هو الخطيب السيد جواد بن السيد محمد علي الحسيني الهندي الحائري المولود في كربلاء في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري نشأ وترعرع في ظل أسرة علوية شريفة المحتد ، طاهرة الغرس ، تنتسب الى الإمام الحسين بن علي ( ع ) .
عرف منذ صغره بالحذق والذكاء ، واشتغل بالأدب وظهرت مواهبه حتى عد من أعمدة الأدب وأساطين الخطابة وفحولة الشعر . درس على العالم الشيخ زين العابدين الحائري ( السيد جواد الهندي ) والسيد محمد حسين المرعشي الشهرستاني واشتهر في تضلعه في علوم اللغة العربية فقصده طلاب العلم والمعرفة ، وتخرج على يديه كثير من الفضلاء والعلماء . فهو من ذوي المواهب السامية والملكات الأدبية الرفيعة ، وقد أجمع المؤرخون على تضلعه بالنظم البديع بكل أنواعه وضروبه . ولعله كان العلم الفرد بين الذاكرين والقراء في مدينة أبي الشهداء على ما يحدثنا السيد محسن الأمين في أعيانه . مال الى الشعر ودرس العروض وأجاد في نظمه . وشعر المترجم رقيق المعنى ، رشيق الإسلوب ، بديع الوصف ، يكثر فيه الشاعر من الأستعارة والتشبيه ، وهذا يدلنا على عنايته بتهذيب شعره وتنميقه . ولم تزل ألسن الشيوخ والمعمرين تلهج بعاطر ذكر ، وتطريه بكل تجله وإكبار ، حتى كان عاملا نشيطا متوقد الذهن مع رقة طباعه ودماثة أخلاقه .
وفي كربلاء كانت تعقد مجالس يجتمع عندها العلماء والأدباء والشعراء ، يسمرون السمر اللذيذ ، ويتجاذبون أطراف الحديث وكان للسيد جواد من الكلمات المستملحة والطرائف الأدبية ما لو جمعت لكانت ثروة أدبية خالدة لا تقدر بثمن ، ولكن لم يبق منها إلا النزر اليسير . وقد نشر بعضها في كتاب ( تراث كربلاء ) وكذلك ( شعراء كربلاء ) .
توفي خطيبنا سنة 1333 هـ ، ودفن في الروضة الحسينية بكربلاء ورثاه الشاعر الوطني الشيخ محمد حسن أبو المحاسن بقصيدة عصماء مطلعها :
غريـب بأرض الطـف لاقى حمامه |
|
فـواصلـه بيـن الرمـاح شوارع |
وأفديـه خواض المنـايا غمـارهـا |
|
بكـل فتى تحبـو المنـون مسارع |
كمـاة مشوا حـر القلوب الى الردى |
|
فلم يسـردوا غير الردى من مشارع |
فمـن كـل طلاع الثنايا يـا شمردل |
|
طلاب المنـايا فـي الثنايـا الطوالع |
ومـن كـل مقـدام السـرايا بغـرة |
|
تنيـر كبـدر التـم بيـن الطلائـع |
ومن كـل مرقـال الى الحرب باسل |
|
سوى الموت في أجم القنا لم يصارع |
و من كل قـرم خائض الموت حاسر |
|
ومـن كـل ليـث بالحفيظـة دارع |
تواصوا لحفـظ الآل بالصبـر غدوة |
|
فأضحوا وهم طعم السيـوف القواطع |
أقاسي من الدهـر الخؤون الـدواهيا |
|
ولـم ترني مـن الدهر يومـا شاكيا |
لمن أظهر الشكوى ولم أر في الورى |
|
صديقـا يواسي أو حميمـا محاميـا |
وإني لأن أغـض الجفون عن القذى |
|
وأمسي و جيـش الهـم يغزو فؤاديا |
لأجدر مـن أن أشتكي الدهر ضارعا |
|
لقـوم بهم يشتـد فـي القلـب دائيا |
ويا ليـت شعري أي يوميه أشتكـي |
|
أيومـا مضـى أم مـا يكون أماميا |
تغـالبنـي أيـامـه بصــروفهـا |
|
وسـوف أرى أيـامـه والليـاليـا |
إبـاء به أسمـو على كـل شـاهق |
|
وعزمـا يدك الشامخـات الرواسيا |
وأيـن مـن الأمجـاد أبنـاء غالب |
|
سلالـة فهـر قـد ورثـت إبائيـا |
أبـاة أبـوا للضيم تلـوى رقـابهم |
|
وقد صافحوا بيض الظبـا والعواليا |
غـداة حسيـن حـاربتـه عبيـده |
|
و رب عبيـد قـد أعقـت مواليـا |
لقـد سيرتهـا آل حـرب كتـائبـا |
|
بقسطلهـا تحكـي الليالي الدياجيـا |
فناجزهـا حلـف المنـايـا بفتيـة |
|
كـرام يعـدون المنـايـا أمـانيـا |
فثـاروا لهـم شم الأنـوف تخالهم |
|
غداة جثـوا للمـوت شمـا رواسيا |
و لفـوا صفوفـا للعـدو بمثلهــا |
|
بحد ظبـى تثنـى الخيـول العواديا |
بحيث غدت بيض الظبـا في أكفهم |
|
بقانـي دم الأبطـال حمـرا قوانيا |
وأعطـوا رمـاح الخط مـا تستحقه |
|
فتشكـر حتى الحشـر منهم مساعيا |
الـى أن ثـووا صرعى ملبين داعيا |
|
مـن الله فـي حـر الهجير أضاحيا |
وعافوا ضحى دون الحسين نفوسهم |
|
ألا افتـدى تلـك النفوس الزواكيـا |
وماتوا كرامـا بالطفـوف وخلفـوا |
|
مكـارم ترويهـا الـورى ومعاليـا |
وراح أخـوا الهيجا وقطـب رجائها |
|
بأبيـض ماضي الحـد يلقي الأعاديا |
وصـال عليهم ثابت الجـأش ظاميا |
|
كما صال ليث فـي البهائم ضـاريا |
فـردت علـى أعقـابهـا منه خيفة |
|
وقـد بلغـت منهـا النفوس التراقيا |
وأورد فـي مـاء الطلـى حد سيفه |
|
وأحشـاه مـن حر الظمـاء كما هيا |
الـى أن رمي سهما فأضمـى فؤاده |
|
ويـا ليـت ذاك السهم أضمى فؤاديا |
فخـر علـى وجـه الصعيد لوجهه |
|
تريـب المحيـا الإلـه منــاجيـا |
وكادت له الأفلاك تهوي على الثرى |
|
بأملاكهـا إذ خـر في الأرض هاويا |
تنـازع فـي السمر هنـدية الظبـا |
|
و من حوله تجـري الخيول عواديـا |
ومـا زال يستسقـي ويشكـو غليله |
|
الى أن قضى في جانب النهر ضاميا |
قضـى وانثنـى جبريل ينعاه معولا |
|
ألا قد قضى مـن كان للديـن حاميا |
فلهفـي عليـه دامي النحر قد ثوى |
|
ثلاث ليال فـي البسيطـة عـاريـا |
وقد عـاد منه الرأس في ذروة القنا |
|
منيـرا كبـدر يجلــو الديـاجيــا |