مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 165

في محراب العبادة

عبادة الخالق والقرب منه هي المرتكز والمحور في الشخصية الإيمانية ، بل هي مقياس الأنسانية والتحرر في شخصية الأنسان ، فالبديل عن التعبد لله والخضوع له هو العبودية للشهوات وللمصالح المادية الزائلة .
إن التعبد لله يعني انسجام الأنسان مع فطرته النقية ، واستجابته لنداء عقله الصادق بأن للحياة خالقاً يمسك بأزمتها واليه مصيرها .
والتعبد لله هو النبع الذي يروي منه الأنسان ظمأه الروحي ، ويتزود من دفقاته بدوافع الخير ونوازع الصلاح .
فكلما أقبل الأنسان على ربه ، وأخلص في عبادته ، تجلت انسانيته أكثر وتجسدت القيم الخيرة في شخصيته .
ففي الحديث القدسي الذي ينقله الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) عن الله ( سبحانه ) أنه قال :
« لا يزال عبدي يتقرب اليّ بالنوافل حتى أحبه فأكون أنا سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، وقلبه الذي يعقل به ، فاذا

المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 266

دعاني أجبته ، واذا سألني أعطيته » (25) .
والسيدة زينب وهي العالمة بالله و «إِنَّمَا يَخْشَى الَّلَه مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاؤُاْ»(26) وهي الناشئة في أجواء الأيمان والعبادة والتقوى كانت قمة سامقة في عبادتها خضوعها للخالق ( عز وجل ) .
كانت ثانية أمها الزهراء في العبادة . وكانت تؤدي نوافل الليل كاملة في كل أوقاتها حتى أن الحسين ( عليه السلام ) عندما ودع عياله الوداع الأخير يوم عاشوراء قال لها : « يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل » . كما ذكر ذلك البيرجندي ، وهو مدون في كتب السير (27) .
وعن عبادة السيدة زينب ليلة الحادي عشر من المحرم يقول الشيخ محمد جواد مغنية : وأي شيء أدل على هذه الحقيقة من قيامها بين يدي الله للصلاة ليلة الحادي عشر من المحرم ، ورجالها بلا رؤوس على وجه الأرض تسفي عليهم الرياح ، ومن حولها النساء والأطفال في صياح وبكاء ودهشة وذهول ، وجيش العدو يحيط بها من كل جانب . . . إن صلاتها في مثل هذه الساعة تماماً كصلاة جدها رسول الله في المسجد الحرام ، والمشركون من حوله يرشفونه بالحجارة ، ويطرحون عليه رحم شاة ، وهو ساجد لله ( عز وعلا ) ، وكصلاة أبيها أمير المؤمنين في قلب المعركة بصفين ، وصلاة أخيها سيد الشهداء يوم العاشر والسهام تنهال عليه كالسيل .
ولا تأخذك الدهشة أيها القارئ الكريم اذا قلت : ان صلاة السيدة زينب ليلة الحادي عشر من المحرم كانت شكراً لله على ما أنعم ، وانها كانت تنظر الى تلك الأحداث على أنها نعمة خص الله بها أهل بيت النبوة من دون الناس أجمعين ، وانه لولاها لما كانت لهم هذه المنازل والمراتب عند الله والناس (28) .

(25) ( ميزان الحكمة ) الري شهري ج 8 ص 111 .
(26) سورة فاطر آية 28 .
(27) ( أدب الطف ) جواد شبر ج 1 ص 242 .
(28) ( مع بطلة كربلاء ) مغنية ص 42 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 267

