تراث كربلاء 39

أبي طالب فقال له : ياعمران سيقدم العبد فنا خسرو لزيارة هذه البقعة فلذ به سيفرج عنك فلما استيقظ نذر بناء أروقة في المشهد الغروي وآخر في المشهد الحائري لو تم له ذلك ، ولما قدم عضد الدولة لزيارة قبر علي بن أبي طالب رأى شخصاً ملاصقاً بجدار الروضة فسأله عن حاجته فخاطبه عمران بن شاهين باسمه الحقيقي فاندهش السلطان من معرفة هذا الشخص من اسمه أي ( فنا خسرو) فقص عليه عمران منامه فعفى عنه السلطان وأولاه امارة البطيح ثانية فقام من ساعته وبنى رواقاً في حرم الأمير بالمشهد الغروي وآخر في الحائر الشريف وبنى بجنبه مسجداً وهو أول من ربط حرم الحائر بالرواق المعروف باسمه رواق ابن شاهين (1). وذكر الفاضل المعاصر السيد محمد صادق بحر العلوم في كتابه ( سلاسل الذهب ) ان رواق ابن شاهين في الجانب الغربي من الحائر الشريف المعروف اليوم برواق السيد ابراهيم المجاب وبني بجنبه مسجداً سمي باسمه ذكره ابن بطوطة الطبخي في رحلته وكان هذا المسجد موجوداًً إلى أيام الصفويين فاستثنوا بدمج المسجد في الصحن فأدمج في الصحن وبقي من المسجد أثره حتى اليوم وهو محل خزن مفروشات الروضة الحسينية خلف الإيوان المعروف بالايوان الناصري وتم ذلك البناء أي بناء الرواق والمسجد المعروف برواق مسجد ابن شاهين في سنة 367 هـ (2) . وقد أدلى المرحوم السيد حسين القزويني الحائري برأيه أنه شاهد متانة بناء هذا المسجد عند الحفريات الأخيرة في المشهد الحسيني ، فكان سمك الأساس يقرب من3 أمتار .
وفي عام 407 هـ أصاب الحريق حرم الحسين عليه السلام حيث كان مزيناً بخشب الساج وذلك على أثر سقوط شمعتين كبيرتين في حرم الحسين (3) ، كما يؤكد على

(1) البحار / لمحمد باقر المجلسي ج 10 طبع إيران .
(2) سلاسل الذهب / السيد محمد صادق بحر العلوم ( مخطوط ) في عدة اجزاء .
(3) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم / لأبي الفرج سبط ابن الجوزي ج 7 ص 28 ( طبع حيدر آباد ) . وانظرتاريخ ابن الأثير ج 9 ص 102 ونزهة أهل الحرمين للسيد حسن الصدر ص 21 وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 4 ص 306 .
تراث كربلاء 40

ذلك ابن تغري بقوله : السنة الحادية والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهي سنة سبع وأربعمائة وفيها احترق مشهد الحسين بن علي بكربلاء من شمعتين غفلوا عنهما (1) . وجدد البناء على عهد البويهيين غب ذلك الحريق ، حيث قام الحسن بن الفضل وزير الدولة البويهية بإعادة البناء نفسه مع تشييد السور .
الحائر في عهد السلاجقة

وفي النصف الثاني من القرن الخامس الهجري زار الحائر الشريف السلطان ملكشاه السلجوقي مع وزيره نظام الملك عندما كان ذاهباً للصيد في تلك الأنحاء وذلك في سنة 479 هـ (2) وأمر بتعمير سور الحائر (3) . وفي سنة 529 هـ مضى إلى زيارة علي ومشهد الحسين عليهما السلام خلق لايحصون وظهر التشيع (4). وفي ربيع الآخر سنة 553 هـ خرج الخليفة المقتفي بالله بقصد الأنبار وعبر الفرات وزار قبر الحسين عليه السلام (5).

الحائر في العهد المغولي ( الأيلخاني )

إثر انقراض الدولة العباسية وظهور الدولة الايلخانية سنة 656 هـ قدم بغداد هولاكو، وعند استيلائه على العراق اجتمع فريق من أقطاب الشيعة فقرروا مفاتحة هولاكو ومكاتبته يسألونه الامان ، وانفذ هولاكو فرماناً يطيب قلوب الشيعة . وبعد ذلك أخذت جحافل المغول تغزو مدن الفرات الأوسط وجنوب

(1) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة / لابن تغري بردى ج 4 ص 241
(2) الكامل / للمبرد ج 9 ص 15
(3) المنتظم / لابن الجوزي ج 9 ص 29
(4) المنتظم / لابن الجوزي ج 10 ص 53
(5) المنتظم / لابن الجوزي ج 10 ص 181
تراث كربلاء 41

العراق . وقد استسلمت بعض مدنه دون أية مقاومة ، لولا بعض المدن التي سلمت من هجمات المغول . يقول العلامة الحلي في كتابه ( كشف اليقين في باب أخبار مغيبات أمير المؤمنين ) سبب سلامة أهل الكوفة والحلة والمشهدين الشريفين إلى ماذكره والده الشيخ سديد الدين لهولاكو من أخبار أمير المؤمنين بعمارة بغداد وملك بني العباس وأحوالهم وأخذ المغول الملك منهم (1) . ويؤيد ماذهب اليه الداودي في كتابه(عمدة الطالب ) فقال : ان مجد الدين محمد بن طاوس خرج إلى هولاكو وصنف له كتاب ( بشارة المصطفى ) وسلم الحلة والنيل والمشهدين الشريفين من القتل والنهب ورد اليه حكم النقابة بالبلاد الفراتية (2) . وفي سنة 662 هـ زار المشهد الحائري جلال الدين ابن الدواتدار الصغير ، فشرع في بيع ماله من الغنم والبقر والجواميس وغير ذلك ، واقترض من الأكابر والتجار مالأ كثيراً ، واستعار خيولاً وآلات السفر وأظهر أنه يريد الخروج إلى الصيد وزيارة المشاهد واخذ والدته وقصد مشهد الحسين عليه السلام ثم توجه الى الشام فتأخر عنه جماعة ممن صحبه من الجند لعجزهم (3).
وكانت كربلاء إذ ذاك غارقة في دياجير الظلام ، ترزح تحت وطأة الفقر والجهل ، ولم تلق عناية من هؤلاء المغول الفاتحين . ولايخفى أن الحياة والخصب في كربلاء متوقفة على تدفق الماء الذي كان ينساب اليها فيما مضى عبر نهر العلقمي الذي كان قد انطمر واندرس نتيجة عدم العناية بكريه وتنظيفه ، وسكنة كربلاء أنذاك هم وجوه الأشراف من العلويين والمنقطعين في جوار الحسين ولم يكن لهم القدرة على القيام بأعباء ذلك (4).

(1) كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين / للعلامة الحلي ص 17 وانظر : الحوادث الجامعة / لابن الفوطي ص 330
(2) عمدة الطالب / للسيد أحمد الداودي ص 178
(3) تاريخ العراق بين احتلالين / المحامي عباس العزاوي ج 1 ص 248
(4) مجلة الأقلام / الجزء 9 السنة 4 مقال ( كربلاء في العهد المغولي الأيلخاني ) بقلم : عادل عبد الصالح الكليدار .
تراث كربلاء 42

وكان السلطان ارغون بن اباقاخان بن هولاكو معروفأ بحبه الشديد لآل البيت ممابذل من السعي المحمود في حفره نهر جديد يخرج من الفرات ويدفع ماءه إلى سهل كربلاء (1) وسمي هذا النهر ( الغازاني الأعلى ) تمييزاً لنهرين آخرين حفرهما غازان أيضاً . يقول مؤلف الحوادث الجامعة : وفي سنة ثمان وتسعون وستمائةً توجه السلطان غازان إلى الحلة وقصد زيارة المشاهد الشريفة وأمر للعلويين والمقيمين بمال كثير ثم أمر بحفر نهر من أعلى الحلة فحفر وسمي بالغازاني وتولى ذلك شمس الدين صواب الخادم السكورجي وغرس الدولة (2) . وجاء اولجياتو محمد خدابنده خلفاً لأخيه غازان الذي وافاه الأجل سنة 703 هـ وكان هو الآخر مهتماً بالعمران وبناء المدن واقتفى اثره واهتمامه بالمشاهد وبالعلويين وقد اعتنق اولجياتو المذهب الشيعي على يد العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر اثر زيارته للنجف الأشرف (3) ومما يذكر عن هذا القرن ان ابن الفوطي تعرض إلى ذكر شخصية معروفة ذلك هو( عز الدين أبوعبد الله ابن أبي السعادات الحسيني العبدلي) فقال : من سكان المشهد الحائري على حاله افضل السلام والتحية رأيته في تبريز سنة سبع وسبعمائة وهو من التجار الذين يترددون إلى بلاد الشام وهو شريف النفس (4) .
ومن ادباء هذه الفترة عز الدين الحسن ابن الشيخ محمد بن علي بن معتوق بن نائل الحائري الكاتب هاجر شاباً إلى بغداد وكتب بها التمغات وله شعر رآه ابن الفوطي ، وذكر أنه ولد سنة ست وخمسين وستمائة (5) .

