الحسين في طريقه الى الشهادة 80

انك تصنع اشياء ما كنت تصنعها قبل اليوم . فأخبرتهم بما اريد . ثم فارقتهم واقبلت حتى اذا دنوت من ـ عذيب الهاجانات ـ استقبلني ـ سماعة بن بدر فنعاه اليّ واخبرني بقتله فرجعت مغموما ، قال المؤرخون ورحل الحسين من الثعلبية وواصل سيره الى بطان .
(بطان) . قال ياقوت الحموي . بكسر اوله . منزل بطريق الكوفة بعد ـ الشقوق ـ من جهة مكة . دون الثعلبية(19) وهي لبني ناشرة من بني أسد .
أقول لصاحبي من التأسي وقد بلغت نفوسهما الحلوقا
اذا بلغ المطي بنـا بطانا وجزنا الثعلبيـة والشقوقا
وخلفنا زبالـة ثم رحنـا فقد وأبيك خلفنـا الطريقا

وذكر المقدسي . ان من الثعلبية الى بطان تسعة وعشرون ميلا . والبطان على مثال فعال بكسر اوله موضع قد حددته في رسم ـ ضرية ـ ورحى بطان هذا تزعم العرب انه معمور لا يخلو من السعالى والغول . ورحاه وسطه . ويزعمون ان الغول تعرضت فيه لتأبط شرا فقتلها . وأتى قومه يحمل رأسها . متأبطا له . حتى أرسله بين أيديهم . فبذلك سمى تأبط شرا وفي ذلك يقول :
الا من مبلغ فتيـان فهـم بما لاقيت يوم رحى بطـان
بأني قد لقيت الغول تهوى بقفر كالصحيفة صحصحان(20)

وقال القزويني(21)
رحا بطان موضع بالحجاز زعم تأبط شرا انه لقى الغول هناك ليلا وجرى بينه وبينها محاربة وفي الاخير قتلها وحمل رأسها الى الحي وعرضها عليهم حتى عرفوا شدة جأشه وقوة جنانه وهو يقول :
الا من مبلغ فتيـان فهـم بما لاقيت عند رحـا بطـان
فاني قد لقيت الغول تهوى بسهب كالصحيفة صحصحان

(19) انظر شهاب الدين ياقوت الحموي ـ المشترك ـ ص 58 طبع اوربا .
(20) انظر ابو عبد الله البكري . معجم ما استعجم ص 152 طبع اوربا .
(21) انظر زكريا القزويني آثار البلاد واخبار العباد ص 61 طبع اوربا .
الحسين في طريقه الى الشهادة 81

فقلت لها كلانا نضـودهر أخا سفر فخلـى لي مكان
فشدت شدة نحوي فاهوى لها كفى بمصقـول يمـان
فاضربها بلا دهش فخرت صريعا لليـديـن وللجران
فقالت عد فقلت لها رويدا مكانك انني ثـبـت الجنان
فلـم أنفـك متكيا لديهـا لانظر مصبحا مـاذا أتاني
اذا عينان فـي رأس قبيح كرأس الهر مسترق اللسان
وساق مخدج وسراة كلب وثوب من عبـاء أو شنان

وفي المخطوط حدث عبد الله بن عمرو بن بشر . عن ابراهيم بن عطارد الاسدي . قال : سمعت تميم بن نبهان الياسري . يخبر عن جده ارطاة الياسري . ان بطانا . انما سميت بطانا لأنها باسفل الهبير الذي يسمى بطين . والهبير واد بنجد . وفيها نفيل من العرب . وهي لبني ناشرة بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن اسد . عم جعفر بن الحسين اليقطيني . قالوا احتفر ابو موسى اخو يقطين بئرا بالبطان ما طال الحفر حتى كانوا ينزلون بالسرج يحفرون فخرجت عليهم ريح من جانبها فلم يمكنهم الحفر ولا النزول فهابوا ذلك . واخبر ابو موسى . وكان شديد القلب والبدن . فنزل فيها فدخل في النقب الذي خرجت منه الريح . فأخبر انه خرج الى شبيه بالمدينة . واذا فيها قوم عظيم خلقهم موتى عليهم ثيابهم . فاذا امس الواحد منهم انتثروا . واخرج معه سيفا . ووجه به الى المهدي ، ومن بطان الى الثعلبية اثنان وعشرون ميلا ونصف وبها قصر ومسجد . وقالوا هي لبني اسد . للقاسم بن منيع . وبحضرة المنزل بركة تدعى الخالصة . ولها مصفاة . وعلى مقدار ميل ونصف من البركة يسرة . بركة تعرف بالمهدي . وخزانة للماء في وسط الوادي . من عمل عمير بن فرج . وفيها بئر لام المتوكل فيها ماء عذب ، وفي بيوت النجار نحو من عشرين حوضا . وقبر العبادي خارج من بطان على أقل من ميل على الطريق بلغني عن ابي بكر بن عياش . ان اسمه ساسان بن روزبة . كان نصرانيا فأسلم ومات هناك . فزعم ابراهيم بن الجنيد عن ابي بكر بن عفان . قال : سمعت ابا بكر بن عباس يقول . وجاء رجل خراساني .

الحسين في طريقه الى الشهادة 82

فقال : يا ابا بكر ، حججت فلم أرم قبر العبادي . قال ولم ترمه رحمه الله . كان رجلا صالحا أمر بمعروف فقتل فهذا قبره ، ويسميه ابن جبير في رحلته(22) المرجوم . قال نزلنا بموضع يعرف ببركة المرجوم . وهي مصنع . وقد بنى له ما يعلوه من الارض مصب يؤدي الماء اليه على بعد . واحكم ذلك احكاما يدل على قدرة الاتساع وقوة الاستطاعة . ولهذا المرجوم المذكور مشهد على قارعة الطريق وقد علا كأنه هضبة شماء . وكل مجتاز عليه لابد ان يلقى عليه حجرا ، ويقال . ان احد الملوك رجمه لامر استوجب به ذلك والله أعلم . وبهذا الموضع بيوت كثيرة للعرب . وبادروا للحين بما لديهم من مرافق الادم يبيعونها من الحاج . وكان هذا المصنع مملوءا من ماء المطر فغمر الناس وعمهم والحمد لله ، وهذه المصانع والبرك والابار و المنازل التي من بغداد الى مكة من أثار زبيدة ابنة ابي جعفر ابن المنصور زوج هارون الرشيد . وابنة عمه . انتدبت لذلك مدة حياتها . فأبقت في هذا الطريق مرافق ومنافع تعم وفد الله تعالى كل سنة . من لدن وفاتها الى الآن . ولو لا آثارها الكريمة . في ذلك لما سلكت هذا الطريق والله كفيل بمجازاتها والرضى عنها ، وجاء في المخطوط . حدثني محمد بن موسى عن محد ابن السرى عن هشام بن محمد الكلبي . قال اخبرني . ابو بكر بن عباس عن اخيه عمرو بن عباس عن ابن كثير أن روزبة بن بوذر جمهري بن ساسان . كان همذانيا . وكان على فرج من فروج الروم فأدخل عليهم سلاحا . فأخافه الاكاسرة . فلحق بالروم . فلم يأمن حتى قدم سعد بن ابي وقاص فبنى له القصر والمسجد . وكتب معه الى عمر . فاخبره بحاله . فاسلم وفوض له عمر في الديوان . وأعطاه وصرفه الى سعد مع اكرياء له . والاكرياء يومئذ هم العباد . حتى اذا كان بهذا الموضع مات فحفروا له . ثم انتظروا من يمر بهم فليشهدونه على موته . ليبرأوا من دمه فمر قوم من الاعراب . وقد حفروا له على الطريق فاشهدوهم على ذلك واوردوهم اياه ودفنوه . فقالوا بعد ذلك قبر العبادي المكان

(22) انظر رحلة ابن جبير ص 163 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 83

الاكرما . الذي يسمونه العباد . قال : ابو بكر أي هو والله فقلت . الا تخبر الناس بحالة قال لا . وعند البريد من بطان قصر لام جعفر خرب ، قالوا وقد اجتازها الحسين (ع) وواصل سيره الى الشقوق .
حيث الشقوق وبها لاقى الذي حدّثه بما بكوفان جرى

(شقوق) . جمع شوق أو شق . وهو الناحية . منزل بطريق مكة . بعد واقصة من الكوفة وبعدها تلقاء مكة بطان . وقبر العبادي . وهو لبني سلامة بن بني اسد . وفي المخطوط من الشقوق الى بطان اثنان وعشرون ميلا ونصف . وبه بركة تعرف ـ بالعقبة ـ مربعة . ولها مصفاة وبركة مدورة تعرف بالزبيدية . ولها مصفاة . ومقر يقاله له ـ المشرف ـ ومقر لماء السواني . ومصفاة له . وبها بئر تعرف ـ بالبرود ـ وبئر تعرف ـ بالرزبون ـ وبئر تعرف ـ بالرمادي ـ وبئر تعرف ـ بغنيمة ـ وخزانة للماء ومن اراد طريق ـ سحمة ـ وهو طريق سهل عدل من بركة الشقوق الداخلة يسرة وهو مصعد . فيخرج عند المشرف . يمنة وسحمة بئر احتفرها المهدي بينها وبين الطريق ميلان وقد طمست وعطلت . وعلى ثلاثة اميال من الشقوق قصر خرب لام جعفر . وعلى ستة اميال يمنة على الطريق بركة زبيدية وقباب ومسجد ويدعى ـ الرستمية ـ وهذا الموضع اول ـ الردى ـ والردى عقاب صغار وأرض خشنة صعود وهبوط الى بطان . ويقال انها نيف وسبعون عقبة وفيه رمل كثير . ثم بركة ـ السحنة ـ وقصر وقباب وهو المتعشا . «الطليح» و«الطليحة» على اثنى عشر ميلا من بطان وليس ببركة . وكان فيها شجر الطلح . وقباب لخالصة وخزانة للماء والبريد دون البطان بسبعة اميال والرمل المذكور بالحجاز هو الرمل الذي عرضه من الشقوق الى الاجفر . وطوله من وراء جبلي طي الى أن يتصل مشرقا بالبحر وهو رمل أصفر لين المس(1) وذكر ابن جبير(2) . قال : ونزلنا بالشقوق . وفيه مصفاتان . الفيناهما مملوين

(1) انظر الاصطخري . مسالك الممالك ص 23 طبع ليدن .
(2) انظر رحلة ابن جبير .
الحسين في طريقه الى الشهادة 84

ماء عذبا صافيا . فأراق الناس مياهم . وجددوا مياها طيبة واستبشروا بكثرة الماء وجددوا شكر الله على ذلك . واحد هاتين المصفاتين صهريج عظيم الدائرة كبيرها لا يكاد يقطعه السابح الا عن جهد ومشقة . وكان الماء قد علا فيه أزيد من قامتين . فتنعم الناس من مائة سباحة واغتسالا وتنظيفا للثياب . وكان يومهم فيه من ايام راحة السفر . وذكر ابن شهر اشوب(3) وفي الشقوق رأى الحسين (ع) رجلا مقبلا من الكوفة . فسأله عن أهل العراق . فأخبره أنهم مجتمعون عليه . فقال (ع) ان الامر لله يفعل ما يشاء . وربنا تبارك وتعالى هو كل يوم في شأن ثم أنشد :
فان تكـن الـدنيا تعـد نفيسـة فـدار ثـواب الله أعـلا وأنـبـل
وان تكن الاموال للترك جمعهـا فما بال متـروك به المرء يبخـل
وان تكن الارزاق قـسما مقدرا فقلة حرص المرء في الكسب أجمل
وان تكن الابد ان للموت انشات فقتل امرئ بـالسيف في الله أفضل
عليكـم سلام الله يا آل أحمـد فاني اراني عنكـم سـوف أرحـل

قالوا ومن الشقوق سار بظعينته الى زبالة :
حتى أتى زبالة حطّ السرى وجاءه الكوفي في جنح الدجى
نعى له ابن يقطـر رسوله فياله علـى الحسـين من نبا

(زبالة) . بضم أوله . منزل معروف بطريق مكة من الكوفة . ذكر المقدسي . من زبالة ـ وهي عامرة واسعة الماء ـ الى الشقوق أحد وعشرون ميلا . قال ابن الكلبي . سميت زبالة باسم زبالة بنت مسعر . امرأة من العمالقة نزلتها . وقيل . سميت بزبالة . بزبلها الماء ـ أي بضبطها له وأخذها منه . وهي قرية عامرة بها أسواق . بين واقصة والثعلبية قال السكوني : زبالة بعد القاع من الكوفة . وقبل الشقوق فيها حصن وجامع لنبي غاضرة من بني أسد . ويوم زبالة من ايام العرب . وفي زبالة استنقذ بنو نبهان . او الغاضريون جماعة من الطالبيين الذين ثاروا مع ـ

(3) انظر ابن شهر اشوب . المناقب ج 2 ص 213 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 85

محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . بالمدينة ايام المأمون العباسي . وكان محمد . قد دعا لنفسه . ذكر ابن الخطيب(1) . قال : وبايعوا ـ أي اهل المدينة ـ محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن ابي طالب (ع) بالخلافة يوم الجمعة لثلاث خلون من شهر ربيع الآخر سنة مائتين فلم يزل يسلم عليه بالخلافة . حتى كان يوم الثلاثاء لخمس خلون من جمادى الاولى سنة مأتين . ثم صاروا الى مكة وقاتلوا هارون بن المسيب قتالا شديدا . ثم ان محمد بن جعفر سأله الامان لاصحابه الباقين . بعد أن حوصر وهرب أكثر أصحابه . فأمنهم الجلودي وبعدها حملهم مقيدين في محامل بلا وطاء ليمضي بهم الى خراسان الى المأمون . فلما وصلوا بهذا الحال زبالة . خرجتعليهم بنو نبهان فاستنقذوهم منه بعد حرب طويلة صعبة(2) . قالوا وفي زبالة مات موسى بن عبد الله بن موسى بن الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) مسموما . ذكر المسعودي(3) . قال : وحمل سعيد الحاجب من المدينة . موسى بن عبد الله وكان من النسك والزهد في نهاية الوصف . وكان معه ادريس بن موسى فلما صار سعيد بناحية زبالة من جادة الطريق . اجتمع خلق من العرب من بني فزارة وغيرهم لاخذ موسى من يده . فسمه ومات هناك ، وخلصت بنو فزارة ابنه ادريس بن موسى . وذكر الشبلنجي(4) كرامة للامام موسى بن جعفر في زبالة . قال : من كتاب الدلائل للحميري . روى احمد بن محمد عن ابي قتادة . عن ابي خالد الزبالي . قال : قدم علينا ابو الحسن موسى الكاظم . زبالة ومعه جماعة من اصحاب المهدي . بعثهم في احضاره لديه الى العراق من المدينة . وذلك في مسكنه الاول . فأتيته وسلمت عليه فسر برؤيتي وأوصاني بشراء حوائج وتبقيها

(1) انظر ابن الخطيب البغدادي . تاريخ بغداد ج 2 ص 113 وص 114 .
(2) انظر ابو الفرج الاصبهاني مقاتل الطالبيين . ص 541 طبع مصر .
(3) انظر علي بن الحسين المسعودي . مروج الذهب ج 4 ص 123 .
(4) انظر الشبلنجي ـ نور الابصار ـ ص 202 طبع مصر العثمانية .
الحسين في طريقه الى الشهادة 86

عندي له . فرآني غير منسبط . فقال لي : مالي أراك منقبضا ؟ فقلت كيف لا انقبض وأنت سائر الى هذه الفئة الطاغية ولا آمن عليك . فقال (ع) يا ابا خالد ليس عليّ بأس . فاذا كان في شهر كذا . يوم الفلاني منه . فانتظرني آخر النهار مع دخول الليل فاني أوافيك ان شاء الله تعالى . قال ابو خالد : فما كان لي هم الا احصاء تلك الشهور والايام الى ذلك اليوم الذي وعدني المجيء به : فخرجت عند غروب الشمس فلم أر أحدا . فلما كان دخول الليل اذا بسواد قد اقبل من ناحية العراق . فقصدته فاذا هو على بغلة امام القطار . فسلمتعليه وسررت بمقدمه وتخلصه . فقال لي أداخلك الشك يا ابا خالد ؟ فقتل : الحمد لله الذي خلصك من هذه الطاغية . فقال يا ابا خالد ان لهم اليّ عودة لا أتخلص منها . وفي المخطوط ، حدث محمد بن عمرو بن بشر عن ابراهيم بن عطارد . قال : زبالة لبني غاضرة .
وحدث ابو محمد الوراق عن علي بن الصباح . عن هشام بن محمد السائب عن ابيه . قال سميت ببلى وابلى والتلبوت ومناله وزبالة بهم . وهم بنوا حرث بن مكنف من بني عمليق . وحدث ابو محمد الوراق عن علي بن الصباح عن هشام بن ابيه . قال : ويقال سميت زبالة بزبالة . لانه احتفرها زبالة بن حرث فنسب اليه . ومن زبالة الى الشقوق سبعة عشر ميلا . وبها قصر ومسجد . ويقال ان الحسين بن علي رضوان الله عليه صلى فيه . وبزبالة ثلاث برك . احداهن تعرف بالعتيقة . والاخرى تعرف بالكبيرة ولها مصفاة ولهذه المصفاة مصفاة صغيرة . وبزبالة من الابار التي نسقى منها بئر تعرف بالمقعد مدورة وبئر تعرف بالريان مدورة وبئر تعرف بالصبى مربعة عندها بركة وحوض . وبئر تعرف بالبرمكية . مربعة عليها حوض يعرف بالعتيق . وبركة أخرى . وبزبالة من القلب في بطن الوادي وغيره ثلثماية وخمسون قليبا . وبها بئر أخرى تعرف ببئر الشجرة . وعلى ستة اميال ونصف من زبالة بركة مدورة يسرة . وهي احدى الرضمتين . وهي رضم ابي جعفر . يعرف بالقيصوم لها مصفاة ومسجد وقباب

(5) الرضم على ستة أميال من زبالة والشقوق ، انظر ياقوت الحموي ـ المشترك ـ ص 207 طبع غوتنجن .
الحسين في طريقه الى الشهادة 87

وعلى ثلاثة أميال . من زبالة في موضع الزرع نبات شيخ وغيره . يقال له «العثيران» ورقة اكبر من ورق «السنخ» عيدانه بيض ، وعلى اربعة اميال من زبالة . علم للخيزران . البطن الذي فيه النبات . ومنه يعدل يسرة الى التنانير حتى يبلغ الى اميال يسيرة على الطريق . وبناء خرب يقال له ذات التنانير وهو على اثنى عشر ميلا من زبالة بالاميال الصغار وهو قاع كثير السدر ، وذكر ابن جبير قال : زبالة هي قرية معمورة وفيها قصر مشيد من قصور الاعراب . ومصنعان للماء وآبار وهي من مناهل الطريق الشهيرة . ونزلنا عندما ارتفع النهار من اليوم المذكور . ولزبالة ذكر كثير في أشعار الشعراء . قال بعض الاعراب .
الاهل الى نجد ومـاء بقـاعها سبيـل وأرواح بها عطـرات
وهل لي الى تلك المنازل عودة على مثل تلك الحال قبل مماتي
فأشرب من ماء الزلال وأرتوي وأرعى مع الغزان في الفلوات
وألصق احشائي برمل «زبالة» وآنس بالظلمـات والظبيـات

وينسب الى زبالة جماعة . منهم حسان الزبالي . حدث عن زيد بن الحباب(6) قال أرباب السير : وعندما حط الحسين (ع) رحله في زبالة . أتاه نعي رسوله الى اهل الكوفة ـ عبد الله بن يقطر ـ فعندها خطب الناس . وقال : بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد . فانه أتانا خبر فظيع . قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر . وقد خذلتنا شيعتنا . فمن احب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه ذمام . قال اهل السير . فتفرق الناس عنه . واخذوا يمينا وشمالا . حتى بقى في اصحابه الذين جاؤا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا اليه . وانما فعل ذلك لانه (ع) علم ان الاعراب الذين اتبعوه انما اتبعوه بظنهم أنه يأتي الى بلد قد استقامت له طاعة أهله . فكره أن يسيروا معه الا وهم يعلمون على ما يقدمون عليه . ولما كان السحر أمر أصحابه فاستسقوا ماء واكثروا . ثم رحل بظعنه من زبالة متوجها الى القاع .

(6) انظر ابن الاثير ـ اللباب في تهذيب الانساب . ج 1 ص 493 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 88

وراح للقاع يوالي سيره وبعده الى العقبة انتحى

(القاع) . هو ما انبسط من الارض الحرة السهلة الطين التي لا يخالطها رمل فيشرب ماءها . وهي مستوية ليس فيها تطامن ولا ارتفاع . والقاع منزل بطريق مكة بعد العقبة لمن يتوجه الى مكة . تدعيه أسد وطي . ومنه يرحل الى زبالة . ويوم القاع من ايام العرب(1) قال ابو احمد : يوم كان بين بكر بن وائل وبني تميم . وفي هذا اليوم اسر أوس بن حجر أسره بسطام بن قيس الشيباني وانشد الشاعر :
بقاع منعناه ثمانين حجة وبضعا لنا اخراجه ومسائله

وفي المخطوط . من القاع الى زبالة . ثمانية عشر ميلا ونصف . وبالقاع مسجدان وقصر وهو أحسن منازل الطريق بناء وبه نخلة في وسطه . وبه بركة تعرف ـ بالقصرى وبالشهابية ـ والى جانبها بركة تعرف ـ بالمصفاة ـ وبركة تعرف ـ بالعتيقة ـ وبئر فتحتها أربعة أذرع . وطول رشائها ثمان وثمانون قامة . ليس في الطريق أطول منها . وعلى ثلاثة أميال ونصف من القاع قباب مبنية عن يسرة الطريق لخالصه . وعندها أرح(2) يجتمع فيه ماء السماء . وعلى ستة اميال من القاع قبل المشرق يسرة الطريق بركة زبيدية وقباب ومسجد وهي (الهيثم) ولها مصفاة . وعلى مقدار ثمانية اميال يخرجه هذا الطريق عن يسار البيوت بزبالة . وبعد الهيثم بأقل من ميل يمنة الطريق بركة «الحريش» وقباب ومسجد وقصر وبئر جاهلية عميقة . وانما سمى الحريش لانه كان لقوم يقال لهم «بنو حريش» ذكر أنهم من عجل . وذكر انهم من سعد بن زيد بن مناة . وبعد الحريش بخمسة اميال قباب يسرة الطريق . يقال لموضعها القبيبات . وقبل زبالة بثلاثة أميال موضع يقال له ـ الخيلان ـ وانما سمي الخيلان لانها

(1) ذكر مثله صاحب مراصد الاطلاع . انظر عبد المؤمن مفتي الحنابلة بالشبرية . مراصد الاطلاع ج 2 ص 329 .
(2) هكذا مرقوم بالنسخة المخطوطة .
الحسين في طريقه الى الشهادة 89

ارض بيضاء وفيها حجارة سود . ولمع من سواد وغيره وللشعراء في اشعارهم ذكر للقاع . قال الشريف الرضي (ره)(3) :
أيا أثلاث القاع كم نضح عبرة لعينـي اذا مر المطى بذي الاثل
ويا عقدات الرمل كم لـي أنة اذا ما تذكرت الشقيق من الرمل

وقال الطغرائي يذكر القاع : والاثلاث(4) :
أيا أثـلاث القاع اما عـروقها فريا وامـا ظلـهـا فظليل
لك الله هل مرت بقربك رفقة وأنضاء عيس سيرهن ذميل

وللارجاني . يذكر القاع بقوله(5)
صلى حبلنا ياظبية القاع او قفى قليلا ولا تخشـى تعرض نابل
فما يطمـع القنـاص فيك وانما تعلم من عينيـك رمى المقاتل

وعلى ثلاثة اميال من العقبة . بينها وبين القاع شعب غير مضاف . كما ذكره السكوني هو ماء(6) . قلت وانتحى في الامر . جد فيه ، قالوا وأقلع الحسين بركبه مجدا بالسير الى العقبة .
(العقبة) بالتحريك . وهو الجبل الطويل . يعرض للطريق فأخذ فيه . وهو طويل صعب الى صعود الجبل . والعقبة . منزل في طريق مكة بعد واقصة . وبين العقبة والقاع بقرب الجادة قصر . يقال له قصر حمران(7) . قال ابن جبير(8) عند ذكر العقبة . صعدنا العقبة . وليست بالطويلة الكؤد . ولكن ليس بالطريق وعر غيرها . فهي شهيرة بهذا السبب . ونزلنا عند ارتفاع النهار على مصنع دون ماء . وجزنا مانع كثيرة وما منها مصنع الاوالى جانبه قصر مبني من قصور الاعراب

(3) انظر ديوان الشريف الرضي .
(4) انظر ديوان الطغرائي .
(5) انظر ديوان الارجاني .
(6) انظر الحموي ـ المشترك ـ ص 274 طبغ غوتنجن . المانيا .
(7) انظر الحموي ـ المشترك ـ ص 145 طبع غوتنجن . المانيا .
(8) انظر رحلة ابن جبير .
الحسين في طريقه الى الشهادة 90

والطريق كلها مصانع ، ويروى ان الحسين (ع) كان قد نزل العقبة في طريقه الى الكوفة . وهناك لقيه شيخ من بني عكرمة . يقال له ـ عمرو بن لوذان ـ فسأله اين تريد ؟ فقال الحسين (ع) الكوفة . فقال الشيخ انشدك الله لما انصرفت : فوالله ما تقدم الا على الاسنة وحد السيوف . وان هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطئوا لك الاشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا . فاما على هذا الحال التي تذكر . فاني لا ارى لك أن تفعل . فقال : يا عبد الله ليس يخفى على الرأي وان الله تعالى لا يغلب على امره . ثم قال والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي . فاذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم . حتى يكونوا أذل فرق الامم . ثم ان الشيخ صار يخبر بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسية الى العذيب رصدا له . ثم قال له انصرف بنفسي انت فوالله ما تسير الا الى الاسنة والسيوف ولا تتكلن على الذين كتبوا اليك . فان اولئك اول الناس مبادرة الى حربك . فقال الحسين (ع) قد ناصحت وبالغت فجزيت خيرا . ثم سلم عليه ومضى(9) ويروى عن الصادق (ع) ان الحسين . لما صعد عقبة البطن قال لاصحابه : ما اراني الا مقتولا . قالوا وما ذاك يا ابا عبد الله ؟ قال رؤيا رأيتها في المنام . قالوا وما هي يابن رسول الله ؟ قال رأيت كان كلابا تنهشني واشدها على كلب أبقع . قالوا ثم سار من العقة قاصدا واقصة .
وثَمّ قد نحب بالسير الى واقصة يطوي السهول والربى

(واقصة) . بكسر القاف والصاد المهملة . منزل بطريق مكة بعد القرعاء نحو مكة . يقال لها واقصة الحزون . وهي دون زبالة بمرحلتين . وانما قيل لها واقصة الحزون . لان الحزون أحاطت بها من كل جانب . والمصعد الى مكة ينهض في أول الحزن من العذيب . في أرض يقال لها ـ البيضة ـ حتى يبلغ مرحلة العقبة في أرض يقال لها ـ البسيطة ـ ثم يقع في ارتفاع . وهو سهل .

(9) انظر الدينوري ـ الاخبار الطوال ـ ص 223 طبع الاعظمي .
الحسين في طريقه الى الشهادة 91

ويقال زبالة أسهل منه . فاذا جاوزت ذلك استقبلت الرمل فاول رمل تلقاه . يقال لها ـ الشيخة ـ(1) قال الاعشى :
ألا تقنى حيـاءك أو تناهى بكاءك مثل ما يبكي الوليد
أريت القوم نارك لم اغمض بواقصـة ومشربنا زرود
ولم أر مثل موقـدها ولكن لاية قطـرة زهـر الوقود

وفي واقصة . شاهد شقيق البلخي كرامة من الامام موسى بن جعفر . كما ذكرها صاحب مطالب السؤول(2) قال : عن هشام بن حاتم الاصم . قال لي ابي حاتم . قال شقيق البلخي : خرجت حاجا في سنة تسع واربعين ماءة . فنزلت القادسية . فبينا أنا أنظر الى الناس في زينتهم وكثرتهم . فنظرت الى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة . في رجليه نعلان وقد جلس منفردا . فقلت في نفسي ان هذا الفتى من الصوفية . يريد ان يكون كلا على الناس في طريقهم والله لأمضين اليه ولاوبخنه . فدنوت منه . فلما رأني مقبلا . قال : يا شقيق «اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم»(3) قال : ثم تركني ومضى . فقلت في نفسي . ان هذا لامر عظيم . قد تكلم بما في نفسي ونطق باسمي . ما هذا الا عبد صالح . لالحقنه ولاسألنه أن يعفو عني . فأسرعت في أثره فلم الحقه وغاب عني فلما نزلنا ـ واقصة ـ اذا به يصلي واعضاؤه تضطرب ودموعه تجري . فقلت هذا صاحبي أمضي اليه وأستحله . فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه فلما رآني مقبلا . قال لي يا شقيق : اتل «واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى»(4) ثم تركني ومضى . فقلت في نفسي ان هذا الفتى لمن الابدال . قد تكلم بسري مرتين . فلما نزلنا زبالة . واذا بالفتى

(1) انظر ياقوت الحموي ـ معجم البلدان 8 ص 388 .
(2) انظر محمد بن طلحة الشافعي ـ مطالب السؤول ص 83 ، وسبط ابن الجوزي ـ التذكرة ص 196 ، والكتابين طبع ايران .
(3) سورة الحجرات .
(4) سورة الكهف .
الحسين في طريقه الى الشهادة 92

قائم على بئر وبيده ركوة أن يستسقي الماء فسقطت الركوة من يده في البئر . وانا انظر اليه . فرأيته وقد رمق السماء بطرفه . وسمعته يقول :
انت ربي اذا ظمئت الى الما ء وقوتي اذا اشتهيت الطعاما

اللهم سيدي . مالي سواها فلا تحرمنيها . قال شقيق : فوالله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤه . فمد يده فأخذ الركوة وملأها ماء فتوضا وصلى أربع ركعات . ثم مال الى كثيب رمل . فعل يقبض بيده من ذلك الرمل ويطرحه في الركوة ويرحكه ويشرب . فأقبلت اليه وسلم عليه فرد السلام . فقلت اطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك . قال يا شقيق : لم تزل نعم الله علينا ظاهرة وباطنة . فأحسن ظنك بربك . ثم ناولني الركوة فشربت منها . فاذا هو سويق وسكر . فوالله ما شربت قط الذ منه ولا أطيب ريحا فشبعت وارتويت وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا . ثم لم أره حتى دخلنا مكة . فرأيته في ليلة الى جنب قبة الشراب في نصف الليل قائما يصلي بخشوع وخضوع وأنين وبكاء . فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل . فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح . ثم قام يصلي الغداة . ولما فرغ من صلاته طاف بالبيت سبعا وخرج فتبعته . واذا له حاشية وموالي . وهو على خلاف ما رأيته في الطريق . ودار به الناس من حوله يسلمون عليه . فقلت لبعض من يقرب منه . من هذا الفتى ؟ فقال : هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) فقلت قد عجبت أن تكون هذه العجائب الا لمثل هذا السيد . فنظم بعضهم هذه الكرامات شعرا فقال :
سل شقيق البلخـي عنه وماشا هدمنه وما الذي كـان ابصـر
قال لما حججت عاينت شخصا شاحب اللون ناحل الجسم أسمر
سايـرا وحـده وليـس له زا د فمـازلـت دائـما أتـفكـر
وتوهمـت أنـه يسـأل الناس ولم أدر أنـه لحـج الاكـبـر
ثم عايـنته ونـحـن نـزول دون فيد على الكثيب الاحمـر
يضع الرمل في الاناء ويحسو ه فناديتـه ولـبـى تـحـيـر
اسقني شـربـة فناولني منـ ـه فعاينـتـه سـويقـا وسكر
فسألت الحجيـج من يك هذا قيل هذا الامام موسى بن جعفر

الحسين في طريقه الى الشهادة 93

قال ابن جبير(5) ثم نزلنا بواقصة . وهي وهدة من الارض منفسحة فيها مصانع للماء مملوءة وقصر كبير وبازائه أثر بناء . وهي معمورة بالاعراب . وهي آخر مناهل الطريق وليس بعدها الى الكوفة منهل مشهور الا مشارع الفرات . ومنها الى الكوفة ثلاثة أيام ومن يريد الكوفة يسير مستقيما الى القرعاء فالمغيثة فالقادسية مشرقا . (ونحب) يقال : نحب القوم في سيرهم . أي . جدوا واسرعوا قلت وسار الحسين من واقصة حتى انتهى الى ـ القرعاء ـ بسيره فمر بها ولم ينزلها حتى اتى مغيثة .
ثمّ الى القرعاء وافى والي مغيثة غوث الورى حث السُرى

(القرعاء) تأنيث الاقرع . كأنها سميت بذلك لقلة نباتها . وهو منزل في طريق مكة من الكوفة بعد المغيثة وقبل واقصة اذا كنت متوجها الى مكة . وبين المغيثة والقرعاء الزبيدية ومسجد سعد والخبراء . وبين القرعاء وواقصة على ثلاثة اميال بئر بالمرعى . وبين القرعاء وواقصة ثمانية فراسخ . وفي القرعاء بركة وركايا لبني غدانة . وكانت به وقعة بين بني دارم بن مالك وبني يربوع بسبب هيج جرى بينهم على الماء . فقتل رجل من غ دانة يقال له ـ ابو بدر ـ واراد بنو دارم أن يدوا فلم يقبل بنو يربوع فهاجت الحرب بين القبيلتين(*) وهناك أحساء بني وهب بين القرعاء وواقصة تسع آبار كبار على طريق الحج قلت فوصل الحسين القرعاء في طريقه الى الكوفة ومنها توجه الى مغيثة .
(مغيثة) هذه غير مغيثة الماوان التي مر ذكرها والتي بين السليلة والنقرة . اما هذه فهي بين القرعاء وشراف . قال في المشترك(**) المغيثة . منزل في طريق مكة بعد العذيب من جهة مكة وهي لبني نبهان من طي وقد وصلها الحسين بركبه ولم ينزل بها . فاجتازها الى شراف .

(5) انظر ابن جبير ـ رحلته ـ ص 165 .
(*) انظر معجم البلدان ج 7 ص 55 .
(**) انظر الحموي شهاب الدين ياقوت ـ المشترك ـ ص 402 ، طبع غوتنجن المانيا .

السابق السابق الفهرس التالي التالي