تربية الطفل دينيا واخلاقيا 59



- 3 -

التربية والتعليم الديني للاطفال



تربية الطفل دينيا واخلاقيا 60




تربية الطفل دينيا واخلاقيا 61

3 ـ التربية والتعليم الديني للاطفال

  • المقدمة

  • لن يكون بوسع الانظمة المادية أن تاتي بالخير والرفاه للبشرية مهما بلغت من التطور والتقدم ، الا اذا تحولت الى اداة لضبط الافراد في المسار الذي هم عليه حاليا . قد تتحقق بعض أسباب الرفاه في ظل التطور المادي ، الا ان بقائها واستمرارها ، والاهم من ذلك الاستفادة منها ، لا تتحقق الا في ظل القيم المعنوية .
    ولهذا فنحن نعتبر التربية التي لاتقوم على اسس دينية امرا خطيرا . ووجود المدارس والجامعات غير المبنية على قواعد دينية والطلبة المتخرجين منها وبالا على المجتمع ، واذا فقدت التربية عنصر الدين فقدت قوامها ، بل كان فقدانه سببا لانحلال التربية تلقائيا . ان ما نراه من فساد وتناحر وحروب واستغلال في المجتمعات المسماة بالمتحضرة ليس مصدرها تدني المستوى العلمي ، وهبوط مستوى الرفاه هناك ، بل ترجع جذوره الى ضعف القدرة على التحكم والسيطرة ، وانعدام دواعي الانضباط التي تعينها على السيطرة على نفسها .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 62

  • الطفل وحاجته الى الدين

  • ان حاجة الطفل الى الدين اشد بكثير من حاجته الى الطعام ، لا سيما وضعه الذي يستدعي وجود عنصر يحميه ويدافع عنه عوامل الفوضى والاضطراب . والدين مفيد للطفل من حيث انه يهذب اخلاقه ، وينزهه عن الخيانة والمشاكسة والتمرد ، ويلجم طباعه الشرسة ، ويجعله يلتزم بالسير في أطار الضوابط المرعية .
    فما أكثر الاشخاص الذين يرتكبون الجرائم . ولو كان الرادع الديني عندهم قويا لحال دون ارتكاب مثل هذه الجرائم ، فبامكان الدين كبح الدوافع غير المشروعة وتوفير فرص النجاح أمام الاطفال والفتيان للتحرك نحو حياة روحية أفضل .
    قد يكون التعليم الديني قليل الجدوى للطفل حاليا ، الا انه ضروري جدا لغده ، لانه يطور أفكاره ويدفعه الى حب النظام ، ويرتقي بمنطقه ، ويعينه على حل مسائله اليومية ، ويزوده بالوعي اللازم في الحياة .
    أطفالنا بحاجة الى الايمان الذي تدار شؤون حياتهم في ظله ، ويكون لهم الثقة الكاملة بأنفسهم ويجلب لهم السكينة النفسية والاسئناس بالتعاليم الالهية السامية ، ويوصلهم بالتالي الى الصلاح والفلاح . فكلما كبرالطفل ازداد شعوره بهذه الحاجة ، وخاصة في سنوات المراهقة حيث يعيش الانسان في أجواء من الاضطراب المتأني من شعوره بأنعدام العدالة في المجتمع .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 63

  • الارضية الدينية عند الاطفال

  • تتوفر في الطفل الارضية الكافية لقبول الدين ، لان فطرته تدعوه الى ذلك ، وهذه الفطرة تكون قوية في نفس الطفل الى درجة يمكن القول معها ان الطفل لا يمتلك أي مفهوم عن الدين سوى ما اودع في فطرته ، وهو الذي يدفعه الى الرفعة والتسامي . فالابعاد الفطرية في نفس الطفل تسوقه نحو تلقي الامور الحياتية وفهمها ، والى حب الحقائق الدينية ، والى مجانبة القبيح من الامور والتمسك بخيرها كما ينبغي له .
    نواجه من الطفل وهو في سن الرابعة تصرفات ناتجة عن حبه للاستطلاع ، وميله الى أدراك اسرار الطبيعة ، والعثور على الطريق المؤدية الى الله .
    تتعمق لدى الطفل في حوالي السنة الخامسة رغبة شديدة في معرفة الله ، وأغلب اسئلته تصب في السياق التالي : كيف يكون الله ، وعلى أية هيئة ؟ لماذا لانراه ؟ و ....الخ .
    وعندما يقارب السادسة من العمر ينصب تفكيره على اكتشاف مصادر القوة ، فحينما يرى أن اباه يشكل مصدر قوة هائلة في البيت ، يتصور انه لا بد من وجود قوة خارقة في هذه السماء الا وهي الله . ان الاطفال في سن 4 -5 - 6 أعوام مشغوفون بقدرة الله ، ومتعجبون من مخلوقاته .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 64

  • الرغبات الدينية عند الاطفال

  • لدى الاطفال رغبات تحثهم على البحث والعثور على الخالق هذا ، من يكون ؟ وعلى أية صورة ؟ تحدوهم رغبة جامحة في الدنو منه واكتناه سره ، وان يأخذوا عنه معتقداتهم ومثلهم التي تخص جانبي الحقيقة والاخلاق ، فهو قوة أعلى تغنيهم عن الاب والام ، فيظلون مشغولين بهذه الافكار لمدة طويلة من الزمن .
    ثم يظهر عند الاطفال في سن الثامنة شغف يدفعهم نحو التكامل النفسي والكشف عن بعض الجوانب الخفية في ابعادهم الوجودية . فيتركز سعيهم على اقامة نوع من الارتباط الوثيق والابدي بينهم وبين الله ، ويتجسد هذا السعي في اسمى صورة في سن الثانية عشرة ، ويتخذ طابع الحب الجارف لله ،وحتى انهم يظهرون في هذا السن اخلاصا في العبادة . اما هدف الجهد المبذول في هذا السياق فهو اكتشاف هويتهم والتفكير في طريقة لتخليد انفسهم ، وتوفير حياة كريمة لانفسهم .

  • بداية التربية الدينية

  • تبدأ التربية أساسا من وجهة النظر الاسلامية من المهد ، وتتبلور في أحضان العائلة . أما اسسها ومقدماتها فتتوغل الى المرحلة التكوينية للجنين وحتى الى ماقبل تلك المرحلة ، ولكن صيغتها الرسمية تبدأ منذ لحظة الولادة حين يؤذن ويقام في اذن الوليد الجديد .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 65


    وفي المرحلة اللاحقة يفرض علينا في كل سنة وفي كل شهر واجب جديد ازاء الطفل يتدرج سنه ، ونحن نقوم أيضا بتأدية ما علينا على أعتبار كوننا مربين .
    ولا شك ان استعمال أي نمط من أنماط القوة والضغط مرفوض ، وحتى السلوك الديني للطفل لا يتجاوز صيغة اللعب والتسلية ، ولا كلام لنا في هذا المورد ، وانما تتمثل مهمتنا في برمجة الفرائض الدينية بالشكل الذي لا يثقل كاهل الطفل ، ولا يرهقه قبل الاوان .
    ويفترض بنا أن نسعى أيضا طوال فترة التربية في السنوات السبع الاولى من حياة الطفل الى عرض المصاديق والمثل المفيدة للطفل تربويا ، وأن يكون نمط التربية بشكل لا تستدعي الضرورة اصلاحه واعادة النظر فيه ، لان الكثير من الانحرافات الدينية للاشخاص منبثقة عن هذا الخلل .
    يصل الوله بالدين الى ذروته في العاشرة لدى الفتيات ، وفي سن الثانية عشر عند الفتيان ، وفي هذه السنوات فقط يمكن الحديث عن موضوع الايمان بالدين ، اذ حيث يتنامى الحس الديني خلال هذه السنوات شيئا فشيئا حتى يبلغ أوجه عند مرحلة البلوغ .

  • مبادىء في التربية الدينية

  • قبل الحديث عن أغراض ومحتويات وفنون وأساليب التربية الدينية للاطفال تقتضي الضرورة أولا الاشارة الى ثلاثة مبادىء مهمة تستوجب الاهتمام بالتربية الدينية وهي كما يلي :
    1- مبدأ الوعي والمعرفة : لاندعي بأن الطفل قادر على ادراك جميع

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 66

    المسائل المتعلقة بالدين أو انه يدرك ما نقول . الا ان هناك نقطة ينبغي أخذها بالحسبان ، الا وهي وجوب ضخ المعلومات اليه بما يتناسب مع قدرته على الاستيعاب والفهم ، والا نتهاون في أمره على أساس كونه صغير السن ومازال أمامه متسع كبير من الوقت ليصبح متدينا .
    2-مبدأ المشاعر والاحاسيس : ينبغي ان يتعرف الطفل بشكل أو آخر على النشاطات الاجتماعية ، وما يجري خلالها من أعمال وشعائر ، فيشارك في المراسيم ، والادعية الجماعية ، والاناشيد والمراثي ، والعبادات الجماعية مثل صلاة الجمعة والجماعة ، ليرى بالتدرج ، الدموع والاهات ، والانفعالات والافراح ، مما يؤدي الى اثارة عواطفه ومشاعره الدينية ، وكذلك لا يخلو ذكر القصص الدينية من الفائدة ضمن هذا السياق .
    3- السلوك والعمل : للسلوك والعمل سواء عند المربي أم عند الطفل دور لايمكن تجاهله ، وذلك لشدة تأثيره وتفوقه على تأثير المنطق والقول . فالقلوب تنجذب الى الحقيقة بواسطة العمل ، وبه تبرز وتتميز العادات الدينية ، وتتبلور في الفرد رغبته في الطاعة والعبادة . وهذا هو النمط الذي كان يقتفيه الرسول (ص) في التعليم حيث كان يقول لاصحابه « اعملوا كما تروني اعمل ! »

  • منهاج التربية الدينية

  • تعترض مسار التربية الدينية للاطفال مجموعة من المعوقات والمصاعب التي يقتضي الحال تذليلها وايضاح الغامض منها ، ليكون المربي على بينة من امره ومستدلا على السبيل المطلوب ، وعلى الاهداف المبتغاة في نهاية

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 67

    هذا المسير ، وما هي المواضيع المستهدف تعليمها للطفل ؟ وماهي الاساليب المفترض استخدامها ، وبأية وسيلة وفن ؟ وكيفية الرقابة والسيطرة ؟ نشير في ما يلي الى كل واحدة من هذه النقاط مع مراعاة الاختصار :
    أ - الاهداف والمقاصد :


    يتلخص الهدف العام في تنشئة الطفل نشأة دينية ليكون معتقدا بتعاليم الدين ومطبقا لها . والغرض من ذلك ان يعتبر طفلنا الاسلام عقيدة صالحة ومذهبا بناء للحياة ، وان يتقبل مبادئه وتعاليمه على اساس كونها افكار حركية أصيلة ، وان يطبع حياته الحالية المستقبلية بطابع الفلسفة التي يقرها الدين ، وان يسعى لايجاد البيئة والاجواء الاجتماعية التي يرى الدين صحتها وصلاحها ، وهي البيئة النظيفة الخالية من اية شائبة والبعيدة عن المؤثرات التربوية السافلة .
    ومن تلك الاهداف ايضا ان يكون مطيعا لربه وخاضعا لتعاليمه ، و منقادا لاوامره ، وان يتوكل عليه في كل الظروف والاحوال . وعليه ايضا معرفة ربه ؛ فهذه المعرفة تدفعه نحو التحرك والسير على الصراط الموصوف بالاستقامة والذي ينتهي بلقاء الله . وعليه ايضا ان يعتبر نفسه مسؤولا في حياته الحالية والمستقبلية ولا يكون في معترك الحياة كالريشة التي تتداولها الرياح من صوب الى صوب ، لخفتها وخلوها من اي محتوى .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 68

    ب - المحتوى والمضمون :


    يمتاز محتوى ومضمون تربية كهذه باستيعاب كل ابعاد الحياة سواء في جانب المواقع ام في مثل الحياة ، ويمكن الاشارة الى تلك الموارد مبوبة بالشكل التالي :
    أولا في الاصول الاعتقادية :


    يدور بحث الكثير من مواضيعنا الدينية حول الاصول الاعتقادية ، ونطلق عليها اسم الاصول ، لانها القواعد التي تقوم عليها جميع افعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا الدينية . ويمكن تبيين هذه القواعد للاطفال دون السابعة من العمر على شكل قصص او سيرة حياة شخصية .
    كما يمكن تلقينها باسلوب استدلالي الى حد ما لمن تجاوز الثامنة او التاسعة من عمره ويعتبر تعليم الاصول الاعتقادية من انواع التعليم الاساسي وله دور مصيري في حياة الاشخاص .
    أما المواضيع التي يتوجب دراستها في هذا الحقل فهي كثيرة ، الا انها اهمها يتلخص في :
    1- الايمان بالله والتوحيد :


    يختص هذا الحديث عن معرفة الله ، وعظمته وجلاله ، وجماله ، وكذلك بالحديث عن علاقة الله بالانسان من جهة ، وعلاقة الانسان بالله من جهة اخرى . ففي الجانب الاول ينصب الحديث عن مسألة خلق الوجود وتيسير

    تربية الطفل 69

    نظام هذا الكون وما فيه من الظواهر بالاضافة الى رازقية الله وحاكميته في عين علمه وقدرته وارادته ، اما الجانب الثاني فيتناول الخشوع والخضوع لله ، والاستعانة به والتضرع اليه ومعرفة الواجبات في سبيله ، وتنظيم برامج الحياة وفقا لاوامره واحكامه ، وان لايكون هنالك اي حب او عداء الا على اساس ارادته وتعليمه .
    يفترض ان يكون مبدأ التوحيد ركنا لاتقوم عليه عقيدة الانسان لوحدها فحسب بل يقوم عليه جميع شؤون حياة الانسان ايضا . ولا يفوتنا طبعا ان يجري تعريف الله بالشكل الذي يحبه الطفل . فهو ـ اي الطفل ـ لايستهويه الاله الموصوف بقسوته وغلظته وشدة عقوبته ، فما زال امامه متسع من الوقت لمعرفة السبب الذي من أجله يعاقب بعض الناس ، وينذر الله بعض الناس بأليم عقابه وغضبه .
    لاينبغي ان تتضمن المواضيع التي يتلقاها الطفل في معرفة الله اية اسرار وخفايا . فهو لا يفقه الخفايا والاسرار ، وامثال هذه الالغاز اللفظية تطعن مشاعره الدينية . فلا يستلزم الامر اعادة مالا يفهمه الطفل على مسامعه ، اذ ان من اليسير عليه معرفة الجنة والتشويق اليها عن طريق اللذات الحسية لكن ادراك مفهوم رضوان من الله اكبر لا يزال مبكرا بالنسبة له .
    2-في تعريفه بأولياء الله :


    من الاصول الاساسية في العقيدة دراسة ومعرفة الانبياء ، وولاة الدين والقادة الربانيين . ومن الضرورة تلقين الصغار منذ نعوما اظافرهم المعلومات الكافية عن الانبياء ودورهم في الحياة ، ويجب ان يكون ذلك

    تربية الطفل 70

    باسلوب سلس مفهوم ، متضمنا سرد قصة حياة نبينا (ص) وبيانا لاهمية القران في حياة الانسان ، وبشكل يخلق لديه شعورا بنوع من التعلق به .
    ثم نتحدث لهم ايضا في هذا الجانب عن الائمة المعصومين ودورهم ومواقفهم ، وخلاصة عن حياتهم وبالخصوص في ايام ولاداتهم ووفياتهم.ويمكن كذلك القاء الخطب والكلمات التي تنشر الوعي بأمثال هذه المواضيع خلال المجالس الخاصة التي تعقد لهذا الغرض . ويتحقق اشباع النفوس بحب ولاة الدين من خلال التحدث عن صفاتهم الحميدة وامتداحها ، وهو مايثير عواطف الطفل ويشده اليهم نفسيا .وعلينا أيضا ان نحدثه عن الملائكة وانبياء وعظمتهم .لعل بعض الاطفال يتصور ان بمقدوره رفض الانبياء أو الاولياء الاخرين وعدم الاعتراف بهم ، او التجاسر على بعضهم كعزرائيل ! الا ان هذا التصور يتعارض وعقيدتنا ، وعلى الابوين والمربين الالتفات الى مثل هذه القضية والسعي لتوعية أطفالنا بشانها .
    3- في موضوع الموت والمعاد :


    لاتشكل قضية الموت مفهوما ذا معنى بالنسبة للاطفال حتى سن 3-4 سنوات الا اذا رآى مثل هذا الموقف بعينيه ، أو كان يتمتع بنسبة عالية من الذكاء . ان موضوع المعاد لايدخل ضمن ادراكات الطفل ايضا ولا يفهم عن اي مدلول لديه .
    في حدود السنة الخامسة من عمره يبدأ الطفل بالانصات او قل بالانتباه الى ما تسردون له من قصص بشأن الموت ثم الحياة بعده ، ومسألة الجنة

    التربية الدينية 71

    والنار . وتصبح اشباه هذه الامور أوضح عند من تجاوز السابعة من عمره ، وفي سن العاشرة يفهمها تماما ، ويستطيع من بعد سن الثانية عشر عاما ان يثبتها شخصيا بالادلة .
    ولهذا ينبغي تكريس جزء مهم من التربية الدينية لموضوع المبدأ والمعاد وما يتعلق بالموت والحياة . ومن الافضل ان لا تتناول أحاديثنا مسائل النار والعذاب وكيفيته ، اذا كانت موجهة للاطفال تقل اعمارهم عن ثمان سنوات لانها تثير فزعهم . كما ويمكن ان نشرح لمن تجاوز السنة الثامنة من العمر ، موضوع الموت وكانه انتقال من عالم الى آخر ، وتفصيل ما يراد من هذا السياق من معلومات .
    ثانيا : في فروع الدين وتعاليمه :


    اما القسم الاخر من التعليم الديني فهو ما يتعلق بفروع الدين وتعاليمه التفصيلية . ان الامر يتطلب هنا طرح المواضيع بنحو اوسع مما هو متداول على الالسن ، كانه يشرح للطفل مثلا عن الحدود والحقوق التي يقول بها الدين ، وموقفه ازاء جميع الامور الحياتية ، فيما يلي نشير الى قسم من تلك التعاليم :

    1- في العبادات :


    يختص قسم من التعليم بالعبادات والفرائض كالصلاة والصوم والحج والجهاد والخمس والزكاة ، والخ ـ التي يتعلم الطفل بعضا منه عمليا والبعض الاخر يتعلمه نظريا . وينبغي في موضوع الصلاة تعويد الطفل عليها وهو مابين 2-3 سنوات من العمر ، كأن يقف الى جانب امه او أبيه ويصلي ولو من باب اللعب والتسلية .

    التربية الدينية 72

    نقل عن الامام الصادق (ع) انه قال بشأن الصيام « اننا نوقظ أبناءنا الى تناول طعام السحور في سن السادسة و .... وحين يبلغ السابعة من عمره نشجعه على تحمل الجوع والعطش لعدة ساعات ، كأن يصوم هذا اليوم من الصباح وحتى الظهر ، ثم يصوم اليوم التالي من الظهر وحتى الغروب .»
    أما مواضيع الحج والجهاد فتطرح في الغالب على شكل معلومات نظرية ، او سيرة شخصية حينما تتوفر الارضية المساعدة . ويجب ان تبذل المساعي في جميع الاحوال الحث الطفل على معرفة أمثال هذه الحقائق والقضايا ليعتاد عليها نفسيا .
    2- في الاحكام والتعاليم :


    يتضمن الاسلام تعاليم تحدد الصورة التي ينبغي أن يكون عليها قول الانسان او فعله ، وعلى الطفل ان يفهمها عمليا .فيتوجب عليه مراعاة المظاهر الدينية والتحلي بالاداب الاسلامية بحيث يكون فعله كفعلكم مرتبطا بالله ؛ كان يدعوا الله مثلا ، ويحمده ،ويشكره بعد تناول الطعام ، ويجعل الله نصب عينيه في كل أعماله ، ويتعلم الامانة ويلقن بمصاديقها ، ويتواضع للقرآن تأدبا ، ويعرف جزاء الكذب والخيانة ، وان عاقبة البغي وخيمة ، والتخريب فعل مذموم ، وان تجاوز حقوق الاخرين خصلة سيئة . وعلى الطفل ان يتعلم واجباته تجاه الاب والام والاقارب والاصدقاء والزملاء ، ولينظر الى والديه والقائمين على امره نظرة تكريم واحترام ، ولا ينسى صلة رحمه ، وان يتعامل مع الاخرين بتفاهم ومحبة .
    يجب على الوالدين ان يعلماه منذ الصغر ويعوداه على الدعاء الاخرين ايضا حينما يدعوا لنفسه بالخير والسعادة ، وان يكون في قلبه حب الخير للاخرين ،

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 73

    وان كانت هذه الادعية لاتتجاوز الالفاظ والكلمات ، الا ان تأثيرها في نفسه سيتضح اثناء العمل ، فهي تغرس في نفسه حب الاخرين وتجعله مستعدا للتآخي والتآلف مع الاخرين .
    3- في المواقف :


    يتمثل أحد اهداف التربية في تعليم الطفل كيفية اتخاذ المواقف ازاء الجوادث المختلفة العارضة له في مسار الحياة ، وما هو الاسلوب الذي يتخذه في التعامل معها .ماهي المواقف التي تتطلب الشدة والصلابة ، وما هي المواقف التي تستدعي اللين والمرونة ؟ وهل عليه أن يتبع الاهواء أم يتبع الحق؟
    ويفترض بنا ان نعرض الطفل منذ الصغر الى المواقف التي تستهوي القلوب وتسحرالالباب. ونعلمه كيفية الصمود امامها ، وعدم الانهيار امام مغرياتها . وان لا تؤدي له الهواجس والحياء وضعف الشخصية الى الانحراف ، ولا يكون فريسة لشهوات الطامعين ، وان يقف بصلابة أزاء كل ما يخرجه عن الحدود المتعارفة . وان يكون ميله الى الاشياء نابعا عن دوافع معقولة ، ونفوره وتصديه لاخرى قائما على اسباب واضحة ومفهومة ايضا ، وان تكون لديه القدرة للدفاع عن معتقداته في حدود تفكيره .
    ان اللاأبالية مرض يصاب به الطفل من الصغر ، وهو ناتج عن توصيات وتأكيدات وعمل الوالدين والمربين الذين يحذرونه دوما ـ حفاظاً على سلامته ـ من الاهتمام بشؤون الاخرين فيقولون له : لاعلاقة لك بالاخرين ، وما هو شأنك والطفل الفلاني اذا تشاجر مع الاخرين ؟ .. فيكون نتيجة ذلك ان تعتاد نفسه على التحسس ازاء الاوضاع التي يعيشها الاخرون ، في

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 74

    في حين أن عليه ان يتمرس منذ الصغر على مقارعة الظالم واعانة المظلوم .

    في آداب الحياة الدينية :-


    للحياة الدينية آدابها وأصولها التي ينبغي للطفل ان يسعى منذ البداية للانسجام معها والتحلي بها ، من امثال : معرفة قيمة الوقت والالتزام بالعمل ، واتقان الاشغال التي يكلف بها ، ورعاية حدود وحقوق الاخرين ، والاستئناس بالعمل ، والنهوض المبكر من النوم ، والميل الى الاستراحة والنوم بعد صلاة العشاء ، وتقسيم اوقاته في الليل والنهار الى ساعات للعمل ، وساعات للاستراحة ، والتسلية وغيرها من عشرات المسائل الاخرى . وكذلك يجب ان توضح للطفل حدود الخجل والحياء ، وذلك لان بعض الخجل ينطوي على نتائج خطيرة . وان كثير من الاحتياطات المشوبة بالحذر تؤدي فيما بعد الى نتائج مدمرة . وهناك ايضا الكثير من المواضيع الاخرى التي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار في تربية الطفل مثل : حدود التزيين والتجميل ، وفي نوع الثياب وارتدائها ، وفي المأكل والمنام ، وكيفية مصاحبة الاخرين ، واسلوب مراعاة عواطف المحبة ، وحدود الخدمة والتضحية ، صحة العمل ، وضبط النفس ، وادارة الشؤون الذاتية وصيانة الذات . وهنا تتجلى بوضوح العلاقة بين الدين والاخلاق .

    في فلسفة الحياة :


    وتستلزم التوجيهات التربوية أيضا طرح موضوع فلسفة الحياة والسبب الذي من اجله وجدت الحياة ، والهدف الذي نعيش لاجله؟ ويمكن للوالدين خلال حياتهما اليومية طرح تفاسير وتعاليل كثيرة عن سر ومفهوم هذه الحياة لاطفالهم من أجل صياغة افكارهم بما ينسجم والمفاهيم الاسلامية .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 75


    قد تكون نظرة الوالدين للحياة نظرة سلبية ، أو ايجابية . يحتمل انهما ينظران للحياة بمنظار اسود او احمر . فبعضهم يعتبر ما في هذه الدنيا من زينة وأموال مجرد جيفة نتنة ، يبنما يعتبره آخرون وسيلة أو غاية . وقد يكون فهمهم للتوكل ، والصبر ، والزهد ، والتقية ، فهما بناء ، او قد يكون فهما سلبيا هداما .وعلى اية حال سيكون لهذه المناهج التربوية دورها الفاعل في تعليم الدين للاطفال ؛ وان مصير الطفل يتوقف عليها بشكل أو آخر .
    يجب ان ينصب جهد المربين على هذه الاساليب في تعليم الطفل وتعريفه بفلسفة الحياة والغاية منها ليفهمها بالصورة التي يرتضيها الدين ، وان يطرح موضوع الدنيا للطفل وكأنها شيء يستحق الاهتمام به . وهذا ما ينبغي التدرج في طرحه من سن السابعة حيث تشتد رغبته في الحياة ، ويتزايد أهتمامه بالحصول على المعلومات بشأنها .
    وعلى كل حال فلا ننسى ان فلسفة الحياة من وجهة نظر الاسلام سيتعرف عليها الطفل ويؤمن بها من خلال المشاهدة والمعايشة لحياة الوالدين ، والا فان الاراء والاقوال لا تكفي لتكوين وجهة نظر فكرية في هذا الميدان .
    ج - في موضوع المناهج :


    نتناول في هذا الموضوع الاساليب والسبل التي يجب نهجها في تربية الطفل ، وصياغة افكاره وشخصيته . فما هي الاجراءات المتخذة في تعليم الاطفال ؟ وما هي السبل المفترضة في تربيتهم ؟ وما هي الادوات والفنون الممكن استثمارها في بنائه؟ ويمكن ان نتحدث في هذا الصدد عن

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 76

    الابواب التالية :
    1- في موضوع التعليم :


    هنالك أساليب وفنون مستخدمة في التعليم لغرض تربية الطفل تربية صالحة ، وأهمها السير في عالم الطبيعة وفي الافاق والنفس ، ومنها ايضا التذكير في المواضع التي يكون فيها مجديا ، والتفكير في النفس وأبعادها الوجودية ، وكذلك الحث على التمعن والتدبر في الامور ، والتعقل والاستدلال والاستفادة من التجارب الشخصية ، والسياحة وزيارة الاماكن المقدسة ، ثم الاستفادة من كل ذلك للتوعية واستخلاص العبرة و... الخ .
    لاتقتصر الدروس الدينية على المواضيع الذهنية الصرفة ، لانها ستكون والحالة هذه جافة لا طائل من ورائها ، ولكن أحيانا يمكن توجيهه نحو مشاهدة العناصر الموجودة امام ناظريه من جمال الخلق والطبيعة ، الى الدين وما فيه من تعاليم قيمة ، وعظمة الخالق وقدرته المتجلية في أعماق روحه .
    لايعني الاسلوب التربوي الهيمنة التامة على فكره وعقله ، واستعباده . ولهذا السبب فهو لايتمثل في السعي لالقاء المواضيع الجافة التي لاتجدي شيئا ، بل يتلخص في الاستعراض العملي والمعاينة الواقعية لصورة الدين الحقيقية في الحياة العائلية ، وفي المواقف العملية الهامة .
    ينبغي رفع مستوى ادراكاته عن طريق الاسئلة ، وتقوية قدرة التعميم لديه بأسئلة كهذه : من خلق الارض ؟ من خلق الشجر ؟ من أوجد الماء ؟ من أوجد السماء ؟ ... الخ ، ليستنتج من ذلك أن ادارة الكون وتدبيره تسير بمشيئة الله وبقدرته .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 77

    وعلينا ان نجعل من الله شيئا مهيبا ومحبوبا في ذهن الطفل ، وأن نحاول تسريب روح الدين الى أعماق وجوده ، وازالة الشكوك من كوامن نفسه . ولتكن اساليب التعليم مسموعة ومرئية ، لا بل خاضعة للادراك واللمس لكي تستهوي اليه الطفل وتدفعه الى الاعتقاد والايمان بدينه قلبيا .

    2- في موضوع التربية :


    تقوم ترية الطفل دينييا على جملة من المسائل والمواضيع أهمها :

    * احياء الفطرة :


    تكمن في ذات الطفل وفطرته نوازع تسوقه صوب التقوى ، والعدالة ، والاخلاص ، والطهارة . فالصفاء والطهارة أمور يمكن ملاحظتها لدى الاطفال في مختلف ارجاء العالم . فلا نعرف في كل العالم شخصا أكان ينبغي في طفولته سوى الخير والصلاح ، والنبل والاخلاص ، أو ان لا يستحسن اعانة المظلوم . يعتبر احياء الفطرة بذاته خطوة نحو الامام ، وله دور هام في تربية وبناء الاطفال الى فطرته ، واستحصال الحكم من ضميره ، وجعل حظه ونصيبه على أساس ما يقره ضميره وفطرته .
    تتطلب تربية الجيل السعي لمناصرة الحق لا غير ، وتجسيد هذا المنهاج امام الطفل بعيدا عن آية شائبة ، ومنزها عن أية مصلحة وان نسمح لفطرته ان تبقى سليمة لا يمسها اي سوء ، يبقى الطفل بريئا وصادقا وصالحا ، وميالا للفضائل .

    السابق السابق الفهرس التالي التالي