دفاع عن التشيع 23

ومسيطر عليهم ، وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الإمامية ، إلا أن أصحابنا يحملونه على أن المراد به الأبدال (1) .
وقال ابن حجر : «وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الأمة ، مع كونه في آخر الزمان ، وقرب قيام الساعة ، دلالة للصحيح من الأقوال ، إن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة» (2) .
أما في المجاميع الحديثية الشيعية ، فقد وردت المئات من الروايات التي تؤكد هذه الحقيقة ، وهي أن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى ، وأنها لو خلت لساخت بأهلها . ويمكن مراجعة جملة منها في بحار الأنوار ، بحيث وصلت إلى حدود (120 رواية) بهذا المضمون أو ما يقرب منه . ومن أمثلة ذلك :
1 ـ عن الإمام الصادق عليه السلام : «ولو لا ما في الأرض منا لساخت بأهلها ، ثم قال : ولم تخلو الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها» .
2 ـ قال الصادق عليه السلام : «لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة» (3) .

الطائفة الثالثة : روايات «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » او ما يقرب من مضمونه ، مثل :
«من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» أو «من مات وليس عليه إمام ، فإن موتته موتة جاهلية» أو «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية» .
وتناقلت كتب الحديث السنية فضلاً عن الموسوعات الحديثية الشيعية ، هذا الحديث بألفاظ مختلفة ، فقد نقله البخاري ، ومسلم ، وابن حنبل ، وابن حبان ، والطبراني ، والحاكم النيسابوري ، وأبو نعيم الإصفهاني ، وابن الأثير الجزري ،

(1) شرح نهج البلاغة : ج 18 ، ص 351 .
(2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري : ج 6 ، ص 385 .
(3) بحار الأنوار : ج 23 ، باب الاضطرار إلى الحجة ، ح 10 و24 .
دفاع عن التشيع 24

والطيالسي ، والدولابي ، والبيهقي ، والسرخسي ، وابن أبي الحديد ، والنووي ، والذهبي ، وابن كثير ، والتفتازاني ، والهيثمي ، والمتقي الهندي ، وابن الربيع الشيباني ، والقندوزي الحنفي ، والإسكافي المعتزلي ، وغيرهم (1) .
ولا بد من الإشارة هنا إلى نكتة ، وهي : قد يستشكل البعض على جملة من هذه الروايات التي ترد في مثل هذه البحوث بأنها ضعيفة السند ، إلا أن هذا الإشكال غير تام بحسب الموازين العلمية الثابتة في محلها ، لأن هذه الروايات ليست هي آحاد ، حتى يمكن الإشكال السندي فيها ، وإنما هي من الكثرة بمكان ، بنحو إما ان تكون متواترة ، أو قريبة من ذلك ، ومن الواضح أنه في مثل هذه الحالة لا مجال للبحث السندي فيها ، طبعاً مع مراعاة الخصوصيات والعوامل الموضوعية والذاتية التي أشار إليها استاذنا الشهيد الصدر قدس الله سره في نظرية حساب الاحتمالات ، فإنه مع الأخذ بعين الاعتبار تلك العوامل ، فلا ريب في حصول الاطمئنان للباحث المنصف ، في صدور كثير من هذه الأحاديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام .

(1) صحيح البخاري : باب الفتن ، ج 5 ، ص 13 ؛ صحيح مسلم : ج 6 ، ص 21 ، ح 1849 ؛ مسند أحمد : ج 2 ، ص 83 ؛ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان : ج 7 ، ص 49 ، ح 4554 ؛ المعجم الكبير للطبراني : ج 10 ، ص 355 ، ح 10687 ؛ المستدرك : ج 1 ، ص 77 ؛ حلية الأولياء : ج 3 ، ص 224 ؛ جامع الأصول : ج 4 ، ص 7 ؛ مسند الطيالسي : ص 259 ؛ الكنى والأسماء : ج 2 ، ص 3 ؛ سنن البيهقي : ج 8 ، ص 156 ـ 157 ؛ المبسوط : ج 1 ، ص 113 ؛ شرح نهج البلاغة : ج 9 ، ص 100 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي : ج 12 ، ص 44 ؛ تلخيص المستدرك للذهبي : ج 1، ص 77 ، تفسير ابن كثير : ج 1 ، ص 517 ؛ شرح المقاصد : ج 2 ، ص 275 ؛ مجمع الزوائد : ج 5 ، ص 218 ـ 219 ؛ كنز العمال : ج 3 ، ص 200 ؛ تيسير الوصول : ج 2 ، ص 350 ؛ ينابيع المودة : ص 117 ؛ خلاصة نقض كتاب العثمانية للجاحظ : ص 29 .
دفاع عن التشيع 25


المحور الثاني

عدد الأئمة

بعد أن ثبت في البحث السابق أن الإمامة ظاهرة مستمرة غير منقطعة ، نحاول في هذا البحث الوقوف على أن الائمة هل ينحصر عددهم في حد معين أم لا ؟
تبنى أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام حصر عدد الأئمة بإثني عشر إماماً ، تبعاً لما بين أيديهم من الروايات الصحيحة الدالة على ذلك .
حينئذ قد يثار إشكال على هذا الحصر ، مؤداه أن هؤلاء إنما اضطروا إلى ذلك لأسباب تأريخية أو سياسية ونحوها ، وإلا فإن مقتضى ما تقدم من البحث في المحور الأول ، هو استمرار الإمامة وعدم الوقوف بها عند حد معين .
غير أن إثارة مثل هذا الإشكال أمر غريب ، خصوصاً ممن يدعي أنه يريد الوقوف على هذه الأبحاث من خلال الموازين العلمية بالبحث والتحقيق . وذلك لأننا عندما نرجع إلى صريح القرآن الكريم ، نراه يعبر عن الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم بأنه :«وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى» (1) ، ويقول في حقه : «ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين» (2) . ثم رتب القرآن على ذلك وجوب الأخذ منه صلى الله عليه واله وسلم حيث قال : «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (3) . وتأسيساً على ذلك كله بين دور الرسول الأعظم حيث قال :«وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون» (4) ، وهكذا قام الرسول صلى الله عليه واله وسلم ببيان ما أمر بإبلاغه للناس ، لذا يقول الإمام الرضا عليه السلام : «إن الله عزوجل لم يقبض نبيه صلى الله عليه واله وسلم حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء ،

(1) النجم : 3 ـ 4 .
(2) الحاقة : 44 ـ 46 .
(3) الحشر : 7 .
(4) النحل : 44 .
دفاع عن التشيع 26

بين فيه الحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً ، فقال عزوجل :«ما فرطنا في الكتاب من شيء» ، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه واله وسلم : «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً» (1) ، وأمر الإمامة من تمام الدين ، ولم يمض صلى الله عليه واله وسلم حتى بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيله وتركهم على قصد سبيل الحق ، واقام لهم علياً عليه السلام علماً وإماماً . وما ترك لهم شيئاً تحتاج إليه الأمة إلا بينه ، فمن زعم أن الله عزوجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ، ومن رد كتاب الله فهو كافر» (2) .
ومن الواضح أن أهم ما ينبغي بيانه في أمر الإمامة التي بها كمال الدين وتمام النعمة ، بل هي التي عبر عنها القرآن الكريم :«يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته» (3) ، بعد أن بين صلى الله عليه واله وسلم دوامها وعدم انقطاعها ، هو بيان عددهم وتعيين أشخاصهم . وهذا ما نحاول الوقوف عليه في الأبحاث اللاحقة .
ذكر المحقق آية الله الصافي في كتابه القيم (منتخب الأثر) أن الروايات التي ذكرت أن الخلفاء من بعد النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم هم إثنا عشر ، قد تصل إلى ما يتجاوز (270 رواية) من طرق الفريقين (4) .
ولعل العدد أكثر من ذلك بكثير ، كما يقول في (معجم أحاديث الإمام المهدي) أن : (مصادر حديث أن الأئمة بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم إثنا عشر ، وأنهم من قريش أو من أهل البيت عليهم السلام كثيرة ، وقد أفرد لها بعضهم كتيباً خاصاً ، وقد جمعناها فرأيناها تبلغ مجلداً كاملاً ، لذلك اخترنا منها هذه النماذج فقط ، وقد نوفق لإكمال تحقيقها من

(1) المائدة : 3 .
(2) الاصول من الكافي : ج 1 ، ص 199 ، باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته .
(3) المائدة : 67 .
(4) منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر : ص 10 ، الطبعة الثالثة .
دفاع عن التشيع 27

مصادر الفريقين ونشرها مستقلة) (1) .
وكنموذج على ذلك فقد خرج مضمون هذا الحديث كل من ، صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، ومسند أحمد ، وسنن الترمذي ، وسنن أبي داود ، والمعجم الكبير للطبراني ، وحلية الأولياء ، ومستدرك الحاكم ، وصحيح مسلم بشرح النووي ، ومشكاة المصابيح ، والسلسلة الصحيحة للألباني ، وعون المعبود في شرح سنن أبي داود ، والصواعق المحرقة ، وتاريخ الخلفاء ، وكنز العمال ، وغيرهم كثير (2) .
ومن هذه الروايات : أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول : «يكون إثنا عشر أميراً ـ فقال كلمة لم أسمعها ـ فقال أبي : أنه قال : كلهم من قريش» (3) . وفي صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (4) . ويقول أحمد بن حنبل في مسنده عن مسروق ، قال : كنا جلوس عند عبد الله بن مسعود وهو يقرأ القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ! هل سألتم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبد الله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فقال : «إثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل» (5) .

(1) معجم أحاديث الإمام المهدي (عج) : ج 2 ، ص 265 ، تأليف ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية .
(2) صحيح البخاري : كتاب الأحكام ، باب الاستخلاف ، ج 4 ، ص 164 ؛ صحيح مسلم : ج 2 ، ص 119 ، كتاب الإمارة ، أخرجه بتسعة طرق ؛ مسند أحمد : ج 5 ، ص 90 و 93 و 97 و 106 و 107 ؛ سنن الترمذي : ج 4 ، ص 501 ؛ سنن أبي داود : ج 4 ، ص 106 ، ح 7279 و 4281 ؛ المعجم الكبير للطبراني : ج 2 ، ص 238 ، ح 1996 ؛ حلية الأولياء : ج 4 ، ص 332 ؛ مستدرك الحاكم : ج 3 ، ص 618 ؛ صحيح مسلم بشرح النووي : ج 12 ، ص 201 ؛ مشكاة المصابيح للتبريزي : ج 3 ، ص 327 ، ح 5983 ؛ السلسلة الصحيحة للألباني : ح 376 ؛ عون المعبود في شرح سنن أبي داود : ج 11 ، ص 262 ، شرح الحديث : 4259 ؛ الصواعق المحرقة : ص 12 ؛ تاريخ الخلفاء : ص 10 ؛ كنز العمال : ج 13 ، ص 27 .
(3) صحيح البخاري : ج 4 ، ص 164 ، كتاب الأحكام ، باب الاستخلاف .
(4) صحيح مسلم : ج 2 ، ص 119 ، باب الناس تبع لقريش أخرجه من تسعة طرق .
(5) مسند أحمد : ج 5 ، ص 90 .
دفاع عن التشيع 28

هذا بالأضافة إلى عشرات المصادر الشيعية .

خصائص هذه الروايات


تمتاز هذه الروايات التي ذكرت بهذه الكيفية ، وهذا العدد من الأسانيد والطرق من الصدر الأول إلى يومنا هذا ، بمجموعة من الخصوصيات هي :
الخصوصية الأولى : إن هذه الروايات لا يمكن لأحد أن يتهم أتباع أهل البيت عليهم السلام بوضعها واختلاقها ، بعد أن آمنوا بأن عدد الأئمة إثني عشر ، وذلك لورودها في أهم الصحاح والمسانيد السنية قبل ذكرها في المصادر الشيعية ، وأن جملة من طرقها تعد موثوقة لديهم حسب الموازين الرجالية عندهم ، مضافاً إلى أن هذا العدد ذكر قبل أن يكتمل عدد الأئمة عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام .
وقد أشار إلى هذه الحقيقة جملة من المحققين ، منهم سيدنا الشهيد الصدر قدس الله سره حيث يقول : (قد أحصى بعض المؤلفين روايات هذا الحديث النبوي الشريف عن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء بعده ، أنهم إثنا عشر ، فبلغت الروايات أكثر من (270 رواية) ، مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنة ، بما في ذلك البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، ومسند أحمد ، ومستدرك الحاكم على الصحيحين . وليست الكثرة العددية لهذه الروايات هي الأٍساس الوحيد لقبولها ، بل هناك إضافة إلى ذلك مزايا وقرائن تبرهن على صحتها ، فالبخاري الذي نقل هذا الحديث ، كان معاصراً للإمام الجواد عليه السلام ، والإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام ، وفي ذلك مغزى كبير ، لأنه يبرهن على أن هذ الحديث قد سجل عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قبل أن يتحقق مضمونه ، وتكتمل فكرة الأئمة الإثنى عشر فعلاً ، وهذا يعني أنه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثراً بالواقع الإمامي الإثني عشري وانعكاساً له ، لأن الأحاديث المزيفة التي تنسب إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم ، هي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنياً ، لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ، ذلك الواقع الذي يشكل انعكاساً له .

دفاع عن التشيع 29


فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي على أن الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمة الإثني عشر ، وضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الإثني عشري ، أمكننا أن نتأكد من أن هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع ، وإنما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن الهوى ، فقال : إن الخلفاء بعدي إثنا عشر ، وجاء الواقع الإمامي الإثنى عشري ابتداءاً من الإمام علي عليه السلام وانتهاءاً بالمهدي ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف) (1) .
الخصوصية الثانية : إن عدداً كبيراً من هذه الروايات من طرق الفريقين شبهت هؤلاء الأئمة والخلفاء ، بأنهم كنقباء بني إسرائيل ، كما في رواية أحمد ، والحاكم النيسابوري ، وغيرهما . أخرج أحمد عن مسروق قال : كنا جلوس عند عبد الله بن مسعود ، يقرئنا القرآن، ، فسأله رجل ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة ، فقال عبد الله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال : «إثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل» (2) . وفي رواية اخرى لابن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى» (3) .
وقد ورد في التراث الشيعي عشرات الروايات التي تؤكد الحقيقة السابقة ، وشبهتهم بأنهم عدة نقباء بني إسرائيل أيضاً ، يمكن الرجوع إليها في معجم أحاديث الإمام المهدي (4) .
ومقتضى هذا التشبيه كما يقول استاذنا السيد محمد تقي الحكيم ، أن يكون هؤلاء الأمراء معينون بالنص ، وذلك لقوله تعالى : «ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وبعثنا

(1) بحث حول المهدي : آية الله السيد الشهيد محمد باقر الصدر ، ص 54 ، معاونية الرئاسة للعلاقات الدولية في منظمة الإعلام الإسلامي .
(2) مسند أحمد : ج 5 ، ص 90 ؛ الصواعق المحرقة : ص 12 ؛ تاريخ الخلفاء : ص 10 .
(3) كنز العمال : ج 13 ، ص 27 .
(4) معجم أحاديث الإمام المهدي : ج 2 ، ص 262 .
دفاع عن التشيع 30

منهم إثني عشر نقيباً» (1) ، وعلى هذا الأساس فلا يمكن الوقوف على هؤلاء الخلفاء والأئمة من خلال اختيار الامة ، أو انتخاب أهل الحل والعقد لهم ، بل لابد من الرجوع إلى من لا ينطق عن الهوى ، للتعرف عليهم والوقوف على أشخاصهم .
الخصوصية الثالثة : إن هذه الروايات افترضت لهم البقاء ما بقي الدين الإسلامي ، أو حتى تقوم الساعة ، كما هو مقتضى هذه الرواية التي جاءت في مسند أحمد قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «لا يزال الدين قائماً حتى يكون إثنا عشر خليفة من قريش» (2) .
وأصرح من ذلك روايته الأخرى ، عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «لا يزال الأمر في قريش ما بقي من الناس إثنان ، قال : وحرك اصبعيه يلويهما هكذا» (3) .
الخصوصية الرابعة : إن هذه الروايات جميعاً أكدت أن هؤلاء الخلفاء من قريش ، بالإضافة إلى أن هناك عدد كبير من الروايات ذكرت خصائص اخرى لهؤلاء الخلفاء والأئمة ، إلا أنها لم تأت في مصادر التراث السني ، ولعلنا نوفق للإشارة إليها بعد ذلك .
لكن يبقى هناك تساؤل ملفت للنظر ، هو أنه بحسب الروايات التي وردت في الصحاح والمسانيد السنية ، أن الأمة سكتت ولم تستوضح من النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم من هم هؤلاء الخلفاء الإثنا عشر ؟ خصوصاً وأن النبي الأعظم ، في مواضع متفرقة وأماكن مختلفة كان يؤكد على هذه الحقيقة ، بالنحو الذي لم تدع مجالاً للمحقق المنصف ، أن يشكك في مضمون هذه الروايات ، وإنما نجد أن جملة من أعلام القوم صاروا بصدد توجيهها بما يتلاءم مع الواقع التأريخي الذي وجد بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ومن هنا تضاربت أقوالهم في توجيه هذه الروايات وبيان المراد منها .

(1) المائدة : 12 .
(2) مسند أحمد : ج 5 ، ص 86 ؛ صحيح مسلم : ج 6 ، ص 4 .
(3) مسند أحمد : ج 2 ، ص 29 .
دفاع عن التشيع 31


فمثلاً السيوطي ، بعد أن أورد ما قاله العلماء في هذه الأحاديث المشكلة ، خرج برأي غريب ، حيث قال : (وعلى هذا فقد وجد من الإثني عشر ، الخلفاء الأربعة ، والحسن ، ومعاوية ، وابن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وهؤلاء ثمانية ، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي من العباسيين ، لأنه منهم كعمر بن عبد العزيز في بني امية ، وكذلك الظاهر لما اوتيه من العدل ، وبقي الإثنان المنتظران ، احدهما : المهدي لانه من اهل بيت محمد ) (1) . ولم يبين المنتظر الثاني ، ورحم الله من قال في السيوطي : (أنه حاطب ليل ، وما يقال عن السيوطي يقال عن ابن روزبهان في رده على العلامة الحلي وهو يحاول توجيه هذه الأحاديث) (2) .
ونتيجة لهذا التضارب لجأ القندوزي الحنفي إلى بعض المحققين حيث قال : (قال بعض المحققين : إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه واله وسلم إثنا عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة ، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان ، علم أن مراد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من حديثه هذا : الأئمة إثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه ، لقلتهم عن إثني عشر ، ولا يمكن ان نحمله على الملوك الاموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لأن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : كلهم من بني هاشم ، في رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوته صلى الله عليه واله وسلم في هذا القول يرجح هذه الرواية ، لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم) (3) .
ولنرجع إلى التساؤل الذي أثرناه ، وهو أنه لماذا لم يسأل الأصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من هم هؤلاء الخلفاء والأئمة ، وهنا توجد عدة احتمالات :
الأول : أن الأمة لم تهتم بذلك ، على الرغم من الإهتمام الخاص الذي أولاه الرسول لبيان هذه الحقيقة ، من خلال العشرات بل المئات من الروايات التي بينت

(1) تاريخ الخلفاء : ص 12 .
(2) الاصول العامة للفقه المقارن : ص 180 .
(3) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 105 ، باب 77 ، في تحقيق حديث (بعدي اثنا عشر خليفة)
دفاع عن التشيع 32

أن الرسول صلى الله عليه واله وسلم أشار إلى أن الخلفاء من بعده إثنا عشر ، وهذا الاحتمال لا يمكن قبوله ، لأنه طعن واضح في سيرة أصحاب الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، حيث تؤكد لنا الوقائع التأريخية ، أنهم كانوا يهتمون بكل صغيرة وكبيرة من أمر هذا الدين ، بل كانوا يسألون عن أمور لا تهمهم ، لذا نزل قوله تعالى :«لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم» (1) .
الثاني : أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ولكن الرسول لم يهتم ببيان ذلك لهم ، وهذا أيضاً لا يمكن قبوله ، لأنه خلاف ما صرح به القرآن بالنسبة إلى رسوله الامين ، حيث قال : «وما هو على الغيب بضنين» (2) ، بل هو مأمور ببيان ما نزل إليه من الأمر الإلهي «لتبين للناس ما نزل إليهم» خصوصاً ، أن ذلك الأمر يرتبط بكمال الدين ، بل بأساسه ، لقوله تعالى : «وإن لم تفعل فما بلغت رسالته» .
الثالث : أن الأصحاب سألوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وبينه لهم ، من خلال بيانات متعددة وفي مواقع مختلفة ، وبأساليب متنوعة لكن الأجهزة الحاكمة حالت دون ذلك ومنعت عن تدوين حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، بل وأمرت بإحراق كل ما كتب في هذا المجال ، ونهت عن تدوين ما هو في صدور الأصحاب ، وليس غريباً أن تقف السلطات التي أرادت أن تتسلط على رقاب الأمة باسم خلافة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وتمنع من هو منها كالقطب من الرحى ، دون نشر مثل هذه الأحاديث التي بينت أحقيقة الإمام علي وأولاده بالخلافة والإمامة من بعده ، ومن هنا نستطيع الوقوف على جواب تساؤل طالما أشار إليه جملة من أعلام السنة المتقدمين ، ورددته بعض الأقلام المعاصرة ، أنه لو كانت الخلافة والإمامة لعلي وأولاده من الامور التي أكد عليها النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم فلماذا اصيبت بمثل هذه الضبابية والإبهام ، وصارت منشأ للنقض والإبرام .
هو أن السطات الحاكمة وأجهزتها الإعلامية ، كانت تعمل بكل ما وسعها من

(1) المائدة : 101 .
(2) التكوير : 24 .
دفاع عن التشيع 33

أجل طمس الحقائق التي لا ترتضيها ، ولا تصب في مصالحها ، كما نجد ذلك واضحاً بالنسبة إلى الإمام علي عليه السلام ، وهو أقرب الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم علماً وعملاً ، حيث سن لعنه وشتمه على منابر المسلمين ولعشرات السنين ، ولم يمر على رحلة الرسول الأعظم ، إلا ثلاثين عاماً ، فإذا كان بمقدور هذه الأجهزة كتمان الحقيقة وتشويهها ، وإيصال الأمة إلى هذا المستوى من الجهل بأقرب الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فإن بإمكانها أيضاً أن تخفي الحقيقة المتعلقة بالأئمة الأحد عشر ، بحيث تصبح تلك الحقائق المسلمة قرآنياً غير واضحة في أذهان المسلمين بصورة عامة ، فيقع الاختلاف بينهم لا محالة . ولكن «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» (1) و «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون» (2) .

المحور الثالث


تعيين مصاديق الأئمة
الواقع ان الاحاديث التي أشارت إلى أن الخلفاء اثنا عشر ، عينت بنحو واضح ، من هم أولئك الخلفاء ؟ وهذا هو مقتضى القاعدة في المسألة ، لأنه من الطبيعي عندما يصرح الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم بأن خلفاءه من بعده اثنا عشر ، لابد أن يذكرهم مباشرة أو بعد السؤال على الأقل ، وهذا ما نجده واضحاً في التراث الشيعي الذي تكلم عن هذه الحقيقة ، ونحاول هنا الوقوف على بعض النماذج من هذه الروايات الكثيرة في المقام .
عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «الأئمة بعدي إثنا عشر ، ثم قال : كلهم من قريش ، ثم يخرج قائمنا فيشفي صدور قوم مؤمنين ، ألا إنهم أعلم منكم فلا تعلموهم ، ألا إنهم عترتي ولحمي ودمي ، ما بال أقوام يؤذونني فيهم ، لا أنالهم الله شفاعتي» (3) . 7

(1) الأنفال : 30 .
(2) الصف : 8 .
(3) كفاية الأثر : ص 44 ، باب ما جاء عن سلمان الفارسي .
دفاع عن التشيع 34


وعن أبي ذر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول : «من أحبني وأهل بيتي ، كنا نحن وهو كهاتين ، وأشار بالسبابة والوسطى ، ثم قال : أخي خير الأوصياء وسبطي خير الأسباط ، وسوف يخرج الله تبارك وتعالى من صلب الحسين أئمة أبرار ، ومنا مهدي هذه الأمة ، قلت : يا رسول الله ، وكم الأئمة بعدك ؟ قال : عدد نقباء بني إسرائيل» (1) .
وبسند آخر ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في حديث طويل ، وفيه : «. . . وبعلها سيد الوصيين وإبنيها الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وإنهم إمامان إن قاما أو قعدا ، وأبوهما خير منهما ، وسوف يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة معصومون قوامون بالقسط ، ومنا مهدي هذه الأمة ، قال : قلت : يا رسول الله فكم الأئمة بعدك ؟ قال : عدد نقباء بني إسرائيل» (2) .
وعن أيوب الأنصاري ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول : «أنا سيد الأنبياء ، وعلي سيد الأوصياء ، وسبطاي خير الأسباط ، ومنا الأئمة المعصومون من صلب الحسين ، ومنا مهدي هذه الأمة . فقام إليه إعرابي فقال : يا رسول الله ، كم الأئمة من بعدك ؟ قال : عدد الأسباط وحواري عيسى ونقباء بني إسرائيل» (3) .
وهذا الذي ذكرته الأحاديث ينسجم تماماً مع الخصوصيات الأربع التي استفدناها في البحث السابق ، وهي أنهم إثنا عشر ، وأنهم معينون بالنص ، وموجودون ما بقي الدين قائماً ، وكلهم من قريش ، وبهذا تجد تلك الروايات تفسيرها الصحيح ، بلا حاجة إلى ما تكلفه السيوطي وغيره في بيان المراد منها .
على أننا في غنى عن هذه الروايات وغيرها ، بحديث الثقلين نفسه ، فهو الذي ترك بأيدينا الضابط الذي على أساسه يمكن معرفة خلفائه صلى الله عليه واله وسلم ، حيث أنه جعل المقياس فيهم هو عدم افتراقهم عن القرآن الكريم حتى يردا عليه الحوض ، إذن فلنمسك بأيدينا هذا المقياس ونسبر به الواقع السلوكي لجميع من تسموا بالأئمة

(1) كفاية الأثر : ص 35 ، باب ما جاء عن أبي ذر .
(2) كفاية الأثر : ص 36 ـ 38 .
(3) كفاية الأثر : ص 113 ـ 114 .
دفاع عن التشيع 35

والخلفاء بعده صلى الله عليه واله وسلم ، لنقف على الأجدر بانطباق هذا الضابط عليه . ومن هنا لابد من الوقوف على بعض دلالات هذا النص المتواتر بين المسلمين :
1 ـ دلالته على عصمة العترة :
وبيان ذلك يتم من خلال النقاط التالية :
أولاً : «اقترانهم بالكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بيد يديه ولا من خلفه ، وتصريحه بعدم افتراقهم عنه ، ومن البديهي أن صدور أية مخالفة للشريعة سواء كانت عن عمد أو سهو ، أم غفلة ، تعتبر افتراقاً عن القرآن في هذا الحال ، وإن لم يتحقق انطباق عنوان المعصية عليها أحياناً ، كما في الغافل والساهي ، والمدار في صدق عنوان الافتراق عنه ، عدم مصاحبته لعدم التقيد بأحكامه ، وإن كان معذوراً في ذلك ، فيقال فلان مثلاً ، افترق عن الكتاب وكان معذوراً في افتراقه عنه والحديث صريح في عدم افتراقهما حتى يردا الحوض .
ثانياً : على أن تجويز الافتراق عليهم بمخالفة الكتاب وصدور الذنب منهم ، تجويز للكذب على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذي أخبر عن الله عزوجل بعدم وقوع افتراقهما ، وتجويز الكذب عليه متعمدا في مقام التبليغ والاخبار عن الله في الاحكام وما يرجع اليها من موضوعاتها وعللها ، مناف لافتراض العصمة في التبليغ ، وهي مما أجمعت عليها كلمة المسلمين على الإطلاق ، حتى نفاة العصمة بقول مطلق .
يقول الشوكاني بعد استعراضه لمختلف مبانيهم في عصمة الأنبياء : (وهكذا وقع الإجماع على عصمتهم بعد النبوة ، من تعمد الكذب في الأحكام الشرعية ، لدلالة المعجزة على صدقهم ، وأما الكذب غلطاً ، فمنعه الجمهور وجوزه القاضي أبو بكر) (1) .
ولا إشكال في أن الغلط لا يتأتى في هذا الحديث لإصرار النبي صلى الله عليه واله وسلم على تبليغه

(1) إرشاد الفحول : ص 34 .
دفاع عن التشيع 36

في أكثر من موضع ، وألزام الناس بمؤداه ، والغلط لا يتكرر عادة» (1) .
2 ـ دلالته على تمييزهم بالعلم بكل ما يتصل بالشريعة وغيرها :
كما يدل على ذلك اقترانهم بالكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، لقوله تعالى : «ما فرطنا في الكتاب من شيء» (2) ، وقوله تعالى :«ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء» (3) . لذا ورد عنه صلى الله عليه واله وسلم : «لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم» .
يقول ابن حجر : تنبيه : (سمى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم القرآن وعترته ، وهي بالمثناة الفوقية ، الأهل والنسل والرهط الأدنون ، الثقلين ، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون ، وهذان كذلك ، إذ كل منهما معدن العلوم اللدنية ، والأسرار والحكم العلية ، والأحكام الشرعية ، ولذا حث صلى الله عليه واله وسلم على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم ، وقال : «الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت» ، وقيل : سمياً ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما . ثم إن الذي وقع الحث عليهم منه ، إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله ، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض ، ويؤيده الخبر السابق ، «ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم» ، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء ، لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وشرفهم بالكرامات الباهرة ، والمزايا المتكاثرة ، وقد مر بعضها) (4) .
إذن ، فهذا النص المبارك يثبت لنا ضرورة عصمة العترة ، مضافاً إلى عشرات الأدلة القرآنية والروائية التي لا مجال للوقوف عليها في هذه العجالة .
نعم ، قد يقال : أن العترة عنوان عام يمكن أن يشمل غير الأئمة الإثني عشر ، الذين تمسك بهم الشيعة الإمامية ، لأنه كما ثبت في محلة ، أن القضية لا تثبت

(1) الأصول العامة للفقه المقارن : ص 166 .
(2) الأنعام : 38 .
(3) النحل : 89 .
(4) الصواعق المحرقة : ص 149 ، مطبعة دار الطباعة المحمدية بمصر .
دفاع عن التشيع 37

موضوعها ، ومن هنا لا يمكن التمسك بهذا الحديث وما يشابهه لتعيين مصاديق أحاديث الخلفاء إثني عشر . لذا أشكل أبو زهرة في هذا الحديث بقوله : (وبعد التسليم بصحة اللفظ نقول : بأنه لا يقطع ، بل لا يعين من ذكروهم من الأئمة الستة المتفق عليهم عند الإمامة الفاطميين ، وهو لا يعين أولاد الحسين دون أولاد الحسن ، كما لا يعين واحداً من هؤلاء بهذا الترتيب) (1) .
ولكن هناك طرق عديدة من خلالها يمكن تعيين مصاديق العترة وأهل البيت نعرضها بإيجاز :
الطريق الأول : وهو الطريق المباشر لتعيينهم من خلال الروايات المنقولة عن النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم ، والتي تنص عليهم بأسمائهم .
منها : ما ذكره في (ينابيع المودة) عن كتاب (فرائد السمطين) بسنده عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : قدم يهودي يقال له نعثل ، فقال : يا محمد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين ، فإن أجبتني عنها أسلمت على يديك . قال : سل يا أبا عمارة . فقال : يا محمد ، صف لي ربك . فقال صلى الله عليه واله وسلم : «لا يوصف إلا بما وصف به نفسه ، وكيف يوصف الخالق الذي تعجز العقول أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تجده ، والأبصار أن تحيط به ، جل وعلا عما يصفه الواصفون . . .» ـ إلى أن قال السائل ـ : صدقت . فأخبرني عن وصيك من هو ؟ فما من نبي إلا وله وصي ، وإن نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال صلى الله عليه واله وسلم : «إن وصيي علي بن أبي طالب ، وبعده سبطاي الحسن والحسين ، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين» ، قال : يا محمد ، فسمهم لي ، قال : «إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضلى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه الحسن ، فإذا مضى الحسن فإبنه الحجة محمد المهدي» (2) .

(1) الامام الصادق : 199 .
(2) منتخب الاثر : ص 97 ، الباب الثامن ، فيما يدل على الائمة الاثني عشر باسمائهم .
دفاع عن التشيع 38

ومنها عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «لما اسري بي إلى السماء ، أوحى إلي ربي جل جلاله ، فقال : يا محمد اطلعت على الأرض اطلاعة ، فاخترتك منها ، فجعلتك نبياً ، وشققت لك من اسمي اسماً ، فأنا المحمود ، وأنت محمد ، ثم اطلعت الثانية ، فاخترت منها علياً ، وجعلته وصيك وخليفتك ، وزوج ابنتك ، وأبا ذريتك ، وشققت له اسماً من أسمائي ، فأنا العلي الأعلى وهو علي ، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما ، ثم عرضت ولايهتم على الملائكة ، فمن قبلها كان عندي من المقربين . . . إلى أن تقول الرواية : يا محمد تحب أن تراهم ؟ قلت : نعم يا رب ، فقال عزوجل : ارفع رأسك ، فرفعت رأسي ، وإذ أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، ومحمد بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب دري . . . إلخ» (1) . وروايات المعراج التي تحدثت عن هذه الحقيقة كثيرة جداً .
وقد أحصى الصافي الگپايگاني في كتابه (منتخب الأثر) أكثر من خمسين رواية في هذا المجال ، وقال بعد ذلك : (النصوص الواردة في ساداتنا الأئمة الإثني عشر ، بلغت في الكثرة حداً ، لا يسعه مثل هذا الكتاب ، وكتب أصحابنا في الإمامة وغيرها مشحونة بها ، واستقصاؤها صعب جداً) (2) .
الطريق الثاني : وهو طريق نقلي أيضاً ، ولكنه طولي ، ونعني به : أن النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم يعين بعضاً من هؤلاء الأئمة من بعده ، ثم يقوم كل واحد من هؤلاء بتعيين الخليفة الذي يأتي بعده وهكذا ، ومنها :
أ ـ الروايات الكثيرة التي نصت على عصمة الإمام علي عليه السلام وهي متواترة بين الفريقين ، مثل قوله صلى الله عليه واله وسلم : «علي مع الحق والحق مع علي ، يدور معه حيثما دار» (3) ، وقوله صلى الله عليه واله وسلم لعمار : «يا عمار إن رأيت علياً قد سلك وادياً ، وسلك الناس وادياً آخر ،

(1) إكمال الدين : ج 1 ، ص 252 ، باب 23 ، ح 2 .
(2) منتخب الأثر : ص 145 .
(3) شرح نهج البلاغة : ج 18 ، ص 72 ، باب 77 .
دفاع عن التشيع 39

فاسلك مع علي ودع الناس ، إنه لن يدلك على ردى ، ولن يخرجك من هدى» (1) .
من هنا قال أبو القاسم البجلي وتلامذته من المعتزلة : (لو نازع علي عقيب وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وسل سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدم عليه ، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه ، ولكنه مالك الأمر وصاحب الخلافة ، إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها ، وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عليها ، وحكمه في ذلك حكم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال : «علي مع الحق والحق مع علي ، يدور معه حيثما دار» ، وقال له غير مرة : «حربك حربي وسلمك سلمي» ) (2) .
لذا قال عليه السلام عن نفسه في مواضع متعددة من النهج : «اخواننا وأهل دعوتنا ، استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله . . . وأن الكتاب لمعي ، ما فارقته مذ صحبته» (3) . ونعلم جميعاً أنه صحب الكتاب وهو دون العاشرة .
وقال أيضاً : «أيها الناس ، إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الأنبياء بها أممهم ، وأديت إليكم ما أدت الأوصياء إلى من بعدهم ، وأدبتكم بسوطي ، فلم تستقيموا ، وحدوتكم بالزواجر فلم تستوسقوا ، لله أنتم ، أتتوقعون إماماً غيري يطأ بكم الطريق ، ويرشدكم السبيل» (4) .
وقال أيضاً : «والله ما كتمت وشمة ، ولا كذبت كذبة» (5) .
وقال أيضاً : «فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم ، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منكم لأعذرن إلى الله فيك ، ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلا دخل

(1) كنز العمال : ج 11 ، ص 613 ـ 614 ، ح 32972 .
(2) شرح نهج البلاغة : ج 2 ، ص 297 ، باب 37 .
(3) نهج البلاغة : خطبة رقم 122 .
(4) نهج البلاغة : خطبة رقم 182 .
(5) نهج البلاغة : خطبة رقم 16 .
دفاع عن التشيع 40

النار» (1) .
ثم إن الإمام بعد أن ثبتت عصمته وإمامته من خلال تلك البيانات ، عرف للأمة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ببيانات كثيرة في النهج ، نقف عند بعضها :
قال عليه السلام : «لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه واله وسلم ، من هذه الأمة أحد ، ولا يستوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة» (2) .
ثم قال عليه السلام : «انظروا أهل بيت نبيكم ، فالزموا سمتهم ، واتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا» (3) .
وقال ايضا : « الا ان مثل ال محمد صلى الله عليه واله وسلم كمثل نجوم السماء ، اذا خوى نجم ، طلع نجم ، فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع ، واراكم ما كنتم تأملون » (4) . وقال أيضاً : «فأين تذهبون ، وأنى تؤفكون ، والأعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم ، وكيف تعمهون ، وبينكم عترة نبيكم ، وهم أزمّة الحق ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وردوهم ورود الهيم العطاش» (5) .
مع كل هذه النصوص وعشرات غيرها ، تأتي بعض الأقلام لتقول : إن أئمة أهل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم الإمام علي ابن أبي طالب ، لم يدعوا لأنفسهم العصمة ، ولم يقولوا ماقالته الشيعة عنهم ، وإنما هي من اختلاقات فلاسفة الشيعة ومتكلميهم ، والأمر كما ترى .

(1) نهج البلاغة : رسائل الإمام ، رسالة رقم 41 .
(2) نهج البلاغة : الخطبة رقم 2 .
(3) نهج البلاغة : الخطبة رقم 97 .
(4) نهج البلاغة : الخطبة رقم 100 .
(5) نهج البلاغة : الخطبة رقم 87 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي