الذنوب الكبيرة - 2 74


الله الرحمن الرحيم ، سُر أخاك يسُرّكَ ألله) قال: فلما ورد الكتاب عليه دخل عليه وهو في مجلسه فلما خلا ناوله الكتاب وقال: هذا كتاب أبي عبدألله «عليه السلام» فقبله ووضعه على عينيه وقال له:
ما حاجتك ؟ قال خراج علي في ديوانك ، فقال له: وكم هو؟ قال: عشرة الآف درهم ، فدعا كاتبه وأمره بأدائها عنه ثم أخرجه منها ، وأمر أن يثبتها له لقابل ثم قال له: سررتك؟
فقال : نعم جعلت فداك ، ثم أمر له بمركب وجارية وغلام وأمر له بتخت ثياب في كل ذلك يقول له هل سررتك؟ فيقول : نعم ، جعلت فداك، فكلما قال نعم زاده حتى فرغ . ثم قال له : احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت الي كتاب مولاي الذي ناولتني فيه وارفع الي حوائجك ، قال : ففعل وخرج الرجل ، فصار الى ابي عبدالله «عليه السلام» بعد ذلك فحدثه الرجل بالحديث على جهته فجعل يسر بما فعل فقال الرجل: يا ابن رسول الله كأنه قد سرّك مافعل بي؟
فقال:(أي والله لقد سر الله ورسوله) « أصول الكافي »
وروى يقطين والد علي بن يقطين قال: كان لوالي الأهواز ـ وهو أحد كتاب يحيى بن خالد ـ علي مبلغ لا استطيع دفعه إلا ان ابيع كل ما املك، فقيل لي انه من الشيعة ولكن خشيت ان الاقيه ثم لا يكون شيعيا، ولم أجد حيلة إلا أن فررت من الأهواز الى مكة، وبعد ان فرغت من مناسك الحج عدت الى المدينة ودخلت على الصادق «عليه السلام» وعرضت عليه ما انا فيه واني قد لجأت الى الله وإليه، فقال لي «عليه السلام» لا خوف عليك ثم كتب «عليه السلام» في رقعة صغيرة : (بسم الله الرحمن الرحيم. ان لله في ظل عرشه ظلالا لا يملكها إلا من نفس عن اخيه المؤمن كربة واعانه بنفسه اوصنع اليه معروفا ولو بشق تمر، وهذا اخوك والسلام ) يقول يقطين: ثم ختمها «عليه السلام» واعطانيها وامرني بان اوصلها الى الوالي ، فلما رجعت الى الاهواز ذهبت الى الوالي ليلا واستأذنت في الدخول عليه وقلت. رسول الصادق اليه، وفجأة رايته قد خرج

الذنوب الكبيرة - 2 75


حافيا وبمجرد ان وقعت عينه علي سلم علي وقبّل ما بين عيني وقال سيدي انت رسول مولاي ؟ قلت : نعم فقال: فداء لعينيك ان كنت صادقا ثم اخذ بيدي وقال كيف تركت مولاي ؟ قلت : بأحسن حال، فقال: والله، قلت : والله ، وكرر علي سؤاله ثلاث مرات، ثم سلمته رسالة الإمام «عليه السلام» فقرأها وقبلها ووضعها على عينيه، ثم قال: اي اخي هات امرك، فقلت: في سجلك علي عدة الاف درهم وفيها هلاكي.
فنادى صاحب السجل ومسح ما كان علي من المبلغ ، وسلمني سندا بأدائها جميعا ، ثم طلب صندوق ماله، واعطاني نصفه، ثم طلب خيله فأخذ اليه واحدة ثم دفع لي واحدة ، ثم طلب ثيابه فأخذ اليه واحدا ودفع الي واحدا ثم ناصفني جميع امواله ، وقال لي: اي اخي هل سررت ؟ فقلت، اي والله.
ولما صار موسم الحج قلت في نفسي اني لا استطيع مكافأته الا اذهب للحج وادعو له عند الله ورسوله «صلى الله عليه واله» ثم اذهب الى مولاي الصادق (ع) وأشكر الوالي عنده واسأله الدعاء له.
فلما دخلت على الصادق«عليه السلام» بعد رجوعي من مكة ، قرأت في وجهه السرور، ثم سألني عن قصتي مع الرجل، فشرعت أقص له الحال، وأرى السرور يعلو وجهه ثم قلت: مولاي هل سرك ما صنع معي؟ فقال: اي والله لقد سر آبائى ، والله لقد سر أمير المؤمنين، والله لقد سر رسول الله «صلى الله عليه واله» والله لقد سر ألله في عرشه .

الإمام الكاظم (ع) مع علي بن يقطين:

استأذن ابراهيم الجمال وكان من الشيعة على علي بن يقطين، وكان وزيراً لهارون الرشيد فحجبه لأنه جمال ، فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على الإمام موسى بن جعفر«عليه السلام» فحجبه فرآه ثاني يومه خارج الدار فقال علي بن يقطين ياسيدي ما ذنبي ، فقال حجبتك لأنك حجبت اخاك ابراهيم الجمال وقد ابي الله ان يشكر سعيك او يغفر لك ابراهيم الجمال! قال علي : فقلت ياسيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمال في هذا الوقت وانا بالمدينة وهو بالكوفة ؟

الذنوب الكبيرة - 2 76


فقال : إذا كان الليل فامضي الى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك احد من أصحابك وغلمانك وتجد نجيبا(1) هناك مسرجاً فاركبه وامض الى الكوفة.
فوافى البقيع ورَكب النجيب ولم يلبث ان أناخه على باب إبراهيم الجمال بالكوفة في مدة قصيرة، فقرع الباب وقال انا علي بن يقطين فقال ابراهيم الجمال من داخل الدار وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟
فقال علي بن يقطين : ياهذا ان امرك عظيم ، وأصر عليه ان يأذن له ، فلما دخل قال يا ابراهيم ان المولى «عليه السلام» أبى ان يقبلني او تغفرلي!!
فقال : يغفر الله لك.
فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمال ان يطأ خده فإمتنع ابراهيم من ذلك،فآلى عليه ثانيا ففعل فلم يزل ابراهيم يطأ خدّه وعلي بن يقطين يقول : اللهم اشهد ثم انصرف وركب النجيب ورجع الى المدينة من ليلته وأناخه بباب المولى موسى بن جعفر«عليه السلام» فاذن له ودخل عليه فقبله.
ومن هذا الحديث يعلم عظمة حقوق أخوة الإيمان، فمع ان على بن يقطين من خواص الإمام الكاظم «عليه السلام» وقد قبل الوزارة بأمره، كان محل إهتمام وعناية الإمام «عليه السلام» ، ومع كل ذلك فانه «عليه السلام» رفض ان يستقبله حتى يرضى عنه ابراهيم الجمال الى ان ذهب علي بن يقطين بامر إعجازي وبطّي الأرض الى الكوفة ورضي عنه ابراهيم .
بناءا على ذلك يجب ان نلاحظ أنفسنا جدا في حياتنا اليومية لئلا نضيّع حقوق الأخوان.

تقضى حاجات الشخص نفسه:

وليس خفياً ان من يعمل في دفع الظلم عن المظلومين، او في قضاء حاجات

(1) النجيب : الفرس.
الذنوب الكبيرة - 2 77


المؤمنين ، فمضافا الى الثواب الأخروي يوجب ذلك زيادة في كرامة الشخص ، وقضاء حاجاته ، والروايات والشواهد على هذا الأمر عديدة نكتفي بذكر قصة تتضمن حديثا أيضا.
يقول الإمام الجليل احمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب (المحاسن) الذى أدرك الإمام الحسن العسكرى «عليه السلام» وعاش في فترة الغيبة الصغرى:
دخلت مدينة (ري) وحللت ضيفا عند (ابو الحسن المادراني) وكان كاتبا للأمير (كوتكين) وكان له علي حق في كل سنة عشرة آلاف درهم احتسبها له من ماليات قرية لي في كاشان.
وحين طلبوا المبلغ المقرر، غفل عن محاسبتي (ابو الحسن المادرانى) منشغلا ببعض مشاغله، وبينما كنت مضطربا مهموما دخل علي فجأة شيخ عفيف قد ضعف من كثرة ما نزف الدم منه حتى كان ميتا بصورة حي فقال: يا ابا عبدالله لقد جمع بيني وبينك الدين ومحبة الأئمة الطاهرين «عليهم السلام» هل لك ان تقوم معي هذه الأيام طلبا لرضى الله ومحبة أئمتنا .
قلت : وما بك؟
قال : لقد قالوا عني باني رفعت للسلطان رسالة سرا اشرح فيها حال الأمير (كوتكين)، ولهذا السبب فقد أباحوا جميع أموالي!!
يقول البرقي : فوعدته بأن أقضي حاجته، وبعد ان مضى عني فكرت في نفسى وقلت لا استطيع ان اطلب حاجته وحاجتي معا ، ولئن طلبت حاجته فان حاجتي سوف تبقى !!
ثم عدت الى مكتبتي وعثرت على حديث للإمام الصادق «عليه السلام» يقول فيه من أخلص نيته في قضاء حاجة أخيه المؤمن قضاها الله على يده، وقضى له حاجته (1).

