عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 1


عمارة كربلاء
دراسة عمرانية وتخطيطية

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 2




عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 3


عمارة كربلاء
دراسة عمرانية وتخطيطية

الدكتور المهندس المعماري
رؤوف محمد علي الأنصاري


شعبان 1427هـ أيلول (سبتمبر) 2006م

الطبعة الأولى


عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 4




عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 5


إهداء


إلى والدي المرحوم الحاج محمد علي إبراهيم الأنصاري
إلى والدتي المرحومة الحاجة زكية الشيخ علي محمد .
إلى أخويَّ الشهيدين الطالبين الجامعيين إبراهيم ومحمد مهدي اللّذين أعدمهما النظام البائد سنة 1986 م .
وإلى كل الشهداء الأبرار الّذين لم ينصفهم هذا الزمن .

شعبان 1427هـ / أيلول (سبتمبر) 2006م


عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 6


شكر وتقدير


يدعوني واجب الوفاء والعرفان بالجميل إلى توجيه الشكر والتقدير إلى كل الأخوة الأفاضل الّذين ساعدوني في إنجاز هذا الكتاب ، وأخص بالذكر منهم الدكتور نبيل ياسين ، السيد غياث جواد طعمة والمهندس مصطفى صباح جمال الدين .
ولابد أن أسجل ، وبكلّ فخر واعتزاز الشكر والتقدير إلى أفراد أُسرتي كافة لما لمستهُ من دعم لامحدود وهو توفير المناخ الملائم طيلة فترة إعداد هذا الكتاب .

د. رؤوف محمد علي الأنصاري
شعبان 1427هـ / أيلول (سبتمبر) 2006م

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 7


محتويات الكتاب

المقدمة 9
تعريف المصطلحات 15
عوامل نشوء المدن الاسلامية 17
التنوع الحضاري واثره في تطور فنون العمارة الاسلامية 21

الفصل الاول
عمارة كربلاء ... المراحل التاريخية
توطئة 31
كربلاء قبل الاسلام 33
واقعة الطف 41
تاريخ كربلاء من واقعة الطف حتى الحكم الصفوي للعراق 50
تاريخ كربلاء خلال الحكمين الصفوي والعثماني للعراق 61
تاريخ كربلاء منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 74

الفصل الثاني
عمارة كربلاء ... مراحل التطور العمراني
توطئة 85
مواد البناء الرئيسية في العمارة التراثية 87
عمارة كربلاء من واقعة الطف حتى الحكم الصفوي للعراق 95
عمارة كربلاء خلال الحكمين الصفوي والعثماني للعراق 102
عمارة كربلاء منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 110

الفصل الثالث
عمارة كربلاء ... المباني الدينية
توطئة 119
الروضة الحسينية 121

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 8

الروضة العباسية 137
مراقد المعارف في كربلاء 147
المقامات 158
المخيم 163
المساجد 167
الحسينيات 177
المدارس والمعاهد العلمية الدينية 185

الفصل الرابع
عمارة كربلاء ... المباني التاريخية والتراثية
توطئة 200
الاسواق والقيسريات 202
الخانات 212
الحمامات العامة 223
البيوت التراثية 231
حصن الاخيضر 247

الفصل الخامس
عمارة كربلاء ... دراسة الواقع العمراني الحالي للمدينة والاسس العلمية لاعادة تخطيطها وتطويرها
توطئة 257
تحليل الوضع العمراني الحالي لمركز المدينة والمناطق المحيطة به 261
الاعتبارات المعمارية والتخطيطية المقترحة لتطوير مركز المدينة ... 275
الاسس العلمية لاعادة تخطيط وتطوير مدينة كربلاء 291

الفصل السادس
السياحة الدينية
المصادر والمراجع 328

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 9

بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة

تتميز مدينة كربلاء بجمالها وطبيعتها الخلابة والمتنوعة وفنون عمائرها الإسلامية ، وتعتبر واحدة من أهم المدن الحضارية الإسلامية وأشهرها في العراق والعالم الإسلامي ، ويشار إليها بالبنان لمكانتها السامية ولما تزخر به من موروث حضاري وديني ، يتمثل أبرزه بروضتيها الحسينية والعباسية حيث يحتضن ثراهما رفات أبن بنت رسول الله (ص) الإمام الحسين وأخيه العباس بن علي بن أبي طالب (ع) . ولا تزال عمارتاهما تتبوآن مكانة مرموقة وأهتماماً بالغاً بين سائر عمائر المدن الإسلامية الأخرى ، حيث أستوحت تلك العمائر خصائصها من روح الإسلام وتعاليمه السمحة وأستلهمت قيمه ومثله العليا.
جاء في موسوعة الأديان ، الجزء الثالث عشر ، عن دار نشر كولير ماكميلان في لندن : « إن مراقد الأئمة في المدن الدينية ، خصوصاً في النجف وكربلاء ، هي أمتداد للمراكز ذات المنزلة العظيمة في مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وعليه فإن الشعائر الدينية تلعب دوراً مهماً في زيارة هذه المراقد » .
ومن خلال العلاقة الروحية التي تربط المسلمين بكربلاء ومراقدها المقدسة عبر العهود الإسلامية ، شهدت عمائر المدينة تقدماً ملموساً من حيث التخطيط والتصميم والبناء والفنون والزخرفة بأنواعها كافة. وكانت دائماً موضع أهتمام الرحالة والمؤرخين المسلمين وغيرهم ، وعلى أختلاف أجناسهم ، ومن كافة

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 10

الأقطار ، والذين عنوا بتاريخها وجغرافيتها وفنون عمائرها الإسلامية . ولم يقتصر دورها على بناء وتعزيز الحضارة الإسلامية ، بل تجاوزه إلى أبداع ونشر مختلف المعارف والعلوم والثقافات .
وقد لعبت الثقافة الإسلامية دوراً مهماً في تشكيل البنية العمرانية لمدينة كربلاء ، وبأسلوب جعل شهرتها تصل إلى الأفاق . ولا تزال تعكس أجواء المدن التاريخية الدينية لما تتميز به من معالم دينية وتراثية ، كالمراقد والمساجد والمدارس الدينية والحسينيات والمقامات والأسواق والخانات والبيوت القديمة التي كان لعناصرها ومفرداتها المعمارية تأثيرها الواضح على الطابع المعماري الجميل لهذه المدينة ، على الرغم من تعرض أجزاء كبيرة منها إلى التشويه والخراب خلال العقود الثلاثة الماضية.
وتعتبر عمارة المراقد المقدسة جزءاً من التراث الثقافي الإنساني العالمي ، واحد أجمل الصروح الخالدة في تاريخ الحضارة الإنسانية.
ونأمل أن تكون هذه الدراسة ، التي شملت الجوانب التاريخية والعمرانية والتخطيطية للمدينة ، تتناسب ومكانتها الحضارية والدينية ، وخطوة نحو دراسات مستقبلية أخرى.
إن الهدف من تناول عمارة كربلاء في هذه الدراسة يكمن من عدة جوانب:
أولاً: تقديم عرض تاريخي للمدينة خلال مراحلها المختلفة.
ثانياً: تقديم عرض لمراحل التطور العمراني للمدينة منذ أستشهاد الإمام الحسين (ع) في واقعة الطف سنة 61هـ (680م) وإلى يومنا هذا ، وبالخصوص عمائرها ومراقدها المقدسة التي شهدت إنجازاً عمرانياً متقدماً خلال حقب زمنية مختلفة .

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 11

ثالثاً: إبراز الجوانب الفنية والجمالية لعمائر المدينة الدينية والتراثية وبالخصوص معالم فنون عمارة الروضتين وما طرأ عليهما من تطور وأبداع في التصميم والبناء والزخرفة.
رابعاً: دراسة الواقع العمراني الحالي للمدينة والأسس العلمية لإعادة تخطيطها وتطويرها.
تقع مدينة كربلاء المقدسة إلى الجنوب الغربي من بغداد بنحو 105 كلم ، وعند تقاطع درجتي العرض 44.3 درجة شرقاً والطول 32.36 درجة شمالاً. وتبعد عن نهر الفرات غرباً بحوالي 30 كلم ، وتقع على حافة البادية في وسط المنطقة الرسوبية من العراق ، وعلى خط المواصلات الذي يربط العراق بالجزيرة العربية. وتحيطها بساتين النخيل وأشجار الفواكه من ثلاث جهات. ويسقيها نهر الحسينية المتفرع من نهر الفرات. وتقع على شمالها الغربي مدينة الرمادي ، وفي شرقها مدينة الحلة وآثار بابل ، وفي غربها الصحراء الغربية التي تضم بحيرة الرزازة ومدينة عين التمر (شثاثا) وحصن الأخيضر الشهير وكهوف الطار ، وفي جنوبها مدينتا النجف الأشرف والكوفة.
تتألف محافظة كربلاء حالياً من الأقضية والنواحي التالية :
مركز قضاء كربلاء وتتبعه:
أـ ناحية الحسينية. ب ناحية الحر.
مركز قضاء الهندية (طويريج) وتتبعه:
أـ ناحية الخيرات. ب ناحية الجدول الغربي.
قضاء عين التمر.

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 12

يبلغ عدد نفوس محافظة كربلاء حسب تعداد البطاقات التموينية لعام 2005م (850 ألف نسمة) ، أما العدد الحقيقي فيقدر بأكثر من مليون نسمة ، لأن أعداداً كبيرة من سكان المحافظات الأخرى ومن العوائل العراقية التي عادت إلى البلاد بعد سقوط النظام البائد سكنت كربلاء ولم يتم تسجيلها إلى الآن.
تتميز المدينة بكثرة بساتينها ، وخاصة بساتين التمور والفواكه المختلفة والخضروات ، إلى جانب الحبوب ، وتعد إحدى أهم المناطق الزراعية في العراق نظراً لتربتها الصالحة والخصبة ووفرة مياهها.
أما أهم الصناعات فيها ، فإلى جانب الفنون والحرف اليدوية وخاصة النقش على النحاس والزخارف الخشبية وصناعة البلاط القاشاني الذي أشتهرت به مدينة كربلاء ، وكذلك الترب التي يُسجد عليها وسبح الصلاة ، فقد عُرفت المدينة أيضاً بصناعة الدبس (عسل التمر) وكذلك الصناعات الجلدية وصناعة الطابوق الطيني المفخور (الآجر) والجص ، بالإضافة إلى وجود مصانع التعليب والألبان.
وتعتمد المدينة في أقتصادها بالدرجة الأولى على السياحة الدينية ، حيث تفد إلى المدينة مجاميع الزوار على مدار السنة ، خصوصاً في المناسبات الدينية المهمة لزيارة مراقدها المقدسة ، حيث يصل عدد الزائرين من الدول الإسلامية ومن دول أخرى تتواجد فيها جاليات إسلامية كبيرة ملايين الزوار سنوياً ، وهم يشكلون عاملاً مهماً ومستمراً لتحريك السوق المحلية .

د. رؤوف محمد علي الأنصاري
شعبان 1427هـ / أيلول (سبتمبر) 2006م

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 13



عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 14

مركز مدينة كربلاء

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 15

تعريف المصطلحات

مدينة كربـلاء: هي إحدى أهم المدن الدينية في العراق والعالم الإسلامي ، وأحد أبرز مراكز المسلمين الشيعة في العالم .
المنطقة الواقعة بين الروضتين : وهي منطقة الأسواق التاريخية والمباني الدينية القديمة والبيوت التراثية التي أزيلت سنة 1991م ، وفي الوقت الحالي هي الساحة الواسعة التي تقع بين الروضتين الحسينية والعباسية وتحيط بها الفنادق والمحلات التجارية ، ويبلغ طولها حوالي 300 متراً وعرضها 160 متراً.
مركز المدينـة : ويشمل الروضتين والساحة الواسعة بينهما والمنطقة المحيطة بالروضتين والساحة.
المدينة القديمة : وتشمل مركز المدينة والأحياء القديمة المحيطة بالمركز ، وهي على شكل دائري تقريباً ، ويبلغ قطرها أكثر من كيلومتر.
الـضـريـح : ويشمل القبر الشريف الذي يغطيه الصندوق الفضي المشبك ذو السقف الذهبي ، ويعتبر الضريح قلب الروضة.
غرفة الضريح: هي الغرفة الواسعة التي يتوسطها الضريح وتعلوها قبة الروضة المكسوة من الخارج بقشرة خفيفة من الذهب.

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 16

الـحـضـرة : تحتل القسم الوسطي من الروضة ، وتشمل غرفة الضريح وأروقة الصلاة والأواوين المحيطة بغرفة الضريح ، ويحيط بالحضرة الصحن الواسع من جهاتها الأربعة.
الـروضــة : وهي الجامع الذي يحتضن القبر الشريف ، والروضة تشمل الحضرة والصحن الواسع والأواوين والغرف المطلة على الصحن والسور الخارجي للروضة .
ويطلق أيضاً على الروضات (جمع روضة) العتبات المقدسة أو المراقد المقدسة .
وتحتضن مدينة كربلاء روضتي الإمام الحسين وأخيه العباس (ع) .
وأبرز ما تتميز به عمارة الروضتين هي قبابها ومآذنها الذهبية.

الطراز المعماري لأبنيـة المدينة القـديمـة :

يُشير الطراز المعماري لأبنية المدينة القديمة في كربلاء إلى أن تصاميمها متأثرة بخصائص وفنون عمائر حضارات وادي الرافدين والعمارة الإسلامية .

الخصائص والفنون المعمارية لأبنيـة المدينة القديمـة :

إن أبرز سمات وفنون العمائر القديمة في مدينة كربلاء تتمثل بالعناصر والمفردات المعمارية التالية : القباب ، القبب الصغيرة ، المنائر ، العقود (الأقواس) ، الأروقة ، الأواوين ، الصحون (الساحات الداخلية المكشوفة) ، الزخارف بأنواعها خصوصاً المقرنصات والزخارف القاشانية والجبصية والآجرية ، الزخارف الخشبية وبالخصوص الشناشيل (المشربيات) .

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 17

عوامل نشوء المدن الإسلامية

ولدت المدن في العالم الإسلامي ، كسواها من المدن ، في مناطق العالم الأخرى ، نتيجة لأجتماع عدد من السكان على شكل جماعة بشرية متعايشة في بقعة معينة من الأرض لسبب أو أكثر كالخصائص الطبيعية (مياه ، مناخ...) ، أو الأقتصادية أو السياسية أو العسكرية الأستراتيجية. ثم أتسعت تدريجياً إلى هذا الحد أو ذلك حسب الظروف المؤاتية والفترات التاريخية . وهذا الأمر يصدق على المدن التي وجدت قبل الإسلام أو تلك التي تأسست بعده ، سواء بسبب الفتوحات الإسلامية أو لأسباب لاحقة غيرها.
وجاءت العوامل الحضارية والروحية الخاصة بالعالم الإسلامي التي سطع نورها من بيت الله الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة إلى جانب هذه العوامل المشتركة وتأثيرها في الواقع ، لتطبع المدينة الإسلامية بسماتها المميزة. ثم لعبت في إطارها عوامل أخرى لاسيما الأثنية والثقافية الموروثة ونمط المعيشة وأستعمال مواد البناء المحلية أدواراً متفاوتة في خلق معالم متباينة إلى هذا الحد أو ذلك داخل المدينة الإسلامية التي تظل في طابعها العام سمة عمرانية واحدة ، إلا أن ذلك لا يلغي وجود عوامل وقيم أثرت في شكل المدينة الإسلامية كالتحسس والتذوق الجمالي للفن والعمارة .
تبدو المدن الإسلامية إجمالاً ، للوهلة الأولى ، متماثلة الملامح في أبرز خصائصها العمرانية والمتمحورة حول السمات الروحية الخاصة بالإسلام كدين وعقيدة من جهة ، وكنظام أجتماعي حياتي من جهة أخرى ، فرض وبلور من

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 18

جانبه قوانينه التي تركت أثارها في بنية المجتمع لملائمة أحكامه الشرعية. وهذه الحال تعكسها أوجه التشابه الملموسة في الخصائص الحياتية الرئيسية لسكان المدن الإسلامية إجمالاً ، رغم الفوارق النسبية النابعة من تأثيرات موضوعية مصدرها أما الأنتماء الأثني المحدد للغالبية الساحقة (عرب ، أفارقة ، فرس ، ترك ، أكراد ، بربر... ) أو الأنتماء الجغرافي (صحارى ، مرتفعات...) أو المناخي أو غير ذلك. أما من حيث المنشأ في الأصل ، فقد تطرق الكثير من الباحثين في دراساتهم إلى الجوانب البنيوية والعمرانية للمدينة الإسلامية من أمثال لويس ماسنيون ووليم مارسيه ، وأدموند بوتي ، وهنري بيرين ، وكارديه سوفاجيه ، والمستشرق الإنكليزي ستيرن وغيرهم الكثير وذلك بتصنيف نشأة المدن الإسلامية إلى صنفين متميزين جوهرياً هما:

1ـ الحواضر القديمة :

يشمل هذا الصنف المدن التي كانت موجودة أصلاً قبل ظهور الإسلام ثم فتحها المسلمون ونشروا الإسلام فيها بعد أن أستقروا فيها مانحين أياها طابعاً إسلامياً محضاً ، إلى درجة بدت معه كما لو أنها ولدت من جديد كمدن إسلامية لا يربطها أي رابط حضاري أو روحي بتاريخها السابق عن الإسلام ، على الرغم أن بعضها ، أو بالاحرى أغلبها ، من المدن المعروفة سابقاً كمدن وعواصم لإمبراطوريات سابقة على الفتح الإسلامي. وأنها تمتعت بمكانة تمدنية مرموقة أثناء الفترات السابقة كاليونانية والرومانية كما هو الأمر بالنسبة لدمشق وحلب في سوريا. والإسكندرية في مصر. وأسطنبول في تركياً. ولكن ظلت مبادئ التخطيط العمراني القديم لهذه المدن ، ولقرون عديدة ، هي الملامح البارزة التي ظهرت من خلال نمط الشوارع المتعامدة ، المسارح ، الحمامات ، والملاعب .

2ـ الأمصار

ويشمل هذا الصنف حصراً المدن التي أسسها المسلمون بعد الفتوحات الإسلامية ، أو نتيجة لها ، أو بسبب أستقرار الدول الإسلامية وتوسعها. فهذه المدن

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 19

ولدت إسلامية منذ الأصل وتطورت بشكل منسجم كلياً مع الحياة الروحية والسياسية التي بشر بها الدين الإسلامي وكانت لقرون عديدة ، من مراكز الحضارة العالمية. وإلى هذا الصنف تنتمي مدن من بينها البصرة والكوفة وبغداد والقاهرة والقيروان وغيرها من المدن الإسلامية الأخرى المعروفة .
يجمع الباحثون الذين تناولوا بالدراسة ، عمران المدينة الإسلامية الجديدة هذه ، التي كان للإسلام الدور الحاسم في ظهورها وتطورها العمراني ، على أن إنشاءها مر عبر جملة خطوات تبدأ بأختيار الموقع المخصص للجامع ، أي مركز العبادة ، وهو موقع يشكل قلب المدينة أو المحور الذي تتجه له جميع مخارج ومداخل المدينة. وتلي الجامع الأقسام العمرانية الأخرى كالمرافق الحكومية والأسواق ثم البيوت السكنية. كما يعتبرون مكة المكرمة والمدينة المنورة النماذج الأولى للمدن الإسلامية التي أختصت بهذا التخطيط العمراني الإسلامي الخاص .

3ـ مدن الأضرحة

بيد أن هناك صنفاً ثالثاً من المدن الإسلامية الكبيرة والمهمة لا ينتمي إلى أي من الصنفين المذكورين إطلاقاً. إلا أن خصوصيته لم تنل الأنتباه والأهتمام اللازم من قبل الباحثين المذكورين أعلاه. وهو الصنف الذي نسميه « مدن الأضرحة » ، فهذا الصنف من المدن لم يكن موجوداً قبل الإسلام . ولم يولد نتيجة لمتطلبات عسكرية أو للتطور الأقتصادي أو الأزدهار السكاني. إنما وهنا تكمن خصوصيته الجوهرية يتعلق الأمر بمدن نشأت لسبب مغاير كلياً ، وهو تحديداً ، وجود الأضرحة التي تتمثل في جوامع ومراقد أهل البيت (ع) ، فبفعل وجود هذه الأضرحة راحت هذه المدن تنمو تدريجياً ومن دون تدخل من سلطة أو إرادة عسكرية أو سياسية أو أقتصادية ، لتتحول من نوى لمزارات دينية نائية ، إلى مدن دينية ضخمة ، سرعان ما وجدت نفسها تلعب دوراً حضارياً بارزاً ومتزايداً مع مرور العصور الإسلامية اللاحقة. وهذا الدور لم يقتصر في تأثيره على الأفقين الموضعي أو المحلي وإنما راح ، وبشكل واضح ، يؤثر إقليمياً وعالمياً ، وخصوصاً

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 20

في العام الإسلامي بعد أن ذاع صيت هذه المدن لأهميتها الروحية والدينية والثقافية والعمرانية . كما أنها أصبحت مسرحاً يقصده المسلمون من شتى أنحاء المعمورة لإقامة الشعائر والطقوس الدينية في مناسبات معينة أو من دونها لزيارة أضرحتها والتعرف على معالمها الدينية ، وخصوصاً بعد أداء مراسم الحج في مكة المكرمة والمدينة المنورة .
وتركز في العراق عدد من هذه المدن وهي : النجف الأشرف وكربلاء المقدسة والكاظمية وسامراء الحالية والتي تتمتع جميعاً بمكانة مرموقة وتحظى بأهتمام كبير من لدن العراقيين إضافة إلى شأنها الديني البحت الذي يخص المسلمين عموماً في مختلف مناطق العالم وعلى أختلاف أجناسهم .
أما في إيران فتركزت مدينتا مشهد وقم المقدسة اللتان تعدان من المدن الدينية المهمة في العالم الإسلامي . ولا شك في أن هناك عوامل أخرى أسهمت إلى جانب العامل الديني في تطوير هذه المدن وإيصالها إلى ما وصلت إليه من شهرة ومكانة رفيعة. لكن كل تلك العوامل تعتبر ثانوية وطارئة في كل الأحوال إذا ما قورنت بالعامل الديني ، الذي يظل في كل الأحوال السبب الأول والرئيسي في نشأتها الأولى وتطورها إلى حواضر كبيرة. ويظل العامل الديني المحرك الفعلي في أستمرار أزدهارها وتطورها مستقبلاً.

الفهرس التالي التالي