حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 205

ولؤم .(1)
يا بني : اذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها الشيء ، صلها واسترح منها فانها دَين .
وصل في جماعة ولو على زج .
واذا نزلت فصل ركعتين قبل ان تجلس ، واذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الارض التي حللت بها ، وسلم عليها وعلى اهلها ، فان لكل بقعة اهلا من الملائكة .
يا بني : اذا سافرت فلا تامن على دابتك فان ذلك سريع في ادبارها وليس ذلك فعل الحكماء الا ان تكون في محل يمكنك فيه التمدد ، واذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وسر ثم ابدا بعلفها قبل نفسك ، واياك والسفر في اول الليل .(2)

اطيب شيء واخبث شيء :

يروى ان مولى لقمان ـ يوم كان عبدا ـ دعاه فقال له : اذبح شاة ، فاتني باطيب مضغتين منها ، فذبح شاة ، واتاه بالقلب واللسان .
وبعد عدة ايام امره ان يذبح شاة ، وياتيه باخبث اعضائها ، فذبح شاة واتاه بالقلب واللسان ، فتعجب وساله عن ذلك ، فقال :
ان القلب واللسان اذا طهرا فهما اطيب من كل شيء ، واذا خبثا كانا اخبث من كل شيء .(3)
1ـ البحار : ج13 ص422.
2ـ قصص الانبياء : حياة لقمان .
3ـ تفسير البيضاوي والثعلبي .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 206


في العلم والادب :

يا بني : جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة ، فان الصلاة احب الى الله من الصيام .
يا بني : ان تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا ، ومن عنى بالادب اهتم به ، ومن اهتم به تكلف علمه ، ومن تكلف علمه اشتد له طلبه ، ومن اشتد له طلبه ادرك منفعته فاتخذه عادة ، فانك تخلف في سلفك وينتفع به من خَلفَكَ ويرتجيك فيه راغب ، ويخشى صولتك راهب .
واياك والكسل عنه بالطلب لغيره ، فان غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة ، واذا فاتك طلب العلم في مضانه فقد غلبت على الآخرة .
واجعل في لياليك وايامك وساعاتك نصيبا في طلب العلم ، فانك لن تجد له تضييعا اشد من تركه ، ولا تمارين فيه لجوجا ولا تجادلن فقيها ولا تعادين سلطانا ، ولا تماتين ظلوما ولا تصادقنه ، ولا تواخين فاسقا ، ولا تصاحبن متهما ، واخزن علمك كما تخزن ورقك(1) .
يا بني لا تتعلم العلم لتباهي به العلماء وتماري به السفهاء او ترائي به في المجالس ، ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة .
يا بني ، اختر المجالس على عينك ، فان رايت قوما يذكرون الله فاجلس اليهم ، فانك ان تكن عالما ينفعك علمك ويزيدون علما ، وان تكن جاهلا يعلموك ، ولعل الله تعالى يظلهم برحمة فتعمك معهم(2) .
1ـ امالي الصدوق : ص 42.
2ـ قصص الانبياء : حكم لقمان .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 207

قيل للعبد الصالح لقمان : اي الناس افضل :
قال : المؤمن الغني ، قيل الغني من المال ؟ قال : لا ، ولكن الغني من العلم الذي ان احتيج اليه انتفع بعلمه ، فان استغنى عنه اكتفى .
وقيل : فاي الناس اشر ؟ قال : الذي لا يبالي ان يراه الناس مسيئا(1) .
يا بني : لا تخاصم في علم الله ، فان علم الله لا يدرك ولا يحصى .
يا بني : احسن الى من اساء اليك ، ولا تكثر من الدنيا فانك في غفلة منها ، وانظر الى ما تصير منها .


الخوف من الله :

يا بني : خف الله عز وجل خوفا لو اتيت القيامة ببر الثقلين خفت ان يعذبك .
وارج الله رجاء لو وافيت القيامة باثم الثقلين رجوت ان يغفر الله لك .
فقال له ابنه : يا ابت كيف اطيق هذا وانما لي قلب واحد ؟ فقال له لقمان :
يا بني : لو استخرج قلب المؤمن يوجد فيه نوران نور للخوف ونور للرجاء ، لو وزنا لما رجح احدهما على الآخر بمثقال ذرة ، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله عز وجل ، ومن يصدق ما قال الله يفعل ما امره الله ، ومن يفعل ما امره الله لم يصدق ما قال الله ، فان هذه الاخلاق يشهد بعضها لبعض .
فمن يؤمن بالله ايمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا ، ومن يعمل خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا . ومن اطاع الله خافه ، ومن خافه فقد احبه ، ومن احبه فقد اتبع امره ، ومن اتبع امره استوجب جنته ومرضاته ، ومن لم يتبع
1ـ نفس المصدر .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 208

رضوان الله تعالى فقد هان عليه سخطه ، نعوذ بالله من سخط الله(1) .
يا بني : خف الله مخافة لا تيأس من رحمته ، وارجه رجاء لا تأمن من مكره .
يا بني : انْه النفس عن هواها ، فانك ان لم تنه النفس عن هواها لن تدخل الجنة ولن تراها ـ ويروى : انه نفسك عن هواها ، فان في هواها رداها(2) .


في الدنيا والآخرة :

يا بني : انك منذ سقطت الى الدنيا واستدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدار انت اليها تسير اقرب اليك من دار وانت عنها مبتعد .
يا بني : لا تركن الى الدنيا ولا تشغل قلبك بها ، فما خلقك الله خلقا هو اهون عليه منها ، الا ترى انه يجعل نعيمها ثواب للمطيعين ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين .
يا بني : ان تك في شك من الموت ، فارفع عن نفسك النوم ولن تستطيع ذلك ، وان كنت في شك من البعث فارفع عن نفسك الانتباه ولن تستطيع ذلك ، فانك اذا فكرت في هذا علمت ان نفسك بيد غيرك وانما النوم بمنزلة الموت ، وانما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت .
يا بني : لا تقترب فيكون ابعد لك ، ولا تبعد فتهان ، كل دابة تحب مثلها وابن آدم لا يحب مثله .
لا تنشر(3) بزّك الا عند باغيه ، وكما ليس بين الكبش والذئب خلة ، كذلك
1ـ البحار : ج13 ص412.
2ـ البحار : ج13 ص429.
3ـ اي لا تظهر متاعك الا عند طالبه .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 209

ليس بين البار والفاجر خلة ، من يقترب من الزفت تعلق به بعضه ، كذلك من يشارك الفاجر يتعلق من طرفه .
من يحب المراء يشتم ، ومن يدخل مدخل السوء يتهم ، ومن يقارن قرين السوء لا يسلم ، ومن لا يملك لسانه يندم(1) .
يا بني : ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع اخضر فاكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها ، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها فتركتها ولم ترجع اليها آخر الدهر ، اخربها ولا تعمرها فانك لم تؤمر بعمارتها .
واعلم انك ستسأل غدا اذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن اربع : شبابك فيما ابليته ، وعمرك فيما افنيته ، ومالك مما اكتسبته وفيما انفقته ، فتأهب لذلك واعد له جوابا ولا تأس على ما فاتك من الدنيا ، فان قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه ، وكثيرها لا يؤمن بلاؤه ، فخذ حذرك ، وجد في امرك ، واكشف الغطاء عن وجهك ، وتعرض لمعروف ربك ، وجدد التوبة في قلبك ، واكمش في فراقك قبل ان يقصد قصدك ، ويقضي قضاؤك ، ويحال بينك وبين ما تريد .
يا بني : خذ من الدنيا بلغة ولا تدخلن فيها دخولا فتضر فيها بآخرتك ، ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس .
يا بني : ان الدنيا قليل ، وعمرك فيها قليل من قليل ، وقد بقي قليل من قليل القليل(2) .
يا بني : ان الدنيا بحر عميق ، قد غرق فيها عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الايمان ، وشراعها التوكل ، وقيمها العقل ، ودليلها العلم ،
1ـ تفسير الميزان : سورة لقمان .
2ـ قصص الانبياء وبحار الانوار : ج13 حياة لقمان الحكيم .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 210

وسكانها الصبر . (1)
يا بني : انك مدرج في اكفانك ومحل قبرك ، ومعاين عملك كله .
يا بني : كيف تسكن دار من اسخطته ؟ ام كيف من قد عصيته ؟ .
يا بني : عليك بما يعنيك ، ودع عنك ما لا يعنيك ، فان القليل منها يكفيك ، والكثير لا يعنيك .
يا بني : انه قد احصي الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير ؟


مصاحبة الناس :

يا بني : صاحب مائة ولا تعاد واحدا .
يا بني : انما هو خلافك وخلقك ، فخلافك دينك وخلقك بينك وبين الناس فلا تبغضن اليهم وتعلم محاسن الاخلاق .
يا بني : كن عبدا للاخيار ولا تكن ولدا للاشرار .
يا بني : اد الامانة تسلم دنياك وآخرتك ، وكن امينا فان الله لا يحب الخائنين .
يا بني : لا تر الناس انك تخشى الله وقلبك فاجر .
يا بني : ان الناس قد جمعوا قبلك لاولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له ، وانما انت عبد مستأجر قد امرت بعمل ووعدت عليه اجرا فاوف عملك واستوف اجرك .
يا بني : ليكن مما تتسلح به على عدوك فتصرعه : المماسحة ـ اي المصادقة واعلان الرضا عنه ـ ولا تزاوله بالمجانبة فيه ، فيبدو له مافي نفسك
1ـ نفس المصدر .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 211

فيتأهب لك .
يا بني : اني حملت الجندل والحديد وكل حمل ثقيل فلم احمل شيئا اثقل من جار السوء ، وذقت المرارات كلها فلم اذق شيئا امر من الفقر .
يا بني : اتخذ الف صديق والالف قليل ، ولا تأخذ عدوا واحدا والواحد كثير .
يا بني : لا تامر الناس بالبر وتنسى نفسك فيكون مثلك مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه .
يا بني : اياك والكذب فانه يفسد دينك وينقص عند الناس مروءتك فعند ذلك يذهب حياؤك وبهاؤك وجاهك وتهان ، ولا يسمع منك اذا حدثت ، ولا تصدق اذا قلت : ولا خير في العيش اذا كان هكذا .
يا بني : اجعل معروفك في اهله ولا تضعه في غير اهله فتخسره في الدنيا وتحرم ثوابه في الآخرة .
يا بني : للحاسد ثلاث علامات :
يغتاب صاحبه ان غاب ، ويتملق اذا شهد ، ويشمت فيه بالمصيبة(1) .
يا بني : واكتم سرك ، واحسن سريرتك ، فانك اذا فعلت ذلك امنت بسر الله ان يصيب عدوك منه عورة ، او يقدر منك على زلة ، ولا تامنن مكره فيصيب منك غرة(2) في بعض حالاتك ، واذا استمكن منك وثب عليك ولم يقلك عثرة .
وليكن مما تتسلح به على عدوك اعلان الرضى عنه ، واستصغر الكثير في طلب المنفعة ، واستعظم الصغير في ركوب المضرة .
يا بني : لا تجالس الناس بغير طريقتهم ، ولا تحملن عليهم فوق طاقتهم ،
1ـ قصص الانبياء .
2ـ الغرة : الغفلة .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 212

فلا يزال جليسك عنك نافرا ، والمحمول عليه فوق طاقته مجانبا لك ، فاذا انت فرد لا صاحب لك يؤنسك ، ولا اخ لك يعضدك ، واذا بقيت وحيدا كنت مخذولا وصرت ذليلا ...
وليكن اخوانك واصحابك الذين تستخلصهم وتستعين بهم على امورك ، اهل المروءة والكفاف والثروة والعقل والعفاف ، الذين ان نفعتهم شكروك ، وان غبت عن جيرتهم ذكروك(1) .
يا بني : الجار ثم الدار ، والرفيق ثم الطريق .
يا بني : الوحدة خير من صاحب السوء ، والصاحب الصالح خير من الوحدة ، ومن لا يكف لسانه يندم .
يا بني : شاور الكبير ولا تستحي من مشاورة الصغير .
يا بني : اياك ومصاحبة الفساق فانما هم كالكلاب ، ان وجدوا عندك شيئا اكلوه ، والا ذموك وفضحوك ، وانما حبهم بينهم ساعة .
يا بني : صاحب العلماء وجالسهم ، وزرهم في بيوتهم لعلك ان تشبههم فتكون منهم .


في سوء الخلق :

يا بني : اياك والضجر وسوء الخلق وقلة الصبر فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب ، والزم نفسك التؤدة(2) في امورك وصبر على مؤنات الاخوان نفسك وحسن مع جميع الناس خلقك .
يا بني : ان عدمك ما تصل به قرابتك وتتفضل به على اخوانك فلا يعدمنك
1ـ البحار : ج13 ص418.
2ـ التؤدة : الرزانة والسكون .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 213

حسن الخلق ، وبسط البشر ، فان من احسن خلقه احبه الاخيار وجانبه الفجار .
واقنع بقسم الله ليصفو عيشك ، فان اردت ان تجمع عز الدنيا فاقطع طمعك مما في ايدي الناس فانما بلغ الانبياء والصديقون ما بلغوا بقطع طمعهم .
يا بني : لا تعلق نفسك بالهموم ولا تشغل قلبك بالاحزان ، واياك والطمع ، وارض بالقضاء واقنع بما قسم الله لك .
يا بني : سيد اخلاق الحكمة دين الله تعالى ، ومثل الدين كمثل الشجرة الثابتة ، فالايمان بالله ماؤها ، والصلاة عروقها ، والزكاة جذعها ، والتآخي في الله شعبها ، والاخلاق الحسنة ورقها ، والخروج عن معاصي الله ثمرها ، ولا تكمل الشجرة الا بثمرة طيبة ، كذلك الدين لا يكمل الا بالخروج عن المحارم .
يا بني : لكل شيء علامة يعرف بها وان للدين ثلاث علامات : العفة ، والعلم ، والحلم .(1)


في الرزق :

يا بني : ليعتبر من قصر يقينه وضعفت نيته في طلب الرزق ، ان الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة احوال من امره واتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة ، والله تبارك وتعالى سيرزقه في الحالة الرابعة .
1ـ واما اول ذلك : فكان في رحم امه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حر ولا برد .
2ـ ثم اخرجه من ذلك واجرى له رزقا من لبن امه يكفيه به ويربيه من غير حول ولا قوة .
1ـ قصص الراوندي : ص196.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 214

3ـ ثم فطم من ذلك فاجرى له رزقا من كسب ابويه ورافة له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك ، حتى انهما يؤثرانه على انفسهما في احوال كثيرة .
حتى اذا كبر وعقل واكتسب وضاق به امره وظن الظنون بربه وجحد الحقوق في ماله ، وقتر على نفسه وعياله مخافة اقتار رزق وسوء يقين بالخلق من الله له في العاجل والآجل ! بئس العبد هذا يا بني .(1)
يا بني : واقنع بما قسم الله لك يصف عيشك وتسر نفسك وتستلذ حياتك ، وان اردت ان يجمع لك غنى الدنيا فاقطع طمعك عما في ايدي الناس ، فان ما بلغ الانبياء والصديقون ما بلغوا الا يقطع طمعهم عما في ايدي الناس .
يا بني : وكن مقتصدا ولا تكن مبذرا ، ولا تمسك المال تقتيرا ولا تعطه تبذيرا .
يا بني : اني قد ذقت الصبر وانواع المر فلم ار امر من الفقر ، فان افتقرت يوما فاجعل فقرك بينك وبين الله ، ولا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم .


حكم ومواعظ :

وروي : ان مولاه دخل المخرج فاطال الجلوس ، فناداه لقمان : ان طول الجلوس على الحاجة يفجع منه الكبر ، ويورث الباسور ، ويصعد الحرارة الى الراس ، فاجلس هونا وقم هونا(2) .
وروي : انه قدم من سفر لقي غلامه في الطريق فقال : ما فعل ابي ؟ قال : مات ، قال : ملكت امري ، قال : ما فعلت امراتي ؟ قال ماتت ، قال اجدد فراشي ، قال : ما فعلت اختي ؟ قال : ماتت ، قال : سترت عورتي ، قال : ما فعل اخي ؟ قال :
1ـ الخصال : ج1 ص60 عنه البحار : قصص لقمان .
2ـ عرائس المجالس ص313.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 215

مات ، قال انقطع ظهري(1) .
وقيل له : ما اقبح وجهك ، قال : تعيب على النقش او على فاعل النقش .
وقال لقمان : لان يضربك الحكيم ليؤذك ، خير من يدهنك الجاهل بدهن طيب .(2)
يا بني : تعلمت سبعة آلاف من الحكمة ، فاحفظ منها اربع وسر معي الى الجنة :
احكم سفينتك فان بحرك عميق ، وخفف حملك فان العقبة كؤد ، واكثر الزاد فان السفر بعيد ، واخلص العمل فان الناقد بصير .
يا بني : لا تحقرن من الامور صغارها ان الصغار غدا تصير كبارا .(3)
يا بني : ولا تنامن على دابتك فان ذلك سريع في دبرها وليس ذلك فعل الحكماء ، الا ان تكون في محل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل ، وعليك بقراءة كتاب الله ما دمت راكبا ، وعليك بالتسبيح مادمت عاملا عملا ، وعليك بالدعاء ما دمت خاليا .(4)
يا بني : كما تنام كذلك تموت ، وكما تستيقظ كذلك تبعث .
يا بني : كذب من قال : ان الشر يطفأ بالشر ، فان كان صادقا فليوقد نارين ، هل تطفئ احداهما الاخرى ؟ وانما يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار(5) .
يا بني : كن امينا تعش غنيا .
1ـ قصص الانبياء للجزائري .
2ـ عرائس المجالس ص313.
3ـ قصص الانبياء للنيسابوري .
4ـ تفسير مجمع البيان : سورة لقمان .
5ـ تنبيه الخواطر ج1 ص38.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 216

يا بني : اتخذ تقوى الله تجارة تأتك الارباح من غير بضاعة ، واذا اخطأت خطيئة فابعث في اثرها صدقة تطفئها .
يا بني : ان الموعظة تشق على السفيه كما يشق الصعود على الشيخ الكبير .
يا بني : اذا دعتك القدرة الى ظلم الناس فاذكر قدرة الله عليك(1) .
يا بني : اتعظ بالناس قبل ان يتعظ الناس بك .
يا بني : املك نفسك عند الغضب حتى لا تكون لجهنم حطبا .
اجعل الدنيا سجنك فتكون الآخرة جنتك .
يا بني : لا تشتم الناس فتكون انت الذي شتمت ابويك .
يا بني : اقم الصلاة ، وامر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور .
يا بني : لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم .
يا بني : انه قد احصي الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير .
يا بني : اتق النظر الى ما لا تملكه ، واطل التفكر في ملكوت السماوات والارض والجبال وما خلق الله . فكفى بهذا واعظا لقلبك .
يا بني : لا تفشين سرك الى امراتك ، ولا تجعل مجلسة على باب دارك .
يا بني : ان المراة خلقت من ضلع اعوج ان اقمتها كسرتها ، وان تركتها تعوجت ، الزمهن البيوت فان احسن فاقبل احسانهن ، وان اسأن فاصبر ان ذلك من عزم الامور .
يا بني : لا تاكل مال اليتيم فتفتضح يوم القيامة ، وتكلف ان ترده اليه .
1ـ نفس المصدر : ص26.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 217


العلائم الثلاث :

عن الصادق عليه السلام قال : قال لقمان الحكيم لابنه :
يا بني : لكل شيء علامة يعرف بها ويشهد عليها :
وان للدين ثلاث علامات : العلم ، والايمان ، والعمل به .
وللايمان ثلاث علامات : الايمان بالله ، وكتبه ، ورسله .
وللعالم ثلاث علامات : العلم بالله ، وبما يحب وما يكره .
وللعامل ثلاث علامات : الصلاة ، والصيام ، والزكاة وللمتكلف ثلاث علامات : ينازع من فوقه ويقول ما لا يعلم ، ويتعاطى ما لا ينال .
وللظالم ثلاث علامات : يظلم من فوقه بالمعصية : ومن دونه بالغلبة ، ويعين الظلمة .
وللمنافق ثلاث علامات : يخالف لسانه قلبه ، وقلبه فعله ، وعلانيته سريرته .
وللآثم ثلاث علامات : يخون ، ويكذب ، ويخالف ما يقول .
وللمرائي ثلاث علامات : يكسل اذا كان وحده ، وينشط اذا كان الناس عنده ، ويتعرض في كل امر للمحمدة .
وللحاسد ثلاث علامات : يغتاب اذا غاب ، ويتملق اذا شهد ، ويشمت بالمعصية .
وللمسرف ثلاث علامات : يشتري ما ليس له ، ويلبس ما ليس له ، ويأكل ما ليس له .
وللكسلان ثلاث علامات : يتوانى حتى يفرط ، ويفرط حتى يضيع ، ويضيع حتى يأثم .
وللغافل ثلاث علامات : السهو ، واللهو ، والنسيان .

حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 218

وبعد ذلك قال الامام الصادق عليه السلام : ولكل واحدة من هذه العلامات شعب يبلغ العلم بها اكثر من الف باب والف باب والف باب ، فكن طالبا للعلم في آناء الليل واطراف النهار ، فان اردت ان تقر عينك وتنال خير الدنيا والآخرة . فاقطع الطمع مما في ايدي الناس ، وعد نفسك في الموتى ، ولا تحدث لنفسك انك فوق احد من الناس ، واخزن لسانك كما تخزن مالك(1) .


التكبر والتجبر :

ومن اقوال لقمان الحكيم ونصائحه لولده ولنا ، فيقول :
يا بني : دع عنك التجبر والتكبر ، ودع عنك الفخر ، واعلم انك ساكن القبور .
يا بني : اياك والتجبر والتكبر والفخر فتجاور ابليس في داره .
يا بني : اعلم انه من جاور ابليس وقع في دار الهوان ، لا يموت فيها ولا يحيا .
يا بني : ويل لمن تجبر وتكبر ، كيف يتعظم من خلق من طين ، والى طين يعود ، ثم لا يدري الى ما يصير الى الجنة فقد فاز ، او الى النار فقد خسر خسرانا مبينا وخاب .
ويروى : كيف يتجبر ويتكبر من قد جرى في مجرى البول مرتين .
يا بني : كيف ينام ابن آدم والموت يطلبه ؟ وكيف يغفل ولا يُغفل عنه .
يا بني : انه قد مات اصفياء الله عز وجل واحباؤه وانبياؤه صلوات الله عليهم ، فمن ذا بعدهم يخلد فيترك .
1ـ الخصال : ج1 ص60 عنه البحار : ج13 ص415.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 219

يا بني : ولا تمشي في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا .
يا بني : ان كل يوم يأتيك يوم جديد يشهد عليك عند رب كريم .


رضا الناس غاية لا تدرك :
`
قال لقمان الحكيم عليه السلام لولده في وصيته : يا بني لا تعلق قلبك برضى الناس ومدحهم وذمهم ، فان ذلك لا يحصل ولو بالغ الانسان في تحصيله بغاية قدرته .
فطلب الولد من ابيه مثالا لذلك وفعلا يراه بنفسه ، فقال الاب لولده : اخرج انا وانت .
فخرجا ومعهما بهيمة ـ دابة ـ فركبها لقمان وترك ولده يمشي وراءه ، فاجتازوا على قوم فقالوا : هذا شيخ قاسي القلب ، قليل الرحمة ، يركب هو الدابة ، وهو اقوى من هذا الصبي ، ويترك هذا الصبي يمشي وراءه ، وان هذا بئس التدبير .
فقال لولده : سمعت قولهم وانكارهم لركوبي ومشيك ؟ فقال : نعم ، فقال : اركب انت يا ولدي حتى امشي انا .
فركب ولده ومشى لقمان ، فاجتازوا على جماعة اخرى فقالوا : هذا بئس الوالد وهذا بئس الولد ، اما ابوه فانه ما ادب هذا الصبي حتى يركب الدابة ويترك والده يمشي وراءه ، والوالد احق بالاحترام والركوب ، واما الولد فانه عق والده بهذه الحال ، فكلاهما اساءا في الفعال .
فقال لقمان لولده : سمعت ؟ فقال نعم ، فقال : نركب معا الدابة .
فركبا معا فاجتازا على جماعة فقالوا : مافي قلب هذين الراكبين رحمة ، ولا عندهم من الله خير ، يركبان معا الدابة يقطعان ظهرها ويحملانها ما لا تطيق ،
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 220

لوكان قد ركب واحد ومشي واحد كان اصلح واجود .
فقال : سمعت ؟ فقال : نعم ، فقال : هات حتى نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا ، فساقا الدابة بين ايديهما وهما يمشيان ، فاجتازا على جماعة فقالوا :
هذا عجيب من هذين الشخصين ، يتركان دابة فارغة تمشي بغير راكب ويمشيان : وذموهما على ذلك كما ذموهما على كل ما كان .
فقال لوالده : ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال ؟ فلا تلتفت اليهم ، واشتغل برضى الله جل جلاله ، ففيه شغل شاغل ، وسعادة واقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال .(1)
1ـ فتح الابواب مخطوط : ج 13 ص 433 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي