عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 69

ويذكر أيضاً بأن قبة مرقد العباس (ع) كانت مكسوة بالبلاط المزجج (القاشاني) الأزرق المعتم ، ويقول أن أسواق كربلاء كانت ممتلئة بالبضائع والسلع. ويذكر لوفتس ما حدث به واقعة نجيب باشا لكربلاء بأن الكثير من الدور المقابلة للسراي قد تهدمت ولم يتم ترميمها أو بناؤها من جديد(1).
وزار المستر جون أشر ، عضو الجمعية الجغرافية الملكية في لندن كربلاء سنة 1281هـ (1864م) ، وأبدى إعجابه بمدخل كربلاء الذي تقع على جانبيه البساتين الجميلة بمحاذاة نهر الحسينية.
ويستطرد جون أشر وصفه لكربلاء قائلاً « إنها كانت تتميز بحركتها ونشاطها الملموس وأن اسوقاها كانت مزدحمه بالزوار » . وأنه لم يجد فيها ما وجده في سواها من علامات الركود والأنحطاط خلال رحلته. ويشير إلى وجود عدد من مسلمي الهند في كربلاء ومشاهدته لزوار قادمين من إيران وأفغانستان. وصف أيضاً قبة مرقد الحسين والمآذن المذهبة ، والجدران والأفاريز المزينة بالقاشاني الجميل. ويقول عن مرقد العباس بأنه كثير الشبه بمرقد الحسين(2).
وزار مدينة كربلاء سنة 1285هـ (1868م) والي بغداد العثماني مدحت باشا واقام خمسة ايام فيها ، وبعد ان شعر بان المدينة لا تتسع لاهلها والوافدين اليها ، قرر توسيع المدينة من الناحية الجنوبية الغربية فسميت المنطقة بمحلة العباسية (1) .
وفي سنة 1288 هـ ( 1871 م ) زار ناصر الدين شاه القاجاري حفيد فتح علي شاه العتبات المقدسة في كربلاء بدعوة رسمية من الحكومة العثمانية فأنعم

(1) Travels and researches in chaldaea and Susiana, By William Kennett Loftus, F.G.S - pages: 59, 60, 61, 64, 65, London, James Nisbet and Co.
(2) JOHN USSHER, F.R.G.S.: A JOURNEY FROM LONDON to PERSEPOLIS. INCLUDING WANERINGS IN Daghestan, Georgia, armenia, kurdistan, mesopotamia. and persia. pages: 454, 457, 458, 460. London 1865.
(3) جعفر الخليلي : موسوعة العتبات المقدسة ، ص : 132 قسم كربلاء .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 70

على المجاورين للروضة الحسينية بالهدايا وأهتم بالمرقد الشريف. كما تبرعت زوجته السيدة أنيس الدولة بضريح فضي لقبر الشهداء في الروضة الحسينية والذي لا يزال موجوداً إلى الآن(1).
وفي سنة 1295هـ (1878م) قام محمد علي شاه ملك أود سلطان الهند بزيارة مدينة كربلاء وزيارة مرقدي الإمام الحسين وأخيه العباس (ع)(2).
وزارت الرحالة المعروفة مدام ديولافوا الفرنسية مع زوجها كربلاء سنة 1299هـ (1881م) ، وأشادت بالمدينة ومعاهدها العلمية الدينية وقالة : « إنها مدينة تعد من مراكز الشيعة المهمة ، وهي عبارة عن جامعة دينية كبيرة تضم عدداً من المدارس الدينية الكبيرة التي يقصدها طلبة العلم من كافة أنحاء العالم الإسلامي فيقضون معظم سني حياتهم فيها » (3).
وفي سنة 1307هـ (1890م) قام جون بيترز رئيس بعثة بنسلفانيا للتنقيب عن الآثار القديمة ، في نفر (منطقة عفج) في العراق بزيارة كربلاء ، وكتب عنها قائلاً: (إنها تقع على حافة سهل رسوبي خصب يتصل بصحراء الجزيرة العربية. ويبلغ عدد نفوسها حوالي ستين ألف نسمة وأنها بلدة تبدو عليها مظاهر الأزدهار) . أما القسم الجديد من هذه المدينة الذي أنشئ حديثاً خارج السور القديم فيتميز بشوارع واسعة وأرصفة منتظمة بحيث تبدو ولها مظهر أوروبي. ومع أن معظم أسواريها القديمة مهدمة إلا أن أبوابها كانت لا تزال قائمة(4).
وفي سنة 1327هـ (1909م) زارت المس غيرترود بيل (Gertrude Bell) المستشرقة والرحالة البريطانية المشهورة التي عينت فيما بعد سكرتيرة لدار

(1) د. عبد الجواد الكليدار : تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 264 265.
(2) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء. ص : 77.
(3) Madame J. Dieulafoy-la porse: La Chaldee, et la Susiane ( paris 1887 .
موسوعة العتبات المقدسة مصدر سابق ، ص : 301 ، 305 قسم كربلاء.
(4) John punnett peters: Nippuar or Explorations and Avcentures on the Euphrates 1880 - 1890, page: 331, Volume II - second compaign 1897.
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 71

الأعتماد البريطاني في بغداد مدينة كربلاء حيث مكثت فيها أثني عشر يوماً. وتذكر بأن كربلاء بلدة عريقة في التقاليد الشرقية المتصلة بالأماكن المقدسة ، وقد نشأت حول جامع الحسين الذي يضم الضريح المطهر في داخله ، ولقد أصبحت المدينة بالنسبة للمسلمين مزاراً يزورونها بأستمرار(1).
وفي سنة 1329هـ (1911م) زار عمانوئيل فتح الله عمانوئيل مدينة كربلاء وأبدى أعجابه بها ولا سيما (كربلاء الجديدة) وقال عنها بأن طرقها منارة كلها بواسطة القناديل والمصابيح ذات الزيت الحجري.
وأورد عن كربلاء بأن ثروتها واسعة ، وتجارتها فائقة ، وزراعتها متقدمة وصناعتها رائجة شهيرة. وفي كربلاء مستشفى عسكري ودار حكومة (سراي) وثكنة للجند وصيدلية وحمامات كثيرة. ودار برق وبريد ، وبلدية ، وقيسريات عديدة ، وفيها قنصلية إنكليزية ، ويبلغ عدد سكان المدينة نحو 105 آلاف نسمة.
أما التقسيم الإداري للواء كربلاء. فأنه مقسم إلى ثلاثة أقضية وهي : مركز قضاء كربلاء ومركز قضاء الهندية ومركز قضاء النجف ، وغلى سبع نواح وهي : ثلاث منها في مركز القضاء وأسماؤها: المسيب والرحالية وشثاثا وواحدة في الهندية وهي الكفل وثلاث في النجف وهي : الكوفة والرحبة والناجية(2).
وفي سنة 1333هـ (1915م) ثارت مدينة كربلاء بأهاليها وزائريها على الحكومة العثمانية وهدموا مراكزها فوقع بينهم قتال وأنتصر الأهالي في هذه المعركة ، وقد دمرت الكثير من البيوت وتصدع الكثير من المباني في المدينة بما فيها الروضتان(3) .

(1) Bess Gertrude: Amurath eo Amurath, page: 10- second editiom, macmillan snd Co. Ltd. - Londin 1924.
(2) عمانوئيل فتح الله عمانوئيل: مجلة لغة العرب ، ج5/ ص : 156ـ 160 ، 1329هـ (1911م ) .
(3) عبد الحسين الكليدار : تاريخ كربلاء المعلى ، ص : 28 29 ، المطبعة العلوية النجف ، سنة 1349هـ (1931م ) .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 72

إثر أحتلال بغداد من قبل الإنكليز في 11 مارس 1917م وخروج الأتراك من كربلاء في نفس الفترة ، تم تصريف شؤون إدارة المدينة مؤقتاً من قبل عائلة آل كمونة المتمثلة بالشيخ فخري وأخوه محمد علي كمونة.
وبسبب تهريبهم الطعام لتموين الجيوش التركية التي كانت متواجدة في الرمادي وعانة غضب عليهم الإنكليز. في ايلول (سبتمبر) 1917م تم أسر الأخوين ىل كمونة وإبعادهما إلى الهند. وبذلك تم القضاء على (استقلال) كربلاء في تلك الفترة(1).
وزارت الرحالة الإنكليزية مس ستيفنس كربلاء سنة 1337هـ (1919م) وأبدت إعجابها بأبنية هذه المدينة التي قالت عنها إنها تتميز بجمالها الرائع وألوانها وزخارفها ، وتحدثت عن أسواق كربلاء فذكرت سوقاً مسقفاً يبتاع منها الناس سلعهم وتكلمت عن أسواقها الشعبية فقالة : (إنها مليئة بالخضروات والفواكه وأنواع التمور إلى جانب اللوز والجوز) .
وقالت عن مرقد الحسين (ع) : (إنه تعلوه قبة ذهبية وهو يُعد من أغنى وأقدس مراقد الشيعة في العالم وأهم مواسم زيارته هو في شهر محرم الحرام ) . وتكلمت عن مرقد العباس فقالة : (إنه يقوم تحت قبة مشيدة من القاشاني)(2).
وبالرغم من أن كربلاء كانت منطلقاً لثورة العشرين سنة 1338هـ (1920م) بقيادة المرجع الديني الكبير محمد تقي الشريرازي إلا أنها سلمت مع المراقد المقدسة فيها من التعرض لأي سوء. وكانت مدينتا كربلاء المقدسة والنجف الاشرف قد ساهمتا مساهمة كبيرة في الثورة العراقية سنة 1920م وفي تأسيس الدولة العراقية سنة 1921م .

(1) د. وميض جمال عمر نظمي : ثورة 1920 ، ص : 343 ، المكتبة العالمية بغداد ، 1985م .
Sir Arnold T. wilson MP.: Loyalties Mesopotamia 1914-1917, page: 257, 258, Volum.e 1, Oxford Universrty, press London, Humphrey Milford .
(2) Mrs. E.S. Stevens: By Tigris and Euphrates. pages: 39-42, London 1923.
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 73

الروضة الحسينية بريشة البريطاني روبرت كلايف سنة 1850 م وتظهر مئذنة العبد الى يمين الصورة


عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 74

تاريخ كربلاء
منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921

كان لكربلاء دور بارز في ثورة العراق والمطالبة بحريته وأستقلاله ، سنة 1338هـ (1920م) وذلك لأن المرجع الديني الأكبر الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي آثر الإقامة في كربلاء لقيادة الحركة المناهضة لسلطة الأحتلال(1).
وفي غمرة الأحداث التي تطورت نتيجة أستياء الشعب من سلطة الأحتلال البريطاني رأت الحكومة البريطانية أن تمتص غضب المعارضين فأصدرت لهذا الغرض أوامرها لوكيل الحاكم الملكي العام في بغداد ليقوم بالتعرف على آراء العراقيين في شكل الحكم الذي يريدونه ، وذلك بإجراء استفتاء عام(2). وحاولت سلطة الأحتلال أن تُجري الاستفتاء طبقاً لرغبتها. ولكنها فشلت في المدن المقدسة ولا سيما كربلاء ، نتيجة الفتوى الشهيرة التي أصدرها المرجع الشيخ محمد تقي الشيرازي وتأييد العلماء المجتهدين في كربلاء والنجف والكاظمية لها والتي نصت على أنه « ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمام والسلطنة على المسلمين »(3).

(1) عبد الرزاق آل وهاب: كربلاء في التاريخ ، ص : 24 ، مطبعة الشعب ، بغداد 1353هـ (1935م ) .
(2) جعفر الخياط: موسوعة العتبات المقدسة ، ج2 قسم كربلاء ، جعفر الخليلي ، ص : 335 ، 336.
السيد أنولد ويلسون : ولاء سكان بلاد ما بين النهرين 1917 1920 ، ج11/ ص : 108 ، طباعة جامعة اكسفورد ، لندن همفري ميلفورد.
(3) د. وميض جمال عمر نظمي : ثورة 1920 ، ص : 308 ، المكتبة العالمية بغداد 1985م .
غسان العطية : العراق نشأة الدولة 1908 1920 ، ص : 355 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 75

وأخذ جمع كبير من علماء الدين وزعماء العشائر يأمون هذه المدينة لتلقي التعليمات والأوامر من القيادة الدينية وتدراس الوضع في العراق ، وكانت الأجتماعات تعقد لهذا الغرض. وعقد أحد الأجتماعات السرية في دار المرجع الديني الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي لتداول أمر الثورة مما كان له أثره البعيد في أتساع نطاقها وأستمرارها في أكثر المدن العراقية(1).
ولكن بعد بضعة أشهر ، بدأت الثورة تخمد رويداً رويداً لأسباب عديدة من أهمها وفاة المرجع الديني الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي في 14آب 1920م وقيام سلطة الأحتلال بمناشدة الثوار التفاوض معها مما أدى إلى أختلاف في وجهات النظر. وحدث في هذا الوقت بالذات أمر خطير أخر وهو أن الذخيرة بدأت تنفد مما كان له اثره البعيد في إضعاف الثورة ثم توقف القتال(2).
ولم تجد سلطة الأحتلال بُداً تحت تأثير وضغط الجماهير المطالبين بأستقلال العراق من ترشيح الأمير فيصل بن الحسين شريف مكة المكرمة لعرش العراق. وقد حملته طرادة بريطانية إلى البصرة فوصل إليها في 23 حزيران 1921م ، ومنها تحرك بواسطة القطار فنزل مدينة الحلة ومنها ذهب إلى الكوفة والنجف. وفي صباح 27 حزيران 1921م توجه الأمير فيصل وحاشيته من مدينة النجف إلى كربلاء ولم يكن في أستقباله علماء الدين البارزون ، وقد قضى يوماً واحداً في كربلاء زار فيها مرقدي الإمام الحسين (ع) وأخيه العباس (ع) .
وفي صباح 28 حزيران 1921م غادر كربلاء إلى بغداد وبعد ثلاثة أسابيع من وصوله نادى به مجلس وزراء الحكومة المؤقتة التي كانت برئاسة عبد الرحمن النقيب ملكاً على العراق بالإجماع(3).

(1) خالد عبد المنعم : موسوعة العراق الحديث ، ج1/ ص : 189 ، الطبعة الأولى ، الدار العربية للموسوعات بغداد ، 1977م .
(2) ثورة 1920 ، مصدر سابق ، ص : 394.
(3) جيرالد دي كوري : ثلاثة ملوك في بغداد 1921 1958 ، ص : 44 . عبد الرزاق الحسني : تاريخ الوزارات العراقية ، ج1/ ص : 18 ، مطبعة العرفان صيدا/ لبنان ، 1352 هـ (1933م ) .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 76

وفي 11 آذار سنة 1922م ، أي بعد حوالي 7 أشهر من تتويج الملك فيصل ملكاً على العراق ، أغارت قوة كبيرة من الوهابيين على بعض العشائر في الناصرية جنوب العراق فقتلت حوالي سبعمائة شخص ونهبت الكثير من البيوت ودمرتها. وعلى أثر ذلك دعا علماء الدين الشيعة إلى عقد مؤتمر في كربلاء المقدسة في نيسان 1922م وبمناسبة زيارة النصف من شعبان للأحتجاج على غارات الوهابيين. وقد صدرت عن المؤتمر مقررات أهمها المطالبة بالجلاء البريطاني التام عن العراق وإلغاء الأنتداب. وكان من أبرز علماء الدين الذين دعوا إلى هذا المؤتمر الشيخ مهدي الخالصي(1).
وفي 25 حزيران سنة 1922م صادق مجلس الوزراء برئاسة عبد المحسن السعدون على عقد أول معاهدة عراقية بريطانية. وما أن أعلنت على الناس حتى بادرت الحكومة إلى أنتخاب المجلس التأسيسي ، فصدرت الإرادة الملكية لهذا الغرض في 24 تشرين الأول من نفس السنة. لقد أتخذ رجال الدين والوطنيون موقفاً موحداً في معارضة تنفيذها ، وصدرت الفتاوى من قبل العلماء في كربلاء والنجف والكاظمية بتحريم الاشتراك في الأنتخابات(2).
وحينما حاولت الحكومة البدء بالأنتخابات من جديد في 12 تموز سنة 1923م لم تنجح أيضاً بسبب رفض الشيعة تشكيل اللجان الأنتخابية. ولذلك أستقالت وزارة عبد المحسن السعدون ، فالف الوزارة الجديدة جعفر العسكري في 22 تشرين الثاني سنة 1923م ، وكانت تضم بين وزرائها الثمانية وزيرين من كربلاء(3).

(1) العراق بين الماضي والحاضر والمستقبل ، عن مؤسسة الدراسات الإسلامية ، ص : 879 ، طباعة مؤسسة الفكر الإسلامي ، بيروت لبنان.
Stephen Hemsley Longrigg: Iraq 1900 to 1950, Apolitical, Social, and Economic History. page: 140, Oxford University press - London New York Toronto, 1953.
M.M. Al_Basser: History Of the Iraqi Question, page: 196, second edition, printed in Great Britain By Dotesios printers Ltd, 1990.
(2) خالد بن المنعم : موسوعة العراق الحديث ، ص : 206. موسوعة العتبات المقدسة ، قسم كربلاء ، 358ـ 359.
(3) موسوعة العتبات المقدسة ، قسم كربلاء ، ص : 360 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 77

وفي السابع من أيلول سنة 1933م توفي الملك فيصل الأول في سويسرا حيث ذهب إليها لغرض العلاج. وفي اليوم التالي لوفاته توج أبنه الوحيد غازي ملكاً على العراق. وقد شهدت فترة حكمة 1933ـ 1939م أضطرابات وأنتفاضات عشائرية وأنقلابات عسكرية متعددة(1).
وفي سنة 1936م قامت عشائر الفرات الأوسط بحركاتها ضد وزارة ياسين الهاشمي. وكان لكربلاء دور مهم في أجتماعات قادة الحركة ورؤساء العشائر. ونتيجة لتلك الأجتماعات خرج ميثاق أسموه (ميثاق الشعب) يدعو إلى المطالبة بحقوقهم ، وقد بارك هذا الميثاق الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ووقع عليه عدد كبير من رؤساء عشائر الفرات الأوسط في الحلة وكربلاء والديوانية والناصرية(2).
وعلى أثر هذه الحركات قام الجيش بأنقلاب عسكري بقيادة الفريق بكر صدقي في 29 تشرين الأول سنة 1936م لتغيير حكومة ياسين الهاشمي وقد وافق الأخير على تقديم أستقالته بعد ضغوط كثيرة من الأنقلابيين(3).
وفي 3 نيسان سنة 1939م أعلن عن مصرع الملك غازي بحادث أصطدام سيارة كان يقودها بنفسه. وقد وقع الحادث في ظروف غامضة. وقد تقرر في نفس الليلة تنصيب أبن الملك غازي الوحيد فيصل الثاني ملكا على العراق ونصب خاله الأمير عبد الإله وصياً على العرش وذلك لصغر سن الملك(4).
وفي هذه الفترة أخذ قادة الجيش يتدخلون في شؤون البلاد وسياسة الحومة. وقد نجح رشيد عالي الكيلاني في كسب ودهم وقام بحركة عسكرية

(1) د. مظفر عبد الله أمين ، ود. جهاد صالح العمر : العراق في التاريخ ، ص : 682 ، المجمع العلمي العراقي بغداد ، 1983م .
(2) محمود الدرة : الحرب العراقية البريطانية 1941 ، ص : 60 ، دار الطليعة ، بيروت لبنان ، 1961م .
سلمان هادي طعمة : تراث كربلاء. ص : 403 ، 404.
(3) العراق في التاريخ ، ص : 687.
(4) عبد الرزاق الحسني : تاريخ العراق السياسي ، ج3/ ص : 203 204 ، طبعة 6 ، مطبعة دار الكتب بيروت ، 1403هـ (1983م ) .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 78

على حكومة نوري السعيد وشكل حكومة الأئتلاف الوطني في 31 آذار سنة 1941م . وفي هذا الوقت حدثت أزمة بين الحكومة الجديدة والحكومة البريطانية أدت إلى نشوب الحرب العراقية البريطانية ، وقد خرجت المظاهرات في كربلاء تؤيد هذه الحكومة وقيام الجيش العراقي بحركته الوطنية ضد مطامع الإنكليز(1).
وفي وثبة كانون سنة 1948م كان لكربلاء دور في هذه الوثبة حيث قامت المظاهرات الطلابية مخترقة شوارع المدينة هاتفة بسقوط وزارة صالح جبر ومعاهدة بورتسموث. وأثناء تشييع جثمان جعفر الجواهري في كربلاء ، قامت الشرطة بأعتقال عدد كبير من أهالي المدينة(2).
وأثناء أنتفاضة الشعب العراقي في تشرين سنة 1952م ضد حكومة نور الدين محمود العسكرية التي أعلنت الأحكام العرفية فور تسلمها الحكم كان لكربلاء دور أيضاً في هذه الأنتفاضة حيث خرجت المظاهرات في شوارع المدينة تأييداً لها ، ويفعل الضغط الكبير من أبناء الشعب قدمت حكومة نور الدين محمود أستقالتها وألغيت الأحكام العرفية(3).
وعلى أثر الأعتداء الثلاثي على مصر سنة 1956م هبت جماهير الشعب العراقي لنجدة مصر وشعبها ، وكانت كربلاء في مقدمة تلك المدن التي ساهمت في هذا الشأن ، وقاومت السلطة الحاكمة آنذاك فقامت فيها مظاهرة كبير أشترك فيها أبناء المدينة بكافة فئاتهم وكانوا يهتفون بسقوط الحكومة العراقية والمطالبة بمساندة مصر ، مما أدى إلى أعتقال عدد كبير من أهالي المدينة(4).
وأندلعت في 14 تموز سنة 1958م ثورة كانت نتيجة حتمية لنضال الشعب العراقي بكل فصائله السياسية والمهنية ضد السلطة الحاكمة آنذاك(5).

(1) العراق في التاريخ ، ص : 696.
(2و3) تراث كربلاء ، ص : 405.
(4) المصدر السابق ، ص : 406.
(5) العراق في التاريخ ، ص : 738ـ 739. حنا بطاطوك العراق ، ص : 116 ، الكتاب الثالث ، الطبعة الأولى ، مؤسسة الأبحاث العربية بيروت 1992م .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 79

وحظيت كربلاء بعناية الثورة فزارها رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم وعدد كبير من المسؤولين كما زارها رؤساء وملوك الدول الإسلامية وذلك لمنزلتها العظيمة في نفوس المسلمين(1).
على أنه إلى جانب الاثار والنتائج الأيجابية والسلبية التي تمخضت عنها هذه الثورة فإن الدول الأستعمارية والمجاورة كانت تتوجس الخيفة من هذا الحكم ، لذلك أخذت تبذل قصارى جهودها للإطاحة به ، وفي الوقت نفسه لم يستطع عبد الكريم قاسم السيطرة التامة على الوضع الداخلي ، ولذلك اصبح الطريق ممهداً لحدوث الحركة الأنقلابية التي قام بها عدد من ضباط الجيش العراقي بدعم من حزب البعث ومساندة أمريكا ، وذلك في 8 شباط سنة 1963م ، حيث تسنم رئاسة الجمهورية عبد السلام محمد عارف وتولى أحمد حسن البكر منصب رئيس الوزراء وأعدم الزعيم عبد الكريم قاسم ورفاقه(2).
وبعد بضعة أشهر قام عبد السلام محمد عارف بحركة أنقلابية أخرى في 18 تشرين الثاني 1963تخلص على أثرها من البعثيين(3) ، وأستطاع أن يفرض هيمنته على السلطة بمساعدة عدد من كبار الضباط في غياب كامل المؤسسات الدستورية ، وبذلك ساد التوتر في العلاقات بين الطرفين ، حيث أخذ كل طرف يتحين الفرص للأيقاع بالطرف الأخر.
وفي هذا الجو المشحون بالعداء ، سقطت الطائرة التي كان يستقلها عبد السلام محمد عارف الذي كان في زيارة إلى البصرة جنوب العراق في 14 نيسان 1966م وقتل في ظروف غامضة(4) ، وخلفه أخوه عبد الرحمن عارف الذي عرف بضعفه فأتسم حكمه بالتسيب مما مهد للأنقلاب البعثي الثاني في 17 تموز 1968.

(1) تراث كربلاء ، ص : 85.
(2) العراق ، ص : 296 ، 300.
(3) د. مجيد خدوري : العراق الجمهوري ، ص : 286 ، طبعة أولى ، الدار المتحدة للنشر بيروت ، 1974م .
(4) العراق الجمهوري ، ص : 349 350 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 80

وقام البعثوين خلال حكمهم بتسيير البلاد حسب أرائهم وعقيدتهم السياسية القائمة على التعصب الذي يحملهم على أتخاذ مواقف طائفية وعنصرية ، مما كان له أثره السيئ على كربلاء وباقي المدن الدينية الأخرى في العراق ، وفرضت القيود على حلقات الدراسة الشيعية والمسيرات الدينية(1).
وفي 17 تموز 1979م أزاح صدام حسين احمد حسن البكر عن رئاسة الجمهورية وكان نائباً له وجلس مكانه. وأنتهج سياسة العنف وأستعمل القوة طوال سني حكمه الذي أستهله بإعدام الكثير من خيرة أبناء العراق وخاصة من ابناء مدينتي كربلاء والنجف.. وكان على رأسهم المرجع الديني السيد محمد باقر الصدر(2).
ثم أصدر صدام حسين قراراً عنصرياً عام 1980م وذلك بتهجير حوالي نصف مليون مواطن عراقي من العوائل العربية والكردية إلى الجمهورية الإسلامية الأيرانية. وقسم منهم من مدينتي كربلاء والنجف بذريعة أن أصولهم إيرانية. لكن مشكلة المهجرين عرباً وأكراداً ، كونهم من المسلمين الشيعة ، وقد ترك هذا أعمق الأثر في التركيبة السكانية والحياة الأجتماعية والأقتصادية للمدن العراقية ومدينة كربلاء بوجه الخصوص.
وفي ايلول (سبتمبر) 1980م أعلن صدام حسين الحرب على الجمهورية الأسلامية الأيرانية ودامت هذه الحرب حوالي ثماني سنوات حيث أنتهت في أب 1988م ، مما كان له أثره السيئ على كربلاء وبقية أجزاء العراق. وخلفت هذه الحرب اثاراً أجتماعية وإنسانية واقتصادية وسياسية خطيرة مما حمله على غزو دولة الكويت في الثاني من آب (أغسطس) 1990م وعرض العراق إلى أخطار جسيمة أدت إلى تحالف أكثر دول العالم في حرب ضد العراق وإجبار نظام صدام

(1) العراق ، المصدر السابق ، ص : 405.
(2) د. وليد الحلي : حقوق الإنسان في العراق 1968 1988م ، ص : 11 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 81

على الخروج من الكويت في شباط (فبراير) 1991م بعد أن أدى ذلك إلى تدمير وخراب العراق(1).
ونتيجة للأوضاع المتردية وما تراكم من أستياء شعبي لسياسة الحكومة القائمة على الظلم والقهر والإضطهاد والتعصب الطائفي ، أنتفض الشعب العراقي في آذار 1991م ضد النظام القائم آنذاك ، وكان لكربلاء مساهمتها الكبيرة في ذلك ، وقد ظلت الأنتفاضة مستعرة فيها أكثر من أي مدينة أخرى. وكان تدمير مركز المدينة تدميراً كاملاً وخاصة مابين وحول المرقدين شاهداً على بسالة أهلها وبطولة المنتفضين فيها ومدى كراهيتهم للنظام القائم في العراق في تلك الفترة ، وفي نفس الوقت شاهداً على وحشية النظام وسعيه لتدمير المدينة حيث أصابت الصواريخ أيضاً المراقد المقدسة.
وقد حوصرت المدينة وطلب من أهلها أن يتركوا البلدة بأتجاه بحيرة الرزازة التي تقع إلى الشمال الغربي منها بحوالي 12 كلم ورشقت البلدة برشقات متوالية من الصواريخ والمدافع ، ثم أشتد القصف مما أضطر السكان إلى مغادرة بيوتهم بأتجاه البحيرة. وما أن أمتدت حشود السائرين على الطريق مسافة طويلة حتى بدأت الطائرات المروحية تحصدهم وتقتل الأبرياء العزل. وكلما تقدمت قوات النظام كان ثوار كربلاء يتصدون لها بعمليات تعرضية جريئة وأوقعوا بها خسائر فادحة ، وجرى في كربلاء قتال من متر إلى متر ، ومن شارع إلى شارع ، ومن بيت إلى بيت.
وكانت القوات المتقدمة نحو المدينة تتألف من فرقة مدرعة ووحدات متفرقة من الحرس الجمهوري والحرس الخاص وعناصر الأمن الخاص وبقايا المخابرات والامن العام وعدد من المرتزقة الحزبيين. وعند أقتحام المدينة ودخولها ألقي القبض على المئات من شباب مدينة كربلاء وتم إعدامهم فوراً ورمي المئات من

(1) د. وليد الحلي : العراق وآفاق المستقبل ، ص : 61 ، 62 ، 111 ، 117 ، 153 ، دار الفرات بيروت ، 1413هـ (1992م ) .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 82

الأحياء في مقابر جماعية في منطقة الرزازة وأخرى في منطقة الحر قريبا من مرقد الشهيد الحر بن يزيد الرياحي.
وقد تركت قوات النظام وراءها آثاراً دموية مروعة ، ما أضطر الاهالي إلى الأعتصام داخل مرقدي الإمام الحسين وأخيه العباس (ع) . فأمرت قوات النظام بتوجيه مدافع الدبابات والقاذفات إلى المرقدين الشريفين ، وهدمت المباني الواقعة بينهما وما حولهما على من فيها وبقيت الجثث اياماً طويلة تحت الأنقاض. وصدرت الأوامر والتعليمات بقتل أكبر عدد ممكن من أهل المدينة وإنزال الدمار بها وسوق آلالاف من شبابها إلى معتقلات الرضوانية في بغداد ، وتم مطاردة بقايا الثوار الذين لجأوا إلى البساتين المحيطة بالمدينة(1).
وقد تأثرت مدينة كربلاء كبقية المدن العراقية الأخرى نتيجة سياسات النظام المستبد الخرقاء ، حيث فرض حصار على العراق من قبل مجلس الأمن الدولي دام لأكثر من عشرة سنوات ، وبتاريخ 18/ 3/ 2003 ، وجه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إنذاراً إلى صدام حسين وولديه يأمرهم بمغادرة العراق خلال 48 ساعة أو يواجه حرباً مع الولايات المتحدة الأميركية.
وبتأريخ 20/ 3/ 2003 أعلن الرئيس الأمريكي الحرب على العراق وبدأ القصف الجوي على القوات العراقية ، وتحركت القوات المتعددة الجنسيات والمتحالفة مع أمريكا بأتجاه العراق من الجنوب.
وفي 9/ 4/ 2003 سيطرت القوات الأمريكية على بغداد وتم الإعلان عن سقوط نظام صدام ، وحدثت خلال هذه الفترة عمليات النهب وحرق العديد من مؤسسات الدولة من قبل عناصر النظام البائد ، وذلك على مرأى من القوات الأمريكية التي لم تفعل شيئاً.

(1) العميد الركن نجيب الصالحي : صحيفة الحياة ، العدد 12810 ، ص : 18 ، 30/3/ 1998م
الأمم المتحدة : المجلس الأقتصادي والأجتماعي ، لجنة حقوق الأنسان ، الدورة 48 ، 18/ 12/ 1991م ، ص : 39ـ 70 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 83

وفي شهر مايس (مايو) 2003 استلم بول بريمر الحاكم المدني لقوات التحالف في بغداد حكم الإدارة المدنية في العراق.
وفي شهر تموز (يوليو) 2003 تم تأسيس مجلس الحكم الأنتقالي في العراق وشارك فيه معظم رؤساء الأحزاب العراقية المعارضة لنظم صدام المستبد ومن شخصيات عراقية بعضها لم تعرف لها مواقف من النظام البائد. وقد كانت رئاسة المجلس دورية شهرية حسب ترتيب الحروف الأبجدية للأسماء.
وفي شهر أيلول (سبتمبر) 2003 تم تشكيل وزارة مجلس الحكم الأنتقالي برئاسة الحاكم المدني بول بريمر ، والتي تعتبر الوزارة الأولى بعد سقوط النظام البائد .
وفي شهر آذار (مارس) 2004 تم إقرار قانون إدارة الدولة للفترة الأنتقالية.
وفي شهر حزيران (يونيو) 2004 تم تشكيل الوزارة الثانية (الحكومة المؤقتة) بعد سقوط حكم صدام حسين برئاسة الدكتور أياد علاوي.
وفي شهر آب (أغسطس) 2004 عقد أجتماع المؤتمر الوطني لتأسيس المجلس الوطني العراقي الذي ضم مائة شخصية عراقية تم أختيارهم من قبل الأحزاب السياسية العراقية.
وقد شهد العراق سلسلة من الأنتخابات عقب الإطاحة بالنظام البائد ، حيث جرت أول أنتخابات برلمانية بتاريخ 30/ 1/ 2005 لأنتخاب 275 عضواً من أعضاء الجمعية الوطنية الأنتقالية ، وكانت إحدى مسؤوليات هذه الجمعية هي كتابة الدستور الدائم للعراق.
وقد كان للمرجع الديني الكبير السيد علي السيستاني دور مهم في هذه الأنتخابات من خلال دعوته أبناء الشعب جميعاً للمشاركة فيها.

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 84

وفي شهر مايس (مايو) 2005 تم تشكيل الوزارة الثالثة (الحكومة الأنتقالية) برئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري ، وأنتخاب السيد جلال الطالباني رئيساً لجمهورية العراق من قبل أعضاء الجمعية الوطنية والدكتور حاجم الحسني رئيساً للجمعية الوطنية.
وبتاريخ 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2005 صادق العراقيون على مشروع الدستور الدائم في الاستفتاء وبنجاح منقطع النظير حيث كانت نسبة المشاركة أكثر من عشر ملايين نسمة ، ولأول مرة في تاريخ بلاد العربية ودول المنطقة تكتب مسودة الدستور الدائم من قبل أعضاء منتخبين.
وبتاريخ 20/ 5/ 2006 تم تشكيل الوزارة الرابعة (الحكومة الدائمية) برئاسة السيد نوري كامل المالكي ، وأنتخاب السيد جلال الطالباني للمرة الثانية رئيساً لجمهورية العراق من قبل أعضاء مجلس النواب والدكتور محمود المشهداني رئيساً لمجلس النواب.
على الرغم من أن الحكومات التي أعقبت النظام البائد واجهت المشاكل الموروثة وفلول الأرهاب بكل حزم وشدة ، إلا أن عدم قيامها بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وأصلاحها وفق اسس علمية سليمة ومتطورة وأعتمادها لأسلوب المحاصصة والحزبية والطائفية أثر سلباً وبشكل واضح على تقدم البلد وتطوره وتسبب في أنتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري بصورة كبير جداً.

السابق السابق الفهرس التالي التالي