المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 85

في بيت الزوجية


المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 86




المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 87

وتجاوزت زينب مرحلة الصبا ، واكتمل نضجها الجسدي والنفسي ، ومع شديد رغبتها في البقاء قرب أبيها ، وفي توفير الرعاية والعناية لأخويها الحسنين ، الا أنه كان لابد لها من الزواج ، لما يعنيه الزواج من تكامل في الشخصية ، واستجابة للسنة الآلهية التي جعلها الله ( تعالى ) في بني البشر بل في كافة المخلوقات كما يقول ( تعالى ) : « وَمِنْ كُلِ شَيءٍ خَلَقْنَا زُوجَين »(1) ، ولأن تعاليم الاسلام تحث على الزواج وتحبذه ، وتذم العزوبة وتنفر منها .
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني » (2) .
وعنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال لرجل يقال له عكاف : ألك زوجة ؟ .
قال : لا .

(1) سورة الذاريات ، الآية ( 49 ) .
(2) ( الفقه : كتاب النكاح ) السيد محمد الشيرازي ج 62 ، ص 12 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 88

فقال (صلى الله عليه وآله) : ألك جارية ؟ .
قال : لا يا رسول الله .
قال (صلى الله عليه وآله) : أفأنت موسر ؟ .
قال : نعم .
قال (صلى الله عليه وآله) : تزوج والا فأنت من المذنبين .
وفي رواية : تزوج والا فأنت من إخوان الشياطين (3) .
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) : « شراركم عزّابكم وأراذل موتاكم عزابكم » (4) .
ومهما كانت كفاءة البنت وفضلها فإن ذلك لا يغنيها عن نعمة الحياة الزوجية ، ومخطئة جداً من تظن أن الشهادة الدراسية أو المنصب الوظيفي أو أي كفاءة علمية أو اجتماعية يمكن أن تصبح بديلاً عن الزواج أو أن تملأ الفراغ في حياة المرأة بدلاً عن الزواج . . إنه لو كان كذلك لاستغنت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عن الزواج وهي لا تداني في فضلها ومؤهلاتها ، ولاستغنت ابنتها العقيلة زينب عن تحمل أعباء الحياة الزوجية لما لها من الفضل والكفاءة ! .
لقد دخلت امرأة ذات يوم على الامام الصادق (عليه السلام) وقالت : أصلحك الله إني متبتلة .
فسألها الامام : وما التبتل عندك ؟ .
قالت : لا أريد التزويج أبداً .
قال : ولم ؟ .

(3) المصدر السابق ، ص 16 .
(4) ( ميزان الحكمة ) الري شهري ج 4 ، ص 275 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 89

قالت : ألتمس في ذلك الفضل .
فقال : انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة (عليها السلام) أحق به منك ، انه ليس أحد يسبقها الى الفضل (5) .
وجاء الخاطبون يتوافدون على بيت علي بن أبي طالب (عليه السلام) كل منهم يتمنى أن يحظى بشرف الاقتران بالعقيلة زينب ، رغبة في الاتصال بالنسب النبوي الشريف ، ولما يعرفونه من كمال زينب وفضلها وأدبها ، لكن أباهاً علياً كان يرد كل خاطب لأنه (عليه السلام) قد اختار لابنته الزوج المناسب والكفوء .
يقول السيد الهاشمي : إن العقيلة زينب بنت علي خطبها الأشراف من قريش والرؤساء من القبائل . . ويروى انه خطبها الأشعث بن قيس وكان من ملوك كندة (6) .
والعناية الآلهية التي أحاطت بالسيدة زينب (عليها السلام) ووجهت مسارات حياتها كان لابد وأن تتدخل في شأن هذا الأمر الخطير من حياة السيدة زينب ، وهو اختيار القرين والزوج المناسب الكفوء لهذه المرأة العظيمة . . وهذا ما حصل بالفعل فقد شاء الله ( تعالى ) أن تقترن العقيلة زينب بواحد من أعظم وأنبل شباب الهاشميين وهو ابن عمها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب .
واختيار الامام علي لعبدالله بن جعفر ليكون زوجاً لابنته زينب اختيار أكثر من موفق ، فعلي يعرف مكانة أخيه جعفر ، وعبدالله ربيب للامام علي حيث أصبح في رعايته بعد شهادة أبيه جعفر ، وأمه اسماء بنت عميس وثيقة الصلة والعلاقة بالسيدة الزهراء أم العقيلة زينب ، ثم هي قد أصبحت زوجاً للامام علي ، اضافة لكل ذلك المؤهلات الشخصية التي كان يجدها الامام في ابن أخيه عبدالله بن

(5) ( ميزان الحكمة ) الري شهري ج 4 ، ص 274 .
(6) ( عقيلة بني هاشم ) السيد علي الهاشمي ص 31 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 90

جعفر ، وقد أصدق الامام ابنته زينب 480 درهماً من خالص ماله كصداق أمها فاطمة الزهراء ( ع ) .
ولنسلط الأضواء الآن على شخصية هذا الرجل العظيم :

المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 91

أبوه : جعفر الطيار :

وجعفر الطيار هو ابن أبي طالب ، وأخو الامام علي ، وهو أكبر من الامام علي بعشر سنين ، وهو ثالث من أسلم وصلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بعد علي وخديجة ، حيث كان النبي (صلى الله عليه وآله) يتقدمهم للصلاة وعلي عن يمينه وجعفر عن يسارةه وخديجة من خلفه .
وكان جعفر يشبه النبي (صلى الله عليه وآله) في خلقه وخُلقه ، وكان يكنيه « أبا المساكين » .
وعن الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) : كان جعفر أشبه الناس برسول الله خلقاً وخُلقاً ، وكان الرجل يرى جعفر فيقول : السلام عليك يا رسول الله . يظنه اياه ، فيقول : لست برسول الله أنا جعفر .
قال حسان بن ثابت :
وكنا نرى في جعفر من محمد وقاراً وأمراً حازماً حين يأمر
وما زال في الاسلام من آل هاشم دعائم صدق لاترام ومفخر
هم جبل الاسلام والناس حولهم رضام الى طود يطول ويقهر

المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 92

بها ليل منهم جعفر وابن اُمه علي ومنهم أحمد المتخير(7)

وهو الذي قاد أول مجموعة مسلمة مهاجرة الى الحبشة ، من مكة المكرمة ومعه زوجته أسماء بنت عميس .
وبقي جعفر في الحبشة حتى السنة السابعة من الهجرة ، وعندما ترك الحبشة قاصداً المدينة ، كان النبي (صلى الله عليه وآله) راجعاً من حرب خيبر ، والتقاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقبله بين عينيه ، وقال : ما أدري بأيهما أشد فرحاً بقدوم جعفر أو بفتح خيبر .
وقال له : أنت أشبه الناس بخلقي وخُلقي وقد خلقت من الطينة التي خلقت منها .
ولم يمض على بقاء جعفر في المدينة الى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الا حوالي سنة واحدة حتى بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنة 8 ه على رأس جيش من المسلمين يبلغ ثلاثة آلاف مقاتل لمواجهة الروم .
وفي مؤتة قرية في الأردن حصلت معركة حاسمة على حدود الشام حيث كان عدد جيش الروم أكثر من مائة ألف ، وأخذ الراية جعفر وتقدم بمن معه من المسلمين وحمل على تلك الحشود التي ملأت الصحراء بعددها وعتادها ، وظل يقاتلهم حتى قطعت يمينه وشماله وخر صريعاً ، ووجدوا في مقدم جسده بعد شهادته أكثر من تسعين ضربة وطعنة .
وكان ينشد أثناء القتال :
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
كافرة بعيدة أنسابها والروم روم قد دنا عذابها
عليّ إذ لاقيتها ضرابها

(7) مجلة ( الموسم ) ص 1065 1068 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 93

وكانت شهادة جعفر في غزوة مؤتة في جمادي الأولى سنة 8 ه .
وفي ( عمدة الطالب ) : لما رأى جعفر الحرب قد اشتدت ، والروم قد غلبت ، اقتحم عن فرس له أشقر ثم عقره ، وهو أول من عقر في الاسلام فقاتل حتى قطعت يده اليمنى ، فأخذ الراية بيده اليسرى وقاتل الى أن قطعت يده اليسرى أيضاً ، فاعتنق الراية وضمها الى صدره حتى قتل ، ووجد فيه نيف وسبعون ، وقيل نيف وثمانون ما بين طعنة وضربة ورمية .
وحينما وصل خبر مقتله الى المدينة جزع المسلمون كثيراً ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « لا تبكوا على أخي بعد اليوم ، إن له جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة » .
فسمي ذا الجناحين والطيار (8) .
وقال (صلى الله عليه وآله) : « اللهم إن جعفراً قد قدم الى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته » (9) .
وينقل التاريخ أن جعفر بن أبي طالب كان معروفاً بحسن السيرة والسلوك حتى قبل الاسلام ، وروي عنه أنه كان يتحدث عن حياته في الجاهلية ، فيقول : ما شربت خمراً قط ، لأني علمت إن شربتها زال عقلي ، وما كذبت قط ، لأن الكذب ينقص المروءة ، وما زنيت قط ، لأني خفت اني إذا عملت عمل بي ، وما عبدت صنماً قط ، لأني علمت انه لا يضر ولا ينفع .
وروي أن جعفر بن أبي طالب كان يقول لأبيه : يا أبة إني لأستحي أن أطعم طعاماً وجيراني لا يقدرون على مثله ! فأجابه أبوه : إني لأرجو أن يكون فيك خلف

(8) ( زينب وليدة النبوة والإمامة ) م . صادق ص 53 55 بتصرف .
(9) ( في رحاب السيدة زينب ) محمد بحر العلوم ص 33 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 94

من عبد المطلب (10) .
وفي الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : « إن الله اختارني في ثلاثة من أهل بيتي ، أنا سيد الثلاثة : اختارني وعلياً وجعفراً وحمزة » (11) .
ذلك هو الأصل الذي تفرع عنه عبدالله بن جعفر زوج السيدة زينب (عليها السلام) .

(10) مجلة ( الموسم ) العدد الرابع من المجلد الأول ص 1065 1068 .
(11) ( مع بطلة كربلاء ) محمد جواد مغنية ص 28 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 95

أمه : ( أسماء بنت عميس )

كانت أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة كريمة شريفة ذات رأي حازم ، ومعرفة وتجربة ، هاجرت في سبيل الله مع زوجها جعفر الطيار هجرتين ، الأولى الى الحبشة ، والثانية الى المدينة .
وبعد شهادة زوجها جعفر تزوجت من أبي بكر فأولدها « محمد بن أبي بكر » .
وكانت وثيقة الصلة بالسيدة الزهراء ( عليها السلام ) وهي التي ساعدتها فترة مرضها بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكانت قريبة منها عند وفاتها ، وشاركت الامام علي في تجهيز فاطمة الزهراء .
وبعد وفاة أبي بكر تزوجها الامام علي وضمّها الى عياله مع ولدها محمد بي أبي بكر وهو في الرابعة من عمره ، والذي أصبح ربيب الامام علي ، وولدت للامام علي ولداً أسماه « يحيى » (12) ، فعبدالله بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ويحيى بن علي اخوة من أم واحدة .

(12) ( زينب وليدة النبوة والإمامة ) م . صادق ص 56 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 96

يقول عنها العلامة المحقق الشيخ جعفر النقدي : كانت أسماء من القانتات العابدات ، روت الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، وعن علي والزهراء (عليهما السلام) . وروى عنها كثيرون منهم ابنها عبدالله بن جعفر ، وحفيدها القاسم بن محمد بن أبي بكر وهو جد امامنا الصادق (عليه السلام) لأمه ، وروى عنها عبدالله بن عباس وهو ابن أختها « لبابة بنت الحارث » . . .
قيل : وكان الخليفة عمر يسألها عن تفسير المنام ، ونقل عنها أشياء من ذلك ومن غيره ، قال في ( الاصابة ) : ويقال أنها لما بلغها قتل ولدها محمد بمصر قامت الى مسجد بيتها وكظمت غيظها حتى شخب ثدياها دماً (13) .
وقد عبر عنها الامام الصادق (عليه السلام) ب « النجيبة » ، وترحم عليها بقوله : « رحم الله الاخوات من أهل الجنة » وعد أسماء في مقدمتهن (14) .
هذا هو الحضن الذي تربى فيه عبدالله بن جعفر زوج السيدة زينب (عليها السلام) .

