لقد شيعني الحسين (ع)




لقد شيعني الحسين
(عليه السلام)

لقد شيعني الحسين (ع)




لقد شيعني الحسين (ع)

لقد شيعني الحسين
(عليه السلام)

الإنتقال الصعب في المذهب والمعتقد

تأليف
الكاتب والصحافي إدريس الحسيني


سلسلة الكتب العقائدية (118)
إعداد
مركز الأبحاث العقائدية


لقد شيعني الحسين (ع)




لقد شيعني الحسين (ع) 7

مقدمة الناشر

رحلة الزمن التي بدأت منذ الخلق الأول لأبينا آدم (ع) مرت بالعديد من الانعطافات التاريخية التي كان لها الأثر الأكبر في صياغة الإنسان الراشد ، حتى توصله بالنهاية إلى دخول جنان الله عز وجل .
وكان أبطال هذه الرحلة المضنية هم الأنبياء والأولياء والصالحون والشهداء وحسن أولئك رفيقا . . الذين حملوا لواء الهداية والتحرير . . هداية الإنسان إلى خالقه ومن لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض أو السماء . . وتحرير الإنسان من الصنم بشكليه المادي والاصطناعي ، وتحريره من الثقافة الجامدة التي تربط عقل الإنسان بأغلال المجتمع وضغوط الذات وقوة السلطان وبريق المال والثروة ، حتى يصاغ بعد ذلك بصياغة الإيمان ، وينطبع بطابع العبودية التي يقول عنها عز وجل:
« ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون » .
إذا من هنا بدأت الرحلة . . وإلى هنا انتهت .
ولكن السؤال : كيف نقرأ المضامين الشاملة لهذه الرحلة؟
إن قراءتنا لهذه المضامين الحقيقية خلال هذه الرحلة الطويلة ، بالطبع قراءتنا لتاريخ البشرية الماضي الذي يشكل دعائم لهذه المضامين . . لا بد أن تكون قراءة باحث يبحث عن الحقيقة ، هدفه الأسمى رؤية باصرة ونظرة ثاقبة لما جرى خلال

لقد شيعني الحسين (ع) 8

هذه الرحلة . . يفهم بها الماضي وينظر إلى الحاضر بمنظارها ويبني المستقبل على ضوئها .
ولهذا الأمر دعا القرآن ونادى العقل بضرورة قراءة التاريخ ، لأن الدراسة الواعية للتاريخ تكشف السياق الزمني الذي يسير على ضوئه الحاضر (الغائب) عن الأبصار ، وعلى أساسها أيضا تتشكل المحددات الأولى لصياغة المستقبل .
من هنا كان لزاما على المنصفين أن يفهموا التاريخ بملاحظة هذه المعاني ، لأن قراءته من دون هذه المعاني تعني أن تكون هذه الدراسة مطية للأهواء المذمومة ، ومطبعة للأفكار المسمومة ، وسوقا يتشابه على المشتري فيه الصالح والفاسد .
وحينها تقع الكارثة . . حيث ينقطع الإنسان عن تاريخه ، والمنقطع عن التاريخ كمن لا أصل له . . ولا يخفى أن الأصل يمده بالتجربة ويصحح له المسيرة ويوحي إليه بصحة المعتقد .
ولا تسأل عزيزي القارئ ماذا يحصل بعدئذ لهذا الإنسان؟ .
إن دواعي المصلحة تعمي عينيه ، فيقرأ التاريخ قراءة مغلوطة ، يخطئ الصحيح ، ويصحح الخطأ ، ويسود على طبق ذلك آلاف الأوراق ليثبت مدعاه ، لا سيما وأن المال يدعمه ، وصقل الأوراق يجمله ، وحسن الأغلفة يبرزه ، فيغتر بذلك كل من يقرأ تاريخه اعتباطا بلا تحليل وبلا مقارنة ، حتى يقع بشعور أو لا شعور في الجمع بين أحداث متناقضة تاريخيا لا يجتمع أحدها بالآخر على الاطلاق .
إن أفضل ما يمكن أن نطبق عليه ما تقدم هو تاريخ التجربة الإسلامية الأولى في مجال الدولة وبناء المجتمع وتحديدا العقيدة ، إذ ينبغي أن لا يكون للعصبية مجال في الحكم على ذلك ، وإنما القول الفصل ندعه للحقيقة التي يسطع بها التاريخ منسجمة مع السياق الإسلامي العام الذي جاء ذكره في آيات الذكر الحكيم وفي روايات النبي والأئمة المعصومين (ع) .
وهذا ما حاول كاتب هذه الدراسة الوصول إليه . وأحسبه وفق كثيرا إلى

لقد شيعني الحسين (ع) 9

ذلك ، حيث إنه درس التاريخ دراسة تحليلية موضوعية منصفة ، أعمد فيها العقل ، وآمن بالنقل ، وفهم مطلوب الواقع المعاصر . . فأيقن أن المنهج الأفضل هو منهج أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
وأخيرا لا بد أن نشير إلى أن الكاتب الذي ينتمي في النسب إلى سلالة أهل البيت عاش واقعا فيه عوامل البعد عن الدين حيث رأى سيطرة الأجنبي الواضحة في كل شئ ، حتى في لباس المسلمين ولسانهم . . الخ . . لكنه مع ذلك بقوة عزمه ونفاذ بصيرته انتمى إلى مؤسسة دينية ومعهد علمي كان له أثر واضح على صعيد وطننا الإسلامي الكبير ، فتربى في كنفها . . أخذ من العقيدة ما يبصره ويغنيه ، ومن الفهم الديني المتجدد ما يجعله ينظر إلى ما يجري بروح عصرية لا تتجاوز الثوابت ، ومن الثقافة الشرعية والدينية ما يجعله ينطلق في رحاب الواقع .
إن هذا كله جعل هذا الكتاب الذي بين يديك رحلة سافر عبرها كاتبها من التاريخ والواقع إلى مذهب أهل البيت (ع) . . وهذا هو الذي يدعونا إلى أن تجد مثل هذه الكتابات آذانا صاغية وقلوبا واعية تبحث عن الحقيقة ولا شئ غير الحقيقة .

لقد شيعني الحسين (ع) 10




لقد شيعني الحسين (ع) 11

الاهداء

أهدي كتابي هذا إلى والدتي العزيزة ، الوحيدة ، في هذا العالم الجهنمي ، القادرة على سكب الحنان علي . . في عالم لن يدع لي (الحق) فيه ، قلبا عطوفا! .
وإلى كل ضمير يتسع بعقل وحنان ، لصرخة حائر في دروب الحقائق المضنية ، يبحث عن (حبل) نور يتعلق به . . .
إنها زفرة باحث عن الحقيقة ، في زمن الحضارة إنها الرحلة والمنعطف في ذلك الرحاب الوسيع ، رحاب التصور والمعتقد!

لقد شيعني الحسين (ع) 12




لقد شيعني الحسين (ع) 13

المقدمة

من المخاطب ، ومن المخاطب؟
أود أن أشير في بادئ ذي بدء إلى حقيقة ، أريد ألا تغيب عن القارئ ، وهو يذهب لقراءة هذا الكتاب . هي إنني لست مذهبيا في المسلك ، وإن قناعاتي مهما كانت ، فإنها لا تجازف بي بعيدا .
أنا مسلم . وانطلق من صميم الحب للدين ، وليس من صميم الحقد والتآمر .
إنني لم ولن أشأ أن أجعله برميل بارود ، لتفجير المعرفة التأريخية من جديد .
كما لا أريد به تعميق الفجوة المذهبية بين المذاهب ، ولكن ما أردته فقط الدفاع عن الحقيقة المرة والضائعة : بسبب التراخي في كشف الحق والمزايدة عليه .
إنني لم أطلب الانتقام من سنوات التجهيل ، الذي مارسه في حقنا علماؤنا من العامة . إنني أود فقط أن أمد يد المساعدة لمن أراد أن يتحرر من سلطة الفكر الجاهز ، من الأسر الموروث ، أريد أن أسجل تجربتي حتى لا يبقى بعدي مغفل .
ليكن ما يكون . ولكن لا يبقى مغفل! .
إنني أسمى نفسا من أن أنتقم من أشخاص معينين ، ولكنني لا أجد حرجا في التعرض لأفكارهم .

لقد شيعني الحسين (ع) 14

في تجربتي هذه ، ليس هاما أن أعرف الناس بشخصيتي ، فقيمة الموضوع الذي يتبناه هذا الكتاب ، أهم بكثير . هذه تجربتي في خط العقيدة ، وأنا مسؤول عنها . لذلك أتوخى لها أن تكون حرة ، طليقة ، بلا قيود!
فيها أفكار قد تؤذي البعض ، وأخرى تستهوي آخرين . ولكن هدفي ، ليس هؤلاء ولا أولئك . ولكنها (الحقيقة)! .
أكتب تجربتي هذه ، لأسجل حلقة من الانتصار الشيعي في دائرة الفكر والاعتقاد . كما لا أريد لهذه التجربة أن تكون نسخة لما سطره السابقون . لا أريد الحبك على نفس المنوال الذي لا يتعدى مجال السجال المحدود في زوايا ضيقة من الخلافات . أي ، معارك (تقول وأقول) ، أو على نمط الزمخشريات : إن قلت قلت . أريدها أن تكون إشارات واسعة ، لقضايا متشعبة في التأريخ والعقيدة .
لا أريد أن أحجب القارئ عن هذه الحقيقة التي لا تقل أهمية عن القضية المصيرية للأمة . فيما يتصل بكيانها الحضاري ككل . أنا لست غبيا حتى أكفر أحدا من كان! وإن كان السني الوهابي ، يكفر (1) ، من جراء الأفق المعرفي الضيق والإفلاس العقائدي الكبير . سأحاول أن أكون متحررا . ليس تحرر (موضة) .
وإنما تحرر ساكن في نفسي وروحي ضد زمان . منطلقي هو التحرر من كل سلطة في نقد الأفكار . لأن أجيالا من القمع ، لم تنتج إلا أفكارا بائسة واتجاهات رثة .
شعاري (امنحني حرية ، امنحك فكرا راقيا)! إذن ، لنتحرر ، ونحرر الكلمة!
سأقول للتاريخ ، بأنني أهتم بالقضية الدينية التأريخية ، بتفتح عقلي ، هو ذات التفتح الذي قادني إلى ينابيع العقيدة نفسها والالتزام بتكاليفها حسب المستطاع . سأقول للتاريخ ، حتى لا أتهم بالتقليد والرجعية ، إنني كنت متحررا من كل وضع عقيدي في بيئتي . ولم تكن لدي أزمة في الحرية . إنني لم أرث شيئا من ذلك على الاطلاق .

(1) أقصد تكفير الوهابية للشيعة وبعض المسلمين .
لقد شيعني الحسين (ع) 15

ولا أنكر من أن (أبي) قد رباني على حكايات الإفرنج . ومنه تعرفت على الثورة الفرنسية ، ولويس 14 ، ونابليون . قبل أن أعرف عن هجرة محمد صلى الله عليه وآله إلى المدينة ، وكل ما ربحت من هذا الوسيط ، هو الحرية! أي ، دعه يمر ، دعه ، يعمل! لذلك ما كانوا ليراقبوني وأنا أمر في أنفاق المعتقد . ولكن ماذا؟ .
أنا على كل حال ، أحمد الله تعالى ، إنني لم أنشأ في أسرة تضرب أبناءها إطلاقا ، لأن المغاربة لا يعرفون كيف يضربون أبناءهم ، هم اليوم أبعد الناس عن العقيدة الصحيحة . هذه الحرية العقدية في بيتي ساعدتني على أن أدخل في معترك الاختيارات الفكرية دون مسبقات .
أريد أن أؤكد مرة ثانية على أن شخصيتي لا تحتاج إلى ترجمة دقيقة . لأنها لا تنسجم مع مقاصد الكتاب . ولكن كل ما يمكن قوله بهذا الصدد هو إنني إنسان مسلم ، مهتم بالقضية الدينية ، وباحث في الفكر الإنساني عموما ، والفكر الإسلامي على وجه الخصوص ، وهذا هو الطموح الذي ظل يراودني منذ الصبا ، وتجاوزت كل العقبات من أجل تحقيقه . أصولي إسماعيلية ، تنحدر من إسماعيل بن جعفر الصادق . لدينا قرابة مع الأدارسة . فهم أبناء عمنا ، لأنهم (حسنيون) بينما نحن (حسينيون) . حظيت بولادة ميمونة ، بمدينة (مولاي إدريس) وهي مدينة صغيرة ، تقع قرب (وليلي) مدينة رومانية قديمة . واسم المدينة على (إدريس) وهو بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، حيث جاءها لاجئا بعد انفلاته من قبضة العباسيين على أثر معركة (فخ) ، ولم يكن المغاربة ليزهدوا في واحد يحمل شرف بيت النبوة ، إذ سرعان ما تنازلوا له عن الحكم فصار حاكما للمغرب . وله الآن فيها ضريح مثل ما لابنه ضريح في مدينة (فاس) .
تشد إليه الرحال ، وينظم حوله (البربر) خلال كل سنة ، موسما ، ملأه الأهازيج والأفراح! .
ومنذ ذلك العهد ، لم يكن المغرب يحمل نصبا لتراث آل البيت (ع) .

