الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 71

فرايت اني اذا لم امتثل لامره فان جزائي سيكون الضرب المبرح .. واذا امتثلت لامره وذهبت الى الخباز فان الوقت يفوتني ولن استطيع الوصول الى المدرسة في الوقت المحدد ، وهذا ايضا فيه ما فيه من التعنيف والاهانة والضرب من قبل المعلمين والمشرفين على المدرسة .. فرايت نفسي بين نارين : نار ابي ، ونار قوانين المدرسة الصارمة . وحين وجدت نفسي مضطرا ومكرها لامتثال امر ابي ذهبت الى الخباز وانا احمل كتب المدرسة بيدي ، واشعر اني اتمزق من الداخل ، وكم كانت الصدمة قوية علي عندما وجدت صفا طويلا من الناس ينتظرون دورهم على باب المخبز ، فما كان مني الا ان وقفت معهم في آخر الصف ، ومن محاسن التقدير ان الشيخ الكعبي كان في اول الصف ليس بينه وبين ان يصل اليه الدور الا شخص واحد ، فنظر الشيخ الي وادرك حيرتي وارتباكي . لقد عرف كل الحكاية من دون ان اشرحها له ، فما كان منه الا ان ناداني بصوته : بابا .. تعال ابني الى هنا . وحين جئت اليه رايته يعطيني دوره ويذهب هو ليقف في آخر الصف!.
اجل .. لقد اعطاني حقه ، ونوبته من اجل ان ارجع الى الدار مسرعا فلا تفوتني المدرسة .. وبالفعل اخذت الخبز ورجعت راكضا الى البيت واعطيت الخبز الى اهلي ، ثم ذهبت الى المدرسة فوصلت في الموعد المقرر ، وانا ماخوذ باخلاق هذا الشيخ الجليل الذي ضحى بوقته ، وآثرني بحقه ، واعطاني دوره ونوبته في الصف ، حتى يخفف عني مالا طاقة لي بحمله .
وتابع يقول : ومن ذلك الوقت الى اليوم وانا كلما اذكر هذا الصنيع تفيض عيناي بالدموع ، لانني بعد ان كبرت وبلغت سن الرشد ، ادركت ماذا تعني تلك اللفتة المهذبة من الشيخ الكعبي وماذا تعني الاخلاق ..

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 72

وادركت ماذا يعني ان يعطف الكبير على الصغير .. وهنا ـ والكلام للشاب ـ اود ان اضيف شيئا وهو ان هذه الحكاية وهذا الصنيع لا يمكن ان يمحى من راسي ابدا ، فان ذكراه لا زالت عالقة في قلبي وصورته ماثلة في خاطري تغذيني بعمل الخير وتدفعني للعمل الصالح في الحياة .
* * *


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 73

كربلاء وثائرها

حسن عبد الامير المهدي
ايه يا كربلاء .. يا مدينة الطهر والاباء . ومنارة الثورة لإعلاء انسانية الانسان !!
ايه يا كربلاء .. يا من عندها حساب مع كل جائر غشوم ، يقلع حتى الشجر (1) والنبات من عيونك ، لئلا يفيء تحته ثائر يقلع عيون اعداء الانسان الكريم .
ايه يا كربلاء .. يا من دمرك المدمرون (2) في سبيل ان لا يحج اليك من ينادون ( حي على خير العمل ) ، واخيرا اقتلع عين المدمر فلذة كبده ، وحرقه ومن معه . لبئس ما عملوا ، فدحرت ، ولم يدحروا .
ايه يا كربلاء .. يا من عمّرك كل من يحب الانسان الابي الفاضل المتعال ، ودمرك كل متطاول على ( حي على الفلاح ) .
اتذكرك يا مدينتي ، فارى العالم المثالي فيك ، وارى ان لا يسكنك كل من يروم ان يرسخ اوطاد الفضيلة في عالم يحاول ان يدنس المقدسات هكذا !!

(1) اشارة لقلع الخليفة الرشيد لشجرة السدرة التي كان يستظل تحتها الثوار .
(2) اشارة الى ما عمل المتوكل العباسي بحرثه لقبر الحسين .
الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 74

مرت على ( كربلاء ) افواج من الناس جاؤوا ليعملوا ما ينفع شريعة الحق ، وينشروا رايات الفضائل . او ليكيدوا للعلم . ليموتوا حاملين شهادة ( من سكنت كربلاء ) .
اذكر كل هذا ، وانا ارى بعين البصيرة ، كيف كان يملأ الصحن الحسيني والعباسي والمدارس المحيطة بهما ، والتكايا الشامخة بازائهما ، والمنابر المرفوعة في كل انحائها ، وكلها سامقة ، تنادي : هلموا الى الرشاد .. تعالوا الى الهدى .
وبين هؤلاء ما زلت اتذكر رجلا مهشما من حطام هذه الدنيا ، يقود طفلا ، ظاهرة عظامه من اسقامه ، ليؤمنه عند احد ( الكتاتيب ) طالبا من المعلم عظامه ، وله لحمه . حتى يقرئه القرآن الكريم ، ويعلمه خط الحروف ، وكنت ارى ( وانا في نفس الكتاب هذا ) مثابرة هذا الطفل ، حتى كان يلتهم ما يقدم اليه التهاما ، جاوز حفظ القرآن الكريم ، وفك الحروف ، فاخذ وهو باد فقره ، يلاحق هذا وذاك من قراء المنبر الحسيني المطهر ، ليحفظ ويتدبر ما يقولونه . ركض وراء شيوخ القراء آنذاك ، وبزّهم بحلاوة الصوت وجلاء المنطق وجهارة المناداة ، حتى انهم كانوا يعوّضون شيخوختهم بشبابه ، فلا ترى الجمع الا ويصيح :
احسنت عبد الزهرة .. اجدت عبد الزهرة .
اخذ الفتى يلتهم مصائب آل البيت ـ عليهم السلام ـ ويحفظ ادعيتهم الماثورة وادبهم الثر ، وخطب الامام علي ـ عليه السلام ـ ( لقد تقمصوا الجور والظلم ) وخطب الزهراء ـ عليها السلام ـ ( بابي اهتديتم وبسيف بعلي اسلمتم ) .
وهكذا صعدت بهذا الفتى همته العالية ، غير مبال بصيحة الاطباء

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 75

والناصحين ( وكنت منهم ) : رويدك لصحتك ، عليك حق ، فيجيب : للواجب علي حقوق ، للحسين علي دين .
عبد الزهراء . هذا !
كان يتبعه المئات من الناس ، بل الآلاف ، وهو ياخذ المنعطفات الضيقة في المدينة ، حتى لا يتكاثروا وبسبب ما يجب على من يدعي الحق ويمحق الباطل . الطفل الذي يقوده الشيخ مات فجأة . والناس بين مصدق ومكذب ، مات عبد الزهرة ، وحمله الآلاف ، وبكاه الانسان الطاهر . وما زال صوته يرن في انحاء المعمورة.
ان صوتنا لا يُطفأ . خسيء من يقول : انطفأ بريق الشهداء .

* * *


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 76




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 77

في ذمة الخلد ..

محمد نور عباس

استعين بالله تعالى على تجديد ذكرى المجاهد في سبيل نشر مبادئ الحسين بن علي ـ عليه السلام ـ والذي خدم المنبر الحسيني خدمة خالصة لوجه الله تعالى واقصد به المرحوم الخطيب المفوه الشيخ عبد الزهراء الكعبي الذي طالما صغت اليه الاسماع وشخصت اليه الابصار ومالت اليه النفوس والقلوب ولهجت باسمه الالسن . وما زال صدى فكره وصوته يتردد في المحافل والمجالس وفي الاذهان فنال تقدير الجميع واحترامهم بسبب محاضراته القيمة وعلمه ومعرفته وحسن خلقه وطيبة قلبه وسلامة صدره الذي وسع محبة الناس فاحبوه واخلص لهم فاخلصوا له ونال عندهم المنزلة الشعبية الرفيعة والمنزلة الاجتماعية المرموقة . وما هذه الكلمات وهذه الصفحات والسطور الا دليل واضح على مكنون تقديرهم ومخزون حبهم .
فقد امتازت شخصية الشيخ بمؤهلات فذة جعلت الناس تتطلع اليه وتعنو اليه نفوسهم وكان اليه مقصدهم في قضاء حاجاتهم وتيسير امورهم ، عرفناه بشعورنا وحواسنا ، عرفناه بالتجربة والعمل .
فقد عرفناه كريما بارا سخيا يتفقد حال الضعفاء ويحنو على المساكين

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 78

ويمد لهم يد العون والمساعدة المطلوبة فصارت له منزلة شعبية ، وعرفناه عالما تقيا وعارفا نقيا مخلصا للمسلمين ومجاهدا لدين الله ـ عز وجل ـ فحصل على منزلة العلماء وله اجر العاملين من اجل الدين وشريعة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ واهل بيته الميامين ـ عليهم السلام ـ .
عرفنا ذلك منه من فوق المنبر الحسيني مرشدا وموجها وهاديا الى سبيل الحق فنال منزلة الصالحين والمرشدين لفعل الخير .
عرفناه مثال الرجل المؤمن المحب لآل البيت والمتمسك بحبل الله المتين الذي هو حبل الله ـ عز وجل ـ فكانت له منزلة المؤمنين المتقين .
وعرفناه بين الناس لما يدخل السوق يسلم على الصغير والكبير ويسال عن احوالهم ومستوى معيشتهم فيواسيهم وينصح لهم النصح الجميل .
عرفناه صادقا في ايمانه ومخلصا في عمله ومستقيما في حياته زاهدا بالدنيا ملتزما بالمبادئ التي يبشر بها ويدعو اليها فندعو الله ان يجعل له منزلة الزاهدين العابدين .
عرفناه حليما صبورا يتقبل النقد ويحاور في جدال ونقاش بصورة هادئة . لمسنا ذلك في المجلس الاسبوعي في بيت شخصية دينية محترمة يومئذ قسا احد الاخوان في كلامه بالنقاش وشط في المحاورة بالاسئلة المحرجة فكان عليه الرحمة يرد على المسالة بهدوء وسكينة وكلام جميل . لم يغضب ولا ضاق صدره في النقاش والجدال وانما استقبل الموضوع برحابة صدره وانشراح خاطره .
وعرفناه في المجالس الخاصة محدثا لبقا له الصدارة في الحديث والاولوية في الكلام يجمل حديثه بنكتة ظريفة ومقولة لطيفة لا يسأم منها

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 79

السامع ولا يمل فتركت احاديثه الآثار في الخواطر ، ففي ليلة من ليالي الجمع وقد تقدم الليل خرجنا معه نمشي لنودعه فاستوقفنا حديث حول الوجود فعرض علينا ـ رحمه الله تعالى ـ قاعدة تعلمناها منه ولم ننسها في ذلك الحديث الصعب فقد قال : لما كان لكل فعل فاعل فاذن يجب ان يكون لكل حدث محدث وهذا الكون المصنوع لا بد له من صانع محدث وما هو الا الله تعالى . تعلمنا تلك القاعدة واستوعبناها ونحن على مقاعد الدراسة الابتدائية .
عرفناه خطيبا واديبا لامعا ومفكرا فذا امتاز بحدة الذكاء وقوة الحافظة . كان يعرف ما يدور في المجلس من على المنبر ويقيّم الافراد كل حسب موقعه ويبدا مجلسه بما يليق بالمستمعين ؛ فهو لا يشبه كثيرا من الخطباء فلم يقتصر على قراءة المصيبة وانما كان يهتم بما يحيط بالمجتمع وما يصيب الناس من المصائب والمحن . فقد كان في مضمار الخطابة المتقدم على الآخرين والمرغوب لدى المستمعين ظهر نجمه في سماء الخطابة وكان قبله خطباء افذاذ مثل الشيخ عبد الكريم النايف والشيخ محسن ابو الحب والشيخ رديف الغزالي وغيرهم من الخطباء ولكنه سبق الجميع في هذا المضمار وتلاوة مقتل الحسين ـ عليه السلام ـ يوم العاشر من المحرم يتردد من الاذاعة دليل اخلاص ايمانه وحبه لاهل البيت ـ عليهم السلام ـ .
عرفناه في مواقفه الحميدة بجنب ابناء المجتمع حيث مرت على العراق عامة وكربلاء خاصة في اواخر الخمسينات مصائب مؤلمة وتجاوز المد المشؤوم مداه وبلغ منتهاه ولكن الشيخ عبد الزهراء تحدى ذلك المد واستجاب لرغبات الناس وحفظ اموالهم واعراضهم فصبر مع الصابرين وثبت في وجه الملحدين والطغاة المارقين حتى انجلت الغبرة وانتهت

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 80

العاصفة وهو يامر بالمعروف وينهى عن المنكر وقد رفع راية الايمان عالية تخفق فوق رؤوس المؤمنين .
عرفناه مجاهدا في سبيل اعلاء كلمة الله العليا والشريعة المثلى لا يخشى في سبيل الحق لومة لائم ولا طغيان جائر ولا يتقي جولة كافر حتى ذهب الى لقاء ربه راضيا مرضيا .
عرفناه لما كنا نلتقي به في غرفة بمدرسة الشيخ عبد الكريم في اوائل الخمسينات ليقضي فيها اوقات فراغه فقد وضع فيها مكتبته ليطالع ويدرس ويبحث ويواصل المستجدات ويتابعها فكان يتكرم علينا بالارشاد والتوجيه والحث على الدراسة ومواصلة التعلم ويعلمنا ما يعود علينا بالخير والسلامة .
عرفنا عن حياة الشيخ في صدرها انه تعلم في كتّاب الشيخ محمد السراج في الصحن الحسيني وتدرب على الخطابة لدى الخطيب الشيخ محسن ابي الحب . عرفنا انه نذر نفسه منذ صغره لخدمة ونشر شعائر الحسين ـ عليه السلام ـ من على منبره فهو خير وسيلة لنشر الفضيلة وهداية الناس وارشادهم الى امور دينهم ودنياهم وبيان المبادئ السامية والقضية الصادقة التي نهض الحسين ـ عليه السلام ـ نهضته تلك من اجلها ، فقد كانت نهضته ـ عليه السلام ـ على المنحرفين عن سبيل شريعة محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكانت ثورته على الظالمين الطاغين . فالمنبر الحسيني يبقي نهضة الحسين وثورته شاخصة خضرة معاشة في كل جيل ومعروفة في كل زمان ومكان ، فكان الشيخ عبد الزهراء من خيرة الخطباء ومن افضلهم في بيان ثورة ابي عبد الله ـ عليه السلام ـ فنرى الشيخ يدخل كل بيت يدعوه لاقامة الماتم الحسيني لا يمتنع عن احد ولا يطلب

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 81

مالا ولا ينظر الى سعة المكان ومنزلة الاشخاص . فالكل عنده سواء . فقد كان خادما لمنبر الحسين بحق وحقيقة وعبدا للزهراء البتول ـ عليها السلام ـ فصار اسمه اسما على مسماه .
ولا يخفى ان يوم وفاته هو يوم وفاة الزهراء ـ عليها السلام ـ فبذلك اليوم انتقل الى رحمة ربه مغفورا له ماجورا على جهده وجهاده في اداء رسالة المنبر الحسيني . انتقل إلى رضوان الله وجنته في وقت تحتاجه مدينة الحسين اشد الحاجة وامسها لانها فقدت خطيبا ورعا وابا بارا واخا عطوفا ، ولذلك نال من ابناء المدينة ما ناله منهم ، وقدموا له جزءا من الدين الذي تركه عليهم فخرجوا وراء نعشه الجليل يحملون صوته على المسجلات ويسيرون وراء جنازته والعيون باكية والقلوب دامية والصدور تغلي والكل يردد انا لله وانا اليه راجعون .
* * *


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 82




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 83

الكعبي الخالد ..

ياس خضير الربيعي

ان اي كاتب يحاول الكتابة عن شخص ، اي شخص يبدا من حيث اشتهر المكتوب عنه ، غير ان الكتابة عن شخص كل زواياه تشع نورا يمتاز عن غيره باللون والبعد ، يحتار ولو برهة من حيث يجب ان يبدا .
غير ان الحيرة تمتد لساعات او لايام عندما يريد الكتابة عن الكعبي عبد الزهراء لان هذا الرجل الانسان كل زواياه تشير الى الكمال فهو الانسان المجد المثابر في صباه وشبابه للحصول على لقمة العيش لانتمائه الى عائلة فقيرة تقتات على ايرادها اليسير المتاتي من قيمة الجهد المبذول من قبل معيلها .
غير ان ابا علي كان لا يترك فرصة اثناء العمل او بعده حتى يحيلها الى لحظة جهاد للحصول على المعرفة بصورة عامة والدينية بصورة خاصة .
ظل الكعبي مشدودا للجاهدين العمل وطلب العلم فترة ليست بالقصيرة حتى تفرغ لطلب العلم والوعظ بعد ان بلغ بعدا في الغوص باعماقه ونال استحسان الحوزة العلمية في كربلاء واساتذتها الاجلاء الذين وجدوا في الكعبي كل الامكانات الكفيلة لجعله رجل دين قادرا على الاسهام في نشر الوعي الديني وتقويم الاخلاق التي تقاذفتها وتخللتها

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 84

اخلاق الغير حتى كادت ان تمحوها وتحل محلها ، وكان الكعبي كما توخاه اساتذته فارس هذا الميدان بصوته الشجي وحجته القوية معززة باقوال ائمة الهدى علي وبنيه ـ عليهم السلام ـ المستندة الى كتاب الله وسنة النبي الكريم وحوادث التاريخ الاسلامي ورموز الاسلام الخالدة من الصحابة الاجلاء لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والائمة الاطهار .
اخذت مجالس الكعبي تزداد انتشارا في اطراف المدينة المقدسة واخذت هذه المجالس تستقطب كافة شرائح المجتمع وتكاد تنفرد باستقطاب الشباب الواعي والمثقف الذين تستهويهم منهجية الشيخ الكعبي في التحليل والاستنتاج المنطقي والعقلي الحديث حتى اصبح المجلس الذي يعتلي منبره شيخنا الكعبي محاضرة علمية يسعى كل متعطش للمعرفة ان ينهل من ينبوع الشريعة النقية الصافية كما ارادها الله ورسوله والائمة من بنيه من بعده .
وقد توج الكعبي جهاده في النهي عن المنكر والامر بالمعروف ونشر الوعي الديني القويم بالعمل الخالد ( قصة مقتل الحسين ) بقدرة لا تضاهيها قدرة لطولها الذي استغرق زمنا تجاوز الساعتين تضمنت اسباب الحدث ومجرياته ونتائجه باسلوب مؤثر قادر على الوصول الى اعماق شعور مستمعيه لينعموا بمعرفة الحق ورجاله والباطل ورموزه السيئة السلوك والمنبت والغاية .
غير ان الكعبي في عز شموخه وعطائه ، غادرنا في ليلة ليلاء فجأة كان قبلها بدقائق معدودات يحضر فاتحة لاحد معارفه غارقا في افكاره على غير عادته وكانه كان على علم بما سيحدث فترك بموته فراغا لا يسده غيره

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 85

وبقي الرجل خالدا في ذاكرة من اعتاد على سماعه يوم عاشوراء وهو يروي قصة مقتل الحسين ـ عليه السلام ـ وهم كثر يغطون مساحة العالم الاسلامي وحيث يوجد مسلمون في غير العالم الاسلامي ولكن من يعرفوه معرفة شخصية فمصيبتهم جليلة والله اعلم بحجمها .
رحمك الله ابا علي ايها الانسان الانسان وحشرك مع من تحب من صفوة الخلق رسول الرحمة وآله الطيبين وستبقى خالدا خلود المآتم الحسينية والشريعة المحمدية .
* * *


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 86




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 87

الشيخ الكعبي رحل الى الخلود

الخطيب السيد مصطفى الفائزي آل طعمة
ابا علي يا حديث الاحباب ومن تسامت بعلاه الاعراب

لقد خسرت مدينة كربلاء المقدسة خطيبها الغرّيد [ الكعبي ] ذا الصوت الشجي . ولست مبالغا في ذلك اذ اقول : انه اول من قرا مقتل الحسين ـ عليه السلام ـ الذي يستغرق حدود الساعتين بهذا الشكل الذي تحدث فيه الراحل عن حديث كربلاء ومقتل الامام الحسين ـ عليه السلام ـ والذي طبق صداه ارجاء المعمورة .. خصوصا البلاد العربية والاسلامية ، وفيه جلس ادباء العرب من محاضرين وعلماء يستمعون من المذياع ذلك الخطاب المركز والبلاغ الحزين ، الذي عم الحزن فيه الحواضر من ارجاء العالم كافة وذرفت فيه الدموع وضجت فيه بالبكاء في يوم عاشوراء الامام الحسين ـ عليه السلام ـ الامام الذي فجر الثورة العظيمة الخالدة ، ثورة الحق على الباطل ، لتبقى نبراسا مشعا للاجيال القادمة ودرسا بليغا للثائرين والمجاهدين .

* * *

من مميزات راحلنا العظيم انه كان يتميز بالوفاء وصدق الحديث والاخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة .

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 88

وكان يجيد نظم الشعر في مختلف الموضوعات ..
ومما قال من قصيدة رائعة في مدح الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ قوله ـ كما سمعتها منه ـ :
خليفـة طـه في البريـة حيـدر وليس سواه في الانام امير
اذا امتار اهل الارض كيلا فانني سوى حبه تالله لست امير
كل من عليها فان

ففي مساء يوم الخميس 14 / 15 جمادى الاولى عام 1394 هـ الموافق 6 / 6 / 1974 م انتقل الفقيد الراحل الى رحمة الله الخطيب الفاضل [ الشيخ عبد الزهراء ] بن فلاح الكعبي على اثر اضطراب نفسي مفاجيء ، نقل على اثره الى المستشفى الحسيني وهناك فاضت نفسه الزكية الى الملكوت الاعلى .
كان ـ رحمه الله ـ متواضع الاخلاق سخي النفس يجاري الناس كلا بحسبه ، لا يجزع ولا يغضب وكان محبوبا محترما عند مختلف الطبقات ، حتى ارباب الصنف فرحمه الله وارضاه ورضي عنه ومنح ذويه الصبر .
شيع جثمان الفقيد الراحل صباح يوم الجمعة تشييعا حافلا مهيبا وعم المشيعين الحزن والاسى حتى مثواه الاخير في وادي كربلاء بالقرب مسجد وادي السلام . لقد حمل نعشه على الايدي في ذلك الحر الشديد والشمس المحرقة .
وكما كانت يوم وفاته في يوم ذكرى وفاة الصديقة الزهراء ـ عليها

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 89

السلام ـ ، فلربما كانت ولادته مصادفة ليوم ولادتها ـ عليها السلام ـ بمكان تسميته والله العالم .
اللهم ارحم فقيدنا الغالي برحمتك واسكنه فسيح جنتك وافض على روحه الطاهرة روحا منك واحسانا انك ولي النعماء والجود واجعلنا من خدام الحسين ـ عليه السلام ـ وممن فاز بالحسنيين يوم نساويه ، والسلام عليه وعلى المؤمنين من عباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته .
* * *


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 90




الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 91

انها رسالة نبيلة

كاظم ناصر السعدي

من بين عدد من خطباء المنبر الحسيني برز المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي خطيبا بارعا ومؤثرا نال شهرة كبيرة وحظي باعجاب وتقدير الناس الذين حضروا مجالسه واستمعوا اليه .
كل ذلك بفضل اتقانه لفن الخطابة في المجال الديني واتخاذه هذا اللون من العمل بالدرجة الاساس وسيلة لتحقيق رسالة نبيلة تتجسد في تمجيد واحياء واستذكار رمز كبير ومضيء من رموز الاصلاح الديني في تاريخنا العربي والاسلامي .. رمز شامخ وعظيم من رموز الايمان والثبات على الموقف .. من رموز الصلابة والتحدي للانحراف والطغيان حتى الترحيب والقبول بالاستشهاد دفاعا عن الحق وصونا للشرف والمبادىء والرفض الثوري للحياة مع الظلم والذل والاستعباد .
حقا انها رسالة نبيلة تلك التي تهدف الى احياء صورة مشرقة من صور تاريخنا المجيد ، اعني بها موقف ابي الشهداء الامام الحسين ـ عليه السلام ـ المتمثل في ترسيخ القيم والمبادىء الانسانية الصحيحة ومد جذورها عميقا في ارض الحياة من خلال الاستشهاد حيث يكون الخيار بين نوعين من الحياة : حياة السلامة مع الذل والانحطاط والخضوع ، وحياة

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 92

الشهادة مع الكرامة واستمرار المبادىء .
كان المرحوم الكعبي خطيبا متمكنا ذا ثقافة دينية وادبية واسعة جعلته قادرا على صياغة وتنسيق خطبه وتوضيح افكارها من خلال عرضه صورا حية ومشاهد متحركة من التراث العربي والاسلامي .
كان يتمتع بمحبة واحترام الجمهور لسمو اخلاقه وتواضعه وتواصله الروحي معه وكان مثابرا على زيادة تحصيله العلمي من اجل اداء افضل لمهمة التوجيه الديني الصحيح والفاعل .
كان حين يتحدث الى الناس يشد انتباه اذهانهم وقلوبهم اليه بطريقة عرضه التي تنسجم مع حالاتهم النفسية والعقلية . فهو صاحب حس رهيف يثير العواطف ويشجيها .
ان من اسباب شهرة الخطيب الكعبي هي تميزه بقراءة القصة الطويلة لاستشهاد الامام الحسين واصحابه في كربلاء ( المقتل ) باسلوب فني مسرحي يعتمد على كشف عناصر الصراع بين الخير والشر وتسلسل الاحداث وتصاعدها وصولا الى ذروة المأساة وهي استشهاد الامام ومن معه تعبيرا عن انتصار ارادة الخير برفض الاستسلام والركوع وهزيمة ارادة الشر بفضح نوايا واهداف الطغاة واسقاطها .
تلك القراءة التي استطاع الخطيب الكعبي ان يؤديها ببراعة فيروي احداثا دامية وقعت على ارض الطفوف بطريقة العرض المسرحي اي انه جعل الاحداث تتراءى للناس السامعين وكانهم يشاهدونها تجري امامهم فتفجر في قلوبهم الاحزان وتعمق التقوى والايمان فيتحول الحزن بعد ذلك الى غضب عارم على الظلم والانحراف .

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 93

يا راويا في الطف ملحمة الابا

علي محمد الحائري
نـم في ضريحك ساكن الحوباء مـن كل مسقمة وكل بـلاء
يـا نـاذرا سبحـاتهـا لتعبـد وتـخشع وتضـرع ودعـاء
خلفت غاشية الخنا مستوبـئـا عـرصاتها وقفا لكـل وباء
وولجت سفـر الخالدين وهـذه الـدنيا سجل مآثـر العظماء
شوط لعاجلة يـزم والف شـو ط آجل فيها قـداح رجـاء
المرزمون على الرهان جيادهم اكدوا وفاز رهائن الـغبراء
في كـل حبة رملـة مستروح لجباههم خضل مـن الانداء
وبكـل واد تستهـل بـه الصبا انفاسهم تذكو بـضوع كباء
يتدثرون الطمـر لا تـزهيهـم كبرا شفوف البـزة الحبراء
وجدوا دثار المجد جل طماحهم لـم يبل ما بليت ثياب رياء

* * *
يا راويا في الطـف ملحـة الابـا وعلى الملاحم معلـم العزماء
تحكـي فصول الطـالبيّين الاولى في كـل فـج ضمخوا بدماء
ما كان اهون ان تصير الى البلى بـددا هـباء مظنـة وعفـاء
لولا ابـن فاطمة تـدارك نسجها بــدم واوفى نذرهـا بفـداء
يوم بيوم قد رمت مـن اصـرها ( بـدر ) عليه بغضة الطلقاء


الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 94

غليت مراجـل ناكثين عهودهـم والغصن لم يـبرح غضير لحاء
وانساب ركب الضاعنين مذكـرا ركـب النبي يلـوذ بـالبطحاء
حتى تـلاقت كربـلاء وطيبـة فـي هجـرة الآبـاء والابنـاء
حـتى اذا القى الضلال جرانـه واغتال غـول الليل صبح ذكاء
وافى مناخ الخالدين فلـم يـرم رهبـا ولـم يجنح لسلـم سباء
من كان في قلل الجبال مكانـه مـتعلقـا بـقـوادم الـعنقـاء
ومـن الشهادة كأس شهد ترتوي منـه لهـاة الفـتيـة الأظمـاء
طوبا لمرتسم هـدى خطواتهـم فالمجد عـند مطـارح الشهداء
نم في ضريحك خادم الزهـراء فشجي صوتـك ملء كل سماء
* * *


السابق السابق الفهرس