تربية الطفل دينيا واخلاقيا 363

اختلاق الاعذار والاكاذيب كأن يدعي عدم وجود الوقت الكافي لديه او انه لا يجيد انجاز هذا العمل ، او يتمارض ويتظاهر بالعجز وامثال ذلك من الذرائع .
وقد ينعكس هذا الضعف في بعض الموارد لاجل التغطية على ضعفه امام الآخرين فيتظاهر بالقدرة على فعل ما يفرق طاقته وهذا هو نفس الوضع بالنسبة لبكاء صغار السن فهم يبكون من اجل نيل مطلب يعجزون في نيله بالكلام وبمجرد الحصول على مبتغاه ترتسم على شفتيه ابتسامة الرضا والارتياح .
4ـ الحسد والتنافس : تنشأ بعض اكاذيب الاطفال من الحسد والتنافس . فهو يرى مثلاً ان اخاه او اخته الاصغر لهما القدرة على لفت انظار الأب والام من خلال حلاوة اللسان وانهما قد نالا منهما المحبة والاهتمام فيحاول الحصول على موطئ قدم له عند الوالدين عن طريق منافسة اخوانه ؛ وهذه المنافسة لا منشأ لها في حقيقة الحال سوى الحسد ، فاذا لم تكن لديه المواصفات الكافية في العمل ، او فشل في مجاراة اقرانه في المنافسة فسيجد نفسه حينذاك مضطراً لانتهاج مسلك الكذب والتصنع . وقد يعمد احياناً الى ايذاء أخيه الاصغر الى حد دفعه الى البكاء ثم ينكر في ما بعد اية علاقة له بالموضوع .
5 ـ لفت الانظار : حينما يجلس الأب والأم بين مجموعة من الاصدقاء والاقارب وينشغلون بالاحاديث والمناقشات يشعر الطفل بأنه وجود منسي

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 364

ولا حساب له في مثل هذه الأجواء ، ويتصور ان لا مكانة له ولا وجود يستحق الاعتبار بين هذه الجماعة ، فيبادر الى الحديث عن مسألة لا وجود لها في الواقع ويضفي عليها الواناً براقة من التهويل والتعظيم من اجل جلب انتباهكم ولفت انظاركم نحوه .
6 ـ حيازة المنفعة : نعلن للطفل احياناً باننا سنشتري له الشيء الفلاني الذي يحبه كثيراً اذا ما حاز المرتبة الاولى في امتحانات الفصل الثاني ، وامتحانات نهاية العام الدراسي ، او فيما حصل على درجة عالية في الدرس الفلاني ، فلنتصور الحال لو انه فشل في حيازة المرتبة الاولى ، وكان شديد التعلق بالشي الفلاني الذي وعدناه بشرائه فمن الطبيعي ان يضطر الى انتهاج الاساليب غير القويمة ، كالكذب مثلاً ، من اجل الحصول على غايته . او نلاحظ الشخص الكبير انه مستعد للقسم على انه اشترى هذه السلوة بالثمن الفلاني ولايجني من بيعها الآن سوى ربح يسير ، وذلك كله من اجل صيانة منفعته الشخصية .
7 ـ الغرور والمباهاة : تظهر بعض التحقيقات بأن اكثر من 15 % من انواع الكذب منشؤها المباهاة وصيانة الغرور . فيتحدث الشخص كذباً امام الآخرين عن شخصيته والمنزلة الاجتماعية لعائلته ، وما تحظى به من الأهمية ، وذلك من اجل ان لا يستهين به الآخرون ، او يستقلوا شأنه ، فيقول ان اباه يحتل منصباً رفيعاً ، وفي دارنا 900 غرفة ، وانني حزت على المرتبة الاولى في النجاح في مدرستي ... هادفاً من كل ذلك الى مكانته والاستحواذ

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 365

على اهتمام الآخرين واشباع اهوائه النفسية .
8 ـ التستر على الخطأ :الطفل مجبول ـ كالآخرين ـ على حب ذاته ، فهو يحب ذاته ويعتز بشخصيته . وحينما يقع في أي خطأ او منزلق يشعر بانه سيتعرض للمهانة الاجتماعية بسبب الطعن والتوبيخ الذي سيلقاه على ايدي الآخرين . فيبادر الى معالجة الموقف بالكذب في سبيل التغطية على خطئه . ولأجل الافلات مما قد يتعرض له من استهزاء واحتقار ، يصبح مستعداً للادلاء باقوال تتنافى مع الواقع . ولو انه كان يعلم بأن خطأه سيغفر له من قبل المجتمع لما اضطر الى الكذب .
9 ـ الأمال والأماني :وقد تعكس اكاذيب الطفل احياناً ما يدور في مخيلته من آمال وأمنيات . ( مثلاً ) فهو يتمنى القدرة على القفز من فوق النهر الفلاني واجتيازه ، فيطرح هذه الفكرة امام الآخرين وكانها قد تحققت فعلاً على ارض الواقع ، وهو يتمنى ايضاً ايجاد آصرة من الصداقة والانس فيما بينه وبين معلمه ، فهو يتحدث عن هذه الأمنية احياناً وكأنها واقع قائم .
نلاحط الاطفال يتحدثون في بعض الأوقات كذباً عن امور لم يقوموا بها وعن اشياء ومواقف من الشجاعة يأملون في مخيلتهم ـ تحقيقها او بلوغها . انهم يطمحون لنيل أمنيات لا يتحقق لهم نيلها حالياً ، ويرغبون في بلوغ درجة من الاستعداد واللياقة لا تتوفر فيهم حالياً .
10 ـ الانتقام : ويمثل الكذب في بعض المواقف نوعاً من الانتقام ايضاً ، كأن يضع أبويه في موقف حرج جزاء لهما على ايذائهما له ورغبة في

