لقد شيعني الحسين (ع) 352

لاتباع عمر وترك الرسول .
وهل الرسول يقارن بعمر . وهل (رأي) عمر أصوب من (وحي) محمد .
قال : المهم ، إن الرسول صلى الله عليه وآله أمر في حديث له أن نتبع عمر .
هذا هو الموقف الذي يحسه كل عامي في نفسه . وكلما سدت في وجوههم الأبواب ، كشفوا عن هذه الحقيقة ، لأن الفكر الأساسي الذي يقوم عليه اعتقادهم ، هو فكر مضبب .
، ليس عند أي (عامي) فكر متناسق عن كل القضايا التي تعرضنا لها ، سوى ركام من التبريرات الأدبية ، المطرزة بالحوقلات والتهليلات .

لقد شيعني الحسين (ع) 353

ليس كل الصحابة عدول

تحرم الشريعة الإسلامية (التقليد) في الاعتقاد . ذلك لأن العقيدة لا تورث بل تبحث فهي قناعة واستيعاب .
وإذا أردنا أن نبحث في قضية الاعتقاد نحتاج إلى التاريخ أي إلى الأرضية الزمنية التي تحرك فيها الاعتقاد الإسلامي ككل . وسنضطر حتما إلى بحث الموضوع (الصحابي) فيكون البحث عن الصحابي جزءا لا يتجزأ من بحث الاعتقاد . لأن لهذا وذاك علاقة تاريخية لا بد من فرزها .
وعندما نبحث في الصحابي ، كضرورة لبحث الاعتقاد ، سنصطدم بمجموعة العورات والانحرافات .
وهذا الانحراف لا يعني تعرضا للصحابي ، بقدر ما يعني الوصول إلى الحقيقة ، والذي يبحث عن الاعتقاد الصحيح غير الملفق ، يلزمه عدم تغطية تلك الانحرافات وعدم تبريرها .
ذلك مثلا . يحاول البعض أن يغطي عن أبي هريرة ، ويعتقد بأحاديثه الداعية إلى الجبر ولا يمكن فهم هذا الانحراف إلا بالكشف عن انحراف أبي هريرة) .
كما أن وضع الصحابي تحت المجهر التاريخي ، لا يعني بالضرورة (سبا) للصحابي .

لقد شيعني الحسين (ع) 354

وفي حديث (لا تسبوا أصحابي) لفتة يجب الوقوف عندها .
أولا : لا تسبوا أصحابي ، لا علاقة له بالبحث التاريخي الموضوعي عن الصحابي .
ثانيا : إن هذا الحديث كما ورد في مرويات السنة ، جاء كتوبيخ لخالد بن الوليد لما تعرض لعمار بن ياسر وسبه . فقال الرسول صلى الله عليه وآله لخالد : لا تسبوا أصحابي .
فالكلام موجه لخالد ، وهو دليل على أن خالدا ليس صحابيا بمفهوم الحديث .
وأن صحابة الرسول صلى الله عليه وآله ليسوا هم الذين عاصروه وصلوا وراءه . بل هم فئة خاصة .
وإذا تبين أن الصحابة ، كانوا أكثر اختلافا في عهد رسول الله وأكثر تمردا عليه في بعض المواقف ، سوف نفهم تبعا لذلك طبيعة انحراف بعضهم ، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله .

لقد شيعني الحسين (ع) 355

بعض الصحابة ، سيرتد بالنص

روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند سهل بن سعد ، والحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول (أنا فرطكم على الحوض ، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ ، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثم يحال بيني وبينهم) (21) .
وجاء في الصحيحين البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس ، قال : ألا إنه سيجاء برجال من أمتي ، فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب أصحابي؟
فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ، فلما توفيتني كنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيد . إن تعذبهم فإنهم عبادك ، قال : فيقال لي : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم .
وروى البغوي في المصابيح ، كما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما :
قال الرسول صلى الله عليه وآله أنا فرطكم على الحوض ، من مر علي شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدا ، وليردن على أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثم يحال بيني وبينهم ، فأقول :