وروي عن ابنة أخيها فاطمة بنت الحسين قولها : « وأما عمتي زينب فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة في محرابها تستغيث الى ربها فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رنة » (29) .
أما كيف كانت تتخاطب السيدة زينب مع ربها ؟ وبماذا كانت تناجيه ؟ فإن المصادر التاريخية قد احتفظت لنا ببعض القطع والفقرات من أدعيتها ومناجاتها نذكر منها ما يلي :
« يا عماد من لا عماد له ، ويا ذخر من لا ذخر له ، ويا سند من لا سند له ، ويا حرز الضعفاء ، ويا كنز الفقراء ، ويا سميع الدعاء ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، ويا كاشف السوء ، ويا عظيم الرجاء ، ويا منجي الغرقى ، ويا منقذ الهلكى ، يا محسن ، يا مجمل ، يا منعم ، يا متفضل ، أنت الذي سجد لك سواد الليل ، وضوء النهار ، وشعاع الشمس ، وحفيف الشجر ، ودوي الماء ، يا الله يا الله الذي لم يكن قبله قبل ، ولا بعده بعد ، ولا نهاية له ، ولا حد ولا كفؤ ولا ند ، بحرمة اسمك الذي في الآدميين معناه المرتدي بالكبرياء والنور والعظمة ، محقق الحقائق ، ومبطل الشرك والبوائق ، وبالأسم الذي تدوم به الحياة الدائمة الأزلية ، التي لا موت معها ولا فناء ، وبالروح المقدسة الكريمة ، وبالسمع الحاضر والنظر النافذ ، وتاج الوقار ، وخاتم النبوة ، وتوثيق العهد ، ودار الحيوان ، وقصور الجمال ، ويا لله لا شريك له » (30) .
ومن الأدعية والتسبيحات التي كانت تواظب على قراءتها هو :
« سبحان من لبس العز وتردى به ، سبحان من تعطف بالمجد والكرم ، سبحان من لا ينبغي التسبيح الا له ( جل جلاله ) ، سبحان من أحصى كل شيء عدداً بعلمه وخلقه وقدرته ، سبحان ذي العزة والنعم ، اللهم ، إني اسألك بمعاقد العز من عرشك ، ومنتهى الرحمة من كتابك ، وباسمك الأعظم ، وجدك

(29) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 62 .
(30) ( عقيلة الطهر والكرم ) موسى محمد علي ص 70 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 268

الاعلى ، وكلماتك التامات التي تمت صدقاً وعدلاً ، أن تصلى على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين ، وأن تجمع لي خيري الدنيا والآخرة ، بعد عمر طويل ، اللهم أنت الحي القيوم ، أنت هديتني ، وأنت تطعمني وتسقيني ، وأنت تميتني برحمتك يا أرحم الراحمين (31) .
ومن أدعية أبيها التي كانت تدعو بها بعد صلاة العشاء :
« اللهم أني اسألك يا عالم الأمور الخفية ، ويامن الأرض بعزته مدحية ، ويامن الشمس والقمر بنور جلاله مشرقة مضيئة ، ويا مقبلاً على كل نفس مؤمنة زكية ، ويا مسكّن رعب الخائفين وأهل التقيّة يا من حوائج الخلق عنده مقضية ، يا من ليس له بواب ينادى ، ولا صاحب يغشى ، ولا وزير يؤتى ، ولا غير رب يدعى ، يا من لا يزداد على الإلحاح إلا كرماً وجوداً ، صل على محمد وآل محمد واعطني سؤلي انك على كل شيء قدير » (32) .

(31) ( عقيلة بني هاشم ) علي الهاشمي ص 15 .
(32) المصدر السابق ص 16 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 269

صبر وشجاعة

معروف أن المرأة تمتاز برقة المشاعر ، وشفافية العواطف ، مما يساعدها على القيام بدور الأمومة الحانية ، لذلك يكون تأثيرها العاطفي أسرع وأعمق من الرجل غالباً .
واذا كانت تلك الحالة تمثل الأستعداد الأولي في نفس المرأة فلا يعني ذلك انها تأسر المراة وتقعد بها عن درجات الصمود والصبر العالية .
فبإمكان المرأة حينما تمتلك قوة الأرادة ونفاذ الوعي وسمو الهدف أن تضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة أمام المواقف الصعبة القاسية .
وهذا ما أثبتته السيدة زينب في مواجهتها للآلام والأحداث العنيفة التي صدمتها في باكر حياتها وكانت هي الختم لسنوات عمرها .
لقد ابدت السيدة زينب تجلداً وصبراً قياسياً في واقعة كربلاء وما أعقبها من مصائب .
والا فكيف استطاعت أن تنظر الى أخيها الحسين ممزق الأشلاء يسبح في بركة من الدماء ، وحوله بقية رجالات وشباب أسرتها من أخوتها وأبناء اخوتها وأبناء

المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 270

عمومتها وأبنائها ، ثم تحتفظ بكامل السيطرة على أعصابها وعواطفها ، لتقول كلمة لا يقولها الأنسان الا في حالة التأني والثبات والأطمئنان ، وهي قولها :
« اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان » (33) .
وأكثر من ذلك فهي تصبر ابن أخيها الإمام زين العابدين حينما رأته مضطرباً بالغ التأثر عند مروره على جثث القتلى كما مر علينا سابقاً .
ويعبر الشيخ النقدي عن فظيع مصائب السيدة زينب وعظيم تحملها لها بقوله : وبالجملة فإن مصائب هذه الحرة الطاهرة زادت على مصائب أخيها الحسين الشهيد اضعافاً مضاعفة ، فانها شاركته في جميع مصائبه ، وانفردت عنه ( عليها السلام ) بالمصائب التي رأتها بعد قتله من النهب والسلب والضرب وحرق الخيام ، والأسر ، وشماتة الأعداء .
أما القتل فان الحسين قتل ومضى شهيداً الى روح وريحان ، وجنة ورضوان ، وكانت زينب في كل لحظة من لحظاتها تقتل قتلاً معنوياً بين أولئك الظالمين ، وتذري دماء القلب من جفونها القريحة (34) .
وأي مستوى من الصبر عند السيدة زينب حينما تصف ما رأته من مصائب بأنه شيء جميل : « والله ما رأيت إلا جميلاً » رداً على سؤال ابن زياد لها : كيف رأيت صنع الله بأخيك ؟ ! .

(33) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 75 .
(34) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 97 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 271

عفّة ومهابة


عفة المراة لا تعني الأنكفاء والأنطواء ، ولا تعني الجمود والأحجام عن تحمل المسؤولية وممارسة الدور الأجتماعي ، وقد رأينا السيدة زينب وهي تمارس دورها الاجتماعي في أعلى المستويات .
لكن العفة تعني عدم الابتذال ، وتعني حفاظ المرأة على رزانتها وجدية شخصيتها أمام الآخرين .
فاذا استلزم الأمر أن تخرج المرأة الى ساحة المعركة فلا تتردد في ذلك، واذا كانت هناك مصلحة في التخاطب مع الرجال فلا مانع وهكذا في سائر المجالات النافعة والمفيدة .
أما الأبتذال واستعراض القوام والمفاتن امام الرجال فهو مناف للعفة والحشمة .
وبعد أن استقرأنا دور السيدة زينب ومواقفها العلمية والسياسية والإجتماعية فلنتأمل الآن ما يقوله أحد المعاصرين لها والمجاورين لمنزلها برهة من الزمن ، ليتضح لنا معنى العفة والأحتشام عند السيدة زينب .
حدث يحيى المازني قال : كنت في جوار أمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة

المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 272

وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً (35) .

(35) المصدر السابق ص 22 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 273

زهد وعطاء


كانت زينب تعيش في كنف زوجها عبدالله بن جعفر في المدينة ، وهو رجل موسر غني ، وباذل كريم كما سبق الحديث عنه لكن حياة الراحة والرفاه حيث البيت الواسع والخدم والحشم ، والمال والثروة ، لم تتمكن من قلب السيدة زينب ، فتخلت عن كل تلك الأجواء المريحة ، واختارت السفر مع أخيها الحسين حيث المصاعب والمشاق والآلالم المتوقعة لم يكن قلب زينب متعلقاً بشيء من متاع الدنيا ، بل كانت نفسها منشدة الى آفاق السمو والرفعة .
وروي عن الإمام زين العابدين أنه قال عنها : « انها ما ادخرت شئياً من يومها لغدها أبداً » (36) .
ونقل عنها أنها كانت أثناء سفر الأسر الى الشام كانت تتنازل في غالب الإيام عن حصتها من الطعام لصالح الأطفال الجائعين والجائعات من الأسارى وتطوي يومها جائعة ، حتى أن الجوع كان يقعد بها عن التمكن من أداء صلاة الليل قياماً فتؤديها وهي جالسة (37) .
وقد مر علينا سابقاً أنها حينما رجعت الى المدينة مع قافلة السبايا نزعت حليها وحلي أختها لتقدمه هدية للنعمان بن بشير مكافأة له على حسن صحبته ورفقته .

(36) المصدر السابق ص 61 .
(37) المصدر السابق ص 63 .
مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 274





مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 275

الى الرفيق الأعلى


المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 276




المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 277

اذا كان الموت شبحاً مرعباً لكل انسان . وإذا كانت مفارقة الحياة أقسى وأشد ما يزعج الأنسان فإن الأمر كان مختلفاً لدى السيدة زينب . . فالموت بالنسبة لها كان يعني لقاء الله والأقتراب أكثر من رحمته .
والموت عند السيدة زينب قنطرة ومعبر الى جنة الله العريضة الواسعة ونعيمه السرمدي الخالد .
وكانت ترى في الموت وسيلة نقل سريعة توصلها الى رحاب أحبتها السابقين حيث تلقى جدها النبي وأمها الزهراء وأباها المرتضى وأخويها العزيزين .
لقد طال فراقها لجدها المصطفى وأمها البتول ، فامتلأت نفسها شوقاً الى لقائهما لكن ستار الحياة يفصل بينها وبينهما ، فمتى يماط هذا الستار ليكتحل ناظرها برويتهما ؟ .
والموت بعد ذلك أصبح الوسيلة الوحيدة المتاحة للسيدة زينب للإعلان عن احتجاجها ورفضها وسخطها على واقع الألم والضيم والعناء .
لكن الأمر بيد الله فهو وحده يقرر الآجال وبيده الموت والحياة . . وحينما قدر الله ( تعالى ) لها الرحيل عن دار الدنيا ، استقبلت قضاءه بصدر رحب ، فذلك

المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 278

ينسجم مع ما يجري في أعماق نفسها من مشاعر وخلجات .
واسلمت الروح لله . . ورجعت نفسها المطمئنة الى الحق راضية مرضية لتدخل جنة الله بسعادة وهناء ولتلاقي صفوة عباده الأعزاء محمد وفاطمة وعلي والحسن والحسين .
إنه لا يمكننا تصوير مدى سعادة السيدة زينب بعروج روحها الى الملكوت الأعلى .
هل نشبه تلك اللحظات بوصول المسابق الى نهاية شوط السباق ناجحاً منتصراً ؟ فهو وإن كان حين الوصول في غاية التعب والمشقة لما بذله من جهد ، لكنه فور وصوله سينقلب الى حالة أخرى هي ذروة السعادة ومنتهى الراحة .
نعم . . لقد أكملت السيدة زينب امتحانها بنجاج ، وقطعت شوط الحياة الصعب باخلاص ويقين ، وطوت ستة عقود من سنيّ الدنيا في جهاد رسالي متواصل .
واختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاتها ، والأرجح عند كثير من الباحثين أنها توفيت سنة ( 62 ه ) الموافق ( 683 م ) (1) بينما ذهب آخرون الى أن وفاتها سنة 65 ه .
ويتفق المؤرخون على أن وفاتها كانت في الخامس عشر من شهر رجب (2) .
وهكذا انتقلت العقيلة زينب الى الرفيق الأعلى . . وبقي ذكرها خالداً ينير للبشرية طريق الكرامة والمجد .

