تربية الطفل دينيا واخلاقيا 250

  • هل يمكن تربية الجرأة لدى الأطفال ؟

  • ان الجواب على هذا التساؤل ايجابي لحسن الحظ ؛ لأن الجرأة امر فطري والدليل على فطريته هو : ان الأطفال جريئون الا ان الجبن يستحوذ عليهم فيما بعد في ظل تربيتنا لهم . اننا نميل ـ ذاتياً ـ الى الجرأة والشجاعة ، ويغمرنا السرور عندما نسمع بأن البعض قد دافع عن نفسه حتى اللحظة الأخيرة . ووقف أمام العدو وقال كلمة الحق . فعندما نسمع ان حجر بن عدي واجه السيف والقبر الضيق ولم يستسلم نبارك له في قلوبنا ؛ وبالعكس نتألم عندما نسمع ان شخصاً آخر قد استسلم وخضع للذل ليعيش يومين آخرين في هذه الدنيا ، ونوبخه على ذلك .
    فالذي يدفعنا للتشجيع هو السباحة ضد التيار ، وإلا فبإمكان كل ميت السباحة منحدراً مع تيار الماء .
    وبإمكاننا أن نعتبر الجرأة فطرية من وجهة نظر الدين ؛ لأن الله تعالى لطيف لا يرى ولكننا نرى مظاهره .

  • من أين تنشأ الجرأة ؟

  • للعثور على الجذور التي منها تنبعث الجرأة ، لا بد من تقصي العوامل التالية :
    1ـ الفطرة :


    كما اشرنا سابقاً فان الإنسان يولد وفيه نفحة من الباري المقتدر في جانب

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 251

    الصدق والحقيقة المطلقة ، الا أن الوالدين والمجتمع هما اللذان يطفئان هذه الجذوة فيه ويجعلان منه انساناً جباناً وخواراً .
    2ـ الوراثة :


    والمقصود هي المواصفات التي تنتقل من الوالدين الى الأطفال ؛ ومنها الشجاعة والاقدام . وقصة الإمام علي ( ع) مع ابنه محمد بن الحنفية لما سلمه القيادة والراية يوم الجمل ـ وكان يتقدم ببط ء وحذر ـ فقال له الإمام « ويحك لقد لحقك عرق من أمك » ـ توضح هذا الأمر . وقد ذكر الإمام الحسين ـ ع ـ يوم عاشوراء ما ورثه عن امه وابيه باعتباره مدعاة لرفض الذل .

    3ـ المزايا الجسمية والبدنية :


    ان الجرأة ترتبط بالمواصفات الجسمية من ناحية . فقلة او زيادة افرازات الغدد الداخلية لها تأثيرها في هذا الأمر .
    والمسألة الأخرى هي الجسم ؛ فالجسم القوي والسليم ـ بحد ذاته ، يحفز على الأقدام ويلعب دوراً إيجابياً في تكوين الشجاعة عند الشخص .

    4ـ البيئة :


    وهي من العوامل المهمة في بناء الجرأة ومقصودنا من البيئة كلا البيئتين العائلية والاجتماعية .
    أ ـ العائلة : وهي أول مكان لتربية الأخلاق ـ حسنها وسيئها ـ والكثير من المفاسد والامراض الأخلاقية تنشأ من هناك . ويتعلق بها نشوء القسم الأعظم من المخاوف والوساوس .
    أن تأثير العائلة يتجاوز كون الطفل يقضي معظم أوقاته في رفقتها .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 252

    فالعائلة التي تسودها روح التمسك بالواجبات والشجاعة تخرج ابناء شجعان ؛ ويصدق هذا الأمر عندما تتحلى الأم بالإقدام . فالأم البارعة تعادل مئة معلم واستاذ . ان الأم هي اصل البناء الفكري واساسه ، لأنها تمسك بزمام الأمور في العائلة وتستقطب اليها قلوب الأطفال وتجذبهم نحوها وتبعث فيهم الحياة .
    لهذا يجب ان يكون اسلوب التربية بنحو يربي في الإنسان روح الإعتماد على النفس وقوة الإرادة والتصميم والمثابرة .
    ب ـ البيئة الإجتماعية : والمقصود منها المدرسة والمجتمع والاقران والكبار ، حيث ستتم الإشارة الى جوانب تأثيرهم .

  • أسباب الجبن :

  • بالرغم من اننا رأينا الأشخاص يولدون شجعاناً على الفطرة ، الا اننا نرى ان العديد من الأطفال يعانون من الجبن ، وكأنهم قد ولدوا جبناء خوافين . لقد أشرنا آنفا في بعض الموارد الى اسباب هذا الأمر ، ونتعرض الآن الى ما يخص ذلك بمزيد من البحث والتفصيل :
    يلخص علماء النفس المنشأ العام لفقدان الجرأة في عاملين ، هما الخوف والإضطراب :
    1 ـ الخوف : وهو المنشأ الأصلي الاساسي لإنعدام الجرأة . وفي الحقيقة فإن سائر الصفات هي رشحات منه ، حيث يظهر ويتجسد بصور مختلفة ومتباينة .
    ولكن مم يخاف الطفل ؟

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 253


    انه يخشى ان تنكشف اسراره الداخلية ، وتتسلط الأضواء على عيوبه ، فينبذ ويطرد ويصبح تعيساً واهياً و ... الخ . ولا يذهب الطفل إلى باحة الدار ليلاً لئلا تختطفه الأشباح .
    والطفل الذي يغش في الإمتحان هو الآخر شخص خائف يخشى الحصول على نتيجة غير مرضية يعاقب عليها أو يضرب بالسوط ، ويحرم من حنان الوالدين . والصبي الذي يملأ ورقة امتحانه بالأخضر واليابس هو طفل لاجرأة له ويخشى أن يفشل فيتعرض للإذلال .
    واخيراً : فان الشاب الذي يتوسل بالخداع في الحصول على زوجة المستقبل ويخفي سلوكه وتصرفاته وحقيقة وضعه خلف قناع من الزيف والنفاق هو شخص خائف يخشى أن لا يبلغ مراده في الزوجة المثالية ، أو يسمع جواباً سلبياً . فهو يدقق في تجارب الآخرين ، ويجبر نفسه على ان يقول ويكتب ويتصرف خلافاً للحقيقة .
    وعلى أية حال ، فان الخوف سبب كثير من المفاسد ، فهو كالهالة يغمر المرء ويعيقه عن القيام بواجبه الحقيقي : لذلك يعد ارعاب الطفل الى الحد الذي يدفعه نحو الإحتيال والخداع خطيئة تربوية كبيرة .
    2 ـ الإضطراب : وهو كالخوف عامل مهم في القضاء على الجرأة . والفرق بين الخوف والإضطراب هو ان الخوف ناتج عن عامل خارجي ، كالخوف من العصا والسوط وضرب الوالدين وغير ذلك . اما الإضطراب فناتج عن عامل داخلي كالذعر الذي يتمخض عن التخيلات ، والإرتباك الذي يصيب القلب ؛ وغالباً ما يكون مجهول الجذور .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 254

    وعلى اية حال ، اذا ما ترسخت التخيلات في جانبها السلبي في نفس الإنسان ، قادته نحو الذل والهوان .

  • بحث شمولي حول اسباب الجبن :

  • لقد ذكرنا ان المنشأ الأساسي للجبن يكمن في الخوف والإضطراب . ولكي تتضح حدود البحث اكثر ويتم تشخيص العوامل الجزئية التي تمهد للعوامل الكلية ، نشير الى المسائل التالية ، ونستهل البحث بالمسائل الذاتية :
    1 ـ الأنانية : ان الأنانية تجعل الهدف من الحياة يتمثل في الحفاظ عليها ، وبالطبع فإن كل عامل يعرض الحياة الى الخطر يثير الذعر في النفس ، وعلى العكس ، فان العوامل التي تؤمن بلوغ الهدف تخطى بالإهتمام سواء كانت جرأة وإقداماً أم تملقاً وجبناً .
    فالأنانية لا تدعنا نتحمل المشاق او نستعد للتضحية والفداء الا ان يتغلب عامل العقيدة والإيمان القوي او تحرف الأنانية عن مسارها وتتخذ لنفسها طابع الأبدية والخلود ، فتحفز المرء للتغاضي عن الحياة الدنيا الزائلة ويختار الحياة الأبدية والخلود ، والآن يمكننا القول ان الطفل الذي يعتقد للأجواء الآنفة اذا ما ابدى جرأة لمرة واحدة وصفح نتيجة لذلك او هدرت كرامته فلن يكون له اي محفز على انتهاج نفس ذلك السبيل او تكرار ما بدر منه .
    2 ـ الإستعطاف : ان الكثير من الأطفال وتبعاً للأسلوب الخاص للوالدين يعتبرون اقبال الآخرين عليهم وإدبارهم عنهم سببا في قوة شخصيتهم أو ضعفها ، ولكن من هم الأشخاص الذين يحظون اكثر بمحبة ورعاية

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 255

    الآخرين ؟ انهم الضعفاء والعاجزون والمرضى وقليلو الكلام ، والمتظاهرون بالعجز ، و .. الخ . فهم يظهرون أنفسهم كمستحقين للرحمة ليكسبوا عواطف الآخرين ومحبتهم .
    3 ـ المثالية الذاتية : ان ابداء الآخرين لآرائهم حول الطفل يؤدي الى غلوه بنفسه ، فيصنع من نفسه بطلاً وهمياً . ولأجل ان لا يتحطم هذا البطل الصنم يسعى ـ بما اوتي من قوة ـ للحفاظ على مكانته خلف الكواليس ، ولا يبدي للآخرين ضعفه وما فيه من وهن . ولهذا ينطوي على نفسه ويميل الى العزلة ، وقليلاً ما يظهر بين الناس ، و ... الخ .
    4 ـ الشعور بالنقص : أن انزعاج الطفل من تركيبة جسمه وتخلفه في الدرس ومن محدودية عقله وذكائه ، ومن أفكاره ونواقصه ، يثير فيه النفور من ذاته ، ويوجد فيه هواجس الشعور بالنقص فلا يظهر بين الملأ العام لئلا ينكشف نقصه ، ولا يكلم كي لا يبدو ضعفه . فهو يتهرب دائماً من المشاركة في المحافل العامة خجلاً ، ولا قدرة له على الظهور امام الناس .
    5 ـ المحافظة على الحرية : ان الطفل شغوف بالحرية ، ويخشى انه اذا تجرأ على شيء تعرضت حريته للخطر ؛ لذلك يجد نفسه مكرهاً على التصرف خلاف ذلك ، فيفتقد شهامته لذلك .
    6 ـ القلق والإضطراب : قد يصاب الطفل بالإرتباك نتيجة للقلق والإضطراب . ولكن لابد من السؤال عما يخافه ؟ انه يخشى ان يفقد أصدقاء اذا ما انكشفت لديهم حقيقته ، ولا يحظى بحب احد ، او يخشى التدخل في اعماله الخاصة حينما يشعر انه متهم بالتقصير ، و ... الخ .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 256

  • العوامل الخارجية والإجتماعية لفقدان الجرأة :

  • 1 ـ رهط الاقران : فهم يستطيعون ببساطة ـ وتبعاً للتربية الخاطئة ـ اسئصال الشجاعة من نفوسنا والتأثير علينا بايحاءاتهم المشؤومة . فالمتقبلون والمراؤن والمخادعون يسلبون الجرأة من الإنسان ويدفعونه الى العمل خلافاً لما يعتقد .
    2 ـ الأسرة المفككة : لماذا لا يمتلك الطفل الشجاعة ؟ لأنه غير مسموح له بأن يكون جريئاً . فلو صدق صفع على وجهه ، وعوقب وأهين ، وعلى العكس فلو كذب وتصرف بفزع ، أمن العقوبة وصان كرامته .
    3 ـ فساد المجتمع وانحرافه : ان احتياجات الإنسان في المجتمع لا تنال دوماً بالصدق والصراحة ، فيجبر الطفل على التشبث ببعض الأساليب ويفرط بجرأته . بناء على ذلك ، فالعيب هو في المجتمع الذي يخلق الإنسان المرائي ذا العقلية المحدودة . فعندما يكون المجتمع فاسداً وضيق النظرة ، وحينما تكون البيئة ملوثة ومضطربة يغسل المرء يده من كل ماهو ايجابي وبناء ويتهرب من الحقائق . وبالطبع فان هذا الوضع يصدق على ضعفاء النفوس وذوي الإرادة الواهية .
    4 ـ الأحداث والوقائع المرة : لا تموت ذكريات الماضي المؤثرة ولا تدع عقولنا واذهاننا تخلو منها ، فهي شاخصة امام اعيننا على الدوام ، ولا تضعف قوتها . فنحن واهمون حين نظن ان الطفل قد نسي الحادثة التي تعرض لها وزالت ذكراها من مخيلته ؛ في حين نغفل ان هذه المسائل تحيا

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 257

    وتخلد في عقل الطفل على الدوام ، فهي مترسخة في أعماق روحه وعقله ، ولاتزول الاخفاقات والإنكسارات من ذاكرته أبداً . وهذا كاف لجعله يتصرف بحذر وبعد طول أناة .
    5 ـ الأسباب الأخرى : ويمكن في هذا المجال تحديدها بفقدان المحبة الصادقة ، وبالغلظة والتشدد ، والتدخل في أمور الطفل والإهانات والإجحاف والظلم و التجاوز .

  • دور الوالدين في خلق حالة التردد لدى الطفل:

  • يأتي الطفل الى الدنيا وليس لديه فكرة عن الجبن والخوف سوى في حالتين اوثلاث حالات يتفق عليها علماء النفس . فهو لا يعرف سبيل الخيانة الا انه يتعلمه منا ، ولا يعرف الجبن الا اننا نفرضه عليه . فكل مولود يولد على الفطرة ولكن ابويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه . ويمكننا ذكر الكثير من الأمثلة عن دور الوالدين في تردد الأطفال ، كسبب او اسباب لذلك :
    1 ـ عقاب الوالدين الصارم :


    لاشك ان الطفل يرتكب الكثير من الأخطاء ، ولا مناص من معاقبته من خلال معرفة القواعد والمقدمات . ولكن يجب ان تكون العقوبة عادلة ومصحوبة بالمحبة والعطف.
    فالعقوبات الصارمة هي بمثابة الدوافع الخطيرة التي لاينتج عنها سوى تحطيم شخصية الطفل وتخلق منه انساناً متردداً . فاذا شاء الوالدين التصرف بظلم واجحاف فعليهم ان ينتظروا العواقب الوخيمة لذلك في نفس الطفل .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 258

    فمن الأسباب المهمة لتردد الطفل هي العقوبة الصارمة التي يتلقاها . فمثلاً لم يكن للطفل متسع من الوقت لإنجاز واجباته ، أو كان غافلاً ونسي ، لكن الوالدين يعاقبانه بلا روية أو تمحيص .
    2 ـ الإنتقاد والتوبيخ الشديد:


    ان توجيه الإنتقاد واللوم امر حسن ، بشرط ان لايكون أمام الآخرين ، وان يجري بلطف ، وتكون غايته الإصلاح ، بعيداً عن تحطيم كبريائه . ان الكثير من الإحباطات الأخلاقية والمفاسد والتخاذل ناجمة عن الطعن واللوم الشديد .
    فبسبب عدم معرفة الطفل بأعراف وقواعد الضيافة يتجه نحو الطعام الذي يحبه ، والموجود على المائدة ، فيمد يده اليه ؛ الا أن الوالدين يمسكان بيده ويعيبان عليه عمله امام الحاضرين ، ويكاشفانه بعيوبه جهارا ، فيقضون بذلك على كل دوافع الجرأة لديه .
    3 ـ زجر الطفل :


    قد يصاب الطفل بالتردد خشية تعرضه للطرد وللزجر ووصمه بالحماقة والميوعة اذا ماطرح الحقيقة . فطرد الطفل لا يؤدي به الى الغضب فحسب ، بل يقضي على جرأته . لهذا فإن طرد الطفل وزجره دون تريث ودون الإهتمام بعواقب الأمر يعتبر من أعظم الأخطاء التربوية .
    4ـ غرور الوالدين :


    ما أكثر الوالدين الذين يرون ان عقولهم كاملة وجامعة وبعيدة عن كل اشكال الخطأ ؛ لذلك فان مستوى طموحاتهم فوق سمتوى الطفل وفي

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 259

    مستواهم هم . فلو ارتكب الطفل خطأ بسيطاً ـ قد يرتكبانه هما أيضاً ـ عرضاه الى التجريح والإهانة ، فيمكن ان يمهد هذا الأمر الأرضية لتنامي الخوف ، ويخلق نوعاً من الحياء السلبي الابله لدى الطفل على اقل الإحتمالات .
    5 ـ سوء تربية الوالدين :


    ان الوالدين المبتليين بالخوف يخلقان اطفالاً مرعوبين ، فالأب والأم اللذان يفقدان صوابهما في مواجهة ادنى حادثة ، والوالدين اللذان يتشبثان بمئات الأنواع من اساليب المكر والخداع والرياء من اجل صيانة ظاهرهم ، واخيراً : فالأبوان اللذان يتغافلان عن الحقائق ، سوف لا يكون لديهما القدرة على تربية طفل شجاع . فهذه من الأساليب غير الصحيحة لتربية الأطفال .
    6 ـ ايجاد الذعر والإضطراب في قلب الطفل :


    قد يتردد الطفل خشية أن يحدث نوع من الاثارة بينه وبين والديه ، ولا شك أن هذا الطفل سيدان دائماً على اثر مثل هذه المواجهة ، وبعد انجرار الأمر الى النقاش والمجادلة . ومن المحال ان يشغل الطفل الذكي ، والذي يفكر بالعاقبة ، نفسه في مثل هذا الجدال ، الا أنه يضطرب بسبب هذه الصدمات لانه يرى أن مستقبله وحاضره في خطر ، وان استمرار هذا الاضطراب يؤدي تدريجياً الى تبلور روح التردد لدى الطفل .

  • في أي الأشخاص يتضاعف التردد ؟

  • تبرهن البحوث والدراسات أن التردد يتزايد في العائلة المتحللة والمفككة ، وفي العائلة التي يكون زمامها ضعيفاً . فالأطفال الذين يتدنى مستوى ادراكهم وفهمهم لوالديهم ، ولا يؤمنون بهدف نبيل في الحياة هم

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 260

    بلا شك اقل شجاعة وأدنى جرأة من غيرهم .
    ويتضاعف التردد بين الذين يعيشون في بيئة مليئة بالمكر والرياء والخداع ، فقليلاً ما يتجرأ الأشخاص الذي سبق لهم وان تعرضوا للطعن او الاساءة او الاهانة بسبب ضعف الإرادة والثقة بالنفس .
    وتتضاءل الجرأة لدى المتكبرين ، وطلاب الجاه ، والحساد وذوي النواقص . وعلى العكس ، فقد أثبتت مختبرات ( ماي وهارتشوف ) في أمريكا أن الأطفال الذين يتحلون بالجرأة هم الذين يعتمدون على أنفسهم ، وترسخ إرادتهم وثباتهم ، وتكون ضمائرهم حية ، وتتضاءل الجرأة لدى الذين يسعون الى الغلبة وتكون لهم اليد الطولى فيها ، وطلاب السمعة واولئك الذين يشعرون بالنقص وفاقدي الحنان .
    وربما يفتقد الطفل ما لديه من جرأة بعد مجيء الطفل الثاني للعائلة إذ يستحوذ حينها على بعض محبة الوالدين ، ففي مثل هذه الحالة يكون تصرف الطفل كانسياب الماء من تحت التبن ، فهو يستغفل خصمه ويلدغه ، ويتشبث بالمكر والخداع ، وعندما يفلح في هذا السبيل قد يلام وتهدر كرامته ويفرط بشجاعته .

  • الأهداف المتوخاة من تنمية روح الشجاعة :

  • ان المسألة المهمة في هذا البحث هي نوعية الإنسان المطلوب تنمية روح الشجاعة فيه ، ومن هو الطفل المتربي والشجاع ؟ وأية غاية يجب على المربي أن يسعى لها في هذا المجال ؟ والجواب هو :
    إن الهدف من تربية الجرأة هو ارجاع الطفل الى اساسه الفطري أو بعبارة

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 261

    أخرى إحياء فطرته .
    ـ فنجعل منه طفلاً ذا قابلية وصبوراً .
    ـ ونربي اشخاصاً صادقين لايقفزون من فوق الحقيقة .
    ـ ولايخفون عجزهم وضعفهم باستمرار .
    يتصفون بالثبات في سبيل الحق والصدق وتجنيد أنفسهم إذا ما اقتضت الحالة لتحقيق هذه الاغراض .
    ـ والغاية أن نربي أفراداً إذا لم يعلموا شيئاً يقولون لا نعلم .
    ـ لايسر اذا امتدح بما ليس فيه ، بل يرفض ذلك .
    ـ لا يحتال على الآخرين اذا ارتكب خطأ ولا يسعى لإنقاذ نفسه بالحيلة واتهام الآخرين .
    ـ صريح بإعلان حبه أو عدم حبه للشيء .
    ـ لايغضب عند توجيه النقد اليه .
    ـ لا يعتبر نفسه معصوماً ومأموناً من الزلل إذا لم يوجه النقد اليه .
    ـ لايهز رأسه إذا لم يفهم شيئاً ولايجب بأجل أجل ...

  • موضوع تربيتنا:

  • إن الطفل الناجح ، هو الذي يستوعب التربية في سنواتها :
    1 ـ من ناحية العمر :


    فهو يطوي مراحل ما قبل البلوغ ، اي اهم مراحل العمر من ناحية استيعاب التربية ؛ وكما يقول العلماء فإن المرء مهما عمر فإن السنوات العشرين الأولى من عمره تضاهي اكثر من نصف عمره اعتباراً ، فلا شك بأن

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 262

    كل شيء يستوعبه في هذه الحقبة يحظى بأهمية خاصة .
    والجدير بالذكر ايضاً أن سنين الطفولة الأولى تلعب دوراً حساساً في هذه الحقبة.
    وباعتقاد « كولي » فإن دروس مرحلة الطفولة كالحروف والكلمات التي تحفر على جذع الشجرة ، وقد عبرعن هذه التعاليم في الاسلام بعبارة « كالنقش على الحجر » حيث يستحيل محوها .
    2 ـ من ناحية الجنس :


    ويطرح الإهتمام بالجنسين بالذكور والاناث : فقليلاً ما يهتم بتربية الشجاعة لدى الاناث في المناهج التربوية ظناً بأن البنت لاحاجة لها الى الجرأة والإقدام بينما هن بحاجة اليها اكثر من الأولاد ، وتتضاعف الحاجة اليها نتيجة التربية في هذا المجال لأن الام الجريئة هي التي تربي ولداً شجاعاً .
    ومن ناحية أخرى فإن الجرأة أن تتضاعف لدى البنات اكثر لأنها أفضل وسيلة للمحافظة على تقواهن وشرفهن ، فالجانب الأعظم من الرذائل والمفاسد التي تظهر لدى البنات ناجم عن قلة الشجاعة وضعف الشخصية .
    ومن جانب ثالث يجب أن تتحلى النساء بالجرأة كي يفلحن في الإمساك بزمام قلوب الرجال ، فالبيت كالبلد الذي تحكمه امرأة وكل من فيه تابع والمرأة هي المتبوع ، فلا بد أن تتوفر لديها قدرة القيادة ومن ضمنها الجرأة .
    ولاحاجة للقلق بشأن استعدادها للتربية ، لأن التجارب أثبتت قدرة المرأة على تحمل المصاعب والشدائد كالرجل تقريباً ، فبالرغم من سرعة انكسار

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 263

    المرأة وعجزها في تحمل الرزايا ، ولكن امتزجت جرأتها مع الرأفة والحنان كانت مصداقاً لقوله تعالى : « لتسكنو اليها ... ».
    3 ـ من المنظار العام :


    من الواجب أن يشمل هذا النظام نطاقاً أوسع ليمتد الى مستوى البلد وحتى الكبار الطاعنين في السن ، فلا شك أن في مجتمعنا اشخاصاً يفتقدون للجرأة بالقدر الذي لا يمتلك بعضهم القدرة على سماع قول الحق ، فيضع اصابعه في اذنيه كي لايسمع الحق ، ويدفن رأسه تحت الجليد كي لايرى الحق والحقيقة ، وأخيراً يعم العار والإبتذال في العالم بسبب ذلك .

  • الى أي حد نربي الجرأة ؟

  • ليس من الضروري ان يكون الهدف من تربية الرجال الشجعان هو الانتصار في ساحة الحرب ، أو عرض العضلات على البلد المجاور . قد تكون الغاية من تربيتهم على الجرأة هي صيانة أنفسهم في المجتمع وتجنبهم ما قد يلحق بهم من اضرار .
    ومن جانب آخر فإننا نربيهم كي يقدموا برجولة على اختيار السبيل المخالف لأهوائهم النفسية في البيت بل حتى في حالات العزلة والوحدة ، وحينما يكونون على مفترق طرق في الحياة ، يختارون الطريق الأقرب الى العزة والإنسانية ، أجل ... فنحن نربيهم شجعاناً للحياة الدنيا ، ونحن نعلم أن أداء الواجب المستند الى رضا الله تعالى يتطلب وجود الشجاعة والمعرفة .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 264

  • أي نوع من الجرأة تربي ؟

  • قد تكون الجرأة والتعقل من أجل نيل المكانة ، والفخر ، أي أن الافراد يبرزون شجاعتهم سعياً وراء الجاه والمنصب ، ونيل الدرجات ، ليحوزوا على المواقف الحساسة ويحصلوا على القاب البطولة .
    فمثل هؤلاء الأفراد عبيد الذات ، وهم أنانيون وحد شجاعتهم هو أن يحافظوا على انفسهم واهوائهم ؛ بينما نربي الجرأة لدى الأفراد كي تستثمر في سبيل الأهداف الإلهية وتكون غايتهم نيل رضا الله تعالى .
    وما تهتم به التربية هو النوع الثاني من الجرأة ، بمصادقة يرتضيها العقل ويؤيدها الضمير كما أن مبادئ ديننا تؤيد هذا الجانب .

  • حدود الجرأة :

  • لابد من التفريق بين الجرأة والتهور ، فقد يطلق المرء لنفسه العنان من أجل تنفيذ خطة او فكرة غير آبه بما يترتب عليها من نتائج ، فمثل هذه الجرأة لا يقرها العقل والشرع ، بل المطلوب هو تلك الجرأة التي تستند الى العقل والتفكير وتقوم على اسس حكيمة .
    واؤكد على أن ما يعتبر ضرورياً في الجرأة هو المعرفة الصحيحة والتنفيذ المناسب ، فلو قدر الموقف والتزم بالتعقل فلايبالي وإن اجتمع أهل الأرض ضده ، وهذا ما علمه الحسين ( ع ) للناس بعمله يوم عاشوراء وقال :
    تركت الخلق طراً في هواكا وأيتمت العيال لكي اراكا


    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 265

    إن التقييم الصحيح للموقف في استثمار الشجاعة مهم جداً ، وإلا فلا قيمة لعمل من تتلاعب به العواطف ، فيجب أن يعلم ماذا يفعل وما هي الغاية المرجوة من وراء ذلك العمل وفي رأيي أن الشيء الأهم من ضربة علي ( ع) يوم الخندق هي شجاعته وقدرته في السيطرة على ذاته ، فجرأة علي (ع) تكمن في عدم انتقامه من ذلك العدو البائس حين بصق بوجهه ( ع) على الرغم من قدرته على الانتقام او يتجاسر ذلك الخصم الوقح عليه فلا يستغل شجاعته في سبيل تسكين غضبه .

  • سبل ايجاد الشجاعة :

  • من أجل ايجاد الشجاعة لدى الأفراد لابد من الإشارة الى طرق عديدة منها :
    1 ـ تقديم الأسوة :


    لاتقولوا للطفل كن شجاعاً وجريئاً ابداً ، فلو أردتم أن يكون ابنكم جريئاً فعلموه عملياً واجعلوا من أنفسكم قدوات له ؛ فالطفل يمتاز بروح التقليد ، فحين يرى عملكم يقلده . فللقدوة تأثير مهم في الطفل قوية كانت ام ضعيفة ، وبناء على ذلك يجب ان تعمل الأسوة بتأمل وترسم الحدود التي ينبغي التحرك ضمنها ، سيما وأن الأطفال طماعون وطلاب جاه ، ومن الممكن أن يؤدي بهم ذلك على الانزلاق في بعض المخاطر .
    والوالدين هما افضل اسوة وأسلم عامل لإيجاد اكمال المطلوب بالرغم من أن للمعلم والأقران والآخرين تأثيراً فيه ، إلا أن دور الوالدين أهم ، خصوصاً اذا كانت لهما اواصر طيبة معه ، ويمكثان الى جانبه اكثر من

    السابق السابق الفهرس التالي التالي