لقد شيعني الحسين (ع) 16

إن (الشمة) العلوية انوجدت فيه مع الدولة الإدريسية ، ومع نفوذ الفاطميين ، وحتى الموحدين .
نعم ، كان المذهب المالكي هو المذهب الرسمي للبلاد منذ فترة غير قصيرة ولا يزال ، غير أن المذهب المالكي لم يتناقض رغم ذلك مع تقاليد المغاربة في ولائهم للبيت النبوي ، ولم تدخل الوهابية المغرب إلا في عهود متأخرة جدا .
هذا كل ما يمكن قوله ، حيث لا يظن البعض أنني مجهول ، مدسوس! .
إنني على يقين من أن رفاقي من أهل السنة والجماعة أولئك الذين قضينا معهم فترة إيمانية مخلصون . ولكني مدرك أن (اللوثة) الوهابية تمكنت من بعضهم لما انتهى بها الحال إلى تهديدنا من خلال نشر التهم والإشاعات الهدامة .
وكأنهم لا يزالون في عقلية الظلام الأموي . حيث الاعتقاد بمذهب آل البيت (ع) سيتحول إلى جريمة ، يعاقب عليها القانون . وكنت دائما أود لو أنبههم ، بأن القانون لم يوجد في المجتمع المدني ، والدولة الحديثة ، ليعيق حركة الفكر ، وحرية الاعتقاد . وإنني لا أظن أنني في مجتمع يوجهه (شريح) القاضي الذي أفتى بقتل الإمام الحسين (ع) ولا في مجتمع معاوية بن أبي سفيان الذي قال عن أصحاب آل البيت (ع) (اقتلوهم بالضنة والشبهة)! .
وأنا أعرف إنهم متجاهلون ، وإن كانوا في أغلب الأحوال مغفلين ، ولكن هذا سوف لا يمنعني من أن أقول كلمتي .
أن أكون من شيعة الإمام علي عليه السلام وأختار لنفسي طريق النبوة في مسلك آل البيت (ع) ، ليس عيبا! إنما العيب كل العيب ، في ألا أكون كذلك بعد أن حصل لي العلم بوجوب هذا .
ففي اللحظات التي ظهرت لي الأحداث على حقيقتها ، قامت فورا حرب بين عقلي ونفسي ، فالنفس عز عليها اقتلاع (ضرس) العقيدة السابقة ، والعقل عز عليه أن يتغاضى عن الحقائق الواضحة القطعية ، فإما أن أتبع طريقا موروثا ، بعقلية الفولكلور ، أو أن أسلك سبيل القناعة ونور العقل؟ .
كان هذا أخطر قرار اتخذت في حياتي ، لكي انتقل بعدها إلى رحاب

لقد شيعني الحسين (ع) 17

التحديات الفكرية والاجتماعية .
وهذا الكتاب ، سيكون شمعة مهداة لكل من أراد اختراق الأنفاق المظلمة .
لقد تجنبت إغراقه بالمفاهيم التقنية المعقدة ، توخيا للتبسيط . لأن هدفي هو أولئك (المغفلين) الذين يعانون ما عانيته يوما ، من بؤس الجواب! .
لقد تجنبت قدر الامكان ، كل هذا ، حتى لا أكون نخبويا في هذا المقام .
لأنني توصلت إلى قناعتي هذه بطريق غير نخبوي . ولدي من النخبة ، فرصة خاصة ، في المستقبل إن شاء الباري .
والكتاب سيكون جولة سريعة في تجربة تلامس كل محطات الأمة الرئيسية .
والغاية منه يمكن حصرها في جملة من النقاط :
1 - إن المسؤولية تقتضي نصرة الحق مهما كلف الثمن وإن الساكت عن الحق شيطان أخرس .
2 - لا بد من مبادرة شجاعة لكسر حاجب الانغلاق ، لأن هذا الأخير غير مرغوب فيه دينيا ، وإن الإسلام جاء ليفتح لنا آفاق السماوات والأرض ، لا ليركسنا في زاوية الانغلاق .
3 - لكي لا يتوهم إخواننا من العامة ، إنهم هم وحدهم الموجودون ، ومن أجل معرفة الآخر ، معرفة ، تنسخ ما علق به من شبهات دعائية ، ومن ثم الاعتراف به كواقع ، له جذوره الراسخة في عمق التاريخ الإسلامي .
4 - إننا ونحن ننشد الوحدة ، يجب أن نكشف الغطاء عن بعضنا البعض ، حتى نتكافأ في معرفة بعضنا البعض ، وحتى نتكافأ في السلب والإيجاب ، وهذا يمنحنا دفعا عمليا للتوحد سياسيا وحضاريا ، وهو المانع الوحيد ضد التآكل المذهبي .
وأخيرا وليس آخرا ، لأنني عرفت كيف كنت وأي مسير اخترت ، وأدركت مدى قيمة الحقيقة في حسبان الباحثين عنها ، وأدركت مدى الجهد الذي بذلته ، لخلع جبة التقليد عني ، واختراق جدار سميك ، سميك . من الضلالات

لقد شيعني الحسين (ع) 18

والأعراف والتقاليد و . .
ولكي أذوق طعم تجربتي ، يجب أن أقدم هذه المعونة الإنسانية لمن أراد أن يذكر .
من أجل الحق .
الحق وحده .
وما توفيقي إلا بالله! .

إدريس الحسيني

لقد شيعني الحسين (ع) 19

لماذا الرجوع إلى التاريخ؟

ليس ثمة شئ في ديننا ، إلا وله علاقة بالتاريخ ، وما نملكه اليوم من عقائد وأحكام وثقافات إسلامية ، كلها جاءتنا عن طريق الرواية ، فحري بنا ، أن يكون التاريخ عندنا ، هو أحد المصادر العلمية المهمة .
بعضهم بلغ من الحكمة شأوا بعيدا ، فيقول : (لا داعي للبحث عن هذه القضايا القديمة في التاريخ ، لأنها باعثة على الفتنة) .
لقد تحول البحث عن الحقيقة ، فتنة في قاموس هذا الصنف من الناس ، وكأنهم يرون البقاء على التمزق الباطني ، حيث تتشوش الحقيقة ، وتغيب ، أفضل من الافصاح عن الحق الذي من أجله أنزل الوحي ، وتحركت قافلة الرسل والأنبياء ، وكأن مهمة الدين هو أن يأتي بالغموض ، وكأن الله عز وجل أراد أن يبلبل الحقائق ، ويقمعها بحكمة : (لا تبحث في التاريخ) مثلما بلبل لغة الإنسان في أسطورة بابل .
إنني أدركت منذ البداية أيضا أن الحقيقة أغلى ، وأنفس ، من الرجال دون استثناء ، وأنه لا بد لي أن أوطن نفسي وأهيئها للطوارئ في معترك التنقيب عن الحقائق الضائعة ، والفضائح الغابرة .
كنت واضعا نصب عيني ، احتمال الفراق ، مع مجموعة شخصيات كانوا يجرون مني مجرى الدم ، وكنت واعيا منذ البداية ، ومدركا لأهداف الرسالة

لقد شيعني الحسين (ع) 20

الإسلامية ، التي جاءت لتعلم الناس قيم السماء ، لا قيم الأرض .
فماذا تكون قيمة أبي هريرة مثلا في ميزان الدين ، حتى نعطل البحث بسبب التقديس عن الحقيقة التأريخية . وفي سبيل التغطية على فضائحها ، نلجأ لتزوير الحقائق كلها ، وهل (أبو هريرة) أصل من أصول العقيدة ، حتى يحرم علي محاسبته تأريخيا ، والاعتراف بأفعاله القباح! أوليس من الإفك أن نسكت من فضائحه ، فتختلط بحقائق الدين ، ليكون الإسلام ضحية كل تلك المفاسد .
إن أبا هريرة مثلا ليس شخصية قديمة نستغني عن كشف حقيقتها ، لأنه حاضر فينا ، وهو (كمبيوتر) معاوية الخاص بالرواية ، مع أنه آخر من أسلم ، ولم يعش مع الرسول صلى الله عليه وآله طويلا . فمن هو هذا الذي وضع نفسه أو وضعوه هم ، راوية لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله في زمن الإمام علي (ع) وإن أمة تميل إلى أبي هريرة وتقوي مروياته ، وتترك الإمام علي (ع) وتضعف أحاديثه ، هي في حق التاريخ وحق الإنسانية ، أقبح أمة يمكن الانتساب إليها! أليس هذا هو واقعنا ، إننا لم نعد نجد الإمام علي (ع) إلا في الكتابات المسيحية (2) والاستشراقية ، وقل أن تجد من الأمة من أنصف هذا العملاق المجهول . وعندنا كتب النسائي وهو أحد شيوخ الحديث المشهورين لدى السنة كتابا أسماه (خصائص الإمام علي) تلقى بذلك عقابا شديدا وأخضع للسياط ، واتهمه بعد ذلك (ابن تيمية) بالتشيع ، وصنفه هو وابن عبد البر في الذين تشيعوا بالحديث!!؟ .
إن التعامل مع التاريخ ، هو تعامل مع مشروع ماضوي منتظم في نظرية قائمة . والنظرية هذه ومع امتداد الزمن اكتسبت أنيابا حادة ، تمارس بها تهويلا على الباحث . وبهذه الأنياب ، بقي التأريخ لغزا إلى أن كسب قدسيته المطلقة .

(2) أقصد ما كتبه نصري سلهب (في خطى علي 40) وجورج جورداق (الإمام علي صوت العدالة الإنسانية) .
لقد شيعني الحسين (ع) 21

والنظرية التأريخية المتوفرة في كتاباتنا ، تحتاج إلى عقلية مسؤولة وجبارة .
مسؤولة حتى لا تزيغ في منعرجات الأحداث وتقف بعيدا عن الحقيقة! وجبارة ، لأنها تحتاج إلى آليات الحفر والتفكير التأريخي ولكي نكسر أنياب النظرية التأريخية القائمة ، نحتاج إلى معاول هدم علمية .
لقد تحول التاريخ الإسلامي في اللاشعور الفكري إلى (قطعة) معصومة من التاريخ . علما أن هذه النظرة مستحيلة في منطق التاريخ ، ومنطق الدين نفسه .
والسياسة التي استطاعت أن توظف الثقافة القشرية للدين في سبيل التغطية الايديولوجية للأحداث التاريخية . ظلت مكشوفة تاريخيا بحكم أن المؤرخين لها ، لم يملكوا قدرة مطلقة على تجيير حقائق التاريخ كلها لصالح السياسات المتواترة في تاريخ السلطة الإسلامية .
وكان لهذا التاريخ (المؤدلج) بمفاهيم التيار الأموي ، قدرة على التحكم في مسار الفكر والثقافة الإسلامية أيضا . وتوظيف الأرقام الكبرى والأسماء المرموقة في الدين الإسلامي ، كان تكتيكا أمويا ، لستر التوجه (الهدام) للبلاط الأموي .
والذي يرى فيه بعض المؤرخين ، إنه حكم وفق المنطق الأموي البحت . هذا التيار كان لا يجد بدا من أن يتصرف في الجهاز الديني لأغراض خاصة ، وذلك انسجاما مع الواقع الإسلامي يومها ، الذي كان الدين أحد مكوناته الاجتماعية والحضارية .
هذه بعض الخفايا التي يوصلنا إليها (التاريخ) وبدونها لا نستطيع معرفة سوى ما يقدم إلينا على طبق الايديولوجيا . إن طرح سؤال ، من قبيل : لماذا نبحث في التاريخ؟ ، هو عين التخلف الفكري ، لأنه لم يعد يوجد من يشك في أهمية التاريخ! ، ومن القرآن تعلمت الأمة ، قيمة النظر في التاريخ ، وللتاريخ سننه وقوانينه التي تجري على كل البشر . (3)

(3) - يقول السيد محمد تقي المدرسي : إن فهم التاريخ ضرورة لفهم الشريعة (التاريخ الإسلامي - دروس وعبر ص 13 - دار الجيل - بيروت) .
لقد شيعني الحسين (ع) 22

يقول تعالى : « كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد أتيناك من لدنا ذكرا » (4) . وإذا كان القرآن الكريم ، مصدرا لتعريف الناس ، بماضي الأمم ، فمن يا ترى يعرفنا بتاريخ أمتنا نحن . أليس هو القرآن والتاريخ ، المحررين من كل قمع إيديولوجي ، وكل استبداد سياسي؟! .

(4) سورة طه (الآية 99) .
لقد شيعني الحسين (ع) 23

لماذا الحديث عن الشيعة والسنة؟

الحديث عن (الشيعة والسنة) (هو حديث عن الإسلام) في محرقة التاريخ ، فالذين لم يفهموا الشيعة ، وأغلقوا نوافذ الجهل على أنفسهم وأجيالهم ، واكتفوا بمذاهبهم ، لا يمكنهم إدراك قيمة (الحسم) الاعتقادي . وإن التغيب والتجهيل المستمرين ، هما اللذان يولدان الفرقة! والوحدة لا يمكنها أن تأتي من دون فهم وإدراك ، للآخر :
إن المسلك (المذهبي) الذي سيطر على وعي الأمة ، هو الذي سلبها ، قابلية التوحد والتعايش . وهو مسلك نرفضه إطلاقا ، وكنت أظن أن الشيعة هم أيضا ، يحجبون عامتهم عن أفكار واعتقادات أهل السنة والجماعة ، ولكنني وجدت عكس ما كنت أتصور . وفي مكتبات الشيعة وحوزاتهم ، كتب لأهل السنة والجماعة ، ومراجعهم وكتب استدلالاتهم ، بل حتى تلك الكتابات الدعائية السخيفة والتشهيرية الوهابية ، في متناول أصغر طالب في حوزاتهم ، ولكنني لم أعرف مؤسسة سنية ، احتوت على كتاب من كتب الشيعة ، وهذا مسلك غير متكافئ في التعاطي مع المذاهب الأخرى .
والصورة التي نقلها الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء النجفي في ( أصل الشيعة وأصولها) عن التشهيرات الغبية ضد الشيعة ليست باطلة . فأنا السني المنشأ ، لم أكن أجد في بيئتنا ما يعرف بالشيعة ، تعريفا حقيقا ، وكل مذهب من

لقد شيعني الحسين (ع) 24

مذاهب الدنيا ، نستطيع الإحاطة به في بيئتنا سوى (الشيعة) فإن حصار الوهابية عليهم أقوى من (جدار برلين) . نعم ، قد كنا نعلم أن الشيعة ، أصحاب طريقة غريبة عن كل البشر ، وأن أشكالهم ، ربما لها أيضا بعض الخصوصيات ، وأن يكون تصور الناس للشيعة على أنهم أصحاب أذناب البقر ، كما أشار آل كاشف الغطاء ، ليس مبالغة منه ، وحال الأمة كذلك ، لقد تعجب الشامي ، وهو يسمع إن عليا (ع) قتل في المحراب ، فقال :
(أو علي يصلي)؟! .
وقد ذكر صاحب العقد الفريد في باب كتاب الياقوتة في العلم والأدب :
قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : أخبرني رجل من رؤساء التجار قال :
كان معنا في السفينة شيخ شرس الأخلاق ، طويل الاطراق ، وكان إذا ذكر له الشيعة غضب وأربد وجهه وروى من حاجبيه ، فقلت له يوما : يرحمك الله ، ما الذي تكرهه من الشيعة ، فإني رأيتك إذا ذكروا غضبت وقبضت؟ قال : ما أكره منهم إلا هذه الشين في أول اسمهم ، فإني لم أجدها قط إلا في كل شر وشؤم وشيطان وشعب وشقاء وشنار وشرر وشين وشوك وشكوى وشهوة وشتم وشح .
قال أبو عثمان : فما ثبت لشيعي بعدها قائمة .
هكذا كان يفهم أعداء الشيعة الشيعة . وذلك لأنهم يجهلون حقيقتهم .
وقديما قال الإمام علي (ع) (الإنسان عدو ما جهل)! .
وإذا كرسنا واقع التجهيل والتغييب ، فلربما لا سمح الله ورد من يرى في (السين) السنية : سوء ، وسم ، وسؤر ، وسحاق ، وسقم ، وسخط ، وسب ، وسقط ، وسخب ، وسرقة ، و . . . و . . وهذا التجهيل ، أمتد اليوم ، ليأخذ أشكالا مختلفة ، كلها ، تنظر إلى المسألة الشيعية بمنظار أسود! .
أقول إن الحديث عن (السنة والشيعة) ضرورة ، لأن فيه تفويت للفرصة على تجار الفرقة والطائفية . ليعرف بعضنا بعضا ، بكل وضوح وجلاء .
لقد رأيت بأم عيني ، حركة التشهير والتجهيل ، التي تبعد الناس عن الوعي


الفهرس التالي التالي