(1) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 122 .
( السيدة زينب ) بنت الشاطئ ص 155 .
(2) المصدران السابقان .
( مع بطلة كربلاء ) مغنية ص 90 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 279

مقامات شامخة

من اشراقات عظمة السيدة زينب أن تتنافس البقاع والبلدان على ادعاء شرف احتضان مرقدها ومثواها . ففي أكثر من بلد تقام الأضرحة وتشمخ القباب والمنائر بإسم السيدة زينب .
لقد اختلف المؤرخون في مكان وفاة السيدة زينب ومحل قبرها ، وشاء الله ( تعالى ) أن يكون ذلك سبباً لأظهار عظمتها وابراز شأنها ومجدها .
ونتحدث في السطور التالية عن أبرز المقامات المشادة باسم السيدة زينب ( عليها السلام ) .

في دمشق الشام

تشير بعض الروايات الى أن عبدالله بن جعفر رحل عن المدينة وأنتقل مع السيدة زينب زوجته الى ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق في قرية يقال لها « راوية » وقد توفيت السيدة زينب في هذه القرية ودفنت في المرقد المعروف بإسمها .
وتختلف الروايات في سبب هجرة عبدالله بن جعفرالى هذه القرية وفي تاريخ تلك الهجرة ووفاة السيدة زينب ، لكن العديد من المؤلفين ذكروا أن ذلك بسبب

المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 280

مجاعة حصلت في المدينة وإن ذلك كان في سنة ( 65 هـ ) وبعضهم قال إن ذلك في سنة ( 62 هـ ) .
يقول العلامة الشيخ فرج العمران خلال بحث له عن الموضوع : فالأرجح عندي أنها (عليها السلام ) توفيت في الشام في النصف من شهر رجب من العام الخامس والستين من الهجرة وهو عام المجاعة ، وذلك بمحضر زوجها الجواد عبدالله بن جعفر ، ودفنت في احدى قراه المعروفة براوية من غوطة دمشق المشتهرة الآن بقرية الست (3) .
ويقع مقام السيدة زينب في الجهة الشرقية الجنوبية على بعد سبعة كيلو مترات من دمشق ، وقد أصبحت المنطقة تعرف كلها باسم « السيدة زينب » .
وتبلغ مساحة المقام وملحقاته حوالي ال ( 15000 متر مربع ) ، ويتسع لخمسة آلاف شخص .
وقد زار هذا المشهد الرحالة الشهير ابن جبير المتوفى سنة ( 614 هـ ) ، وقال عنه في رحلته المعروفة عند ذكر المزارات عند ذكر المزارات الشامية : « ومن مشاهد أهل البيت مشهد أم كلثوم بنت علي ويقال لها زينب الصغرى وأم كلثوم كنية أوقعها عليها النبي لشبهها بابنته أم كلثوم ومشهدها الكريم قبلي البلد يعرف براوية على مقدار فرسخ وعليه مسجد كبير وخارجه أوقاف وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الست ومشينا اليه وبتنا به وتبركنا برؤيته (4) .
كما زار هذا المشهد الرحالة ابن بطوطة المتوفى ( 770 هـ ) ، وقال عند ذكر مزارات دمشق : بقرية القبلي وعلى فرسخ منها مشهد أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة ، ويقال أن اسمها زينب وكناها رسول الله لشبهها بخالتها أم كلثوم بنت رسول الله وعليه مسجد كبير وله مساكن وله أوقاف ويسميه أهل دمشق

(3) ( وفاة زينب الكبرى ) الشيخ فرج العمران ص 65 .
(4) ( مرقد العقيلة زينب ) محمد حسنين السابقي ص 109 ، نقلاً عن رحلة ابن جبير ص 269 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 281

