معرفة النفس 63


الفصل الثالث

خطر السقوط


معرفة النفس 64




معرفة النفس 65

لماذا نردد في صلاتنا مرارا كل يوم « اهدنا الصراط المستقيم » ؟ . أو لسنا الان باعتبارنا مسلمين مؤمنين نسلك الصراط المستقيم ؟ هل نشك في الخط الذي نسير عليه ونحتمل في انفسنا الضلال ؟ ام ماذا ؟ .
في الواقع : ان الصراط المستقيم ليس طريقاً يبحث عنه الانسان عند مفترق طرق فاذا ما اهتدى اليه سلكه واستمر في السير عليه مرة واحدة الى الاخير ...
بل ان الانسان في كل لحظة وامام اي موقف او قضية او كلمة يجد امامه طرقا كثيرة وخيارات عدة احدها يمثل الصراط المستقيم بينما البقية طرق ملتوية معوجة ..
وفي كل لحظة يتعرض الانسان لخطر الانحراف والتنكب عن الصراط المستقيم الذي يسير عليه ولذلك يردد دائماً : « اهدنا الصراط المستقيم ... » . فالمطلوب ليس مجرد اكتشاف الخط الصحيح في الحياة والبدء باليسير عليه بل المطلوب هو استقامة السير والاستمرار فيه .
ان الله تعالى يلفتنا ان نطلب منه الوقاية والسلامة من الزيغ والضلال بعد الهداية والصلاح فيعلمنا ان نقول : « ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب

معرفة النفس 66

لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب » (1) .
وفي مورد آخر يذكرنا الباري جل وعلا بقصة ذلك العالم الاسرائيلي الكبير بلعم بن باعوراء كنموذج سيء للسقوط في اوحال الكفر والضلال بعد ان كان متسنما لذروة الهداية والصلاح يقول عنه تعالى :
« واتل عليهم نبأ الذي اتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه فملثه كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث وان تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص لعلهم يتفكرون » (2) .
وابليس الم يكن عابداً لله خاضعاً حتى رفعه الله الى درجة الكمال مع انه من الجن كما يقول تعالى : « ان ابليس كان من الجن » ولكنه في لحظة انحراف واحدة اصبح رمز الشقاء والضلال الى يوم القيامة « وكان قد عبد الله ستة الاف سنة لا يدري امن سني الدنيا ام من سني الاخرة » (3) كما يقول الامام علي ( عليه السلام ) .
وتحدثنا الروايات عن بعض النماذج التاريخية التي اصابها السقوط والانحراف بعد ان قطعت شوطاً طويلاً من السير على خط الهداية والصلاح ، فمثلاً ( برصيصا ) ذلك العابد الزاهد الذي كان قدوة في الخشوع والخضوع لاحد مجتمعات بني اسرائيل ولفضله ومكانته عند الله كان مستجاب الدعاء يؤتى بالمجانين والمرضى فيدعو لهم ويعوذهم فيطيبون على

(1) سورة آل عمران : ـ 8 .
(2)سورة الاعراف : 175 ـ 176 .
(3)نهج البلاغة خطبة : 192 .
معرفة النفس 67

يديه .
وذات مرة جيء له بأمرأة جميلة ذات شرف قج اصابها الجنون وتركها اخوتها في صومعته ليشفيها الله ببركة انفاسه ودعائه ...
وفي لحظة سيئة واذا بذلك العابد الزاهد يمارس الجريمة مع تلك المريضة المجنونة !!!
وانتبه على نفسه بعد الجريمة فلعل المرأة قد حملت منه !!!
يا للفضيحة والعار ...
وهنا قرر ان يقتلها ويدفنها في الصحراء ليتخلص من الفضيحة !!!
ولكنها فضيحة مكشوفة وجريمة ثابتة لا يمكن التنصل منها فقد اضطر للاعتراف بذلك امام السلطة وحكم عليه بالاعدام مصلوباً بعد ادانته بجريمتين الزنا والقتل ...
فأتى الشيطان وهو مصلوب على الخشبة ينتظر لحظة الموت ليستريح من حياة الخزي والعار فوسوس اليه الشيطان قائلاً : انا الذي القيتك في هذا فاسجد لي سجدة واحدة حتى اخلصك ...
قال العابد ( المجرم الشقي ) مستجيبا لطلب الشيطان كيف اسجد لك وانا على هذه الحالة ؟
فأجابه الشيطان اكتفي منك بالايماء .
فأومأ بالسجود للشيطان ... وبعدها مباشرة لفظ آخر نفس من انفاس حياته ... (1)
لقد انتهت حياته ويداه ملطختان بأبشع الجرائم فقد مارس جريمة الزنا
(1) سفينة البحار : ج 1 ص 71 .
معرفة النفس 68

ثم قام بجريمة القتل ثم كفر بالله وسجد للشيطان ... بعد ان كان عابداً مستجاب الدعوة عند الله ...
هكذا يكون الانسان مهما كان درجة ايمانه معرضاً لخطر السقوط والانحراف في كل لحظة من لحظات حياته يقول الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة لا يتيقن الوصول الى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه » (1) .
بل ان هناك نصوصاً واحاديث تشير الى ان المؤمن ليس معرضاً لخطر الضلال والانحراف كسائر الناس بل ان وضعه اخطر وتعرضه لمحاولات الانحراف والضلال اكثر من الاخرين ...
يقول امامنا جعفر الصادق ( عليه السلام ) في اول وصيته لعبد الله بن جندب : « يا عبد الله لقد نصب ابليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها الا اولياءنا » (2) .
وفي حديث آخر قال ( عليه السلام ) : « ان الشيطان ليأتي الرجل من اوليائنا عند موته يأتيه عن يمنيه وعن يساره ليصده عما هو عليه ... » (3) .
ومرة سئل احد الائمة ( عليهم السلام ) من قبل احد تلامذته المجاهدين : قال : يا بن رسول الله اتخاف علينا من الشيطان ؟
فأجابه الامام : وهل الخوف من الشيطان الا عليكم اما غيركم فقد خلص منهم ...
وعن الامام الباقر ( عليه السلام ) : « اذا مات المؤمن خلى على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة ومضر كانوا مشتغلين به »(4)

(1) المصدر السابق : ج 2 ص 209 .
(2) بصائر وهدى للمؤلف : ص 85 .
(3) سفينة البحار : ج 1 ص 699 .
(4) ميزان الحكمة : ج 5 ص 81 .
معرفة النفس 69

من أين يأتي الخطر ؟

ولكن لماذا يصبح احتمال الانحراف وارداً في حياة الانسان المؤمن ؟
يبدو ان هناك اسباباً عدة وراء ذلك وخاصة بالنسبة لنا كمؤمنين نعيش في هذا العصر :
فأولاً : رواسب التربية والبيئة .


فآباؤنا وعوائلنا وبيئتنا التي نشأنا فيها لمن تكن في المستوى المطلوب من الوعي والالتزام بالقيم الاسلامية الصحيحة ... ان اغلب العوائل في مجتعنا لا تعرف شيئاً عن اساليب التريبة السلمية ولا عن مناهج الاسلام في التربية وتوجيه الاولاد ... وان الثقافة التي يحملها اهالينا والتي يغرسونها في اذهاننا ليست نقية وصافية انها مشوية بالاوهام والخرافات والتزييف ...
وان الاخلاق وطريقة التعامل التي ننشأ في ظلها ليست وفق ما يريد الاسلام مائة في المائة بل هي مليئة بالاخطاء والانحرافات ...
وحينما يتربى الانسان في مثل هذه الاوضاع والظروف فانه حتى وان توفق لاصلاح نفسه واهتدى الى الصراط المستقيم في حياته فان رواسب تلك التربية والبيئة قد يبقى بعضها في نفسه ليقذف به مهاوي الانحراف والضلال ...

معرفة النفس 70

ثانياً : تأثير الأجواء الفاسدة .


تعالوا لننظر في اية اجواء نحن نعيش ؟ ومن اي هواء نتنفس ؟ اننا نعيش اجواء يسيطر عليها الطاغوت سيطرة تامة كاملة ... فالحكومات التي تحكمنا ونخضع لها حكومات ظالمة طاغية ... والمدارس التي نتخرج منها مناهجنا فاسدة ... وخاطئة ...
والاعلام الذي نستمعه ونراه من خلال الصحف والمجلات ومحطات الراديو والتلفزيون اعلام مضلل .
والثقافة المتوفرة ثقافة قشرية ومنحرفة ...
والقيم السائدة قيم جاهلية ومصلحية ...
والمجتمع الذي نعيش ضمنه مجتمع متخلف ...
ان هذا الفساد الذي يغطي اجواءنا ويلف حياتنا قد يترك بعض اثاره على افكارنا وممارساتنا شعرنا بذلك او لم نشعر ...
ثالثاً : ضغوط الالتزام .


ففي هذا العصر المادي وفي مثل هذه الاجواء الفاسدة التي نعيش ، يصبح الالتزام بالمبادىء والقيم مصدر مصاعب ومتاعب وضغوط قاسية في حياة الانسان المؤمن ...
وقد صدق رسولنا العظيم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو الصادق الامين حينما قال : « يأتي على الناس زمان يكون القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر » .
هذه الضغوط التي يعانيها الانسان المؤمن من قبل سلطات الطاغوت او قطاعات المجتمع المتخلف وحتى قبل اهله وعائلته ... ولتحديه الاجواء

معرفة النفس 71

الفاسدة ومواجهته للواقع السيء ... كل تلك الضغوط تسبب له مضايقة نفسية قد تؤدي الى بعض التراجع والانهزام او سوء الخلق وتعقد النفس ...
رابعاً وأخيراً : دور الشيطان .


ان وجود المؤمن في هذا العصر يشكل تحدياً صارخاً وكبيراً للشيطان فكيف اذا ما كان ذلك المؤمن رسالياً يعمل على هداية الاخرين ، ونسف خطط الشيطان ، وتخريب الاجواء عليه ؟
ان المؤمن الرسالي هو اخطر جبهة يعمل الشيطان على مقاومتها ويوجه جهوده نحوها واقل غفلة تمر على المؤمن الرسالي فان الشيطان مستعد لاغتنامها حيث بالتسرب داخل حياته ولو من ثغرة بسيطة ، وعبر ذنب صغير .
لذا جاء في الحديث الشريف عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « والذي نفس محمد بيده لعالم واحد اشد على ابليس من الف عابد ، لان العابد لنفسه والعالم لغيره » (1) .
والسبب واضح فألف عابد ليست لهم فطنة وفقه في دينهم لا يجد الشيطان عناءاً كبيراً في اضلالهم والانحراف بهم ومن ناحية اخرى فهم يشكلون خطراً محدوداً لا يتعدى انفسهم لان امتدادهم وتأثيرهم على الاخرين ليس وارداً .. أما مؤمن يفقه دينه ويعيه بمختلف ابعاده فان اضلاله مهمة شاقة وصعبة على الشيطان هذا أولاً وثانياً فانه جبهة قابلة للتوسع والامتداد بواسطة تأثيره واستقطابه للآخرين ...

(1) ميزان الحكمة : ج 6 ص 461 .
معرفة النفس 72

من هنا يصب الشيطان كل جهوده واهتمامه على هذه الجبهة الخطيرة وهي : المؤمن الرسالي ...
وقد جاءت النصوص الدينية عن انبياء الله وائمة الهدى تحذرنا من الغفلة وتؤكد علينا ضرورة استمرار التنبه واليقظة ...
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
« ومن غفل غرته الاماني واخذته الحسرة » (1) .
وعن الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« ان كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا ؟ » (2) .
احذروا مؤامرات الشيطان


وثمة ملاحظة اخرى مهمة جداً في هذا المجال :
حينما يعمل الشيطان على اضلال المؤمن والانحراف به على جادة الصراط المستقيم فانه قد لا يأتيه من قبل الذنوب الواضحة والمعاصي المكشوفة فيحاول مثلاً ان يقنعه بشرب الخمر او باللواط او ترك الصلاة ... انها حينئذ محاولة مفضوحة ومحكوم عليها بالفشل بالنسبة لمؤمن ملتزم ...
فلا بد من اختيار الخطة المناسبة التي يمكن ان تنطلي على المؤمن في لحظة غفلة او سهو يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصيته لكميل بن زياد « ان لهم ـ الشياطين ـ خدعاً وشقاشق وزخارف ووساوس وخيلاء . على كل احد قدر منزلته في الطاعة والمعصية فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة » (3) .
فعن اي طريق اذن يجيء الشيطان ؟ ؟

(1) (2) سفينة البحار : ج 2 ص 323 .
(3) بصائر وهدى للمؤلف : ص 62 .
معرفة النفس 73

انه يأتي للانسان المؤمن عن طريق دينه ، فيحيك له مؤامرة يضفي عليها طابع الدين ، وينصب له فخاً عليه مظاهر الطاعة والعبادة وحينما يغيب عن المؤمن وعيه وانتباهه وتيقظه في احدى اللحظات فانه يقع في فخ الشيطان ويتورط في مصيدته !!
وهذا هو ما حذر منه القرآن الكريم بقوله« ولا تلبسوا الحق بالباطل » ويقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « فلو ان الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين ولو ان الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه السن المعاندين ، ولكي يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فنهالك يستولي الشيطان على اوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى » (1) .
ومن هذا القبيل ما يصنعه الشيطان في نفوس بعض المؤمنين من تضخيم بعض قضايا الدين على حساب سائر القضايا الدينية .
يقول الامام زين العابدين علي ابن الحسين ( عليه السلام ) في دعائه : « فلولا ان الشيطان يختدعهم من طاعتك ما عصاك عاص ، ولولا انه صور لهم الباطل في مثال الحق ما ضل عن طريقك ضال » (2) .
فباسم العبادة والاقبال على الصلاة الدعاء يهمل الجهاد في سبيل الله . وتحت عنوان لزوم « التقية » ووجوبها يعيش المؤمن الخضوع والاستسلام للطغيان والباطل ...
وبحجة اتباع وتقليد احد الفقهاء والمجتهدين يترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل على مقاومة الظلم والفساد ...
وبمبرر التفرغ لا صلاح الذات وبنائها يكون التهرب من النشاط والعمل

(1) نهج البلاغة رقم : 50 .
(2) الصحيفة السجادية دعاء : 37 .
معرفة النفس 74

في سبيل الله ...
ان امثال هذه الموارد غالباً ما تكون مصائد واحابيل للشيطان تنطلي على بعض المؤمنين في لحظات الغفلة وعدم الانتباه .
وعلينا ان نتذكر احداث التاريخ لنستفيد منها دروساً تجعلنا قادرين على فضح مؤامرات الشيطان ... فالذين اعتزلوا القتال مع أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب ( عليه السلام ) ضد معاوية كانت له امثال هذه التبريرات ... حيث قالوا : انها فتنة وتورط في سفك دماء المسلمين لا نلطخ ايدينا بها ...
والذين قعدوا عن نصرة الامام الحسين وسكتوا على حكم يزيد كانوا يقولون : مالنا والدخول بين السلاطين او من لا تقية له لا دين له .


معرفة النفس 75

ضمانات الاستقامة

والان : ما هي الضمانات التي يلجأ اليها الانسان المؤمن لمواجهة اخطار الانحراف والضلال ؟؟؟ .
والجواب : انها المزيد من الوعي واليقظة ومجاهدة النفس ... ولكي يتوفق الانسان لذلك لا افضل من التتلمذ على توجيهات ووصايا ائمة الهدى وجدهم الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ...
تلك التوجيهات التي تنفذ الى اعماق نفس الانسان لتسلط له الضوء على الرواسب المتبقية في نفسه من التربية الخاطئة والبيئة الفاسدة ...
والوصايا التي تعطي الانسان الثقة بنفسه وترفع معنوياته وتجعله في مستوى التحدي ومواجهة كل دنيا الفساد واجواء علام الانحراف ...
انها تكشف للانسان عن حقائق الكون والحياة وتجعله ينظر الى ما حوله ببصيرة نافذة وعميقة .
وتمنح هذه الوصايا الرائعة للانسان قدرة نفسية كبيرة على تجاوز كل الضغوط ومواجهة جميع الازمات والمصاعب التي تعترض طريق المؤمن الملتزم بصدر رحب ونفس مطمئنة راضية مرضية ...
واخيراً فان هذه التوجيهات العظيمة تفضح امام الانسان كل مخططات الشيطان ومؤامراته وتجعل الانسان يقظاً واعياً مستقيماً على الصراط

معرفة النفس 76

المستقيم ...
انها وصايا عظيمة رائعة لا تقدر بثمن ...
يقدمها للبشرية ائمة عرفوا الحياة معرفة حقيقية كاملة ... وشقوا امام الانسان طريق الاستقامة والنجاح ... وضربوا اروع المثل في الثبات على الطريق المستقيم رغم كل المصاعب والتحديات ...
انها وصايا صادقة مخلصة صدرت عن ائمة صادقين مخلصين ...
فما احوج كل مؤمن للتتلمذ على هذه الوصايا لتصبح المنظار الذي يرى من خلاله الحياة واحداثها ... ولتكون هدى يضيء له طريق الاستقامة والنجاح ...
ولنتأمل الان بعض النماذج من تلك الوصايا الرائعة العظيمة :
من وصايا الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) :


جاء في وصيته العظيمة الشاملة لابي ذر الغفاري ( رضي الله عنه ) :
يا أبا ذر : احفظ ما اوصيك به تكن سعيداً في الدنيا والاخرة .
يا أبا ذر : اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك .
يا أبا ذر : اياك والتسويف باملك ، فانك بيومك ولست بما يعده ، فان يك غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم ، وان لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم .
يا أبا ذر : كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ومنتظر غداً لا يبلغه .
يا أبا ذر : كن على عمرك اشح منك على درهمك ودينارك .

معرفة النفس 77

يا أبا ذر : من ابتغى العلم ليخدع به الناس ، لم يجد ريح الجنة .
يا أبا ذر : يطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون : ما ادخلكم النار ؟ وقد دخلنا الجنة بتأديبكم وتعليمكم !! فيقولون انا كنا نأمر بالخير ولا نفعله .
يا أبا ذر : المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم الزيادة ، ان المؤمن ليرى ذنبه كأنه صخرة يخاف ان تقع عليه ، وان الكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مر على انفه .
يا أبا ذر : ان الله تبارك وتعالى اذا اراد بعبد خيراً جعل ذنوبه بين عينيه ممثلة ، والاثم عليه ثقيلاً وبيلاً ، واذا اراد بعبد شراً انساه ذنوبه .
يا أبا ذر : لا تنظر الى صغر الخطيئة ، ولكن انظر الى من عصيته (1) .
من وصايا امير المؤمنين (عليه السلام ) :


في وصيته شاملة عهد بها الامام أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب ( عليه السلام ) لكميل بن زياد ( رضي الله عنه ) جاءت النقاط التالية :
يا كميل : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ادبه الله وهو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ادبني وانا اؤدب المؤمنين .
يا كميل : ما من حركة الا وانت محتاج فيها الى معرفة .
يا كميل : لا تردن سائلاً ولو من شطر حبة عنب او شق تمرة ، فان الصدقة تنمو عند الله .
يا كميل : لا بأس بأن لا يعلم سرك .
يا كميل : المؤمن مرآة المؤمن لانه يتأمله ويسد فاقته ويجمل حالته .

(1) المجلسي : بحار الانوار : ج 77 ص 74 ـ 91 .
معرفة النفس 78

يا كميل : اذا وسوس الشيطان في صدرك ، فقل اعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي ، واعوذ بمحمد الرضي من شر ما قدر وقضي ، واعوذ باله الناس من شر الجنة والناس ، تكفي مؤنة ابليس والشياطين معه ، ولو انهم كلهم ابالسة مثله .
يا كميل : ان لهم ( الشياطين ) خدعا وشقاشق وزخارف ووساوس وخيلاء على كل احد قدر منزلته في الطاعة والمعصية ، فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة .
يا كميل : لا عدو اعدى منهم ، ولا ضار اضر بك منهم ، امنيتهم ان تكون معهم غدا اذا جثوا في العذاب .
يا كميل : ان الارض مملوءة من فخاخهم فلن ينجو منها الا من تشبث بنا .
يا كميل : ليس الشأن ان تصلي وتصوم وتتصدق الشأن ان تكون الصلاة بقلب نقي ، وعمل عند الله مرضي ، وخشوع سوي ، وابقاء للجد فيها (1) .
من وصايا الامام الحسن ابن علي ( عليه السلام) :


قال له جنادة ابن ابي امية في مرضه الذي توفي فيه : عظني يا أبن رسول الله .
قال : نعم .
استعد لسفرك ، وحصل زادك قبل حلول اجلك ، واعلم انك تطلب الدنيا والموت يطلبك ، ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي

(1) الحاني : تحف العقول : ص 199 ـ 123 .
معرفة النفس 79

انت فيه .
واعلم : ان الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ، وفي الشبهات عتاب ، فانزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك فان كان حلالاً كنت قد زهدت فيه ، وان كان حراماً لم يكن فيه وزر فأخذت منه كما اخذت من الميتة ، وان كان العتاب فالعتاب يسير .
واعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً .
واذا أردت عزاً بلا عشيرة ، وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذك معصية الله الى عز طاعة الله عز وجل (1) .
من وصايا الامام محمد الباقر ( عليه السلام ) :


من وصية له ( عليه السلام ) لاحد تلامذته الخواص جابر بن يزيد الجعفي ( رضي الله عنه ) قال فيها : ـ
أوصيك بخمس : ان ظلمت فلا تظلم ، وان خانوك فلا تخن ، وان كذبت فلا تغضب ، وان مدحت فلا تفرح ، وان ذممت فلا تجزع ، وفكر فيما قيل فيك ، فان عرفت في نفسك ما قيل فيك ، فسقوطك من عين الله جل وعز عند غضبك من الحق اعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من اعين الناس ، وان كنت على خلاف ما قيل فيك ، فثواب اكتسبته من غير ان يتعب بدنك .
واعلم بأنك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا : انك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : انك رجل صالح لم يسرك ذلك ، ولكن اعرض نفسك على كتاب الله ، فان كنت سالكاً سبيله ، زاهداً في تزهيده ، راغباً في ترغيبه ، خائفاً من تخويفه ، فاثبت وابشر ،

(1) الميلاني : قادتنا كيف نعرفهم : ج 5 ص 325 ـ 326 .
معرفة النفس 80

فانه لا يضرك ما قيل فيك . وان كنت مبائناً للقرآن فماذا الذي يغرك من نفسك ...
ان المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرة يقيم اودها ( عوجها ) ويخالف هواها في محبة الله ، ومرة تصرعة نفسه فيتبع هواها ، والمخافة ، فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف ، وذلك بأن الله يقول : ( ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون (1) .
من وصايا الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) :


قضايا مهمة وحقائق خطيرة يطرحها الامام الصادق ( عليه السلام ) وفي وصيته لاحد خواص اصحابه ( عبد الله بن جندب البجلي الكوفي ) نقتطف منها المقاطع التالية :
يا عبد الله : لقد نصب ابليس حبائله في دار الغرور فيما يقصد فيها الا اولياءنا ، ولقد جلت الاخرة في اعينهم حتى ما يريدون بها بدلاً .
يا ابن جندب : حق على كل مسلم يعرفنا ان يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه ، فان رأى حسنة استزاد منها وان رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة ، طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما اوتوا من نعيم الدنيا وزهرتها . طوبى لعبد طلب الاخرة وسعى لها ، طوبى لمن لم تلهه الاماني الكاذبة ...
ثم قال ( عليه السلام ) : رحم الله قوماً كانوا سراجاً ومناراً ، كانوا دعاة

(1) تحف العقول : 206 ـ 207 .
معرفة النفس 81

الينا باعمالهم ومجهود طاقتهم ، ليس كمن يذيع اسرارنا ...
يا ابن جندب : انما المؤمنون الذين يخافون الله ويشفقون ان يسلبوا ما اعطوا من الهدى ، فاذا ذكروا الله ونعماءه وجلوا واشفقوا واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايماناً مما اظهره من نفاذ قدرته ، وعلى ربم يتوكلون .
يا ابن جندب :
يهلك المتكل على عمله . ولا ينجو المجترىء على الذنوب ، الواثق برحمة الله ..
قلت : فمن ينجو ؟
قال : الذين هم بين الرجاء والخوف ، كأن قلوبهم في مخلب طائر شوقاً الى الثواب ، وخوفاً من العذاب .
يا ابن جندب :
من سره ان يزوجه الله الحور العين ، ويتوجه بالنور ، فليدخل على اخيه المؤمن السرور .
يا ابن جندب :
اقل النوم بالليل والكلام بالنهار ، فما في الجسد شيء اقل شكراً من العين واللسان ، فان ام سليمان قالت لسليمان ( عليه السلام ) : يابني اياك والنوم فانه يفقرك يوم تحتاج الناس الى اعمالهم :
يا ابن جندب :
ان للشياطين مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه ومصائده !
يا ابن جندب :
من اصبح مهموماً لسوى فكاك رقبته هون عليه الجليل ورغب من ربه

معرفة النفس 82

في الربح الحقير : ومن غش اخاه وحقره وناواه جعل الله النار مأواه ، ومن حسد مؤمناً انماث في قلبه كما ينماث الملح في الماء .
يا ابن جندب :
الماشي في حاجة اخيه كالساعي بين الصفا والمروة ، وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم ( بدر ) و ( احد ) وما عذب الله امة الا عند استهانتهم بحقوق فقراء اخوانهم .
يا ابن جندب :
بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم : لا تذهبن بكم المذاهب فوالله لا تنال ولا يتنا الا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومواساة الاخوان في الله ، وليس من شيعتنا من يظلم الناس .
يا ابن جندب :
انما شيعتنا يعرفون بخصال شتى : بالسخاء والبذل للآخوان ، وبأن يصلوا الخمسين ليلاً ونهاراً ..
يا ابن جندب :
كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك ، وكل البر مقبول الا ما كان رئاءاً ..
يا ابن جندب :
ان أحببت ان تجاور الجليل في داره وتسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا ، ولا تدخر شيئاً لغد . واعلم ان لك ما قدمت وعليك ما اخرت ..
صبر نفسك عند كل بلية في ولد او مال او رزية ، فانما يقبض عاريته .

معرفة النفس 83

ويأخذ هبته ليبلوا فيها صبرك وشكرك .
وارج الله رجاءاً لا يجريك على معصيته وخفه خوفاً لا يؤيسك من رحمته ...
ولا تغتر بقول الجاهل ولا بمدحه فتكبر وتجبر وتعجب بعملك ، فان افضل العمل العبادة والتواضع ...
يا ابن جندب :
لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك ، فانك ان فعلت ذلك فقد استوفيت اجرك ، ولكن اذا اعطيت بيمينك فلا تطلع عليهم شمالك ، فان الذي تتصدق له سراً يجزيك علانية على رؤوس الاشهاد في اليوم الذي لا يضرك ان لا يطلع الناس على صدقتك ..
يا ابن جندب :
الخير كله امامك ، وان الشر كله امامك ولن ترى الخير والشر الا بعد الاخرة ، لان الله جل وعز جعل الخير كله في الجنة والشر كله في النار ، لانهما الباقيان ، والواجب على من وهب الله له الهدى واكرمه بالايمان ، والهمه رشده وركب فيه عقلاً يتعرف به نعمه ، واتاه علما وحكماً يدبر به امر دينه ودنياه ، ان يوجب على نفسه ان يشكر الله ولا يكفره ، وان يذكر الله ولا ينساه ، وان يطيع الله ولا يعصيه ...
أما انه لو وقعت الواقعة ، وقامت القيامة ، وجاءت الطامة ونصب الجبار الموازين لفصل القضاء وبرز الخلائق ليوم الحساب ، ايقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة والكرامة ، وبمن تحل الحسرة والندامة فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الاخرة ...
يا ابن جندب :

معرفة النفس 84

قال الله جل وعز في بعض ما اوحى : ( انما أقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي ، ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي ، ويقطع نهاره بذكري ولا يتعظم على خلقي ، ويطعم الجائع ، ويكسو العاري ، ويرحم المصاب ، ويؤوي الغريب ، فذلك يشرق نوره مثل الشمس ، اجعل له في الظلمة نوراً ، وفي الجهالة حلما، اكلأه بعزتي واستحفظه ملائكتي ، يدعوني فالبيه ، ويسألني فأعطيه ، فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفرودوس لا يسبق اثمارها ، ولا تتغير عن حـالها ... ) (1) .
من وصايا الامام موسى الكاظم ( عليه السلام )


ما أروع هذه الوصية التي ادلى بها الامام الكاظم ( عليه السلام ) لتلميذه الجليل هشام بن الحكم البغدادي ، انها تحتوي على درر ثمينة من المعرفة ، وتقدم للانسان افضل الرؤى والتوجيهات فلنتتلمذ على بعض المقاطع من هذه الوصية العظيمة :
يا هشام :
لكل شيء دليل ، ودليل العاقل التفكر .
يا هشام :
لو كان في يدك جوزة ، وقال الناس في يدك لؤلؤة ما كان ينفعك وانت تعلم انها جوزة . ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس : انها جوزة ما ضرك وانت تعلم انها لؤلؤة .
يا هشام :
ان لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والانبياء والائمة ، واما الباطنة فالعقول .

(1) الحراني : تحف العقول : ص 221 ـ 226 .
معرفة النفس 85

يا هشام :
قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف ، وكثير العمل من اهل الهوى والجهل مردود .
يا هشام :
ان العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة ، ولم يرضى بالدون من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم ...
يا هشام :
ان كان يغنيك ما يكفيك فادنى ما في الدنيا يكفيك ، وان كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك ...
يا هشام :
ان العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب ؟ وترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض ...
يا هشام :
ان العقلاء زهدوا في الدنيا ، ورغبوا في الاخرة ، لانهم عملوا ان الدنيا طالبة ومطلوبة والاخرة طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الاخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الاخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته ...
يا هشام :
ان الله جل وعز حكى عن قوم صالحين انهم قالوا : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب ) حين علموا ان

معرفة النفس 86

القلوب تزيغ وتعود الى عماها ورداها .
يا هشام :
لا دين لمن لا مروة له ، ولا مروة لمن لا عقل له ، وان اعظم الناس قدراً الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً ، اما ان ابدانكم ليس لها ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها ..
يا هشام :
ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه ، ولا يعد ما لا يقدر عليه ولا يرجو ما يعنف برجاءه ، ولا يتقدم على ما يخاف العجز عنه ..
يا هشام :
رحم الله من استحيا من الله حق الحياء ، فحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وذكر الموت والبلى ، وعلم ان الجنة محفوفة بالمكاره ، والنار محفوفة بالشهوات .
يا هشام :
من كف نفسه عن اعراض الناس اقاله الله عثرته يوم القيامة ومن كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة .
يا هشام :
ان العاقل لا يكذب وان كان فيه هواه .
يا هشام :
اصلح ايامك ، الذي هو امامك ، فانظر اي يوم هو واعد له الجواب ، فانك موقوف ومسؤل ، وخذ موعظتك من الدهر واهله ، فان الدهر طويلة

معرفة النفس 87

قصيرة ، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون اطمع في ذلك ، واعقل عن الله وانظر في تصرف الدهر واحواله ، فان ما هو آت من الدنيا ، كما ولى منها ، فاعتبر بها ...
وقال علي ابن الحسين ( عليه السلام ) : ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الارض ومغاربها بحرها وبرها وسهلها وجبلها عند ولي من اولياء الله واهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال ...
ثم قال ( عليه السلام ) : الا حر يدع هذه اللماظة لاهلها ـ يعني الدنيا ـ فليس لانفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها ، فانه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس .
يا هشام :
ان كل الناس يبصر النجوم ، ولكن لا يهتدي بها الا من عرف مجاريها ومنازلها . وكذلك انتم تدرسون الحكمة ، ولكن لا يهتدي بها منكم الا من عمل بها .
يا هشام :
ان كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها ...
يا هشام :
بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري اخاه اذا شاهده ، ويأكله اذا غاب عنه ، ان اعطي حسده وان ابتلي خذله ..
يا هشام :
لا يكون الرجل مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو ..

معرفة النفس 88

يا هشام :
ان مثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل ، يحذرها الرجال ذووا العقول ويهوي اليها الصبيان بأيديهم ..
يا هشام :
اصبر على طاعة الله ، واصبر عن معاصي الله . فانما الدنيا ساعة فما مضى منها فليس تجد له سروراً ولا حزناً . وما لم يأت منها فليس تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي انت فيها فكأنك قد اغتبطت .
يا هشام :
مثل الدنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله .
يا هشام :
اياك والكبر ، فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبه من كبر . الكبر رداء الله فمن نازعه رداءه اكبه الله في النار على وجهه.
يا هشام :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اذا رايتم المؤمن صموتاً فادنوا منه ، فانه يلقى الحكمة . والمؤمن قليل الكلام كثير العمل والمنافق كثير الكلام قليل العمل ...
يا هشام :
اوحى الله تعالى الى داود ( عليه السلام ) : قل لعبادي : لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدهم عن ذكري وعن طريق محبتي ومناجاتي ، اولئك قطاع الطريق من عبادي ، ان ادنى ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة

معرفة النفس 89

محبتي ومناجاتي من قلوبهم ...
يا هشام :
اوحى الله تعالى الى داود ( عليه السلام ) : يا داود حذر فانذر اصحابك عن حب الشهوات ، فان المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني ...
يا هشام :
اياك والكبر على اوليائي والاستطالة بعلمك فيمقتك الله ، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك . وكن في الدنيا كساكن دار وليست له . انما ينتظر الرحيل ...
يا هشام :
مجالسة اهل الدين شرف الدنيا والاخرة . ومشاورة العاقل الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله . فاذا اشار عليك العاقل الناصح فاياك والخلاف فان في ذلك العطب .
واذا مر بك امران لا تدري ايهما خير واصوب ، فأنظر ايهما اقرب الى هواك فخالفه ، فان كثير الصواب في مخالفة هواك ..
يا هشام :
من احب الدنيا ذهب خوف الاخرة من قلبه ، وما اوتي عبد علماً فازداد للدنيا حباً الا ازداد من الله بعدا وازداد الله عليه غضباً .. (1)

(1) المصدر السابق : ص 283 ـ 297 .
معرفة النفس 90





السابق السابق الفهرس التالي التالي