(13) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 77 .
(14) ( في رحاب السيدة زينب ) بحر العلوم ص 34 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 97

شخصية عبدالله بن جعفر

هو أكبر أولاد أبيه ، وقد ولد في الحبشة عندما هاجر اليها والداه ، وهو أول مولود ولد في الاسلام بأرض الحبشة ، وبعد شهادة أبيه في مؤتة أخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجره قائلاً :
« أما عبدالله فشبيه خلقي وخُلقي ، اللهم اخلف جعفراً في أهله ، وبارك لعبدالله في صفقة يمينه » .
وخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسماء زوجة جعفر والتي كانت متأثرة ليتم ابنائها قائلاً : « لا تخافي عليهم أنا وليهم في الدينا والآخرة » (15) .
وطبيعي أن يرعاه عمه علي بعد شهادة أبيه .
وصحب عبدالله بن جعفر النبي ، وحفظ الحديث عنه ، ولازم عمه أمير المؤمنين ، وابني عمّه الحسن والحسين ، وأخذ العلم عنهم .
قال عبدالعزيز سيد الأهل : راى النبي وكانت له به صحبة وكرمه رسول الله

(15) ( مع بطلة كربلاء ) محمد جواد مغنية ص 32 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 98

فأردفه يوماً في ركوبه ثم شرّفه فاسرّ اليه حديثاً حين أركبه فاردفه (16) .
وكان أغنى بني هاشم وايسرهم ، وكانت له ضياع كثيرة ، ومتاجر واسعة وكان أسخى رجل في الإسلام ، وله حكايات في الجود كثيرة وعجيبة (17) .
وجاء في كتاب ( الاستيعاب ) : أن عبدالله بن جعفر كان كريماً جواداً ظريفاً خليقاً عفيفاً سخياً ، يسمى بحر الجود .
وذكر ابن عساكر قال : روى الحافظ : أن معاوية كان يقول : بنو هاشم رجلان رسول الله لكل خير ذكر ، وعبدالله بن جعفر لكل شرف ، والله لكأن المجد نازل منزلاً لا يبلغه أحد وعبدالله بن جعفر نازل وسطه (18) .
ومن جود ابن جعفر وكرمه ، ما ذكره ابن عساكر في ( تاريخه ) قال : جاء شاعر الى عبدالله بن جعفر فأنشده :
رأيت أبا جعفر في المنام كساني من الخزّ دراعة
نقلت الى صاحبي أمرها فقال ستئوتى بها الساعة
سيكسوكها الماجد الجعفري ومن كفه الدهر نفاعة
ومن قال للجود لا تعدني فقال : لك السمع والطاعة

فقال عبدالله لغلامه : ادفع اليه جبتي الخزّ .
ثم قال له : ويحك كيف لم تر جبّتي الوشي التي اشتريتها بثلاثمائة دينار منسوجة بالذهب .

(16) ( زينب عقيلة بني هاشم ) عبد العزيز سيد الأهل ص 20 .
(17) ( مع بطلة كربلاء ) محمد جواد مغنية ص 33 .
(18) ( عقيلة بني هاشم ) الهاشمي ص 34 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 99

فقال : اغفي غفية اخرى فلعلي أراها في المنام .
فضحك منه عبدالله وقال لغلامه : ادفع اليه جبتي الوشي أيضاً (19) .
وقال ابن حيان : كان يقال لعبدالله بن جعفر قطب السخاء ، وكان له عند موت النبي عشر سنين (20) .
وقال ابن حجر في ( الأصابة ) : أخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي بسند حسن إلى محمد بن سيرين : ان دهقاناً من أهل السواد كلم ابن جعفر في أن يكلم علياً في حاجة ، فكلمه فيها ، فقضاها فبعث اليه الدهقان أربعين ألفاً ، فردها وقال : إنا لا نبيع معروفاً (21) .
ومضى اليه رجل يدعي أنه ابن سبيل ، قد راهن الناس على ان عبدالله أجود الناس ، فقالوا : أرنا .
فجاء اليه وعبدالله على راحلته يريد ضيعة له ، فقال الرجل :
يا ابن عم رسول الله .
قال : قل ما تشاء .
قال : انا ابن سبيل قد انقطع بي .
فأخرج عبدالله رجله من ركابه ونزل عن راحلته ، وقال له : ضع رجلك ، واستو على الناقة ، وخذ ما في الحقيبة ، وايّاك أن تخدع عن السيف فانه من سيوف علي بن أبي طالب .
ثم ترك الرجل ورجع .
أما الرجل فقد وضع رجله في الركاب واستوى على الناقة ومدّ يده الى الحقيبة

(19) ( عقيلة بني هاشم ) الهاشمي ص 34 .
(20) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 81 .
(21) المصدر السابق ص 86 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 100

فوجدها ممتلئة بمطارف الخزّ ، وبها اربعة آلاف دينار ، وكان سيف علي أنفس من المطارف وأجل من الدنانير (22) .
وخرج عبدالله بن جعفر يوماً الى ضيعة له فنزل على حائط به نخيل لقوم وفيه غلام اسود يقوم عليه ، فأتى بقوته ثلاثة اقراص فدخل كلب فدنا من الغلام ، فرمى اليه بقرص فأكله ، ثم رمى اليه بالثاني والثالث فأكلهما ، وعبدالله ينظر اليه .
فقال : يا غلام كم قوتك كل يوم ؟ .
قال : ما رأيت .
قال : فلم آثرت هذا الكلب ؟ .
قال إن أرضنا ما هي بأرض كلاب ، وان هذا الكلب جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت أن أردّه .
قال : فما أنت صانع اليوم ؟ .
قال : أطوي يومي هذا .
فقال عبدالله بن جعفر : ءألام على السخاء وهذا العبد أسخى مني ؟ .
ثم اشترى الحائط وما فيه من النخيل والآلات ، واشترى الغلام ثم أعتقه ووهبه الحائط بما فيه من النخيل (23) .
ويشير السيد بحر العلوم الى أن الخيرات والبركات قد انهالت على عبدالله بن جعفر عند زواجه بالسيدة زينب (عليها السلام) فيقول : وزحفت البركة على ابن جعفر مع زينب فوفد عليه الرزق من المال والولد ، وامتلاك الضياع ، وفاضت أرضه بالثمار والغلات ، ووفد أهل المدينة وأبناء السبيل في حاجاتهم على

(22) (زينب عقيلة بني هاشم ) عبد العزيز سيد الأهل ص 22 .
(23) زينب الكبرى ص 88 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 101

بابه : باب زينب بنت الزهراء (24) .
وكان عبدالله بن جعفر منقطعاً الى عمه أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم الى الحسنين (عليهما السلام) وله في الجمل وصفين والنهروان ذكر مشهور .
واشار ابن عبد ربه الأندلسي الى أن عبدالله بن جعفر كان كاتباً لعمه الإمام علي فترة خلافته (25) .
ويقول السيد الخوئي ( قده ) عن شخصية عبدالله بن جعفر : جلالة عبدالله بن جعفر الطيار بن أبي طالب بمرتبة لا حاجة معها الى الأطراء . ومما يدل على جلالته أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يتحفظ عليه من القتل كما كان يتحفظ على الحسن والحسين (عليهما السلام) ومحمد بن الحنفية (26) .
أما عدم خروجه مع الحسين (عليه السلام) الى كربلاء فقد قيل : انه كان مكفوف البصر ، ولما نعي اليه الحسين ، وبلغه قتل ولديه عون ومحمد كان جالساً في بيته ، ودخل عليه الناس يعزونه فقال غلامه أبو اللسلاس : هذا ما لقينا من الحسين .
فحذفه عبدالله بنعله ، وقال له : يابن اللخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لما فارقته حتى أقتل معه ، والله انهما لمّما يسخى بالنفس عنهما : ويهون عليّ المصاب بهما انهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه .
ثم انه أقبل على الجلساء فقال : الحمد لله اعزز عليّ بمصرع الحسين إن لم أكن واسيت الحسين بيدي فقد واسيته بولدي (27) .
بقي أن نشير الى عبدالله بن جعفر قد تزوج في حياة السيدة زينب بنساء

(24) ( مقاتل الطالبيين ) الأصفهاني ص 91 92 .
(25) ( العقد الفريد ) الاندلسي ج 4 ، ص 164 .
(26) ( معجم رجال الحديث ) السيد الخوئي ج 10 ، ص 138 .
(27) المصدر السابق ص 88 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 102

أخريات منهن : الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة من بني بكر بن وائل ، ومنها ولده محمد الشهيد في كربلاء ، وكذلك أخوه عبيدالله الذي ذكرت بعض المصادر أنه الشهيد الثالث من أولاد عبدالله بن جعفر في كربلاء (28) .
تلك هي بعض الملامح والمعالم من حياة عبدالله بن جعفر قرين السيدة زينب وشريك حياتها .
وقد توفي سنة (80 ه ) أو أربع أو خمس وثمانين ، في خلافة عبد الملك بن مروان ، وصلى عليه السجاد أو الباقر (عليهما السلام) وأمير المدينة يومئذٍ أبان بن عثمان بن عفان ، والذي أبّنه بقوله : كنت والله خيراً لا شرّ فيك ، وكنت والله شريفاً واصلاً براً (29) .

(28) ( في رحاب السيدة زينب ) بحر العلوم ص 36 .
(29) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 90 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 103

أولاد السيدة زينب :

من يتأمل نضال السيدة زينب وأدوارها الرسالية العظيمة يكاد يغفل عن أن لها ابناءً كانت تتحمل مسؤولية رعايتهم وتربيتهم ، لتكون العقيلة زينب (عليها السلام) قدوة كاملة متكاملة للمرأة المسلمة الطموحة ، والتي تقوم بكل الأعباء والمهام العائلية المنزلية والدينية الأجتماعية ، ولنتعرف الآن على ثمرات فؤادها وفلذات كبدها :
1 عون بن عبدالله بن جعفر
كان مع أمه زينب في صحبة خاله الإمام الحسين ، وقد نال شرف الشهادة في كربلاء ، وفجعت به أمه زينب الى جنب فجائعها الأخرى .
وقد برز الى ساحة الجهاد ، فجعل يقاتل قتال الأبطال وهو يرتجز :
ان تنكروني فأنا ابن جعفر شهيد صدق في الجنان أزهر
يطير فيها بجناح أخضر كفى بهذا شرفاً في المحشر

وتمكن الشاب البطل من قتل ثلاثة فوارس ، وثمانية عشر راجلاً . ثم ضربه

المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 104

عبدالله بن قطنة الطائي النبهاني بسيفه فقتله .
وقد ورد ذكر عون في الزيارة الواردة في الناحية المقدسة أي عن الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عليه السلام) حيث قال :
« السلام على عون بن عبدالله بن جعفر الطيار في الجنان ، حليف الإيمان ، ومنازل الأقران ، الناصح للرحمن ، التالي للمثان ، لعن الله قاتله عبدالله بن قطنة النبهاني » (30) .
2 محمد :
وقد ذكره العديد من الباحثين في حياة السيدة زينب ، كالسبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص ) ( ص 110 ) (31) وذكره السيد الهاشمي في كتابه ( عقيلة بني هاشم ) ( ص 36 ) والدكتورة بنت الشاطي في ( السيدة زينب ) ( ص 50 ) والشيخ محمد جواد مغنية ( مع بطلة الطف ) ( ص 36 ) و م . صادق ( زينب وليدة النبوة والإمامة ) ( ص 62 ) وكتاب آخرون .
ولكن يبدو أن لعبدالله بن جعفر ولداً آخر اسمه محمد من زوجة اخرى هي الخوصاء من بني بكر بن وائل ، وقد استشهد مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء ، مما سبب الأشتباه عند بعض الباحثين فاعتبروا ولدّي عبدالله بن جعفر الشهيدين بكربلاء اعتبروهما ولدي السيدة زينب ( عليها السلام ) لكن التحقيق يثبت أن عوناً فقط هو ابن السيدة زينب ، أما أخوه محمد فهو ابن ضرتها « الخوصاء » كما نص على ذلك الباحثون حول شهداء كربلاء (32) .
3 عباس :
ذكر المؤرخون اسمه دون الأشارة الى شيء من حياته وسيرته .

(31) المصدر السابق ص 128 .
(32) يراجع : ( ابصار العين في أنصار الحسين ) للشيخ محمد السماوي ص 40 ، و ( حياة الإمام الحسين ) للشيخ باقر شريف القرشي ج 3 ، ص 259 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي