ادب الطف ـ الجزء الثالث 1




ادب الطف
او
شعراء الحسين(ع)

ادب الطف ـ الجزء الثالث 2




ادب الطف ـ الجزء الثالث 3


جواد شبر


ادب الطف

او

شـعراء الحسيـــن( عليه السلام)

من القرن الاول الهجري حتى القرن الرابع عشر

وما فاتني نصركم باللسان

اذا فاتني نصركم باليـد

الجزء الثالث



مؤسـسة التـاريخ

بيروت ـ لبنان



ادب الطف ـ الجزء الثالث 4



1422 هـ ـ2001 م

الطبعة الاولى


أدب الطف ـ الجزء الثالث 5


بسم الله الرحمن الرحيم

هذا هو الجزء الثالث من موسوعة شعراء الحسين عليه السلام أو أدب الطف ، وكنت على موعد مع القراء أن أوافيهم بالجزء الثالث وهو يحمل بين دفتيه شعراء القرون الثلاثة: السادس ـ السابع ـ الثامن ، ولكن العلم لا نهاية له ، وافق البحث والتنقيب كأفق الكون يتمدد ويتسع « والسماء بنيناها بأيد وانا لموسعون » ، ومن حيث اريد ولا اريد اتسع البحث حول القرن السادس واذا به يحتل المكان ولا يترك مكاناً لتالييه.
والحق اني كتبت الجزئين السابقين ولم اهيء نفسي كما يجب وانما تنبهت بعد لخطورة البحث وعظم المسؤولية ، ولا أبالغ اذا قلت اني نخلت اكثر من خمسين ديواناً من دواوين الشعراء في القرون المتقدمة وقرأت كل بيت من أبياتها عسى أن يكون هناك بيت يخص الموضوع ، وسبرت كثيراً من الدواوين ، وتركتها والنفس غير طيبة بفراتها ، تركتها والامل لم يزل متصل بها والحسرة تتبعها ذلك أني لا أؤمن أن أمثال أولئك الشعراء الفطاحل لم ينظموا في يوم الحسين مع ما عرفوا به من الموالاة والمفاداة لأهل البيت صلوات الله عليهم ، فهل تعتقد أن أمثال أبي تمام والفرزدق وابن الرومي والبحتري

أدب الطف ـ الجزء الثالث 6


والحسين الطغرائي وصفي الدين الحلي والمتني واضرابهم لم يقولوا في الحسين ولم يذكروا يومه ويتأثروا بموقفه البطولي مع أن يوم الحسين هز العالم هزاً عنيفاً لا زال صداه يملأ الافاق.
ان الكثير من تراثنا الادبي ضاع وأهمل وغطت عله يد العصبية في الاعصر الاموية وتوابعها في عصور الجهل والعقلية المتحجرة ، يدلك على ذلك ما تقرأه من نصوص الادب ودواوين الشعراء أمثال ديوان كعب بن زهير الذي نشرته دار القومية للطباعة والنشر في الجمهورية العربية المتحدة وعندما جاء على قصيدة كعب التي أولها:
هل حبل رملة قبل البين مبتور أم أنت بالحلم بعد الجهل معذور

روى لنا الشارح عن كتاب (منتهى الطلب من أشعار العرب) المجلد الاول ص 10 من مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 53 ما نصه: وقال كعب يمدح أميرالمؤمنين عليا ًعليه السلام. وكانت بنو امية تنهى عن روايتها وإضافتها الى شعره.س انتهى.
وعندما تقف على قصيدة عوف بن عبدالله ـ من شعراء القرن الاول الهجري والتي يستنهض بها التوابين لأخذ ثار الحسين عليه السلام وأولها.
صحوت وقد صح الصبا والعواديا ـ وقلت لاصحابي أجيبوا المناديا.
يقول المرزباني في معجم الشعراء ما نصه: وكانت هذه المرثية تخبأ ايام بني أمية ، وانما خرجت بعد ذلك.
وحسبك إذ تسأل التاريخ لم ضاع اكثر شعر ابراهيم بن العباس الصولي في أوائل العهد العباسي ولم جمع كل شعر له يتضمن الثناء على أهل البيت فاحرقه بالنار ، ولم ضاعت قصيدته التي تزيد على مائتي بيتاً والتي أنشدها

أدب الطف ـ الجزء الثالث 7


بين يدي علي بن موسى الرضا عليه السلام فلم يحفظ الناس منها الا مطلعها وهو:
أزال عزاء القلب بعد التجلد مصارع أبناء النبي محمد

واسأل التاريخ لماذا ينبش قبر منصور النمري في عهد هارون الرشيد ألأنه قال:
آل النبـي ومـن يحبـهـم يتطامنون مخافة القتـل
أمنوا النصارى واليهود وهم من أمة التوحيد في أزل

« وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون » .


المؤلف


أدب الطف ـ الجزء الثالث 8




أدب الطف ـ الجزء الثالث 9


الأبيوردي الأموي

محمد بن احمد الابيوردي الاموي القائل في رثاء الحسين عليه السلام من قصيدة:
وجدي وهو عنبسة بن صخر بريء من يزيد ومن زياد(1)

وفي معجم الادباء ج6 ص 342 قال: ورثى الحسين عليه السلام بقصيدة قال فيها ومن خطه نقلت:
فجدي ـ وهو عنبسة بن صخر ـ بريء من يزيد ومن زياد

أقول وجده الذي يفخر به هو عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن ابي سفيان وهو صخر بن حرب بن امية.

(1) الاعيان ج1 القسم الثاني ص 194.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 10


ابو المظفر محمد بن احمد بن محمد بن احمد الاموي المعـاوي الشاعر الابيوردي(1) مات باصبهان 20 ربيع الاول سنة 507.
قال ابو الفتح البستي يرثيه:
اذا ما سقـى الله البـلاد وأهـلهـا فـخص بسقـياهـا بـلاد أبيورد
فقد أخرجت شـهمـا خطيراً بأسعد مبـراً على الاقران كالأسد الوردي
فتى قد سرت في سر أخلاقه العلى كما قد سرت في الورد رائحة الورد

و (الابيوردي) نسبة الى أبيورد بفتح أوله وكسر ثانية وياء ساكنة وفتح الواو وسكون الراء ودال مهملة ، مدينة بخراسان وأصله من كوفن قرية من قرى ابيورد بين (نسا) وأبيورد.
قال ياقوت كان إماماً في كل فن من العلوم عارفاً بالنحو واللغة والنسب والاخبار ، ويده باسطة في البلاغة والانشاء وله تصانيف في جميع ذلك وشعره سائر مشهور.
أقول: نقلنا هذا عن الاعيان ج 43 ص 261 وترجمه الشيخ القمي في الكني والالقاب فقال:
كان راوية نسابة وكان يكتب في نسبه: المعاوي ينسب الى معاوية الاصغر في عمود نسبه ، له ديوان ومقطعات.
وكانت وفاته مسموما بأصبهان.

(1) ينتهى نسبه الى عثمان بن عنبسه بن ابي سفيان صخر بن حرب الأموي.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 11


وقال صاحب اعلام العرب: جاء الى بغداد وتولى فيها الاشراف على خزانة دار الكتب بالنظامية بعد القاضي أبي يوسف بن سليمان الاسفرائني المتوفى سنة 498 هـ وخاف أخيراً من سعي أعدائه عند الخليفة المستظهر العباسي احمد بن المقتدى المتوفى سنة 512 هـ لاتهامه بهجو الخليفة ومدح صاحب مصر ففر الى همذان ، ثم سكن أصفهان حتى توفي فجأة أو مسموماً سنة 507 هـ.
وأخذ الابيوردي عن جماعة ، وذكروا أنه كان من أخبر الناس بعلم الانساب ، متصرفاً في فنون جمة من العلوم ، وافر العقل ، كامل الفضل وكان فيه تيه وكبرياء ، وعلو همة ، وكان يدعو « اللهم ملكني مشارق الارض ومغاربها » !! وقد حصل من انتجاعه بالشعر من ملوك خراسان ووزرائهم ، ومن خلفاء العراق وأمرائهم ، ما لم يحصل لغيره! ومع هذا فهو يشكو كثيراً في شعره. وممن مدحهم سيف الدولة صدقة في الحلة الذي أغدق عليه الصلات والهبات.
له ديوان مطبوع مشهور قسمه الى: « العراقيات والنجديات والوجديات » وله تصانيف كثيرة منها كتاب ما اختلف ائتلف في أنساب العرب ، تاريخ أبيورد ونسا ، قبسة العجلان في نسب آل أبي سفيان ، الطبقات في كل فن ، تعلة المشتاق الى ساكني العراق. كتاب المجتبى من المجتبى في الرجال ، نهزة الحافظ ، كوكب المتأمل ـ يصف فيه الخيل ، تعلة المقرور يصف فيه البرد والنيران ، الدرة الثمينة ، صهلة القارح يرد فيه على المعري ، زاد الرفاق.
1 ـ ديوانه ، طبع بالمطبعة العثمانية بلبنان سنة 1317 هـ مرتب على الحروف.
2 ـ زاد الرفاق في المحاضرات ، يقع في 319 ورقة ، مصور عن نسخة دار الكتب المصرية وهو يشبه محاضرات الراغب الاصبهاني.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 12

ملاحظة:



جاء في الديوان وفي وفيات الاعيان ان وفاته كانت سنة 557 ولكن الاكثر على أنها سنة 507 كما في معجمي الادباء والبلدان وأبي الفداء ومرآة الزمان.
ومن شعره كما في الكنى والالقاب:
تنكـر لـي دهري ولم يدر أنني أعز وأحـوال الـزمان تهون
وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه وبت أريه الصبر كيف يكون

كان فيه تيه وكبر وعزة نفس ، كتب مرة رقعة الى المستظهر بالله العباسي ، ختمها بكلمة: الخادم المعاوي.
فكره الخليفة النسبة الى معاوية واستبشعها ، فكشط الميم من المعاوي فصارت: الخادم العاوي ، ورد الرقعة اليه.
وجاء في روضات الجنات: محمد بن احمد بن محمد بن احمد بن محمد بن اسحاق الحربي الاموي المعروف بالابيوردي الشاعر اللغوي ، كان كما نقل عن السمعاني اوحد عصره وفريد دهره في معرفة اللغة والانساب وغير ذلك وكان قوي النفس ، ومن شعره:
يا من يساجلني وليس بمدرك شأوي وأين له جلالة منصبي
لا تتعبـن فـدون ما أملتـه خرط القتادة وامتطاء الكوكب
المجـد يعـلم أيـنا خير أبا فأسأله تعلم اي ذي حسب أبي
جدي معاوية الاغر سمت به جرثومة من طينها بغض النبي
وورثته شرفاً رفـعت مناره فبنو أمية يفـخرون بـه وبي

ومن شعره ما رواه ابن خلكان
ملكنا أقاليم البلاد فاذعنت لنا رغبة أو رهبة عظماؤها


أدب الطف ـ الجزء الثالث 13


فلما انتهت أيـامناً علـقت بنا شدائد أيـام قليـل رخـاؤهـا
وكان الينا في السرور ابتسامها فصارت علينا بـالهموم بكاؤها
وصرنا نلاقي النائبات بأوجـه رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها

لمحة عن معاوية الثاني


أقول انه يفتخر بجده معاوية الاصغر وكان كما قال الخوارزمي: باراً فاضلاً. وهو ولي عهد ابيه ، خطب الناس فقال: ايها الناس ، ما انا بالراغب في التأمير عليكم ولا بالامن من شركم. وإن جدي معاوية نازع من كان أولى به في قرابته وقدمه ، أعظم المهاجرين قدراً ، ابن عم نبيكم وزوج ابنته ومنها بقية النبيين وسلالة خاتم النبيين . فركب منه جدي ما تعلمون وركبتم معه ما لا تجهلون حتى نزلت به منيته فتجاوز الله عنه ، ثم تقلد أمره أبي وكان غير خليق للخلافة فقلت مدته وانقطعت آثاره وصار حليف حفرته وأعماله ، ولقد أنسانا الحزن عليه. فيا ليت شعري هل اقيلت عثراته وهل اعطي أمنيته ، أم عوقب باسائته فانا لله وانا اليه راجعون ، ثم صرت انا ثالث القوم والساخط فيما أرى اكثر من الراضي ، وما كنت لأحتمل اثامكم والقى الله بتبعاتكم فشأنكم بأمركم.
فقال مروان: يا ابا ليلى سنة عمرية ، فقال يا مروان تخدعني عن ديني ، أئتني برجال كرجال عمر اجعل الأمر بينهم شورى ، والله لئن كانت الخلافة مغنما فلقد أصابنا منها حظ ، وإن كانت شراً فحسب آل ابي سفيان ما أصابوا منها ، ثم نزل. فقالت له امه : يا بني ليتك كنت حيضة في خرقة ، فقال: وانا وددت ذلك يا اماه ، أما علمت ان لله تعالى ناراً يعذب بها من عصاه وأخذ غير حقه ، فعاش اربعين يوماً ومات. وقيل له: اعهد الى من أحببت فإنا له سامعون مطيعون ، فقال: اتزود مرارتها واترك لبني امية حلاوتها. وكان له مؤدب يميل الى علي فظن به آل ابي سفيان انه دعاه الى

أدب الطف ـ الجزء الثالث 14


هذه الخطبة ، فاخذوه بعد موته (أي بعد معاوية) فدفنوه حياً. يقول الدميري في حياة الحيوان:
ان بني امية قالوا لمؤدبه عمر المقصوص: انت علمته هذا ولقنته اياه وصددته عن الخلافة وزينت له حب علي وأولاده وحملته على ما وسمنا به من الظلم وحسنت له البدع حتى نطق بما نطق وقال ما قال: والله ما فعلت ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي ، فلم يقبلوا منه ذلك واخذوه ودفنوه حياً حتى مات.
ألوان من شعر الأبيوردي


قال وقد أورده ياقوت الحموي في معجم الادباء
وعليلة الالحـاظ ترقد عن صب يصـافح جفنه الأرق
وفـؤاده كسـوارها حرج(1) ووسـاده كوشـاحها قـلق
عانقتها والشـهب ناعسة والافق بالظلـماء مـنتطق (2)
ولثمتهـا والليل من قصر قد كاد يلثم فجـره الشفـق
بمعانق ألـف العفاف: به كرم باذيـال التـقى علـق
ثم افترقـنا حيـن فاجأنا صبح تقاسـم ضوءه الحدق
وبنحرها من أدمـعي بلل وبراحتي مـن نشرها عبق

ومن روائعه قوله:
وهيفاء لا أصغي الى من يلومني عليها ويغريني بـها أن أعيبها
أميل باحدى مقـلتـي إذا بـدت اليها وبالأخـرى أراعي رقيبها
وقد غفل الواشي ولم يدر أننـي أخذت لعيني من سليمي نصيبها


(1) أي ضيق
(2) أي محاط
أدب الطف ـ الجزء الثالث 15


وللأبيوردي كما في الأعيان:
يلقى الزمـان الـى كف مـعودة في ندوة الحي تقـبيلا وإرفـادا
محسـد الجـد لم تطـلع ثنـيـته إن المكارم لا يـعد من حسـادا
يا خير من وخدت إيدي المطي به من فرع خنـدف آبـاء وأجدادا
رحلـت فالمـجد لا ترقى مدامعه ولم ترق عليـنـا الـمزن أكبادا
وضاع شعر يضيق الحاسدون به ذرعاً وتوسـعه الايـام انشـادا
فلم أهب بالـقوافـي بـعد بينكم ولا حمدت وقـد جربـت أجوادا
لا يخضعون لخطب إن ألـم بهم وهل تـهز الريـاح الهوج أطوادا

وله وقد رواه الحموي:
ومتشـح باللـؤم جاذبنـي العـلا فقدمه يسـر وأخـرني عسـر
وطوقت أعنـاق المقادير ما أتـى من الدهر حتى ذل للعجز الصدر
ولو نيلت الارزاق بالفضل والحجى لما كان يرجـو أن يثوب له وفر
فيا نفس صبـراً إن للهـم فـرجة فما لك إلا العز عندي أو القبـر
ولي حسب يستوعب الأرض ذكره على العدم والاحساب يدفنها الفقر

وقوله كما رواه الحموي:
خطوب للـقلـوب بهـا وجيب تكاد لها مفـارقنـا تشـيـب
نرى الأقـدار جــارية بـأمر يريب ذوي العقول بما يـريب
فتنجح فـي مطـالبـها كـلاب وأسد الغاب ضاريـة تخيـب
وتقـسـم هذه الأرزاق فـيـنا فما ندري أتخـطي أم تصيب
ونخضع راغمين لها اضطراراً وكيف يلاطم الإشفى(2) لبيب

وأنشد السمعاني له كما في معجم الأدباء:
كفي أميمة غرب اللوم والعذل فليس عرضي على حال بمبتذل


(1) الاشفى ، المثقب.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 16


إن مسني العدم فاستبقي الحياء ولا تكلفينـي سـؤال العصبة السفل
فشعـر مثلي وخير القول أصدقه ما كان يفتر عن فخر وعن غزل
أما الهجاء فـلا أرضـى به خلقاً والمدح إن قلته فالمجد يغضب لي

وله كما في معجم الأدباء:
عـلاقة بفـؤادي أعـقبت كـمـداً لنـظرة بمنـى أرسلتـها عـرضـاً
وللحجيـج ضجـيج في جـوانـبه يقضون ما أوجب الرحمن وافـترضا
فأيـقظ القلب رعـباً ما جنى نظري كالصقر نـداه ظـل الليل فـانتقـضا
وقـد رمتني غـداة الخيـف غانية بناظـر إن رمى لـم يخطىء الغرضا
لما رأى صاحبي ما بي بكى جزعاً ولـم يجـد بمنى عـن خلتي عـوضا
وقـال دع يا فتى فهـر فقلت لـه يا سعد أودع قلبـي طرفها مـرضـا
فبـت أشكـو هواها وهو مرتفـق يـشوقـه الـبرق نجـدياً إذا ومضـا
تـبدو لـوامعه كالسيف مختضبـاً شـباه بالـدم أو كالعـرق إن نبـضا
ولـم يطق ما أعانيـه فغـادرنـي ـ بين النقا والمصلى عندها ـ ومضى

ومن مفرداته:
لم يعرف الدهر قدري حين ضيعني وكيف يعرف قدر اللؤلؤ الصدف

وفي خريدة القصر للعماد الاصبهاني: الابيوردي هو محمد بن احمد بن محمد القرشي الاموي ابو المظفر شاعر في طليعة شعراء العربية وإن لم ينل حظه من الدراسة والبحث ، وهو مؤرخ وعالم بالانساب ، وله ديوان شعر مطبوع وقد اختار البارودي طائفة كبيرة من شعره في مختاراته ، وكان طموحاً ولعل هذا هو سبب قتله.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 17


وقال الابيوردي مفتخراً بنفسه:
تقول ابنــة السعدي وهي تلومني أمـا لك عن دار الهوان رحـيل(1)
فـإن عساء المستنـيم(2) الى الأذى بحـيث يـذل الاكرمون طويـل
فثـب وثبة فيها المنـايا أو المنـى فـكل مـحـب للحـياة ذلــيل
وإن لـم تطقها فاعتصم بابن حرة لهمـتـه فـوق السمـاك مـقيل
يعيـن على الجلى ويستمطر الندى علـى ساعة فيهـا النوال قـليل
فالمـوت خير للفتى من ضراعـة تـرد إليه الطـرف وهـو كليل
وما علمـت أن العفـاف سجيـتي وصبري على ريب الزمان جميل
أبى لي أن أغشى المطامع منصبي(3) وربـي بأرزاق الـعـباد كفـيل

وقال أيضاً مفتخراً:
وإنـي اذا أنكرتني الـبلاد وشيب رضى أهلها بالغضب
لكا لضيغم الورد كاد الهوان يـدب إلى غابـه فاغتـرب
فشيـدت مجـداً رسا أصله أمــت إلـيـه بــأم وأب
ولــم أنظم الشعر عجباً به ولم أمتـدح أحـداً مـن أرب
ولا هــزني طمع للقريض ولـكنه تــرجـمـان الأدب(4)

ورأيت في مجموعة خطية للمرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء في مكتبة كاشف الغطاء العامة برقم 872 أبيات الابيوردي الاموي والتخميس للشيخ محمد رضا النحوي من شعراء القرن الثالث عشر الهجري.
سلا عنكم من ضل عنكم وما اهتدى عشية آنسنا على ناركم هدى


(1) عن جواهر الادب جمع سليم صادر ج4 ص 190.
(2) استنام الى الاذى سكن إليه واطمأن.
(3) أصلى.
(4) عن جواهر الادب سليم صادر. ج4 ص 190.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 18


ومذ عادنا الشوق القديم كما بدا نزلنا بنعمان الأراك وللندى
سقيط به ابتلت علينا المطارف
عكفنا به والـركب للاين جثـم كأنهـم طير على المـاء حوم
قضوا للكرى حقاً ونومي محرم فبت أقاسي الوجد والركب نوم
وقد أخذت منا السرى والتنائف
صحا كل ذي شوق من الشوق وارعوى وبت أعاني ما أعاني مـن الجوى
أعلل نفسـي بـارعـواء عن الهـوى واذكر خوداً ، ان دعاني على النوى
هواها أجابته الدموع الذوارف
تنكـر ربـع بعـد ميثاء ممحل عفى رسمه العافي جنوب وشمأل
تعرض عنه العين والقلب مقبل لها في محانـي ذلك الشعب منزل
اذا أنكرته العين فالقلب عارف
وعهدي به والعيش برد منمنم به وهو للـذات واللهو موسم
ومذ هـاجنـي شوق له متقدم وقـفت به والدمع أكثـره دم
كأني من عيني بنعمان راعف

أقول ومن المناسب أن أذكر ما يخطر ببالي ممن مدح أهل البيت من الأمويين ، فمنهم مروان بن محمد السروجي. قال المرزباني في معجم الشعراء ص 321 هو من بني أمية من أهل سروج بديار مضر ، كان شيعياً ، وهو القائل:
يا بني هاشم بن عبد مناف إنني معكـم بـكل مـكان
أنتم صـفوة الإله ومنـكم جعفر ذو الجناح والطيران
وعـلي وحمـزة أسد الله وبـنت النبـي والحسنـان
فـلئن كنت مـن أمية إني لبـريء منها إلى الرحمن


أدب الطف ـ الجزء الثالث 19


وفي أعيان الشيعة ج1 القسم الثاني ص 193
مروان بن محمد السروجي المرواني وفاته سنة 460 وفي مطالع البدور ومجمع البحور(1) للقاضي صفي الدين احمد بن صالح اليماني قال: قال بعض الموالين للعترة الطاهرة وهو من بني أمية (الابيات)

وقال أبو الفرج الأصفهاني: ابو عدي الأموي شاعر بني أمية وهو عبد الله ابن عمرو بن عدي بن ربيعة بن عبدالعزى بن عبد شمس كان يكره ما يجري عليه بنو أمية من ذكر علي بن ابي طالب صلوات الله عليه وسبه على المنابر ويظهر الانكار لذلك فشهد عليه قوم من بني أمية ذلك وانكروا عليه ونهوه عنه فلم ينتهي فنفوه من مكة الى المدينة فقال في ذلك.
شردوا بي عند امتداحي علياً ورأوا ذاك فـي داء دوياً
فور بي لا أبرح الدهر حتى تمتلي مهجتي بحبي علـيا
وبنـيه لحـب احمـد إنـي كنت أحببتهم لحبي النبيـا
حـب دين لا حب دنيا وشر الحب حبـاً يكون دنياوياً
صاغني الله في الذوابة منهم لا زنيماً ولا سنيداً دعيـاً
عدوياً خالي صريحاً وجدي عبد شمس وهـاشم أبويا
فسـواء علـي لسـت أبالي عبشمياً دعيت أم هاشميا(2)

وجاء في كتاب « أدب الشيعة » تأليف عبد الحسيب طه قال: فمن المفاضلة والمدح قول أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي ، وكان شديد التشيع لعلي عليه السلام:
نهاركم مكابدة وصوم وليلكم صلاة واقتراء


(1) الكتاب في مكتبة كاشف الغطاء العامة.
(2) عن مجموعة المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، مكتبة كاشف الغطاء العامة وهي بخطه
أدب الطف ـ الجزء الثالث 20


بليتم بالقرآن وبـالتزكي فأسرع فيكـم ذاك البـلاء
بكى نجـد غداة عـليكم ومكـة والمـدينة والجواء(1)
وحق لكل ارض فارقوها عليهم ـ لا أبالكم ـ البكاء
أأجمـعكم وأقواماً سـواء وبينـكم وبيـنهم الهـواء
وهم أرض لأرجلكم وانتم لأرؤسهـم وأعينهم سماء!!

ورواها صاحب ديوان المعاني ، واعجام الأعلام ، والأغاني.

وأمر هشام بن عبد الملك عامله على المدينة أن يأخذ الناس بسب اميرالمؤمنين ـ علي بن ابي طالب ـ والحسين ، فيقول كثير بن كثير بن عبدالمطلب من كعب بن لؤي بن غالب:
لعـن الله من يسـب علياً وحسينـاً من سوقة وإمام
أتسب المطيبيـن جـدوداً والكرام الأخوال والأعمام
طبت نفساً وطاب بيتك بيتاً أهـل بيت النبي والإسلام
ركمـة الله والسلام عـليكم كـلما قـام قـائم بسـلام
يأمن الطيـر والظبا ولا يأ من رهط النبي عند المقام!!


(1) الجواء ، الواسع ،
أدب الطف ـ الجزء الثالث 21


ابن الهبارية


أحسـين والمبعوث جدك بالهدى قسماً يكون الحق عنه مسائلي
لـو كنت شاهد كربلا لبذلت في تنفيس كربك جهد بذل الباذل
وسقيت حد السيف مـن أعدائكم عللا وحـد السمهري البازل
لكنني أخـزت عنـك لشـقوتي فبلابلي بـين الـغري وبابل
هبني حرمت النصر من أعدائكم فاقل من حزن ودمـع سائل


أدب الطف ـ الجزء الثالث 22


الشريف ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح الهاشمي العباسي البغدادي الشاعر المشهور الملقب نظام الدين ، كان شاعراً مجيداً وله اتصال بنظام الملك ، له ديوان شعر كبير في اربع مجلدات ومن غرائب نظمه كتاب (الصادح والباغم) وهو على أسلوب (كليلة ودمنة) نظمه للامير سيف الدولة صدقة بن دبيس صاحب الحلة. نقل سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ان ابن الهبارية(1) الشاعر اجتاز بكربلا فجعل يبكي على الحسين وأهله وقال بديهاً: ـ أحسين والمبعوث جدك بالهدى الابيات.
ثم نام في مكانه فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام فقال له يا فلان جزاك الله عني خيراً ، ابشر فان الله تعالى قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين عليه السلام.
توفى بكرمان سنة 504 وعن انساب السمعاني انه توفي سنة 504 والصحيح 509 وقال: له في رثاء الحسين ومدح آل الرسول اشعار كثيرة.
وذكره السيد في الاعيان فقال: ابو يعلى نظام الدين محمد بن محمد بن صالح ابن حمزة بن عيسى المعروف بابن الهبارية الهاشمي العباسي البغدادي قال: وقد طبع كتابه (الصادح والباغم) في الهند ومصر وبيروت(2) وقال غيره: هو أحد شعراء بغداد المفلقين ، لازم خدمة نظام الملك صاحب المدرسة النظامية وأحد وزراء الدولة السلجوقية واتصل بغيره من الرؤساء وشعره في غاية الرقة ولكنه يغلب عليه الهزل والهجاء إلا أنه اذا نظم في الجد والحكمة اتى بالعجب كما في كتابه (الصادح والباغم) وله كتاب (الفطنة في نظم كليلة ودمنة).

(1) الهبارية بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة نسبة الى هبار جده لأمه.
(2)وهو في نحو 2000 بيتاً نظمها في عشر سنين ، وطبع في باريس سنة 1886 م وفي مصر سنة 1292 وفي بيروت سنة 1886 م .
أدب الطف ـ الجزء الثالث 23


وترجم له العماد الاصفهاني في (خريدة القصر) فقال:
الشريف ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح ابن الهبارية العباسي الشاعر وديوان شعره اربعة اجزاء.
وترجم له صاحب دائرة المعارف الاسلامية فقال: ولد في بغداد حوالي منتصف القرن الخامس الهجري (العاشر الميلادي) وتعلم في المدارس التي انشئت في ذلك العهد وخاصة في النظامية التي اسسها نظام الملك عام 459 هـ (1067) م ولم يكن يهتم بما كان يجري فيها من المناظرات الكلامية.
قال في خريدة القصر قسم العراق ، وأنشدت له بأصفهان من قصيدة:
أثار جار دارك وهي في شرع العلى ربع حرام آمن جيرانـه
لا يـزهدنك منظـري في مخبـري فالبحر ملح مياهه عقيانه
ليس القـدود ، ولا الـبرود ، فضيلـة ما المرء إلا قلبه ولسانه

وأنشدت له في الباقلاء الأخضر:
فصوص زمرد في كيس در حكت أقمـاعها تقليم ظفـر
وقد خـاط الربيع لها ثيـاباً لها لونان من بيض وخضر

وأنشدت له في نظام الملك:
نظام العلى ، ما بال قلبك قد غدا على عبدك المسكين دون الورى فظا؟
أنا أكثر الـوراد حقاً وحـرمة عـليـك ، فـي بالي أقلهم حظــاً؟

وأنشدت له ايضاً:
وإذا سخطت على القوافي صغتها في غيره ، لأذلها وأهينها
وإذا رضيـت نظـمتها لجـلاله كيما أشرفها به وأزينهـا

وقوله من قصيدة:
إنما المال منتهى أمل ألخا مل ، والود مطلب الأشراف


الفهرس التالي التالي