قبر الست أم كلثوم (5) .
وذكر هذا المشهد الباحث الدمشقي عثمان بن أحمد السويدي الحوراني المتوفى سنة ( 970 هـ أو 1003 هـ ) في كتابه:
( الأشارات الى أماكان الزيارات ) قال : ومنها قرية يقال لها « راوية » بها السيدة زينب أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب توفيت بغوطة دمشق عقيب محنة أخيها الحسين ، ودفنت في هذه القرية ثم سميت القرية باسمها وهي الآن معروفة ب « قبر الست » (6) .
وقال العلامة السيد محسن الأمين العاملي : يوجد في قرية تسمى « راوية » على نحو فرسخ من دمشق الى جهة الشرق قبر ومشهد يسمى «قبر الست » ووجد على هذا القبر صخرة رأيتها وقرأتها كتب عليها : هذا قبر السيدة زينب المكناة بأم كلثوم بنت سيدنا علي ( رضي الله عنه ) وليس فيها تاريخ وصورة خطها تدل على أنها كتبت بعد الستمائة من الهجرة » (7) .
وإن كان السيد الأمين يرجّح أن القبر لزينب الصغرى أخت السيدة زينب الكبرى .
وورد أن السيدة نفيسة صاحبة المقام المعروف في القاهرة بنت حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب قد زارت هذا المشهد في قرية « راوية » سنة ( 193 هـ ) (8) .
وقرب سنة (500 هـ ) شيد رجل قرقوبي من أهل حلب بمشهدها جامعاً كبيراً من أشهر جوامع دمشق (9) .

(5) المصدر السابق ص 110 عن ( رحلة ابن بطوطة ) ج 1 ص 61 .
(6) المصدر السابق ، نقلاً عن ( الأشارات ) ص 18 طبع دمشق : ( 1302 ه ) .
(7) ( أعيان الشيعة ) محسن الأمين ج 7 ص 136 .
(8) ( مرقد العقيلة زينب ) السابقي ص 141 ث .
(9) المصدر السابق .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 282

وزار هذا المشهد الرحالة أبو بكر الهروي المتوفى ( 611 هـ ) وذكره في كتابه المعروف ب ( الأشارات الى معرفة الزيارات ) (10) .
وفي سنة ( 768 هـ ) أوقف على هذا المشهد باعتباره مرقداً للسيدة زينب الكبرى نقيب الأشراف السيد حسين الموسوي من كبار أعلام دمشق في زمانه جميع ما كان يملكه من البساتين والأراضي وكتب صكاً طويلاً عليه شهادات سبعة من قضاة دمشق الكبار في زمانهم ، ونسخة هذا الصك محفوظة عند سدنة المقام ومذكور نصه في بعض المؤلفات (11) .
وقد جدد السيد حسين الموسوي عمارة هذا المشهد سنة ( 768 هـ ) وفي سنة ( 1302 هـ ) جدد القبة الكريمة السلطان عبد العزيز خان العثماني باعانة التجار والأثرياء . وفي سنة ( 1354 هـ ) أنشأ سادة آل نظام غرفاً كثيرة حول المقام لاراحة الزائرين وجددوا المدخل الشريف بنفقتهم .
وفي سنة ( 1370 هـ ) شكل الإمام السيد محسن الأمين العاملي لجنة من خيار التجار وأهل الثروة لتعميرالحرم والصحن والأروقة برئاسته ( رحمه الله ) (12) .
وكان للحاج محمد مهدي البهبهاني ( رحمه الله ) دور أساسي في هذه العمارة والتجديد .
وفي سنة ( 1370 هـ ) أهدى التاجر الباكستاني محمد علي حبيب مؤسس المصرف المعروف باسمه « حبيب بنك » أهدى قفصاً ثميناً وزنه اثنا عشر طنا لينصب على قبرها لأن الله قد شفا ولده الوحيد من الشلل بعد أن عجز عنه الأطباء ببركة السيدة زينب ، وقد نصب هذا القفص الفضي المذهب المحلى بالجواهر الكريمة النادرة في احتفال رسمي وشعبي .

