تربية الطفل دينيا واخلاقيا 170

توجيه الأسئلة المختلفة الى الطفل في المواقف التي يمر بها في حالة الإنفعالات العاطفية الشديدة كالفرح اوالحزن ومعرفة آرائه وأحكامه بشأن القضية التي نريد الإستفسار عنها . وعلى المربى أن يلتفت الى ضرورة طرح الأسئلة عليه واستحصال رأيه بشكل غير مباشر ووفقاً للأسس التي يرتضيها الدين .
ولا يخفى هنا ما لدور المعلمين والمربين من أهمية ولاسيما دور الوالدين في الصغر ودور الأصدقاء والزملاء في مرحلة الصبا . فهم يمتلكون الكثير من عوامل التأثير في خمود الضمير او إحيائه .

  • ضرورة أبقاء الضمير حياً

  • إن الابقاء على الضمير حياً مهم في جميع مراحل الحياة . ولا بد من الإنتباه الى عدم تخديره أو موته . فمن العوامل التي تخدر الضمير ؛ مشاهدة الأوضاع والمواقف المتكررة ، ومعاشرة الأشخاص الذين لايبدون أي اهتمام لمختلف الأحداث اليومية وينظرون اليها نظرة باهتة خالية من أية مشاعر أو احاسيس ، ويمرون عليها مروراً عابراً .
    إن حيوية الضمير تتحقق في ظل مسألتين : الأولى هي التعاليم الدينية ، والثانية توجيه العقل والسيطرة عليه . وإلا فلن يتحقق لنا إحياء الضمير ، بل ويحتمل أن يغلب عليه الهوى فتتعرض حياة الإنسان للكدورة والإضطراب .
    وهذا ما يتطلب وجود رقابة دائمة للإبقاء على نور الضمير مضيئاً كي لا تطفئه عواصف الأحداث والوقائع . ولاجدال في أن الدوافع الدينية تعد من الجوانب المهمة في إحيائه ولأخلاق المربي وسلوكه الحميد دورها أيضاً

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 171

    في الإبقاء عليه يقظاً وبعيداً عن تأثيرات عوامل التخدير .

  • الإنسجام بين أبعاد الشخصية

  • من العوامل الأخرى المساهمة في شل الضمير عن الفاعلية هي الأسباب التي تؤدي الى انفصام الشخصية الانسانية ؛ وتتمثل مشكلتنا في بعض الحالات بانعدام التناسق بين جوانب وجودنا المختلفة .
    ولهذا يجب تسليط جهود المربي على ايجاد الإنسجام بين سلوك الشخص وضميره . فلا ينطق لسانه الابما يرضاه ضميره ، ولا تقوم اليد بعمل الا بما يقبله الضمير ولا تشهد العين والأذن الابما يحكم به الضمير .
    ولا يتاح لنا بلوغ هذه الغاية الا من خلال تنبيه المسيء الى إساءته . فأن صدرت الإساءة من يده نذكره بأن عمله هذا يعد سرقة ومن غير الجائز له التطاول على ما ليس له ـ وأخيراً اذا وجدناه لا يصون عينه عن النظر الى المشاهد المستهجنة ، فلا بد من تنبيهه الى هذا التصرف الخاطىء .

  • توجيه الضمير

  • ذكرنا سابقاً امكانية تعرض الضمير للخطأ والإنحراف والوقوع في مهاوي العبودية والذل . وربما يحجب نور الضمير بستار سميك لا يتيح المجال امام الانسان لكي يلتمس طريقه بوضوح . ومن المحتمل أن يقع الضمير في شراك الضلال فلا يعود قادراً على تمييز الخير من الشر .
    لا مناص في اشباه هذه الحالات من توجيه الضمير وتسديد مساره في كل الأحوال والظروف بحيث يبقى سائراً في ذلك السبيل الذي يدرك فيه

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 172

    جمال الفعل وقبحه ، وفي ذلك الطريق الذي يعلم فيه الى أية جهة تسوقه إرادته .
    إن توجيه الضمير يستنقذ الإنسان من أغلال الذل والعبودية ، ولا يدع المساوئ تستحوذ عليه ، وقد نقوم بعملية التوجيه هذه ، او قد تتم بيد الآخرين ولكن يجب السعي في كل الأحوال للمحافظة على سلامة هذا المعيار بعيداً عن اي لون من ألوان الضلال والإنحراف . ومن البديهي أن الطفل سيقوم فيما بعد بتوفير متطلبات التوجيه بنفسه حين يصبح في مرحلة جديدة من الفهم والنضوج .

  • مراقبة الضمير

  • على الرغم من كون الضمير نفسه معياراً وملاكاً ، الا انه يجب ان يخضع لملاكات ومعايير أخرى وهي تعاليم الانبياء والضمائر السليمة والمعصومة . وفي هذا النوع من الوقابة يمكن أولاً أن يطلب من الشخص أن يقيم وينقد سلوكه وكلامه بنفسه ويصدر بشأنها الحكم الصحيح . وباستطاعتنا ثانياً مطابقة فعله وقوله مع كلام الله والقيم الدينية ليميز الخطأ من الصواب .
    كما أنه لو إنعدمت مثل هذه الرقابة الضرورية لإنحدر الإنسان في مهاوي الحيوانية ولإنغلقت أمامه سبل السعادة . فالاشخاص الذين تكدرت ضمائرهم أو ضلت عن جادة الصواب وتاثرت بأهواء الأنانية والذاتية لا يتيسرلهم إدراك حقيقة الامور ويبقون عاجزين عن اختيار السبيل الأقوم . ويتضح مما سبق أن التأمل في الأمور وفي الأبعاد السلوكية يحافظ على سلامة الضمير ، ويقف حائلاً دون هدر كرامة الإنسان أو إنزلاقه في مهاوي

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 173

    الرذيلة .

  • الاستحسان والتشجيع

  • وكما ذكرنا سابقاً فإن للإستحسان والتشجيع دوراً كبيراً في تثبيت الأبعاد الفطرية والوجدانية عند الإنسان . فنحن عندما نشجع طفلاً على العمل الصحيح الذي يقوم به إنما نفهمه في الحقيقة بأن ضميره لم يحد عن جادة الصواب . ومن الطبيعي أن البهجة والانشراح المتأتيتين من هذا التشجيع تحثانه على مواصلة القيام بمثل ذلك العمل ، حتى وان كان هو الحصول على التكريم . ولا بد لنا من الإشارة هنا الى أن مهما كان التهديد والعقاب مجديين في بلوغ هذه الغاية يبقى دور التشجيع أهم وأكبر .
    ولايخفى ان كلما كانت صورة التكريم تحظى باحترام ومحبة أكثر في نفس الشخص ، كان دورها في توجيهه أهم وأكثر ؛ حتى أن الأشخاص الذي يحترمهم الطفل يمكن ان يكونوا سبباً لإلتزامه والسيطرة على كثير من تصرفاته . وتجدر الإشارة كذلك الى أهمية دور الوالدين والمربين في توجيه الطفل وذلك من خلال التزامهم الشخصي بما يراد للطفل أن يلتزم به .

  • التنبيه والإنذار

  • ويمكن ايضاً الاستفادة من التنبيه والإنذار في سبيل ارشاد الطفل والسيطرة عليه وتوجيه ضميره للسير ضمن الإطار المدروس ، ويتمثل ذلك في الانذار الصادر من الأبوين ، أو توبيخهم له في حالات الإنحراف .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 174


    وهنالك اساليب أخرى أيضاً لها تأثير في هذا الصدد من امثال الإيحاء والتلقين والاستفادة من العواطف والمشاعر ، وتنبيه الطفل في حالة ارتكابه لأي خطأ . ويقوم اساس التربية على محور تنبيه الطفل حال بروز أي خطأ منه وعدم السماح بتأصل التصرفات القبيحة في نفسه حتى تتحول الى عادة مستفحلة لديه . فهو لايعرف في كل الظروف هل ان كل عمل يقوم به صحيح ام خطأ ؟. فقد يتصرف تحت تأثير عوامل متعددة ليست كلها صحيحة . فما اكثرالذين يخطئون ويظنون أنهم على صواب . وتجب الاشارة هنا الى وجوب التزام الابوين بكل ما يحرمانه على الطفل .

  • التخويف والعقاب

  • نضطر في بعض الحالات الى انتهاج اسلوب التخويف والعقاب لتوجيه الطفل وتنبيه الى خطأ عمله ، وخاصة في حالة تكرار الخطأ . فالخوف يردع الطفل في المرحلة الأولية عما ينوي القيام به ، ثم يتحول هذا الرادع في ما بعد الى مايشبه العادة التي تجعله يمتنع ذاتياً عن فعل أية اساءة . وهذا الأسلوب ناجح في بلورة الضمير الأخلاقي للطفل وبالصورة التي نبتغيها .
    يستقي الانسان تجاربه عادة من التعاليم والتمارين والتجارب الشخصية ثم تتحول هذه التجارب الى حقائق ثابتة ، ويعد التهديد والعقاب عند المخالفة واحداً من أوجه تلك التجارب . ومن الواضح إن ايقاظ الضمير يستدعي تنبيه الطفل وردعه عن تجاوز الأصول والقوانين المتعارفة .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 175

  • مبادئ في تربية الضمير

  • هناك أربعة مبادئ ينبغي مراعاتها في تربية ضمير الطفل :
    1ـ تركيز اهتمامه على الجوانب الإيجابية في الحياة من خلال طرح الأسوة الحسنة المقبولة ـ وتوفير مستلزمات تكامل ونمو هذه الجوانب لديه .
    2ـ منع الطفل من القيام بأي تصرف مستهجن وذلك عن طريق التنبيه والإنذار والردع والتهديد .
    3ـ حث الطفل على التمرين والتجربة والقيام بكل ماهو محبب لكي يتعود على ممارسة السلوك الحسن والقول والفعل الحميدين .
    4ـ تقوية قدراته الفكرية ليتاح له التفكير والتأمل كما ينبغي . ومن البديهي أن الأمر القائم على التفكير يبقى اكثر ثباتاً ودواماً في نفس الفرد .
    ولايمكن مراعاة جميع هذه المبادئ أو تطبيقها عملياً الا بشرط قيام الأبوين والمربين بتربيته على الأمانة والتقوى ، والصدق ، والإخلاص وغيرها من الصفات الحميدة الأخرى وبأسلوب مبني على المحبة والحنان ، وغلق جميع المنافذ التي تؤدي به الى سلوك السبل الإجرامية .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 176




    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 177



    - 6 -

    التربية الأخلاقية للطفل



    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 178




    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 179


    6 ـ التربية الأخلاقية للطفل

  • مقدمة :

  • لا جدال في أن لحياة الإنسان طابعاً اجتماعياً لامناص له من القبول به . فهو يعيش بين الناس وفي المجتمع بحكم حاجته الطبيعية وبسبب ميله الى الاستقرار والرفاه ، وانطلاقاً من نوع التربية التي تلقاها . ففي المجتمع تقضى حاجته ، وتتخذ حياته طابعها الخاص ، ويحصل في ظله على التنوع والتجديد المنشود الذي يبتغيه كل إنسان .
    تبدأ علاقات الطفل الإجتماعية ـ كما يرى بعض علماء النفس ـ منذ الشهر الرابع من عمره ، بل وقبل هذه السن وتبرز ملامح بدايتها بالإبتسامة التي يبديها الطفل للآخرين تعبيراً عن ارتياحه عن أمر ما . ويجري التمهيد لتلك الوشائج الإجتماعية بالإبتسامة أو العناد أو غيرهما من المواقف الأخرى ، حتى يصل الأمر الى أن تتخذ حياة الطفل في سن الثالثة لوناً وطابعاً خاصاً ، الى أن يستقر الطبع الإجتماعي في نفسه عند الخامسة ، فنراه يميل في هذه المرحلة الى اللعب الجماعي ويكف عن الكثير من مشاكساته .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 180




    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 181

  • ضرورة الأخلاق وأهميتها

  • تجدر الإشارة هنا الى أن الحياة الاجتماعية لا تتحقق بدون وجود الضوابط والقواعد التي تسود بين الناس . فمن الضروري في المجتمع المتجانس وجود توافق بين الفرد والجماعات الأخرى مع الأخذ بنظر الاعتبار التوجهات السلوكية العامة . اذ يستحيل على الفرد ـ تقريباً ـ العيش لمدة طويلة في مجتمع ما مع عدم القبول بنوع من التجانس ، أوعدم الإنصياع للأعراف والقيم السائدة فيه .
    فالأخلاق لها دور أساسي في الحياة الاجتماعية للناس ، والقيم الأخلاقية عنصر حاسم في تحديد مدى سقم أو سلامة الحياة البشرية ؛ حتى قيل في وصف أهميتها : ليست القوانين هي التي تحكم العالم ، بل العالم منقاد للأصول والقواعد الأخلاقية ؛ وهذه المسألة اكثر صدقاً ووضوحاً في الحياة العائلية .
    ويجب القول في ضرورة التربية الأخلاقية الحميدة ، بأنها الأخلاق التي تحول دون سقوط الإنسان في المهالك العويصة ، وهي طاقة كبرى تهيمن على الانسان وتمنعه من الوقوع في المفاسد والإنحرافات ، فالفقر الأخلاقي أسوأ ألوان الفقر ، وإفتقادها ألم مرير وقاتل .
    إذن ، فالتربية الأخلاقية ضرورية للأطفال انطلاقاً من كون « الشر كامن في طبيعة كل أحد »« كما قال الإمام علي عليه السلام » ، وإن الفضيلة يجب ان تفرض على الانسان فرضاً . إن للتأثيرات الأخلاقية آثاراً طويلة المدى ، وهي

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 182

    من موجبات السيرة الحسنة والسلوك الكريم .
    وأخيراً فالتربية الأخلاقية للأطفال ضرورية لحتمية دخولهم في المستقبل القريب الى ساحة الحياة الاجتماعية واختلاطهم بالناس ، وما يرافق ذلك من تعاون مع بقية أفراد المجتمع ، ومن سعي لقضاء الحاجات الفردية والاجتماعية ولولا وجود الأخلاق لظلت الحياة الاجتماعية قائمة على أسس القوة والأنانية وعدم المبالاة بما يجري على الآخرين ، وهو طابع تتفرد به الحياة الحيوانية دون غيرها .



    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 183

  • مفهوم الأخلاق

  • المراد بالأخلاق في بحثنا هذا أمران : الأول هو الاعتقاد بالأصول والسنن والعادات التي تحظى بالقداسة والحرمة . والثاني هو الإلتزام بالغايات والمقاصد التي أقرها الدين كالصدق والوفاء والأمانة والإيثار ... الخ .
    وغرضنا من تربية الطفل أخلاقياً أيجاد تلك النفسية التي يقوم السلوك في ظلها على أساس المفاهيم والأسوة الصالحة التي تقدمها لنا تعاليم ديننا.
    أما بالنسبة للمفاهيم المتعلقة بالأخلاق فلابد من قابلية التمييز بين الجميل والقبيح ، والقدرة على القيام بالعمل الجميل ، والرغبة في عمل الخير ، والتمييز بين الصحيح والخطأ ، ومعرفة الحقيقة وإتباعها . والغاية المرجوة من وراء جميع ذلك هي أن تصبح أمثال هذه المفاهيم قاعدة في النفس الأنسانية ، ولتنسجم مع فطرته وطبيعته . والحب هو قوام إشاعة مثل هذه الأخلاق . فمن المفترض أن يميز الطفل بين الجميل والقبيح ، ويحب الجميل ( كما يحبه بالفطرة ) ، ويسعى نحو كل ماهو جميل ، وتكون مثله التي يختارها في حياته اليومية قائمة على هذا الأساس.

  • محتوى الأخلاق واساسها

  • ولكن ماهي الأِشياء التي نعلمها للطفل في الجانب الأخلاقي ، وما هو المحتوى الذي يبحث عنه ، وما هي الأسس التي نربيه وفقاً لها ؟ والجواب على هذا السؤال يتضمن النقاط التالية : ـ

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 184

    1ـ كقاعدة أولية يجب أن يحب لغيره ما يحب لنفسه .
    2ـ وكمرحلة أعلى أن يكون تابعاً لحكم الله وطالباً لرضاه حتى يصبح حبه وبغضه كله لله . إن كل ما يعتبر فضيلة ، ما هو في الواقع الا جزء من المحتوى الأخلاقي لتربيتنا ، كالإحسان ، وحب الخير ، والرحمة ، وصيانة الذات والآخرين من كل سوء ، ونصرة المظلوم ، ونبذ الظلم والجور ، ومحبة الحق والحقيقة، ومجانبة الكذب والتملق والرياء وكل ما يهوى بنا الى الذل والخنوع ، وبذل النفس والنفيس في سبيل حفظ الحق واحيائه ... الخ .
    وهناك اصول واسس ضرورية لاستخدام هذه الأبعاد ، وأهمها :
    أولاً : أن يكن الإحترام لنفسه ويعتبره مقدمة لاحترام الآخرين .
    ثانياً : معرفة أهمية الكمال والسعي نحوه ، لأنه من دوافع الحركة والنضوج .
    ثالثاً : الشعور بالإلتزام والمسؤولية عن حياة الآخرين ، لأن ذلك من مستلزمات الحياة الاجتماعية .
    رابعاً : أن يشمل الآخرين بنفعه ويعمهم بمعطيات استعداده الذاتي .
    خامساً : أن يتصف بالتسامح ونبل السجايا ومراعاة الشرف والأمانة والأدب والعطف في علاقاته مع الآخرين .

  • الملاكات والمصادر

  • ماهي الملاكات في أخلاقنا وتربيتنا الأخلاقية ؟ وما هي المصادر التي نستقي منها تعاليمنا الأخلاقية ؟ والجواب هو أن هذا الأمر يختلف في المجتمعات الدينية عنها في المجتمعات غير الدينية .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 185


    ففي المجتمعات البعيدة عن الدين تستمد الأخلاق عادة من الأعراف الإجتماعية ، أو من الفلسفات والمذاهب المختلفة ، أو حتى أحياناً من آراء المفكرين والعلماء ، أو من حصيلة التجارب اليومية . وهذا ما يترتب عليه في الكثير من الحالات آثار ونتائج وخيمة .
    أمافي المجتمعات الدينية ـ وخاصة الإسلام ـ فمصادر الأخلاق هي : القرآن والسنة (سنة النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع)) والمقومات الفطرية والذاتية لدى الإنسان ، إضافة الى الضوابط التي يحتاج اليها المجتمع الإسلامي لحفظ نظامه وكيانه.

  • دور الثقافة في الأخلاق

  • كثيراً ما تختلط المصادر الأخلافية ـ سواء المستمدة منها في الدين ام من الأعراف الإجتماعية ـ بالجوانب الثقافية التي تطبع ذلك المجتمع . وهذا ما يدفع بكل فئة إجتماعية الى تبني المبادئ التي تعتبرها أسساً أخلاقية مقبولة وفقاً للأجواء الثقافية السائدة بين تلك الجماعة . ومن البديهي أن لنوع التربية تأثيراً كبيراً في بسط الركائز الأخلاقية .
    في المجتمع الذي يتخذ السنة كمنهاج ، ويخطو الى الأمام بصبر وتأن ، فمن الطبيعي أن تنتقل نفس هذه الحالة الى أبنائهم . بعكسهم الأشخاص الذين يتخذون طابع العنف كأسلوب لحياتهم فإنهم يطبقون نفس هذا الأسلوب مع ابنائهم ، ولهذا فلا عجب لو رأينا وجود فوارق أخلاقية بين الطفلين اللذين ينتميان الى دين واحد ، ومردٌ ذلك هو الأختلاف الموجود في الأجواء التي يتربون فيها .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 186

    فمن المسائل المهمة التي ينبغي التأكيد عليها في وضع برامج التربية الأخلاقية لأي جيل هي مسألة معرفة ثقافة ذلك المجتمع ، وحتى أن الجهاز التعليمي لو شاء تطبيق برامجه على الأطفال فلابد له أولاً من معرفة ثقافة الطفل وظروف عائلته .

  • الغاية المنشودة من التربية

  • غايتنا من التريبة الأخلاقية للأطفال هي تعليمهم الأصول والقواعد والعادات التي تتبلور على أساسها حياتهم الفردية والإجتماعية . وأن نربيهم على احترام تلك الأصول والقواعد . ومن الطبيعي أن لا يتيسر لنا اجتثاث جميع العوامل المؤدية الى بروز الإنحرافات السلوكية ، لكننا نتوقع نجاح جهودنا الى حد ما في بلوغ هذه الغاية .
    ومن الأغراض الأخرى المنشودة من التربية هي أيجاد حالة من الأتزان عند الطفل بين طبيعته الفطرية وأهوائه النفسية ، وترويض كل ما يرتبط بالغرائز وتمهيد الأسس للإلتزام بالنظام الإجتماعي ، لأن التكامل لايتاح له التحقق الا في ظل أوضاع كهذه ، كي يتيسر للانسان الانسياق صوب الغايات اللائقة بطبيعته .
    والهدف الأخر هو ان يشعر الطفل تدريجياً بالالتزام والمسؤولية ازاء كل ماهو موجود ، وأن يترسخ هذا الدافع في اعماقه ، ليصل الى مرحلة البلوغ الاخلاقي ويدرك المواقف الواجب عليها إتخاذها في الظروف المختلفة ، أي أن لايكتفي بمجرد الإلتزام بالتعليمات .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 187

  • الاستعداد للتربية

  • ولكن هل أن الطفل حائز على مثل هذا الإستعداد أم لا ؟ والجواب هو نعم ، فالإنسان يمتلك استعداداً فطرياً وذاتياً لتقبل الضوابط الأخلاقية ، وهو يعرف بالفطرة مبدأ الخير اللامتناهي ، تتوفر لديه الأرضية والاستعداد والأهلية التي يتسنى للمربي استثمارها كأداة لدعم العمل التربوي الهادف الى تنمية مداركه.
    ومن جهة أخرى تقضي طبيعة الطفل في سنوات الحضانة بقبول الحياة كما هي من غير ابداء أي اعتراض أو عناد . أما في السنوات اللاحقة وحين دخوله مرحلة الرشد والتمييز ، فتتهيأ له عند ذاك مقومات التقييم والنقد الذاتي ، ومن ثم السير نحو الغاية المنشودة التي يرسمها له الكبار بالأدلة الكافية ، بحيث أن نتائج الإنصياع للموازين الأخلاقية والإعتقاد بصحتها تلحظ عليـه بشكل واضح في الفترة بيـن سن ( 9ـ 12 ) عاماً ، ومن ثم يصبح الشخص بعد ذلك شيئاً فشيئاً أصدق وأوثق مما كان عليه في السابق ، فيعترف بخطئه من غير مواربة . ويبدو أن لملاحظات الآخرين وكذلك رجاء الأبوين تأثيرات لا يستهان بها في هذا التوجيه .

  • الوعي والتربية الأخلاقية

  • لمسألة الوعي أولوية فائقة في تربية الأطفال الخلقية . فيجب ان يعرف الطفل عناصر الإلتزام وأسبابها ، وأسلوب الحياة وآدابها الواجب مراعاتها ،

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 188

    وكل ماهو قيم في الحياة ، وكل ما يناقض مصاديق الخير والجمال . وعليه التحلي بالوعي الكافي ومعرفة القواعد التي اذا تخلف عنها استوجب العقاب .
    وعلى الطفل أنً يعرف أن رعاية الضوابط يعود عليه وعلى المجتمع بالخير والصلاح وهو غير مسموح له بتجاهلها أو التهاون فيها . وان يعلم أنً التحلي تنعكس أضراره على الآخرين ، وعليه أن لا يرتضيه .
    يجب أن يتعلم السلوك الأخلاقي سواء كان التعلم عن طريق الوعظ والتلميح أم بواسطة الأسوة التي يقتدي بها ويقلدها . ومن البديهي أن التوجيه المناسب ووضع القواعد المدونة بين يدي الطفل حين تعليمه أياها يضمن لنا تعود الطفل على الثقة بنفسه .

  • التعاليم اللازمة

  • أما النقاط الواجب تعليمها للطفل ، فهي كثيرة جداً ، ولا يسعها كتاب واحد إلا أننا سنطرح في هذا الفصل عدة بحوث تتضمن الحديث عن مختلف الأصعدة مع الأبتعاد عن الإطناب ما أمكن .
    1ـ في ما يتعلق بالشخص :


    يختص بعض انواع التعليم والتربية الأخلاقية بالشخص نفسه وتتسم بالفردية . وهناك إجراءات كثيرة يفترض بالمربي القيام بها في هذا الجانب ؛ منها :
    أ ـ إحياء الفطرة وصيانتها : تدخل فطرة الطفل مرحلة الفعلية في

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 189

    ضميره من قبل دخول عقله مرحلة الفعلية لقد أودع الله في فطرة كل إنسان بناء اخلاقياً يهديه على اساسه . فهو ذاتياً يحب الصدق والأمانة والصلاح والفضيلة ، وإن لم يكن عارفاً بمصاديقها . وهذا ما يلقي على عاتق الأبوين والمربين مهمة الإبقاء على هذه الفطرة حية متيقظة ، وحمايتها من أية مخاطر قد تهدد سلامتها . ( سنعود الى تفصيل كيفية ذلك في ما بعد) .
    ب ـ السيطرة على النفس : وهذه أيضاً واحدة من التعاليم الأخرى التي يجب تنشئة الطفل عليها بالتكرار والممارسة . فعلينا أن نعلم الطفل منذ البداية تدبير شؤونه كافة بحيث تكون له القدرة على مواجهة الأمور والوقوف على قدميه وعدم الإنهيار أو الإستسلام أمام مشاكل الحياة ، ويجب تعويده على الصبر ساعة او ساعتين وإن هاج وماج طلباً للطعام . ولا يلجأ من فوره الى البكاء والجزع ، وعلى الأمهات أيضاً أن لا يجعلن من أنفسهن خدمات مطيعات رهن اشارته ، ويلبين مايطلبه فوراً وبلا أي تأخير .
    جـ ـ الاعتماد على النفس : من المفترض أن يصل الطفل تدريجياً الى المرحلة التي يستطيع فيها حل مشاكله بنفسه ، والصمود امام حوادث الحياة او كما يقال « أن يتذوق نعومة الحياة وجشوبتها » . ولا يتصور أنه سيبقى مرتاحاً في ظل الآخرين لمدة طويلة . بل يجب أن يتسلم بنفسه ـ بصورة تدريجية ـ بعض شؤون حياته وبما يتناسب ونضجه العقلي ، ويطلب منه القيام بها شخصياً ، كترتيب بعض وسائله الخاصة وارتداء ثيابه ، وصولاً الى اعمال اكبر من ذلك .
    د ـ مراعاة التقوى وامتلاك زمام نفسه : قد يتبادر الى الأذهان أن تركيز

    السابق السابق الفهرس التالي التالي