أقدم كنيسة في الشرق

كنيسة القصير في  تسعينات القرن العشرين الميلادي

على مسافة 70 كم من كربلاء وعلى مبعدة 5 كم من قصر الأخيضر التاريخي المعروف والى الغرب من بحيرة الرزازة..كان هناك موقع لا أحد يعرفه إلا بالاسم ولا أحد يعرف ما به من آثار..موقع يطلق عليه اسم ( القصَير ) فيه ما يشبه المدينة المتكاملة التي كانت تزخر بالحياة منذ قرون بعيدة وتحكي ما بقي من الآثار من إنها مدينة عامرة عاش فيها أهلها قبل الإسلام.
القْصَير 1911م

يقع القصَير ( ويسميه البعض : الاقيصر ) في وسط الصحراء ويحتوي على اثر كبير قد يعود بالمنفعة السياحية إضافة إلى دراسة آثار كربلاء على اعتبارها مدينة عميقة الجذور..الأثر هو كنيسة مسيحية لم يسمع بها حتى أهالي كربلاء..بل إن بعضهم اندهش حين سمع بهذا الأثر متصورين إن مدينة كربلاء يبدأ تاريخها مع واقعة الطف فحسب.
والاقيصر تصغير لكلمة القصر وهي لفظة محلية لان فيها ما يشبه القصر وهو الكنيسة التي تضم رسومات متعددة عبارة عن صلبان معقوفة دلالة الديانة المسيحية..توجد على جدران الكنيسة كتابات آرامية تعود إلى القرن الخامس الميلادي حسب ما ذكرته الدراسات التي قام بها عدد من الباحثين والاثاريين..وكذلك فإن في هذه الكنيسة مجموعة من القبور قسم منها يعود إلى رهبان الكنيسة ورجال دينها الذي كانوا يقدمون تعاليمهم وخدماتهم وهي ملاصقة للكنيسة..والقسم الآخر لعامة الناس من المسيحيين الذي يدفنون هنا وهي تبعد عن الكنيسة بمسافة تزيد عن 20 مترا..
كتابات باللغة الارامية على احدى جدران الكنيسة

الكنيسة يحيطها سور بني من الطين فيها أربعة أبراج ويوجد في السور خمسة عشر بابا للدخول وهي مقوسة من الأعلى..فيما يبلغ طول بناء الكنيسة ستة عشر مترا و عرضها أربعة أمتار..بنيت من الطابوق المفخور أو الفرشي..وهذه القيمة البنائية تثبت إنها اقدم كنيسة شرقية في التاريخ لأنها وحسب الدراسات بنيت في منتصف ستينيات القرن الخامس الميلادي ، وهذا يعني إن هذه الكنيسة الموجودة في كربلاء قد بنيت قبل الإسلام بأكثر من 120 عاما حسب ما يذكره الدارسون والكتب..ولكن التنقيبات التي أجريت عام 1976 وعام 1977 هي التي اكتشفت هذا الموقع والكنيسة عندما قاد السيد مظفر الشيخ قادر البعثة العراقية في هذه المنطقة..وأشار إلى إن موقع الكنيسة كان مثبتا لدى الاخوة المسيحيين من الكلدان الذي كانوا يأتون إلى الكنيسة لزيارتها كل عام لاحياء قداسهم واقامة الصلاة في مذبح الكنيسة ، إن هذا المكان لا بد أن يكون مكانا سياحيا ودينيا للاخوة المسيحين لأنهم يعتبرون هذه الكنيسة هي اقدم كنيسة في الشرق الأوسط بل في الشرق عموما.. وعليه فان إعادة اعمارها لابد أن يجلب المنفعة للجميع..المسيحيون للصلاة وغيرهم كسياحة أثرية لان هذه الأرض هي منجم للسياحة ونحن بعيدون كل البعد عن استغلال ما لدينا من آثار من اجل السياحة في حين إن العالم لا يملك مثلما نملكه نحن ولديه السياحة عامل من عوامل الاستقرار الاقتصادي .
اقدم كنيسة في الشرق كما صورتها المس بيل سنة 1911

حين تنظر إلى القبور فان آثار النبش والحفر بقصد السرقة تراها واضحة حتى لكأن ما جرى بعد سقوط النظام من عمليات نهب وسرقة لم يترك حتى هذه الأماكن البعيدة ولان فيها قبور تاريخية فان السراق والنهاب تصوروا إن في هذه القبور ذهبا وحليا وأحجارا كريمة وغنائم أخرى..وقد نبش اكثر من 25 قبرا بحثا عن الغنائم..وترى أيضا آثار التخريب من قبل عسكر النظام البائد الذي اتخذ من موقع الكنيسة كمكان للتدريب والتصويب وترى بقايا القذائف المنفلقة وغير المنفلقة ما زالت موجودة ، إن النظام السابق وبدلا من تحويل هذا المكان إلى معلم سياحي حوله إلى موقع عسكري مما أدى إلى تخريب الكثير من معالم المكان إن كان لموقع الاقيصر أو لموقع الكنيسة أو للقبور التي كما أثبتت الدراسات والتنقيبات إنها حفرت كلحد للموتى وفيها بناء حجري يضم الرفات فيما يغطى اللحد بحجر كبير.. أما جدرانه فهي مكسوة بالجص وبعدها ينهال على القبر التراب ليطلى بطبقة من الجص لتكون هي الظاهرة من الخارج ، إن اتجاه القبور يكون دائما باتجاه بيت المقدس ويبلغ عمق كل قبر اكثر من متر و25 سنتمتر وطوله مترا و20 سنتمترا فيما يبلغ عرضه 60 سنتمترا. كنيسة القصير
إن العوامل البيئية قد عرضت الكنيسة إلى الكثير من التخريب من خلال ما تعرضت له من كوارث.. ونرى ذلك واضحا من خلال أبواب الكنيسة التي أغلقت من الخارج بالحجر والجص..لذا فإن الكنيسة إذا ما بقيت مهملة فان العوامل الآنية قد تعرضها إلى الكثير من المشاكل لان الترميم الصحيح هو السبيل الوحيد لكي تبقى الكنيسة صامدة على أن تعاد قبة المذبح التي سقطت ويعاد ترميم الغرف المهدمة المحيطة بالكنيسة المخصصة للكهنة إضافة إلى القيام بحملة لتشجير المكان وجعله اكثر جمالا مثلما نريد تعبيد الشارع الموصل إلى الموقع من الشارع الذي يربط كربلاء بعين التمر..وإلا فان ما تبقى من الكنيسة والموقع سيندثر حتما وسنخسر واحدة من المعالم الأثرية المهمة في العراق مثلما نخسر موقعا سياحيا رائعا سيأتي إليه آلاف السياح من المسيحيين وغيرهم لزيارة هذا ورغم اننا لم نشاهد هذا المعلم التاريخي المهم لوقوعه في منطقة نائية وخطرة الا ان العديد اكد لنا ان عائلتين تتخذان الكنيسة سكنا لهم !!! منذ اكثر من 25 سنة!

ساحة الكنيسة من الداخل في التسعينات