أصل تسمية كربلاء(1):
«من الصعوبة بمكان معرفة أصول أسماء المواقع القديمة بدقة خاصة في بلد كالعراق ، ضاربة حدوده في أغوار ما قبل التاريخ ، كما تعاقبت على حكمه أقوام عديدون ذوو لغات ولهجات مختلفة بدءاً بالعبيد والسومريين والساميين وإنتهاءا بالعرب المحررين ».
إن التسمية لكربلاء في الدولتين البابلية وألآشورية واللتين حكمتها القبائل السامية ، لا يمكن ضبطهما لعدم ورود أسماء ثابتة مكتشفة في السجلات البابلية أو ألآشورية ، برغم وجود بعض المكتشفات الفخارية في كربلاء . وفي ضوء ذلك فأن ألأسماء المتعددة لكربلاء في التاريخ وتفسيرات المؤرخين وما عرض منها من قبل الرحالة العرب وألأجانب ، أمكنني أن أضع هذه ألأسماء الواردة ضمن ثلاث مراحل متسلسلة تاريخيا كما يلي:ـ
1 ـ التسمية السامية وتشمل:
أ ـ كرب إيل
ب ـ كرب ال
جـ ـ كرب إيلا
د ـ كربلا تو
هـ كربلة
2 ـ التسميةألأعجمية : وهي كار ـ بلا
3 ـ التسمية العربية:ـ
أ ـ كربلا
ب ـ كربلاء
أولا ـ التسمية السامية
وتعني هذه ألأسماء جميعها مقر العبادة للآلهة البابلية وألآشورية ولكافة الساميين ، عدا إسم كربلة فإنه يعني رخاوة ألأرض .
وذكر ألأستاذ محمد حسن كليدار(2) عن الدكتور مصطفى جواد وقال : ـ
«إن الدكتور مصطفى جواد الذي كثيرا ما يميل إلى ألاخذ بتفسير ألأب اللغوي أنستاس ماري الكرملي الذي فسر كربلاء بأنها منحوتة من كلمتين « كرب » التي تعني مصلى أو حرم باللغة ألآرامية ، و (ال) الذي معناه (ألإله) عند ألآراميين الساميين ، وبذلك تكون لفظة كربلاء محرفة عن كلمتي (كرب ـ ال) ومعناه حرم ألإله» .
كلمة ايل
ومن المعلوم إن قرية كربلاء القديمة كانت ترتبط برستاق نينوى من طسوج مدينة سورا التي تجاور مدينة بورسيبا (برس) تقريبا وتقعان على نهر الفرات ، وكان النبي ابراهيم الخليل (ع) قد ظهر فيها وكذلك في مدينة سورا والفلوجة السفلى « الكفل وما جاورها ». وهذه المناطق الثلاث متجاورة وأصبحت المساحة التي تنقل فيها النبي (ع) بما فيها حدود مدينة النجف الحالية لنشر دينه الذي يعتمد على وحدانية ألإله الواحد ألأحد ، قبل أن ينتقل إلى الشام وثم إلى مصر ، وإلى الجزيرة العربية .
ويقول في هذا الصدد الدكتور أحمد سوسة (3): ـ
« إن حضارة الساميين القديمة في مجال الديانات السماوية وبخاصة عقيدة التوحيد (وحدانية ألإله وعبادة الواحد) ، فقد كان الكنعانيون أول من نطق بإسم الله خالق السماوات وألأرض ، وكان يعرف بإسم «ايل» أوألإله ، أو ألله في العربية الفصحى ».
ولا أعلم كيف يعتبر الدكتور أحمد سوسة الكنعانيين هم أول من نطق بإسم ألله خالق السماوات وألأرض! ومن المعلوم لدى الجميع وكذلك في ما أوردته الديانات السماوية إن أول من نطق بإسم الله خالق السماوات وألأرض ، وهو ألإله الواحد ، ودعا إلى التوحيد هو النبي إبراهيم الخليل (ع) وفي العراق بالذات ، مما سببت له هذه الدعوة محاولة حرقه ، وبالتالي إلى هجرته إلى الشام وثم إلى مصر ، وليس الكنعانيون ، كما إن ديانة إبراهيم الخليل تسبق عهد موسى واليهود والمسيح والنبي محمد (عليهم السلام) ، لهذا أرى أن وحدانية ألإله ظهرت في العراق قبل الوطن العربي والعالم أجمع (*). وبالذات في مدينة كوش «بورسيبا وتلال إبراهيم» وإنتشرت هذه الدعوة في مدينة سورا والفلوجة المجاورتين لبورسيبا ، وبعد هجرة النبي إبراهيم إلى الشام وإلى مصر إنتشرت هذه الدعوة سرا في مصر ، وبعدما هاجر إلى الجزيرة العربية نشر هذه الديانة علنا وتطورت بعد ذلك .