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 366

الانتقام منهما وحرق قلبيهما كما احرقا قلبه . فالطفل يدرك ان كذبه يثير الاضطراب لدى أبويه . او قد يحاول القيام بما يسيء الى كرامة ابويه لأنهما انتقصا من كرامته امام صديقه ، وكثيراً ما يتجلى مثل هذا السلوك عند الاطفال الذين يفتقدون المقومات النفسية السليمة ويشعرون غالباً بالمظلومية والضعة والحقارة . وهم يعدون هذا الاسلوب كوسيلة للدفاع عن أنفسهم .
11 ـ الالعاب الصبيانية :يميل الطفل بطبيعته الى اللعب والى اللهو بكل ما يجد فيه متعة ولهواً ، وقد يعمد احياناً الى الكذب في سبيل ان يتلهى ويلهي معه الآخرين ، فيرغب الآخرين ـ على سبيل المثال ـ بالاحاديث المخيفة والاخبار الكاذبة كأن يخبرهم بان شرارة قد انقدحت في كهرباء المطبح فيسارع الأب المسكين الى اقتلاع المفتاح الرئيس للكهرباء ، ويتجه للبحث عن موضع الإتصال الكهربائي والطفل يركض وراءه متظاهراً وكأن الحق معه وان الخبر الذي اورده لاغبار عليه ، وهو يضحك في اعماقه على هذا الموقف الذي افتعله ، فهو يحب إفتعال الموقف مع الآخرين كما يجب اثارة الضجيج والاضطراب في اللعب ويشغل الآخرين .
12 ـ التخيلات الصبيانية : من المسائل المهمة والنقاط الاساسية في علم نفس الطفل بأنه لا يفرق كثيراً في بعض الحالات بين الواقع والخيال فما اكثر المسائل التي يتخيلها في ذهنه ثم يطرحها في ما بعد على اساس انها حقيقة فيتصور في ذهنه مثلاً ان القطة قد دخلت المطبخ وأكلت اللحم . في

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 367

أي الى امه حالاً ويخبرها بذلك فتسارع الام الى المطبخ فلا ترى ما يؤيد ذلك .
تلاحظ هذه الظاهرة بكثرة عند الاطفال الذين لا يتجاوزون سن الخامسة . وكثيراً ما يثير هذا التصرف استهزاء الوالدين وغضبهما ويدفعهما الى إتهامه بالكذب ، بينما يقتضي واقع الحال تعليمه وتوعيته . فمثل هذا الكذب لا يمثل كذباً في الحقيقة ، بل هو نوع من التصور والخيال ، او قد يكون إنعكاساً لحكاية قصتها عليه امه بالامس او حلماً رآه في الليلة البارحة لاسيما وانه عاجز عن التفريق بين الواقع والخيال وعاجز عن بيان معنى كلمنهما .
13 ـ الجهل بالشؤون التربوية : اثبتت الدراسات بان الوالدين اللذين يجعلان اجواء البيت مليئة بالصدق والمحبة ، ويرعيان الضوابط الاخلاقية في المنزل وينتبهان الى جميع تصرفاتهم واقوالهم ، سوف ينشأ اطفالهم على الصدق والاخلاص . ولكن مما يؤسف له ان بعض الآباء والامهات يفتقدون لهذا الوعي او الانتباه اللازم ، ويتصرفون بلا وعي او ادراك . فالأم على سبيل المثال تفعل شيئاً امام طفلها وتقول له اذا سألك أبوك عن هذا فلا تقل له شيئاً ، فمثل هذا الموقف يعد بحد ذاته درساً في الكذب او حينما يكثر الطفل من الالحاح على امه بطلب نوع الطعام تقول له لقد انتهى ولا يوجد منه شيئاً حالياً ، فهذا يعتبر ايضاً درساً في الكذب واسلوباً فجاً في تربية الاطفال .

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 368

14 ـ الأسوة السيئة : تعتبر اذن الطفل وعينه نوافذ يطل منها على العالم المحيط به فهو ينظر الى ما تفعلون ويسمع لما تقولون فمن المؤكد انكم تنصحون اطفالكم دوماً بصدق القول إلا ان عملكم قد يكون خلافاً لذلك ، فهو يراكم تقولون للآخرين اثناء وجوده في البيت بأنه غير موجود ، ويتعلم منكم اعطاء المواعيد وعدم الوفاء بها ، ويتعلم منكم حينما يطلب منكم جاركم شيئاً تقولون له ليس لدينا ، وهو لديكم . ولا تنسوا ان الطفل يتعلم منكم كل ما يراه منكم من افعال واقوال ، ويمارس اليوم اوغداً ما تعلمه منكم في علاقاته الاجتماعية . فكل تصرفاتكم اليومية درس يأخذه الطفل عنكم وينتقل اليه منكم .
15 ـ التشجيع في غير موضعه : نلاحظ ان بعض صغار السن يردد بعض الأكاذيب التي سمعها من الآخرين ، ويقولها امام ابويه بلسانه المحبوب وكلامه الجميل فيلقى التشجيع منهما من غير ان يلتفتا الى عواقب مثل هذا الموقف غير الصحيح . ويشعر الطفل بدوره بالارتياح لمثل هذا التشجيع لأنه جاهل بكل هذه المسائل ، ويواصل انتهاج نفس السلوك في الأيام اللاحقة ، بل ويعمد الى اكاذيب اكبر لأجل الحصول على مزيد من التشجيع والمحبة حتى يتعود على هذه الخصلة تدريجياً .
16 ـ اختبار الوالدين : قد يبادر الطفل في بعض المواقف الى الكذب لأجل اختبار أبيه اوامه والاطلاع على موقفهما من الأمر الفلاني . فنحن نعلم ان اطفالنا لايعرفون الكثير من اسرار هذا العالم وما يدور فيه ، ويجهلون

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 369

الكثير مما يجري حولهم بسبب صغر سنهم وقلة تجربتهم وعدم معرفتهم بالمواقف الصحيحة التي يجب عليهم اتخاذها في مختلف الظروف ، فيبادرون الى اختلاق اكذوبة يتاح لهم من خلالها معرفة رأي الوالدين في هذا الموضوع او ذلك ، فإن كان الرد من الوالدين سلبياً قالوا ؛ انما نحن نمزح وانها مجرد اكذوبة ، وأما اذا كان ايجابياً واصلوا انتهاج نفس الاسلوب . وعلى هذا فان هذا النوع من الكذب انما هو لمجرد الاختبار ليس الا .
وهنالك عوامل ودوافع أخرى في هذا الصدد الا اننا نمتنع عن الاشارة اليها تجنباً للاطالة .

  • إمكانية معالجة ظاهرة الكذب :

  • ولكن هل من المتيسر اصلاح ومعالجة الطفل الذي اعتاد على الكذب أم لا ؟ يمكن الاجابة على هذا السؤال بالايجاب . فالطفل في مرحلة بداية الحياة ، ويمكن ايجاد اي نوع من التغيير والتحول فيه . انه قابل للمطاوعة اكثر من اي مرحلة أخرى في عمره ، لا سيما اذا نشأ في أجواء تمتزج فيها العاطفة بالانضباط والالتزام ، وتتوفر فيها القدرة على تربيته تربية سليمة .
    ولابد هنا من التنويه الى وجوب بقاء فطرة الطفل على صفائها ونقاوتها من غير ان تسري اليها امثال هذه المفاسد . وضرورة الاسراع الى تطهيره من أي رذيلة قد يبتلي بها نتيجة اللاهمال وسوء التربية . فالتحقيقات العلمية تشير الى ان الاستعداد التربوي لدى الانسان يتناسب عكسياً مع تقدمه في السن ، فكلما تقدم في السن تناقصت الامكانية بالقدرة على إصلاحه .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 370

    ومن جهة أخرى لم تكن قد ترسخت في اعماق الشخص الكثير من الصفات والطبائع ولم تصبح عادات متاصلة فيه ، اذ من الواضح ان الانسان اذا اعتاد على صفة او خصلة وذاق لذة الذنب فلن يكون من البساطة تركها او التخلي عنها .

  • اساليب العلاج :

  • يمكن اتخاذ بعض الاجراءات والاستفادة من بعض الفنون في اصلاح ومعالجة الطفل او الشخص المبتلى بمثل هذه العادة القبيحة . ومن الطبيعي لو اننا استطعنا إقناع الطفل بضرورة اصلاح ما لديه من اخطاء فستكون امكانية نجاحنا في هذه المهمة التربوية اكثر وافضل .
    اما الطرق والاساليب والواجب اتباعها في هذا الصدد فهي كمايلي :
    1 ـ معرفة الاسباب : وهو عامل ينبغي الاهتمام به والتركيز عليه ، لا في جانب العلاج النفسي فحسب ، بل في جميع انواع العلاج الجسدي ايضاً . اذ ينبغي لنا ان نعرف أولاً : لماذا يكذب الطفل ؟ وما هي العوامل التي تدفعه نحو الكذب ؟ وما الهدف الذي يبتغيه من وراء ذلك ؟ الا انه من الطبيعي جداً ان توجد الكثير من الموارد والحالات التي يستعصي فيها فهم الاسباب والدوافع ، ولا يتيسر لكل شخص سبر اغوار الطفل والاطلاع على خفاياه الدفينة وانتزاع الاسباب التي تدفعه نحو الكذب . وليس معنى ذلك انه سر مقفل لا يمكن بلوغه مطلقاً ، لا سيما لدى صغار السن الذين لازالت فطرتهم نقية .
    ان الاكاذيب الساذجة المنبثقة من التضخيم والتهويل الذي يبديه

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 371

    الاطفال ، يمكن اكتشافها بكل بساطة ، ولكنه حينما يكذب في قضية كبيرة تتضمن مسألة هامة ، فذلك يستوجب التأمل والدقة .
    2 ـ التوعية : وبعد معرفة السبب او الأسباب لابد من اتاحة الفرصة للتوعية وطرح المعلومات الضرورية ، كأن ينبه الطفل ، اذا كذب بسبب الخلط بين الحقيقة والخيال ، الى ماهية الحقيقة والفارق بينها وبين الخيال ، وتوعيته الى انه قد أخطأ في تبيان هذه القضية .
    اما الطفل الذي بلغ مرحلة التمييز فمن الضروري ان ينبه الى ان الكلام الذي تفوه به غير صحيح ولا يحظى بقبول الأب او الأم او الآخرين ، وقد يترتب على مثل هذا الكلام مخاطر في يوم ما ، او قد يفضي الى انتهاك الكرامة و ..
    3 ـ توفير الاجواء السليمة : لاشك ان الاجواء التي يسودها الاخلاص والصدق ، والاجواء التي لا يلجأ فيها الأب او الأم الى ممارسة انواع الحيلة والمكر والكذب والخداع في حياتهم اليومية تؤثر كثيراً في اصلاح الأبناء ويعود السبب في ذلك كما ذكرنا سابقاً الى ان الكذب عند الاطفال ناتج من سوء التربية ومن النماذج الخاطئة التي يصادفها في حياته اليومية .
    وهذا ما يفرض علينا تنقية اجواء البيت والمدرسة من مظاهر الحيلة والرياء ، وابعاد الطفل عن الاصدقاء الكذابين وحتى أولئك الذين يكذبون مزاحاً ، لان الطفل سريع التأثر بما يلقى في حياته اليومية ، ومن صفاته سرعة التأثر والتقليد .
    4 ـ مراعاة العدالة : وهي نقطة جوهرية يتحسسها الطفل حين مشاهدته

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 372

    لوالديه وهما يخرقان هذا المبدأ . فهو يرى لو ان الاناء سقط من يد احدهما وانكسر لا يتعرض للمؤاخذة والاستجواب ، لكن هذا الموقف لو حدث معه شخصياً لتعرض من جرائه للاهانة والتوبيخ .
    فحينما يشاهد الطفل الجور من والديه في امثال هذه المواقف يضطر الى الكذب حفاظاً على شخصيته التي يرغب في صيانتها من الإذلال والهوان .
    فلو ان الوالدين تصرفا مع انفسهما كما يتصرفان معه لما برز مثل هذا الوضع ، ولما وجد الطفل نفسه مضطراً للكذب .
    5 ـ العفو والتسامح : صحيح ان تربية الاطفال تستوجب وجود مجموعة من الضوابط ، الا ان ذلك لايعني التدقيق في كل شيء ، فهنالك فرق بين البيت والثكنة العسكرية ، فاذا وجد الاطفال انفسهم في حلقة ضيقة من الحصار فسيلجأون الى الكذب .
    فاذا ما شئنا حث الطفل على قول الصدق ، فلا بد لنا من التسامح معه في بعض الموارد والاخطاء التي قد نرتكبها نحن ايضاً . فان اصطدم بالمزهرية سهواً وسقطت وانكسرت ، يمكن التغاضي عنه ، الا اذا كان هذا العمل قد تكرر منه مرات متعددة من بعد التنبية والتذكير . ومن الواضح ان طبيعة الحياة تفرض عليه إخفاء بعض الامور التي يتسبب كشفها في خجله واحراجه ، على شريطه ان تكون اموراً جزئية وغير مخالفة للشرع والاخلاق .
    6 ـ اختصار الطموحات : لو اننا عقدنا الأمل على صلاح ابنائنا وحسن سلوكهم ، فذلك لايعد خروجاً عن اطار الطموحات المشروعة والمنطقية ،

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 373

    الا ان الجانب الذي يجب مراعاته هو ان تقصر طموحاتنا في حدود ما يتمتعون به من قدرات وقابليات ، كأن نطلب اليه القيام بالاعمال التي نتقاعس نحن او نعجز عن القيام بها .
    يتوقع بعض الآباء والامهات عدم صدور اي خطأ من طفلهما ويريدان له ان يظل في حياته بريئاً كالمعصوم ، وامر كهذا لا يمكن تحققه ، وكل ما يمكن انجازه في هذا المضمار هو تقليل نسبة اخطائه عن طريق ما يبذل من جهد ومتابعة وارشاد . وان بدا منه خطأ او زلل ، فالأحرى بكم ان تبدو له الصفح والتسامح ، كما تخطأون انتم ويصفح عنكم الرب الكريم ؛ فمن الصغار الزلل والتقصير ، ومن الكبار العفو والتسامح .
    7 ـ الأمان من العقوبة : يجب ان يشعر ابناؤنا في البيت بالأمن والاستقرار . ويطمئنون الى ان اخطاءهم اللإرادية أو غير العمدية تغتفر لهم . ولا عقوبة ولا توبيخ الاعند ارتكاب الاخطاء المتعمدة ، اما اذا صدق في كلامه ، فالأولى ان نخفف عنه العقوبة حتى في الاخطاء المتعمدة .
    ومن الضروري ان يتضح للطفل ان أبويه لا يتبعان عثرته ولا يقصدان مكاشفته بكل صغيرة وكبيرة . بل ان مبدأ الحياة قائم على التفاهم والمحبة وحسن الظن وطيب النية . وما العقوبة الا للحالات التي يتعمد فيها الاساءة ، ففي مثل هذه الحالة لابد من معاقبته .
    8 ـ النصح والارشاد : وهذا ايضاً له دور لا يستهان به في اصلاح السلوك وتقويم الاعوجاج بل ان دوره مصيري وفعال ، فلا ينبغي التساهل فيه او اهماله . و ما اكثر الاشخاص الذين استقامت حياتهم بالنصح والارشاد

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 374

    وكانت نتيجته ان سلكوا طريق الصواب في الحياة .
    فاذا كان هذا العمل مؤثراً في الكبار فهو اكثر تاثيراً في الصغار ، وسبب ذلك هو عدم ابتعادهم كثيراً عن الفطرة ؛ فلا زالت نفوسهم زكية وضمائرهم طاهرة . وتذكيرهم بمفاهيم الصفاء والطهارة ، والعدالة والطهارة ، والنقاء والاخلاص يؤثر كثيراً في نفوسهم . ولا بأس بالاشارة الى التصرفات الخاطئة التي يرتكبها الآخرون . فنقول ان التصرف الفلاني غير صحيح ، وينطوي على اضرار بالغة ، ويثير سخط الله ، ويؤدي بالانسان الى دخول جهنم ، فهذا يعتبر من الوعظ غير المباشر وله تاثير ايضاً في صدّه عن التمادي في ارتكاب مثل هذه الاخطاء .
    9 ـ ابداء المحبة : يجب أن نبدي لاطفالنا من المحبة والحنان ما يجعلهم يشعرون بطعمها ودفئها . فالطفل يجب ان يشعر بأنه وجود محبوب في البيت ، واذا حدث وان اغلظ له الابوان بالقول او العقوبة فهو ايضاً من باب المحبة .
    فوجود الحنان يجعل الطفل في غنى عن التصنع والتظاهر ، ولا يشعر بالحاجة الى جلب انظار الآخرين بواسطة الاكاذيب والمبالغة والتهويل ، لأن هذا يثير حنق الوالدين وسخط الخالق . فبالمحبة ينعقد ما كان قد انفصم ، وتزاح الكدورة من القلوب ، وبوجودها يسهل التفاهم بين الولد ووالديه ، ويندفع الى التحرك في نفس المسار الذي يرسمه له الوالدان ، وهذا ما يستلزم طبعاً التغاضي عن اخطائه في بعض المواضع والصفح عنه حتى في بعض الموارد التي تستحق العقوبة .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 375

    10 ـ الإنذار : من جملة الامور المتعارفة في التربية هو السعي الحثيث من قبل الوالدين لإفهام الطفل بعدم صحة الطريق الذي يسير فيه ، والعواقب السلبية المترتبة عليه ، ولاشك في ان مثل هذا الاسلوب ومثل هذا المنطق غير مفهوم ، بل وغير نافذ عند جميع الاطفال .
    فالاسلوب المتبع مع الاطفال في دون سن السابعة اذا ما ارتكبوا خطأ هو أن نقول لهم بأن هذا التصرف غير صحيح ولا يرتضيه ابواك ، ونحن لا نريد في بيتنا اطفالاً كذابين ، ولا نحب الشخص الكاذب ، ولابد ان يعرف الطفل مسبقاً ماهي المنفعة التي يجنيها من محبة ورضا الوالدين ، وما هي الاضرار المترتبة على عدم رضاهما . اما في السنوات اللاحقة فيمكننا ان نقول له بان الله لا يرضى عن مثل هذا العمل ، والعمل الذي لا يرتضيه الله تتبعه عقوبات شديدة من قبيل جهنم والعذاب بالنار والحرمان من النعم والملذات .
    11 ـ اظهار السخط : وفي ميسور الاب والأم ايضاً الايحاء الى الطفل بعدم رضاهما عنه سواء كان ذلك تصريحاً ام تلميحاً ، وانهما لا يحبان ان يسمعا منه اي كلام كاذب ، وانهما يشعران بشديد الاستياء نتيجة لتلك الكذبة المفضوحة التي تحدث بها امام ذلك الجمع من الحاضرين .
    وبإمكان الوالدين في بعض المواقف الاكتفاء بمجرد التعبير بالملامح الظاهرية عن غضبهم لهذا الكلام الذي اساء الى كرامتهم امام الآخرين . وينبغي ايضاً تهويل المسألة في نظره حتى لا يتكرر منه مثل هذا الموقف ولا تراوده فكرة الكذب مرة أخرى .
    12 ـ التثبيط :اما في الحالات التي يتكرر فيها الكذب من الطفل فلابد

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 376

    من مواجهته وبشكل متزن بالتثبيط والردع . كأن نواجهه مثلاً اثناء إدلائه بالاحاديث الكاذبة بوجه عبوس وملامح دالة على عدم التصديق ، وألا نقف ازاء أكاذيبه موقف المتفرج الذي لا يبالي بما يسمع ، بل نتدخل ونقطع عليه حديثه ونغير مسار الحديث ليفهم بانه لم يفلح في مقصده ، وان نفهمه من خلال تجاهلنا لكلامه بان حديثه تافه لا وزن له وغير جدير بالاسماع اليه ، ليخجل من فعلته ولا يعاود تكرارها .
    13 ـ التوبيخ : وفي المواقف الاكثر حدة لابد من اتخاذ مواقف اكثر صرامة .فبعد الاطلاع على اكاذيبه لابد من مكاشفته بها وتنبيهه الى اننا على علم بما يقول من اكاذيب ، فالمسألة التي نقلها لم تكن بتلك الصورة وإنما بشكل آخر ، فلا يتصور انه قادر على خداعنا .
    ولا داعي للتذكير مرة أخرى بان مثل هذا الارشاد والنصح والمكاشفة يجب ان لا تتم على مرأى ومسمع الآخرين ، فيشعر من جراء ذلك بالفشل والاحباط ، لأن الطفل عندما يجد نفسه مفضوحاً امام الآخرين ، يدخل في بعض المطبات الخطرة ، حتى يصبح كذاباً محترفاً .
    14 ـ التهديد والعقوبة : واخيراً اذا لم تجد اي من الاساليب المشار اليها سابقاً ولم تحقق ما يرتجى ، فان الواجب يحتم علينا اتباع اساليب التهديد والعقوبة لردعه عن الكذب ، وهو ليس بالاسلوب العملي الناجح والمطلوب ، وان استخدامنا لاسلوب العقوبة يدل على ان علمنا التربوي قد جاء بعد فوات الأوان .
    ومع هذا فان المواقف اللاحقة تفرض علينا امتلاك امكانات اخرى وهي

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 377

    ان نلوح بنفس العقوبة لاميزانها ، ومن الضروري ايضاً عدم حصول العقوبة بحضور الآخرين وان لا تتسم بالخشونة و.. الخ . وهو موضوع موسع ويستحق ان يبحث في فصل مستقل .



    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 378

  • توجيهات على طريق اصلاح خصلة الكذب :

  • نلفت في هذا الفصل انظار الوالدين والمربين المحترمين الى عدد من المسائل التربوية التي تشكل ـ من جهة ـ الركيزة التي يقوم عليها الفكر التربوي ، وتدعم من جهة أخرى اصلاح الطبائع والخصال الاخلاقية .
    1 ـ ضرورة بث الوعي : إننا نرى أن أحد اوجه واسباب الخطأ والكذب تكمن في عدم وجود الوعي الكافي عند ذلك الشخص ، فهو لا يفهم القيمة الحقيقية لوجوده ولا قيمة الحقيقة والأخلاق . وهذا ما نلاحظه حتى بين الكبار ايضاً .
    وهذا يفرض علينا إتاحة الفرص التربوية امامه لاصلاح ذاته والحصول على الوعي الكافي بشأن الوجود وما يتسم به من أهمية . وان شأن الانسان اجل واكبر من ان ينزله الى حضيض الكذب ؛ وان كان قد استطاع خداع الآخرين عن طريق الكذب فأنه لم يحقق بذلك لنفسه شخصيتها وكرامتها ، وان تحقق له شيء من ذلك فهو للكذب لا له شخصياً ، ولا يحصل هو على شيء وانما يعود صفر اليدين.
    2 ـ نيل المحبة الحقيقية : يجب ان يدرك الطفل ،بل وحتى الكبير ،بان المحبوبية بين الآخرين لا تنال بالكذب والزيف ، بل يحصل عليها الانسان في ظل الصدق والاخلاص ، وليعلم ان العقوبة مع قول الصدق خير له من

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 379

    الكذابون كانت فيه النجاة .
    ومن الضروري هنا التمييز بين المحبوبية الحقيقية والمحبوبية المزيفة الكاذبة ، والتأكيد على ان الاولى راسخة والثانية متزعزعة . ويمكن توضيح مثل هذه المسألة حتى للطفل وهي لو انه كذب اليوم ونال غايته ، فما الذي سيفعله غداً ؟ واذا سرق اليوم نقوداً واشترى بها المرطبات مثلاً وانكر السرقة ، فمن اين سيأتي بالنقود غداً لشراء المرطبات مرة أخرى ؟ وإن تحايل اليوم في نيل عطف ابيه او امه وحصل على امنيته ، فما سيفعل مرة أخرى لنيل أمانية الأخرى ؟ فهل سيتاح له الكذب في كل الظروف ؟
    3 ـ منحه قدراً من الحرية : لاشك اننا نعتقد كما يعتقد بقية المربين بضرورة وجود حجاب وستر وقدر من الحياء بين الأبوين والابناء لكي يستثمر عند الضرورة في الاهداف التربوية .
    فلا يحق للطفل التصرف امام انظارهما كما يحلو له او kvpsegxg_hearteان يقول ويفعل ما يشاء ، ولا يعني هذا عدم السماح له بالتعبير عما يختلج في نفسه امام ابويه .
    فالكثير من اطفالنا يكذبون بسبب عدم إتاحتنا الفرصة لهم بالتحدث بصدق وصراحة . فلو اننا او ضحنا لهم بان لهم كامل الحرية في طرح ما يدور في اذهانهم بلا اي خوف او وجل وعليهم ان يخبرونا بجميع احتياجاتهم لانحلت مشكلة الكذب عندهم ولما بقيت لها أية ضرورة . نعم ان الاجواء المبنية على الصدق والثقة وبعيداً عن الخداع لها دور فاعل في اصلاح الافراد وهو وضع من الضروري ان يعتاد عليه اطفالنا منذ البداية .
    4 ـ ادراك دور الطفولة : تتسم فترة الطفولة بالتغيير والتبدل ومن

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 380

    خصائصها انعدام الثبات والاستقرار ، فلا يمكن الوثوق بجانب من جوانبها او بعد من ابعادها ، فهي تتحول في كل لحظة الى حال ووضع جديد .
    فنرى الطفل مسروراً في حين وكئيباً في حين آخر ، يعبر عن حاجته المبرمة الى أمر ما في بعض الأحيان ويشير الى تعلقة الشديد به روحياً وقلبياً ، بينما نراه مستقلاً في اوقات أخرى مستشعراً الاستغناء عن كل شيء وكل احد .
    وعلى هذا الاساس ، لو صدرت من طفلكم أية اكذوبة فلا تظنوا ان الدنيا قد انهارت ، وانه قد سقط في بؤرة الانحطاط والرذيلة .
    فهو سرعان ما يتحول الى حال أخرى بمجرد التحدث معه وملاطفته فينقلب فجأة الى ملاك طاهر والى شخص طاهر ينبض قلبه بالطيب والنقاء . ولا نقصد من كلامنا هذا ان نتجاهل كذب الاطفال ، بل يجب الاهتمام به بما يتناسب وحجم الكذب وظروف الطفل واوضاعه .
    5 ـ فسح المجال امام نشاطاته : يعيش بعض الاطفال في بيوتهم كالخدم ، ليس لهم الحرية في فعل اي شيئ وينحصر نشاطهم في إطار القرارات والتعليمات التي يضعها الوالدان ويشرفان على تنفيذها بالدقة . ومن الطبيعي ان الابناء بحاجة الى ميدان عمل اوسع وحرية اكثر وان لم تتوفر لهم مثل هذه الأجواء فإنهم مضطرون الى اختراق تلك القيود والانطلاق منها الى ميادين اوسع ، ولو انهم تعرضوا من بعد ذلك لأي استجواب أو سؤال فلا يجدون امامهم مناصاً سوى الكذب كوسيلة للنجاة من العقوبات المترتبة على استهانتهم بتلك القوانين .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 381