(10) المصدر السابق .
(11) المصدر السابق ص 145 .
(12) المصدر السابق ص 227 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 283

وأرخه الخطيب الشيخ علي البازي النجفي بقوله :
هذا ضريح زينب قف عنده واستغفر الله لكل مذنب
ترى الملا طراً وأملاك السما ارخ « وقوفاً في ضريح زينب »

( 1370 ه ) (13) .
وفي سنة ( 1373 هـ ) أهدى جماعة من التجار الأيرانيين صندوقاً ثميناً من أورع أمثلة الصناعة الأيرانية المعروفة ، ومن صنع الفنان الأيراني الحاج محمد سميع ، والذي بقي في صنع هذا الصندوق ثلاثين شهراً ، وقدر ثمنه بمآءتي ألف ليرة سورية آنذاك ، وعليه غطاء من البلور أحضرته بعثة ايرانية برئاسة ضابط ايراني كبير ، وأقيم يوم وصوله ونصبه على قبرالسيدة زينب احتفال مهيب ترأسه السيد صبري العسلي رئيس وزارة سوريا .
وارخه الشاعر النجفي السيد محمد الحلي بقوله :
صندوق زينب قد بدت للفن فيه علائم
صنعته أيدي المخلصين فحار فيه العالم
حيث احتوى جثمانها ارّخت راق الخاتم

(1373 ه ) (14) .
وأهدى بعض تجار ايران سنة ( 1380 هـ ) لمشهدها باباً ذهبياً رائعاً (15) .
وللمقام مئذنتان شامختان بارتفاع ( 54 متراً ) .
وفي عام ( 1380 هـ ) أهدي للحرم باب ذهبي للمدخل الغربي وبابان مذهبان بالميناء للمدخل الشمالي والقبلي كما تم في هذا العام ( 1413 هـ ) اكساء قبة المقام من الخارج بالذهب .

(13) ( أدب الطف ) جواد شبر ج 1 ص 251 .
(14) ( مرقد العقيلة ) السابقي ص 231 .
(15) المصدر السابق .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 284

المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 285


المشهد الزينبي في القاهرة

بناءً على الرواية التي تقول بأن السيدة زينب حينما غادرت المدينة المنورة بضغط من والي المدينة الأموي عمرو بن سعيد الأشدق فإنها توجهت الى مصر واستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد وأنزلها داره بالحمراء في القاهرة ، وبعد احدى عشر شهراً وخمسة عشر يوماً توفيت في ( 15 رجب سنة 62 هـ ) ، وصلى عليها الوالي مسلمة بن مخلد ، ودفنها بمخدعها من الدار حسب وصيتها (16) .
وعلى هذا يقع ضريح السيدة زينب في الجهة البحرية من دار مسلمة بن مخلد الأنصاري ، وبمرور السنين والعهود على هذه الدار اندثر جزء كبير منها الا ما كان من الضريح الطاهر فإنه كان معظماً مقصوداً بالزيارة ، وموضع تبجيل وأحترام الخاصة والعامة من الناس ، الذين كانوا يتعاهدونه بالتعمير والأصلاح ، ويتناوب على خدمة هذا المشهد أناس أنقطعوا لهذا العمل ويصرف عليهم من وجوه الخير ومن ريع الأعيان والممتلكات التي أوقفت على هذا الضريح الطاهر .
وفي زمن دولة أحمد بن طولون ( 254 - 293 هـ ) ( 868 -905 م ) اُجري على هذا المشهد الطاهر ما اُجري على المشاهد الأخرى من عمارة وترميم .

(16) ( أخبار الزينبات ) الصبيدلي ، مجلة ( الموسم ) عدد : 4 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي