تربية الطفل دينيا واخلاقيا 21

ولا أحد فوق القانون ، ولا يمكن أن يدعي لنفسه في القانون أكثر ، من الاخرين . فالحكم لله وحده ، والقانون صادر عنه وحده لاعن سواه ، والكل منقاد له ، فواحد يؤدي دور الحاكم ، والاخر دوم المحكوم ، وهذه من المزايا الفردية للتربية الاسلامية .

  • لليوم أم للغد ؟

  • والبحث هو : هل أننا نربي الفرد لهذا اليوم أم للغد ؟ وهل نركز في موضوع التربية على الحاضر أم على المستقبل ؟ فكما نعلم ان الكثير من الانظمة تسعى لفرض كثير من المصاعب الشاقة على الطفل ، ليتنعم في المستقبل بنعم الحياة . وقد يتبادر هذا السؤال الى ذهن كل متأمل ، وهو : اذا لم يصل الفرد الى المرحلة المطلوبة من النفع ، ارق الدنيا ، فما هو موقفنا أزاءه في مثل هذه الحالة ؟ وانطلاقا من هذه الرؤية فاننا نعتقد أن السنوات التي تمر على الطفل والصبي تعتبر جزءا من عمره ، وينبغي له التمتع بها في حدود الضرورة والامكان . ومعنى ذلك : كما ان التمتع بالحياة ضروري ، فان اعداده الجيد ضروري ايضا ، وبعبارة أخرى ان لا نأخذ اليوم بنظر الاعتبار فقط ونتجاهل الغد ، أو على العكس أن نهتم بمستقبل الطفل ونهمل حاضره .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 22

  • اتجاه التربية وأبعادها :

  • للتربية اتجاه واضح وهو الكمال ، ولها أبعاد تشمل كل جوانب الحياة ، ويجب أن يوجد أتصال بين أبعادها لوجودية ؛ لاننا نهدف في التربية الاسلامية الى أقرار نوع من العلاقة بين الفكر والمادة ، والعقل والمشاعر ، والدين والدنيا ، واللذة والالم ، والظاهر والباطن ، والمادية و المعنوية . فلا يتنامى جسم الانسان وعقله باق يراوح في مكانه ولا يتضخم ظاهره ويضل عقله صغيرا تافها .
    فالتربية يجب أن يمتد ظلها ليطي كل أبعاد الانسان ، فينمو العقل بنفس النسبة التي تتنامى فيها المشاعر ، وكما يكبر البدن ترتقي معه الروح ايضا .والمهم أن يتغذى العقل بمعرفة الله تعالى ، لكي لا ينحرف عن الخير والصلاح ، ولا يقع في مهاوي الشر ، وان لا ينفصل العلم والايمان عن بعضهما ، لان أنفصالهما ينطوي على مخاطر جمة .
    لا انفصال في التربية الاسلامية بين الجسم والروح ، فلا يمكن التحدث عن الحياة المادية بمعزل عن النفس ، ولا يمكن أقامة أي وزن لهذه الدنيا فيما لو فصل عن للاخرة ، ولا قيمة للاخرة من غير وجود الدنيا .

  • على طريق بلوغ هذه الاهداف :

  • من الضروري ان يكون هنالك تعادل وتوازن في تربية جميع تلك الجوانب لاجل بلوغ تلك الاهداف ، فيجب تدريب العقل على الدليل

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 23

    والبرهان في نفس الوقت الذي يربى في الجسم بالطعام ، وتدربه على الرياضة .وكذلك جوانب الحياة الاخرى ينبغي أن تحظى بنفس الاهتمام والرعاية . فالتفكير يقودنا الى التوغل في اسرار الوجود وكشفها ـ ويمكن تربية بقية القوى بشكل متعادل عن طريق التأمل في عالم الخلق وفي حياة الكائنات الحية ، وفي ارتفاع السماء ، واستواء الارض .
    عندما يترعرع الطفل ويكبر تتسع لديه الجوانب المعنوية بالتدريج ، ويبدأ التفكير في موضوع الخالق ، ونحثه بين سن 6 - 7 سنوات على الصلاة ونعلمه الركوع والسجود ، وعند نهاية السنة السابعة من عمره نعلمه غسل الوجه واليدين تمهيدا لتعليمه الوضوء ، وأخيرا نعمل على تنظيم كل الحياة المادية والاجتماعية بشكل يتيح لنا ان نطرح من خلالها الحياة المعنوية .

  • محتوى التربية :

  • القضية التي يجب ان تبحث هنا ، ماهية المواضيع التي يفترض بنا تعليمها للطفل في سبيل تربيته بالشكل الصحيح ، وما نوع المواضيع التي يجب علينا تدريسها اياه ؟ ويستنتج من دراسة الفكر الاسلامي وجوب تعليم الطفل مجموعة من الامور التي تنفعه في الكبر ، وهي في نفس الوقت تدعونا للتأمل في الابعاد والجوانب التالية: ـ
    1- اهتمام الاسلام بالاهداف التربوية ، ووجوب معرفة ماذا يجب تعليمه للطفل.
    2- ان الاسلام يحث على طلب العلم في اي مكان ، وعلى يد اي كان ، ومن المهد الى اللحد .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 24

    3- ان الاهتمام بتربية الجيل الجديد لا يقتصر بالضرورة على نفس الاساس الذي وفقه الوالدان .
    4- الاستعداد للدفاع عن النفس والمجتمع ، وكذلك عن الدين ، وبأفضل وجه ممكن .
    5- يؤكد الدين على ضرورة استثمار نعم الحياة المتاحة امام الانسان ، وكل ما هو متوفر في عالم الوجود .
    6- الارتباط مع الخالق من باب الحمد والثناء والعبودية ، له وبهدف بلوغ مرحلة الكمال .
    7- الاطلاع والمعرفة بالتعليمات والضوابط اللازمة لاستمرار الحياة الفردية والجماعية ؛ وعلى هذا فان محتوى التربية يشمل جميع المسائل والمجالات التي نحتاجها في حياتنا اليومية ، ولا تناقض في هذا المحتوى مع رؤية للجوانب المختلفة . فالطبيعة ـ وهي كتاب الله الواسع ـ لاتتعارض مع كتابه المنزل ، ولا مع سنته ، ولا تنطق بما يتناقض معه . ولا يلاحظ اي تنافر مع الهدف ، أو الاتجاه المؤدي اليه ، وبرامجه يكمل أحدها الاخر طوليا لا عرضيا .

  • أسلوب التربية :

  • نقصد من الاسلوب مجموعة المساعي والوسائل والادوات التي تساعدنا على الوصول الى الهدف ، وتعجل من سرعة عملنا . ويتناول هذا الموضوع بحث النقاط التالية : ـ
    1- أسلوب التعليم الذي يقوم على اساس : الايحاء والتلقين ، والمشاهدة

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 25

    والدراسة ، والتفكر والتعقل والتدبر ، والتجربة والتكرار ، ويستفاد في كل ذلك من الوسائل والاجهزة السمعية والبصرية .
    2- أسلوب التربية ، ويشمل جانبي بناء النفس وأعادة صياغتها من جديد .
    ويجب ان يراعى في تربية الطفل بناؤها على الضوابط المدروسة من بداية الحياة حتى نهايتها.
    يفترض في اعادة بناء الشخصية ان الطفل قد سلك طريقا تربويا خاطئا ، وان الضرورة تفرض الان هدم بنائه السابق واعادة صياغته من جديد.
    3- الفنون والادوات المستخدمة في التربية تؤدي الى تسهيل أمر التربيـة من جهة ، وتشكل من جهة اخرى نوعا من السيطرة والضمان التنفيذي للبرنامج التربوي .

  • الفنون والادوات التربوية :

  • يمكن الاشارة هنا الى كثير من الفنون ، ويتمثل أهمها فيما يلي : ـ
    1- الايحاء من قبل شخص الى شخص آخر .
    2- طرح القدوة المثل الذي ينشده الاسلام .
    3- التلقين ، وهو في الحقيقة تذكير من والى الذات .
    4- التفكير والتعقل والتدبر في الامور .
    5- المشاهدة العينية ، والتجربة ، والابصار والسمع ، واللمس ، والتذوق ، والشم ، والاستدلال ، وسرد القصص ، والتشجيع ، والاستحسان ، والتقدير ، واللوم ، والتنبيه ، والتهديد ، والسير في آفاق النفس ، والبرهان ، والمنطق ، فيستخدم بعض هذه الفنون في الجانب التعليمي ، وبعضها في الجانب

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 26

    التربوي ، ويستخدم القسم الاخر منها في كلا الجانبين وبما يتناسب مع واقع الحال .
    ولا يفوتنا ذكر بعض الجوانب الاخرى المفيدة في هذا السياق من قبيل المعاشرة والصداقة ، والامر والنهي ، والانتباه الى ظواهر الامور وفوائد ذلك والعادة و النصحية ، والانذار والتنبيه ، وما شابه ذلك .

  • مبادئ تربوية :

  • هنالك مجموعة مبادئ يجب تطبيقها في تربية الطفل ، وأهمها : ـ
    1- مبدأ المحبة ، وعلى أساسه يقوم العطف والحنان .
    2- مبدأ التشجيع : يخلق لدى الافراد دوافع السعي والحركة .
    3- مبدأ القيد الذاتي ، حيث لا ينبغي ان يرى الطفل نفسه حرا في ممارسة أي فعل من غير أن يأبه لاي شيء .
    4- مبدأ الاعتدال الذي ، يلزم الانسان تجنب التطرف والتفريط .
    5- مبدأ الحرية ، بشرط ان تكون مقيدة وغير متحللة .
    6- مبدأ تهذيب البيئة الاجتماعية : لان مايراه الفرد وما يسمعه في البيئة الاجتماعية له آثاره الفاعلة في نفسه .
    ولكي تأخذ تربية الجيل دورها المطلوب والمؤثر ، يصبح من الضروري ضبط ومراقبة القصص ، والتمثيليات ، والفنون ، والاداب ، والمسرح والامثال المتداولة في المجتمع . وأن نهتم أيضا بتعديل الغرائز ونحول دوم تضخيمها او التقليل من شأنها ؛ فلغريزة الطعام والجنس والغرائز الاخرى أيضا ـ كحب الذات ـ مكانتها ، ولكن يجب ان تكون في وضع معقول .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 27

  • المسير بين قطبين :

  • يفترض في التربية أن تجعل الانسان يشعر وكانه سائر بين قطبين الافراط والتفريط ، والسلب والايجاب ، والخوف والرجاء ، والمادة والمعنى ، ولا يعني الاعتدال سوى هذه الحالة . ولو ألقينا نظرة على الاسلوب التربوي في القرآن لادركنا وجود نفس الحالة التي ذكرناها . فنجد آيات العذاب والعقاب في جانب ، وآيات الثواب في جانب اخر . ونلاحظ أنه يشعر الانسان بالعجز والقنوط من جهة ، ويحذره من اليأس من جهة أخرى .ويطرح مسألة النعيم في كفة ومسألة الجحيم في الكفة الاخرى ، ويتحدث في مكان عن سقاة الشراب في الجنة وفي موضع آخر عن مالك خازن النار . ويشير في جانب الى وجود « سلام عليكم طبتم» (1) وفي جانب آخر الى «لا مرحبا بكم»(1) .
    هذه المسالة مهمة ، ويجب أن توضع موضع الاهتمام عند تطبيق تلك الاساليب . فمثلا يجب أن توخذ بنظر الاعتبار في العقوبة والتشجيع ، وعند ملاطفة الطفل ومداعبته ، وفي حالة مراقبته وضبط حركاته وتصرفاته ، وحين منامه وطعامه ، وفي جميع أموره الاخرى .

    (1) الزمر 73 .
    (2) ص60 .
    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 28

  • على طريق تطبيق تلك الاساليب :

  • ان تطبيق هذه الاساليب لاجل بناء كيان الطفل يستلزم مراعاة هذه النقطة : وهي على الوالدين والمربين كسب المعلومات الكافية في هذا الميدان ، واختيار الاهداف والاسلوب الواضح في التربية ، بحيث يتعود الطفل على معرفة الموقف الذي يتخذه في مقابل أساليبهم وتصرفاتهم .
    ومن جهة آخرى يجب توفير مستلزمات التسلية ، أو الوسائل التي ينشغل بها الطفل من الصباح حتى المساء ، وملء أوقات فراغه بشكل مفيد ؛ لان الفراغ يولد لديه الضجر ويحمل بين طياته الكثير من المخاطر .
    ومن جهة ثالثة يجب أن تكون تسليته وأنشغاله من النوع الذي يمهد له السبيل لمواصلة العمل ، ويعده لحياته المستقبلية ، من أمثال الالعاب ، وسرد القصص ، وذكر الله والمطالعة ، والتفكير ، والعلاقات الاجتماعية البناءة ، وتبادل الزيارات ، والهوايات، والاهتمامات الاخرى ، و الترفيه ، والانشغال بالاعمال المنزلية ، واللعب بالادوات والوسائل التي تقوي في الفرد روح البناء والابتكار ، وتعينه على بلوغ هذه الاهداف .

  • التربية والتباين :

  • لا يختلف اثنان في أن الناس متباينون مع بعضهم في جوانب شتى ، وأن أفضل النظم التربوية هو ذلك النظام الذي يأخذ كل ذلك التباين بنظر الاعتبار . لقد أدركنا من خلال التجربة والعمل أن درجة تعلم الناس لا

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 29

    تقاس بميزان واحد ، ولباهم يتقدمون بنفس الدرجة ، اذن فالقابليات والاستعدادت يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار ، وأنطلاقا من هذه الرؤية ، اذن فالتربية ذات طابع فردي وهذا هو نفس التباين الذي يفرض علينا القول بأن هنالك اختلافا بين تعليم البنين وتعليم البنات في نظام التربية الاسلامية . وهذا الاختلاف يرتكز على الجانب الظاهري ، وينظر الى المهام التي سيتكفل بها كل منهما في المستقبل .
    لا تداخل في نظام الحياة الاسلامية بين واجبات الرجل وواجبات المرأة الا في نطاق محدود ، فالرجال يجري أعدادهم للعمل والجهد وكسب العيش وتمشية عجلة الاقتصاد ، والنساء لتربية الجيل الشجاع والمقتدر من النساء والرجال ، والرجل مكلف بأدارة حياة المرآة من أجل الوصول الى الهدف المذكور ، وعلى التربية عدم اغفال هذه الجوانب .
    ان العالم المتباين للرجل والمرأة في مسائل البلوغ والحمل والولادة وتغذية الطفل وتربيته ، وفي الفرائض الدينية يستجلب تلقائيا مثل هذا التفاوت في أمر التربية .
    وبشكل عام يجب أن يكون الوضع بحيث لا يشعر أي منهما بالحرمان ، و أن يتلقى كل منهما من التربية ما يتلائم مع جنسه وسنه .

  • تربية المعلم :

  • للمعلم في نظام التربية الاسلامية مكانة وأحترام خاص ، بشرط ان يكون حائزا على الشروط والمواصفات المطلوبة في هذا الحقل . يستشف من البرنامج التربوي الاسلامي امكانية أخذ العلم عن أي شخص ، ولكن بشرط

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 30

    ان يكون الانسان في مرحلة من الرشد والنضوج ، أو تحت رقابة وظروف تحول دون وقوعه تحت التأثيرات السلبية .
    يمتاز الاطفال عادة بالرغبة العميقة في تقليد الاخرين ، وبحساسية شديدة في تقبل التلقين والايحاء ، وتمثيل دور البطولة والتأثر بالرموز النافذة اجتماعيا ، وهذه الخصائص تستوجب القول : ان معلم الاطفال يجب ان يتحلى بالصفات اللائقة بهذه المهنة ، ويجب التركيز بالخصوص على الجانب الاخلاقي والبناء الاخلاقي . فالمعلمون يسلكون طريق وعمل الانبياء ، ولهذا يجب ان تتوفر فيهم بعض من صفاتهم وخصائصهم ، وأن يكون نمط حياتهم ، وأسلوب أقوالهم وأفعالهم ، قائما على المعايير والقيم الجوهرية ، وهذا يستوجب العمل على مستويين ؛ الاول : هو صقل حياتهم الفردية وكل ما يتعلق بحياتهم الخاصة ، والثاني : هو تهذيب الجانب الاجتماعي من سلوكهم بحيث يكونون نموذجا يقتدي بهم الاطفال .

  • من خصائص التربية :

  • من الضروري لنا هنا التحدث عن خصائص النظام التربوي في الاسلام ، ونشير في ما يلي باختصار الى عدد منها :
    1- ان النظام التربوي في الاسلام لا يختص بفئة ، أو فرقة ، أو بقعة دون سواها ، بل هو مشاع لجميع البشر ، وفي مختلف أرجاء المعمورة .
    2- ان فترة التربية تمتد منذ الولادة وحتى الممات ، وهذا الامتداد المتواصل هدفه أفادة الانسان من نعم الحياة في عالم الدنيا ، وليكتسب بها الوسائل والمؤهلات التي تعينه على مواصلتها في عالم الاخرة .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 31


    3- اذا كانت نوعية القدرة تعكس توجهات النظام الذي تمثله ، فالنبي (ص) والائمة والصديقون هم القدوات والرموز المطروحة لهذا النظام .
    4- تطهير البيئة من الاوبئة الاجتماعية والاخلاقية ، بسب دورها المؤثر في الحياة .
    5- مراقبة العلاقات والارتباطات والبيئة الاجتماعية ، وهذه من ضرورات التربية ولا مجال لاهمالها .
    6- التربية من موجبات بلوغ الكمال .
    7- تقوم التربية على اساس العمل وفقا للواقع الموجود ، لكن ينبغي عدم غياب الطموح عن الاذهان .
    8- يشاد البناء التربوي على ركائز العلم ، والايمان ، والاخلاق ، والعمل .
    9- يشمل محتوى التربية جميع المواضيع و المسائل المهمة والمفيدة في الحياة .

  • مجرد الاطروحة أم العمل ؟ :

  • لا يقتصر ما طرحناه في حقل التربية على مجرد الطرح المثالي ، أو ما يسمى بمدينة أفلاطون الفاضلة ، بل كلها برامج يمكن تطبيقها عمليا ، وأن من دواعي فخر الاسلام في الماضي والحاضر هو تطبيقه العملي لهذه المبادئ على مدى القرون المتمادية ، وفي بقاع مختلفة من العالم رغم الكثير من المعوقات والموانع التي كانت تعترض علمه . فقد استطاع الاسلام حين أخذ بهذا المنهاج التربوي من ايجاد مجتمع متحد ومتآخ تسوده روح

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 32

    العدل والمساواة ، ويتسم بالتوازن والتضامن والتكافل الاجتماعي .
    ولا نرى اليوم أي مانع يحول دون تطبيق مثل هذا البرنامج ، شريطة حرص أولياء الامر على تطبيقه ، ووضعه في موضع التنفيذ والاهتمام ، ويمكنه أيضا احتلال مكانته المرموقة في العالم فيما لو تم نبذ التعصب القومي والعنصري والفئوي من أذهان الناس .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 33

  • الضمانة التنفيذية :

  • ان الضمانة لتنفيذ هذه الاطروحة في المجتمع الاسلامي هي الايمان بالله والنبي (ص) وما أصدره لنا من أوامر وتعاليم ، وكذلك من خلال الاشراف العام على صورة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتمتين الاسس الايمانية للناس ، وأنارة أفكارهم وبواسطة الاشراف الحكومي عن طريق اجراء القوانين والمقررات ، وتطهير البيئة من المساوئ المؤثرة تربويا ، والتجديد المتواصل لصياغة الشخصية الاسلامية ، ومن خلال تقديس القانون و .... أمثال ذلك .
    ان الفطرة المجبولة على معرفة الله ، وتعاليم هذا الدين المنسجمة مع الفطرة هي أيضا من المحفزات التي تدفع الناس الى تطوير هذه الاهداف وتنفيذ هذا البرنامج .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 34




    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 35


    2 ـ الطفل والدين

  • مقدمة :

  • عالم الاطفال مثير ، وأن مسألة النمو الناتجة عن التغيرات المنسجمة والمتوالية التي تحصل في جميع مراحل حياة الانسان تعتبر أمرا اكثر اثارة ، فالطفل حينما يأتي الى الدنيا لا يمتلك اية معلومات كما يدور في هذه الدنيا ، ثم يبدأ بالحصول على تلك المعلومات تدريجيا ، ولكن ماهية ذلك التعلم ، والانفعالات المتكررة التي تقع في ذهن أو نفس الانسان لكي يتعلم ، والتي يمكن أخضاعها للتجربة لا زالت من المواضيع المثيرة أيضا ، ولم يتمكن العلم الحديث من كشف أسرارها حتى الان .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 36

  • الطفل والدين :

  • من الامور المثيرة في عالم الاطفال هي عالمهم الديني والايماني والاعتقادي . فالطفل مفطور على معرفة الله بسبب طبيعة خلقه التي تضم نفحة من روح الله ، ففي داخله الكثير من الاعتقادات الدينية التي يسعى لقبولها والاقرار بها ومطابقة ذاته معها ، بمجرد أدنى تذكير أو تنبيه من الوالدين والمربين ، وبمجرد العثور على مصاديق لها في العالم الخارجي .
    لا شك أن مفهوم الدين مفهوم واسع يشمل كل جوانب حياة الانسان . لكن الطفل يقبل من الدين ما يتناسب مع رغباته ، وما هو قائم على مشاهداته وتجاربه الشخصية .
    وعندما يزداد نمو الطفل ونضوجه ، وتكثر تبعا لذلك معلوماته المكتسبة ، تتسع دائرة أرتباطه بالدين ، وتمهد امامه الارضية لظهور بعض الحالات عليه ، والتي يمكن تسميتها بالحالات الدينية ، وتبرز بعض ملامحها بين سن 7 و 8 سنوات وحتى في سنوات أقل في بعض الحالات .

  • بداية ظهور الشعور الديني :

  • تتوقف نوعية المظاهر الدينية عند الطفل وما يتصل بها على نوعية تعامل الوالدين والمربين معه . فما أكثر الاطفال الذين يقلدون المواقف والحركات الدينية التي يؤديها والداهم ، وحتى انهم يقفون الى جانبهم متجهين نحو القبلة ويؤدون الصلاة ، أو أنهم يقلدون حركات والديهم في الدعاء ، أو

    تربية الطفل 37

    تلك التي تقترن مع الشعائر الدينية الاخرى .
    تظهر الدراسات التي أجراها علماء النفس بان موضوع الحس الديني يظهر في الاشهر السابقة لسن الرابعة ، وحتى أنه يلاحظ عند بعض الاطفال بين سن 2 -3 سنوات .
    ثم يصبح هذا الشعور واضحا وظاهر مع نمو الطفل وزيادة سنه ، مثلما يلاحظ على الطفل في سن السادسة من مظاهر دينية ورغبة واضحة في أداء السلوك الديني ، وفي مثل هذا السن تبرز لدى الطفل رغبة دينية عميقة ، فهو يرغب مثلا في مناجاة ربه وأقامة نوع من الاتصال معه ، وهذا ما يثير غضب وقلق الوالدين غير المتدينين . ومن غير الواضح طبعا ان مثل هذا الاندفاع سيبقى لديه أم لا ، ولذا ينبغي الانتظار لفترة من الزمن لنرى ما تستقر عليه أحواله . ان للدين معان مختلفة بالنسبة للاطفال في سنوات أعمارهم المختلفة ، الا ان دنياهم منذ سن السادسة تصبح مليئة بحب الله وتعظيمه وأجلاله وحمده والثناء عليه ، والشعور بالخجل منه عند أي عصيان لاوامره ، وحتى قد يبرز ذلك على مظهره ، يتزايد في سن الثامنة فما فوق شعوره الديني ، وتصبح رغبته أكثر عمقا ؛ وبعبارة أخرى يصبح أكثر تدينا ـ فيحاول القيام بما ينال به رضا الله حسب ما يعبر عنه الوالدان والمربون .

  • مدى فهمه لمعنى الاله :

  • منذ السنة الرابعة تتسع رغبة الطفل في حب الاستطلاع ، فيؤدي به ذلك الى معرفة بعض حقائق هذا العالم ، وهذه المعارف تفضي به تلقائيا الى البحث عن مبدأ الوجود والاقرار بوجود الله ، وهذه المرحلة هي السن

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 38

    الطبيعية لمعرفة وجود الله ، اذ يتكون خلالها الشعور بعدم أمكانية ظهور اي شيء من غير علة ، وهذا الشعور يكون الاساس الذي تقوم عليه كل مواقفه وأحكامه .
    فالطفل في سن الرابعة متصل بأبويه ، فيعتبر والده كبيرا ومهما ، ويفهم ان الله مثل أبيه أيضا ولكنه أكبر ، وحتى أنه يرى فيه عضوا من أعضاء عائلته ، والاسئلة التي يطرحها الطفل في هذه المرحلة تعكس وتبرهن صحة هذا الادعاء ، ولعله يتصور عند رؤيته لاية صورة جميلة ولكنها غامضة الاطوار وغير واضحة ، انها الله . ويلصق بها صفة المعبود ، وغالبا ما يشعر بالاشباع والقناعة من جراء اختلاف هذا التصور .
    فحتى سن السادسة يبقى مفهوم الله وصفاته غير متجذرة في ذهنه ، ولكنه بعد سن السابعة يرى فيه قدرة هائلة تفوق أوصاف الوالدين ، فيرغب في معرفة قوانينه وأوامره .
    صفات الله تبدو واضحة امامه الى حد ما ، لكن بعض ابعاده الاخرى تبقى غامضة لديه ، مثل كونه أزليا وأبديا . وتجب الاشارة أيضا الى أن ادراكه محصور حتى الان في نطاق الجوانب المحسوسة لا الامور الذهنية المجردة .

  • ارتباط الطفل بالله :

  • أظهرت التحقيقات بان للاطفال في سن الثالثة رغبة قوية في الادعية والاناشيد الدينية ، وينشرحون لها وخاصة اذا كانت مصحوبة بالاصوات الجماعية ، ومنذ السنة السادسة من عمر الطفل تبدأ علاقته بالله تأخذ طابع

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 39

    الكلام والطلب ، ولا تفوتنا الاشارة الى ان طلباته في هذه المرحلة ذات صورة مادية كالطعام ، ووسائل اللعب ، والثياب ... الخ .
    فهو يتمنى على الله ان تمطر السماء اليوم لكي لا يذهب الى المدرسة ، أو أن لا تمطر لكي لاتبتل وسائل ألعابه ، ويدعو ربه أحيانا لكي يجعله ولدا طيبا ، او ان يحول دون أبيه كي لايضربه ، أو ان لا يفعل ما يتعارض أرادة الله .
    وفي بعض الحالات يكون دعاؤه مضحكا ، فهو مثلا يحب أباه كثيرا ؛ لذلك يدعوا أن يموت بسرعة حتى يذهب الى الجنة ، وهذا النمط من التفكير شائع عند الاطفال في سن 5 - 6 سنوات . فيجد في مثل هذه الطلبات والادعية والاماني وسيلة للهدوء والارتباط بالله ، وكلما تقدم السن أزدادت رغباته وأمانيه من الله .

  • الاماني المستحيلة :

  • من عجائب عالم الاطفال أدعيتهم التي تفوح بالامل والاماني المستحيلة التحقيق ، فينطلق الاطفال عادة من الامال والمثل التي يعتقدون بها ، فيتمنون على ربهم شتى الاماني ، ويصرن أيضا بشدة على ضرورة تحقيقها .
    فأحد أمنياته مثلا ، أن يرى الله ، ويجلس الى جانبه ، ويتكلم معه ، ويصبح صديقا له ، ويطير معه في السماء .... الخ . ويتمنى ايضا ان يصير كالطير ، وأن يمنحه الله جناحين ليطير بهما . ويدعوا من الله أن لا يموت أبدا ، وأن يبقى أبوه وأمه أحياء أبدا .

    السابق السابق الفهرس التالي التالي