الشيخ هادي الكربلائي الخفاجي
هو الخطيب الشهير الشيخ هادي بن الشيخ صالح بن مهدي بن درويش من بيت ( عجام ) الذي ينتسب الى قبيلة ( خفاجة ) .
ولد سنة 1908 م / 1326 هـ في بغداد ، وانتقل الى كربلاء ، ونشأ بها نشأة صالحة ، ولما شب عن الطوق درس الفقه والأصول والعربية على والده ، ثم أخذ الخطابة على خطيب كربلاء الشيخ محسن أبو الحب المتوفى سنة 1369 هـ / 1949 م . ارتاد المدارس الدينية ليرتشف من نميرها ويستقي من سلسالها العلوم العقلية والنقلية ، فقصد مدرسة صدر الأعظم ومدرسة الزينبية فدرس لدى الشيخ محمد الخطيب العربية وعلوم الدين ، وقرأ شرح قطر الندى وألفية بن مالك على الشيخ محمد العماري في مدرسة الخطيب الرسمية وتفوق في مضمار الخطابة تفوقا منقطع النظير ، فكان يوغل باستعمال المفردة الشعبية ( العامية ) ويبتغي من ذلك إيصال أفكاره الى أذهان المستمع مع تمكنه باللغة الفصحى وأطاحته بها إحاطة تامة .
كان موضع تجلة واحترام كافة الأهلين ، يتمتع بالنبل وسمو الأخلاق ، ومجالسه في كربلاء كثيرة منها في الصحنين الحسيني والعباسي وفي الساحات الكبيرة ودور الأشراف والمساجد والحسينيات وديوان آل كمونة وغيرها ، وصوته رخيم ونعيه شجي يأخذ بمجاميع القلوب . وبالإضافة الى كونه خطيبا ماهرا ، فهو شاعر جيد رثى آل البيت والسادة والعلماء وبعض أشراف كربلاء وشخصيات عراقية معروفة ، وله في الأغراض الشعرية الأخرى قصائد وقطوعات لا تخلو من صورة وجدانية وبلاغة وفصاحة .
يقول الفاضل نور الدين الشاهرودي : كانت خطاباته جاذبة وملفتة لانتباه مستمعيه دون أن يدعهم يدخل الملل والضجر الى نفوسهم ، إضافة الى مقدرته في معالجة أي موضوع يختاره لخطابته بتدرج سليم ، ومنطقي ، وموزون ، من البداية حتى النهاية ، أي انه يدخل في صلب الموضوع ويخرج منه بخط مستقيم دون إلتواءات أو إنشعابات تبعده عن موضوع الخطابة ، مما يدل على مقدرته الكلامية ورصانة إسلوبه المنطقي ، كما أن له مقدرة فائقة في إبكاء مستمعيه لمصاب الحسين ( ع ) خاصة ، وهكذا ظل يغترف من ذلك التراث الإسلامي الزاهر والنتاج الأدبي الخالد حقبة طويلة من الزمن حتى وفاته .
قال راثياً الإمام الحسين ( ع ) :
ما زال يلهج في عزاك لساني |
|
حـاشاك يوم الجزا تنساني |
يا ابن النبي المصطفى ووصيه |
|
وابـن البتولة خيرة النسوان |
وقال أيضا راثياً الأمام الحسين ( ع ) :
أيهـا الراجـي نجـاة |
|
في غد بـل كل حين |
اننـي أهديك أن شئت |
|
الـى حصـن حصين |
خذ من الرحمة حــاء |
|
ثم من يـاسين سيـن |
ثـم يـاء مـن علـي |
|
ثم نـون مـن مبيـن |
فهـو في الطف غياث |
|
رحمـة للعالميـــن |
ذاك سبط الطهـر طه |
|
عبــــرة للمؤمنين |
من بيوم الطـف فردا |
|
كم حمى حوزة دين ؟ |
بذويـه ونســــاه |
|
ثـم في قطـع الوتين |
لسـت انسـاه ينـادي |
|
مفردا هل مـن معين |
ليـذب اليـوم عنــا |
|
مـن طغـاة مشركين |
ما رأى السبـط مجيبا |
|
ليتنـي أفدي حسيـن |
عندهـا نادى بصوت |
|
ترك الكـون حزيـن |
هـذي نفسي لدين الـ |
|
مصطفى جدي الأمين |
ومماتـي ثـم ولـدي |
|
ثـم أهلـي الطيبيـن |
ولأجـل الديـن هذي |
|
زينـب تبـدي الحنين |
فـي نسـاء نادبـات |
|
حـول آسـاد العرين |
وقال راثياً خطيب كربلاء الشيخ محسن بن الشيخ محمد حسن أبو الحب المتوفى سنة 1349 هـ وأولها :
ضـرم أقام من الأسى في أضلعي |
|
فأزال حـزنا بالمصيبـة أدمعي |
لمـا مررت وقـد خلا الربع الذي |
|
فيـه تسامـت في البرية أربعي |
فوقفـت أنشـد و الدمـوع بوادر |
|
والقلب محتـرق و لمـا يجـزع |
هل عودة ترجى لأحباب مضـوا |
|
عن حبهم أم هل لهم من مرجع ؟ |
اليـوم قد رحلـوا وأقفـر ربعهم |
|
من بعدمـا بالأمس قد كانوا معي |
يـامن تروم مـن الليالـي بهجة |
|
و أراك مـن أحوالهـا في مطمع |
أقصـر فـإن سهـامهـا فتاكـة |
|
فـي كل ذي شـأن منيع أرفـع |
كم قد رمـت بالموبقـات معاشرا |
|
وسقتهموا كأس الردى أفلا تعي ؟ |
عرفت بسوء الحال و السوء انتهى |
|
منهـا لمحسننا الخطيـب المصقع |
وفاته : أجاب داعي ربه ليلة الأحد 4 / 1 / 1992 م المصادف لسنة 1412 هـ ، وشيع باحتفال مهيب الى مثواه الأخير في مقبرة كربلاء الجديدة ، وأقيم على روحه مجلس الفاتحة من قبل أسرة الفقيد ، ورثاه جمع من الشعراء والأدباء وأهل الفضل والأدب . وصدر بعد مرور عام على وفاته كراس في ذكراه من قبل نخبة من أدباء كربلاء باسم ( العبور الى جهة القلب ـ هادي الكربلائي الصوت الحزين ) .