(21) صحيح البخاري ومسند أحمد .
لقد شيعني الحسين (ع) 356

إنهم أمتي؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول :
سحقا سحقا لمن غير بعدي .
وقد روي هذا الحديث بطرق مختلفة وأسانيد شتى ، واكتظت به صحاح السنة ، وهذا كلام صريح على بطلان مقولة (كلهم عدول) ما دام الكثير منهم بشاهدة النص ، سيدخلون النار! .
أما القرآن الكريم وهو المصدر الأول للمعرفة الإسلامية ، يعلمنا أن الصحابة ليسوا كلهم عدول بل فيهم من يستحق العذاب .
تحدث القرآن عن الصحابة يوم حنين وإعجابهم بكثرتهم ظانين أنها ستغني عنهم شيئا :
« ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ، ثم وليتم مدبرين » (التوبة : 25) .
ويذكر صاحب التفسير الكبير والآلوسي وصاحب الدر المنثور . أن الكثير من الصحابة ولوا مدبرين ، تاركين الرسول صلى الله عليه وآله وراءهم بين يدي العدو وكل ذلك طمعا في البقاء وهذه الآية ليس فيها (نظر) حتى يحاول العامة تحريفها أو نفيها مع وضوحها وقطعها في انكسار الكثير من الصحابة وفرارهم في الزحف .
وكان من الصحابة من يتهم الرسول صلى الله عليه وآله في الصدقات ، كما جاء في صحيح البخاري والدر المنثور : أن أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين ، حيث أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء وطفق رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل ، فقالوا : يغفر الله لرسول الله ، يعطي قريشا ، ويتركنا ، وسيوفنا تقطر من دمائهم .
وقال تعالى : « ومنهم من يلمزك في الصدقات » (التوبة : 58) .
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين وابن ماجة في سننه عن عائشة عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال :

لقد شيعني الحسين (ع) 357

إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف : لكن كما أمرنا الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أو غير ذلك ، تتنافسون ، ثم تتحاسدون ، ثم تتدابرون ، ثم تتباغضون) .
هؤلاء هم الصحابة كما عرفهم العامة من دون محددات تضبط مفهوميتهم .
ولذا يجب أن نتحلى بروح الشجاعة ، جريئة ، أي بنفسية مهذبة سليمة غير متشنجة ، تقتضي التضحية ببعض التقديسات التي هي في الأصل ، عين الأزمة) .
غابت الأزمة ، وكان من المفروض أن لا تغيب عن المنقب ولكن السبب الرئيس لغيابها وتعسرها ، أن المؤرخ المتشنج يبحث عنها بعيدا عن جذورها ، في الوقت الذي تكمن المشكلة في ذات الأشخاص الذين تربطه بهم رابطة غيبية مقدسة لها مشروعيتها في نفوسهم أكثر مما هي في (النص)!! .

لقد شيعني الحسين (ع) 358




لقد شيعني الحسين (ع) 359

مفهوم الإمامة

سأنطلق هنا من نقطة لدي فيها وجهة نظر تاريخية ، هي إن نظرية الإمامة والخلافة ، تبلورت بشكل أكثر دقة عند الشيعة منه عند السنة . والسبب في ذلك راجع إلى ، أن مواقف الخلفاء تناقضت في ممارسة (الإمامة) وتعاطت ، بأشكال مختلفة ومتناقضة ، مع مسألة الخلافة .
فالمفهوم الشوري الذي يتسع في المنظور السني إلى مسألة الخلافة ، لم لكن ثابتا سواء في فكر السنة أو ممارساتهم .
ففي النص السني ، تتوزع مسألة الخلافة بين البعد الشوري والبعد التنصيبي ، بالقياس على نص (مروا أبا بكر فليصل بالناس) وكانت هذه الأخيرة هي شعار (السقيفة)! .
بينما ظلت المسألة ثابتة في الفكر الشيعي منذ البداية فهي الخلافة بواسطة (النص) وفي حدود - بني هاشم) وكان لهذا الثبات المفهومي ، الفضل في انتصارات الشيعة ، الكلامية ، على خصومهم ، مستفيدين من الشرخ الحاصل لدى العامة في نظرية الإمامة ، والتنوع والتناقض الذي حكم قضية الخلافة في الفكر السني .
لقد تبلورت المواقف بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله بشكل سريع . بحيث لم تبق فرصة للهاشميين في إبداء رأيهم .

