حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 318

اسكتي انما هذا لدعوتك ، فقال الناس لما سمعوا ذلك منه : وكيف لنا بذلك ؟ قال : هاتوا الصبي ، فجاؤوا به فاخذه فقال : من ابوك ؟ فقال : فلان الراعي للبني فلان ، فاكذب الله الذين قالوا ما قالوا في جريح ، فحلف جريح الا يفارق امه يخدمها(1) .

العاقبة للمتقين :

روي انه كان رجل في بني اسرائيل يكثر قول : «الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين» فغاظ ابليس ذلك فبعث اليه شيطانا فقال : قل : العاقبة للاغنياء ، فجاءه فقال ذلك ، فتحاكما الى اول من يطلع عليهما على قطع يد الذي يحكم عليه ، فلقيا شخصا فاخبراه بحالهما ، فقال : العاقبة للاغنياء ، فقطع يده ، فرجع وهو يحمد الله ويقول : «العاقبة للمتقين» فقال له : تعود ايضا ؟ فقال : نعم على يدي الاخرى ، فخرجا فطلع الآخر فحكم عليه ايضا ، فقطعت يده الاخرى ، وعاد ايضا يحمد الله ويقول : «العاقبة للمتقين» .
فقال له : تحاكمني على ضرب العنق ؟ فقال : نعم ، فخرجا فرأيا مثالا فوقفا عليه ، فقال : اني كنت حاكمت هذا وقصا عليه قصتهما قال : فمسح يديه فعادتا ، ثم ضرب عنق ذلك الخبيث ، وقال : هكذا العاقبة للمتقين .(2)


القاضي وهوى النفس :

روي انه كان قاض في بني اسرائيل وكان يقضي بالحق فيهم ، فلما حضرته الوفاة قال لامراته ، اذا مت فاغسليني وكفنيني وغطي وجهي ، وضعيني على
1ـ قصص الانبياء للجزائري : 517.
2ـ نفس المصدر .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 319

سريري ، فانك لا ترين سوء انشاء الله تعالى ، فلما مات فعلت ماكان امرها به ، ثم مكثت بعد ذلك حينا ، ثم انها كشفت عن وجهه فاذا دودة تقرض منخره ، ففزعت من ذلك .
فلما كان بالليل اتاها في منامها فقال لها : فزعت مما رأيتي ؟ قالت : اجل ، قال : والله ماهو الا في اخيك .
وذلك انه اتاني ومعه خصم له ، فلما جلسا قلت : اللهم اجعل الحق له ، فلما اختصما كان الحق له ففرحت ، فاصابني ما رأيت لموضع هواي مع موافقة الحق له(1) .


الدعاء بلسان بذيء :

كان رجلا في بني اسرائيل قد دعا الله ان يرزقه غلاما ، يدعو ثلاثا وثلاثين سنة ، فلما رأى ان الله تعالى لا يجيبه قال : يا رب ابعيد انا منك فلا تسمع مني ، ام قريب انت فلا تجيبني ؟
فاتاه آت في منامه فقال له : انك تدعو الله منذ ثلاث سنين بلسان بذيء ، وقلب عات غير تقي ، وبنية غير صادقة ، فاقلع من بذائك ، وليتق الله قلبك ، ولتحسن نيتك ، قال : ففعل الرجل ذلك ثم دعا الله عز وجل فولد له غلام(2) .


القاضي والاخوة الثلاثة :

عن الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام قال : كان في بني اسرائيل رجل عاقل كثير المال ، وكان له ابن يشبهه في الشمائل من زوجة عفيفة ، وكان له ابنان من زوجة
1ـ نفس المصدر .
2ـ اصول الكافي : 2ـ 324.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 320

غير عفيفة ، فلما حضرت الوفاة قال لهم : هذا مالي لواحد منكم ، فلما توفي قال الكبير : انا ذلك الواحد ، وقال الاوسط : انا ذلك الواحد ، وقال الاصغر : انا ذلك .
فاختصموا الى قاضيهم ، قال : ليس عندي في امركن شيء ، انطلقوا الى بني الاغنام الاخوة الثلاثة .
فانتهوا الى واحد منهم فرأوه شيخا كبيرا ، فقال لهم : ادخلوا الى اخي فلان فهو اكبر مني سنا فاسألوه ، فدخلوا عليه فخرج شيخ كهل فقال : سلوا اخي الاكبر مني سنا ، فدخلوا على الثالث فاذا هو في المنظر اصغر ، فسألوه اولا عن حاله ثم بينوا له عن حالهم فقال :
اما اخي الذي رأيتموه اولا هو الاصغر ، وان له امراة سوء تسوؤه وقد صبر عليها مخافة ان يبتلي ببلاء لا صبر عليه فهرمته .
واما الثاني اخي فان عنده زوجة تسوؤه وتسره فهو متماسك الشباب .
واما انا فزوجتي تسرني ولا تسؤني ولم يلزمني منها مكروه قط منذ صحبتني فشبابي معها متماسك .
واما حديثكم الذي هو حديث ابيكم فانطلقوا اولا وبعثروا قبره ـ اي انبشوا قبره ـ واستخرجوا عظامه واحرقوها ثم عودوا لاقضي بينكم .
فانصرفوا فاخذ الصبي سيف ابيه ، واخذ الاخوان المعاول ، فلما ان هما بذلك قال لهم الصغير :
لا تبعثروا قبر ابي وانا ادع لكما حصتي ، فانصرفوا الى القاضي ، فقال : يقنعكما هذا ، ائتوني بالمال ، فقال للصغير : خذ المال ، فلو كانا ابنيه لدخلهما من الرقة كما دخل على الصغير .(1)
1ـ البحار : 14 ـ 490 عن الجزائري في القصص : 519 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 321


الزوجة الصالحة :

روي انه كان في بني اسرائيل رجل صالح ، وكانت له امراة صالحة ، فرأى في النوم ان الله تعالى قد وقت لك من العمر كذا وكذا سنة ، وجعل نصف عمرك في سعة ، وجعل النصف الآخر في ضيق ، فاختر لنفسك اما النصف الاول واما النصف الثاني الاخير .
فقال الرجل : ان لي زوجة صالحة وهي شريكي في المعاش فاشاورها في ذلك وتعود الي فاخبرك .
فلما اصبح الرجل قال لزوجته : رأيت في النوم كذا وكذا ، فقالت : يا فلان اختر النصف الاول وتعجل العافية لعل الله سيرحمنا ويتم لنا النعمة .
فلما كان في الليلة الثانية اتى الآتي فقال : ما اخترت ؟ فقال : اخترت النصف الاول ، فقال : ذلك لك ، فاقبلت الدنيا عليه من كل وجه ، ولما ظهرت نعمته قالت له زوجته : قرابتك والمحتاجون فاصلهم وبرهم وجارك واخوك فلان فهبهم ، فلما مضى نصف العمر وجاز حد الوقت رأى الرجل الذي رآه اولا في النوم ، فقال : ان الله تعالى شكر لك ذلك ولك تمام عمرك سعة مثل ما مضى(1) .


بئس الضيف :

عن هارون بن خارجة ، عن ابي عبد الله عليه السلام : ان عابدا كان في بني اسرائيل ، فاضاف امراة من بني اسرائيل فهم بها ، فاقبل كلما هم بها قرب اصبعا من اصابعه الى النار ، فلم يزل ذلك دأبه حتى اصبح .
قال لها : اخرجي لبئس الضيف كنت لي(2) .
1ـ نفس المصدر .
2ـ نفس المصدر .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 322


الرزق الحلال :

كان في بني اسرائيل رجل وكان محتاجا ، فالحت عليه امراته في طلب الرزق ، فابتهل الى الله في طلب الرزق ، فرأى في لنوم : ايما احب اليك ، درهمان من حل او الفان من حرام ؟ .
فقال : درهمان من حل ، فقال : تحت رأسك ، فانتبه فرأى درهمين تحت راسه فاخذهما واشترى بدرهم سمكة ، فاقبل الى منزله ، فلما رأته المراة اقبلت عليه كاللائمة ، واقسمت ان لا تمسها .
فقام الرجل اليها ، فلما شق بطنها اذا بدرتين فباعها باربعين الف درهم(1) .


من لا يَرحم لا يُرحم :

كان رجل شيخ ناسك يعبد الله في بني اسرائيل ، فبينما هو يصلي وهو في عبادته اذ ابصر بغلامين صبيين قد اخذا ديكا وهما ينتفان ريشه ، فاقبل على ماهو فيه من العبادة ولم ينههما عن ذلك .
فاوحى الله الى الارض : ان سيخي بعبدي ، فساخت به الارض ، فهو يهوي ابد الآبدين ، ودهر الداهرين(2) .


عدم الاستغاثة :

روي انه كان في بني اسرائيل جبارا وانه اقعد في قبره ورد اليه روحه ، فقيل : انا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله ، قال لا اطيقها ، فلم يزالوا ينقصونه من الجلد وهو يقول : لا اطيق حتى صاروا الى واحدة ، قال لا اطيقها .
ا 1ـ نفس المصدر .
2ـ امالي الطوسي : 63 ، والكافي رقم 37.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 323

قالوا : لن تصرفها عنك ، قال : فلماذا تجلدوني ؟
قالوا : مررت يوما بعبد لله ضعيف مسكين مقهور فاستغاث بك فلم تغثه ولم تدفع عنه ، قال : فجلدوه جلدة واحدة فامتلأ قبره نارا(1) .


ترك الذنب اهون من طلب التوبة :

روي ان كان عابد في بني اسرائيل لم يكسب من امر الدنيا شيئا ، فنخر ابليس نخرة فاجتمع اليه جنوده ، فقال : من لي بفلان ؟ فقال بعضهم : انا ، فقال : من اين تأتيه ؟ فقال : من ناحية النساء ، قال لست له ، لم يجرب النساء .
فقال له آخر : فانا له ، قال : من اين تأتيه ؟ قال من ناحية الشراب واللذات ، قال لست له ، ليس هذا بهذا .
قال آخر : فانا له ، قال : من اين تاتيه ، قال : من ناحية البر ، قال : انطلق فانت صاحبه .
فانطلق الى موضع الرجل فاقام حذاءه يصلي ، قال : وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام ، ويستريح والشيطان لا يستريح ، فتحول اليه الرجل وقد تعاصرت اليه نفسه واستصغر عمله .
فقال الرجل : يا عبد الله باي شيء قويت على هذه الصلاة ؟ فلم يجبه ، ثم اعاد عليه فلم يجبه ، ثم اعاد عليه فقال : يا عبد الله اني اذنبت ذنبا وانا تائب منه ، فاذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة .
قال : فاخبرني بذنبك حتى اعمله واتوب ، فاذا فعلته قويت على الصلاة .
قال : ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فاعطها درهمين ونل منها ، قال :
1ـ نفس المصدر .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 324

ومن اين لي درهمين ؟ ما ادري ما الدرهمان ، فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين فناوله اياهما .
فقام الرجل العابد فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية ، فارشده الناس ، وظنوا انه جاء يعظها ، فارشدوه فجاء اليها فرمى اليها بالدرهمين وقال : قومي ، فقامت فدخلت منزلها ، وقالت : ادخل ، وقالت : انك جئتني في هيئة ليس يؤتي مثلي في مثلها ، فاخبرني بخبرك ، فاخبرها .
فقالت له : يا عبد الله ان ترك الذنب اهون من طلب التوبة ، وليس كل من طلب التوبة وجدها ، وانما ينبغي ان يكون هذا شيطانا مثل بك ، فانصرف فانك لا ترى شيئا ، فانصرف ...
وماتت ـ المراة ـ من ليلتها ، فاصبحت فاذا على بابها مكتوب : احضروا فلانة فانها من اهل الجنة .
فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا لا يدفنوها ارتيابا في امرها ، فاوحى الله عز وجل الى نبي من الانبياء لا اعلمه الا موسى بن عمران عليه السلام :
انت ائت فلانة فصل عليها ، ومر الناس ان يصلوا عليها ، فاني قد غفرت لها ، واوجبت لها الجنة بتثبيطها عبدي فلانا عن معصيتي(1) .


لان شكرتم لازيدنكم :
روي انه كان في بني اسرائيل رجل عابد وكان محارفا(2) لا يتوجه في شيء فيصيب فيه شيئا ، فانفقت عليه امراته حتى لم يبق عندها شيء .
1ـ روضة الكافي : 384.
2ـ الرجل المحارف : اي محدود محروم .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 325

فجائها يوما من الايام فدفعت اليه نصلا(1) من غزل وقالت له : ما عندي غيره انطلق فبعه واشتري لنا شيئا ناكله ، فانطلق بالنصل الغزل ليبيعه فوجد السوق قد غلقت ، والمشترين قد قاموا وانصرفوا ، فقال لو اتيت هذا الماء فتوضأت منه وصببت علي منه وانصرفت .
فجاء الى البحر واذا هو بصياد قد القى شبكته فاخرجها وليس فيها الا سمكة رديئة قد مكثت عنده حتى صارت رخوة منتنة ، فقال له : بعني هذه السمكة واعطيك هذا الغزل تنتفع به في شبكتك ، قال : نعم ، فاخذ السمكة ودفع اليه الغزل ، وانصرف بالسمكة الى منزله .
فاخبر زوجته الخبر ، فاخذت السمكة لتصلحها فلما شقتها وجدت في جوفها لؤلؤة ، فدعت زوجها فأرته اياها فاخذها فانطلق بها الى السوق فباعها بعشرين الف درهم ، وانصرف الى منزله بالمال ، فوضعه فاذا بسائل يدق الباب ويقول : يا اهل الدار تصدقوا يرحمكم الله على المساكين ، فقال له الرجل : ادخل فدخل ، فقال له : خذ احدى الكيسين ، فاخذ احدهما وانطلق ، فقالت له امراته : سبحان الله بينما نحن مياسير اذ ذهبت بنصف يسارنا .
فلم يكن ذلك باسرع من ان دق السائل الباب فقال له الرجل : ادخل فدخل ، فوضع الكيس في مكانه ، ثم قال : كل هنيئا مريئا ، انما انا ملك من ملائكة ربك ، انما اراد ان يبلوك فوجدك شاكرا ، ثم ذهب(2) .


ذم النفس افضل من العبادة :

ان رجلا من بني اسرائيل عبد الله اربعين سنة ، ثم قرب قربانا فلم يقبل
1ـ النصل : الغزل قد خرج من المغزل .
2ـ نفس المصدر .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 326

منه ، فقال لنفسه :
وما اتيت الا منك ، وما الذنب الا لك ، فاوحى الله تبارك وتعالى اليه : ذمك لنفسك افضل من عبادتك اربعين سنة(1) .


الصدقة تدفع البلاء :

ان رجلا من بني اسرائيل كان له ابن وكان له محبا فاتي في منامه فقيل له ، ان ابنك ليلة يدخل باهله يموت ، قال : فلما كان تلك الليلة وبنا عليه ابوه ـ اي دخل على اهله ـ توقع ابوه ذلك ، فاصبح ابنه سليما .
فاتاه ابوه فقال : يا بني هل عملت البارحة شيئا من الخير ، قال : لا ، الا ان سائلا اتى الباب وقد كان ادخروا لي طعاما فاعطيته السائل ، فقال : بهذا دفع الله عنك(2) .


مساعدة المسكين :

كان رجل من بني اسرائيل ولم يكن له ولد ، فولد له غلام ، وقيل له : انه سيموت ليلة عرسه ، فمكث الغلام ، فلما كان ليلة عرسه نظر الى شيخ كبير ضعيف فرحمه الغلام فدعاه واطعمه ، فقال له السائل : احييتني احياك الله .
قال : فاتاه آت في النوم ، فقال له : سل ابنك ما صنع ، فسأله فخبره بصنعه ، قال : فاتاه الآتي مرة اخرى في النوم فقال له : ان الله احيا لك ابنك بما صنع بالشيخ(3) .
1ـ اصول الكافي : 2ـ73.
2ـ نفس المصدر : 163.
3ـ فروع الكافي : 1ـ 163.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 327


مرارة الموت :

روي ان فتية من اولاد ملوك بني اسرائيل كانوا متعبدين ، وانهم خرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا ، فمروا بقبر على ظهر الطريق قد سفى عليه السافي ، ليس يتبين منه الا رسمه ، فقالوا لو دعونا الله الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فسألناه كيف وجد طعم الموت ، فدعوا الله وكان دعائهم الذي دعوا الله به :
«اللهم انت الهنا يا ربنا ، ليس لنا اله غيرك ، والبديع الدائم غير الغافل ، الحي الذي لا يموت ، لك في كل يوم شأن ، تعلم كل شيء بغير تعليم ، انشر لنا هذا الميت بقدرتك» .
قال : فخرج من ذلك القبر رجل ابيض الشعر ينفض رأسه من التراب فزعا شاخصا بصره الى السماء ، فقال لهم : ما يوقفكم على قبري ؟ فقالوا : دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت ؟
فقال لهم : لقد مكثت في قبري هذا تسعة وتسعين سنة ماذهب عني الم الموت وكربه ، ولا خرجت مرارة طعم الموت من حلقي .
فقالوا له : متّ يوم متّ وانت على ما نرى ابيض الرأس واللحية ؟ قال : لا ، ولكن لما سمعت الصيحة ، اخرج ، اجتمعت تربة عظامي الى روحي فبقيت فيه ، فخرجت فزعا شاخصا بصري مصطعا الى صوت الداعي ، فابيض لذلك رأسي ولحيتي(1) .


الخوف من الله :

روي ان رجلا ركب البحر مع اهله فكسر بهم فلم ينج ممن كان في السفينة
1ـ نفس المصدر : 72.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 328

الا امراة الرجل ، فانها نجت على لوح من الواح السفينة حتى لجأت الى جزيرة من جزائر البحر ، وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ولم يَدع لله حرمة الا انتهكها .
فلم يعلم الا والمراة قائمة على رأسه ، فرفع رأسه اليها فقال : انسية ام جنية ؟ فقالت : انسية ، فلم يكلمها كلمة حتى جلس منها مجلس الرجل من اهله .
فلما ان هم بها اضطربت ، فقال لها : مالك تضطربين ؟ فقالت : اخاف من هذا ـ واومأت بيدها الى السماء ـ قال : فصنعت من هذا شيئا ؟ قالت : لا وعزته ، قال : فانت تخافين منه هذا الخوف ولم تصنعي من هذا شيئا وانما استكرهتك استكراها فانا والله اولى بهذا الخوف واحق منك ، فقام ولم يحدّث شيئا ، ورجع الى اهله وليس له همة الا التوبة والمراجعة .
فبينما هو يمشي اذ صادف راهب يمشي في الطريق ، فحميت عليهما الشمس ، فقال الراهب للشاب : ادع الله يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشمس .
فقال الشاب : ما اعلم ان لي عند ربي حسنة فاتجاسر على ان اسأله شيئا ، قال : فادعو انا وتؤمن انت ، قال : نعم ، فاقبل الراهب يدعو والشاب يؤمّن . فما كان باسرع من ان اظلتهما غمامة فمشيا تحتها مليا من النهار ، ثم انفرجت الجادة جادتين فاخذ الشاب في واحدة ، واخذ الراهب في واحدة ، فاذا السحابة مع الشاب .
فقال الراهب : انت خير مني لك استجيب ولم يستجيب لي ، فخبرني ما قصتك ؟ فاخبره بخبر المراة .
فقال : غفر لك ما مضى حيث دخلك الخوف ـ من الله ـ فانظر كيف تكون

حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 329

فيما تستقبل(1) .


ان زدت زدناك :

روي ان عابدا من بني اسرائيل سأل الله تبارك وتعالى فقال : يا رب ما حالي عندك ؟ أخير فازداد في خيري ، او شر فاستعتب(2) قبل الموت ؟ .
قال : فاتاه آت فقال له : ليس لك عند الله خير ، قال : يا رب واين عملي ؟ قال : كنت اذا عملت خيرا اخبرت الناس به ، فليس لك منه الا الذي رضيت به لنفسك ، قال : فشق ذلك عليه واحزنه ، قال : فكرر الله اليه الرسول فقال :
«سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ، ولا حول ولا قوة الا بالله» . تقول هذا كل يوم ثلاث مائة وستين مرة ، يكون كل كلمة صدقة عن كل عرق من عروقك ، قال : فلما رأى بشارة ذلك قال : يا رب زدني ، قال : ان زدت زدتك(3) .

* * *


تم ولله الحمد الجزء الثاني من كتابنا هذا «سلسلة حكم ومواعظ من حياة الانبياء والاوصياء عليهم السلام» وذلك في النصف من شهر رمضان المبارك يوم ميلاد كريم اهل البيت الامام الحسن بن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهم السلام لسنة 1423 هجري.
ويليه الجزء الثالث في الائمة الاطهار واصحابهم الطيبين انشاء الله تعالى .
1ـ نفس المصدر : 2ـ 69.
2ـ اي فاسترضاك واطلب منك العتبى .
3ـ دعوات الراوندي : عنه البحار 14ـ 509.

السابق السابق الفهرس