معرفة النفس 149


الفصل السادس

داء الانانية




معرفة النفس 150




معرفة النفس 151

الانانية مرض اخلاقي يصيب الانسان حينما يطلق العنان لغريزة حب الذات لتوجه شخصيته وعلاقته بالاخرين فهذه الغريزة عمياء كبقية الغرائز الاخرى ليس لها مركز سيطرة وانما يتم السيطرة عليها وضبطها بالعقل وقرة الارادة ، وخطر هذه الغريزة قد يفوق خطر كل غريزة لانها تسخدم بقية الغرائز لاشباع نفسها فتتفجر غريزة الجنس وغريزة السيطرة وغريزة الغضب .. وعلاجها قد يؤدي الى الحد من طغيان الكثير من الغرائز الاخرى في الانسان ذلك ان التطرف في حب الذات الذي يسمى بالانانية او عبادة الهوى والذات هو في الواقع مرض مسبب لامراض اخرى ، ومن هنا تكمن اهمية معالجة هذا المرض الخطير على الانسان وعلى المجتمع .

* مراتب الانانية :

ان الانانية لها مراتب ثلاث
المرتبة الاولى :

التمحور حول الذات ..
ان التمحور حول الذات يعني امرين :
الاول : ان يعيش الانسان لذاته فحسب ، فيوظف كل طاقاته وامكاناته

معرفة النفس 152

وجهوده لصالح ذاته ، وتحقيق الرفاهية لحياته الخاصة ، ويرفض ان يصرف ولو جزءاً صغيراً من طاقاته لخدمة الاخرين ، او القيم والمبادىء ، لذلك فهو يتابع الاخبار التي تصب في اساليب الترفيه ، وتسهيل الحياة ، وزيادة المكاسب والمصالح ، وبغض الطرف عن الاخبار التي تتعلق بالمجتمع او الامة ، طالما لا توفر له اي ميزات ، لذلك حينما يسمع عن مآسي مجتمعه او امته ، يسمعه ككلمات جفاء ، لا روح فيها ، ولا يجد نفسه مسؤولاً عن بذل ادنى جهد ، او دفع اقل مبلغ ، لتوفير الحياة لشخص يتضور جوعا ، او عذابا ، في سجون الطغاة ، او يبني مؤسسة خيرية تعمل على تثقيف المجتمع ، فضلا عن الدخول في سوح الجهاد .
ان يعيش الانسان لذاته يعني ان يوفر لها اكبر قدر ممكن من اللذات والشهوات والمصالح ، فيعيش في دائرة مغلقة ( دائرة الانا ) يعمل ليعيش ويعيش ليعمل فيصدق عليه قول امير المؤمنين ( عليه السلام ) : « كالبهيمة المربوطة هما علفها او المرسلة شغلها تقممها تكترش من اعلافها وتلهو عما يراد بها » (1) .
والامر الثاني : هو تحول ذات الانسان الانانية الى قيمة عليا ، يقيس بها كل شيء ، وينظر من خلالها الى كل شيء ، وتسقط كل قيمة يرجع اليها ، او مثل اعلى يحتكم اليه ، على العكس تماماً من الانسان السوي الذي حينما تعرض عليه فكرة او نظرية من النظريات ، فانه يخضعها لمقاييس عقلية او مبدئية ، لاكتشاف صحتها او خطأها ، اما الانسان الاناني فانه يخضع الافكار والرؤى التي تعرض عليه ، الى مقاييس المصلحة الشخصية ، والربح والخسارة ، وهو مستعد ان يضحي بكل القيم السائدة في المجتمع ، سواء منها الديني او العرفي .. ويدوسها تحت قدميه اذا تعارضت مع

(1) نهج البلاغة كتاب : 45 / 15 .
معرفة النفس 153

مصلحته ومنفعته ، غير ان الانسان الذي يؤمن بقيم ومثل وتتركز عواطفه تجاهها ، فانه على استعداد ان يضحي بذاته ومصالحه من اجل تلك القيم والمثل .
والامر الخطير في تقديس الذات هو تحول الذات الى اله يعبد كما يقول القرآن الكريم : « ارأيت من اتخذ الهه هواه » (1) .
ويقول شاعر الانانيين :
جربت الف عبادة وعبادة فرأيت افضلها عبادة ذاتي

هكذا تصبح شهواته وهواه الهاً مقدساً لديه مفترض الطاعة فالحق ما وافق الهوى والباطل ما خالفه ، ويوضح الله سبحانه وتعالى سبب مخالفة ورفض الكثير من المشركين للانبياء والرسالات الالهية بقوله :
« افكلما جاءكم رسول بما لا تهوى انفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون » (2) .

المرتبة الثانية :

ظهور الاخلاق والصفات الانانية :
مرض الانانية مرض عضال ، ولانه عضال فهو يتفاقم وتزداد مضاعفاته واعراضه في شخصية الانسان الاناني ، وهنا نتطرق الىاهم الصفات السيئة التي يفرزها مرض الانانية :
1 ـ التعصب ...


الانسان الاناني الذي يتمحور حول ذاته يصاب تلقائياً بمرض التعصب ،

(1) سورة الفرقان : ـ 43 .
(2) سورة البقرة : ـ 87 .
معرفة النفس 154

التعصب للرأي ، وللجماعة ، والى كل شيء يمت اليه بصلة ، مهما كان رأيه خاطئاً ، او جماعته تسير على طريق خاطيء ، ومهما كان رأي الطرف المقابل صحيحاً وواضحاً ، ونحن نلاحظ مثل هذه الاصناف في المجتمع ، حيث نرى بعض الافراد لا يعجبهم ان يتنازلوا ان ارائهم مهما تسوق اليهم من ادلة وبراهين لاقناعهم ، فدائما يعتبرون اراءهم هي الصحيحة ، وهي المفيدة ، وعداها باطل ، ومضر ومخالف للشريعة ، او للواقع او للحقيقة .. ذلك المثل العربي الذي يجسد مفهوم التعصب « عنزة ولو طارت » وهو مثل يضرب على الانسان المتعصب وقصة هذا المثل هو : ان اثنين من الاعراب كانا يمشيان في الصحراء ، فبدأ لهما جسم اسود ، على مسافة بعيدة عنهما ، فقال احدهما : هذا طائر كبير وقال الثاني : لا ، انه عنز ، فانتظرا لكي يقترب الجسم ، ليعرفوا حقيقته ، وبعد لحظات اقترب منهما قليلاً ، ثم بدأ يطير في الجو بجناحيه ، فالتفت الشخص الاول وقال : الم اقل لك انه طير كبير ؟ فقال صاحبه مصراً : انه عنز ، فقال له : الا تراه يطير في الجو بجناحيه ؟ فقال : ابداً والله « عنزة ولو طارت » .
يقول العلامة المدرسي :
يتعصب البشر لافكاره بدافع حب الذات ، ويجادل عنها ، ويستكبر دون معرفة مايقابلها ودون الانفتاح على ما سواها .
ويتعصب ايضا لكل فكرة تكسبه نفعاً ، او تدفع عنه ضراً ويتلون بها حسب الظروف ، وينغلق دون غيرها حتى ليعمى بصره .
ويغتر بجهله ، ولا يذل نفسه ـ حسب ظنه ـ بالسؤال ، او البحث عن الحقيقة ، او التسليم لمن ينادي بها ، لمجرد الظن بان في ذلك منقصة لذاته ،

معرفة النفس 155

التي يحبها ، والى هذه الغريزة ترجع عوامل الحسد والحقد العناد النفسية . » (1) .
ويقول الامام الباقر ( عليه السلام ) :
« ادنى الشرك ان يبتدع الرجل رأياً فيحب عليه ويبغض عليه » (2) .
وقد ذم الله سبحانه وتعالى هذه الصفة واعتبرها من صفات الكفار يقول تعالى :
« وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها » (3) .
2 ـ التكبر . .


التكبر يعني ان يرى الانسان نفسه افضل من الاخرين ، واعلى واعلم ، بسبب الاعتبار المضخم ، او فكرة الانسان عن نفسه ، فالانسان الاناني ينظر الى نفسه نظرة مضخمة .
وصفة التكبر من الصفات الاكثر ذماً في القرآن الكريم ، والنصوص الشرعية ، بل لا نكاد نرى صفة مذمومة مثلها ، فآيات القرآن الكريم تشن هجوماً عنيفاً ، وتحمل حملة عشواء ، على صفة التكبر ، وعلى المتكبرين ، فيقول الله سبحانه وتعالى : « اليس في جهنم مثوى للمتكبرين » (4) .
« سأصرف عن آياتي الذين يستكبرون في الارض بغير الحق » (5) .

(1) المنطق الاسلامي : ص 192 .
(2) الري شهري : ميزان الحكمة : ج 5 ص 62 .
(3) سورة الاعراف : ـ 146 .
(4) سورة الزمر : ـ 60 .
(5) سورة الاعراف : ـ 146 .
معرفة النفس 156

« فادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين » (1) .
وعندما نتصفح المعجم المفهرس لالفاظ القرآن الكريم نرى عشرات الايات التي تذم التكبر والمتكبرين .
ويقول الامام علي ( عليه السلام ) :
« اياك والكبر ، فانه اعظم الذنوب والام العيوب وهو حلية ابليس » .
« شر آفات العقل الكبر » .
« اقبح الخلق الكبر » .
ويقول الباقر ( عليه السلام ) :
« ما دخل قلب امرء شيء من الكبر الا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك ، قل ذلك او كثر » (2) .
وصفة التكبر هي ذاتها التي اخرجت ابليس من الجنة حينما قال متكبراً :
« أأسجد لمن خلق طيناً ، انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين »
فهذا العالم العابد قد سقط من مصاف الملائكة والمقربين الى قعر نار جهنم بلحظة تكبر ولاهمية هذا المشهد فقد تكرر كثيراً في القرآن الكريم بصيغ مختلفة ، فاذا كان ابليس سقط في لحظة تكبر فكيف من يعيش من البشر وهم كثيرون طول حياتهم متكبرين متجبرين ؟
يقول الامام علي ( عليه السلام ) في خطبة له :
« فاعتبروا بما كان من فعل الله بابليس اذا احبط عمله الطويل وجهده

(1) سورة النحل : ـ 29 .
(2) ميزان الحكمة : ج 8 ص 298 ـ 300 .
معرفة النفس 157

الجهيد .. عن كبر ساعة واحدة ، فمن ذا بعد ابليس يسلم على الله بمثل معصيته ؟ ! ..
فاحذروا عباد الله عدو الله ان يعيدكم بدائه ، وان يستفزكم بندائه ... » .
وفي الحديث الشريف عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « لن يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر » (1) .
وورد في صفة المؤمن انه لايرى احداً الا وقال خير مني فأن كان الذي رآه صالحاً اعتقد انه افضل منه ، وان لم يكن صالحاً قال لعله يتوب ويتغير وضعه فيصبح افضل مني عند الله .
وعن حفص بن غياث عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
« من ذهب ان له على الاخر فضلا فهو من المستكبرين ، فقلت له : انما يرى ان له عليه فضلاً بالعافية اذا رآه مرتكباً للمعاصي ، فقال : هيهات ، ههيات ! فلعه ان يكون غفر له ما اتى وانت موقوف محاسب ، اما تلوت قصة سحرة موسى ( عليه السلام ) (2) .
3 ـ حب الظهور « الرياء »


وحب الظهور والشهرة تعني رغبة الانسان ان يعرف الناس عنه انه انسان صالح او غني او كبير ، بهدف استقطاب الناس ، وتسخير قلوبهم ، من اجل التقرب منه ، ومدحه والثناء عليه ، لذلك فمحب الشهرة دائماً يذكر اعماله ومشاريعه وانجازاته ، صغيرها وكبيرها ، وتارة يضيف عليها ما لم يعمل ، راغباً التعظيم والتفخيم والاحترام وكسب الاخرين .

(1) نهج البلاغة خطبة : 192 .
(2) ميزان الحكمة : ج 8 ص 304 .
معرفة النفس 158

وعلى المرائي الذي يحاول ان يتحدث عن اعماله وانجازاته ان يتذكر هذا الحديث :
« من عمل عملاً ثم تحدث به امام الناس المرة والمرتين فالثالثة يحبط عمله » .
فقول الانسان الذي عمل عمل خير انني فعلت كذا وكذا حباً للظهور ، يحبط عمله ، ويستثنى منه من يقول لتشجيع الاخرين على عمل الخير .
ان اولياء الله كانوا يتخفون باعمالهم ، فكان الامام علي ( عليه السلام ) ، يتصدق كل ليلة على الفقراء ، بحيث لايعرف احد من الفقراء من هو الذي يعينه ويتصدق عليه ، وهكذا ينبغي للانسان المؤمن الامر الذي يصعب على الانسان المرائي .
4 ـ الغرور . .


حالة نفسية تعتور الاناني من الشعور بالقوة والعظمة والكمال ، فيتصور انه في قمة الخير والفضل ، بينما الواقع خلاف ذلك ، فشأنه شأن العطشان الذي يبحث عن الماء فيتصوره في السراب الذي يتراءى له من بعيد وقد وردت احاديث كثيرة بشأن الغرور موضحة حقيقته وعاقبته ومحذرة منه .
وللامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) كلمة رائعة ننقلها لاهميتها :
« المغرور في الدنيا مسكين ، وفي الاخرة مغبون ، لانه باع الافضل بالادنى ، ولا تعجب من نفسك ، حيث ربما اغتررت بمالك وصحة جسمك ان لعلك تبقى .
وربما اغتررت بحالك ومنيتك ، واصابتك مأمولك وهواك ، وظننت انك صادق ومصيب .

معرفة النفس 159

وربما اغتررت الى الخلق ، او شكوت من تقصيرك في العبادة ، ولعل الله يعلم من قلبك بخلاف ذلك .
وربما اقمت نفسك على العبادة متكلفاً والله يريد الاخلاص .
وربما افتخرت بعلمك ونسبك وانت غافل عن مضمرات مافي غيب الله .
وربما توهمت انك تدعو الله وانت تدعو سواه .
وربما حسبت انك ناصح للخلق ، وانت تريدهم لنفسك ان يميلوا اليك .
وربما ذممت نفسك ، وانت تمدحها على الحقيقة .
واعلم انك لن تخرج من ظلمات الغرور ، والتمني الا بصدق الانابة الى الله ، والاخبات له ، ومعرفة عيوب احوالك من حيث لا يوافق العقل والعلم ، ولا يتحمله الدين والشريعة ، وسنن النبوة وائمة الهدى ، وان كنت راضيا بما انت فيه ، فما احد اشقى بعمله منك واضيع عمراً ، فأورثت حسرة يوم القيامة » (1) .

معاداة الاخرين والعمل ضدهم . .


اذا كان الانسان الاناني في المرحلة الاولى من نشوء بذرة الانانية يهتم بمصالحه الشخصية ، ثم ينتقل الى المرتبة الثانية ، فتبرز لديه الصفات الانانية ، كالتعصب والكبر وحب الظهور والغرور ، فانه في المرحلة الثالثة ، تبدأ امراض الانانية تنتقل من دائرته الشخصية ، لتصطدم مع الاخرين ،

(1) المصدر السابق : ج 8 ص 306 .
معرفة النفس 160

فيتصور ان الاخرين هم سبب الحد من حصوله على المزيد من المستلزمات التي توفر له الاشباع لعاطفة حب الذات ، ويرى بقائه ورفاهيته وبروزه وانتصاره ونجاحه في اسقاط الاخرين ، وتحطيم شخصياتهم ، فيحاول ان يبني لنفسه شخصية ووجاهى على انقاض الاخرين ، ولهذه المضاعفات الناشئة من مرض الانانية في المرتبة الثالثة ، مظاهر ، فاذا اردنا ان نعرف هل وصل شخص مصاب بمرض الانانية ، الى المرتبة الثالثة ، التي تتجلى في معادة الاخرين فاننا نلاحظ في سلوكه المظاهر التالية :
1 ـ تضخيم سلبيات الاخرين :


ان الشخص الاناني لايتحمل ان يرى اشخاصا اكثر منه قدرة وعلماً ومنزلة ، اذا يعتبر ذلك منقصة له ، ودلالة على ضعف شخصيته ، وقدرته ومنزلته ، فلكي يبرز في المجتمع كشخص عظيم ، وذي مكانة كبيرة ، يحاول ان يفتش عن سلبيات الاشخاص الاقدر منه عملاً وفكراً ، والمحترمين في المجتمع اكثر منه ، لكي يضخمها ويبرزها ، ليجعلها حجاباً يستر بها ايجابياتهم ، ويشوه شخصياتهم ، متصوراً ان هذا العمل سوف يجعل الاخرين يعتبرونهم اشخاصاً عاديين لا يتميزون عن غيرهم ، وبهذا يرتفع هو اجتماعياً ، وينظر له على انه الشخص المتميز .
وهكذا يحمل الانسان الاناني على عاتقه مسؤولية نشر سلبيات الاخرين مضخمة وكشف عوراتهم .
ونلاحظ مثل هذا السلوك في اوساط الطلاب حيث يحاول بعض الطلاب تضخيم سلبيات الطلاب المتقدمين والمجتهدين في دروسهم ويفسرون تقدمهم تفسيراً غير موضوعي فيعتبرون تقدمهم بسبب تمييز الادارة او المدرسين لهم او يختلقون اسباباً اخرى .

معرفة النفس 161

ان خطورة مثل هذا السلوك يكمن ايضا في ان الشخص او الجماعة التي تحاول ان تلاحق سلبيات الاخرين وعيوبهم لتنشرها على الملأ هو غفلتها عن عيوبها وسلبياتها الذاتية ، فالانانية مشكلتها انها تصور الشخص في ذاته خال من كل العيوب ، اما الانسان السوي فانه ينشغل بالتفتيش عن عيوبه وسلبياته الذاتية ، ليقوم باصلاحها ، بهذا يتقدم ويفسح المجال للاخرين لكي يتقدموا ايضا ويشير الامام علي ( عليه السلام ) الى هذا الامر بقوله :
« من ابصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره » (1) .
ذلك الانسان الذي يعرف عيوبه سيصبح انساناً واقعياً وسيعرف ان الخطأ عند الانسان امر فطري .
يقول الامام علي ( عليه السلام ) مشيراً الى هذه الحقيقة ايضاً بقوله :
« لا تتبعن عيوب الناس فان لك من عيوبك ان عقلت ما يشغلك من ان تعيب احداً » (2) .
ويقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
ولا تتبعوا عورات المؤمنين فانه من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته فضحه ، ولو في جوف بيته » (3) .
بيد ان البعض يفعل اكثر من كشف سلبيات الاخرين بالافتراء عليهم وتضخيم سلبياتهم وهذا هو الاسوأ .
2 ـ حسد الاخرين :


وهذا مظهر يصاحب الانسان الاناني ، حيث يندفع باتجاه حسد

(1) (2) ميزان الحكمة : ج 7 ص 141 ـ 142 .
(3) المصدر السابق : ج 7 ص 148 .
معرفة النفس 162

الاخرين ، ويتمنى ازالة النعمة عنهم ، وسقطوهم من مكانتهم الرفيعة ، ليبقى هو صاحب المكانة والسمو ، والفرق بينه وبين الانسان السوء هو ان الاخر حينما يرى خصلة جيدة في شخص ، او ايجابية كوجاهة اجتماعية ، أو روح قيادية ، او مستوى علمي ... فانه يغبطه ويحاول الوصول الى مستواه ، وهذا يندرج تحت اسم الغبطة ، وهو مباح في الشريعة الاسلامية ، على العكس من الاول الممقوت والمحارب ، حيث يأمر الله سبحانه وتعالى الانسان المؤمن بالاستعاذة بالله منه بقوله :
«ومن شر حاسد اذا حسد» والحسد مرض اخلاقي يؤثر في نفس صاحبه اكثر من غيره حيث تتركز مشاعر وعواطف وانفعالات الانسان الحاسد حول تمني سقطوط وزوال نعمة الانسان الناجح اوالمتقدم وكلما تقدم ذلك الانسان ازدادت حالة الحسد سوءاً ومرضاً .
يقول الامام علي ( عليه السلام ) :
« الحاسد لا يشفيه الا زوال النعمة » .
« الحاسد يفرح بالشر ويغتم بالسرور » .
« الحاسد يرى ان زوال النعمة عمن يحسده نعمة عليه » .
« ما رأيت ظالماً اشبه بمظلوم من الحاسد ، نفس دائم ، وقلب هائم لازم » .
هكذا يفعل الحسد بصاحبه ، حيث يبدأ بجلب الحزن والهم والاضطراب ، في قلب الحاسد ، ومن هنا قال الامام علي ( عليه السلام ) ايضاً :
« الحسد مطية التعب » .

معرفة النفس 163

« الحسود كثير الحسرات متضاعف السيئات » .
وللحسد دور رئيس في ازالة الايمان من قلب المؤمن ، فلا يمكن ان يجتمع الحسد مع الايمان ، لان الايمان يطالب صاحبه بالخير والفضيلة ، والعطف عل الاخرين ، وتمني التوفيق ، والسدادا والغنى لهم ، والمساعدة على قضاء حوائجهم ، بينما الحسد يعني بغض الاخرين ، وتمني اتعابهم واقلاقهم ، وقد وردت احاديث كثيرة تشير الى هذه الحقيقة .
يقول الامام الباقر ( عليه السلام ) :
« ان الحسد ليأكل الايمان كما تأكل النار الحطب » .
ويقول ايضاً :
« اياكم ان يحسد بعضكم بعضاً ، فان الكفر اصله الحسد » .
ان افضل نصيحة يمكن ان تعطى للافراد الناجحين ، الذين يواجهون حساداً ، هو مضاعفة اعمالهم ونشاطاتهم ، فهذا اسلوب ايجابي لمواجهة الحساد ، حيث ينقلب حينئذ السحر على الساحر ، ويتحول الحاسد من مفترس الى فريسة للقلق والمعاناة والصراع النفسي ..
ومن القصص الطريفة التي تنقل في التاريخ ان الحجاج استدعى رجلين احدهما حسود والاخر بخيل وقال لهما : ليطلب كل منكما طلبه ، فاني اعطيه ما طلب ، واعطى صاحبه ضعف طلبته ، فاذا طلب احدكما الف دينار ، فان اعطي الاخر الفي دينار فليبدأ احدكما بالطلب ، فذب التردد في نفسيهما ، واخيراً تقدم الحسود وقال : اي طلبة اطلبها تعطي صاحبي ضعفها ؟ قال الحجاج : نعم . فقال الحسود : ايها الامير

معرفة النفس 164

اطلب ان تفقأ عيني اليسرى : فقال الحجاج : لماذا ؟ فرد الحسود : لكي تعطي صاحبي ضعف ما تعطيني فتفقأ عينيه ! فقال الحجاج : اما رأيت طلبة الا هذه الطلبة ؟ لماذا لم تطللب مالاً او منصباً حتى تستفيد منه : فقال الحسود : والله ان تفقأ عيني اهون علي من ان ارى صاحبي يأخذ ضعفين وانا آخذ نصف ما أخذ ؟ !
3 ـ وضع العقبات والعراقيل امام الاخرين ..


حينما يعجز الانسان الاناني عن احداث الفشل في مسيرة الاخرين ، وتحطيم انجازاتهم ، ومكاسبهم عبر الحسد ، واشاعة سلبياتهم مضخمة ، فانه يلجأ الى اساليب اشد خطورة ، حيث يبدأ الشيطان بتشجيعه على معاداة الاخرين ، والوقوف امام تقدمهم ، بوضع العراقيل والعقبات في مسيرتهم ، وتتحول مهمته في الحياة من تطوير ذاته الى تحطيم الطرف المقابل ، وحينما تتبع برنامجه اليومي ، تراه يزخر بفقرات الوقوف امام تقدم الاشخاص الاخرين ، باتباع اساليب غير اخلاقية ، تماماً كالاشخاص الذين يدخلون في سباق رياضي ، حيث يلجأ بعض المشجعين من اجل ان يتقدم الافراد المؤيدين لهم بقذف الحجارة ، وضرب الاشخاص الاخرين المتقدمين في السباق ، لكي يتسنى للمتعاطفين معهم ان يتقدموا على خصمهم ، ان معاداة الاخرين مرض نفسي ، حذر منه الاسلام ، لما له من دور في تحطيم مسيرة التقدم الاجتماعية ، حيث ينحصر تفكير كل شخص بتحطيم الاشخاص الاخرين ، ويبتعد عن الاعمال الانتاجية والايجابية ، التي تعمل على تقدم المجتمع برمته .
يقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
« ما عهد الي جبرائيل ( عليه السلام ) في شيء ما عهد الي في معاداة

معرفة النفس 165

الرجال » . (1)
« اياكم والخصومة فانها تشغل القلب وتورث النفاق وتكسب الضغائن » (2) .
وتزداد خطورة معاداة الاخرين ، حينما تحدث بين العاملين على الصعيد الاسلامي ، ممن يرغبون في نشر الاسلام ، وتعاليمه وتطبيق حكم الله في الارض ، حيث ان الانانيين الذين يريدون ان يحتكروا الساحة لانفسهم ، دائماً في صراع مع الاطراف الاخرى المنافسة لهم ، مما يضعف جبهة الحق ، ويقوي جبهة الباطل ، ذلك ان المعاداة بين الاسلاميين هو اضعاف لهم ، وهذا المظهر في الواقع هو مظهر من مظاهر تخلف المسلمين .
هذه هي المراتب الثلاث التي يتدرج فيها الانسان الاناني بدأ من التمحور حول الذات ومروراً ببروز الاخلاق والصفات الانانية السيئة وانتهاءاً بمعاداة الاخرين .

(1) ميزان الحكمة : ج 6 ص 92 .
(2) ميزان الحكمة : ج 3 ص 45 .
معرفة النفس 166



السابق السابق الفهرس التالي التالي