(1) الرواية ليست نصا.
الذنوب الكبيرة - 2 78


فلما قرأت هذا الحديث نهضت من ساعتي وأقبلت الى دار ابي الحسن المادراني ، وبعد الإذن دخلت عليه فاذا هو جالس على عرشه ، متكئا على أريكة له وبيده عصا. وبعد ان سلمت عليه وأجابني وطلب مني الجلوس، أجرى الله على لساني هذه الآية « وابتغِ فيما آتاكَ اللهُ ألدارَ الآخرة َولا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ ألدُنيا وأحسِن كما أحسنَ اللهُ إليكَ ولا تَبغِ الفسادَ في الأرضِ إنّ اللهَ لا يُحبُ المُفسدين » (1) فقرأتها بصوت مرتفع . فقال ابو الحسن : قراءة هذه الآية دليل على ان لك حاجة أذكرها!
فقلت بجرأة : لقد قالوا على فلان كذا وكذا !!
فقال :هو من الشيعة؟
قلت : نعم فنزل من كرسيه وأمر الغلام فأحضر دفترا سجل فيه أموال ذلك الشيخ وكان مبلغا هائلا. فأمر برده له جميعا ، وأمر له بهدية وبغل وأرجعه لأهله معزرا مكرما ثم قال : يا أبا عبدالله لم تقصر في نصيحتي وإصلاح عملي ، ثم أخذ رقعة كتب فيها تدفع لأحمد بن محمد البرقي وتحسب له في ماليات مزرعته بكاشان ، ثم صبر قليلا وقال : يا ابا عبدالله جزاك الله خيرا فقد اصلحت مافسد من عملي في ظلم ذلك الشيخ ، ثم كتب رقعة أخرى (يدفع له ألف درهم أخرى ) بما دلني على الخير.
يقول البرقي : فهممت ان أقبل يده فقال: لا تبطل عملي، والله لئن قبّلت يدي لقبّلت قدمك ، لقد كان ما صنعته قليلا بحق الشيخ لأنه متسمك بحب آل محمد«صلى الله عليه واله» (2)

(1) (القصص77).
(2) (الكلمة الطيبة ) للشيخ النورى نقلا عن منهاج الصلاح للعلامة الحلي.
الذنوب الكبيرة - 2 79


31
ألسِـحْـر

الحادي والثلاثون من الذنوب التي ورد التصريح بأنها من الكبائر (السحر) كما جاء في الوسائل عن رسول الله «صلى الله عليه واله »: أنه عَد السحر من الكبائر ، كما عد من الكبائر ايضا في صحيحة عبدالعظيم عن الإمام الجواد «عليه السلام» عن الإمام الرضا «عليه السلام» عن الإمام الكاضم «عليه السلام» عن الإمام الصادق «عليه السلام» حيث قال «عليه السلام» ضمن تعداد الكبائر:
والسحر لأن الله تعالى يقول « ولقد عَلِموا لِمَنِ إشتراهُ ما لَهُ في الآخرةِ مِنْ خَلاقْ » وتمام الآية كالتالي« واتْبَعوا ما تَتْلوا الشياطينُ على مُلكِ سُلَيمانَ وما كَفرَ سُليمانُ ولكنّ الشياطينَ كفروا يُعلّمونَ الناسَ السحرَ وما أُنزِلَ على الملكَينِ ببابلَ هاروتَ وماروتَ، وما يُعلّمانِ من أحدٍ حتى يَقولا إنما نَحنُ فِتنةٌ فلا تكفُرْ فيتعلمونَ منهما ما يُفرّقونَ بِهِ بينَ المرءِ وزوجِه ، وماهُم بضارّينَ بِهِ من أحدٍ إلا بإذنِ اللهِ ويتعلمونَ ما يضرّهُم ولا ينفعُهُم ولقد عَلِموا لِمَن إشتراهُ ما لَهُ في الآخرةِ من خَلاق ولَبِئْسَ

