العباس عليه السلامأ

عبد الرزاق المقرّم


العبّاس


العباس عليه السلام ب


الطبعة الاولى


العباس عليه السلامت

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأولياء والآخرين ، محمد (المصطفى) وآله الطيبين الميامين ولعنة الله على أعدائهم أعداء الدين أجمعين .

العباس عليه السلامث

الإهداء

يا أم البنين
يا بطلة أنجبت الأبطال
أيتها البطلة التي قرنت بسيد الابطال
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ فكان النتاج : بطل العلقمي .
اليك أيتها السيدة الجليلة التي (انجبتها الفحولة) .
وهي ـ بدورها ـ أنجبت الشجاعة والبطولة ...
نهدي هذه الباقات العطرة المعطاءة من تاريخك وتاريخ نجلك الكريم ... والعظيم .. والبطل ..
أبي الفضل العباس عليه السلام
على أمل القبول والرضا
الناشر


العباس عليه السلام1

تمهيد

(العباس)
تاريخ كامل بكل الابعاد
سجل حافل من جميع الجهات
في النسب والحسب
في العلم والحلم
في الشجاعة والسخاء
في العبادة والزهد
وفي كل الكرمات ، وعامة الفضائل .
(فالعباس) ابن امام معصوم أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام .
(والعباس) أخو امامين معصومين السبط الاكبر الحسن المجتبى ، وشهيد الطف الحسين المظلوم عليهما السلام .
و(العباس) عم لائمة تسعة معصومين علي زين العابدين ، ومحمد الباقر ،

العباس عليه السلام2

وجعفر الصادق ، موسى الكاظم ، وعلي الرضا ، ومحمد الجواد ، وعلي الهادي ، والحسن العسكري ، وصاحب الامر المهدي المنتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه ، وعجل الله تعالى فرجه الشريف .
* * *
و(العباس) تلميذ جيد لاربعة من الائمة المعصومين عليهم السلام أبيه ، وأخويه ، وابن أخيه علي والحسن والحسين وسيد الساجدين عليهم السلام فما اعظم الاساتذة ، وما افضل التلميذ .
* * *
يقال : ان شخصاً كان يشك في مدى مرتبة المقام الرفيع العلمي لأبي الفضل العباس عليه السلام ، كان يعتقد بعظمة العباس ، وانه في مرتبة عالية من الدرجات التي يغبطه عليها جميع الشهداء ـ كما في الحديث الشريف ـ .
ولكنه كان يقول : لم يصلنا في التاريخ شيء كثير عن (علم) العباس ، وحيث إنه أيضاً لم يكن إماما معصوماً من أوصياء الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ فلا نعلم مدى علم (العباس) .
وكان يبدى هذا الشك أحياناً ، واذا به ذات مرة يرى أبا الفضل ـ عليه السلام ـ فيما يرى الرائي ـ حيث ان الرجل لم يكن متعنتاً معانداً ، بل كان قاصراً .
فقال له العباس : انت تشك في مقام علمي ؟
فاسمع ذلك مني : انني تتلمذت على أربعة ائمة معصومين .
تتلمذت على أبي أمير المؤمنين عليه السلام وكان شديد العناية بتعليمي وتربيتي وكنت شديد الشوق الى التعلم منه والتربي عليه .

العباس عليه السلام3

وتتلمذت كذلك على أخي الحسن المجتبى ـ عليه السلام ـ وكان هكذا شديد الرغبة في تعليمي وتربيتي ، وكنت أيضاً شديد الشوق الى التعلم والتزكية عليه .
وتتلمذت هكذا أيضاً على أخي الحسين المظلوم ، وعلى ابن أخي علي زين العابدين عليهما السلام .
فهل تجد اساتذة كهؤلاء ؟
أم هل تجد تلميذاً مثلي ؟
وان يكن من عظمة وجاه رفيع عند الله تعالى وعند أهل البيت (عليهم السلام) لأبي الفضل العباس (عليه السلام) فان ذلك يمكن استفادته من كلمة الامام زين العابدين عليه السلام في حق عمه (العباس) : ـ
(كان عمنا العباس نافذ البصيرة ، صلب الايمان الخ) .
وفي الكتاب ـ الذي بين يديك ـ شحة من هذا البحر الطامي والفضاء الوسيع الذي اطلق عليه (أبو الفضل العباس) .
والله ولي السداد والتوفيق .
الناشر


العباس عليه السلام4




العباس عليه السلام5

كلمة الناشر

عدم الإذعان للأمر الواقع ، والدوران حول محور الحق دوماً من جهة ... ودحر مقولة الامر الواقع والغاية تبرّر الوسيلة من جهة ثانية ... والتفاني في كسب رضى الله سبحانه وتعالى من ناحية ثالثة ... وتحاشي خرق أيّاً من حدود الشريعة الإسلامية من ناحية رابعة ، مهما كانت ظروف المواجهة عصيبة وصعبة ... ومهما بلغت دقّة وحراجة المعادلات والموازنات المتحكّمة في المواجهة ، والإلتزام المتواصل على طول خط المواجهة بالروح الانسانية العالية المنقطعة النظير التي تُمليها شريعتنا السمحاء ، وعدم التزحزح قيد شعرة عن الطريق مهما بلغ إلحاح ظروف المواجهة وإفرازاته وخطورة نتائجه ، من جهة اخرى ... وبالجملة فالإلتزام الميداني بهذه المبادئ في المواجهة على جميع مراحلها ومستوياتها هي التي تُقلّد الرسالي المسلم وساماً خالداً ومنزلة يغبطه عليها

العباس عليه السلام6

الجميع ، وتجعل منه نجماً لا يقبل الأفول ، ويصبح عاصمة العطاء التي تجهل عنصر الزمن ، وتعجز جميع القوى بالغ ما بلغت من العمل والدعاية في النيل من اسمه وما تعلّق به من مجد لا يعرف الحدود .
أجل ... فلا سبيل لفهم واستيعاب السر الذي جعل أبطال الإسلام الذين استشهدوا تحت راية الإسلام قمماً حضارية جهادية فريدة عجز الوصول إليها من أتى وسيأتي .
فهذا مثلا العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام) حامل لواء سيد الشهداء الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) ، أمسى لهذا السر يوصف وعلى لسان الأئمة المعصومين (عليهم أفضل الصلاة والسلام) بالعبد الصالح ... بالذي انتهكت في قتله حرمة الإسلام ... بل قالوا : أن للعباس منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة ... بل صار الأول في قائمة ظلامات فلذة كبد الرسول وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليهما أفضل الصلاة والسلام) ... فقد ورد عن بيت العصمة والطهارة ان سيّدة النساء لا تبدأ بالشكاية يوم القيامة

العباس عليه السلام7

بأي ظلامة من ظلامات آل محمد إلا بكفيّ العباس ...
أجل هذا هو السر في بلوغ ما بلغه العباس من المنزلة والمقام ...
وهذا الكتاب الذي بين يديك هو دراسة لجوانب مختلفة من حياة هذا البطل الخالد الكبير في الاسلام العباس بن علي (عليهما السلام والصلاة) الذي أنكر الأمر الواقع ورفض عبث الغاية بالوسيلة ويلتزم بمتابعة كسب رضى الله عز وجل وكل ما يمليه هذا الالتزام رغم إلحاح الظروف المستعصية وحسابات النتائج و ... فيصير الى تدمير حدود العطاء ... فيعطي بلا حدود فيكون آية يعجز الزمن من تعريفها بنفسه ، فإلى هذا السفر القيّم عزيزي القارئ .

العباس عليه السلام8

بسم الله الرحمن الرحيم

حمداً لك اللهم وصلاة على خاتم أنبيائك وخلفائه المعصومين ورضىً بقضائك وتقديرك بأوليائك الذين تحمّلوا المشاق في احياء شرعك الأقدس فقابلوا الأخطار بكل طلاقة وبشاشة حتى كرعوا حياض المنون وانتهلت من دمائهم الزاكية بيض الصفاح وأمسوا بجوارك متلفعين بالبرود القانية فسلاماً على أرواحهم الطاهرة وأشلائهم المقطعة في سبيل مرضاتك يا رب العالمين .

العباس عليه السلام9

مقدمة

ان للنسب مكانة كبرى في شتّى النواحي ، فليس من المستنكر دخله في تهذيب الأخلاق فان الإنسان مهما كان مولعاً بالشهوات مستهتراً ماجناً إذا عرف أن له سلفاً مجيداً وأن من ينتمي إليهم أناس مبجلون كما هو الشأن في جل البشر . ان لم نقل كلهم لا يروقه ان يرتكب ما يشوه سمعتهم ، وانما يكون جلّ مسعاه ان يكون خلقاً صالحاً لهم يجدد ذكرياتهم ويخلد ذكرهم الجميل بالتلفع بمكارم الأخلاق .
ولقد جعل الله تعالى أبناء آدم عليه السلام شعوباً وقبائل ليتعارفوا . فتشتبك الأواصر وتتواصل الأرحام ويحمى الجوار بالتساند والمؤازرة ، ويعرفهم من عداهم كتلة واحدة ، فيهاب جانبهم ولا تخفر ذمتهم ، فيسود بذلك السلام والوئام ، ومن هنا نشاهد المردة من قوم شعيب قالوا

العباس عليه السلام10

له لما عتوا عن أمره «ولولا رهطك لرجمناك» ، فإذن يكون في مشتبك الاواصر مناخ العز ومأوى الهيبة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن «وأكرم عشيرتك فانهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير ، ويدك التي بها تصول ، ولا يستغني الرجل عن عشيرته وان كان ذا مال ، فانه يحتاج إلى دفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم ، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه وألمّهم لشعثه وأعظمهم عليه ان نزلت به نازلة أو حلّت به مصيبة ، ومن يقبض يده عن عشيرته فانما يقبض عنهم يداً واحدة وتقبض عنه أيد كثيرة»(1) .
ولقد جاء في الشريعة المقدسة أحكام منوطة بمعرفة الأنساب خاصة أو عامة كالمواريث والأخماس وصلة الأرحام ودية قتل الخطأ ، إلى غيرها من فوائد النسب التي جعلته في الغارب والسنام من بين العلوم الفاضلة ، وأكسبته الأهمية الكبرى .
وجعلت منصة النسابة في المحل الأسمى عند الديني والاجتماعي والاخلاقي وهو أحد العلماء الذين لكل منهم اختصاص في فن من الفنون يرجع إليه في فنه ويستفتى كما يراجع غيره من العلماء فيما اختص به من الفنون .

(1) نهج البلاغة ج 2 ص 59 مصر رحمانية .
العباس عليه السلام11

ولقد كان عقيل بن أبي طالب عليه السلام على شرف أصله وقداسة منبته ومجده الهاشمي الاثيل : نسابة عصره ، يعرف أنساب العرب وقبائلها ، ويميز بين منابت المجد والخطر ومناخ السوأة والخزاية ، وينوّه بواسع علمه بما تتحلى به الفصائل والعمائر من المآثر وما ترتديه البطون والافخاذ من شية العار ، فكان يخشى ويرجى من هاتين الناحيتين ، ويراجع للوقوف على لوازم الكفاية عند المصاهرة تحرياً للحصول على الدعة في الشعرة بين الزوجين وكرائم الأخلاق المكتسبة من ارضاع الحرائر الكريمات وعروق الأخوال الاكارم والشريعة المطهرة تقول في نصها على ذلك : اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين(1) كما حذرت عن خلافه : إياكم وخضراء الدمن ، وفسره صاحب الشريعة بأنها المرأة الحسناء في منبت السوء(2) .
فكان عقيل كما وصفه الصفدي أحد الذين يتحاكم إليهم ويوقف عند قولهم في علم النسب لكونه العليم به وبأيام العرب وكانت تبسط له طنفسة تطرح في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي عليها ويجتمع إليه في معرفة الأنساب وأيام العرب واخبارهم مع ما له من السرعة

(1) الكافي للكليني . ج 5 ص 332 .
(2) المقنعة للشيخ المفيد ص 79 والمجازات النبوية ص 61 طبع مصر .
العباس عليه السلام12

في الجواب والمراجعة في القول(1) .
ومن هنا قال له أمير المؤمنين : أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاماً فارساً فقال له تزوج بأم البنين الكلابية فانه ليس في العرب أشجع من آبائها(2) .
هكذا جاء الحديث ولكن لا يفوت القارئ أنا نعتقد في حملة إعباء الإمامة شمول علمهم كل ما ذرأ الله سبحانه وبرأ وما جاءت به الامم من فضائل ومخازي وأوصاف وعادات في كل حال ، وللبرهنة على هذه الدعوى مجال في غير هذا المختصر .
إذن فأين يقع علم عقيل وغير عقيل من واسع علم أمير المؤمنين المتدفق بأحوال قبائل العرب وبمعرفة الشجعان منهم حتى يحتاج إلى نظر عقيل ، وهل يخفى علم ذلك على من كان يعلم الذكر والانثى من النمل كما في حديث ابي ذر الغفاري : دخلت أنا وأمير المؤمنين عليه السلام وادياً فيه نمل كثير فقال سبحان الله محصيه فقال عليه السلام لا تقل ذلك وقل سبحان الله باريه فوالله انّي لأحصيه وأعرف الذكر

(1) نكت الهميان ص 200 .
(2) عمدة الطالب وسر السلسلة لابي النصر : ص 357 .
العباس عليه السلام13

منه والانثى(1) .
ويقول عليه السلام : ان شيعتنا من طينة مخزونة قبل أن يخلق آدم لا يشذ منها شاذ ولا يدخل فيها داخل ، واني لأعرفهم حينما أنظر إليهم واعرف عدوّي من صديقي ، وانهم لمكتوبون عندنا بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم وأنسابهم(2) .
فمن كان هذا علمه لا يحتاج الى تعرف القبائل والبطون من عقيل مهما بلغ من العلم والمعرفة الى ذرى عالية .
نعم ! (وكم سائل عن أمره وهو عالم) ! فانه جرى صلوات الله عليه مجرى العادة في أمثاله وكم لهم من ضرائب في أعمالهم عليهم السلام لحكم ومصالح لعلنا ندرك بعضها والبعض الآخر منها مطوي لديهم مع أمثالها من غوامض أسرارهم .
فهذا الرسول الأعظم ، وهو المسدد بالفيض الأقدس والارادة الإلهية المستغني عن الاستعانة بأي رأي يمشي وراء العادة فيشاور أصحابه إذا أراد المضي في أمر ، ولعل النكتة

(1) مدينة المعاجز ص 115 .
(2) الاختصاص : ص 310 . وبصائر الدرجات : ص 410 .
العباس عليه السلام14

فيه مضافاً إلى ذلك تعريف خطأ الاستبداد وان بلغ الرجل أعلى مراتب العقل فكانت الصحابة تبصر من أشعة حكمه فوائد الاستشارة كالاستخارة وتمضي على قوله صلى الله عليه وآله وسلم : من اعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل ، ولا يندم من استشار ، ولا خاب من استخار(1) .
ولما خرج صلى الله عليه وآله من المدينة طالباً عير أبي سفيان بلغه في (ذفران) ان قريشاً خرجت على كل صعب وذلول ، شاور أصحابه فقال : ما تقولون العير أحبّ إليكم أم النقير ؟ فقال بعضهم العير وقال (رجلان) : يا رسول الله انها قريش وخيلاؤها ما ذلت منذ عزت وما آمنت منذ كفرت فساءه كلامهما وتغيّر وجهه فقام المقداد بن الأسود الكندي وقال امض يا رسول الله لما أمرك به الله ونحن معك فوالله لا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى بن عمران : اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ولاكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون ما دام منّا عين تطرف ، نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن خلفك ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغمام (بلاد الحبشة) لجالدنا معك من

(1) المستظرف ج 1 ص 61 ، 70 .
العباس عليه السلام15

دونه حتى تبلغه فضحك رسول الله وأشرق وجهه وسرّ بكلامه(1) .
ولما نزل في بدر بأقرب ماء هناك قال له الحباب بن المنذر : أرأيت يا رسول الله هذا المنزل منزلاً أنزلك الله به أم هو الرأي والمكيدة والحرب ؟ فقال هو الرأي والحرب فأشار عليه بأن ينهض ويأتي أدنى منزل من القوم فينزل على الماء ثم يعمل حوضاً يملأه ماءً يشرب منه المسلمون ولا يشرب منه أعداؤهم فأخذ برأيه وارتحل حتى أتى الماء ونزل عليه(2) .
ولما قصده الأحزاب أراد أن يصالح عتبة بن حصين والحارث بن عوف على ثلث أثمار المدينة ليرجعا بمن معهما من غطفان فشاور في ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وسعد بن فزارة فأشاروا عليه الا يعطيهم شيئاً فعمل بمشورتهم وكان الفتح له(3) كل ذلك إيذاناً وتنبيهاً بما هو اللازم من التريث والأخذ بحقايق الامور .
وسار الأئمة من آله على هذا النهج فكان الامام الرضا

(1) الطبري ج 2 ص 273 .
(2) السيرة الحلبية غزوة بدر .
(3) الرياض الخزعلية ج 1 ص 210 .
العباس عليه السلام16

عليه السلام يذكر أباه موسى بن جعفر ويقول كان عقله لا يوازن به العقول وربما شاور بعض عبيده فيشير عليه من الضيعة والبستان فيعمل به فقيل له أتشاور مثل هذا ؟ فقال عليه السلام ربما فتح على لسانه .
ولما كتب إليه علي بن يقطين بما عزم عليه موسى الهادي من الفتك به وأنه سمعه يقول قتلني الله ان لم أقتل موسى بن جعفر فلما وردالكتاب عليه شاور اهل بيته وشيعته وأطلعهم على الكتاب وقال لهم ما تشيرون عليّ ؟ قالوا نشير عليك أصلحك الله ان تباعد شخصك من هذا الجبار فلم يتباعد عن مشورتهم ولكنه أوقفهم على غامض أسرار من هلاك الطاغي فكان كما قال(1) .
وكان الأئمة ، وهم العالمون بما كان وما يكون يتخذون الوسائل العادية لدفع الأضرار عنهم إذا علموا تأخر القضاء من مراجعة الطبيب أو الشخوص نحو المهيمن جل شأنه أو الشكوى إلى جدّهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولما سقي الإمام الحسن عليه السلام العسل المسموم وأعتل تداوى بالحليب فعوفي وحين عادت إليه العلة أخذ يسيراً من

(1) مهج الدعوات : ص 28 .
العباس عليه السلام17

تربة النبي ومزجها بالماء فشربه وعوفي(1) .
وقال الإمام الهادي عليه السلام لأبي هاشم الجعفري حين مرض بسامراء ابعثوا رجلاً الى (الحاير) يدعو الله لي بالشفاء من العلة فقال عليّ بن بلال ما يصنع بالحير أليس هو الحير فلم يدر أبو هاشم ما يجيبه حتى دخل عليّ الهادي عليه السلام وحكى له قوله فقال عليه السلام : ألا قلت له ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كاان يطوف بالبيت ويقبل الحجر وحرمة النبي والمؤمن أعظم من حرمة البيت وأمره الله تعالى أن يقف بعرفات وإنما هي مواطن يحب الله أن يذكر فيها ، وأنا أحب أن يدعى لي حيث يحب الله أن يدعى فيها(2) .
والغرض من هذا كلّه التعريف بأنّه لم يجب في التكوينات الا جري الأمور على مجاريها العادية وأسبابها الطبيعية وانه لا غناء عنها لأي أحد وان الأئمة من أهل البيت وان امكنهم اعمال ما اقدرهم عليه الله سبحانه من التصرفات حسبما يريدون لكنهم في جميع أدوارهم مقتدى الامة ومسيروهم الى ما يراد منهم من أمر الدين والدنيا فعلى

(1) كامل البهائي ص 453 .
(2) الكافي : ج 4 ص 567 و568 .
العباس عليه السلام18

نهجهم يسير الناس وبأفعالهم يتأسى البشر وبإرشادهم ترفع حجب الأوهام .
وعلى هذا الأساس مشى أمير المؤمنين في اختيار الزوجة الصالحة ، على ان التأمل في كلامه يفيدنا عدم الاستشارة من أخيه فانه قال لعقيل : انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب فهو عليه السلام في مقام الطلب من أخيه ان يخطب امرأة تصلح له لا أنه في مقام الاستشارة والاستطلاع منه لكونه عالماً بأنساب العرب وعارفاً بيوتات الشرف والمنعة والفروسية .

الفهرس التالي التالي