ولما كانت كربلاء مقر العبادة وخاصة عبادة التوحيد فلا بد لنا أن نتطرق إلى الجذر ألأول لهذه الديانة وعلاقتها بهذه القرية القديمة .
كما نعلم أن ذكر ألله كان شائعا بعد النبي إبراهيم الخليل عن شعراء الجاهلية قبل ألإسلام ، فمعظمهم كان يدرك معنى ألإله العلي الذي يهيمن على كل شيء خالق السماوات وألأرض ، فقد جاء في ديوان إمرئ القيس الشاعر العربي الشهير مايشير بوضوح إلى رفضه عبادة ألأصنام وميله إلى وحدانية ألإله.(4)
كما كانت الديانة الكنعانية من الديانات الراقية للأمم السامية الوثنية فعلى الرغم من تأثير الثقافة المصرية والثقافة البابلية والثقافة اليونانية الوثنية ، فيما بعد فيها لإحتكاكها بهذه الثقافات ، إحتفضت بطابعها البدوي السامي وبالتقاليد الكنعانية السائدة في جزيرة العرب ، فكان أكبر آلهة الكنعانيين ، وأعلاه مقاما ألإله « آيل » الذي لقب بألإله العلي إو ألإله العظيم ، وهو إسم ألإله «ايل» الوارد في التوراة (5)) ،وقد ورد إسمه فيها (229) مرة وأطلق عليه إسم ألله(6). وقد إقترن إسم ألإله (آيل) بإبراهيم الخليل .
وتؤكد التوراة إن ألإله (آيل) هو ألإله الذي كان يعبده إبراهيم الخليل وبذلك تكون دعوة إبراهيم الخليل إلى وحدانية ألإله أول دعوة عامة للتوحيد في تاريخ البشرية بالمعنى الدقيق لمصطلح التوحيد .
وقد إعتبر الكنعانيون جميع أرض كنعان ارض ألإله ايل وهو القادر على كل شيء والحاكم المطلق لا ينافسه منافس ولا يستطيع أحد إن يغير من إرادته وحلمه السامي وقد تسمى بسيد الآلهة الحامي وإن (7) ما يسبغه الكنعانيون من نعوت التعظيم وتفوق لإله واحد فوق الجميع يدل دلالة واضحة على تقبل الكنعانيين لعقيدة التوحيد ، والدليل على أن كلمة ايل أي ألإله أو ألله كلمة سامية عربية ألأصل وهو أن ملوك الساميين في الجزيرة العربية قبل ألإسلام كانوا يقرنون إسماؤهم بإسم ألإله ايل تيمنا وتبركا به على غرار ما نستعمله ألآن بإضافة إسم ألله إلى إسم الشخص مثل عبد الله وعبد ألإله وعبد الخالق . . . إلخ. وكان للإله (ايل) المكانة السامية نفسها عند ألآراميين فقد ورد إسمه مضافا إلى اسماء الملك (متي ايل) ملك ارباد الذي عقد معاهدة دفاع مشترك مع الملك ألآشوري (نيراري) (754 ـ 745 ق . م) .(8)
كما إتخذ الهكسوس الذي حكموا مصر بين سنة 1785 وسنة 1580 ق . م إسم ألإله (ايل) للتبرك به ، فأضيف إلى أسماء بعض ملوكهم إذ ورد ذكر أحد ملوكهم بإسم (يعقوب ايل) وقد ورد ذكره بمكان آخر (يوسف ايل) .(9)
وإن كلمة (ايل) التي تعني ألإله ألأعظم قد إستعملها أكثر ملوك معين وسبأ حيث كانوا يضيفون إسم ألإله (ايل) إلى اسمائهم .
ويقول ألأستاذ الجملي(10) إن (ايل كلمة عربية ألأصل وقد كانت منذ القديم في مختلف اللهجات العربية القديمة بمعنى ألإله ، وهي تعني الرب أو ألإله ، وقد وردت في مختلف اللهجات العربية القديمة في المعينية والسبئية والبابلية وألآرامية والكنعانية والسريانية والعبرانية فتطورت عنها كلمة ألإله أو ألله في العربية الفصحى) .
وبذكر قاموس الكتاب المقدس (11) إن كلمة (ايل) كلمة سامية ومعناها في ألأكدية ألإله بصورة عامة . إنما في ألأوجرتية (نسبة إلى أوغاريت) فأنها تعني أبو ألآلهة.
كلمة ال
وذكر الدكتور أحمد سوسة(12) عن الدكتور ديتلف نيلسون في بحثه التاريخي عن الديانة القديمة في شبه جزيرة العرب وقال : ـ
«إن هناك إسما واحدا بين أسماء آلهة العرب يجب أن نذكره وهو مشترك بين جميع ألاسماء وبه تتصل أكبر مشكلة في الديانات السامية وذلك ألأسم هو (ال) أو إله بمعنى ألله ، وكان هذا ألإله ( ال ) معروفا في كل مجاميع النقوش العربية القديمة ، فذلك ألإله وذلك ألأسم كانا إذن معروفين فيها قبل ألإسلام ليس فقط في شمال بلاد العرب بل وفي كل جزيرة العرب».
ويفيد العلامة ديسو (13) إن النقوش الصفوية (14) أخبرتنا وللمرة ألأولى وبدليل لا يقبل الشك كيف أن ألله كان معروفا لدى العرب وكان مقدسا خاصة في المجمع ألإلهي العربي الشمالي قبل أن يبشر به ألإسلام كإله للتوحيد.
كلمة كرب
وفي تاريخ اليمن القديم هناك أسماء ملوك بأسم كرب مع إضافة مقطع آخر إلى هذا المصطلح لتكملة ألإسم(17).
وهناك نقوش تحدثنا عن صراع بين الملكين وزعيم ريداني آخرتطلق عليه نقوشهم كرب ال ذي ريدان لعله قام في حمير بعد شمر(18).
كرب ـ ايلا
وذكر ألأستاذ محمد حسن كليدار(20) عن الدكتور مصطفى جواد وقال: ـ
«لقد أطلق على المعبد الذي يتوسط رستاق الناحية ـ نينوى ورستاق عقر بابل إسم (كرب ـ ايلا) ومعناه بألآرامية ـ حرم ألله وهذه المنطقة قد حددتها في هذا الجزء والتي تقع غرب الفرات وهي كربلاء القديمة .
كما ذكرها الطبري(21) : ـ
«بعد أن شيد المسلمون مدينة الكوفة عام 17 هجرية وحل الجيش عن كربلاء ، ثم إستبدل المسلمون إسم ألأستانة إلى كورة ، كما خففت لفظة (كرب ـ ايلا) إلى لفظة كربلاء».
ويتضح من ذلك أن إسم كربلاء قبل الفتح العربي ألإسلامي لكربلاء كانت تسمى (كرب ـ ايلا) ، وكما كانت كلمة ايل تعني ألإله الواحد ، وأن إسم كرب هو أحد أسماء الملوك ، والعظيم ، فان لفظة كرب ـ ايلا تعني ألإله العظيم ، أو ألإله الواحد.
ومن سردنا لبعض الروايات عن كربلاء فانها كانت أول قرية بعد بورسيبا تبنت عبادة ألإله الواحد ، وأول قرية في التاريخ العربي والعالمي تخصصت بعبادة « ألله » عز وجل . وذلك أثناء وجود إبراهيم الخليل في كوش التي لا تبعد عن هذه القرية إلا قليلا ، كما أنها تابعة إلى مدينة سورا التي تجاور كوش (بورسيبا) . ولم نشاهد أي قرية في العالم تخصصت بعبادة ألإله الواحد قبل ألإسلام سوى مدينة كربلاء القديمة ، وكان إسمها يدل على ذلك . كما ذكر هذا ألأسم في العصر البابلي وألآشوري معناه بألآرامية ـ حرم ألله .
كربلاتو
وذكر محمد حسن كلدار عن الدكتور مصطفى جواد(22) وقال: ـ
إلا أن لفظة كربلاء مختومة بألألف المقصورة ولو نص ياقوت في معجمه على المد ، لأنه من ألأسماء ألآرامية ، وقد ورد في الشعر ملحقا بألأسماء العربية ومثله حوراء ، وألأصل فيها القصر كسائر ألأسماء ألآرامية المختومة بالألف المقصورة ، وأقدم بيت شعر ذكر فيه إسم كربلاء (بالمد) قول معن بن أوس المزني في الجاهلية وقال: ـ
إذا هي حلت كربلاء فلعلها فجوز العذيب دونها والنوائحا

كربلة
وذكر أيضا(23) عن ياقوت الحموي وقال: ـ
«ذكر كربلاء بالمد عدة إشتقاقات منها (الكربلة) وهي رخاوة في القدمين وعللها لرخاوة أرضها وتربتها ، وأنها إشتقت من الكربل ، وهو إسم نبت الحماضي ، فيجوز أن يكون هذا الصنف يكثر نباته هناك فسمي به».
