معجم أنصار الحسين  (الهاشميون)(الجزء الثالث)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (الهاشميون)(الجزء الثالث)

المؤلف : محمد صادق محمد (الكرباسي)
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن – المملكة المتحدة

دائرة المعارف الحسينية

 

معجم

أنصار الحسين

(الهاشميون)

 

(الجزء الثالث)

 

محمد صادق محمد

(الكرباسي)

 

المركز الحسيني للدراسات

لندن – المملكة المتحدة

(3)

 

 

 

الحقوق كافة محفوظة ومسجلة

للمركز الحسيني للدراسات

لندن – المملكة المتحدة

 

الطبعة الأولى

1429هـ – 2008م

 

(4)

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

 

 

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى(2) ادم ونوحاً وال أبراهيم وال عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم(2)، إنه لقول رسول كريم(4) إني لكم رسول أمين(5)، أبلغكم رسالات ربي(6) لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى(7) وآت ذا القربى حقه(8) ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون(9).

 

صدق الله(10) العلي العظيم(11)

 

 

 

________________

(1) سورة النمل، آية 30.

(2) سورة النمل، آية 59.

(3) سورة ال عمران، آية 33-34.

(4) سورة الحاقة، آية 40.

(5) سورة الشعراء، آية 107.

(6) سورة الأعراف، آية 62.

(7) سورة الشورى، آية 23.

(8) سورة الإسراء، آية 26.

(9) سورة الروم، آية 38.

(10) سورة ال عمران، آية 59.

(11) سورة البقرة، آية 255.

(5)

 

 

 

            قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):

                 

                  «أن الحسين مصباح الهدى

                        وسفينة نجاة

                              وإمام خيرٍ ويمنٍ

                                          وعزٍ وفخرٍ

                                          وبحر علم وذخر»(1).

                                                وصدق رسوله الكريم

 

______________

(1) عيون أخبار الرضا: 1/62، وقريب منه في فرائد السمطين: 1/155 ح: 477.

(6)

 

مقدمه الناشر

      لكي نقف على سنخية ونوعية وطبيعة الأشخاص الذين رافقوا الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته، ووقفوا وثبتوا معه في كربلاء، وناصروه ونصروه وقدموا أنفسهم رخيصة في سبيله وسبيل ما يحمله ويمثله، لابد من أن نعود قليلا إلى ما قبل واقعة الطف، بأشهر معدودة فقط، وبالتحديد إلى أيام الإمام الحسين (عليه السلام) في المدينة المنورة، منطلقين من موضوع الرسائل التي تلقاها سلام الله عليه من أهل الكوفة . فقد ذكرت كتب التاريخ أن الحسين (عليه السلام) تلقي نحو اثنتي عشرة ألف رسالة أو أكثر كانت تحمل المبايعة اله مقابل سلطان الأمويين يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وهي تشير إلى حجم التأييد الذي يتمتع به سلام الله عليه.

       لكن إذا ما أوغلنا في المسير نحو الإمام في صفحات التاريخ ووصلنا الى مرحلة سفير الإمام الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقیل (رض) تكشفت لدينا صورة من أهم ملامحها الخيانة، والجبن، والتخاذل ، حيث تذکر کتب التاريخ والسير كما بات معروفا أنه لم يبق لديه بعد أيام من وصوله الكوفة شخص واحد بعد أن سار صلى خلفه ثلاثون ألفاً حيث عملت أموال ابن زیاد و تهدیداته فعلها في أهل الكوفة، فقسم باعوا أنفسهم وشروا الدنيا ، وقسم خافوا وجبنوا، وقسم تخاذلوا، فتقاعسوا وامتنعوا عن نصرة الحسين (عليه السلام) ودين جده (صلى الله عليه وآله وسلم) وآثروا الدنيا على نعيم الآخرة.

      هذه الصورة المشوهة إنما أشرنا إليها لنصل الى مبتغانا في كشف الصورة الأخرى المناقضة لها والمتمثلة في صورة أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) من أنصاره وأهل بيته ، وهي تكشف لنا طبيعة ونوعية هؤلاء الأشخاص، فهم رغم المصير الذي سيلاقونه، ورغم معرفتهم بهذا المصير، ما بدلوا مواقفهم ولا مواقعهم، ولم تغرهم الدنيا، ولم يستجيبوا لا للإغراءات المادية ولا المعنوية، ولم ترهبهم كثرة جيش يزيد، ولم يتزحزحوا قيد أنملة عن مبادئهم وعقائدهم فكان لسان حالهم يقول : أولسنا على الحق إذن لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا، ولسان

 

(7)

 

      حال آخرین : والله لو قطعنا إربا إربة ثم أحيينا يفعل بنا ذلك ألف مرة لما تركنا نصرة ابن بنت رسول الله.

      من هنا يمكننا القول أن أولئك الأشخاص هم نموذج فريد من نوعها اهم من خلاصة القوم، هم إما تربوا في حجر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين کأخوة الإمام الحسين (عليه السلام) وأبنائه وأبناء إخوته وعمومته، وإما تخرجوا من مدرسة النبوة والإمامة ونهلوا منها معاني السمو، والإيثار، والتفاني، والتضحية، في سبيل المبدأ والعقيدة، والاستشهاد في سبيل الدين والحق والكرامة، فرحلوا شهداء قطعت مقطعي الأوصال، لكنهم فازوا في الدنيا بأن خلدت أسماؤهم على مدى الزمان وغدوا مثالا يحتذى، وفازوا في الآخرة بأن نالوا الدرجات الرفيعة الى جنب الأنبياء والأولياء، وهم الأنصار غير الهاشميين وهم جميعا بحق من السابقين كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «في كل قرن من أمتي سابقون» [سلك الدرر - نقلا عن جامع الترمذي].

      ولأن هؤلاء الأنصار ركن من أركان نهضة الحسين (عليه السلام) ، لا بد من إعطائهم حقهم الذي يستحقونه من قبل أي باحث وكاتب يبحث في نهضة الحسين (عليه السلام) وواقعة كربلاء، وهذا ما قام به مؤلف دائرة المعارف الحسينية الكبرى سماحة آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي حفظه المولى، حيث خصص عدة أجزاء من موسوعته لدراسة تلك الشخصيات الفذة والإضاءة عليها بالتفصيل ولادة وحياة وشهادة ، بأسلوب علمي، وبحث تحقيقي لم يتطرق إليه أحد من قبل.

      ففي هذا الجزء يستعرض المؤلف حفظه المولى الأنصار الهاشميون إبتداء من حرف الفاء وختاما بحرف الياء .

       بقي من الضروري أن نلفت في هذه المقدمة إلى أن هذا الجزء من الموسوعة الحسينية هو الجزء السادس والأربعون من أجزاء الذي تنجز طباعته حتى الآن ببركة الإمام الحسين (عليه السلام) وتعاون ودعم محبيه ومواليه ، نسأل المولى العلي القدير لهم التوفيق في هذه الدنيا والجوار مع الحسين (عليه السلام) في الآخرة، والحمد لله رب العالمين، وسلام على الحسين وأهل بيت الحسين وأنصار الحسين (عليه السلام) .

۱۱/ آب/ ۲۰۰۸م

10/شعبان/1429 هـ

(8)

قسم

تراجم الأنصار

(9)

 

 

(10)

 

حرف الفاء

74- الفضل بن علي الهاشمي:                      ن39-61هـ (شهيد) كربلاء

(11)

 

(12)

 

الفضل بن علي الهاشمي

ن ۳۹ - 61ھ = ن659 -680 م

      هو الفضل بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي .

      ضبط المفردة «فضل» بفتح أوله وسكون ثانیه علی زنة «عدل» وهو مصدر فضل - بفتحتين في الماضي - يفضل - بضم الضاد في المضارع - بمعنى الإحسان، وليس من يفضل - بكسر الضاد في المضارع أو ضمها - بمعنى الزيادة ضد النقص، أو بمعنى البقية من الشيء، وتقول في المعنى المراد: هذا صاحب الفضل أي صاحب إحسان وكرم وأخلاق، واسم الفاعل منه «فاضل» أي رجل متصف بالكرم والإحسان والخلق الرفيع، وصاحب علم ومعرفة، ومن هنا يسمى الأشخاص بالفضل المصدر من باب زید عدل، الإرادة أن الفضل متمثل فيه فلا يعرف سواه بل هو ردیف له، وإذا أخذ المعنى الوصفي أدخل عليه الألف واللام، وإلا فلا يتحلى بالألف واللام كما هو الحال في كل الأسماء التي انتقلت من الوصف إلى العلمية وهو اسم جاهلي إلا أنه شاع استخدامه في الإسلام، وغلبت التسمية به على ذوات الذكور، وندر استخدامه على ذوات الإناث، فالأول كما في تسمية الفضل بن العباس بن عبد المطلب ابن عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)المتوفى عام ۱۳ هـ، والثاني کتسمية جارية المتوكل العباسي المتوفاة عام 257 هـ، والتي كانت شاعرة فصيحة(1) ، وتستخدم معظم اشتقاقاتها في التسمية بها لأعلام الذكور وبعلامة التأنيث في الإناث باستثناء فضالة فإنه اسم للرجال، ويختلف معناه أيضا، وقد يستخدم في التسمية مضافة إلى اسم الجلالة فيقال فضل الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الأعلام للزركلي :5/149و146.

 

(13)

      أمه : أم ولد، أطلقنا عليها أم الفضل لمكان ابنها الفضل، وعدم التعرف على شخصيتها .

      ولد في حدود عام ۳۹هـ على تفصيل مر في ترجمة أمه.

      تفرد بذكره الكاشفي(1) المتوفي عام ۹۱۰هـ في كتابه المعروف بروضة الشهداء، وإليك نصه المعرب من الفارسية: «عندما رأى الإمام الحسين (عليه السلام) أن ابن هاشم - ابن - عتبة يقاتل لوحده ألفا من مقاتلي الجيش الأموي ، التفت إلى أصحابه داعية لهم لنصرته، فانتدب عندها تسعة من أصحابه - والذين لم تعرف أسماؤهم - وعلى رأسهم أخوه الفضل بن علي (عليه السلام) ليتقدموا نحو المعركة ويفكوا الحصار عنه ، ولكن عمر بن سعد أرسل ضعف المقاتلين للصد دون وصولهم إليه، واحتدم القتال بين فضل وأصحابه التسعة فقتل جميع أصحابه التسعة، وكان الفضل - والذي ورث الشجاعة من أبيه  أخذ يضربهم بالسيف تارة ويطعنهم بالرمح تارة أخرى حتى فرق صفوفهم وقتل منهم جماعة كبيرة، فرموه بالنبال، فأصيب فرسه وأخذ يقاتلهم راجلاً حتى أثخن بالجراح وقتل، وكان أول من قتل من إخوة الحسين (عليه السلام) ، ولما قتل الفضل اتجه القوم نحو - ابن - هاشم بن عتبة فاحتوشوه حتى قتل(۲).

      هذا كل ما لدينا عن شخصية فضل بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعن حضوره معركة الطف وقتاله ومقتله ، ومن الواضح أن الكاشفی قد تفرد بذكره، ولم نجد له ذكراً لا في كتب الأنساب ولا في معاجم الرجال ولا في كتب السير والتاريخ، ولم يذكره أرباب المقاتل، ونحن هنا أمام مفترق طريقين إما رفضه أو قبوله، ونرجح التعامل معه من باب «كل ما قرع سمعك فذره في بقعة الإمكان» حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وإن في ذكره هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري المشهور بالمرقال دلیل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(۱) الکاشفی: هو حسین بن علي الواعظ البيهقي السبزواري والملقب بـ «کمال الدین» ، ولد في منتصف القرن التاسع وتوفي عام 910 هـ، كان من العلماء الأعلام في عصره، من آثاره: جواهر التفسير، المواهب العلية ، ومخزن الإنشاء.

(۲) روضة الشهداء: ۳۷۸ (النص بالفارسية).

 

(14)

 

ضعف لروايته لأن هاشم هذا كان أميرة من أمراء معركة صفين، وحامل لواء أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد ذكر نصر بن مزاحم(1) وغيره(2) أنه قتل هو وعمار ابن یاسر، مما احتملنا على فرض عدم رفض الرواية بتمامها أن هناك سقطة وربما كان ذلك كلمة «ابن» حيث أراد «ابن هاشم بن عتبة» فإن صدق الاحتمال فمن يا ترى من أبنائه وربما تشير الأصابع إلى عبد الله بن هاشم حيث لم يرد أنه قتل في معركة صفين وكان قد أخذ الراية من أبيه بعد أن سقط أبوه، ولا يخفى أن له ابنة آخر هو عتبة، فلو لم يصرح بمقتله في صفين لكننا نحتمل التصحيف في حقه ونقول بأنه من التقديم والتأخير الذي قد يقع عند النقل والاستنساخ ليكون «عتبة بن هاشم» بدل «هاشم بن عتبة» ، ولكنه أخذ الراية في معركة صفين من أبيه بعد شهادته إلى أن قتل فأخذها  أخوه عبد الله بن هاشم، وربما كان ابنه الثالث مختار بن هاشم بن عتبة الذي هو الآخر كان بصحبة أبيه في معركة صفين وأخذ الراية، إلى أن أسر فأتي به إلى معاوية فكف عن قتله وأمر به إلى السجن، وسوف تأتي على تفاصيل ذلك لدي ذكرنا هاشم .

      ومما يضعف الرواية أنه بالغ في عدد المقاتلين الذين قاتلوا هاشم أو  ابنه حيث عدهم ألف فارس وراجل، وكذلك فعل في عدد من صد الفضل ابن علي الين وأصحابه حيث ذكرهم ألفي مقاتل، وربما أمكن حمل الأمر على المبالغة بالفعل، وبالأخص أن مفردة الألف من ألفاظ المبالغة، أو القول بأنه جابه العدو ولم يطلب مبارزة، فلذلك كان يقاتل كل الجيش، والله العالم بحقائق الأمور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نصر بن مزاحم : هو حفيد سيار المنقري التميمي الكوفي (نحو ۱۲۰ - ۲۱۲ هـ)، من مؤرخي الشيعة، كان عطارة بالكوفة التي نشأ فيها ثم سكن بغداد، من مصنفاته : المناقب، الغارات، والنهروان.

(۲) راجع وقعة صفين : 455، والإصابة : ۳/ 593.

 

(15)

 

(16)

 

حرف القاف

75-القاسم بن الحسن الهاشمي:                           46-61هـ (شهيد) – كربلاء

76- القاسم بن الحسين الهاشمي:                        ... - ....هـ لاوجود له

77- القاسم بن العباس الهاشمي:                  ق40-61 هـ (شهيد) – كربلاء

78- القاسم بن عبد الله الهاشمي:                        ن50- ب61 هـ (اسير) – المدينة

79- القاسم بن علي الهاشمي:                           39 – 61 هـ (شهيد) – كربلاء

80- القاسم بن محمد الهاشمي:                          ق37 - ... هـ مشكوك أشتراكه

 

(17)

 

 

(18)

 

القاسم بن الحسن الهاشمي

46 - 61هـ = 666 - 680م

 

 

      هو: القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

      ضبط المفردة : «قاسم» هو اسم فاعل من القسم: بفتح و سکون، مصدر قسم - بفتحتين - الشيء، يقسمه - بالكسر - فانقسم، وهو كالقسيم بمعنى المقاسم أي الذي يقسم بين الحق والباطل ومنه قول الشاعر من الهزج:

علي حبــــه جنـــة                 قسيم النار والجــنة

      فالقاسم والقسيم هو الفارق بين الطرفين والفيصل بين الحق والباطل، والقسم - بالكسر - هو الحظ والنصيب، ولكنه ليس المراد به هنا ، كما أن هناك معاني أخرى لم تقصد.

      وقد استخدم «القاسم» اسما منذ الجاهلية حسب الظاهر، ولكنه شاع في الإسلام، وممن سمي في الجاهلية بهذا الاسم هو أبو العاص القاسم ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف المتوفي عام ۱۲هـ.

      وبعد أن سمى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنه بالقاسم وعرف بكنيته «أبو القاسم» تبرك المسلمون بهذه التسمية. وقد يدخل عليه الألف واللام إذا ما أخذ بعين الاعتبار معناه الوصفي.

      أمه : هي أم ولد يقال لها رملة على ما هو مشهور عند المتأخرين(1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع إبصار العین: 36.

(19)

 

      قال ابن فندق(۱): أمه أم ولد اسمها نرجس وهي من سبي الروم(2)، ومن الغريب أنه في جدول المقتولين ذكر أن القاسم شقيق لأبي بكر الحسن «عليه السلام» (۳)، ولا نعلم أهو استدراك منه أو غفلة، لأنه إذا كان شقت فإما أن تكون أمهما نرجس، أو مليكة بنت الأحنف بن القيس لأنه ف جدول أبناء الحسن «عليه السلام» ذكر بأن أم أبي بكر اسمها مليكة، وجاء في بعض النسخ ملكة، ولا نريد التوسع هنا حيث سبق وتحدثنا عن ذلك في ترجمة أبي بكر بن الحسن «عليه السلام» ، فإذا كان القاسم شقيقا لأبي بكر فهنا يتسع الخلاف في أمه، لأن هناك خلافا آخر، وهو هل أن أبا بكر متحد مع عبد الله بن الحسن أم لا؟ فإذا قلنا باتحاده فهل هو عبد الله الأكبر أو الأوسط أو الأصغر، وعليه فإن الخلاف في أم القاسم سيكون على أكثر من ستة أسماء : رملة، نفيلة، مليكة (ملكة)، نجمة، أم إسحاق التيمية، ابنة السليل، أم حبيبة الحبشية، زينب البجلية، ولكن سبق وناقشنا هذا الأمر، وتوصلنا إلى أنهم متعددون، فبالإضافة إلى القاسم فهناك أبو بكر، وعبد الله الأكبر، وعبد الله الأوسط، وعبد الله الأصغر، ونتج مما قدمناه أن أم القاسم : إما رملة أو نفيلة أو نجمة أو نرجس، وقد مال ابن فندق إلى أن اسمها نرجس الرومية. وقال ابن سعد(4) إلى أنها نفيلة، وبما أنه يرى بأن القاسم هو شقيق الأبي بکر وعبد الله، فلا مجال لأن تكون نفيلة أم القاسم، لأننا اخترنا أنهم إخوة وليسوا أشقاء، وهناك من ذكر بأن أمه «أم فروة»، وعلق التستري على ذلك بقوله: «لا بد أنه محرف أم ولد»(5).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ابن فندق : هو علي بن أبي القاسم بن زيد البيهقي المكنى بأبي الحسن والمشهور بابن فندق (4۹۳ - 565هـ)، ينتهي نسبه إلى خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، كان من العلماء الأعلام والقضاة والمؤلفين والشعراء والأدباء، ولد في بیهق، من آثاره:تاریخ بیهق، إيضاح البراهين، ومجامع الأمثال.

 (۲) لباب الأنساب : ۱/ 342.

 (3) لباب الأنساب : ۱/ 400.

 (4) ابن سعد: هو محمد بن سعد بن منيع الزهري (168 - ۲۳۰ هـ)، ولد في البصرة وارتحل إلى بغداد ثم المدينة فالكوفة، وتوفي في بغداد. اهتم بكتابة الحديث اتصل بأعلام عصره ومحدثيه، يعد من كبار المؤرخين والحفاظ، اشتهر بكتاب الطبقات (طبقات الصحابة).

(5) قاموس الرجال:8/466.

(20)

 

      وأما عن ولادته فكاد أن يجمع المؤرخون إن لم يجمعوا بالفعل على أنه يوم الطف لم يكن قد بلغ الحلم(۱)، فقيل كان له من العمر يوم استشهد أربع عشرة سنة(2) وقيل ثلاثة عشر عاماً(۳)، وأكثر ما قيل إنه ابن ست عشرة سنة، والقول الأخير يتناقض مع أنه لم يبلغ الحلم.

      وعن مواصفاته الشخصية فقد وصفه حمید بن مسلم(5) حين شاهده یوم عاشوراء بأنه غلام كأن وجهه شقة قمر(6)، وربما كان طويل القامة وسیمها حيث يروي حميد بن مسلم أيضا، أنه لما حمله عمه الحسین علی صدره، كانت رجلاه تخطان في الأرض(7) . وقع التسليم عليه في زیارة الناحية بقوله: «السلام على القاسم بن الحسن بن علي المضروب هامته ، المسلوب لامته، حتى نادي الحسين عمه، فجلى عليه عمه كالصقر، وهو يفحص برجليه التراب، والحسين يقول : بعد لقوم قتلوك، ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك، ثم قال : عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك وأنت قتیل جدیل، فلا ينفعك ، هذا والله يوم كثر واتره، وقل ناصره، جعلني الله معكما يوم جمعكما ، وبوأني مبوأكما،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع مقتل الحسين للخوارزمي : ۲/ ۲۷، حيث وصفه بقوله: «غلام. صغير لم يبلغ الحلم».

 (۲) مقتل الحسين البحر العلوم: 355.

 (۳) وسيلة الدارین: 253.

 (4) لباب الأنساب :1/401

(5) حمید بن مسلم : هو الأزدي الكوفي الذي حضر مع جيش ابن سعد إلى كربلاء ونقل أحداث کربلاء دون أن يقاتل، ورافق خولي بن يزيد الأصبحي حينما حمل الرأس الشريف إلى ابن زیاد، حاول منع شمر بن ذي الجوشن من حرق خيم الإمام الحسين، كما حاول منعه من قتل الإمام السجاد «عليه السلام»، شارك في رصد وقائع حركة التوابين، وأخيرا أراد المختار أن يقتله فهرب، وقد ذكره الطوسي من جملة أصحاب الإمام السجاد «عليه السلام»، والظاهر أنه كان حيا بعد سنة 68 هـ، كما أنه فيکربلاء كان له من العمر أكثر من عقدين .

 (6) مقاتل الطالبيين : ۹۳.

 (۷) مقاتل الطالبيين : ۹۳، وربما كان ذلك لعظم مصاب الحسین «عليه السلام» به حیث حمله وهو منحن من شدة الألم.

 

(21)

 

ولعن الله قاتلك عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي وأصلاه جحيماً وأعد له عذاباً أليماً»(1).

      ومن الملاحظ أن نص الزيارة في حقه جاءت طويلة بالنسبة إلى غيره، مما يدل على أن مصابه جلل، ولسنا هنا بصدد بيان مقتله حيث سنذكره في باب السيرة، ولكن نتحدث هنا عن أمور تخصه، ولا مجال لبيانها في السيرة، وتبقى مسألة شاعت بين عوام الناس ألا وهي تزويجه بابنة عمه الحسين «عليه السلام»، وبما أنها شائكة بحثناها في باب الشبهات والردود بنوع من التفصيل، وحاصل البحث أنه ربما كان مطروحاً بين العوائل من باب ما هو متعارف أن يسمى هذا لتلك، وهذه لذاك، دون أن يكون هناك خطبة رسمية، فكان بين النساء يعرف بأن إحدى بنات الحسين «عليه السلام» هي للقاسم(2)، وربما كان ذلك لشدة حب الإمام الحسن «عليه السلام»، فنشأ في بيت عمه وفي كنفه، ولا نريد الخوض هنا في هذه المسألة لأننا سبق وقلنا ناقشناها في محله.

      ولا يخفى أننا نتعامل في المسائل التاريخية، ومع النصوص الواردة في الوقائع، من حيث القبول والرفض، بشكل لا يتنافى مع العقيدة والعقل، فما لم يخرج من هذين الإطارين نتعاطى معها بإيجابية، ما دام ورد في إحدى الكتب المعتبرة أو غير المرفوضة على الأقل، ولا نبحث

_______________

(1) أنصار الحسين: 150 عن بحار الأنوار: 98/270.

(2) قيل إن التي سميت باسم القاسم هي فاطمة بنت الحسين «عليه السلام»، وقيل هي زبيدة بنت الحسين «عليه السلام»، أما الأولى والتي حضرت كربلاء فكانت متزوجة من الحسن المثنى ابن الإمام الحسن «عليه السلام»، وأما زبيدة فلا ذكر لها في كتب التاريخ والأنساب، وأما فاطمة الصغرى فكانت في المدينة، والروايات التي ينقلونها في زواج القاسم تقول بأنه عقد عليها في كربلاء وأنها كانت حاضرة، فإن هذه الرواية دلائل ضعفها كثيرة. راجع باب الشبهات والردود- من هذه الموسوعة-، وربما أن هناك خلطاً بينه وبين أخيه عبد الله بن الحسن الذي عقدت له سكينة على ما يقال، واستشهد قبل أن يبني بها، وربما كان قبل يوم عاشوراء فاختلط الأمر.

وهناك من يذهب إلى أنه تزوجها بالفعل في يوم عاشوراء وأنجبت له زبيدة ابناً سمته بالقاسم ويعرف بالقاسم المثنى، وقبرهما في أطراف ري بطهران.

(22)

 

عن سندها كما هو الحال في المسائل الفقهية، والحاصل ما اطمأن إليه القلب من تلك النصوص فنأخذ بها وإلا فنتركها بعد إيرادها ومناقشتها.

      وبالنسبة إلى ما ارتجزه في ساحة الوغى، فإن هنا التباس بينه وبين من يشاركهم في التسمية، والذي اعتبرناه من الخلط، وأشرنا إلى ذلك في ترجمة كل من هو سميه والذي سنأتي على ترجمتهم واحداً بعد واحد، والكلام عن هذا موكول إلى تراجمهم.

      وفي الختام فإن وجود القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» وحضوره معركة الطف واستشهاده وما رافقه مما لا خلاف فيه في الجملة، لذلك فلنترك الكلام لبقية من سموا باسمه.

      هذا وقد وردت عبارة في النص الذي رواه الخوارزمي(1) في مقتله عن استئذان القاسم عمه الحسين «عليه السلام»، مفاده بل نصه: «فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه ويسأله الإذن حتى أذن له، فخرج ودموعه على خديه..»(2).

      وجاء في هامش مقتل الحسين للمقرم(3) ما يلي: «أقول: هذا الخبر ينافيه ما تقدم من إخبار الحسين ليلة عاشوراء أصحابه وأهل بيته بقتلهم جميعاً حتى القاسم والرضيع وهذا الحديث كحديث عرس القاسم لا صحة له»(4).

__________
(1) الخوارزمي: هو الموفق بن أحمد المكنى بأبي المؤيد والمعروف بأخطب خوارزم (484- 568هـ) كان من علماء البارزين في عصره، بحيث وصف بصدر الأمة وخليفة الزمخشري، من آثاره: الأربعين في أحوال سيد المرسلين، مناقب علي بن أبي طالب، والمسانيد على البخاري.

(2) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/27، ونقل عنه حسب الظاهر مقتل الحسين لبحر العلوم: 356.

(3) المقرم: هو عبد الرزاق بن محمد بن عباس (1316- 1391هـ)، ولد ونشأ وتوفي في النجف، كان من الخطباء البارزين ومن أهل الأدب والتحقيق، له آثار جمة تحقيقاً وتأليفاً وترجمةً ودراسةً، وقد قدم لعيد من الكتب، من مؤلفاته: المختار بن أبي عبيدة الثقفي، الإمام الرضا، وسر الإيمان.

(4) مقتل الحسين للمقرم: 264.

(23)

 

      ونقول: لا منافاة بين العلم بالشيء وبين العاطفة، فإنه يعلم شيء والعاطفة شيء آخر فالعلم بالشيء لا يهون عليه موقفه تجاه ابن أخيه الذي تربى على أنامل يديه طيلة عشر سنوات حتى أصبح يعزه أكثر من ولده، وهذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يبكي على ابنه إبراهيم «عليه السلام»(1)، رغم علمه واخياره الخيار الصعب بنفسه، حيث فدى الحسين بإبراهيم، فلما اعترض على بكائه قال: «أولادنا أكبادنا، القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب»(2)، بالإضافة إلى أنه مأمور بالظاهر، وإذا ما رفع الحجاب عنهم لفترة وجيزة فهذا لا يعني أن يتركوا العمل بالظاهر، وربما هناك فلسفة في تأخيره عن الحرب والقتال كما هو ظاهر من مجمل تصرفاته سلام الله عليه، بل لعله كانت وظيفته الشرعية هو تأخير الحرب أو إطالتها مهما أمكن لأمور فنية ترتبط بالحرب والقتال والسياسة، ومن جهة أخرى عليهم أن يحافظوا على أنفسهم من القتل مهما أمكن، وكانت خطة العدو أن ينهوا القتال سريعاً ويقضوا على آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأتباعتهم في أقل وقت ممكن لأهداف سياسة وأمنية، فجاءت محاولات الإمام «عليه السلام» لإفشال خططهم الأمنية والسياسية، وللبحث مكان آخر من هذه الموسوعة سنناقشه  هناك إن شاء الله تعالى.

__________
(1) إبراهيم بن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): ولد يوم السبت 17/ذي الحجة/ 8هـ وتوفي يوم الجمعة 15/رجب/ 10هـ- راجع الجزء الثاني من السيرة الحسينية من هذه الموسوعة.

(2) العبارات مختلفة ومضمونها واحد، راجع صحيح مسلم: 4/1808 (كتاب الفضائل)، وسنن أبي داود 31/193 (كتاب الجنائز) وسنن أبي ماجة: 1/507 (كتاب الجنائز)، وصحيح البخاري: 1/158، (كتاب الجنائز)، وبحار الأنوار 43/261.

(24)

 

76

القاسم بن الحسين الهاشمي

...-...هـ = ...-...م

 

      هو: القاسم بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

      أورد اسمه ابن شهرآشوب(1) في جملة من استشهد في كربلاء حيث ذكر بعد مصرع أبي الفضل العباس «عليه السلام» ما يلي: «ثم برز قاسم بن الحسين وهو يرتجز ويقول:

إن تنكروني فأنا ابن حيــــــــدره

ضرغام آجام وليثٍ قــــــــــسوره

على الأعادي مثل ريح صرصره

أكيلكم بالسيف كيل السنـــــدره(2)

 

      ثم تقدم علي الأكبر ابن الحسين «عليه السلام»..»(3).

      ويرد عليه أن هذا الرجز نسب إلى عبد الله الأكبر ابن الحسن المجتبى «عليه السلام» في مقتل الخوارزمي وغيره(4)، كما أن أرباب النسب لم

__________
(1) ابن شهرآشوب: هو محمد بن علي السروي المازندراني الطبرسي (488- 588هـ)، من علماء ومؤرخي الإمامية، سكن بغداد والموصل وأخيراً حلب وفيها توفي، وقبر في محيط مشهد النقطة، من مؤلفاته، المثالب والنواصب، وأسباب نزول القرآن.

(2) ديوان القرن الأول: 1/163، وهو من الرجز المشطور.

(3) مناقب آل أبي طالب: 4/108.

(4) مقتل الخوارزمي: 2/28، ناسخ التواريخ (حياة الإمام الحسين): 2/320، بحار الأنوار: 45/306.

(25)

 

يذكروا قاسماً في عداد أبناء الإمام الحسين «عليه السلام» کي تصل النوبة إلى حضوره کربلاء ومقاتلته واستشهاده، ومن هنا جاء استغراب المجلسي(1) الذى نقله عبارة ابن شهرآشوب، فقال ما نصه: «وذكر - ابن شهرآشوب - هذا بعد أن ذكر القاسم بن الحسن سابقاً وفيه غرابة»(2)، وحتى ابن شهرآشوب لدي عده لأبناء الحسين «عليه السلام» لم يذكره في عداد أبنائه بل حصرهم في العليين الثلاث ومحمد وعبد الله وجعفر(3)، كما لم يعده من جملة المستشهدين بين يدي الإمام الحسين «عليه السلام» لدى عدهم مجملاً، حيث ذكر ستة منهم علي الأكبر وإبراهيم، وعبد الله، ومحمد، وحمزة، وعلي وجعفر، وعمر، وزید، وقال: وذبح عبد الله في حجره»(4).

ومن الواضح هناك فرق بين الموردين ففي الأول لم يذكر إبراهيم وحمزة وعمر وزيداً أولاً، وفي الثاني ذكر أنهم ستة ولما عدهم ذكرهم تسعة أشخاص ثانياً، وبالتالي فإن نقله الثاني يدل على عدم إرادة الحصر في نقله الأول.

وقال الخوئي(5) معلقاً على كلام ابن شهرآشوب: لا يبعد أن في النسخة تحريفاً، والصحيح هو القاسم بن الحسن، ويدل على ذلك أنه لم يذكر في المبارزين القاسم بن الحسن، مع أنه ذكر بأنه قتل مع عمه الحسين «عليه السلام»(6)، ونقول: بأن ابن شهرآشوب ذكر القاسم بن الحسن في المبارزين وذكر له رجزاً(7).

_____________
(1) المجلسي: هو محمد باقر بن محمد تقي (1037- 1111هـ) ولد وتوفي في أصفهان، من أعلام الإمامية، له مؤلفات جمة منها: مرآة العقول، ملاذ الأخبار، والمسائل الهندية.

(2) بحار الأنوار: 45/42.

(3) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/77.

(4) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/113.

(5) الخوئي: هو أبو القاسم بن علي أكبر (1317- 1413هـ) ولد في خوي وتوفي في النجف، من أعلام الإمامية، تولى المرجعية الدينية العامة، تتلمذ ثلة كبيرة من العلماء، من آثاره: مباني منهاج الصالحين، نفحات الإعجاز، وإنارة العقول.

(6) معجم رجال الحديث: 14/17.

(7) راجع مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/106 وسنأتي على ذكر نصه في ترجمة القاسم بن علي «عليه السلام».

(26)

وحسب تحقیقاتنا فإن ابن شهرآشوب تفرد في ذلك وكل من ذكره فقد أخذ منه ومعظمهم أيدوا استغرابهم(1)، ومن هنا نؤكد أن ابن شهرآشوب وقع في الخلط في القواسم الثلاثة الذين ذكرهم: القاسم بن الحسن، والقاسم بن الحسين، والقاسم بن علي، وسنأتي على مزيد من البحث والنقاش في القاسم بن علي «عليه السلام»، وخلاصة الأمر أن لا وجود لقاسم بن الحسين بل الموجود هو قاسم بن الحسن «عليه السلام» والذي قال بل شذ من لم يذكره عند ذكره لمقتل الإمام الحسين «عليه السلام».

وممن ذكره الإسفراييني(۲) حيث قال: «ثم برز بعده عبد الله بن الحسين وقاتل حتى قتل منهم أربعة عشر فارساً وقتل رحمه الله، ثم برز من بعده أخوه القاسم وقاتل حتى قتل عشرين فارساً ثم ضربه ابن فضل الأسدي فوق رأسه فوقع على الأرض وهو ينادي يا أبتاه، فجال الحسين كما يجول الصقر وضرب ابن فضل بسيفه فقسمه نصفين فصاح حتى سمعه القوم فحملوا ليستنقذونه فوطئته الخيل ونظروا الحسين وهو قائم على رأس الغلام يبكي ويقول: بعد اليوم خصمهم يوم القيامة جدي، ثم حمله كما هي عادته أنه إذا قتل أحد منهم يجول حوله ويقتل مقتلة عظيمة، ثم يحمله - ويضعه عند القتلى، ويقول قتلت مثل أصحاب النبي وآل النبي، ولم يزل كذلك حتى قتلوا عن آخرهم وهم سبعة عشر..»(3).

ويعد کلام الإسفرايیني استنصاراً لما ذكره ابن شهرآشوب، ولكن لا شك بأنه من التصحيف الذي كثيراً ما يقع بين الحسن والحسين، إذ المراد عبد الله والقاسم ابنا الحسن «عليه السلام»، وأما قوله «يا أبتاه» فإنه إما من إطلاق

___________
(1) راجع قاموس الرجال: 8/467.

(2) الإسفراييني: هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم النيسابوري الشافعي (ب230- 316هـ)، مؤرخ محدث، رحل إلى معظم الأقطار الإسلامية، صاحب كتاب نور العين في مشهد الحسين، ولا يخفى أنه غير إبراهيم بن محمد الإسفراييني المتوفى سنة 418هـ والذي له كتاب نور العين في مشهد الحسين، ولابن إسحاق كتاب المسند الصحيح المخرج على صحيح مسلم.

(3) نور العين في مشهد الحسين: 28، وجاء في نسخة أخرى «وهم سبعة وعشرون» طبعة النجف: 26.

(27)

 

الأب على العم، وهذا متعارف كما في قوله تعالى في قصة إبراهيم (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر)(1) أو قوله تعالى: (ونعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق)(2)، حيث قيل إن آزر كان عمه، وأن إسحاق أطلق عليه الأب بينما هو أخو إسماعيل والذي هو من الآباء دون إسحاق.

أو أنه من توهم المؤلف، أو الناسخ حيث أوقع التصحيف الأول بين الحسن والحسين إلى استخدام كلمة «أبتاه» بدل «عماه».

ويؤيد التصحيف بين الحسن والحسين أنه عندما عدهم مباشرة بعد ذلك كمجموعة سبعة عشر شخصاً قال: «وهم سبعة عشر منهم العباس وعبد الله وجعفر وعمر وعثمان هؤلاء الخمسة إخوة الحسين من علي وأمهم أم البنين، ومنهم أبو بكر وعمر أولاد علي وأمهم ليلى، ومنهم عبد الله وعلي أولاد الحسين، ومنهم محمد والقاسم أولاد الحسن، ومنهم محمد وعون أولاد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أخي الإمام علي، ومنهم عبد الله وجعفر وعبد الرحمن أولاد عقیل بن أبي طالب أخي الإمام علي، ومنهم عقيل بن أبي جعفر بن أبي طالب فهؤلاء السبعة عشر من بني هاشم»(۳) إذا فهناك قائمتان الثانية صححت قسماً من معلومات القائمة الأولى نذكرهم ضمن قائمتين حسب الحروف الأبجدية حتى يتضح الأمر:

القائمة الأولى

1- جعفر بن مسلم بن عقیل

۲- العباس بن علي بن أبي طالب

٣- عبد الرحمان بن مسلم بن عقیل

4- عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

__________
(1) سورة الأنعام، الآية: 74.

(2) سورة البقرة، الآية: 133.

(3) نور العين في مشهد الحسين: 28.

(28)

 

 

      5- عبد الله بن  الحسين بن علي

      6- عون الأكبر بن الحسين بن علي

      7- علي بن الحسين بن علي

      8- عون بن جعفر بن أبي طالب

      9- القاسم بن الحسين بن علي

      10- القاسم بن العباس بن علي

      11- (محمد) بن العباس بن علي

      12- مسلم بن مسلم بن عقيل

      القائمة الثانية

      1- أبو بكر بن علي بن أبي طالب

      2- جعفر بن عقيل بن أبي طالب

      3- جعفر بن علي بن أبي طالب

      4- العباس بن علي بن أبي طالب

      5- عبد الرحمان بن عقيل

      6- عبد الله بن الحسين بن علي

      7- عبد الله بن عقيل بن أبي طالب

      8- عبد الله بن علي بن أبي طالب

      9- عثمان بن علي بن أبي طالب

      10- عقيل بن أبي جعفر بن أبي طالب

      11- علي بن الحسين بن علي

      12- عمر (الأصغر) بن علي

      13- عمر (الأكبر) بن علي

      14- عون بن عبد الله بن جعفر

(29)

 

      15- القاسم بن الحسن بن علي

      16- محمد بن الحسن بن علي

      17- محمد بن عبد الله بن جعفر

من الواضح وجود خلل في نقل الإسفراييني لأسماء المبارزین والشهداء من جهتين: عدم ضبط الأسماء كما هي، وتغاير الأسماء بین قائمة المبارزين وقائمة الشهداء، وما يهمنا الآن أنه ذكر في القائمة الأولى القاسم بن الحسين، بينما له يرد له ذكر في القائمة الثانية، وإنما ذكر القاسم بن الحسن مما يؤكد لنا أن القاسم بن الحسين في القائمة الأولى هو تصحيف للقاسم بن الحسن، وبالتالي فلا يمكن بهذا النص الاستنصار لموقف ابن شهرآشوب من عد القاسم بن الحسين من شهداء کربلاء.

وأما بالنسبة إلى الخلل الواقع بين القائمتين أو في كل قائمة بنفسها هو كالتالي: أما بالنسبة إلى القائمة الأولى، فالخلل في ذكره لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعلي بن الحسين، والقاسم بن الحسين.

أما القاسم بن الحسين فرجحنا أنه تصحيف للقاسم بن الحسن حيث لم يورده في القائمة نفسها، واستشهاد ابن الحسن من المسلمات عند أرباب المقاتل.

وأما علي بن الحسين لا يمكن أن يكون أراد به علي الأصغر لأنه ذكره في جملة المبارزين، إلا إذا أراد به الإمام السجاد «عليه السلام» وهذا ما بحثناه في ترجمته من احتمال أنه شارك في جانب من القتال لوجود بعض المؤشرات، ولكن لم نجزم بذلك، ولكن الأرجح أنه أراد به علي الأكبر المستشهد بالطف، وإنما عبارته موهمة لتغاير العليين حيث قال: ثم برز علي بن الحسين واستأذن أباه في القتال فأذن له ثم نظر إلى وجهه وأسبل عبرته، وقال أشهد الله أنه برز لهم أشبه الناس برسول الله خلقاً وخلقاً، ثم إن ولده علياً الأكبر حمل على القوم ..» فقوله «ثم إن ولده علياً الأكبر» هو استمرار لسيرة الأول وليست جملة مستأنفة، وإنما استخدم ثم للتعقيب في سيرته، ولم يرد الانتقال إلى شخصية أخرى، وأما وصفه له بالأكبر، فهو الزيادة التوضيح وللإيجاز في نقل اسمه، حيث من المسلمات عنده أن الذي

(30)

 

برز هو علي بن الحسين الأكبر فلم يجد حاجة إلى وصفه بالأكبر ولما استمر في نقل الوقائع اختصر الطريق فوصفه بالأكبر، ولم يقصد التعدد.

وأما بالنسبة إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فمن المسلمات أن عبد الله الجواد بن جعفر الطيار لم يحضر کربلاء لأنه كان مكفوفاً، كما أن من المسلمات أن شقيقه عبد الله الأصغر مات صغيراً، وكذلك عبد الله الأوسط(1) مما يتطلب القول بأن في العبارة سقطاً، وربما كان كذلك «محمد بن عبد الله بن جعفر»، وهو ممن لا شك في حضوره في كربلاء واستشهاده كما ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالی.

وأما بالنسبة إلى القائمة الثانية فالخلل في ثلاثة أسماء: عقيل بن أبي جعفر بن أبي طالب، وعمر الأكبر بن علي، ومحمد بن الحسن .

فبالنسبة إلى الأخير «محمد بن الحسن» فلم يكن في ذكره منفرداً وقد سبق وتحدثنا عن ذلك في ترجمة «أحمد بن الحسن» ورجحنا بأنه تصحیف لأحمد بن الحسن.

وأما بالنسبة إلى عمر الأكبر بن علي فهو عمر الأطرف، وقد سبق وقلنا بأنه حضر الطف إلا أنه لم يستشهد، وأما المستشهد فهو الأصغر، وأما الأوسط والمعروف لدى العامة بعمران فقد استشهد في النهروان عام ۳۸هـ، والظاهر أن الأمر التبس بين مشاركة الأكبر (الأطرف) في القتال في الطف، وبين استشهاده فذكر في الشهداء، والصحيح أنه من المقاتلين.

وأما بالنسبة إلى عقيل بن أبي جعفر بن أبي طالب، فالغالب على الظن أن كنية «أبي جعفر» تخص عبد الله بن جعفر كما سبق وأشرنا إلى ذلك في بعض الموارد، ولكن هنا لا يمكن تطبيقه، ويبدو لنا أنه تصحیف لعون بن جعفر بن أبي طالب والله العالم..

وأما اختلاف النسخ في عدد المستشهدين بين «سبعة وعشرين» وبين سبعة عشر، فالظاهر أن الأول تصحيف للثاني، ليكون الصحيح سبعة عشر حيث عاد ليؤكد أنهم سبعة عشر بل أخذ يعددهم فكانوا سبعة عشر.

_________

(1) راجع ترجمتهما في ترجمة أبيهما في المقدمة من هذا المعجم.

(31)

وفي النهاية أود الإشارة إلى أن النسخ الثلاث التي لدينا من كتاب نور العين في مشهد الحسين المطبوعة الحجرية، وطبعة مصر، وطبعة النجف كلها طبعات رديئة، كثيرة الغلط، ولذلك لا يمكن حمل الأخطاء على المؤلف، والله العالم.

 (32)