زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 97

السلام) بناءً على القول بعدم وجودها في رحلة كربلاء .
7 ـ السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السلام) حيث كانت مريضة .. مرضاً يَصعُب معه السفر .
هذا .. وهناك احتمال بأنّ سبب عدم ذهاب عبد الله بن جعفر كان كِبَر السنّ ، ولكن قد يُضعّف هذا الاحتمال ما ثَبت ـ تاريخيّاً ـ من أن عمره ـ يومذاك ـ كان حوالي خمس وخمسين سنة ، ولا يُعتبر هذا المقدار من العمر كثيراً ، إلا إذا كانت الحياة مقرونة بعواصف نفسيّة أو جسميّة تُسرع الشيخوخة والهرم إلى الانسان .
وهناك إحتمال ثالث ذكره البعض : أن عبد الله بن جعفر كان قد فقد بصره قبل رحلة كربلاء ، وهذا الاحتمال يَصلح سبباً وجيهاً لعدم ذهابه ، لكن بشرط أن يَثبت تاريخياً . والله العالم بحقائق الأمور .

زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 98




زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 99

الفصل الرابع

  • أولاد السيدة زينب عليها السلام
  • مروان يخطب بنت السيدة زينب عليها السلام ليزيد بن معاوية


  • زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 100




    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 101

    أولاد السيدة زينب (عليها السلام)


    لقد اختلف المؤرّخون في عدد أولاد السيدة زينب (عليها السلام) وأسمائهم .
    ففي كتاب (إعلام الورى) للطبرسي :
    وقيل : علي ، وعون الأكبر ، ومحمد ، وعباس ، وأمّ كلثوم(2).


    (1) كتاب «إعلام الورى بأعلام الهدى» للطبرسي ، طبع النجف الأشرف سنة 1390 هـ ، ص 204 .
    (2) تذكرة الخواص ، لسبط ابن الجوزي ، طبع لبنان ، سنة 1401 هـ ، ص 175 .
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 102

    أما محمد وعون فقد استُشهدا في نُصرة خالهما : الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء بكربلاء .
    وأمّا أم كلثوم فقد تزوّج بها ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر ، وقد استُشهد في فاجعة كربلاء .


    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 103

    مروان يَخطب بنت السيدة زينب عليها السلام ليزيد بن معاوية


    لقد كان البيت الأموي معقّداً بعُقدة الحِقارة النفسيّة ، بالرغم من السلطة الزمنيّة التي اغتصبوها زوراً وبهتاناً ، وظلماً وعدوانا .
    فقد كانت صفحات تاريخهم ـ خَلَفاً عن سَلَف ـ سوداء مظلمة مُدلَهمّة ، ملوّثة مشوّهة من مساويهم ومَخازيهم .
    فتلك (حمامة) وهي مِن جَدّات معاوية ، وكانت مِن بغايا مكّة ومن ذوات الأعلام ، أي : كان العَلَم يُرفرف على دارها (بيت الدعارة) لِيَعرف الزُناة ذلك ، ويقصدوها للفجور بها .(1)

    (1) جاء ذلك في كتاب (الطرائف في معرفة مَذاهب الطوائف) للسيد علي بن موسى بن طاووس ، المتوفّى سنة 664 هـ . ص 501 ، طبع ايران عام 1400 هـ . وهو يَحكي ذلك عن كتاب (المثالب) لهشام بن محمد الكلبي ـ وهو مِن مؤلّفي العامّة ـ . وهذا نصّ كلامه : «وأمّا حمامة فهي من بعض جدّات معاوية ، وكان لها راية بـ (ذي المجاز) يعني مِن ذَوي الرايات في الزنا» . المحقق
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 104

    وتلك هند ـ والدة معاوية ـ السافلة القذرة ، ذات السوابق العَفِنة ، والملَفّ الأسود ، آكلة الأكباد ، المُمتلئة حِقداً وعداءً على الإسلام والمسلمين .
    وذاك أبو سفيان : قُطب المشركين ، وشيخ المُلحدين ، ورأس كلّ فتنة ، وحامل كلّ راية رُفعت لحرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقائد كلّ جيش خرج لقتال المسلمين في أيام النبي الكريم .
    وهذا معاوية ، خَلَفُ هذا السلف ، وحصيلة هذه الجراثيم ، وثمرة تلك الشجرة الملعونة في القرآن ، وهو يعلم أنّ الناس يعلمون هذه السوابق ، ويَعرفون معاوية حقّ المعرفة .(1)

    (1) ويَجدُر ـ هنا ـ أن نذكر ما نظمه الشاعر العظيم السيد حيدر الحلّي رحمة الله عليه ، المتوفّى سنة 1305 هـ حيثَ ينظر إلى الملفّ الأسود لبني أميّة ـ رجالاً ونساءاً ، فيُخاطبهم بقوله :
    أميّة غوري في الخُمول وأنجِدي فمـا لكِ في العَلياء فـوزةُ مشهدِ
    هبوطاً إلى أحسابكم وانخفاضها فلا نسـب زاكٍ ولا طيـبُ مولد
    تطاولتموا لا عن عُلاً فتراجعوا إلى حيث أنتم ، و اقعدوا شرّ مقعد
    قديمكم ما قـد علمتـم ومِثلـه حديثكـم في خـزية المُـتجـدّد
    فماذا الذي أحسابكم شَرُفـت به فأصعدكم في الملك أشرف مصعد
    =
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 105

    فكيف يَجبر هذا الشعور بالنقص .. الذي لا يُفارقه ؟!
    وكيف يستر هذه العيوب التي أحاطت به وغَمرته ؟
    كان الإحساس والشعور ـ بهذه السوابق العفنة ، والملفّات الوسخة ـ يحُزّ في صدر معاوية .


    =
    صلابـة أعـلاكِ الذي بَلَلُ الحيـا به جفّ ، أم فـي لين أسفَلكِ الندي
    بَنـي عبد شمسٍ لا سقى الله حفرةً تضُمـّكِ والفحشـاء في شرّ مَلحَدِ
    ألِمّـا تكونـي فـي فُجورك دائماً بمشغلةٍ عـن غَصـب أبناء أحمد
    وراءَك عنهـا لا أبـاً لـكِ إنّمـا تَقـدّمتِهـا لا عـن تقـدّم سـؤدد
    عجِبـتُ لمـن في ذلّة النعل رأسه بـه يتـراءى عاقـداً تـاج سيـّد
    دَعوا هاشمـاً و الفخـر يعقِد تاجه على الجبهات المستنيرات في الندي
    ودونكمـوا والعار ضُمـّوا غِشاءَه إليكم إلى وجهٍ مـن العـار أسـود
    يُرَشّـح لكن لا لشيء سـوى الخَنا وَ ليـدكم فيمـا يـروح ويغتـدي
    وتتـرف لكن للبغـاء نسـاؤكـم فيُـدنَس منها فـي الدجى كلّ مرقد
    و يَسقـي بمـاءٍ حَرثكم غير واحد فكيـف لكم تُرجـى طهارة مـولد
    ذهبتـم بها شنعـاء تبقى وصومها لأحسابكم خزيـاً لـدى كلّ مشـهد
    المصدر : ديوان السيد حيدر الحلي ، طبع لبنان عام 1404 هـ ، ص 70 .
    المحقق
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 106

    فهو يُحاول أن يَكسب شيئاً من الشرف والمجد ، لِيَملأ هذا الفراغ ويتخلّص من هذا الشعور ، ويُغطّي على وَصمات الخزي من سجلّ حياته ومن صفحات تاريخه ، ويتشبّث بشتّى الوسائل ، ولكنّ محاولاته كانت تَبوء بالفشل .
    ومن جملة الطرق والوسائل التي حاول معاوية ـ من خلالها ـ إكتساب الشرف والسؤدد ، هي مُصاهرة الأشراف ، لإكتساب الشرف منهم .
    وكان البيت العَلَوي الطاهر على علم وبصيرة من نوايا معاوية وأهدافه ، ولهذا كانوا يَسدّون عليه كلّ باب يمكن أن يدخل منه .
    فلقد أوصى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند وفاته : أن يتزوّج المُغيرة بن الحارث بن الزبير بن عبد المطّلب بأُمامة بنت زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
    تلك السيدة التي أوصت مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) أمير المؤمنين أن يتزوّج بها ، حيث قالت : «وتزوّج بأُمامة إبنة أُختي ، فإنّها لأولادي مِثلي» .
    وإنّما أوصى الإمام بذلك كي لا يتزوّج بها معاوية ، فالإمام كان يعلم ـ بعلم الإمامة ـ بأنّ معاوية سوف يُحاول أن يتزوّج بها ،