الذنوب الكبيرة - 2 80


ما شَرَوا بِهِ أنفُسَهُم لو كانوا يَعلَمُون» « 102/البقرة» .
ولا يبقى خفيا ان هناك روايات مجعولة ذكرت في بعض تفاسير العامة، وخرافات واضحة الكذب ، وواقع الأمر فيما يتعلق بهاروت وماروت هو ما ذكر في حديث الإمام الرضا « عليه السلام » مع المأمون ، حيث قال «عليه السلام»:
(وأما هاروت وماروت فكانا مَلَـكين علّما الناس السحر ليحترزوا به سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم ، وما علّما أحدا من ذلك شيئا حتى قالا إنما نحن فتنة فلا تكفر ، فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه، وجعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء وزوجه).
قال تعالى « وما هُم بضّارينَ بِهِ من أحدٍ إلا بإذن الله» يعني بعلمه.
وحيث ان قضية هاروت وماروت نقلت من طرف الشيعة ببعض الإختلاف، وايضا ذكرت في تفسير مجمع البيان ، قال بعض الأكابر انها من القضايا الرمزية ، وذكروا لها تأويلا، من ذلك ما نقل في (بحار الانوار) عن بعض المفسرين انه قال : ان المراد بالملكين المذكورين الروحُ والقلب ، فإنهما من العالم الروحاني أُهبطا الى العالم الجسماني لإقامة الحق، فافتتنا بزهرة الدنيا ، ووقعا في شبكة الشهوة فشربا خمر الغفلة وزنيا ببغي الدنيا، وعبدا صنم الهوى، وقتلا نفسهما بحرمانهما من النعيم الباقي ، فاستحقا أليم النكال ، وفظيع العذاب.
ومن هذا القبيل روايات لايمكن قبول ظاهرها، وبناءا على ذلك فان ما وصل من الائمة «عليهم السلام»علمه عندهم، ويقول الشيخ الصدوق ان (زهرة ، وسهيل) التي وردت في الروايات انهما من الممسوخات المراد بهما نوعان من الحيوانات البحرية يطلق عليهما هذان الإسمان ، لا انهما نجمان سماويان.
يعرف من الآية الشريفة المتقدمة ان السحر بمنزلة الكفر ، وليس للساحر اي نصيب في الآخرة ، كما يقول تعالى في الآية اللاحقة: « ولو أنهم آمنوا واتقَوا لَمثوبةٍ

الذنوب الكبيرة - 2 81


من عندِ اللهِ خيرٌ لو كانوا يعلمون» «103/البقرة».

السحر وروايات اهل البيت «عليهم السلام»:

قال رسول الله «صلى الله عليه واله»: (ثلاثة لا يدخلون الجنة:
مدمن الخمر ، ومدمن سحر ، وقاطع رحم ) «وسائل الشيعة».
وعن امير المؤمنين «عليه السلام:»
(من تعلم شيئا من السحر قليلا او كثيرا فقد كفر ، وكان آخر عهده بربه ، وحدّهُ أن يقتل إلا ان يتوب) «وسائل الشيعة».
وعن امير المؤمنين «عليه السلام» انه قال:
(الساحر كالكافر في النار) «وسائل الشيعة».
وقال أمير المؤمنين «عليه السلام»:
(أقبلت امرأة الى رسول الله «صلى الله عليه واله» فقالت ان لي زوجا وبه غلظة علي وإني صنعت شيئا لأعطفه علي؟
فقال لها رسول الله « صلى الله عليه واله» أفٍ لك كدرت البحار ، وكدرت الطين ولعنتك الملائكة الأخيار ، وملائكة السماء والارض.
قال «عليه السلام»: فصامت المراة نهارها، وقامت ليلها، وحلقت رأسها، ولبست المسوح فبلغ ذلك النبي «صلى الله عليه واله» فقال «صلى الله عليه واله» : ان ذلك لا يقبل منها «الفقيه».
وقد ذكر المحدث الفيض الكاشاني في شرح هذا الحديث ان معناه عدم قبول هذه الأعمال منها في الظاهر، ولا تدفع إجراء حد الساحر عليها وهو القتل، حتى اذا كانت توبتها مقبولة في الواقع.
ويحتمل ان يكون السبب في عدم قبول توبتها انها ظلمت زوجها حيث سحرته ومادام غير راض عنها فان توبتها غير مقبولة.
ويحتمل ايضا ان تكون هذه الجملة اشارة الى عظمة ذنب السحر بحيث لا تتداركه

الذنوب الكبيرة - 2 82


كل تلك الأعمال، وان الساحر يبتعد عن الله حتى لا تقربه تلك العبادات.
وقال رسول الله عليه واله»:
(من مشى الى ساحر او كاهن او كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل الله من كتاب) «وسائل الشيعة».

حد السحر القتل:

يجب قتل الساحر المسلم إلا ان يتوب، واما الساحر الكافر فلا يقتل وانما يؤدبه الحاكم الشرعي بما يراه مناسبا.
عن الإمام الصادق«عليه السلام» انه قال:
(الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على أم رأسه)«الكافي».
وروي عن رسول الله «صلى الله عليه واله» انه سئل عن حكم السحر فقال «صلى الله عليه واله» :
(اذا جاء رجلان عادلان فشهدا عليه حَل دمه) «التهذيب».
وقال ‍«صلى الله عليه واله»: ساحر المسلمين يقتل، وساحر الكفار لا يقتل، قيل: يا رسول الله ولم؟
فقال « صلى الله عليه واله» : لأن الكفر أعظم من السحر، ولأن السحر والشرك مقرونان «الكافي» ومعناه انه اذا كان الكافر غير الحربي لا يقتل بسبب كفره، فبطريق اولى لا يقتل بسبب سحره ، لان الكفر اعظم من السحر.
واما ساحر المسلمين فيقتل لأنه اقترب من الشرك.

حقيقة السحر واقسامه وملحقاته:

الكهانة
الشعبذة
التسخير

الذنوب الكبيرة - 2 83


القيافة
التنجيم
1ـ السحر:


يقول المرحوم السيد الأصفهانى في(وسيلة النجاة):
)المراد به ـ السحر ـ ما يعمل من كتابة او تكلم او دخنة او تصوير او نفث اوعقد ونحو ذلك بحيث يؤثر في بدن المسحور او قلبه اوعقله ، فيؤثر في إحضاره اوإنامته اوإغمائه او تحبيبه اوتبغيضه ونحوذلك).
كتب ـ العلامة الطباطبائي ـ في (تفسير الميزان ) مطالب جالبة ضمن تفسير الآية(102) من سورة البقرة، ننقلها فيما يلي:

(بحث فلسفى)

من المعلوم وقوع أفعال خارقة للعادة الجارية للمشاهدة والنقل ، فقلما يوجد منا من لم يشاهد شيئا من خوارق الأفعال او لم ينقل اليه شيء من ذلك ـ قل او كثرـ الا ان البحث الدقيق في كثير منها يبين رجوعها الى الاسباب الطبيعية العادية، فكثير من هذه الافعال الخارقة يتقوى بها اصحابها بالإعتياد والتمرين كأكل السموم وحمل الاثقال والمشي على حبل ممدود في الهواء الى غير ذلك وكثير منها تتكيء على اسباب طبيعية مخفية على الناس مجهولة لهم كمن يدخل النار ولا يحترق بها من جهة طلائه الطلق ببدنه أو يكتب كتابا لا خط عليه ولا يقرؤه إلا صاحبه، وإنما كتب بمايع لا يظهر الا اذا عرض الكتاب على النار وغير ذلك. وكثير منها يحصل بحركات سريعة تختفي على الحس لسرعتها فلا يرى الحس إلاانه وقع من غير سبب طبيعي كالخوارق التي يأتي بها اصحاب الشعبذة، فهذه كلها مستندة الى اسباب عادية مخفية على حسّنا او غير مقدورة لنا لكن بعض هذه الخوارق لا يحلل إلى ألأسباب الطبيعية الجارية على العادة كالإخبار عن بعض المغيبات، وخاصة ما يقع منها في

الذنوب الكبيرة - 2 84


المستقبل وكأعمال الحب والبعض وألعقد الحل والتنويم والتمريض وعقد النوم وألإحضار والتحريكات بالإرادة مما يقع من ارباب الرياضات وهي امور غير قابلة للإنكار، شاهدنا بعضا منها ونقل الينا بعض اخر نقلا لا يطعن فيه ، وهو ذا يوجد اليوم من اصحابها بالهند وايران والغرب جماعة يشاهد منهم انواع من هذه الخوارق والتأمل التام في طرق الرياضات المعطية لهذه الخوارق والتجارب العملية في اعمالهم وإرادتهم يوجب القول بانها مستندة الى قوة الإرادة والإيمان بالتاثير على تشتت انواعها، فالإرادة تابعة للعلم والإذعان السابق عليه، فربما توجد على اطلاقها وربما توجد عند وجود شرائط خاصة ككتابة شيء خاص بمداد خاص في مكان خاص في بعض أعمال الحب والبغض أو نصب المرآة حيال وجه طفل خاص عند إحضار الروح او قراءة عوذة خاصة الى غير ذلك، فجميع ذلك شرائط لحصول الإرادة الفاعلة، فالعلم اذا تم علما اعطى للحواس مشاهدة ما قطع به ، ويمكنك ان تختبر صحة ذلك بان تلقن نفسك ان شيئا كذا اوشخصا حاضرا عندك تشاهده بحاستك ثم تتخيله بحيث لا تشك فيه ولا تلتفت الى عدمه ولا الى شى غيره فانك تجده امامك على ما تريد، وربما توجد في الآثار معالجة بعض الاطباء للأمراض المهلكة بتلقين الصحة على المريض.
واذا كان الأمر على هذا فلوقويت الإرداة أمكنها ان تؤثر في عير الانسان المريد نظير ما توجده في نفس الانسان المريد اما من غير شريط وقيد او مع شئ من الشرائط .
ويتبين بما مر أمور:
أحدها:

ان الملاك في هذا التأثير تحقق العلم الجازم من صاحب خرق العادة، واما مطابقة هذا العلم للخارج فغير لازم كما كان يعتقده اصحاب تسخير الكواكب من الأرواح المتعلقة بالأجرام الفلكية ، ويمكن ان يكون من هذا القبيل الملائكة والشياطين الذين

الذنوب الكبيرة - 2 85


يستخرج اصحاب الدعوات والعزائم اسماءهم ويدعون بها على طرق خاصة عندهم، وكذلك ما يعتقده اصحاب إحضار الأرواح من حضور الروح فلا دليل لهم على ازيد من حضورها في خيالهم اوحواسهم دون الخارج وإلا لرآهُ كل من حضر عندهم وللكل حس طبيعي، وبه تنحل شبهة أخرى في إحضار روح من هو حي في حال اليقظة مشغول بأمره من غير ان يشعر به والواحد من الانسان ليس له إلا رواح واحدة، وبه تنحل ايضا شبهة اخرى وهي ان الروح جوهر مجرد لا نسبة له الى زمان ومكان ودون زمان ومكان، وبه تنحل ايضا شبهة ثالثة وهي ان الروح الواحدة ربما تحضر عن احد بغير الصورة التي تحضر بها عند آخر وبه تنحل ايضا شبهة رابعة وهي : ان الأرواح ربما تكذب عند الإحضار في اخبارها وربما يكذب بعضها بعضا.
فالجواب عن الجميع: ان الروح انما تحضر في مشاعر الشخص المحضّر لافي الخارج منها على حد ما نحس بالأشياء المادية الطبيعية.
ثانيها:


ان صاحب هذه الإرادة المؤثرة ربما يعتمد في إرادتة على قوة نفسه وثبات انيته كغالب اصحاب الرياضات في ارادتهم فتكون لا محالة محدودة القوة مقيدة الأثر عند المريد وفي الخارج، وربما يعتمد فيه على ربه كالانبياء والاولياء من اصحاب العبودية لله وارباب اليقين بالله فهم لا يريدون شيئا الا لربهم وبربهم، وهذه إرادة طاهرة لا استقلال للنفس التي تطلع هذه الارادة منها بوجه ولم تتلون بشيء من الوان الميول النفسانية ولا اتكاء لها الاعلى الحق فهي إرداة ربانية غير محدودة ولا مقيدة .
والقسم الثاني ان اثرت في مقام التحدي كغالب ما ينقل من الأنبياء سميت آية معجزة وان تحققت في غير مقام التحدي سميت كرامة او استجابة دعوة ان كانت مع دعاء، والقسم الاول ان كان بالإستخبار والإستنصار من جن او روح او نحوه سمى كهانة وان كان بدعوة او عزيمة او رقية او نحو ذلك سمي سحرا.

الذنوب الكبيرة - 2 86


ثالثها:


ان الأمر حيث كان دائرا مدار الإرادة في قوتها وهي على مراتب من القوة والضعف أمكن ان يبطل بعضها اثر البعض كتقابل السحر والمعجزة او ان لا يؤثر بعض النفوس في بعض اذا كانت مختلفة في مراتب القوة وهو مشهور في اعمال التنويم والإحضار ، هذا وسيأتي شطر من ألكلام في ذلك.

«بحث علمى»

العلوم الباحثة عن غرائب التأثير كثيرة والقول الكلي في تقسيمها وضبطها عسير جدا،وأعرف ماهو متداول بين أهلها ما نذكره: منها (السيمياء) وهوالعلم الباحث عن تمزيج القوى الإرادية مع القوى الخاصة المادية للحصول على غرائب التصرف في الأمور الطبيعية،ومنه التصرف في الخيال المسمى بسحر العيون ، وهذا الفن من أصدق مصاديق السحر، ومنها (الليمياء) وهو العلم الباحث عن كيفية التأثيرات الإرادية باتصالها بالأرواح القوية كالأرواح الموكلة بالكواكب... ومنها (الهيمياء) وهو العلم الباحث عن تركيب قوى العالم العلوي مع العناصر السفلية للحصول على عجائب التأثير وهو الطلسمات...
ومن العلوم الملحقة بما مر علم الاعداد والاوفاق وهو الباحث عن ارتباطات الاعداد والحروف للمطالب ووضع ألأعداد او الحروف المناسبة للمطلوب في جداول مثلثة او مربعة...
ومنها (الخافية) وهو تكسير حروف المطلوب او ما يناسب المطلوب من الأسماء واستخراج اسماء الملائكة او الشياطين الموكلة بالمطلوب والدعوة بالعزائم المؤلفة منها للنيل على المطلوب...
ومن الفنون الملحقة بها الدائرة اليوم التنويم المغناطيسي وإحضار الأرواح وهما كما مر من تأثير الإرادة والتصرف الخيال ... انتهى.

الذنوب الكبيرة - 2 87


2 ـ الكَهانـَةُ:


الكهانة هي الإخبار عن الأمور المستقبلية والتنبؤ بها إعتقادا بوصولها من بعض طوائف الجن، او بمقدمات واسباب تنبؤهم بالمستقبل ، مثل ان يكتشف من خلال كلمات وحالات وتصرفات السائل بعض ألأمور ألآتية، أو الخفية ، وذكر صاحب (النهاية) ان هذا القسم من الكهانة يقال له العرافة.
إلا ان مشهور الفقهاء يرون ان الكاهن هو من لديه رفيق من الجن يخبره بالأمور الخفية، مثل معرفة موضع المال المسروق او معرفة السارق ، او مكان المال الضائع ، او تشخيص القاتل، او يخبره بالأمور المستقبلية بنحو التنبؤ.
والكهانة حرام بإتفاق جميع الفقهاء ، كما ان تعلم السحر، وتعليمه وعمله، والذهاب للكاهن لأجل التكهن حرام ايضا، بل ذكر بعض الفقهاء ان الكهانة من أقسام السحر.
روي عن الإمام الصادق «عليه السلام»
(من تكهن او تكهن له فقد بريء من دين محمد «صلى الله عليه واله») « الخصال»
وفي صحيحة الحسن بن محبوب عن الهيثم قال:
قلت لأبي عبدالله «عليه السلام»:
ان عندنا بالجزيرة رجلاً ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشئ يسرق او شبه ذلك أفنسأله؟
فقال «عليه السلام»: قال رسول الله «صلى الله عليه واله» من مشى الى ساحر او كاهن او كذاب يصدقه فيما يقول فقد كفر بما انزل الله من كتاب.
يقول الشيخ الأنصاري في المكاسب:
(وظاهر هذه الصحيحة ان الإخبار عن المغيبات على سبيل الجزم محرم مطلقا سواءا كان بالكهانة او بغيرها).
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» في حديث انه عَد من السُحت أجر الكاهن.

الذنوب الكبيرة - 2 88


ومثل ذلك روي عن امير المؤمنين «عليه السلام» «المستدرك»

صلاح الناس في عدم معرفة الأمور المستقبلية:

يجب ان يعلم ان الحكمة والمصلحة في تحريم الكهانة ونظائرها هي ان الله الحكيم تعالى لم يرد ان يطلع الناس على المغيبات وعلى الحوادث المستقبلية، وصلاحهم في جهلها، لأنها اذا كانت حسنة وموافقة لميولهم فان مجرد العلم بها لا يعجل حدوثها ، بل لعل حدوثها مشروط بالإتيان ببعض الأعمال الصالحة كالدعاء والصدقة وسوف يحرم ألإنسان منها نتيجة عدم إتيانه بتلك ألأعمال . واذا كانت تلك الحوادث المستقبلة من الأمور السيئة وعلى خلاف ميول الشخص فسوف ينزعج شديدا لعلمه بها، مع انه من المحتمل ان لا تكون حتمية الوقوع ، ويمكن ان يقع فيها البداء وما اكثر الحوادث المترقبة التي تندفع ببركة الدعاء والصدقة واعمال الخير، مثل اندفاع البلاء عن قوم يونس بعد اقترابه، بسبب التوبة والدعاء كما ذكر تعالى ذلك في القرآن الكريم (1).
وروي في كتاب (الاحتجاج) عن الامام الصادق «عليه السلام» حديث خلاصته انه بعد ان منع الجن والشياطين من صعود السماء ـ اي بعد ولادة رسول الله«صلى الله عليه واله» ـ تعذر عليهم ان يحصلوا على اخبار الامور السماوية، ولم يمكنهم ان يخبروا إلا عن بعض الامور الجزئية الأرضية وبنحو ناقص، ومن ناحية ثانية فانه كما يوجد بين البشر صادقون وكاذبون فكذلك في طائفة الجن.
وعلى ذلك يمتنع الإعتماد على قول الكاهن.)

(1) في قوله تعالى « وإنّ يُونُسَ لَمِنَ المُرسلين، إذ أبقَ الى الفُلكِ المَشحونِ ،فساهَمَ فكانَ المُدحَضينَ، فإلتقَمَهُ الحوتُ وهوَ مُليم، فلولا أنّهُ كانَ مِنَ المُسبّحينَ، للبثَ في بطنهِ الى يومِ يُبعثون» ـ السورة 37 ـ الآية 139 ـ 144ـ
« وذا النونِ إذ ذهبَ مُغاضباً فظنّ أن لن نَقدِرَ عليه فنادى في الظلماتِ أن لا إلهَ إلا أنتَ سُبحانكَ إني كُنتُ مِنَ الظالمين ،فاستجبنا لَهُ ونَجّيناهُ مِنَ الغمّ وكذلِكَ نُنْجي المُؤمنين » السورة /21 ـ الآية 87 ـ88
الذنوب الكبيرة - 2 89


قذارة السحر والكهانة:

ويكفي المعرفة حرمة هذا العمل القذر ما يذكره اهل المعرفة من الأعمال التي يتوقف عليها تحصيل السحر والكهانة ، من انواع الشرور والجناية، والخيانة، والتي منها ترك جميع الأمور الخيرة (1).
3 ـ الشعبذة:


الشعبذة هي ان يري شيئا لا حقيقة ولا واقع له، وذلك من خلال سرعة الحركة ـ بنحو يراه الرائي واقعا في الخارج، كما في فرارة النار حيث ترى العين دائرة كاملة من النار نظرا لسرعة حركة الفرارة في حين ان الأمر ليس كذلك في الواقع، ومثل من يركب السيارة او الباخرة فيرى كانه هو الساكن والأرض والبحر هو المتحرك.
والشعوذة حرام باتفاق جميع الفقهاء وهي من اقسام السحر كما جاء في حديث الإمام الصادق «عليه السلام» حيث عدها من اقسام السحر، كما ان التعريف الذي ذكره اهل الفن للسحر يشملها.
وعن محمد بن ابراهيم السنجاري في كتاب (إرشاد القاصد) ان السحر على قسمين منه حقيقي ومنه غير حقيقي ، كما جاءفي القرآن الكريم قوله: « سحروا اعين

(1) ينقل في احوال (ابو حفص الحداد) انه كان في البدء شابا عاشقا لأمراة جملية سلبت صبره واستقراره ، ولم يكن لدية طريق للوصول اليها، فقيل له ان في نيشابور رجلا يهوديا ساحرا يستطيع ان يوصلك لهدفك، فذهب اليه ابو حفص وشرح له حاله، فقال له اليهودي عليك ان تترك العبادة ، وجميع اعمال الخير مدة اربعين يوما حتى استطيع ان اوصلك بسحري الى غرضك، فقبل منه ابو حفص ذلك وعمل بما أوصاه.
وبعد أربعين يوما عاد الى اليهودي ، فلم يؤثر سحره شيئا، فقال له : لقد صدر منك خلال هذه المدة عمل صالح منع سحري من التأثير فانظر ماذا عملت؟
فقال ابو حفص: لم افعل خلال اربعين يوما اي عمل خير نعم يوما ما كنت ماشيا في الطريق فنحيت حجارة كانت فيه كي لا يعثر بها أحد.
فقال له اليهودي: هذا الرب الذي عصيته اربعين يوما ثم لم يضيع بكرمه هذا المقدار من جهدك ـ اي انه قبل منك هذا العمل القليل فمنع سحري من التأثير ـ لا يليق بك ان تجر يدك عن طاعته.
فكان لهذا الكلام اثره في (ابي حفص الحداد) ورجع الى طاعة الله حتى حار من اصحاب الكرامات.

السابق السابق الفهرس التالي التالي