ان إسم كربلة قد ذكرناه لهذه القرية كما ذكرنا نفس ألإسم إلى قرية كربلة التي تقع شمال شريعة الصليب بمسافة 12 كم وتبعد عن مركز كربلاء الحالي في إتجاه الشمال بمسافة 25 كم .
وذلك لإستعمال هذه التسمية عند أكثر المزارعين وأصحاب ألأغنام وكذلك يستعمل إسم كربلا بالمد وليس يضاف إليه الهمزة ، ولم نلاحظ أي إستعمال آخر للإسمين المذكورين .
ومن خلال ما عرضناه من هذه ألأسماء عبر التاريخ لإسم كربلاء نرى أن أكثر هذه ألأسماء قد ظهرت في اليمن مثل كرب ، كرب ال ، وكرب ايل ، وذلك في حدود القرن الثامن قبل الميلاد ويكاد يجمع العلماء على أن اقدم النقوش السبئية المعروفة لا يتجاوز القرن الثامن قبل الميلاد ، ونلمس هذا ألإتجاه عند البرايت (24) الذي جعل تاريخ أقدم مكرب سبئي معروف (دون ذكر إسمه) حوالي سنة 800 ق . م وهو ذهب إليه فلبي أيضا مضيفا إليه أول المكربين هو (سمه علي) من غير نعت أو لقب.
ومن خلال ما أوردناه من إسم ايل وإسم كرب وإسم ال ، يتضح لنا أن أسم كربلاء سامي عربي ألأصل وقد كان يتكون من مقطعين أو بألأحرى من إسمين مركبين هما كرب و ال ، وهذا ألأسم يعني الملك العظيم ، أو ألإله ألأكبر ، لهذا نرى أن ذكر أكثر المؤرخين لكربلاء القديمة المجاورة إلى شريعة سيدنا العباس (ع) كانت معبدا للإله الكبير لهذا فان إسمها هو سامي ألأصل كان عبرانيا أو سريانيا أو آراميا أو أكديا أو آشوريا أو إسلاميا ، كما أعتقد أن هذا ألأسم وضع لهذه القرية من قبل أتباع النبي إبراهيم الخليل (ع) الموحدين ، وبعد السبي البابلي وإسكان العبرانيين في مدينة سورا التي منها كربلاء اصبحت هذه المدينة أو القرية قرية دينية خصصت لعبادة الواحد ألأحد ، وأن إسم كرب ـ ايل ، أو كرب ـ ال قد وضعه العبرانيون حسب اسمائهم والتي تتطابق مع أسمائهم في اليمن القديمة ، ثم تطور هذا ألأسم حسب ألسن كل قوم ضمن عصر معين قبل إحتلال الساسانيين للعراق وسوف نبحث اللفظ ألأعجمي الوحيد ، والذي لم يفرض على سكانها بل فقط ورد عند الكتّاب الفرس ولكن هذا اللفظ لم يرد عند السكان ولا له وجود أو سند تاريخي . كما سنبحث اللفظ العربي بعد التحرير.
ثانيا : ـ التسمية ألأعجمية (كار ـ بلا)
ذكر ألاستاذ محمد حسن كليدار (25) وقال: ـ
«فقد إستعمل الفرس الساسانيون تسمية (كار ـ بلا) الذي كان يتوسط رستاق ـ الناحية نينوى ورستاق عقر بابل ، ومعنها عند الساسانيين العمل ألأعلى ، كما كانوا يطلقون على أعمال الخير التي تقام في معابدهم حسب لغتهم القديمة لفظة (كار ـ بلا) أي بمعنى الفعل والعمل السماوي ، وكانت أرض كربلاء مقدسة وفق أرضها كان ( كانون النار ) ـ أي بيت النار ـ عند الزرادشتية وإسمه القديم هو ( مه بار سور علم) » .
ونود أن نوضح للقارئ الكريم أن لفظ كار ـ بلا لم يرد على قرية كربلاء مطلقا ، وذلك لآن سكانها من ألأصول السامية والتي سبقت الساسانيين في السكن بهذه القرية كما سبقت الفرثيين والكيشييين ، وان أهلها هم أول المجموعات البشرية التي آمنت بعبادة ألإله الواحد ، وأن الساسانيين هم محتلون وليسوا أصحاب السكن في هذه القرية ، لهذا لا يمكن أن يفسح أهل هذه القرية التي كانت غالبيتها من العبرانيين ومن ألآراميين المجال للساسانيين بفرض ديانتهم عليهم ، حيث أن الساسانيين وقبلهم الفرثيين كانوا عبدة النار، ولهم معابد في مناطق سكناهم ، فلا يجوز أن نقبل بهذا الرأي غير المبني على الحقائق التاريخية وكما هو معلوم أن هذا اللفظ الذي لدى الفرس كان مأخوذا أصلا من الكيشيين ، وأن كلمة (كار) قد إستعملها الكيشيون قبل ألأخمينيون ويقول في هذا الصدد طه باقر(26): ـ
أن كلمة كار «هي من الدور الكيشي وقد غيروا أسم بابل إلى (كار ـ دنياش) أي بلاد قطر دنياش» وهذا يدل أيضا أن أصل كلمة كار هي كيشية وليست فارسية ، كما أن كلمة (ال) هي سامية عربية ألأصل ، لهذا فقد أخذ ألأخمينيون هذه الكلمة للدلالة على القطر أو المدينة ثم إستخدمها الساسانيون.
وعندما أخذوا هذا اللفظ ليس لأن لهم عبادة للنار في كربلاء بل للتعبير عن العبادة السامية العبرانية التي كانت قائمة في قرية كربلاء ، حيث تصعب كلمة (كرب ـ ال) أو (كرب ايل) في لسانهم الفارسي ولفظوا إسم هذه المدينة بـ (كار ـ بلا) عوضا عن ( كرب ـ ايل) أو (كرب ال).

ثالثا : ـ التسمية العربية (كربلا ـ كربلاء)
إختلف اللغويون والبلدانيون في تسمية كربلاء بهذا ألأسم ، فمنهم من يذهب إلى ان أسمها عربي مأخوذ من (الكربلة) وهي الرخاوة ، وذلك إشارة إلى طبيعة أرضها ، ومنهم من يقول أن إسمها سامي مأخوذ من ألآرامية أو البابلية ، ولعل هذا أقرب إلى الصواب لأن الساميين سكنوها وأطلقوا عليها أسماءهم شأن المدن القديمة ، وقد كان إسم كربلاء ألأصلي في صدر ألإسلام كربلا ، بدون همزة ثم أضيفت الهمزة فيما بعد في الشعر العربي.
وذكر السيد سعيد رشيد زميزم (27) وقال: ـ
جاء من (كربل) وهو نبات أحمر اللون مشرق يكثر في كربلاء.
«وكان إسم كربلاء ألأصلي هو (كربلا) بدون همزة ثم أضيفت الهمزة فيما بعد في الشعر العربي حتى شاعت هذه الزيادة»(28).
وذكر ألأصفهاني(29) وقال: ـ
وقد عرف التاريخ (كربلاء) قبل الفتح ألإسلامي والهمزة جاءت آخرها للضرورة الشعرية من قبل الشعراء العرب المخضرمين . وأول شاعر عربي ذكر لفظ كربلاء في شعره قول معن بن أوس المزني في الجاهلية وقال: ـ
إذا هي حلي كربلاء فلعلها فجوز العذيب دونها والنوائحا

وقد كررنا هذا البيت للضرورة التوضيحية رغم إنا ذكرناه آنفا»
وذكر ألأستاذ جعفر الخليلي عن الطبري (30) وقال:ـ
«وأقام خالد في كربلاء أياما فشكاه عبدالله بن وثيمة كثرة الذباب فيها فأنشد (أشبع) احد الشعراء من جيش المسلمين شعرا فيما شكاه وقال :ـ
لقد حبست في كربلاء مطيتي وفي العين حتى عاد غثا سمينها

كما ذكر كربلاء أيضا ياقوت الحموي (31) من قول له في الكوفة وقال «لما توجه إلى المدائن وخاض بجنده دجلة حتى عبروا وهرب يزدجرد إلى اصطخر فارس . فأخذ خالد بن عرفطة مع فيلق من جيشه فدخل كربلاء وفتحها عنوة وسبى أهلها وقسمها. ثم إتخذها مقر لجيشه.
وبعد أن شيد المسلمون الكوفة ـ إستبدل غسم ألإستانة رقم (10) إلى إسم كور بابل ثم خففت كلمة (كرب ـ ايلا) ألآرامية إلى (كربلا) وأصبحت مسلحة تابعة لكور بابل . وبعدها نزحت إليها وسكنتها القبائل العربية من تميم وأسد ممتهنتين الزراعة لكثرة ألآبار فيها وخصوبة تربتها».
ونرى من هذه الرواية التي عرضها الطبري أن فتح كربلاء حصل عام 14 هجرية ، والصحيح أن كربلاء تم فتحها عام 12 هجرية قبل الحيرة ، ولكن سكانها إرتدوا على المسلمين بعد ذهاب خالد إبن الوليد لتحرير الشام ، وفي عام 14 هجرية تم إعادتها إلى الحضيرة ألإسلامية مرة أخرى.
أما ألإستانة رقم (10) ، فهي البهقباذ ألأوسط ، وكان يتكون من طسوج نهر الملك وطسوج السيبين وطسوج سورا ، وطسوج الجبة والبداة (32) ولما كان كربلاء القرية الصغيرة تابعة إلى طسوج مدينة سورا، فانها تعتبر جزء من ألإستانة رقم (10) لهذا تم تغيير إسم المقاطعة من البهقباذ ألأوسط إلى كور بابل وأن هذه المقاطعة تقع على نهر نينوى من صدره حتى نهايته في شرقي الكوفة تقريبا . ولهذا فان كور بابل ليس إسما خاصا بكربلاء بل أن كربلاء قرية صغيرة من كور بابل الكبيرة.
ويذكر ألأستاذ جمال بابان(33) عن ألأستاذ عبدالرزاق الحسني ويقول: ـ
إن أصل كلمة كربلاء ، إنه يحتمل أن تكون هذه اللفظة منحوتة من كلمة كور بابل العربية بمعنى (مجموعة قرى بابلية) منها : ـ نينوى، والغاضرية، وكربله والنواويس والحير.
ثم يضيف تعليق ألأستاذ الحسني على هذا الرأي بقوله :
«والذي يبعث الشك في هذا الأحتمال التاريخي اللغوي عدم تشخيص الحدود الجغرافية لهذه المدينة على وجه التحقيق والثبوت وهذا ما يجعله إحتمالا محددا».
وأود ان أوضح ما جاء به ألأستاذ جمال بابان وكذلك عبدالرزاق الحسني حول مفهوم كربلاء : والذي يحتمل أن تكون هذه اللفظة منحوتة من كور بابل . وقد أوضحنا أن مفهوم كور بابل هو مقاطعة كبيرة تقع على نهر نينوى من صدره حتى نهايته وأن كربلاء إحدى القرى التابعة إلى هذه الكورة . كما أن هذه التسميات حصلت في صدر ألإسلام وقبله بقليل ، اما إسم (كرب ـ ايل) فأنه كان منذ العصر البابلي ، أي بزمان أطول من ذلك بكثير لهذا لا يمكن أن نقبل بهذا ألإحتمال .
هذا ما عرضه علينا بعض المؤرخين ولضرورة فهم هذه التسمية نلخص ألآراء بما يأتي: ـ
1 ـ إن إسم كربلاء قد مر بعدة مراحل ، وكثرة ألألفاظ وذلك لخضوع هذه المنطقة إلى عدة أقوام سامية عربية أو أقوام محتلة فان كل قوم كانوا يضعون هذا ألأسم حسب لسانهم وإمكانية اللفظ . ولكن الجميع قد إتفقوا على أنها مقرا لعبادة الواحد ألأحد .
2 ـ أن أول التسميات هي (كرب ايل) ، ثم جاءت عند ألآراميين وألآشوريين (كرب ـ ال) و (كرب ـ ايلا).
إن كلمة كرب هي إحدى الأسماء السامية وتعني إسم المكان او إسم الملك ، أو الكبير ، او العظيم ، اما (ايل) فهو ألإله الواحد الذي عبده النبي إبراهيم الخليل عندما كان في هذه القرية وهي قرية كوش القريبة منها. وكلمة ال ، أيضا تعطي نفس الغرض لكلمة ايلا، فلهذا فأن إسم كربلاء يعني حرم الاله او مكان العبادة ، وهو من ألأسماء السامية ألأكدية والعبرية ، وكذلك (ايلا) تعطي نفس الغرض آنفا . إذن هي معبد النبي إبراهيم الخليل عليه السلام وسميت بإسم إله إبراهيم .
3 ـ اما ( كربلا ـ تو) فقد ورد عند ألآشوريين بعد ألأكديين .
4 ـ اما كلمة كربلة ، والتي تعني الرخاوة فقد وردت عند ألآراميين وذلك لأنهم نصارى ، ولم يكن لهم وجود في هذه القرية حيث كانت مغلقة للعبادة من قبل ساكنيها العبرانيين الساميين ، لهذا أطلقوا عليها إسم رخاوة ألأرض ، وتركوا مقر العبادة العبراني لأنهم ليس لهم نصيب فيه ، وقد كانوا يجاورون كربلة من غربها وشمالها. وكانوا بكثرة وأعدادهم تزيد بكثير على العبرانيين . وتكاد أن تكون القرى التي تقع شرق نهر الفرات مغلقة لهم .
5 ـ أما كلمة ـ( كار ـ بلا) فليس لها وجود في هذه الأرض ولا أحد من هؤلاء السكان يستخدم هذا اللفظ ، حيث كان ثقيلا على لسانهم . أما الفرس فكان معروف عندهم ، فقد أطلقوا على هذه القرية التي تخصصت بعبادة الله العلي القدير إسم كار ـ بلا. وتعني في مفهومهم نفس مفهوم كلمة (كرب ـ ايلا) أو (كرب ال) الساميتين.
6 ـ أما (كربلا ـ وكربلاء) ، فهي من ألأسماء العربية بعد التحرير العربي ألإسلامي للعراق ، حيث إستخدموا كلمة كربلا ثم أضيفت الهمزة إليها للضرورة الشعرية .
ومجمل القول أن كلمة كربلاء هي من ألأسماء السامية القديمة والتي ظهرت منذ العصر البابلي ألأول ، أو قبل ذلك عندما كان النبي إبراهيم الخليل في أرض كوش المجاورة لمدينة سورا والتي منها كربلاء ، وثم إستخدمت عند ألآشوريين وقد أدت نفس الغرض المتخصص بالعبادة ، وكذلك عندما سكن العبرانيون فيها بعد السبي البابلي.
كما إستمر هذا المفهوم في جميع عصور ألإحتلال ألأجنبي وأخيرا العربي ألإسلامي.
وملخص أصل التسمية في ضوء ما عرضناه هو (كرب ـ ايل) اي بيت ألإله ، وهو ألإله الذي عبده فيها النبي إبراهيم الخليل عليه السلام كما أوضحته التوراة وذكرناها آنفا. لهذا فان أول دير او معبد أقيم في الوطن العربي والعالم لعبادة ألله الواحد ألأحد هو الذي اقيم في كربلاء ، والذي أعطى إسمه إلى هذه المدينة ، وأختزل عند المسلمين من كرب ـ ايل إلى كربلاء . وقد يضم حاليا محلة باب الخان وباب طويريج وتصل حدوده حتى الفريحة تقريبا.
الحير والحائر والمشهد
إن تسمية الحير هي تسمية لمكان قبر ألإمام الحسين بن علي عليه السلام وكذلك تسمية مكان سيدنا العباس عليه السلام . أما الحائر فهي تسمية المساحة المحيطة بقبر كل منهما.
حيث أن المساحة المحيطة بمرقد سيدنا العباس (ع) والمسورة بسور خارجي تسمى حائر سيدنا العباس عليه السلام والمساحة المسورة بسور خارجي لمرقد ألإمام الحسين عليه السلام تسمى حائر الحسين عليه السلام ، وهاتان التسميتان موقعيتان لا غير ، فلا ترتبط باسم كربلاء أو تاريخها الجغرافي ولا بأية قرية من قرى كربلاء . لهذا فعند دراستنا تاريخ جغرافية كربلاء يجب أن نسقط مفهوم الطف كوحدة جغرافية مستقلة عن كربلاء وكذلك يجب أن نسقط مفهوم الحائر والحير كوحدتين جغرافيتين ، لأنهما تسميتان موقعيتان فلا يرتبطان بتاريخ جغرافية كربلاء كقرى أو رساتيق إو بلدة أو مدينة.
ولا يمكن أن نعوض أي مفهوم من هذه المفاهيم بما فيها المشهد عن دراسة جغرافية قرية كربلاء أو بلدة كربلاء أومدينة كربلاء . أو نقول كان إسما لكربلاء ، وفي ضوء ذلك لا يمكن أن نسمي الجامع أو المدرسة أو الدير أو المقاطعة باسم كربلاء ، فان مفهوم قرية كربلاء أو مدينة كربلاء أوسع وأشمل من هذه التسميات التي تنتظم جميعها ضمن مفهوم كربلاء الجغرافي أو التاريخي.
أن كربلاء بقيت قرية تابعة إلى رستاق نينوى منذ العصر البابلي ألأول ، ولم تصبح رستاقا أو طسوجا حتى القرن الرابع الهجري أو الخامس الهجري ، ونرى عندما قسم العراق إلى ستة ولايات في القرن الثالث الهجري أصبحت كربلاء حتى هذا الوقت تابعة إلى رستاق نينوى من مدينة سورا (سوراء). وأن مركز كربلاء كان في قرية گربط الخبازة بين النخيلة وخان النص (الحيدرية) ، منذ القرن الثامن عشر ق . م حتى القرن السادس الهجري.
وعندما بدأت الكوفة بألإضمحلال بدأ السكن في الكوفة ينتقل بين النجف وكربلاء وحلة بني مزيد ألأسدي حتى بداية القرن التاسع والعاشر الهجريين حيث تطورت قصبة كربلاء تدريجيا حتى أصبحت بلدة وثم مدينة . وكان مفهوم الحير أو الحائر أو المشهد هي مواقع صغيرة محددة تدخل ضمن مفهوم كربلاء .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مستل من كتاب : كربلاء عبر التاريخ ، تاليف : مهنا رباط المطيري ص (290 - 309)
(2) محمد حسن كليدار آل طعمة / مدينة الحسين ملحق المستدركات السلسلة الثانية / ص 27 .
(3) الدكتور احمد سوسة/ حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور /ص 183.
(*) ان المتعارف عليه ان عبادة الله الواحد الاحد هي بديهية واساس دعوة كل الانبياء (عليهم السلام) من آدم (عليه السلام ) الى خاتم الانبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم فان ماذكر هنا يمثل رأي مؤلف الكتاب . . شبكة كربلاء المقدسة .
(4) أديان العرب قبل ألإسلام / مجلة العربي / العدد 168 / تشرين الثاني / عام 1972 / ص 44 ـ 49 .
(5) ولفنسون / تاريخ اليهود في بلاد العرب / ص 78 ـ 80 .
(6) الدكتور جواد علي / أصنام العرب /سومر / م 23 / سنة 1967 / ص 3 ـ 46.
(7) الدكتور أحمد سوسة / حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور / ص 187 .
(8) مجلة سومر /سنة 1963 / 193 / ص 113 وأنظر الكتور أحمد سوسة المصدر نفسه / ص 187.
(9) المصدر نفسه والصفحة ذاتها.
(10) المصدر نفسه والصفحة ذاتها.
(11) قاموس الكتاب المقدس/ ص 142 الطبعة الثانية/ بيروت/ عام 1971 .
(12) المصدر السابق / أحمد سوسة/ ص 188 .
(13)رينيه ويسوع العرب في سوريا قبل ألإسلام ترجمة عبدالجبار الدواخلي والدكتور مصطفى جواد زيادة ص 55 و 163 .
(14) يقصد هنا بالنقوش الصفوية الكتابات التي تعد هي واللحبانية والثمودية من أقدم الخطوط السامية الجنوبية في الجزيرة العربية وقد إندثرت قبل ألإسلام. وقد عثر على كتابات صفوية في منطقة الصفاة شرقي الشام وفي بادية الشام أيضا ، فسميت بأسمها ، وهذا ألاسم لا يطلق على قوم أو قبيلة وإنما يطلق على تلك النقوش التي عثر عليها في ناحية الصفاة.
وإنظر / ياقوت الحموي/ معجم البلدان / مج 7 / ص 229 ولغة العرب مج 5 ص 178 / لعام 1227 م.
(15) محمد عبدالقادر بافقية / تارخ اليمن القديم/ ص 105 .
(16) المصدر نفسه / وأنظر 45 ب / الجدول ألأول ملوك سبأ ما بين صفحتي 26 و 27 والجدول الثاني ما بين ص 280 و 281 لنفس المصدر.
(17) محمد عبدالقادر بافقية / تاريخ اليمن القديم / ص 38 .
(18) أنظر تفاصيل ذلك في المصدر نفسه / ص 136 ـ 137 .
(19) أنظر المصدر نفسه/ ص 129 وأنظر ياقوت / معجم البلدان / مجلد 7 / ص 229 .
(20) محمد حسن كلدار / ملحق مستدركات السلسلة الثانية/ ص 17 .
(21) الطبري / ج4 / ص وأنظر المصدر نفسه والصفحة ذاتها / الكلدار.
(22) المصدر نفسه والصفحة ذاتها / الكلدار.
(23) الكلدار/ المصدر السابق نفسه والصفحة /27 .
(24) محمد عبدالقادر بافقية / تاريخ اليمن القديم / ص 115 .
(25) محمد حسن كلدار ىل طعمة/ المصدر السابق نفسه / ص 16 .
(26) طه باقر / مقدمة في تاريخ الحضارات / ص 453 .
(27) سعيد رشيد زميزم / لمحات تاريخية من كربلاء / 8 .
(28) الدليل السياحي / إصدار ألإدارة المحلية في كربلاء / محافظة كربلاء بين التراث والمعاصرة / ص 41 .
(29) أبو الفرج ألصفهاني.
(30) جعفر الخليلي / المدخل إلة موسوعة العتبات المقدسة / ص 109 ـ110 .
(31) الطبري / ج4 / ص 56 .
(32) أنظر / مهنا الدويش المطيري/ في الفصل ألأول من هذا الكتاب.
(33) جمال بابان/ أصول أسماء المدن والمواقع العراقية / ج 1 / ص 246 .