    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 107

    ويَفتخر بأنّه صاهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّ حفيدة النبيّ قد صارت في حِبالته .
    ولهذا أغلق الإمام الباب على معاوية ، وتركه في ظلمات نسَبه وحَسَبه !(1)


    (1) ذكر ابنُ عبد البَرّ في كتاب (الاستيعاب) ـ في ترجمة حياة أُمامة ـ : «تزوّجها علي بن أبي طالب بعد فاطمة ... . وكان علي بن أبي طالب قد أمرَ المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب أن يتزوّج زوجته بعدَه ، لأنّه خاف أن يتزوّجها معاوية . فتزوّجها المغيرة ... . وذكر عَمر بن شبّة بسنده أنّ عليّاً لما حَضَرته الوفاة قال ـ لأُمامة بنت أبي العاص ـ : «لا آمن أن يَخطبكِ هذا الطاغية بعد موتي ـ يعني : معاوية ـ ، فإن كان لكِ في الرجال حاجة فقد رضيتُ لكِ المغيرة بن نوفل عشيراً» . فلمّا انقضت عَدّتها .. كَتَب معاوية إلى مروان يأمره أن يَخطبها ، ويَبذل لها مائة ألف دينار !! فلمّا خطبها أرسلت إلى المغيرة بن نوفل أنّ هذا قد أرسَلَ يَخطبني ، فإن كان لك بنا حاجة فأقبِل ، فأقبَل وخَطبها مِن الحسن بن علي ، فزوّجها منه .
    وذكر ابنُ حجر العسقلاني في كتاب (الإصابة) مثلَ هذا النص .
    وجاء في كتاب (الطبقات الكبرى) لابن سعد : أن أُمامة بنت أبي العاص قالت للمغيرة بن نوفل : إنّ معاوية قد خطبني . فقال لها : أتتزوّجين ابنَ آكلة الأكباد ؟! فلو جَعلتِ ذلك إليّ ؟ قالت : نعم . قال : قد تزوّجتكِ .
    وحكى السيد الأمين في (أعيان الشيعة) عن الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي زواجَ أمامة مِن المغيرة بعد مقتل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام .
    =
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 108

    وبعد سنوات قام معاوية بمحاولة أخرى ، فلقد كتَبَ إلى زميله ونظيره في الدَناءة واللؤم والحقارة والصلافة والوقاحة : مروان بن الحَكَم ، ابن الزرقاء الزانية ـ وكان حاكماً على الحجاز مِن قِبَل معاوية ـ أن يخطب أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر ، وأمّها السيدة زينب ـ ليزيد بن معاوية .
    وجاء مروان إلى عبد الله بن جعفر ، وأخبَره بذلك .
    ومن الواضح : أن عبد الله بن جعفر هو أبو الفتاة ، وله عليها الولاية ، وهو يَعلم نوايا معاوية وهدفه من هذه المصاهرة ، ولكنّه

    = هذا .. ولكن قد ذكر ابنُ شهر أشوب في كتاب (المناقب) ج 3 ص 305 ، عن كتاب (قوت القلوب) روايةً تتنافى مع ما ذكره المؤرّخون ، وهي : أنّ المغيرة بن نوفل خطب أُمامة ، فروَت عن علي (عليه السلام) أنّه : لا يَجوز لأزواج النبي والوصيّ أن يتزوّجن بغيره بعده» .
    أقول : على فرض صحّة هذا الخبر الأخير وثبوته ، فإنّ هناك احتمالات :
    1 ـ عدم صحّة ما قيل حول زواجها بعد الإمام (عليه السلام) .
    2 ـ عدم صحّة ما قيل حول عدم زواجها ، وهو الخبر الأخير .
    3 ـ الجَمع بين هذا الخبر الأخير وبين الأقوال التاريخيّة : أنّ زواجها من بعد الوصي كان لضرورة التخلّص من الموقف المحرج ، وهو الزواج من معاوية . والله العالم بحقائق الأمور .
    المحقق
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 109

    يَعتبر الإمام الحسين (عليه السلام) كبير الأسرة ، وسيّد العائلة ، وأشراف أفراد العشيرة ، فلا ينبغي لعبد الله بن جعفر أن يُنعم بالقَبول ويوافق بدون موافقة الإمام الحسين ، فتخلّص من هذا الطلب المُحرج ، ومن هذه الحيلة الشيطانيّة فقال : «إنّ أمرها ليس إليّ ، إنّما هو إلى سيدنا الحسين ، وهو خالُها» . فأخبر عبد الله الإمام الحسين بذلك .
    فقال الإمام : «أستخيرُ الله تعالى ، اللهم وفّق لهذه الجارية رِضاك من آل محمد» .(1)
    فلمّا اجتمع الناس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقبَل مروان حتى جلس إلى [جَنب] الحسين (عليه السلام) وعنده مِن الجِلّة .(2)
    فقال مروان : إنّ أمير المؤمنين [معاوية] أمَرَني بذلك ، وأن

    (1) أستخير الله : أي أطلُب مِن الله تعالى الخير والصلاح في هذا الأمر .
    اللهم وَفّق : أي : هَيّء ، التوفيق : تهيئة الأسباب .
    الجارية : الفتاة .
    رضاك : مَن ترضى به زوجاً لهذه الفتاة .
    من آل محمد : أي ويكون ذلك الزوج مِن أقرباء رسول الله القريبين منه .. لا من غيرهم . المحقّق
    (2) الجِلّة ـ مِن القوم ـ كِبار السنّ ، والشخصيّات البارزة . كما يُستفاد من كتاب (لسان العرب) لابن منظور .
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 110

    أجعَل مَهرها حُكم أبيها بالغاً ما بلغ(1) مع صُلح مابين هذين الحَيّين(2) مع قضاء دَينه(3). واعلم أنّ مَن يَغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم !!
    والعجَب كيف يُستَمهَر يزيد وهو كُفوُ مَن لا كفوَ له !!
    وبوجهه يُستسقى الغمام !!
    فرُدّ خيراً يا أبا عبد الله ؟(4)
    أقول : قبل أن أذكر تكملة هذا الخبر أودّ التعليق على كلمات مروان :
    من الصحيح أن نقول : إنّ الصلافة والوقاحة لا حدّ لهما ولا نهاية ، وإنّ دِناءة النَفس وخساسة الروح تُسبّب إنقلاب المفاهيم إلى صورة أخرى .
    فالحقير يَنقلب شريفاً ، والنَذل يُعتبر مُحترماً ، والوجه الذي لم يَسجُد لله يُستَسقى به الغمام ، ووليد الكفر والفجور يُغتَبَط

    (1) أي : وأن أجعل مقدار المهر ما يُعيّنه أبو البِنت ، وهو عبد الله بن جعفر . مهما كان ذلك المقدار كثيراً .
    (2) الحيّين : العشيرتين . الحيّ : القبيلة .
    (3) أي : دَين أبيها عبد الله بن جعفر .
    (4) رُدّ خيراً : أجِب بالإيجاب والموافقة .
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 111

    به ، والسافل المنحَط يَصير أرفع وأجلّ مِن أن يُطالَب بالمهر ، بل ينبغي أن تُهدي العظماء فَتياتها إليه هدايا بلا مَهر !!!
    هذا هو منطق مروان ، وعصارة دماغه ، وكيفيّة تفكيره ، ومَدى إدراكه للقيم والمفاهيم . وقد تجرّأ أن يَرفع صوته بهذه الأكاذيب التي لا يَجهلها أحد .. وكأنّه لا يعلم مع مَن يتكلّم ، وعمّن يتحدّث ويمدَح ؟!
    فأجابه الإمام الحسين (عليه السلام) بجوابٍ ألقَمَه حَجراً ، وزَيّف أباطيله وأضاليله ، وفنّد تلك الترّهات التي صدرت مِن أقذر لسان ، وألعن وأحقر إنسان .
    والآن .. إليك تكملة الخبر :
    فقال ـ عليه السلام ـ : «الحمد لله الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه .... إلى آخر كلامه» .
    أُنظر إلى قوّة المنطق ، وعُلوّ مستوى النفس ، وشِرافة الروح ، وقداسة السيرة ، وغير ذلك ممّا يتجلّى في جواب الإمام الحسين (عليه السلام) لمروان بن الحَكم .
    فهو (عليه السلام) يَفتتح كلامه بحمد الله تعالى الذي اصطفاهم واختارهم ، وهذا منتهى البلاغة والكلام المناسب لمُقتضى الحال ، فتراه يُصرّح أنه من الأسرة التي اختارهم الله تعالى للإمامة واصطفاهم ، ومعنى ذلك توفر المؤهلات فيهم ،

    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 112

    وتواجد الفضائل والمزايا والخصائص التي لا توجد في غيرهم ، فهم في أعلى مستوى من الشرف ، وفي ذروة العظمة الممنوحة لهم من الله تعالى ، والفرق بينهم وبين غيرهم كالفرق بين الثُريّا والثَرى ، والجواهر والحصى .
    إذن ، فهناك البون الشاسع بينهم وبين غيرهم من الناس الذين لم يَتلوّثوا بالجرائم ، ولم يُسوّدوا صحائف اعمالهم بالمخازي ، فكيف بمعاوية ويزيد و مروان ، والذين هم من هذه الفصيلة !
    ثم قال الإمام : «يا مروان ، قد قلتَ ، فسمعنا ،
    أمّا قولك : «مَهرها حُكم أبيها بالغاً ما بلغ» ، فلَعمري لو أردنا ذلك ما عَـدَونا(1) سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو(2) اثنتا عشرة أوقية ، يكون أربعمائة وثمانين درهماً .(3)

    (1) عَدَونا : تجاوَزنا . عدا عدواً : تجاوز الحد في الشيء . كما في كتاب (لسان العرب) لابن منظور .
    (2) وهو : أي المهر .
    (3) الدرهم : وحدة وَزن ، وقطعة من فضّة مضروبة للمعاملة . أمّا الوَزن : فقيل : إنّ الدرهم الواحد يُساوي ستّة دوانق ، والدانق : قيراطان ، والقيراط ، طسّوجان ، والطسوج : حبّتان ، والحَبّة : سُدس ثمن درهم ، وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءاً من الدرهم .
    المحقق
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 113

    وأمّا قولك : «مع قضاء دَين أبيها» فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا ؟!
    وأمّا «صلح ما بين هذين الحيّين» فإنّا قوم عادَيناكم في الله ، ولم نَكن نصالحكم للدنيا ، فلقد أعيى النسب ، فكيف السبب ؟

    يُريد مروان أن يُصلح بين الخير والشرّ ، وبين الفضائل والرذائل ، وبين أولياء الله وأعدائه ، بذلك الزواج المقصود .
    وكيف يمكن الصلح بين هاتين الفئتين ؟!
    فهل يَتنازل أولياء الله تعالى لأعداء الله ، ويَعترفون لهم بقيادتهم المُغتصبة ، وزعامتهم الملوّثة ، وجرائمهم ومَخازيهم ؟؟!!
    هل هذا معنى الصلح بين الحَيّين ؟!
    أو يَجب على المجرمين ـ المناوئين لأولياء الله ـ أن يَتوبوا ويَرتَدعوا عن أعمالهم اللااسلامية ، ويُنقادوا لأهل البيت الذين فرض الله تعالى مودّتهم ، وأوجب طاعتم وولايتهم ؟!
    فإن كان المقصود : المعنى الأول ، فهو مستحيل شرعاً وعقلاً .
    لأنّ الإعتراف ـ للمفسدين ـ بالصلاح والتقوى يُعتبر سَحقاً للمفاهيم الإسلامية ، وإبطالاً للحقّ ، وإحقاقاً للباطل ، وحاشا أهل بيت رسول الله (عليهم صلوات الله) مِن هذا التنازل المُشين المُزري .

    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 114

    وإن كان المقصود من الصُلح : المعنى الثاني ، فهذا لا يتوقّف على المصاهرة ولا يحتاج الى هذا الزواج السياسي ، فإن كان البيت الأموي يؤمن بالحقّ في آل رسول الله فليَعترف لهم بذلك ، وليَنسحب من ساحة القيادة ، وليَنزل عن منصّة الحكم ، وعند ذلك يتحقّق الصلح المَنشود .. على حدّ زعمهم .
    ولكنّ مروان لا يفهم هذه الأمور ، أو يفهم ولكنّه يجحد بالحقّ وهو مستيقن به ، وإنّما يريد أن يُحقّق هدفه الميشوم عن طريق المغالطة في الكلام والتزوير في الحقائق والمفاهيم .
    ومن غَباوته انه كان يظنّ أن الإمام الحسين (عليه السلام) يَنخدع بهذه الأساليب المُلتَوية والخُداع المكشوف .
    ثم هلمَ معي لنَنظر إلى البيت العَلوي النبوي الشامخ ، والشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ، فالقرآن الكريم يُمطر عليهم وابِل المدح والثناء .
    بدءاً بصاحب الشريعة الإسلامية النبي الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سيّد العترة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى سيّدي شباب أهل الجنة ، رَيحانتي رسول الله : الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) إلى بقية الأئمة الطاهرين (سلام الله عليهم أجمعين) .

    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 115

    فهذه آية التطهير ، وتلك آية المباهلة ، وتلك آية المودّة ، وتلك سورة هل أتى ، وتلك آية التبليغ ، وتلك آية «إنّما وليّكم الله ... .» .
    وكلّها آيات تقدير ، وباقات تمجيد ، وعلائم وتصريحات بالإشادة بجلالة قَدرهم وعلوّ شأنهم ، مَن صلاتهم وإنفاقهم وإطعامهم ، وجهادهم وإيثارهم ، وعِصمتهم وقداستهم وغير ذلك .
    وهذه مئات الآلاف من الكتب التي تَشهد بخصائصهم ومزاياهم وفضائلهم ومكارمهم ومناقبهم .
    إذن ، فمن الطبيعي أن تَحصل العداوة والخُصومة بين هاتين الطائفتين ، فالتناقض موجود دائماً بين الفضائل والرذائل ، وبين الخير والشر ، وبين النور والظلام ، فكيف يُمكن الصُلح بين هذين الحيّين وهاتين العشيرتين .. كما زَعَمه مروان ؟!
    «فإنّا قوم عاديناكم في الله ، ولم نكن نُصالحكم للدنيا» إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يَكشِف الغطاء عن أسباب النزاع وموجبات الخصومة بين بني هاشم وبين بني أمية ، إذ قد يكون سبب العداوة ـ بين فِرقتين أو عشيرتين ـ لأجل شيء مادي ، كالمال والرئاسة وما شابَه ذلك . وقد يكون سبب العداوة عقائدياً ودينيّاً ، فكيف يمكن الوئام والوفاق بين طائفتين هما على طرَفَي نَقيض من الناحية العقائديّة ؟!
    هذا .. ومن الواضح ـ تاريخياً ـ أنّ الطائفة التي بَدأت في

    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 116

    إظهار العداوة وإشعال نار الفتنة والتفرقة هم بنو أميّة ، وعلى رأسهم أبو سفيان .. شيخ المشركين أوّلاً ، ورئيس المنافقين آخراً .
    فمن الذي قاد جيش المشركين من مكة إلى حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر ؟!
    ومن الذي قاد جيش المشركين في واقعة أحد ؟!
    ومن الذي شقّ بطن حمزة سيد الشهداء وعمّ رسول الله ، وأخرج قلبه وكبده ، وجَدَع أنفه وأذنيه ، ومَثّل به شرّ مُثلة ؟!
    أليست هي هند زوجة أبي سفيان ؟!
    ومن الذي قاد جيوش الأحزاب في غزوة الخندق ؟!
    ومَن .. ومَن ..؟!
    ومن الذي قال ـ يوم بويع لعثمان بن عفّان ـ : تلقّفوها يا بني عبد شمس ، فوالذي يَحلِف به أبو سفيان : لا جنّة ولا نار ؟!
    أليس هو أبا سفيان ؟!
    ومن الذي حارب الإمام عليّاً (عليه السلام) يوم صفّين ، وأقام تلك المجزرة الرهيبة التي كاد أن ينقطع فيها نسل العرب ؟!
    ومن الذي سنّ لعن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر وفي قنوت الصلاة ، حتى قال الشاعر :
    لَعَنته بالشام سبعين عاماً لَعَن الله كهلها وفتاها

    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 117

    أليس هو معاوية ؟
    نحن لا نريد أن نفتح ملفّات أبي سفيان وابنه معاوية في هذه السطور ، فالحديث عنهما طويل طويل ، فهذه مئات الكُتب والمؤلّفات .. مِن الصحاح وغيرها ـ على مرّ القرون ـ تَرفع الستار وتكشف الغطاء والقناع عن هويّتهما ، وتُبيّن سَريرتهما ونَفسيّتهما ، وسوابقهما ولواحقهما ، وتُعرّفهما للملأ الإسلامي ـ إذا كان واعياً ـ وتوضّح مواقف كل واحد منهما تجاه الدين الإسلامي ورجالات المسلمين !!(1)
    وأمّا معنى كلام الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ : «فلقد أعيى النسب ، فكيف بالسبب ؟» فإنّ بني هاشم كانوا هم الصفوة من قريش ، وبنو أمية كانوا يدّعون أنّهم من قريش(2) ، إذن .. فالنسب

    (1) لمعرفة المزيد من المعلومات حول ملف أبي سفيان إقرأ كتاب (الغدير) للمحقّق العظيم الشيخ الأميني ، طبع بيروت ، سنة 1397 هـ ، الجزء العاشر ، ص 79 ـ 84 وحول ملف معاوية إقرأ الكتاب المذكور ، الجزء 10 ص 138 ـ 384 ، والجزء 11 ص 3 ـ 103 . المحقق
    (2) هناك نظريّة لبعض الأعلام المعاصرين ، وهي أنّ «أميّة» لم يكن ولداً من صُلب عبد شمس ، بل كان عبداً روميّاً .. إشتراه عبدُ شمس ، ومع مرور الأيام .. إستَلحَقَه عبد شمس ، فنسب إليه ، وكانت ظاهرة الإستلحاق رائجة قبل الإسلام . وبناءً على هذا الأساس لم يكن هناك نسب حقيقي
    =
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 118

    موجود بين هاتين العشيرتين : بني هاشم وبني أمية ، وقد أعيى وعجَزَ هذا النسب وهذه القرابة أن تكون سبباً للصلح والوئام بين هاتين العشيرتين ، فهل تنفع المصاهرة للإصلاح بينهما ؟
    وأمّا قولك : «العجب ليزيد كيف يُستمهر ؟» ، فقد استُمهر(1) مَن هو خير من يزيد ، ومن أب يزيد ، ومن جدّ يزيد !!

    = بين بني هاشم وبني أمية !! فلا يُعتبر بنو أمية من قريش ، إنما هم مُلحقون بهم .
    واستُدلّ لهذه النظرية ـ أو الحقيقة ـ : أنّ معاوية لمّا كتب إلى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في رسالة له : «إنّما نحن وأنتم بنو عبد مناف» كتَب الإمام (عليه السلام) ـ في جوابه ـ «ليس المُهاجر كالطليق ، وليس الصريح كاللَصيق»!!
    وقد جاء في مقدّمة كتاب «مَثالب العرب» لهشام بن الكلبي ، المتوفّى عام 204 هـ ، الطبعة الأولى المحقّقة ، طبع إيران ، عام 1419 هـ ، ص 27 ، ما نصه : «كان أميّة عبداً لعبد شمس ، وصل إلى مكة عَبر تجارة الرقيق ، فتبنّاه عبد شمس» . المحقّق
    ولمزيد التفصيل راجع كتاب «نهج البلاغة» المطبوع مع شرح محمد عبده ، طبع مصر ، الجزء الثالث ، ص 19 ، كتاب رقم 17 وكتاب «إلزام النواصب» للشيخ البحراني المتوفّى عام 900 للهجرة .
    (1) إستُمهر : طُلِبَ منه المهر .

    السابق السابق الفهرس التالي التالي