    ان احد الأبعاد التي تتطلبها التربية هي فسح المجال امام الطفل للنشاط والتحرك ، ليختبر قدراته وامكاناته ويكتشف ما لديه من مواهب وطاقات حتى تخلق لديه الثقة الكاملة بنفسه ولا يشعر بعدها بالحاجة الى الكذب كوسيلة لإثبات ذاته . من المؤكد وجوب استحصال الابناء على موافقة الوالدين للقيام ببعض الاعمال ، الا ان هذه الرؤية يجب ان لا تنسحب على جميع التصرفات والامور بصغيرها وكبيرها . لأنه قد يرى في بعض المواقف ان فرصة العمل قد حانت وان الوقت لا يسمح بالانتظار حتى حصول الإذن منكم ، لذلك يجد نفسه مضطر لإغتنام الفرصة حينها ، ومن ثم البحث بعد ذلك عن اكاذيب يبرر بها امامكم موقفه حين الاستجواب .
    6 ـ خلق الثقة بكم : علينا ان لا ننسى بأننا نعتبر كأمناء على اسرار الأبناء ووجود هذا الموقع يفرض علينا احترام آرائهم واقوالهم واعمالهم وكتمان اسرارهم ، وهذا الفعل جدير بخلق الثقة بنا لكي نكون ملاذاً يلجأ الينا عند الشدائد والازمات ، يطرح علينا مشاكله مباشرة عن غير حاجة الى الكذب والتحايل . ووجود مثل هذه الثقة يشجع الطفل على طرح شؤونه ومسائله على ابويه بشكل جدي وصريح . فاذا ما تعرض لإساءة من قبل الآخرين يأتي لابويه ويعرضها عليهما مباشرة ويخبرهم بكل ماجرى بشكل صريح . فكثير من الاطفال يتعرضون للاساءة من قبل الآخرين ، بل ويقعون ضحية لاطماعهم واهوائهم ، الا انهم لايجرأون على اطلاعكم على مجريات الامور خوفاً من البطش والعقوبة ، وبسبب انعدام الثقة بكم ، ولن يتاح لكم الاطلاع على مجريات الامور الا بعد فوات الأوان .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 382

    7 ـ تجنب التشهير : يتردد الطفل احياناً في اطلاع ابويه على الحقائق انطلاقاً من عدم ثقته بهما ، ولشعوره بأنهما لا يحفظان له سراً فبمجرد ما ان يعلموا له سراً ، يبادرون الى اذاعته ونقله الى هذا وذاك ، فيكون ذلك سبباً في الانتقاص من شخصيته .
    فلا يفوتنا ان للطفل ايضاً شخصية يعتز بها ، ويعتد بمكانته في أية مرحلة من مراحل حياته . وهذا هو الحاجز الذي يمنعه من مصارحتكم بالحقائق ، فلا يجد مناصاً من عرضها عليكم بشكل مقلوب .
    واذا شعر الطفل يوماً بان كرامته قد هدرت و ان ماء وجهه قد أريق ، سيتحول الى شخص خطير لا يمكن التعايش معه ، ولا سيما بعد ان تطبع على الكذب واثارة الفتن ، ولابد من التأمل في كل تصرف او كلام يصدر عنه .
    8 ـ تبيان العواقب والمخاطر : لا يمتلك الطفل التجربة الحياتية الكفيلة بإرادته المستقبل ، وليس لديه التجربة الكافية ليتعرف من خلالها عواقب الامور والنتائج الوضعية الوخيمة المترتبة على الكذب . وهنا يتوجب على الوالدين والمربي ارشاده وهدايته عن طريق ذكر القصص المتعلقة بالكذب والمصير المهلك الذي يؤول اليه الكذابون .
    ويبدو من المناسب ايضاً حثه على قراءة مثل هذه القصص شخصياً . وذكر امثال هذه الحكايات مفيد لهم قبل الدخول في المرحلة التي يبدأون فيها بالكذب وبالشكل الذي يثير فيه الخوف من مسألة الكذب ويجعله على حذر شديد من ان يكذب .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 383

    9 ـ توعيته بمكانته وقيمته : وعلى الوالدين والمربين توعية الطفل الى ان قيمته واحترامه مرتبطة الى حد بعيد بمدى صدقه وصراحته ، واذا ما سولت له نفسه الحياد عن المسار القويم للصدق فلن يتلقى منهم ومن المجتمع أي احترام او تقدير واذا لاحظ بأنهم يولونه الثقة ويثقون بكلامه فذلك منبثق من ظنهم بأنه صادق ولو اتضح عكس ذلك لسلبت منه كل تلك الثقة .
    لابد ان يتحلى الطفل بدرجة من الوعي بحيث يؤثر قول الصدق على الكذب حتى وان كان في الصدق ضرر عليه . وانه لو اساء فبامكانه الاعتذار عن اساءته ، اما الكذب فلا عذر معه ولا تسامح فيه .
    10 ـ الاستعداد لقبوله : وعلى الوالدين والمربين ان يثبتوا للطفل عملياً استعدادهم لقبوله وتقبل اخطائه ايضاً . وانهم لا يتضايقون من سماع كلامه ، ولا يستكثرون عليه احترام مشاعره وعواطفه . ولا يستخدمون الخشونة في الرد على اخطائه و لا يستهينون بكرامته امام الآخرين . ان وجود مثل هذه الاجواء وسيادة مثل هذا التعامل يسلب من الطفل الدوافع التي تضطره للكذب ويضعه على الطريق القويم .
    11 ـ المثل الصالح في الوالدين : من الطبيعي ان الوالدين يعتبران المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل . فان كذب الأبوين أخذ عنهما الكذب وان كان لهما اي موقف سلبي تجاه أية مسألة من المسائل فان الطفل يواصل انتهاج نفس ذلك الموقف . ولا تتصوروا ابداً ان الطفل لا يفهم المواقف التي تجري امامه ، قد يبدو في الظاهر هادئاً ازاء تصرفاتكم

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 384

    لكنه في حقيقة الحال يتعلمها منكم ويمارسها بنفس الصورة حينما تتاح له الظروف ان العمل الخاطيء الذي تمارسونه يفسح امامه السبيل ويمهد له الطريق للخطأ ويرصد امامه سبل الصدق والصراحة . وفي مثل هذه الحالة ستكونون انتم المسؤولون عن العواقب السلبية لسوء تربية ابنائكم.
    ان التزامكم الاخلاقي والايماني وتمسككم بالاخلاص في القول والعمل يعتبر درساً قيماً يأخذه عنكم الاطفال وسيكون عاملاً مؤثراً في استنقاذه من أمثال هذه البلايا .
    12 ـ التخلي عن العناد : انتم تعلمون ان الطفل قد يعمد أحياناً الى تناول طعام منع عليه تناوله ، والبقع الموجودة على ثيابه ورائحة فمه تثبت انه قام بهذا العمل ، الا انه ينكر ان يكون قد فعل ذلك وان إصراركم على استحصال الاعتراف منه سيزيد من عناده واصراره على الانكار . ولهذا عليكم عدم التمادي في الاصرار اكثر من ذلك ؛ لأن هذا الموقف يخجله لانه يتسم بالحساسية المفرطة .
    وفي حالة اصراره على الانكار ، عليكم ان لاتحاولوا وصفه بصفة الكذب . فالوضع حالياً تجاهل القضية ، وبعد ذلك تنبيهه الى خطئه في وقت لاحق .

  • من هم الأكثر كذباً ؟

  • تظهر التحقيقات ان الكذب اكثر انتشاراً بين الفئات التالية:
    1 ـ الاشخاص الذين يمتازون بالضعف وحدة المزاج وسرعة الإثارة او المصابين بالهوس والاهواء غير المتزنة .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 385

    2 ـ الاشخاص الذين يفتقدون الشجاعة والرزانة الكافية وتستحوذ عليهم هواجس الجبن والتردد .
    3 ـ عند الاشخاص الاكثر ميلاً لاجتذاب انظار ومحبة الآخرين .
    4 ـ اولئك الذين تستحوذ عليهم دوافع الحاجة ويصعب عليهم بلوغ الهدف .
    5 ـ الذين تفرض عليهم تكاليف شاقة تفوق طاقاتهم .
    6 ـ ضعاف الايمان والذين يخضعون لسلطان الآخرين وضغوطهم .
    7 ـ الذين عاشوا الحرمان والفوضى في عهد طفولتهم ولم يخطوا بالعطف والرعاية الكافية .
    8 ـ واخيراً الافراد الذين لم يلقوا نصيبهم من التربية .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 386

  • توجيهات للوالدين والمربين :

  • إن اتباع بعض طرق الاصلاح للقضاء على ظاهرة الكذب عند الاطفال ، اما ان تكون قليلة التاثير اوان تكون عديمة التأثير بالمرة ؛ بل وقد تتولد عنها في بعض الحالات نتائج سلبية وآثار معكوسة وخاصة من أمثال الاساليب التالية :
    1 ـ كثرة اللوم والتوبيخ .
    2 ـ القسوة والعقوبة الشديدة الى درجة الايذاء
    3 ـ اتهامه بالكذب ونعته بهذه الصفة والانتقاص منه امام الآخرين .
    4 ـ عدم بذل الحنان والمحبة له ، وكذلك سلب الثقة منه .
    5 ـ ايكال الطفل الى نفسه على أمل ان يحقق لنفسه الاصلاح الذاتي تلقائياً .
    وعلى كل حال من الضروري تقصي اسباب ومكامن معاناته ومعالجتها جذرياً ، وبناء علاقتنا معه على التفاهيم وحسن النية ، وفي جميع الأحوال فهو ابنكم ، وشأنه شأن اعواد المنبر ، فهي لا يمكن حرقها ولا يمكن رميها بعيداً والتخلص منها ، بل تجب معالجته واصلاح مابه من خلل .

    السابق السابق الفهرس