لقد شيعني الحسين (ع) 360

استغل أصحاب الرأي ، غباء العامة في السقيفة - أي الرعاع ، وأرهبوا - الخاصة مثل سعد بن عبادة ، وعمار و . . والهاشميين - هذا يعني أن الأمر كان معدا سلفا ومسبقا .
والهاشميين كانت لديهم منذ البداية نصوص قاطعة .
والسقيفة ، مؤتمر قائم أساسا على مخالفة النص . لأنه لو أطيع أمر الرسول صلى الله عليه وآله في تجهيز . جيش أسامة . لما كانت لهم فرصة في إقامة مثل هذه المؤتمرات . وعندما يقول الرسول (لعن الله من تخلف عن جيش أسامة) يترتب عليه ، أن اللعنة على ما قام على لعنة (التخلف عن جيش أسامة) . بمعنى أن السقيفة قائمة على (اللعنة) . وإذا أردنا أن نخضعها لأسلوب الأحكام . فإن كلمة الرسول صلى الله عليه وآله تثبت أن الأمر واجب ، وأن التخلف عنه حرام . وما دامت السقيفة قائمة على حرمة التخلف عن جيش أسامة ، ترتب عليه حرمة السقيفة ، وذلك من باب أن المبنى على الحرام حرام! .
قلت إن الإمامة عند أهل السنة ، خاضعة للمزاج والرأي ، ولم تكن لهم فيها نظرية وحتى (قاعدة) الشورى التي تحدثوا عنها لم تكن (مؤسسة) يومها . بل كل ما في الأمر ، وضعها اللاحقون . أما المسألة في واقعها التاريخي ، كانت تتأرجح بين أشكال من (التنصيب) ونحن هنا سنعرض وجهة نظر كل من الشيعة والسنة في مسألة الخلافة . لنقف على الثغرات التي تحتوي عليها ووجهة النظر العامية حول المسألة :

أهل السنة ، والخلافة :

مع أن الخلافة في واقعها التاريخي ، لم تكن متبلورة في شكل نظرية عند أهل السنة ، إلا أن المتأخرين منهم استطاعوا أن يضعوا لها مبررات فكرية بسيطة ومحدودة .
يعتقد أهل السنة ، بأن الخلافة ، شأن من شؤون الدنيا ، يتحقق بالاتفاق .
وحيثما ورد الاتفاق تجب البيعة . ولم يعتبروها من أصول الذين ، فهي إذن من فروعه ، وشذت بعض مذاهبهم ، إذ جعلتها غير واجبة ، وبأن السقيفة كانت نموذجا للشورى . من دون أن يركزوا على ملابساتها . ويستندون إلى قوله تعالى :

لقد شيعني الحسين (ع) 361

« وأمرهم شورى بينهم » .
ولم يشترط السنة العصمة في الإمام . بل وجوزوا إمامة الفاسقين . وأوجبوا الطاعة مع الفسق يقول الباقلاني في التمهيد : قال الجمهور من أهل الإثبات .
وأصحاب الحديث : لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه ، بغصب الأموال ، وضرب الأبشار ، وتناول النفوس المحرمة ، وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود ، ولا يجب الخروج عليه .
ولا يشترط السنة (الأفضلية) في الإمام . فقالوا بجواز تقديم المفضول على الأفضل . والواقع ، هو أن المفهوم الذي (فبركه) أهل السنة عن الخلافة ، إنما كان استقراء لوضع فاسد ، هو (السقيفة) . فمن الأمر الواقع الذي جرى فيها ، استقرأوا مفهوم الشورى وعدم النص . . . ومن الفساد والفسق الذي أحصاه التاريخ على بعض الخلفاء ، أن ارتأى الابقاء على الخليفة الفاسق! وأي عاقل ، يملك وجدانا سليما ، ووعيا بالدين عميقا . يمكنه هضم هذه المحددات التي وضعها السنة للخلافة .

مبعث الإمام عند الشيعة

لما كانت الإمامة ضرورة لتنظيم حياة المسلمين وفق أحكام الله ، حيث بها يستقيم . أمر المسلمين ، دنيا وآخرة . عدها الشيعة أصلا من أصول الدين . وعليه فإنها تعتبر من الأمور التوقيفية التي يحددها البارئ جل وعلا . تماما مثلما النبوة .
أمرا توقيفي منوط باختيار الله عز وجل لأنها تشكل ضرورة لهداية الناس . وما دامت الإمامة هي الامتداد الشرعي للنبوة فإنها تبقى خارج دائرة الشؤون التي يبت فيها الناس . والإمامة ليست شأنا من شؤون الدنيا فقط . بل شأن من شؤون الآخرة أيضا وعليه ، فإن الإمامة تخضع لمجموعة شروط ، تنسجم مع هذا الشأن .
وحيث إن الشأن الأخروي يتطلب الصفات الفاضلة والعليا . فإن البشر عاجزون عن اكتشاف الأجدر في هذا الشأن . أو قد تحول دونهم وذلك عوامل أخرى نفسية وسياسية ، كما جرى في التاريخ الإسلامي . ولو كان الأجدر في هذا

لقد شيعني الحسين (ع) 362

الشأن يدرك مباشرة ، لخول الله للبشر اختيار الرسل والأنبياء ، والقرآن قد تحدث عن طبيعة المقاييس التي كان يملكها المشركون في اختيار جدارة النبي صلى الله عليه وآله فكانوا يرون مشيه في الأسواق وأكله الطعام ، ينافي النبوة . كما رأوا في فقره ويتمه ما ينافي مقام الرسالة ، وقالوا لولا ورد علينا رجل من القريتين عظيم ، ولو أنزل الله علينا ملكا و . و . .
وبسبب قصور المقاييس وضبابية المنظار الذي كان ينظر منه الإنسان إلى النبوة . كان من الطبيعي أن يستأثر الله باختيار أنبيائه . ونفس الشئ لما رأى بنو إسرائيل في اختيار الله للملك طالوت ما لا ينسجم مع مقاييسهم لمفهوم الملك فقالوا : (أنى يكون لنا الملك علينا ونحن أحق بالملك منه) ، وهناك أسباب كثيرة ، عقلية وشرعية ، تجعل من هذا الاختيار أمرا مستحيلا :
1 - إن الدين شأن من شؤون الله . وإن الأجدر دينا ، لا يمكن إن يكتشفه من هو دونه . ولذلك يلزم أن يختاره الله .
2 - إن الناس قد يرفضون الإمام لعدله وتقواه إذا أدركوا عدم ركونه إلى أهدافهم . وقد يختارون من يرون فيه لينا وانكسارا . وقد يميلون مع من يكسرهم إليه بالقوة . وتاريخ الخلافة كما سبق ذكره ، كان دليلا قاطعا على ذلك .
3 - إن رسالة الرسول كما تركها ، لا يمكنها حل مشكلات الناس في كل الأزمنة والعصور . وهي تحتاج إلى من يستخرج منها الأحكام ، ويوفر لكل مشكلة حلا فقهيا حاسما . ولذلك يلزم أن يعين الله من هو أجدر بهذه المهمة حتى لا تبقى على الله حجة للذين لم يعايشوا الرسل . والمستوعب للأحكام الفقهية اليوم ، يدرك أنها تكاد تخلو من الحسم ، وليس من العقل ، أن يترك الله دينه ، لرأي من يختارهم الناس ، على قصورهم . ولعل كل هذه التناقضات دليلا على الفراغ الذي تركته الإمامة في حياة المسلمين .
وحيث إن الإمام هو لطف من الله ، يوجه الناس إلى طريق الطاعات ، وينهاهم عن سلوك المعاصي ويقضي للمظلوم وينتصر من الظالم . ويقيم الحدود والفرائض ، ويصدر الأحكام في المفسدين . فلو جاز أن يعصي - لكان هو

لقد شيعني الحسين (ع) 363

بالأحرى في حاجة إلى إمام يرشده ويوجهه إلى الطاعة ويقيم عليه الحد في الأمور التي قد يعصي فيها . وذلك كله على خلاف أهل السنة الذين لا يرون مانعا من تجويز ، إمامة الفاسق كما تقدم . وإذا كان من لطفه أن بعث للناس نبيا معصوما عن الصغائر والكبائر . لا ينطق عن الهوى ، يعلمهم الكتاب والحكمة . ويقضي بينهم ويحملهم على الطاعات . كان إذا من لطفه أيضا أن يترك للناس إماما معصوما لا يخطأ في الأحكام ، ولا تجوز عليه المعاصي .
وإذا لم يكن الإمام معصوما ، جاز له أن يضل الأمة في لحظة جهله وعصيانه ، وكان أبو بكر يقول فيما اشتهر عنه : إن لي شيطانا يعتريني .
فإذا احتاجت الأمة إليه في اللحظة التي يعتريه فيها الشيطان . فمن المؤكد أن يضلها ، ولم يبق الإمام عندئذ حجة لله على العباد . ولكان هو في تلك اللحظة في حاجة إلى من يحمله على الطاعة ، أي إلى إمام آخر . وإذا جاز لهذا الأخير أن يخطأ أيضا ، احتاج إلى إمام آخر . ويبقى هذا التسلل ساريا إلى لا نهاية . وهذا يناقض اللطف ، لأن في التسلسل ، تكرارا لنفس الثغرة ، وهي جواز المعصية على الإمام وهذا يأباه البناء العقلائي ، والعصمة هي أن يرتفع الإمام عن الدنايا ، والامتناع عن إتيان كل القبائح عمدا وسهوا وعلى طول حياته .
لأنه لو جاز عليه أن يعصي الله في الصغيرة كيف يمتنع عن إتيان الكبيرة . وإذا كان يجهل صغيرة في الشريعة ، فكيف يتسنى له الحكم في القضية التي تعرض عليه .
وإذا جاز عليه القصور في الأحكام والجهل ببعضها ، علما أن الموضوعات والمسائل لا تتحدد بالعدد ، ولا بالمكان والزمان . لم يكن بينه والجاهل الذي يعرض عليه المسألة ، فرق في إدراك تلك المسألة . فتنتفي الحجة . وقد أورد لنا التاريخ نماذج من المسائل التي عجز الخلفاء عن حلها . واعترفوا بعجزهم . أو قالوا فيها بغير علم وخالفوا الشريعة .
وحيث إن الإمام هو أعلى مستوى في الأمة ، من حيث المهمة الشرعية . كان ضروريا أن يكون هو الأفضل على كل المستويات . خلافا للسنة الذين رأوا جواز

لقد شيعني الحسين (ع) 364

إمامة الفاسق مع وجود الفاضل ، وهو تجويز لا سند له من الشرع والعقل ، بقدر ما هو تبرير الحالة الاستخلافية التي شهدها التاريخ الإسلامي . فهي فكرة مستوحاة من واقع لا أساس له من النص .
غير أن ضرورة إمامة الأفضل تبقى هي النظرية الموضوعية المنسجمة مع العقل والشرع . فالعقل يستقبح انقياد الأعلم لمن هو دونه ، والأشرف إلى من هو دونه ودواليك .
والشرع ينهى في غير موقع عن هذه الفكرة : « هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون ، إنما يتذكر أولو الألباب » (الزمر 9) .
وقال : « أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى ، فما لكم كيف تحكمون » (يونس 35) .
وإذا نظرنا في نظرية الإمامة عند الشيعة ، وجدناها ترتكز على هذه الأسس الثلاث : .
1 - الإمامة نص .
2 - عصمة الإمام .
3 - الأفضلية .
وما دام الشيعة يرون الإمامة لأهل البيت . كان من الضروري البحث في الانسجام بين هذه الأسس الثلاثة للإمامة ، وواقع الأئمة من آل البيت وما هو الدليل العقلي والنقلي ، على إمامتهم .

1 - النص على الإمامة :

يرى الشيعة أن الإمامة تعينت بالنص . أسواء من الله تعالى أم من النبي صلى الله عليه وآله . ولهم إضافة إلى الأدلة العقلية ، أدلة نقلية قوية بهذا الخصوص .
وأريد أن أشير في هذه الفقرة إلى لفتة تكاد تتجاوزها الكتابات التاريخية والعقائدية وهي أن الأساس الذي ركن إليه عمر في بيعة أبي بكر هو النص

لقد شيعني الحسين (ع) 365

والقرابة . وقد سبق أن أوردنا تفاصيل السقيفة ، والمنطق الذي سيطر على المواقف والاختيارات فيها . وقال عمر أن الرسول صلى الله عليه وآله ، قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس . واستقرأ من خلال ذلك وجوب إمامته . غير أن في اجتهاد عمر بن الخطاب بعض الملاحظات التي تثير الاهتمام .
1 - استند عمر على القياس . وهو قياس ناقص ، لأنه لا يبين العلة من وراء الموضوع . فهو بناء على الظن والظن لا يغني عن الحق شيئا .
2 - طرح عمر إمامة أبي بكر على أساس أنها نص . مع العلم أن عمر أبى على الرسول صلى الله عليه وآله أن يكتب كتابه في أيام وفاته ، واكتفى بالقرآن . فلو كان الرسول صلى الله عليه وآله يهجر ، - أستغفر الله - فرضا ، فأولى أن نأخذ بهجرانه حتى في تأمير أبي بكر للصلاة بالناس . علما أن إمامة الصلاة ليست مهمة أقرب إلى الله من مهمة تولي غسل الرسول والصلاة على جنازته كما فعل الإمام علي (ع) وعلما - أيضا - إن الرسول صلى الله عليه وآله ، استخلف في الصلاة في البلدان من ليسوا بالأفضلين . هذا إذا أضفنا إن في رواية أمر الرسول صلى الله عليه وآله بالصلاة ، اضطراب ، وفساد في المتن والسند .
3 - عندما استند عمر بن الخطاب على فكرة القرابة . كان يستغل وضعا ليس له . وأوقع نفسه في تناقض كبير ، ذلك أن قرابة المهاجرين من الرسول صلى الله عليه وآله يلزم أن يتساوى فيها كل المهاجرين ، فكيف يكون استدلال عمر بن الخطاب بالقرابة والهجرة على المهاجرين الأول ، مثل عمار ، وأبي ذر و . . الذين عارضوا خلافته . ثم لماذا لا يتنازل . وفق هذا المنطق عن الخلافة لعلي بن أبي طالب ، وهو جمع بين السابقية والقرابة . فهو سيد المهاجرين ، وأقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وآله وأول من أسلم . ولذلك لما قيل لعلي إن المهاجرين استدلوا بالشجرة ، أي أنهم شجرة الرسول : قال : قالوا بالشجرة وتركوا الثمرة . ويعني بها آل البيت (22) ورد على منطق عمر بن الخطاب ، في كلمته الشهيرة والتي جاءت على شكل أبيات :

(22) و (23) نهج البلاغة شرح محمد عبده .
لقد شيعني الحسين (ع) 366
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم فكيف هذا والمشيرون غيب
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك أولى بالنبي وأقرب (23)

ويذكر القرآن مجموعة آيات تدل على النص في الاتجاه الذي يؤكد معقولية النص على الإمامة جاء في القرآن : « وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال . لا ينال عهدي الظالمين » (البقرة) .
والآية ، تثبت أن الإمامة تثبت بعد اختبار ، يسفر عن كفاءة الشخص ، وأهليته للإمامة ، ثم تأتي مسألة الاختيار اللدني ، ثم لما أراد إبراهيم أن يقرب ذريته . قال تعالى : « لا ينال عهدي الظالمين » وهو يوحي بأن الاختيار ليس إلا لله لا محاباة فيه ولا مشورة ولو كان منطق الإمامية في الإمامة ، غريبا عن الإسلام . فأولى بإمامة إبراهيم وغيره ممن اختار الله ، أن تكون غريبة .
وجاء في القرآن اختيار الله لطالوت ، وهو ملك وقال : « وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ، قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال » (البقرة 247) .
ولما اعترض عليه القوم قال : « إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤته ملكه من يشاء والله واسع عليم » .
وهذا إن دل فإنما يدل على أن مسألة النص والاختيار الإلهي للأوصياء ، ليس بدعا في تاريخ العقيدة الإلهية .
هذا بالإضافة إلى ما فاض به الذكر الحكيم من نماذج قرآنية ، تثبت هذا المفهوم وثبت أن الإمامة بالنص ، لآل البيت . وللإمام علي (ع) بعد الرسول صلى الله عليه وآله وتقول الإمامية ، أن الإمامة بالنص . اختصت بإثني عشر إماما كلهم من آل البيت (ع) أولهم الإمام علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي بن الحسن العسكري (ع) .
ورد في القرآن قوله تعالى :« إنما وليكم الله ، ورسوله ، والذين آمنوا ،

لقد شيعني الحسين (ع) 367

« الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة وهم راكعون »( المائدة 55) .
جاء في الصحاح الستة : وتفاسير العامة إن الآية نزلت في حق علي (ع) وتفاصيل القصة ، حسب ما رواه أبو ذر (رض) (24) قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوما صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فدفع السائل يده إلى السماء وقال :
اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله ، فما أعطاني أحد شيئا وعلي (ع) كان راكعا ، فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وآله فقال لهم إن أخي موسى سألك فقال : « رب اشرح لي صدري » إلى قوله « وأشركه في أمري » فأنزلت قرآنا ناطقا . « سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا » ، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري .
قال أبو ذر : فوالله ما أن قال رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد اقرأ « أنما وليكم الله ورسوله » . الآية وتواتر هذا الحديث ، وذكره كبار المحدثين والمفسرين من أهل السنة أنفسهم (25) .
وسنحاول القفز على حديث الدار والغدير الذي سبق أن أثرناه ، لنستعرض بعض الروايات الأخرى التي تؤكد على إمامة علي . ، وآل بيته .
قال تعالى : « إني جاعلك للناس إماما ، قال ومن ذريتي » (البقرة 122) .
روى الجمهور عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله (ص) : (انتهت الدعوة إلي وإلى علي ، لم يسجد أحدنا قط لصنم ، فاتخذني نبيا واتخذ عليا

(24) التفسير الكبير للفخر الرازي .
(25) أنظر الخصائص للإمام النسائي ، والدر المنثور للسيوطي والطبراني في الأوسط ، وفي التفسير ذكره الطبري ، والقرطبي والواجدي في أسباب النزول ، وتذكرة الخواص للسبط بن الجوزي وأحكام القرآن للجصاص ، وابن كثير في التفسير و . .
لقد شيعني الحسين (ع) 368

وصيا) (26) .
ولدى قوله تعالى « وقفوهم إنهم مسؤولون »(27) .
وذكر ابن عبد البر في قوله « واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا »(الزخرف 945) قال : إن النبي صلى الله عليه وآله ليلة أسري به جمع الله بينه وبين الأنبياء ، ثم قال ، له : سلهم يا محمد ، على ماذا بعثتم؟ قالوا : بعثنا على شهادة لا إله إلا الله . وعلى الاقرار بنبوتك ، والولاية لعلي بن أبي طالب (28) .
وذكر الجمهور عن أبي سعيد الخدري ، إن النبي صلى الله عليه وآله دعا الناس إلى علي (ع) في يوم (غدير خم) وأمر بما تحت الشجرة - من الشوك فقام ، فدعا عليا ، فأخذ بصبعيه فرفعها ، حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي (ع) ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية : « اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا » فقال رسول الله صلى الله عليه وآله (الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضي الرب برسالتي : والولاية لعلي بن أبي طالب من بعدي : ثم قال : من كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله) (29) .
ويرى الشيعة أن الإمامة ثبتت بالنص في اثنا عشر إماما . أولهم علي وآخرهم المهدي ، وأن طريقة تعيينهم تمت عن طريق النص ، من الله ، ثم نبيه فالإمام ، أي أن الإمام علي (ع) بعد أن تسلمها سلمها ابنه الحسن (ع) استجابة للنص .
والواقع التاريخي يثبت أن الأئمة (ع) ، كانوا يوصون إلى من بعدهم استنادا من أن نص منصوص والتجربة التاريخية ، تفسر عن هذا الواقع ، إن الإمام

(26) رواه ابن المغازلي في المناقب ، والكشفي الترمذي في المناقب .
(27) أخرجه الديلمي ، وابن حجر في الصواعق المحرقة .
(28) رواه الحاكم ، والخوارزمي وذكر في كنز العمال .
(29) الدر المنثور ، تفسير ابن كثير ، البداية والنهاية ، تذكرة الخواص ، ابن عساكر ، شواهد التنزيل .
لقد شيعني الحسين (ع) 369

عليا (ع) لم يستشهد حتى أوصى بها إلى ابنه الحسن . والحسن لما عقد وثيقة الصلح ، اشترط فيها عودة الخلافة إليه ، أو إلى أخيه الحسين (ع) إذا طرأ طارئ على حياة الإمام الحسن (ع) .
والإمام علي (ع) الذي عارض تداول الخلافة بين أبي بكر وعمر ، وعثمان . لم يكن ليكرر نفس الإجراء فيما لو كان الأمر لا يستند إلى مسوغات عقلية ونقلية ، تتحدد بالنص وذكرت النصوص ، أن الولاية بعد الرسول صلى الله عليه وآله لأهل البيت (ع) ومن ذلك : ما جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم ، عن زيد بن أرقم : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقممن فقال :
(كأني قد دعيت فأجبت أني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما . فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ثم قال ، إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن (ثم أخذ بيد علي فقال : من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) .
أما ما ورد في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم . فقد قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ثم قال :
(أما بعد ، ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ، ثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا لكتاب الله واستمسكوا به) فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : (وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي) .
وفي صحيح الترمذي ورد بهذه الصيغة ، عن جابر بن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في حجته يوم عرفه وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول :
(يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي) .


السابق السابق الفهرس التالي التالي