فامسح خمسة وعشرين ذراعاً من رجليه وخمسة وعشرين ذراعاَ مما يلي وجهه وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه » .

والظاهر أن الحائر الذي سمي فيها بعد بالصحن كان قطر سوره الخارجي خمسين ذراعاً ، وإلى هذا يشير ابن إدريس في قوله : « والمراد بالحائر مادار سور المشهد والمسجد عليه » . ويقول المفيد : « والحائر محيط بهم إلا العباس فإنه قتل على المسناة ( ما يبنى في وجه السيل).

ومن المعلوم أن الذراع الواحد يعادل 83 و 45 سنتيمتراً تـقريباً ، وبذلك يكون قطـر الحائر 83 و 45 × 50 = 915 و 22 متراً ، وقد فصلنا القول عنه في محله .

وتؤكد بعض المصادر بأنه كانت هناك شجرة سدرة أيام الحكم الاموي يستظل بفيئها ويستدل بها على قبر الإمام الحسين عليه السلام ولذلك سمي الباب الواقع في الشمال الغربي من الصحن ـ فيما بعد ـ بباب السدرة .

في موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء : 257 نقلاً عن كتاب شيعة الهند : 64 للدكتور جون هوليستر : « إن إحدى الروايات الشيعية تنص على أن بعض المؤمنين المحبين لأهل البيت كان قد أشر على مكان القبر المطهر بزرع شجرة إجاص بالقرب منه ، ولكن هذه الشجرة قد أجتثت فيما بعد بأمر الخليفة هارون الرشيد وحرثت الأرض المحيطة بها غير أن بعض النازلين على مقربة من الموقع بادروا إلى وضع علامة غير ظاهرة فيه »

وامتد عمر هذا البناء المؤلف من المسجد والمرقد ذي القبة طوال العهد الأموي فلم يتعرض للهدم رغم العداء السافر تجاه أهل البيت عليهم السلام مع أنهم وضعوا المسالح (وهي نقاط مراقبة وتفتيش ) لمنع زيارة قبره عليه السلام ، إلا أن ضعف الدولة الأموية في أواخر عهدها كسر حاجز الخوف فتدفقت الأفواج إلى زيارته ولم يتمكنوا من منعهم بل أدركوا أن التعرض للمرقد أو المساس به بقصد تخريبه يشكل سابقة خطيرة ومشكلة هم في غنى عنها .

ولذا نجد أنه في عام 122 هـ وعلى عهد هشام المرواني كان الزوار يتقاطرون على الضريح المقدس ويتبركون به ، وقد أنشئ على مرقده مسجد ، وفي ذلك يقول محمد بن أبي طالب عند ذكره لمشهد الحسين : « إنه أتخذ على الرمس الأقدس ( أراد به مرقد الإمام الحسين عليه السلام) في عهد الدولة المروانية مسجد » .

ولعل المقصود في إنشاء مسجد على المرقد أنه أصبح كمسجد يقصده الناس للزيارة والصلاة فيه .

وبعد عام 132 هـ وبالتحديد في عهد مؤسس الدولة العباسية السفاح فسح المجال لزيارة قـبرالحسين عـليه السلام وابتدأ عـمران القـبر من جديد في ذلك الحين .

وينقل عن سركيس أنه قال : « وفي عهد السفاح ـ هذا ـ بنيت على جانب القبر سقيفة ذات بابين » ولعله يظهر من كلامه هذا بالانضمام إلى ما تقدم من قوله : « إن المختار أحاط القبر الشريف بحائط المسجد وبنى عليه قبة بالآجر والجص ذات بابين » إن السقيفة التي أحدثت في عهد السفاح كانت على قبور الشهداء لمكان قوله : « على جانب القبر » لاستبعاد أن تبنى سقيفة إلى جهة الجنوب والشمال مثلاً وتترك قبور الشهداء بلا سقيفة ، إلا أن الكتب خالية من ذكر هذه السقيفة .

ولكن المنصور العباسي الذي حكم مابين 136 ـ 158 هـ صب جام غضبه على العلويين وآثارهم وتطاول على القبر المطهر ، وفي ذلك يقول السماوي :

وشيدو البنـا علـيه قـبة   ذات سقيفة لتأوي العصبة
ثم دعا المنصـور حقد ايد   فثل مـن أحقـاده المشيد

ويحدد سركيس عام 146 هـ هدم المنصور العباسي للسقيفة .

وفي حدود عام 158 هـ ـ وذلك في عهد المهدي العباسي ـ أعيد تشييد السقيفة .

ويذكر الطبري أن خدم المشهد الحسيني كانوا يتسلمون الهبات الخيرية من أم موسى والدة المهدي العباسي .

وفي عام 187 هـ بعث هارون الرشيد إلى ابن أبي داود والذين يخدمون قبر الحسين بن علي عليه السلام في الحائر فأتى بهم فنظر إليه الحسن بن راشد وقال مالك ؟ قال : بعث إلى هذا الرجل ـ يعني الرشيد ـ فأحضرني ولست آمنه على نفسي فقال له : إذا دخلت عليه فسألك ، فقل له: الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع .

فلما دخل عليه قال هذا القول، قال الرشيد : ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن ، أحظروه ، فلما حضر قال : ما حملك على أن صيرت هذا الرجل في الحير ( الحائر ) ؟ قال : رحم الله من صّيره في الحير ، أمرتني ام موسى أن أصيره فيه ، وأن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهماً .

فقال : ردوه إلى الحير وأجروا عليه ما أجرته أم موسى .

ولما كانت سنة 193هـ ضيق هارون الرشيد الخناق على زائري القبر وقطع شجرة السدرة التي كانت عنده وكرب موضع القبر وهدم الأبنية التي كانت تحيط بتلك الأضرحة المقدسة وزرعها ، وذلك عبر واليه على الكوفة موسى بن عيسى بن موسى الهاشمي .

وجاء في صحيفة البديل الإسلامي العدد : 62 نقلاً عن يعقوب سركيس أن الرشيد هدم السقيفة عام 171 هـ وقطع السدرة وهدم بناء القبة .

وكان يستدل بشجرة السدرة على موضع قبره ويستظل بها ، ويقول الخياط في كتابه تاريخ الروضة الحسينية : 9 « أوعز هارون إلى قطع السدرة التي كانت في وسط المشهد » وفي ومضات من تاريخ كربلاء : 18 إن القطع كان سنة 171 هـ

وروى المجلسي في البحار : 45 / 398 / ح : 7 عن أمالي الطوسي : 206 ، عن ابن حشيش ، عن أبي الفضل ، عن محمد بن علي بن هاشم الآبلي ، عن الحسن بن أحمد النعمان الجوزجاني ، عن يحيى بن المغيرة الرازي قال : كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق فسأله جرير عن خبر الناس ، فقال : تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين عليه السلام وأمر أن تقطع السدرة التي فيه ، فقطعت ، قال فرفع جرير يديه وقال : الله اكبر جاءنا فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن قال : لعن الله قاطع السدرة ثلاثاَ فلم نقف على معناه حتى الآن لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين عليه السلام حتى لا يقف الناس على قبره .

ومن الجدير ذكره أن بعض المصادر ذكرت أن عملية الكرب تمت على يد عيسى بن موسى والي الرشيد على الكوفة وهو غير صحيح، لان عيسى توفي عام 176هـ وكان والياً على الكوفة قبل عهد الرشيد. وموسى هذا هو ابن عيسى بن موسى بن محمد العباسي الهاشمي ، وكان عيسى ابن أخ السفاح .

وفي عام 198 هـ عندما استتب الأمر للمأمون اقتضت سياسته مراعاة شعور الموالين لأهل البيت عليهم السلام لامتصاص النقمة المتزايدة عليه والمنافسة السياسية لحربه مع أخيه الأمين وقتله إياه ، ففسح المجال لزيارة فبر الحسين وتعميره ، فبنى عليه قبة شامخة وحرم فخم وبدأ الناس يسكنونه من جديد .

ثم ان المأمون أراد التقرب إلى العلويين وأهل البيت عليهم السلام لاستحكام ملكه فأصدر قراره بولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام في سنة 201 هـ ( وذلك في السابع من شهر رمضان المبارك) وبتعمير مرقد الإمام الحسين عليه السلام فأمر بتشييد قبة عظيمة وروضة فخمة أحسن من ذي قبل، وبذلك يكون قد عمر المرقد في عهد المأمون مرتين كما قام المأمون بتوسيع الحير ( الحائر ) .

ويظهر من ذلك أن التعمير الأول حصل من قبل الموالين وربما في الفترة التي شهدت الصراع بين الأمين والمأمون بين الأعوام ( 193 ـ 198 هـ ) ، وأما التعمير الثاني فقد حصل من قبل المأمون بعد القضاء على أخيه الأمين واستتباب الأمر له .

مستل من كتاب (دائرة المعارف الحسينيةـ تاريخ المراقد /ج1 ص 255 ـ 268) بتصرف