(1) الفوز بالمراد في تاريخ بغداد / للأب انستاس ماري الكرملي ص 13
(2) الحوادث الجامعة / لابن الفوطي ص 497
(3) روضات الجنات / للسيد محمد باقر الخونساري ج 2 ص 279
(4) الحوادث الجامعة / لابن الفوطي ج 14 : 121
(5) الحوادث الجامعة / لابن الفوطي ج 14 : 106
تراث كربلاء 43

وفي أواسط عهد أبي سعيد ( 716 ـ 736 هـ ) دب النزاع بين القبيلتين العلويتين آل فائز وآل زحيك كما صرح بذلك الرحالة الطبخي ابن بطوطة الذي زار الحائر سنة 726 هـ ، وفي أواخر عهد أبي سعيد خمدت نار الفتنة وعادت المياه إلى مجاريها الطبيعية .

الحائر وتعميرات الجلائريين

أما بناء القبر الموجود حالياً فقد جدده السلطان أوليس الايلخاني الجلائري، كما أنه جدد قبر أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام . هذا وكان إكمال بناء الحرم الحسيني لسنة السابعة والستين والسبعمائة 767 هـ ، وقد أمر بتشييده السلطان أويس الأيلخاني وأتمة واكمله ولده السلطان حسين (1) حيث أتم الابن مابدأه الاب من تشييد ، وشيد البهو الأمامي للروضة المعروف بايوان الذهب . أما الرواق الغربي للروضة فقد شيده عمران بن شاهين ـ كما مر بنا آنفاً ـ ويعرف اليوم برواق السيد ابراهيم المجاب . ويطلق على الرواق الشرقي برواق اغا باقر البهبهاني شيخ الطائفة الاصولية في عصره، على قبره صندوق خشبي بديع الصنع . وفي الواجهة الامامية للروضة رواق حبيب بن مظاهر الاسدي . اما الرواق الشمالي للروضة فيعرف برواق الشاه نسبة إلى وجود مقبرة بعض الملوك القاجاريين ، ويقع خلف مسجد عمران بن شاهين .

الحائر في العهد الصفوي

وفي سنة 914 هـ فتح الشاه اسماعيل الصفوي (2) بغداد، ثم زار كربلاء فأمر

(1) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء / للسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة ص 38 .
(2) جاء في دائرة المعارف الاسلامية ( المجلد الثاني ص 175 ) : توفي الشاه اسماعيل الاول عام 930 هـ = 1524 م بأردبيل حيث توجد مقابر الصفويين هناك .
تراث كربلاء 44

بتذهيب حواشي الضريح الحسيني ، وأهدى اثني عشر قنديلاً من الذهب، كما اهدى الشاه نفسه شبكة فضية أي صندوقاً بديع الصنع للحائر المقدس . ويظهر ان الصندوق الذي أمر به الشاه اسماعيل لم يتم إلا في عام 932 هـ .
ويروي عباس العزاوي في حوادث سنة 914 هـ قائلاً : وفي اليوم التالي ( أي في 26 جمادى الثانية ) ذهب الشاه اسماعيل إلى زيارة كربلاء المشرفة وصنع الصندق المذهب للحضرة ووقف فيه أثني عشر قنديلاَ من الذهب وفرش رواق الحضرة بأنواع المفروشات القيمة . واعتكف هناك ليلة ثم رجع في اليوم التالي متوجهاً إلى الحلة ومنها إلى النجف (1). وتوجد على غرفة القبر الشريف رخامة كتب عليها نص العبارة التالية :« قد عمر هذا المكان بهمة آغا حسين خان شجاع السلطان في 14 محرم سنة 1325 هجرية » . وقد بذل الشاه صفي الدين الصفوي الكثير من الأموال لأجل تعمير الروضة الحسينية خلال عام 1042 هـ ، ووسع المسجد الكبير الملحق بالحائر الحسيني .
ويخال إلينا إن ما أشار إليه المجلسي في كتاب المزار كان المراد منه هذه التعميرات التي جرت في الجهة الشمالية من الصحن فيقول : الأظهر عندي أي ( الحائر ) مجموع الصحن القديم لا ما تجدد منه في الدولة العلية الصفوية إذ لم يتغير الصحن من جهة القبلة ولامن اليمين، بل إنما زيد من خلاف الجهة الشمالية من الصحن .
وفي سنة 984 هـ مات الشاه طهماسب الصفوي مسموماً وخلفه ابنه اسماعيل مرزا الذي كان سجيناًُ في قلعة الموت ، وفي هذه الأيام صدرت الإرادة الهمايونية بتعيين علي باشا الوند واليا على بغداد وبأمر من السلطان شيد ضريح سيد شباب اهل الجنة وقرة عين اهل السنة الأمام الحسين رضي الله تعالى عنه وكذلك شيد

(1) تاريخ العراق بين احتلالين / عباس العزاوي ج 3 ص 316 .
تراث كربلاء 45

المسجد والرواق والقبة وعمر ايضاً قباب شهداء كربلاء (1) . وقد أمرت زوجة نادر شاه كريمة السلطان حسين الصفوي بتعمير المسجد المطهر عام 1153 هـ ، وأنفقت لذلك امولاً طائلة (2).

الحائر في العهد القاجاري

تم تذهيب قبة الحسين عليه السلام على عهد القاجاريين ثلاث مرات ، فقال السلطان آغا محمد خان ( الخصي ) مؤسس الدولة القاجارية في إيران بتذهيب القبة السامية للسنة السابعة بعد المائتين والألف الهجرية . وبهذه المناسبة نظم الميرزا سليمان خان المشهور بصباحي الشاعر أبياتاً بالفارسية مؤرخاً هذا التذهيب بقوله :
كلك صباحي از اين تاريخ او نوشت در كنبد حسين علي زيب يافت رز (3)

1207هـ

أما التذهيب الثاني فقد حصل في عهد السلطان فتح علي شاه القاجاري لأن التذهيب الأول كان قد اسود ، فكتب إليه أهالي كربلاء بذلك ، فأمر الشاه تواً بقلع الأحجار الذهبية القديمة واستبدالها بالذهب الجديد (4) . كما انه أهدى شبكة فضية بتاريخ 1214 هـ وهي اليوم ما زالت موجودة على القبر الشريف، وفي هذا الدور تبرعت زوجته بتذهيب المأذنتين .
وفي عام 1232 هـ جرت اصلاحات كثيرة للحائر بعد غارة الوهابيين على يد

(1) كلشن خلفا /ص208 .
(2) تاريخ كربلاء المعلي / ص 15 .
(3) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ص 76 .
(4) تاريخ كربلاء وحائر الحسين / 262 .
تراث كربلاء 46

السلطان المذكور بهمة المرحوم الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء . وقام نجله محمدعلي مرز القاجاري بتعمير الحائر أيضاً وتزيين الحرم وما يحتاجه من تعمير . وتم التذهيب الثالث للقبة من قبل السلطان ناصر الدين شاه القاجاري حفيد فتح علي شاه حيث جدد بناءها وقسماً من تذهيبها في سنة 1273 هـ كما يتضح ذلك من الكتيبة التي نقشت على القسم الأسفل من القبة نفسها . ويبلغ ارتفاع القبة 15 متراً . وقد وسع السلطان ناصر الدين شاه الجانب الغربي من الصحن وجدد بناءه حيث وجه كبير علماء ايران المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني سنة 1276هـ من أجل اصلاح وتجديد وتعمير الصحن الشريف (1) . وقد تم تجديد صندوق الخاتم للقبر المطهر في هذا العهد بالذات ، فقد جدده خان جان القاجار في سنة 1225 لأن الوهابيين كانوا قد كسروا هذا الصندوق وأحرقوه في سنة 1216 هـ (2)
وتعلو الضريح الأواني الذهبية المرصعة بالأحجار الكريمة ،وفي كل ركن من أركانه رمانة من الذهب الخالص يبلغ قطرها نحو نصف متر ، ويتصل بهذا المشبك الخارجي مشبك أخر لايختلف عنه بمزية من مزاياه ولايوجد أدنى حاجز بينهما إلا أنه يقصر بمتر واحد من كل من جانبيه ، وقد رقد تحته علي بن الحسين ( الأكبر ) الذي استشهد مع أبيه في يوم واحد فدفن إلى جانبه . وأمام هذا المشبك ساحة مقدسة لمراقد الشهداء الذين استشهدوا مع الامام ، وفي زاوية من هذه الساحة مشبك من الفضة يتصل بالحائط يمثل مراقد الشهداء .
ومما يناسب المقام ان هناك أبياتاً نقشت على كتيبة داخل الضريح الحسيني وهي من قصيدة مطولة لأمير المراثي الشاعر السيد حيدر الحلي :
ياتربة الطف المقدسة التي هالوا على ابن محمد بوغاءهـا
حيث ثراك فلاطفته سحابة من كوثر الفردوس تحمل ماءها

(1) المصدر السابق / ص 224 .
(2) المصدر السابق / ص 265.
تراث كربلاء 47

واريت روح الأنبياء وإنمـا واريت من عين الرشاد ضياءهـا
فلأنهم تنعى الملائك من لـه عـقـد الإله ولاءهم و ولاءهـا
الآدم تنعى وأين خليفـة الـ ـرحمـن آدم كي يقيـم عزاءها
و بك انطوى و بقية الله التي عرضـت وعـلم آدم اسماءهـا
أم هل إلى نوح و أين نبيـه نوح فيسعـد نوحهـا وبكاءهـا
ولقد ثوى بثراك والسبب الذي عصم السفينـة مغرقاً أعداءهـا
ام هل إلى موسى وأين كليمه موسى لكي وجـداً يطيل نعاءها
و لقد توارى فيك والنار التي في الطور قد رفـع الإله سناءها (1)

وقد بذلت الدولة القاجارية اهتماماً ملحوظاً وأجرت اصلاحات واسعة وأرصدت مبالغ طائلة للحائر الشريف ، إلاان الاصلاحات تلك توقفت بعد اعلان الدستور العثماني سنة 1908 ميلادية ، أي من أرائل القرن الرابع عشر الهجري إلى مابعد منتصفه .

الحائر في العصر الحاضر

وفي هذا القرن أي في سنة 1355 هـ زار كربلاء السلطان طاهر سيف الدين الداعية السماعيلي فأشرف على الحائر ومد يد المساعدة له ، وذلك فقد أمر بتجديد شباك الضريح الحسيني المقدس من الفضة الخالصة ، وقد صنع في الهند سنة 1358 هـ كما وتبرع بعض الوجوه بالهمة التي بذلها السيد عبد الحسين السيد علي آل طعمة سادن الروضة الحسينية بمبلغ من المال لتجديد هيكل الضريح ، فتم ذلك في سنة 1360 هـ .

(1) لقد سعى لتدوين هذه الأبيات السيد عبد الحسين آل طعمة سادن الروضة الحسينية، واعترازاً بها أرادخطها على الضريح الشريف ، ولما تعذر خطها في كربلاء لندرة الخطاطين حينذاك ، جلب خطاطاً من شيراز لأجل ذلك .
تراث كربلاء 48

وبهذه المناسبة نظم الخطيب الشاعر الشيخ عبد الكريم النايف الحائري قصيدة أرخ تجديد الضريح ، قال فيها :
جـددوا للحسين خـير ضريـح قد تسامى على الضـراح المقـاما
وعليـه عـز المـلائك يتـرى وعلى ابـن البتـول تتلو السلامـا
ذلـلاً حولـه تطـوف وتـبكي بدموع تحكـي السحـاب انسجامـا
والـورى بالخضـوع تلـثم منه صفحـات بهـا تنـال المـرامـا
قـلت بشـراً بنصبـه أرخـوه ( نام بالأمن جـاره لن يضامـا )

1360هـ

وللخطيب الشاعر الشيخ محمد علي اليعقوبي أبيات أثبتت على الضريح الحسيني كتبت بماء الذهب وهي :
زر بالطفوف ضريح قدس واعتكف بحمـاه حيث ترى الملائـك عكفـا
طـف واسع فيـه مقبـلاً أركانـه ما الركن ما البيت الحرام وما الصفا
فيـه حشى الزهـراء قرة عينهـا و فـؤاد حيدرة و روح المصطـفى
تالله لـم يكن الضراح و إن عـلا بأجل من هـذا الضريـح وأشرفـا
ثم انـعطف نحو ابنـه متذكـراً قـول الحسين له على الدنيا العفـا

وقد ركز البيت الأخير على قبر علي الأكبر ابن الإمام الحسين عليه السلام . وفي الواجهة الشمالية من الروضة الحسينية تقع خزانة الروضة ، ففيها من الذخائر النادرة التي لا تثمن ، وتحتوي على المصاحف الخطية القديمة الثمينة الموقوفة في الروضة الحسينية المباركة في أوقات مختلفة ، كما تحتوي على الطنافس ( الزوالي ) الثمينة القديمة المطرزة باللؤلؤ والمرجان والمجوهرات والتحف ذات الشأن التي أهديت من ملوك ايران والهند والاقطار الإسلامية وامرائها، كما توجد فيها

تراث كربلاء 49

قناديل ذهبية خالصة وأواني ذهبية وفضية ونحاسية (1) . وفي الجانب الغربي من الخزانة المذكورة توجد مكتبة الروضة الحسينية وفيها المصاحف الثمينة المحفوظة داخل مكاتب مصنوعة من خشب الساج .
ولعل من المفيد هنا ان ندون الوصف الرائع الذي دبجه يراع الرحالة العباس ابن علي الملكي الحسني الموسوي المتوفى حدود سنة 1180 هـ عن المشهد الحسيني في القرن الثاني عشر الهجري فقال : وفي سادس الشهر دخلنا أرض الحائر مشهد الحسين الطاهر سلام الله عليه وعلى أخيه وعلى جده وأبيه وأمه وبنيه وسائر مواليه ومحبيه :
لله أيـام مضت في كـربـلا محروسة من كل كـرب وبـلا
بمشهد الطهر الحسين ذي العلا و نسل خير الخلق من كل البلا

( إلى آخر القصيدة ) فتشرفت والحمد لله بالزيارة ولاح لي من جنابه الشريف إشارة ، فإني قصدته لحال وماكل مايعلم يقال وقرت عيني بزيارة الشهيد علي الأصغر ابن مولانا الحسين الشهيد الأكبر وزيارة سيدي الشهيد العباس بن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .وأما ضريح سيدي الحسين فيه جملة قناديل من الورق المرصع والتحف مايبهت العين من أنواع الجواهر الثمينة ما يساوي خراج مدينة ، وأغلب ذلك من ملوك العجم وعلى رأسه الشريف قنديل من الذهب الأحمر يبلغ وزنه منين بل اكثر، وقد عقدت عليه قبة رفيعة السماك متصلة بالأفلاك وبناؤها عجيب صنعه حكيم لبيب ،وقد أقمت شهرين بمشهد مولانا الحسين بلدة من كل المكاره جنة كأنها من رياض الجنة نخيلها باسقات وماؤها عذب زلال من شط الفرات وأقمارها مبدرة وأنوارها مسفرة ووجوه قطانها ضاحكة مستبشرة وقصورها كغرف من الجنان مصنوعة فيها سرر

(1) انظر :( خزانة عتبة الروضة الحسينية ) مقال كتبه منير القاضي في مجلة ( المجمع العلمي العراقي) المجلد 6 ص 16ـ 37 .
تراث كربلاء 50

مرفوعة وأكواب موضوعة وفواكهها مختلفة الالوان وأطيارها تسبح الرحمن على الاغصان وبساتينها مشرقة بأنوار الورود والزهور وعرف ترابها كالمسك ولونها كالكافور وأهلها كرام أماثل ليس لهم في عصرهم مماثل لم تلق فيهم غير عزيز جليل ورئيس صاحب خلق وخلق جميل وعالم فاضل وماجد عادل يحبون الغريب ويصلونه من برهم وبرهم بأوفر نصيب ولاتلتفت إلى قول ابن أياس في نشق الازهار بأنهم من البخلاء الاشرار لله خرق العادة فإنهم فوق ماأصف وزيارة :
هينـون لينـون ايسار ذوو كـرم سـواس مكرمـة أبنـاء أيسـار
إن يسألوا الحق يعطوه وان خبروا في الجهد أدرك منهم طيب أخبـار
لا ينطقون عن الفحشاء ان نطقوا ولا يمـارون ان مـاروا بإكثـار
فيهم ومنهم يعـد المجـد متلـداً و لا يـعد ثنـا خـزي ولا عـار
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهـم مثل النجوم التي يسري بها الساري

واجتمعت بالرئيس المعظم والعظيم المفخم ذي الشرف الباذخ والفخر الوضاح مولانا السيد حسين الكليدار يعني صاحب المفتاح وبأخيه الشهم النجيب الكريم النبيل العظيم مولانا السيد مرتضى حماه الله تعالى من حوادث القضاء وبالعالم الحبر النحرير الرحلة الفهامة ذي الوصف الجميل والذكر الحسن مولانا الفاضل الملا أبو الحسن فجمع بيني وبين الامير المظفر الشجاع الغضنفر البحر الغطمطم الاشد الغشمشم بحر الإحسان ومعدن الكرم الامير حسين أو غلي بيك أيشك اغاسي باشي حرم سلطان العجم وكان قد استأذن من السلطان في ذلك العام أن يسير إلى العراق لزيارة الائمة اعلام الهدى ومصابيح الظلام ، وهذا الامير من أكابر امراء أصفهان ، وهذا الخطاب الذي هو خطاب لرئيس الحجاب على أبواب

تراث كربلاء 51

حريم السلطان (1).
ان الآثار التاريخية المقدسة في الورضة الحسينية هي محط احترام وتعظيم الملايين من الزائرين ومهوى أفئدة المتعطشين إلى مثوى أبي الاحرار الامام الشهيد الحسين بن علي عليه السلام. فضريحة الذي يضم رفاته ورفاة نجليه علي الاكبر وعلي الاصغر أهم أثر تاريخي مقدس . وفي الحضرة الحسينية ضريح الشهداء وضريح حبيب بن مظاهر الاسدي وضريح السيد ابراهيم المجاب .
وفي الواجهة الأمامية من الروضة الحسينية طارمة خشبية (2) ذات بهو فسيح يعرف ( بايوان الذهب ) وقد سجلت على جانبي جدرانه السقفية أبيات مناسبة للخطيب الشاعر الشيخ عبد الكريم النايف ، وهي :
هذه روضـة قدس بحسين الطهـر تسطع
تهبط الأملاك فيهـا وعلى الأعتاب تخضع
في بيـوت اذن الله بـأن للعـرش ترفـع

وفي مطلع عام 1388 هـ بوشر بتهديم الطارمة الخشبية المذكورة ، وقد وصلت كربلاء في الحادي عشر من محرم الحرام سبعة وعشرون سيارة شحن كبيرة تحمل أعمدة المرمر وجبهة الطارمة من المرمر الايراني الفاخر الصلب المستخرج من مدينة ( سنندج ) وقد جرى حجاريتها في طهران تبرع بها السيد قنبر رحيمي متعهد معادن إيران .

(1) نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس / للعباس بن علي بن نور الدين المكي الحسيني الموسوي ( الطبعة الثانية 1ـ 131 ـ 135 ).
(2) ويعرف هذا الايوان بطارمة ايران الذهب ، وقد جليت أعمدة وسقف هذا البهومن غابات الهند ، ويرجع تاريخ تشيدها إلى عام 1330 هـ اكسيت جدران البهو الأمامية بالذهب الأبريز .
تراث كربلاء 52

واهتمت رئاسة ديوان وزارة الأوقاف العراقية بارسال الرافعات اللأزمة وكذلك إجراء كافة التسهيلات المباشرة الفورية بالعمل من قبل لجنة تعميرات الروضة الحسينية بنصب هذه الهدية الثمينة في محلها في الأيام القلائل المقبلة . هذا وتقدر قيمة المرمر الكاشي المعرق حوالي ربع مليون دينار .
أما الجانب الغربي من الصحن الشريف الذي اشرنا اليه سلفاً ، فقد وسعه السلطان ناصر الدين شاه ، وعلق العزاوي على ذلك بقوله : فقد وسع الشيخ عبد الحسين الطهراني المرسل من قبل ناصر الدين شاه بن محمد شاه القاجاري الضلع الغربي وجدد بناء الصحن الشريف الحسيني ، وأنشد الشيخ جابر الكاظمي الشاعر تاريخاً لهذا البناء بالفارسية في عدة أبيات وله تاريخ بالعربية أيضاً (1). وقد ظهر صدع في الايوان الوسطي المعروف بالايوان الناصري نسبة إلى بانيه ناصر الدين شاه القاجاري عام 1283 هـ الذي لم يوفق لاكمال بنائه ، فاضطر السلطان عبد الحميد العثماني إلى تجديد بنائه ، وتم ذلك في شعبان عام 1309 هـ كما يظهر ذلك من التاريخ المثبت على الجدار الأمامي لهذا الايوان ، وعرف فيما بعد بالايوان الحميدي . وقد نقشت أبيات على الكتيبة لأحد الشعراء وفيها يؤرخ ذلك الايوان وهي :
إيوان مجد شاده كهف الـورى سلطان غازي عـالم الانسان
عبد الحميد المتقي و المرتـقى من كـل مكـرمة على كيوان
من آل عثمـان الذين بسيفهـم حفظوا الثغور بسطوة الايمـان
حل الحسين برحبهم فسموا به وبنـوا بيوت الذكـر للرحمان
الله شرفهـم وعظـم قدرهـم فبناؤهـم من أشرف البنيـان
حتى إذا ورث الخلافـة منهم سلطاننـا المقصود بالعنـوان
شاد البناء بحضرة قد عطرت بشذا سليل المصطفى العدنـان

(1) تاريخ العراق بين احتلالين / عباس العزاوي ج 7 ص 126
تراث كربلاء 53

هي حضيرة كحضيرة القدس التي فيهـا تجلى الـوارد السبحاني
فيهـا ثوى سـبط النبي بطعنـة شلت لها كـف الشقي سنـان
فغـدا شهيـد الطف تندب حوله مضر كمـا تبكي بنو شيبـان
إنا لنذكـره و نسـكـب أدمعـاً تجري على الوجنات كالمرجان
فالصبر يحمد في المـواطن كلها إلا عليـه فـإنـه كـالفـاني
ياحبـذا الايـوان في أوضـاعه جـاءت مبانيه على الاتقـان
قد قابل القبر الشريـف بـوجهه فتـراه بين يديـه في إذعـان
ينحط فيه عـن الـورى أوزاره فيكـال للقـالين بـالصيعـان
وسما إلى الفلك الأثيـر مسلمـاً تيمين يمن العـالم الروحـاني
من أجل ذا ارختـه ( ياحسنـه قد شـاده عبد الحميد الثاني )

1309 هـ

ويقابل هذا المكان ايوان رأس الحسين الملحق برواق السيد ابرهيم المجاب ، حيث تظهر فيه زخارف الكاشي البديعة وصناعة الفسيفساء الدقيقة ، وتوجد في الواجهة الأمامية عبارة ( عمل استاذ احمد جواد شيرازي عام 1296 هـ ) وفي أسفلها كتيبة نقشت عليها أبيات الخطيب الشاعر الشيخ محسن أبو الحب المتوفى سنة 1305 ، وهي :
الله أكبر مـاذا الحـادث الجـلل لقد تزلزل سهل الأرض و الجبل
مـاهذه الزفرات الصاعدات أسى كأنهـا شعل ترمى بهـا شعـل
كأن نفحة صور الحشر قد فجئت فالناس سكرى ولا خمر ولا ثمل
قامت قيامة أهل البيت و انكسرت سفن النجـاة و فيها العلم والعمل
جـل الالـه فليس الحزن مانعـه لكن قلبـاً حـواه حزنـه جـلل
من التجا فيه يسلم في المعاد ومن يجحده يندم و لم يرفع له عمـل
قف عنده و اعتبر ما فيه إن بـه دين الاله الذي جاءت به الرسل
ما كان أعظم مـا يأتيه من سفـه اميـة السوء أو أشياعهـا السفل

السابق السابق الفهرس التالي التالي