أَضواءُ  على مدينة الحسين (ع)

اسم الکتاب : أَضواءُ على مدينة الحسين (ع)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن المملكة المتحدة

 

 

 

 

 

 

 

 

تاريخ حوزة كربلاء

بعدما قدمنا موجزاً عن حركة مجمل الحواضر العلمية الاسلامية كان من الضروري بيان تاريخ الحركة العلمية في كربلاء المقدسة.

        لاشك أن مدينة كربلاء لم تكن مجهولة في التاريخ ولم تمصيرها بشكل عام بعد معركة الكرامة آلت الى استشهاد الامام الحسينن عليه السلام بل كانت معروفة بأسماء مختلفة تحدثنا عنها لدى الحديث عن تاريخ هذه المدينة وجغرافيتها وقدسيتها في الحضارات السابقة على الاسلام، ولكن الذي نريد بيانه هنا هي الحركة العلمية الاسلامية، ومن هنا فإن الحديث يدور في العصر الاسلامي فقط، وما لاشك فيه أن هذه المدينة لم يؤسس فيها حاضرة علمية في أوائل بزوغ شمس الاسلام كما في المدينة لم يؤسس بل إن المدينة المنورة كانت البذرة الأولى لتأسيس مثل هذه الحواضر العلمية، وما إن انتقل منهل العلم من المدينة الى الكوفة والمتثمل بالامام علي عليه السلام فإنها أصبحت حاضرة اسلامية علمية عريقة كما هو الحال في المدينة المنورة حيث هاجر إليها الرسول الأعظم ص فبسط العلم فيها ودعمها الامام أمير المؤمنين ونجلاه عليهم أفضل الصلاة والسلام، وهذا الأمر بشكل وآخر ينطبق على مدينة الحسين كربلاء المقدسة لم تكن الا ثمانية أيام وساعات حيث وصلها من نينوى عند الضحى من يوم الخميس الثاني من محرم سنة 61هـ(4/10/680م)(1) واستشهد عند العصر من يوم الجمعة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يطابق هذا التاريخ الأشهر الميلادية قبل أن يضاف على التاريخ الميلادي بعض الأيام، وإذا أريد مقارنتها مع هذه الايام التي اعتمدت منذ قرون فإنها تطابق يوم 7/10/680م بالتاريخ الغربي، كما وتطابق بالاشهر المتداولة في التقويم الشمسي الهجري 14/7/ 59 ش. هـ، الموافق لـ 14/7/59 البرجي الهجري- راجع كتابنا الأوزان والمقاييس.

(25)

في العاشر من محرم من سنة 61هـ (12/10/680م) ولكن هذه الأيام الثمانية بلياليها كانت مدرسة علمية وعملية لم رافقه، ومنهلاً علمياً لمن سمع بها ومنهجاً عملياً لكل من وصل اليه خبرها.

        فالامام المعصوم (ع) عند الامامية يصبغ كلامة وعمله وتقريره بصبغة التشريع أولاً، وإن الامام الحسين عليه السلام منذ أن وصل الى مكة المكرمة كان المسلمون يتوجهون إليه لتصحيح مسارهم لتتطابق أعمالهم مع الشريعة الاسلامية، فمن الناحية العليمة فإن المعصوم أينما حل فإنه مصدر الهام وعلم لمن يلتقي به، ومما لا يخفى أن عدد المرافقين له من ذكور واناث ومن أهل بيته الأطهار وأنصاره الكرام قارب الثلاثمائة نسمة، ولا يعقل أنهم لم يستلهموا من الامام العظيم والسبط الكريم في سؤال أو حديث أو سيرة أو تقرير ما يكون درساً لهم، وهذا لا شك أنه حدث، مع العلم كان يتداول محاضراته العليمة آنذاك لم تكن كما عليه اليوم حيث يجلس الأستاذ ويلقي محاضراته العلمية من ظهر كتاب أو من ظهر القلب، بل العلم كان يتداول بهذا الشكل بالقاء السؤال تارةً، والقاء المحاضرات تارة أخرى، فهكذا بدأ الرسول ص وظل الأصحاب يتداولونه ويمارسونه مع الولاة من أهل بيته عليهم السلام، ومن يراجع سيرة الامام الحسين عليه السلام في كربلاء بالتحديد وبمنأى عن الرحلة التي ساقته الى كربلاء يجد أن هناك مسائل مختلفة عرضت عليه، ويكفينا ذلك لاثبات المراد، ولبناء البذرة الأولى لانشاء هذا الصرح الشامخ، وفي الواقع إن مجموعة الرسائل التي تلقاها الامام وكتابة الجواب عليها، بل والرسائل التي كتبتها لاتباعه ومخالفيه كثيرة بالنسبة للفترة القصيرة التي كان فيها على قيد الحياة، بل إن الخطابات الحسينية هي الأخرى تعد كثيرة بالمقارنة مع الزمن الذي عاشه على ظهر هذه الأرض المقدسة قبل أن يوارى جسده بداخلها، وبالقاء نظرة سريعة الى تلك الرسائل المتبادلة والخطب المتواصلة طيلة هذه الأيام يمكن أن نحصل على الكثير من المسائل العلمية من أصولها الثرة، وقد أوردنا ما يستنتج منها من مسائل فقهية في باب الفقه من « الحسين في التشريع الاسلامي»، ويعد هذا حسب التقسيم الموضوعي المرحلة الأولى من مراحل الحركة العلمية وغم أنها انخمدت بعض الشيء بعد دفن الجثمان الشريف يوم الثالث من استشهاده،

(26)

وظهور القبر بعد ذلك مما كان ملموساً في العشرين من صفر(1) ثم بنوا له مسجداً وبنوا عليه سقيفة(2).

        وإما المرحلة الثانية فقد بدأت عندما أخذت كربلاء تتمصر رويداً رويداً بعد هلاك يزيد بن معاوية الأموي سنة 64هــ حيث قام العلماء والمحدثون يزيارة هذا المرقد الشريف وكان قد أخذ بناؤه يتطور وبظهور المختار بن أبي عبيدة الثقفي سنة 66هــ (685م) وتولي محمد بن إبراهيم بن مالك الاشتر اتخذ حول المرقد الشريف وتوسعت الروضة كما وأنشئت فيها مرافق مختلفة وبني عليها قبة بقيت ماثلة الى القرن الثاني الهجري(3)، وفي هذه المرحلة جاور المرقد الشريف عدد من المحدثين والمحبين وأصبح المسجد والروضة والصحن موئ لطلاب العلم واصبح الحديث حول المعارف الاسلامية يدور بينهم ويتداول فيما بينهم، ومن هنا ذكر بأن المدثين والرواة والعلماء والفقهاء تجمعوا حول قبر الامام الحسين عليه السلام رويداً رويداً منذ أن بني على القبر الحسيني بنيان سنة 66هــ(682م)(4).

        وأما المرحلة الثالثة فقد بدات في منتصف القرن الثاني الهجري عندما قصدها الامام الصادق عليه السلام سنة 144هـ (761م)(5) واستقر في المكان الذي يسمى اليوم بمقام الامام الصادق عليه السلام شمال كربلاء(6) حيث تواصل الشعراء والفقهاء والمحدثون الشيعة حتى أصبحت أيامها كأيام سوق عكاظ مركزاً لقراءة الأشعار البليغة وذلك في أواخر القرن الأول وبدايات القرن الثاني الهجريين، وبوصول الامام الصادق عليه السلام الى أرض كربلاء مع ثلة من أصحابه وأهل الحجاز ازدلفت إليه الشيعة من رواد العلم، ولما اتسعت رقعة هذه المدرسة العلمية خاف المنصور الدوانيقي العباسي(7) أن يفتتن به

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع تاريخ المراقد: 1/246.

(2) راجع تاريخ المراقد: 1/ 249.

(3) راجع تاريخ المراقد: 1/250.

(4) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 2/149.

(5) راجع دائرة المعارف الشيعية العامة للأعلمي: 24/221.

(6) اليوم أصبح المقام داخل المدينة.

(7) المنصور الدوانيقي: هو عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس العباسي (95ـ 158هــ)، تولى الحكم بعد أخيه السفاح سنة 136هــ(754م) وهو ثاني حكام بني العباس، وكانت عاصمته بغداد حيث بناها لاجل ذلك.

(27)

الناس من إقبال العلماء واحتفائهم وأكرامهم به فبعث الى أبي  حنيفة(1) ليطلب منه مساعدته حيث يذكر الذهبي(2) في هذا المقام قائلاً: لما أقدمه المنصور الحيرة، بعث الي فقال: يا أبا حنيفة، إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من مسائلك الصعاب، فهيات له أربعين مسألة ثم أتيت أبا جعفر، وجعفرـ الصادق ـ جالس عن يمينه فلما بصرت بهما، دخلني لجعفرـ لصادق ـ من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفرـ المنصورـ، فسلمت وأذن لي فجلست ثم التفت الى جعفر فقال: يا أبا عبدالله ـ الصادق- تعرف هذا؟قال: نعم هذ أبو حنيفة، ثم أتبعها: قد أتانا، ثم قال: يا أبا حنيفة، هات من مسائلك نسأل أبا عبدالله، فابتدات أساله فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا، فربما تابعنا وتابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم(3) منها مسألة، ثم  قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟(4).

        وبعد أن مارس المنصور العباسي الضغط على الامام الصادق عليه السلام ترك كربلاء وعاد الى المدينة بعيداً عن مركز القرار العباسي في بغداد، ولكن الموالين تعاهدوا دار الامام الصادق عليه السلام وشاع بأنه اشترى الأرض التي حولها على النهر الذي يغذي كربلاء وأو قفها لتكون مقراً للزائرين والوافدين(5).

        والإمام الصادق عليه السلام هو ممن حث الموالين للسكن في كربلاء حيث يسأله الراوي إني بعت ضياعي وكل شيء لي لانزل مكة، فقال عليه السلام: « لا

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أبو حنيفة: هو النعمان بن ثابت بن زوطي الكابلي (80ـ 150هــ)، ولد في الكوفة وتوفي في بغداد، تتملذ على زيد بن علي الشهيد، والامامين الباقر والصادق عليهم السلام، عرفت مدرسته بعد وفاته بالمدرسة الحنفية.

(2) الذهبي: هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الأصل والتميم بالولاء والدمشقي الولادة (673ـ 748هــ) وصل للطلب العلم الى لبنان ومصر وأصبح مدرساً وإماماً ومؤلفاً، من مؤلفاته: منية الطالب، فضائل الحج واحكامه، وحقوق الجار.

(3) أخرم: نقص وقطع.

(4) سير أعلام النبلاء: 6/257.

(5) راجع الحوزات العلمية في الأقطار الاسلامية: 98، 100.

(28)

تفعل، فقال: ففي المدينة، فلم ينصحه بذلك، فقال: فأين أنزل؟ قال: عليك بالعراق الكوفة، فإن البركة منها على اثنتي عشر ميلا(1) هكذا وهكذا، والى جانبها قبر ما أتاه مكروب ولا مهلوف إلا فرج الله عنه» وأراد بذلك كربلاء(2)، وهناك أحاديث مروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تحث على السكن في كربلاء ، ولعل لهذه الروايات كان لها الاثر الكبير لتأسيس مثل هذه الحاضرة العلمية فيها، وقد تنبا الامام السجاد عليه السلام حين قال: كأني بالقصور وقد شيدت حول قبر الحسين عليه السلام وكأني بالاسواق قد حفت حول قبره، فلا تذهب الايام والليالي حتى يسار اليه من الآفاق وذلك عند انقطاع ملك بني مروان وبني العباس(3)، وقد روي عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام أيضا: كأني بالقصور قد شيدت حول قبر الحسين عليه السلام وكأني بالمحامل تخرج من الكوفة الى قبر الحسين ولا تذهب الليالي والايام حتى يسار اليه من كل الآفاق وذلك عند انقطاع ملك بني مروان»(4)، وحديث الامام الصادق عليه السلام الطويل للمفضل وفيه: « وليصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلاً وليجاورن قصورها كربلاء وليصيرن الله كربلاء عقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة والمؤمنون وليكونن لها شأن من الشأن وليكونن فيها من البركات...»(5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الميل: يعادل 23 كيلومتراً تقريباً.

(2) دائرة المعارف الشيعية العامة: 15/139.

(3) دائرة المعارف الشيعية العامة: 15/140.

(4) بحار الانوار: 41/287 عن عيون أخبار الرضا: 2/53، ولعل المراد من ملك بني مروان يشمل كل السلطات الجائرة حيث لو أزيل الجور لتوجهت أمم لزيارة قبرة الشريف كما هو عليه اليوم.

(5) بحار الانوار: 53/12.

(29)

 

(30)

 

الحركة العلمية في الحائر

 مضت الأيام والليالي والامام راقد تحت رمال كربلاء وأتربتها(1) والمعارك السياسية في حالة مد جزر.

        انقرضت الدولة الأموية سنة 64هــ (683م) والتي أراد مؤسسها أ، تبقى خالدة بخلود البشر، وتأسست الدولة المروانية على قواعد تلك الدولة ومرقد إمام الثائرين لم يخرج من المعادلة السياسية، فظلت منطقته بين صعود وهبوط ورقي وانحطاط، وأخذ زواره بل مجاوروه في انحسار وازدياد حسب الامواج السياسية والتيارات الحاكمة.

 ففي القرن الأول الهجري، وهو القرن الذي استشهد فيه الامام ع في كربلاء وخلص أهل بيته وأنصاره رضوان عليهم، هوت نفوس المسلمين الى مراقدهم، ولكن كلما سكنت اليه أفئدة من الناس لتستنير من مناهل الثاوي بها جاءت عاصفة فأبادتها أو أبعدتها.

        فلو أتيح للامام السجاد ع البقاء عند مرقد أبيه لما توانى عن ذلك كما هو المعتاد، وأدلى أهل بيته بالتصريح بذلك في النثر والشعر، ولتاسست منذ ذلك اليوم جامعة أهل البيت عليهم السلام هناك.

        وما نظن أن جابر الأنصاري الصحابي الجليل والروائي القدير كان يريد الفراق عن قبر ابن بنت رسول الله ص الا أن الزمرة الطاغية قد وضعت المسالح على الطرق المؤدية الى قبره حتى لا يحيى ذكره، ولكن شاء الله أن تحيى مدينته لاعلم والفضيلة وأبت ارادته الا أن يرفع اسمها وقد أمها في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أودع جسد الامام الحسين عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام وأنصاره رضوان الله عليهم في أرض الطف، فضمت كربلاء إذاً هذه الكتل النارية والطاقات النورية لتكون ناراً وثورة على الطغاة ونوراً وثروة للأباة، فلا غرابة أن يسعى الطغاة لمحو آثارها ولا عجب أن يسعى الآباة لأن يتزودوا منها.

(31)

الفترات الأولى أيام المختار(1) حملة العلم ورواة الحديث مجربة فتح مدارسها وعقد حلقاتها العلمية هناك الا أنها لم تدم لان الحكام ظلوا يلاحقونهم الى أن وصل الى الحكم عمر بن عبد العزيز الاموي سنة 99هــ (717م) فخفت الوطاة على محبي أهل البيت عليهم السلام وتمكنوا من الاقامة حول قبره الشريف بنوع من الطمأنينة، ولكنها ايضاً لم تدم طويلا، فقد جاء حكام آخرون مارسوا من جديد الضغط على الموالين لآل الرسول ص فلم يتمكنوا من مواصلة الدرب ولم يستطيعوا بث علومهم ونشر رواياتهم، وكان الفقهاء والمحدثون لا يتجاهرون بشيء مما عندهم خوفاً من سطوة المروانيين.

        وما أن مضى شطر من القرن الثاني الهجري وبالتحديد سنة 122هــ (740م) على عهد الحاكم المرواني هشام بن يزيد الاموي أخذا اوفود بما فيها العلماء والأدباء تتقاطر على مدينة الحسين عليه السلام(2) واستمر الحال كذلك الى أن انقرضت ادولة المروانية عام 132هــ(794م) وتأسست الدولة العباسية فأرخوا العنان في بأدئ الامر الى أن حكم المنصور العباسي  ما بين سنة 136و 158هــ (754ـ775م)، فرجع الخوف الى قلوب المجاورين والزائرين(3)، وفي سنة 144هــ (758م) قدم الامام الصادق عليه السلام لزيارة جده الحسين ع فلما أنهى زيارته أقام أياماُ في الغاضرية فسميت الاراضي التي أقام فيها بالجعفريات(4) وكان بصحبة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع حركة عمران المرقد الريف في هذه الموسوعة.

(2) جاء في كتاب مشهد الحسين للهر: 2/4« تأسست فيها ـ كربلاء ـ مدرسة دينية في القرن الثاني بعد الهجرة أسسها رجال من بني أسد بعد ما حصلوا العلوم من الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فمنذ ذلك الوقت جعل يتسلل اليها كثير من رجال العلم وعشاق الفضيلة وظماء الثقافة واستمرت تلك المدرسة باقية حتى شاهدها ابن بطوطة سنة 747هـ (1346م)، وخريجوا هذه المدرسة عقدوا حوزة علمية في الحلة الفيحاء وفي بغداد، فعلى هذا انتشر العلم من المدينة المنورة ثم من الكوفة وبعد ذلك من كربلاء ومنها الى سائر البلاد، فحازت كربلاء منتهى الشرف».

(3) جاء في رحلة عراقية أن هناك ناسكاً جاور مرقد الامام الحسين عليه السلام وكان يسرج في كل ليلة الضوء على قبره يسمى ددا شاه وكانت المياه آنذاك مقطوعة عن الحائر راجع باب عمران مدينة الحسين عليه السلام وباب الكرامات ذكرنا أمره بالتفصيل.

(4) دائرة المعارف الشيعية العامة: 15/110 وفيه: « أن الجعفريات تقع في شمالي كربلاء في مسافة ثلاثين متراً».

(32)

الامام عليه السلام جمع من أصحابه، وتظهر بعض المصادر أن زيارته لكربلاء تكررت وكان ينزل بهذا المكان مع أصحابه فلذلك سموه بمقام الامام الصادق ع(1) كما يظهر أنه ع كان يلقي فيها دروسه على أصحابه والرواة الملازمين له بل كان يحث شيعته على مجاورة جده الحسين ع(2)، ويذكر أيضاً أن أيام إقامة الكاظم ع في بغداد بعد أن أطلق سراحه من السجن حدود سنة 159هــ (776م) الى أن اعتقل ثانية  ثانية وكانت فيها منيته، انه كان يأتي الى كربلاء وبيقى بعض الأيام ويتصل به القلماء والمحدثون بعيداً عن سلطة بغداد(3)، وعرف المكان الذي كان يقيم فيه بمقام موسى بن جعفر ع(4) ومن ذلك اليوم سكن اولاده وأحفاده هذه الارض وسمي أطراف مقامه (بيته) بزقاق السادة أو السادات لانهم من نسلة.

        وما أ، تولى الحكم بعده المهدي العباسي سنة 158هــ (775م) وقامت أمه(5) بتمويل المدرسة الحسينية والحركة العلمية تشجع الموالون على مجاورة المرقد المطهر، وعندما تمكن خدمة الروضة أيضاً من البروز، وفي هذه الفترة يبدو أن الروائي الكبير عثمان ين عيسى الكوفي الراسي الكلابي العامري سكن كربلاء إثر رؤيا رآها بأنه سيموت في الحائر، عندها توجه من الكوفة الى كربلاء وسكنها مع إبنيه وذلك في عهد الامام الرضا عليه السلام أي بعد سنة 183هــ (799ن) واقام في الحائر حتى مات ودفن هناك، وقد ألف محموعةمن أمات الكتب منها: كتاب المياه، وكتاب القضايا والاحكام وكتاب الوصايا وكتاب الصلاة(6) الى جانب محمد بن شهاب بن صالح البارقي والذي كان من أصحاب الامام الصادق ع المتوفي سنة 148هــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع حركة عمران المرقد الشريف في هذه الموسوعة.

(2) جاء في كتاب مشهد الحسين للهر: 2/4 « تأسست فيهاـ كربلاء ـ مدرسة دينية في القرن الثاني يعد الهجرة أسسها رجال من بني أسد بعد ماحصلوا العلوم من الامام جعفر بن محمد الصادق ع فمنذ ذلك الوقت جعل يتسلل اليها كثير من رجال القم وعشاق القضيلة وظماء الثقافة واستمرت تلك المدرسة باقية حتى شاهدها ابن بطوطة سنة 747هــ (1346م)، وخريجوا هذه المدرسة عقدوا حوزة علمية في الحلة الفيحاء وفي بغداد، فعلى هذا انتشر العلم من المدينة المنورة ثم من الكوفة وبعد ذلك من كربلاء ومنها الى سائر البلاد، فحازت كربلاء متهى الشرف.»

(3) جاء في رحلة عراقية أ، هناك ناسكاً جاور مرقد الامام الحسين ع وكان يسرج في كل ليلة الضوء على قبره يسمى ددا شاه وكانت المناه آنذاك مقطوعة عن الحائر راجع مجلة الحوزة القمية العدد: 72/ الصفحة:152.

(4) له ترجمة في الأعلام من هذا الباب سنأتي عليه ـ راجع رجال النجاشي: 212 ومعجم رجال الحديث: 11/117.

(33)

(765م) الذي وصف بكونه كان شيخاً من اهل الكوفة خطيباً في مشهد الحسين ع(1).

        وفي القرن الثالث الهجري أو قبله بقليل وبالتحديد سنة 192هــ (808م) أخذ الرشيد بمضايقة المجاورين للمرقد الى أن استلم الحكم إبنه المأمون ما بين سنة 198ـ 218هــ (813ـ 833م) فاقتضت السياسة مراعاة شعور الموالين لاهل البيت عليهم السلام ولكن أسفي على عهد المتوكل العباسي 232ـ 247هــ (847ـ 861م) فإنه كان أشد العباسيين على الموالين فبدا بقمع العلماء والشرفاء ولكن حدث تطو مهم ولأول مرة في فترة حكمة حيث برز الصراع بين الموالين والحكام، فكانت كربلاء بين كر وفر في الهجرة اليها وعنها، وبين أخذ ورد في أورقة الحاكمين وخيام الموالين(2) وقمع المجاورين والزارين دون أي تمييز بين اهل المعرفة وأصحاب الفضيلة، ولكن نتائج الصراع جاءت لصالح الموالين بعدما قاموا بعمليات دعائية كبرى عبر الشعراء والأدباء(4) وكتبوا الشعارات المضادة  على جدران العاصمة بغداد، وقد وفد الى كحربالء المقدسة محموعة من أهل الفضل والأدب وأبدوا استنكارهم، كالاديب الفاضل الشاعر زيد المجنون(5) والعلامة الحجة الشيخ محمد بن الحسين ين علي الشيباني الاشتياني(6)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع فرحة الغري: 72.

(2) جاء في كتاب تراث كربلاء: 231 « إن الشائع على السنة الباحثين والمؤرخين أن كربلاء كانت في مطلع القرن الثالث مملوءة بالا كواخ وبيوت الشعر التي كان يشيدها  المسلمون الذين يفدون الى قبر الحسين عليه السلام».

(3) جاء في بحار الانوار: 45/404 «أن المتوكل أمر بحرث القبر عشرين مرة» وذلك خلال 15 سنة التي حكم فيها.

 (4) وممن هجا المتوكل دعبل الخزاعي فتبعه الآخرون.

(5) وفد زيد المجنون من مصر لأجل ذلك واستنكر على المتوكل فعلته بالمرقد والمجاورين وبسبب ذلك أدخل السجن.

(6) كان الاشتياني قد زارها سنة 240هــ (854م) مع أحد العطارين فرجع بعد الاعلان عن قتل المتوكل مع مجموة من الطالبيين ليعمرها مادياً ومعنوياً.

(34)

وذلك قبيل سنة 247هــ (861م)، لما وصل الى مسامع المنتصر العباسي ابن المتوكل استنكار العالم الاسلامي آنذلك قام بعلمية جريئة فاغتال أبيه سنة 247هــ(861م) وأراح العباد والبلاد من سوء تصرفاته، وعندها بل قبيلها نودي في العاصمة بالأمان لمن يريد كربلاء(1) فاستوطنها الكثير من أرباب العلم والجاه ومنهم السيد إبراهيم المجاب ابن محمد العابد ابن الامام موسى بن جعفر عليه السلام وابنه محمد الحائري(2).

        ومن بعدها قامت السلطات بدعم الحركة العلمية فيها بعد أن أثبت دعائمها رجال العلم والحديث، حيث يقول السيد محمد حسن الكليدار:« ولا يغرب عن البال أن كربلاء كانت خلال القرن الثالث مزدحمة بالزائرين الذين يفدونها من كل حدب وصوب لزيارة مرقد الامام الحسين ع وكانت أسواق كربلاء عامرة تسودها الطمانينة فتؤمها القوافل ومنهم من يؤثر السكنى وآخر من يعود الى بلاده، وهنا كثرت فيها القبائل العلوية وغير العلوية وأخذت تتمصرشيئاً فشيئاً، وكذلك زارها كبار رجال الحديث والسير من رجال الامامية وأخذوا في تدريس مسائل الدين والفقه لسكانها المجاورين والزئرين اتسعت الحركة العلمية فيها وصار الطلبة يقصدونها من مختلف الامصار»(3) وقد سببق وقلنا إن للشاعر زيد المجنون وصاحبه وهيب البهلول(4) والعلامة محمد بن الحسين بن علي الاشتياني وغيرهم سابق الدور في حدود سنة 247هـ (861م).

        وما أن هل القرن الرابع الهجري الا وشاع صيت أمثال الشيخ حميد بن زياد النينوي المتوفي سنة 310هــ (922م) الذي يدوره قام بتثبيت دعائم

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لقد سعى زيد المجنون بمعاونة بهلول من الحصول على هذا الصك من المتوكل نفسه وجعل ينادي في بغداد.

(2) تراث كربلاء: 107، ودائرة المعارف الشيعية العامة: 15/141.

(3) تراث كربلاء: 226 عن مدينة الحسين: 2/99.

(4) البهلول: وهيب بن عمر الكوفي الصوفي صاحب زيد المجنون في الاستنكار عل المتوكل، كان قد التقى به في الكوفة وانطلقا الى قبر الامام الحسين ع ثم رحلا معا الى بغداد للاجتماع على ذلك، وقد رافقهما الحارث الذي أمر بحرث القبر الشريف من قبل المتوكل العباسي فكانت النتيجة قتل الحارث وحبس زيد.

(35)

الجامعة الاسلامية هناك في أواخر القرن الثالث، بل سبقه اليها شيخه الشيخ محمد بن عباس الغاضري- وأبوه الشيخ عباس بن عيسى الغاضري(1) حيث بسطا حلثة الدرس والرواية في الغاضرية في منتصف القرن الثالث وتخرج عليهما عدد من الرواة والمحدثين والعلماء منهم الشيخ النينوي الذي تتلمذ عليه عدد من الفطاحل والمحدثين والعلماء منهم الشيخ النينوي الذي تتلمذ عليه عدد من الفطاحل وتخرجوا من حوزته ورووا عنه، من أبرزهم الحسين بن علي بن سفيان(2) وأبو الفضل الشيباني المجاز عنه سنة 310هــ(3) (922م) وأبو السحن علي بن حاتم المجاز عنه سنة 206هــ (918)(4) وأحمد بن جعفر بن سفيان(5) كما روى عنه أبو طالب الابناري وأبو غالب الزرادي وابن بطة وأبو القاسم علي بن حبشي بن قوني بن محمد الكاتب(6) ومحمد بن يعقوب الكليني والحسين بن محمد بن علان، وأبو الحسن بن جعفر الحائري وأبو علي محمد همام وغيرهم.

        ولم تقتصر نهضته العلمية على تخريجه العلماء والرواة بل خطا خطوة كبيؤرة في مجال التأليف فخلف أحد عشر كتاباً في الفقه والرجال والحديث

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي: 241و 200.  

(2) هو أبو عبدالله الحسين بن علي بن سفيان بن خالد المزوفري أستاذ المفيد والذي روى عنه التلعكبري هارون بن موسى الشيباني.

(3) هو أبو المفضل محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالله بن البهلول الشيباني، قرا على محمد بن جعفر بن بطة، وله كتب كثيرة.

(4) هو أبو الحسن علي بن ابي سهل حاتم بن ابي حاتم القزويني وهو من مشايخ الصدوق، وقد روى عن الحسن بن أبيه عن الحسن عن يوسف بن عقيل، وله من المؤلفات ما يبلغ الثلاثين كتاباً.

(5) هو أبو علي أحمد بن جعفر بن سفيان بن خالد البزفري، ابن عم أبي عبدالله الحسين البزوفري، روى عنه التلعكبري وسممع منع سنة 365هــ، وله من ه إجازة، وقد روى هو عن أبي على الاشعري أحمد بن ادريس.

(6)    جاء في مجلة الحوزة القيمة العدد: 72، الصفحة: 166 « إنه سكن كربلاء واشتغل عند النينوي وكانت له حلقة درس، تخرد عليه عدد من الاعلام، كان حباً حتى سنة 332هــ، وقد تتلمذ عليه اشيخ المفيد والسيد المرتى واسيد الرضي وأحمد بن محمد بن عباس المتوفي سنة 401هــ (1010م) والتلعكبري بأبو محمد هارون بن موسى الشيباني المتوفي سنة 385هــ(995م).

(36)

والدعاء والنوادر كما خلف أربعة تلاميذ مبرزين، وترك أربعمائة وثمانية وسبعين جديثاً رواها عن ثلاثة راوياً(1)، فقد روى أكثر الاصول واعتمدها المتاخرون عنه، ومن أراد تفصيل ذلك فليراجع ترجمته في بابه من هذا الموسوعة(2).

        وقد استمر بلامذته في ادارة المدرسة التي تركها لهم وهم بدورهم واصلوا مسيرتع العلمية وعندما جاء الدعم البويهي لتلك النهضة المباركة عبر زعمائها ، وفي هذا يقول الدكتول عبد الجواد الكليدار: «ازدهرت كربلاء في عهد البويهيين وتقدمت معالمها الدنينة والادتماعية والسيناسية والاقتصادية فاتسعت تجارتها واخضلت زراعتها وأينعت علومها وآدابها، قدبت في جسمها روح الحياة والنشاط فتخرج منها علماء فطاحل وشعراء مجيدون وتفرقت في مركزها الديني المرموق»(3) ومما يدلنا على الحركة العلمية في هذه المدينة المقدسة في أواخر القرن الرابع الهجري وأوائل القرن الخامس حيث أجاب الشيخ المفيد (336ـ 413هــ)(4) على أسئلة أهل الحائر عن سهو الني ص، ويقول المحقق والظاهر أن اسم الكتاب هو « جواب أهل الحائر على ساكنة السلام» ولكن عرف الكتاب باسم « عدم سهو النبي ص للمفيد»، وقد ورد آخره: « تم جواب أهل الحائر على ساكنه السلام فيما سألوا عنه من سهو النبي ص في الصلاة بحمد الله ومنه وصى الله على محمد وآله وسلم»(5).

        ثم زارها عز الدولة(6) البويهي سنة 366هــ (977م)(7) وشيد فيها

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يخفى أننا أوردناهم حسب الافرار الرجالي، والا فان بعضهم متحد مع البعض الآخر.

(2) معجم رجال الحديث: 6/289 عن رجال الشيخ الطوسي وخلاصة الرجال للعلامة: 59 وتراث كربلاء: 232 عن رجال النجاشي ورجال المامقاني ( تنقيح المقال) ، وأعيان الشيعة: 6/253.

(3) تراث كربلاء: 227 عن تريخ كربلاء وحائر الحسين: 171.

(4) الموافق لـ (947ـ 1022م)

(5) شبكة الشيعة العالمية بقلم السيد محمد رضا الحسيني الجلالي.

(6) عز الدولة: هو بختيار بن معز الدولة ابن عم عضد الدولة، حكم بغداد بين عامي (356ـ 367هــ) ثم وحد عضد الدولة دولتهم.

(7) تراث كربلاء: 77.

(37)

مدرستين إحداهما سنة 367هــ (978م) عند باب السدرة والأخرى سنة 371هــ (982م) جنب الصحن الصغير(1)، ثم زارها عضد الدولة البويهي خمس مرات في كيل سنة مرة آخرها كان سنة 371هـ فأحيا فيها حركة العلم والعمران(2) وأجزل العطاء على السادة العلماء والأشراف وكان عدد العوليين منهم في سنة 370هـ (981م) يربو على ألفين ومائتي شخص.

         والحديث عن القرن الخامس الهجري والحركة العلمية في حاضرة كربلاء يعود بالفضل الى زيارات ملوك آل بوية لكربلاء اللمقدية التي زرعت الطمأنينة في نفوس المجاورين من العلماء والاشراف ومنت النهضة العلمية فيها، فقد زارها وزير الدولة البويهية الحسن بن الفضل الرامهزمزي(3) ينة 407هــ (1017م)(4) والملك جلال الدولة(5) سنة 422هــ (1031م)(6) والوزير البويهي كنال الدين أبو المعالي عبدالرحيم(7) سنة 422هـ والملك صمصام الدولة أبو كاليحار(8) سنة 436هــ (1044م)(9).

        وبسيطرة البويهين على سلاطين العباسيين تغيرت سياسة حكومة بغداد وحلفائها تجاه مدينة الحسين عليه السلام وبقي أثرها في سلالتهم وهجروا سياسة آبائهم العدائية تجاه تطوير هذه المدينة.

        ويظهر من إجابة عدد من أعلام الطائفة على المسائل التي وجهت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجلة الحوزة القمية: العدد: 72، الصفحة:171ـ 172.

(2) تراث كربلاء: 277.

(3) الوزير الرامهرمزي: أمر الحسن بن الفضل الرامهرمزي وزير الدلو البويهية بتحديد عمارة المرقد فشيد البناء من الطابوق(الآجر) والجص، وشيد ايضا سوراً للحائر الحسيني.

(4) تاريخچ كربلاء: 64.

(5) تراث كربلاء: 78، عن المتظم: 8/105.

(6) الموسوعة العتبات المقدسة، قسم كربلاء: 96 عن الكامل في التاريخ: 90/353.

(7) كمال الدين أبو المعالي عبدالرحيم: هو وزير تركي في عهد السلطان البويهي جلال الدولة البويهي سنة 431هــ.

(8) صمصام الدولة: هو أبو كاليحار المرزبان(379ـ 388هــ)، أحد سلاطين بني يويه، تولى الحكم بعد وفاة أبيه سنة372 هجرية زمن السلطان العباسي الطائع لله.

(9) موسوعة العتبات المقدسة، قسم كربلاء: 96، عن الكامل في التاريخ: 9/358.

(38)

إليهم من الحائر الحسيني في المنتصف الأول من القرن الخامس ان هذه المدينة كانت مزدهرة بالعلم ومن تلك المسائل الثلاثمائة التي وجهها فضلاء هذه المدينة الى الشيخ محمد بن الحسن الطوسي حين كان في بغداد وذلك قبل هروبه منها إلى كربلاء في صفر سنة 449هــ (1057م) اثر فتنةٍ أحدثها اللسلاجعة أواخر سنة 448هــ (1056م) وأحرقوا مكتبته وقد سماه المؤلف بكتاب المسائل الحائرية(1) ومن ذلك ايضا الأسئلة الموجهة الى الشيخ محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري المتوفي سنة 463هــ (1071م) والذي كان خليفة الشيخ المفيد المتوفى سنة 413هــ (1021م)(2).

        ومنها أيضا المسائل الحائرية للشيخ هاشم بن الياس الحائري والذي كان من أعلام القرن الخامس الهجري(11م)(3).

        والر جانت ذلك فإنَ الشيخ الطوسي عندما هرب من بغداد فيصفر سنة 449هــ اتجه الى الحائر مما يدل أنه كان فيه جامعة زاخرة بالعلم ثم بعد سنة توجه الى الغري (النجف)(4).

        ومايدل على فاعلية هذه الحاضرة العلمية بروز عدد من أعلام الفكر الامامي في الحائر أمثال الفقيه الشيخ هاشم بن الياس الحائري صاحب كتاب المسائل الحائرية والمتوفى سنة 490هــ (1079م) وحفيده الفقيه الجليل الشيخ الياس بن محمد بن هاشم الحائري(5) ولا ينسى دور السلاجقة وملوكهم، فقد زار كربلاء الملك جلال الدولة السلجوقي(6) مع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الفهرست: 194، الذريعة: 5/218 باسم جوابات المسائل الحائرية.

(2) راجع رجال النجاشي: 288.

(3)راجع الذريعة: 6/4 عن أمل الآمل: 2/ 344.

(4) راجع مستدرك أعيان الشيعة: 5/67، وفي النابس في القرن الخامس: 162: « فهاجر الشيخ الى النجف ووضع الاساس لجامعة النجف، وقيل إنها كانت موجودة قبله».

(5) الشيخ إلياس كان تلميذاً للشيخ أبي علي الطوسي.

(6) هو أبو الفتح جلال الدولة ملك شاه بن أبي شجاع محمد ألب أرسلان بن داوٌد بن ميكائيل بن سلجوق، حكم ما بين عامي ( 464ـ 458هـ).

(39)

 وزيره الخاجة نظام المك سنة 479هــ(1086م) حيث وزع على المجاورين من الأشراف والعلماء ثلاثمائة دينار وعمر سور المدينة مما طمأن سكنة الحائر من الغارات(1).

        وهنا لابد من التطرق الى جامعة النجف الاشرف(2) والحلة الفيحاء حيثتأسست الأولى في هذا القرن بفضل شيخ الطائفة أبو جعفر محمد الطوسي المتوفى سنة 460هــ(3) (1068م) حيث انتقل إليها من بغداد(4) سنة 449هــ بعدما هبط كربلاء(5) إثر الخلافات السياسية على الحكم، وذلك عندما امتد النيار الفاطمي من مر الى بغداد على عهد الحاكم المستنصربالله الفاطمي (427ـ 487هــ) فطلب السلطان القائم بأمر الله العباسي (422ـ 467هــ) القابع في دار حكمه في بغداد الاستعانة بالسلطان طغرل بك محمد بن ميكائيل السلجوقي (429ـ455هــ) لانقاذ الدولة العباسية فلبى فدخل بغداد سنة 447هــ(1055م) وقاتل الفاطميين الى أن هزمهم ثم أثارها طائفية رعناء حيث أباد الشيعة وأحرق معالمهم  ومكتباتهم(6) وبوصول الشيخ الطوسي الى النجف الأشرف بدات الحركة العلمية فيها كما وأخذت تنمو حتى وازت جامعة كربلاء المقدسة الا أنها انتكست بوفاة ابن شيخ الطائفة أبو علي الحسن بن محمد الطوسي بعد سنة 515هــ (1121م) واستمرت الحركة بعده ابنه أبو النصر محمد بن الحسن الطوسي الا أنها توقفت بوفاته سنة 540هــ( 1145م) لتنتقل الى الحلة السيفية.

        وأما الحلة فقد أسسها الأمير سيف الدولة صدقة بن دبيس الأسدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تراث كربلاء: 78.

(2) كان ظهور قبر الامام أمير المؤمنين ع سنة 175هــ بواسطة هارون الرشيد العباسي كما في أعيان الشيعة: 1/535.

(3) وهناك من يقول: إن الحركة العلمية بدأت قبل الشيخ الطوسي إلا أنه لا يؤيد بدليل، راجع موسوعة العتبات المقدسة: 7/11.

(4) بغداد شيدها المنصور العباسي سنة 145هــ (762م).

(5) النابس في القرن الخامس:10.

(6) من جملتها مكتبة الشيخ الطوسي وهدم بيته.

(40)

 المتوفى في شهر رجت من سنة 501هــ(1108م) وكان قد تم بنارها من جديد سنة 495هــ(1102م) وبوجوده أمها الادباء والشعراء مما ساعد على خلق أرضيه لجامعة عليمة في المستقبل التي خرجت الفطاحل والأعلام.

        وبالنسية الى القرن السادس الهجري والعودة بالكلام الى كربلاء حيث زارها ابن مؤسس الحلة الأمير دبيس بن صدقة(1) سنة 513هــ (1119م) فدخخل الحرم الحسيني حافياً باكياً وكسر المنبر الذي كان بأسم العباسيين هناك المصنوع لاقامة صلاة الجمعة وخطبائهم، مما زاد من طمأنينة أهل الحائر(2) ثم إن الحاكم الراشد بالله العباسي حين تولى الحكم سنة 529هــ (1125م) أطلق الحريات بالنسية الى هذه المدينة فقصدها الناس زرافات ووقدوا اليها جماعات، وفيهم رجال العلم وأصحاب الفضيلة.

        وبذلك حصل تغيير في نهج السلطة فبينما كانت السلطة من قبل تحارب وتقمع كل حركة من أنها تطوير الحائر نرى أن المقتفي لأمر اللله العباسي توجه في شهر ربيع الثاني سنة 553هــ (1159م) الى زيارة الامام الحسين ع وصرف المبالغ الطائلة على هذه المدينة وعلى المجاورين من العلمية هناك وشعر رواد المعرفة وطلاب العلم بالطمأنينة وخرجوا من حالة الخفاء، فظهر فيهم العديد من فطاحل العلماء، ولا يخفى أن تأسيس جامعة أخرى بالقرب منها في النجف الأشرف كان داعماً ومساعداً لها بشكل أوسع.

        وملخص القول عن دعم هذه الجامعة في هذا القرن كان من ثلاث محاور هي:

        1ـ تغييرسياسة الحاكم العباسي ببغداد لصالح هذه المدينة وجامعتها مما رفع الخوف القديم العالق بنفوس أهالي كربلاء.

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) تولى الأمير دبيس بن صدقة بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي إمارة الحلة بعد موت أبيه سنة501هــ وحتى سنة 529هــ.

(2)تراث كربلاء: 79 عن المنتظم لابن الجوزي: 9/74.

(41)

        2ـ تأسيس الحلة على الولاء لأهل البيت عليهم السلام بفضل أميرها سيف الدولة الأسدي الذي أبدى حمايته لهذه البلدة وجامعاتها مما أعاد الطمأنينة الى نفوس أهل الحائر.

        3ـ تأسيس جامعة جديدة في النجف الأشرف عبر شيخ الطائفة مما ساعد على استمرارية الحركة العلمية في مدينة الحسين عليه السلام(1) والتواصل بينهما.

        فلذلك يعد القرن الخامس من القرون المزدهرة التي عاشتها كربلاء باطمئنان وشهدت النهضة العلمية فيها نشاطاً كبيراً وبزغ منها العلماء والأدباء، وممن بزغ نجمه في هذا القرن(2) من أفق كربلاء هو عماد الدين محمد بن علي بن حمزة الطوسي المكنى بابن حمزة وسطع نوره بحيث كني بأبي جعفر الثاني في قبال شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي(3) وعبر عنه بالامام والعلامة وناصر الشريعة، وهو صاحب التصانيف الجليلة، ومن جلالة قدره بروز قبره من بين القبور وظهور الكرامات منه من بين سائر العلماء، ومن رفعة قدره أن السلطان ناصر الدين شاه القاجاري جدد بناء مرقده عند تشرفه لزيارة أبي عبدالله الحسين عليه السلام سنة 1287هـ (1870م)(4).

        هذا وقد واصلت كربلاء حركتها العلمية بمجهود عدد من العلماء منهم الشيخ عربي بن مسافر العبادي المتوفى نحو سنة 600هــ حيث طاف البلاد وشاهد كل الحواضر العلمية الى أن توقف في كربلاء وحضر على العلمين الشيخ الياس بن محمد الحائري والشيخ حسن هبة الله السواري

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا بالضافة الى سائر زيارات الملوك التي نمت بشكل مكثف لهذه العتبة المقدسة.

(2) ولايخفى أنه كان من المفروض أن تقدم الكلام عن ابن حزة قبل التحدث عن الحاكمين العباسيين الراشد باله والمقتفي لامر الله، نولكن قناعتنا بأنه من اعلام القرن السادس، فلذلك ذكرناه بعدهما، الا أننا ذكرناه في عداد أعلام القرن الخامس تبعاً لمن ترجمه قبلنا.

(3)لا يخفي لطف اتحاد إسمه وكنيته ولقبه مع شيخ الطائفة فانهما أبو جعفر محمد الطوسي.

(4) تراث كربلاء: 234.

(42)

الحائرين، وكان من الداعمين لتأسيس جامعة الحلة حيث استقر فيها فترة وفيها تتلمذ  عليه ابن ادريس(1).

        وفي أواخر القرن السادس بزغ نجم الشيخ ابن إدريس محمد بن أحمد الحلي المتوفى سنة 598هــ (1202م) في النجف فنقل الجامعة العلمية من النجف الى مسقط راسه الحلة وبذلك تقلصت الحركة العلمية في النجف ونشطت في الحلة لانتقال كثير من العلماءء والأعلام إليها تبعاً لشيخ الفقهاء ابن ادريس، وبقيت نشيطة الى آواخر القرن العاشر(2) على حساب النجف الأشرف.

        وفي القرن السابع الهجري، بل منذ أواخر القرن السادس، برز اسم تلميذ ابن ادريس في كربلاء، وهو السيد فخار بن معد الموسوي الحائري المتوفى سنة 630هــ(1233م) ولمع اسمه فوصفوه بالعلامة وبامام الأدباء والفقهاء والنسابة وما الى ذلك من الالقاب والاوصاف التي قلما تمنح لاحد في ذلك الزمان مجموعة، وقد تخرد من مدرسته جمهرة من الفطاحل والاعلام من العامة والخاصة نخص بالذكر ابنه السيد عبدالحيمد، والمحقق الحلي المتوفى سنة676هــ(1277م)، وابن ابي الحديد المتوفى سنة 656هــ(1257م)  وغيرهم من كبار العلماء.

        كما وتتملذ وروى عن أحد أعلام كربلاء آنذاك ألا وهو العالم المحدث- على تعبير الأعيان- الشيخ أبو القاسم علي بن عليبن منصور الخازن الحائري(3)، كما وترك مصنفات جليلة، روى عنها تلامذته(4).

                فبهذه النخبة من أعلام ظلت جامعة كربلاء تحافظ على مكانتها العلمية واستمرت في نشاطها بفضل دعم الملوك والأمراء الموالين لأهل البيت ع من خلال زياراتهم لمرقد الامام أبي عبدالله الحسين ع مما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ترجمته في هذه الموسوعة.

(2) حين واصل المسيرة أمثال: المحقق الحلي المتوفى سنة676هـ ، والعلامة الحلي المتوفى سنة 726هــ، وغيرهما من آل طاؤس وآل الورام، وآل فهد وآل نما وغيرهم « راجع موسوعة العتبات المقدسة:7/53».

(3) أعيان الشيعة:8/393.

(4) مجلة الحوزة القمية العدد:5، السنة: 14، الصفحة:176.

(43)

ساعدها في الحفاظ على الهدوء والمضي في نهضتنا في نهضتها العلمية، فقد زارها حاكم بغداد جلال الدين الدواتدر الصغير(1) سنة 662هــ (1264م) من جهة، ومن جهة أخرى فقد فرق الحاكم المستنصر بالله العباسي(2) مبلغ ثلاثة آلاف دينار بواسطة نقيب الطالبين الحسين بن الآقاسي على الأشراف في كربلاء والنجف والكاظمية(3) وكان من قبله الحاكم الناصر لدين الله العباسي(4) في سنة 620هــ (1223م) قد أمر وزيره محمد المقدادي بتجديد مرقد الامام الحسين ع وأطلق الحريات(5) ويذكر الصالحي(6) بأن القرن السابع الهجري كان العصر الذهبي كربلاء(7).

        ولايخفى أن دفن الشخصيات السياسية والعلمية كان له دور كبير في هذا المجال(8) حيث أمتها أعداد كبيرة من هذه الشخصيات فدعموها دعماً مادياً ومعنوياً وكانت النتيجة لصلاح النهضة العلمية هناك.

        هذا وقد هبط أرض الحائر في هذا القرن السيد ابن طاؤس علي بن موسى بن جعفر، بين عامي 646 و625هــ (1248ـ1254م) واستفاد من نقيب الحائر العلامة السيد أحمد بن إبراهيم الموسوي الحائري(9)، كما

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جلال الجين بيك: هو جلال الدين بن محمد مجاهد الدين ابيك الصغير، وبما أنه كان منشئاً، أي كاتبا، لقب بالدواتدار(بالفارسية)، كان حاكم بغداد من قبل المغول.

(2) حكم المستنصر بالله بان اظاهر بأمر الله بين عامي 623ـ 640هــ، وقد زار مرقد الامام موسى بن حعفر ع في الثالث من رجب، وبعده صرف المبلغ.

(3) موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء: 100، عن الحوادث الجامعة لابن القوطي: 95.

(4) حكم الناصر ما بين عامي 575ـ 622هــ

(5) تاريخچه كربلاء:65.

(6) الصالحي: هو عبد الحسين بن حسن البرغاني، ولد في كربلاء سنة 1345هـ، وتوفي في قزوين سنة 1435هــ، كاتب مؤرخ، من مؤلفاته: الحوزات العلمية، المحطة الثانية، وكربلاء ماضيها وحاضرها.

(7) مجلة الحوزة القمية العدد: 5، السنة: 14، الصفحة: 176.

(8) راجع موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء: 98ـ100، راجع ايضا باب الحائر من هذه الموسوعة قسم من دفن في كربلاء.

(9) أعيان الشيعة: 8/358.

(44)